سيصدر في نهاية الأسبوع القادم كتاب مهم ، عن منشورات جامعة كمبردج Cambridge University Press،للبروفسور كورت ويلاندKurt Weyland من جامعة تكساس،بعنوان :
مرونة الديمقراطية في مواجهة تهديد الشعبوية: مواجهة الذعر العالمي
Democracy’s Resilience to Populism’s Threat: Countering Global Alarmism
في هذا الكتاب الجديد الذي يتناول الموجة العالمية المتشكلة من اندفاع الشعبوية وإنتشار نجاحاتها في العالم ،ومن خلال 6 فصول يقدم الكتاب تحليل منهجي مقارن لثلاثين من الرؤساء الشعبويين، في أمريكا اللاتينية وأوروبا على مدى العقود الأربعة الماضية، ويكشف أن القادة الشعبويين لا يمكنهم تدمير الديمقراطية إلا في ظل ظروف خاصة ومقيدة.
و يثبت المؤلف أنه على الرغم من التهديدات الحقيقية التي تمثلها الشعبوية، فإن الديمقراطية لا تزال صامدة في أوروبا و أمريكا اللاتينية،وانه كذلك
وعلى عكس كل التوقعات، أبت الشعبوية أن تختفي واستطاعت أن تنتج على مر اكثر من خمسين سنة،نسخ مؤقتة ،وأن كل نسخة من الشعبوية ظلت ظاهرة مؤقتة كذلك، و أثبتت الشعبوية كاستراتيجية سياسية أنها متكررة وغير قابلة للقمع؛ و ومن خلال الطفرات السريعة، أظهرت قدرتها على التكيف، مما عزز فرص نجاحها الانتخابي. مع مهارتهم في الاستفادة من كل الفرصة .والفوز بالسلطة في ظل ظروف متنوعة، أصبح الزعماء الشخصيون الاستفتاءون يشكلون تهديدًا متكررًا للديمقراطية في أمريكا اللاتينية،مثلما فعل بيرون في الأرجنتين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، فقد فعل الشعبوي النيوليبرالي ألبرتو فوجيموري في البيرو (1990-2000) ،وكذلك الشعبوي المناهض للنيوليبرالية هوغو شافيز في فنزويلا (1999-2013)،وقاموا بخنق الديمقراطية وفرضها للأنظمة التنافسية الاستبدادية؛ بنفس القدر من القوة من أجل إدامة الذات الشعبوية،كما فعل الجناح اليساري إيفو موراليس منذ 2006 في بوليفيا. و مع نزع الشرعية المعيارية والحظر الدولي للانقلابات العسكرية في اللاتينية في أمريكا، تشكل الشعبوية الآن الخطر الأشد خطورة على التعددية الليبرالية في المنطقة.
وكما تحدت الشعبوية التوقعات ،من خلال الاستمرار في مطاردة الكثير من المنافسيين لها في أمريكا اللاتينية وفي أمريكا الشمالية، حققت إنجازاً أكثر إثارة للدهشة في أوروبا ،عندما تمكن اليمينيون المتجددون أو القادة الاستفتاءون الشخصيون، ذوو التوجه المحافظ في النهاية من الاستيلاء على السلطة ، في النصف الغربي المتطور للغاية والديمقراطي القوي من القارة القديمة، كما حدث في إيطاليا بعد عام 1994، والنمسا في عام 1999. وفي العديد من البلدان، تحولت الشعبوية إلى منافس جدي، على سبيل المثال من خلال التقدم إلى انتخابات الإعادة الرئاسية في فرنسا في الأعوام 2002، و2017، و2022.
وفي أوروبا الشرقية، شهدت العديد من الديمقراطيات الجديدة التي تبنت الليبرالية السياسية بمثل هذا الحماس في عام 1989 ردة فعل عكسية جلبت
أعداد متزايدة من الشعبويين إلى السلطة.
ولتحقيق هذا النجاح الانتخابي المتزايد، لجأت الحركات الشعبوية في أوروبا الى توظيف الحملات المتطرفة والذكية،و إثارة المخاوف واستغلال الاستياء العام السائد، وتجنيد قادة شباب جدد،وتوظيف نداءات أكثر جاذبية، من خلال رفع القضايا الجديدة، التي لم ترغب الأحزاب الرئيسية في التطرق إليها، مثل الهجرة الجماعية، التي ينظر إليها على أنها مشكلة من قبل قطاعات كبيرة من المواطنين.
وهكذا تحول القادة غير الليبراليين والمناهضين للتعددية، إلى منافسين حقيقين للنظم الديمقراطية، مما يهدد بتقويض نوعية الديمقراطية، إن لم يكن تعريض بقائها للخطر.
وقد أصبحت هذه المخاطر حادة وبارزة للغاية في عام 2016، مع استفتاء خروج بريطانيا الصادم من الاتحاد الأوروبي، والنصر الانتخابي المذهل لدونالد ترامب،لانه إذا أمكن للحركات الشعبوية أن تحقق مثل هذا النجاح غير المتوقع، في اثنتين من أقدم وأقوى الديمقراطيات في العالم، والتي لم يتمكن أحد من ترسيخها من قبل،فان إعادة تقييم مخاطر الشعبوية اصبح الهاجس الأكبر في النقاشات السياسية و الإعلامية في الغرب .
في نهاية المطاف أثارت الانتصارات الانتخابية الشعبوية سؤالاً ملحاً ،حول ما إذا كان تم إضعاف أنظمة التعددية الليبرالية “القائمة بالفعل” بسبب التعظم الأوليغارشي، والانفصال التكنوقراطي، وما نتج عن ذلك من سياسات فاشلة، ام هو بسبب فشل الديمقراطية كنظام أيديولوجي في إدارة المجتمعات ؟
يبين المؤلف انه بالفعل تعاني الديمقراطية الليبرالية من ضعف متأصل، حيث ان القادة الذين يفوزون في الانتخابات، يتجهون الى استغلال قدراتهم التفويضية والصلاحيات المؤسسية وتركيز السلطة بشكل حازم، مما يشوه الديمقراطية وربما يخنقها .
هل يمكن لترامب العنيد، على سبيل المثال، أن يثني أو حتى يكسر تآكل الولايات المتحدة الضوابط والتوازنات، وفرض إرادته مع عدم احترام القيود القضائية، واستخدام كل أنواع الحيل لهندسة فوز إعادة الانتخاب؟ هل يمكن للديمقراطية الأميركية، التي تم تفريغها بالفعل بسبب الاستقطاب السياسي والعاطفي العميق، أن تنجح؟
التهديد الكامن للشعبوية في أمريكا اللاتينية وأوروبا خلال أوائل القرن الحادي والعشرين، يساعد على تغذية موجة عالمية من الشعبوية التي وصلت إلى آسيا كذلك، وينشأ الخطر من جوهر الشعبوية، أي انتشار الشخصية الاستفتاءية القيادة المناهضة للمؤسسات، والاستقطاب، والمواجهة.
و يتبنى المؤلف تعريفًا سياسيًا للتقييم والتأثير الفعال للشعوبية، من خلال دراسة التداعيات السياسية والمؤسسية للحكم الشعبوي؛ ويعتبر الشعبوية على أنها تدور حول قيادة شخصية، وعادة ما تكون كاريزمية، وتدعمها روابط مباشرة وغير مؤسسية، مع مجتمع غير متجانس وغير متبلور بالشكل الذي تشبه كتلة غير منظمة إلى حد كبير من الأتباع ،القادة الشخصيون هم المسيطرون والمتسلطون، ويحيطون أنفسهم بالموالين الشخصيين، ويديرون تحركاتهم السياسية حسب الرغبة،و يجذبون دعمهم الرئيسي من المتابعين ،الذين يحمونهم بشدة و يؤمنون بمهمتهم الفدائية – ويعتمدون على الاتصال العاطفي المباشر، يتجنبهم الوساطة والتنظيم وكره المأسسة، وذلك لبناء وتعزيز ثقافة التفاني الكامل للمنقذ الكاريزمي وبالتالي، سيطرة الشخصية القيادية الواحدة في هرم الشعبوية.
ولذلك فان ما يميز الشعبوية هو تمتع القادة الشخصيون، بإرادة قوية، ويسعون باستمرار إلى تعزيز استقلاليتهم وقوتهم. لا عجب أنهم يعتبرون المؤسسات الليبرالية، وخاصة الضوابط والتوازنات، بمثابة عقبات للتغلب عليها. ويحاولون تقويض أو تعليق الفصل بين السلطات، عن طريق فرض هيمنتهم التي لا يمكن تحديها. إنهم يحاولون الاستيلاء على جميع المؤسسات المستقلة، وخنق قوى المعارضة و يؤدي ذلك إلى تآكل الحرية السياسية، وتحريف المنافسة الانتخابية، وهندسة ديمومتهم الذاتية، لسنوات إن لم يكن لعقود.
ومما يساعد على انتشار الشعبوية بشكل عام ،أن الرأي العام يعزز هذه الميول الضارة ويؤدي إلى تفاقمها. من خلال تسهيل تأسيس سعيهم للحصول على السلطة، وممارستها على أسس مباشرة، دون وساطة،و من خلال التأسيس للاتصالات غير المؤسسية ،وسهولة تشكيل جماهير منظمة تنظيماً جيداً من الأتباع، ونظرا لادراك القادة الشخصيون انهم يفتقدون الاعتماد على قاعدة صلبة في الحصول على الدعم لتحقيق سياساتهم التي يرفعونها، ولأن دعمهم الشعبي في الغالب يكون متقلبًا، فإنهم يعتمدون على تعزيز شعبيتهم من خلال المواجهة والاستقطاب المتعمد.
ومن خلال تحويل السياسة إلى حرب ضد أعداء في الداخل والخارج، يريدون حث أتباعهم على الالتفاف حول القائد، وتطوير الحماسة المرفقات العاطفية.
ويشرح المؤلف كيف أن هذه الاستراتيجية المتضاربة،تؤدي الة كثير من المخاطر و الانزلقات،لانها تنطوي على تدمير مبادئ الديمقراطية و نشرعدم الاحترام ،وتفتيت قيم التسامح والتعددية،كما أن هذه الاستراتيجية الشعبوية تحول المنافسين الديمقراطيين، الذين لديهم حقوق مشروعة للفوز في الانتخابات ومن ثم الحكم، إلى أعداء الشعب يتطلب ، بدعوى التمثيل الاحتكاري لـ”إرادة الشعب”،وبينما يدين الشعبويون خصومهم باعتبارهم نخبًا فاسدة وأنانية ،فان هؤلاء الشعبويون يستخدمون مجموعة واسعة من المكائد والحيل لمنع أي حصول تناوب على السلطة ،و قمع القدرة التنافسية السياسية، بتكتيكات ضارة، تمس أسس التنظيم الديمقراطي للسلطة.
وبناء على ذلك، عندما يفوز القادة الشعبويون في الانتخابات الديمقراطية، يمكنهم استخدام صلاحياتهم التي اكتسبوها بشكل مشروع، للتفكيك الديمقراطية من الداخل؛ ويمكنهم استخدام الآليات القانونية الرسمية لتحقيق هذا الهدف غير المشروع، أي خنق التعددية الليبرالية دون انتهاك أي قوانين أو أحكام دستورية، كما فعل فيكتور أوربان في المجرمنذ 2010. حيث تمكنت الشعبوية في المجر من تجاوز الإطار المؤسسي الأكثر صرامة، باللجوء إلى السيادة الشعبية ويستشهدوا بأصواتهم الانتخابية،لتنحية العقبات القانونية جانباً وهندسة تركيز السلطة في البلاد.
وحسب المؤلف فقد أحدثت الشعبوية أضراراً متزايدة في أوروبا،و أطلقت صدمة انتخاب ترامب سنة 2016، العنان لسيل من القلق والخوف بشأن مستقبل الديمقراطية.
– ماذا بقي من الديمقراطية الليبرالية؟
هل ما زالت التعددية آمنة؟
هل التوجه القوي هو نحو إنهيار الديمقراطية تحت ضغوط الزعماء الشعبويون؟
ما مدى خطورة التهديد الشعبوي؟
-كيف يتم مواجهة التهديد الشعبوي ؟
وحسب المؤلف إن المراقبين لانتصارات الشعبوية، كانوا متأثرين بشكل مفرط ،بالإمكانيات المخيفة التي يمكن أن تحملها الفاعلية الشعبوية، ولم يفحصوا مدى احتمالية حدوث مثل هذه النتيجة الضارة. لقد سلطوا الضوء على “كيف تموت الديمقراطيات”، لكنهم لم يحللوا تحت أي ظرف يمكن للديمقراطيات ان تموت بالفعل، وما مدى سهولة أو صعوبة انهائها.
في الواقع، التركيز على احتمالات الموت الديمقراطي، جعل المراقبين يبالغون في تقدير احتمالات سقوط الديمقراطية ،من خلال تحديد جميع الطرق المحتملة المؤدية الى انهاء النظام الديمقراطي.
ويقدم المؤلف صورة أكثر توازناً، من خلال التقييم المنهجي لحالة احتمالات موت الديمقراطية، وتوضيح أن الخطر الدقيق يعتمد على الظروف والتي بموجبها يتمكن القادة الشعبويون فعليًا، من فرض هيمنتهم وتفكيك التعددية الليبرالية من الداخل.
وينتقد كيرت ويلاند الأبحاث الحديثة لتركيزها بشكل وثيق على الحالات التي سحق فيها القادة الشعبويون الديمقراطية، وبدلاً من ذلك يتحول إلى الحالات العديدة التي فشل فيها المستبدون الشعبويون في الإطاحة بالديمقراطية.
بقلم Mohamed Khodja