مقدمة: تعد قضية “العدالة الاجتماعية” من أهم القضايا الاجتماعية والسياسية قديما وحديثا، وكانت سببا محوريا لقيام ثورات عديدة في التاريخ البشري القديم والحديث والمعاصر، ولا تزال الشغل الشاغل للناشطين في السياسة وحقوق الإنسان وحركات المجتمع المدني، وهي القضية الأكثر حضورا في الدراسات المعاصرة في الفلسفة السياسية والقانون، وتتباين الرؤى والنظريات في مفهوم العدل الاجتماعي وفي وسائل تحقيقه، وتختلف في تحديد شكل المنظومة القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتيح “أعدل ” توزيع للفرص بين أفراد المجتمع للتمتع بالحقوق، والحصول على النصيب “العادل ” من ثروة المجتمع، وكبح فروقات الثروة الكبيرة التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وانتشار الفقر والاستغلال.ويزداد حضور الموضوع أكثر في العقود الأخيرة، بحيث يشهد العالم تزایدا متسارعا في فروقات الثروة، بين الأفراد وبين الدول، وزيادة مطردة في معدلات الفقر، فحسب إحصائيات مركز أبحاث مجموعةCredit-suisse لسنة 2017 فإن %0.7 من البشر يحوزون على45.9% من ثروة العالم، و 70٪ من البشر يتقاسمون %2.7 من ثروة العالم(1)، مما أدى إلى توالي الأزمات المالية والاقتصادية، وما نتج عنها من آثار سلبية على السلم الاجتماعي، من هنا أصبح موضوع مراجعة المنظومة الرأسمالية المعاصرة في جانبها الاقتصادي والقانوني والسياسي، وفي منطلقاتها الأيديولوجية الفكرية- أمرا حاضرا بجدية في الأوساط البحثية، مع القناعة بوجود مشکلات هيكلية في النظام العالمي؛ بحيث لم تعد السياسات الضريبية وبرامج التأمين الاجتماعي قادرة لوحدها على الحد منها، كما أن الآثار السيئة لهذا النظام على الإنسان والمجتمع والبيئة تستوجب منهجيات تحليلية أكثر رحابة وتحررا من الإطار النادي الضيق.
وفي هذا السياق تزداد مسؤولية المسلم ليسهم إسهاما مؤثرا في هذا النقاش العالمي الجاد، ويعرض ما لديه من نظرية تشريعية تهدي البشرية إلى سواء السبيل، وتأكدت هذه المسؤولية لا انتقل هذا النقاش إلى الدائرة الإسلامية موازاة مع حراك الثورات العربية، وما حملته من شعارات متعلقة بقضية “العدالة الاجتماعية ” بشكل مكلف، فلم يعد مقبولا أن يقف المسلمون موقف المتلقي السلبي الذي لا تتعدى نظرته للموضوع الترجمة والشرح المنظومات مستوردة منبتة عن سياقهم الاجتماعي والتصوري، من دون إسهام حقيقي مستهل بحكمة الوحي والميراث الفكري الضخم للأمة.