حاليا، تشهد العلاقات الصينية- العربية تطورا بارزا، رغم تصاعد الأحادية والحمائية التجارية والتنمر، مما يعكس حقيقة أن النظام المتعدد الأطراف والعولمة الاقتصادية هما موضوعا العصر. تتمسك الصين بالتعددية وتعمل على تحسين الحوكمة العالمية مع البلدان الأخرى والحفاظ على النظام الدولي والقواعد الدولية؛ كما تتمسك بالرؤية الصائبة فيما يتعلق بالعدالة والمصلحة، ومفهوم “الصدق والحق والود والإخلاص”، وتعمل على تحقيق نتائج الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، وتقوم ببناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية بشكل أسرع.
بعد سبعين عاما من النضالات الشاقة، أخذت الصين طريقها بثبات إلى بناء دولة قوية تحت قياد الحزب الشيوعي الصيني، بينما تشهد الدول العربية تغيرات كبيرة، وتخطط إستراتيجيات التنمية الجديدة المناسبة لأحوالها بعد أن جربت محاولات عديدة. حاليا، تقف الدول العربية في مفترق طرق للتنمية في تاريخها، لذا، يتسم التعاون الإستراتيجي بين الصين والدول العربية بأهمية خاصة ومحتويات متزايدة.
الصين والدول العربية من الدولة النامية، وتحتل مساحة أراضي الطرفين سدس مساحة الأرض في العالم، ويمثل عدد السكان فيهما حوالي ربع إجمالي سكان العالم، ويحتل الحجم الاقتصادي لهما ثمن إجمالي حجم الاقتصاد العالمي. على الرغم من أن الصين والدول العربية تختلف من حيث الموارد الطبيعية، ومستويات التنمية، فإن كلا الطرفين في مرحلة هامة من التنمية، ويحمل مهمة مشتركة لتحقيق نهضة الأمة وازدهار الوطن. ليس بين الطرفين عداوات تاريخية، بل يتمتعان بصداقة حميمة وأساس جيد للتعاون. تعمل الصين كأكبر دولة نامية، والدول العربية كمجموعة مهمة من الدول النامية، على تبادل خبرات التنمية وتعزيز التعاون في تحقيق التنمية المشتركة، كما يبذل الطرفان جهودهما في تعزيز الأمن الإقليمي ويتعاونان معا لبناء العلاقة الدولية الجديدة، مما يلعب دورا هاما في تعزيز السلام والتنمية الإقليمية والعالمية.
تطور التعاون الصيني- العربي إلى مستوى أعلى في ظل مبادرة “الحزام والطريق”
يتمتع التعاون الصيني- العربي بآفاق واسعة، ويعزز الطرفان ترابط إستراتيجياتهما باستمرار في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وقعت الصين اتفاقيات التعاون حول مبادرة “الحزام والطريق” مع 18 دولة عربية، وشاركت تسع دول عربية في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كأعضاء مؤسسين وأعضاء.
منذ إطلاق ((إعلان العمل بشأن التعاون بين الصين والدول العربية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”)) في الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي، وصل التلاحم الإستراتيجي إلى مستوى جديد، وتعمق التعاون باستمرار بين الجانبين، كما عُقد بنجاح مؤتمر الأعمال الصيني- العربي وندوة الاستثمار ست مرات، في حين يعمق الطرفان التعاون العملي في مجالات النفط والغاز والطاقة الكهربائية والطاقة النووية والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، فعقد الجانبان في سبتمبر 2018، الدورة السادسة لمؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة تحت شعار “مبادرة ‘الحزام والطريق’ وفرص استثمارية واعدة”، في القاهرة بمصر، ووقعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مذكرة تفاهم مع منظمة التعاون العالمي لتطوير الطاقة في الصين (GEIDCO)، ووقعت الوكالة الوطنية الصينية للطاقة الذرية والوكالة العربية للطاقة الذرية مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مركز تدريب للاستخدام السلمي للطاقة النووية في المنطقة العربية.
وقد حققت المؤسسات الصينية تقدما ملحوظا في مشروعات البنية التحتية الرئيسية لمبادرة “الحزام والطريق” في الدول العربية: بناء المركز الصيني- العربي لتبادل ونقل التكنولوجيا، وتأسيس ثمانية فروع له، وإنشاء منصة خدمات المعلومات المتكاملة الصينية العربية لنقل التكنولوجيا. وقد أقام المركز ما يزيد عن أربعين نشاطا تفاوضيا، وأنشأ شبكة، شارك فيها أكثر من أربعة آلاف عضو حتى الآن. كما تحقق تقدم إيجابي في بناء المركز العربي للتدريب على استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، ومركز التدريب على الطاقة النظيفة بين الصين والدول العربية. وبالإضافة إلى ذلك افتتح مركز التميز الصيني- العربي لتكنولجيا بيدو في تونس لنظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وفازت مؤسسة هاربين الدولية المحدودة للكهرباء بمناقصة مشروع محطة الطاقة النظيفة التي تعمل بالفحم في دبي. وتعاونت الصين مع الجزائر لبناء ميناء شحن جديد، وقامت المؤسسات الصينية ببناء مشروع السكك الحديد لمدينة العاشر من رمضان في مصر ومشروع جسر محمد السادس في المغرب ومشروع محطة العطارات لتوليد الكهرباء في الأردن وغيرها من المشروعات، مما أسهم في توسيع مجالات التعاون الصيني- العربي.
شاركت الدول العربية وجامعة الدول العربية في قمة منتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي التي عُقدت في 2019، حيث أقامت الصين والدول العربية، بعد التشاور والنقاشات، علاقات تعاونية ومنصة للتعاون في مجالات الموانئ والجمارك وفحص الجودة وغيرها. قدمت الصين عشرين مليار دولار أمريكي من القروض الخاصة لدفع التعاون في مجال الطاقة و15 مليار دولار أمريكي من القروض الخاصة لدفع التصنيع في الشرق الأوسط و10 مليارات دولار أمريكي من القروض التفضيلية سعيا لتعميق التعاون الصيني- العربي. كما أسست الصين مراكز مقاصة الرنمينبي في قطر والإمارات العربية المتحدة، وتعاونت معهما لإنشاء صندوق الاستثمار المشترك بقيمة عشرين مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ذلك، تعمل الصين على تعزيز مشروعات منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري والمدينة الصناعية الصينية- العمانية في الدقم والمنطقة الصناعية الصينية- السعودية في جازان والمنطقة التجريبية الصينية- الإماراتية لتعاون الطاقة وغيرها. عندما تأسس منتدى التعاون الصيني- العربي في عام 2014، كان حجم التبادل التجاري الصيني- العربي أكثر من ثلاثين مليار دولار أمريكي فقط، وازداد إلى 3ر244 مليار دولار أمريكي في عام 2018. حاليا، لا تزال هناك إمكانيات كبيرة للتعاون بين الجانبين في مجالات مختلفة. أقيمت في الصين الدورة الثانية لمنتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي بنجاح، مما يعكس تطور بناء “الحزام والطريق” في تحقيق الأهداف التي تشمل المعايير العالية وتحسين حياة الشعب والتنمية المستدامة. كما يرفع المنتدى مستوى التعاون الصيني- العربي، في ظل تمسك الطرفين بفكرة التنمية التي تركز على الشعب والعمل على القضاء على الفقر وزيادة فرص العمل وتحسين حياة الشعب، مما جعل منجزات “الحزام والطريق” تعود بالنفع على الناس بشكل أفضل، وتقدم مساهمات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وتضمن الاستدامة والشفافية في التجارة والشؤون المالية.
التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية وتعاظم التبادل بين مراكز الفكر
قامت الصين والدول العربية بالتعاون والتبادل الثقافي في مجالات مختلفة في عام 2019، وبشكل خاص، ركزت الأحزاب ومراكز الفكر من الطرفين على موضوعات حول حوكمة الدولة والخبرات في الإصلاح والتنمية.
يُعتبر التبادل بين الشعوب من مختلف البلدان محتوى هاما في مبادرة “الحزام والطريق”، وأساسا ثقافيا لبناء “الحزام والطريق”. الأدب يعكس روح الأمة، لذا، هو يشكل رابطة هامة في تعزيز التبادلات بين الأمتين الصينية والعربية. لقد حققت الصين والدول العربية منجزات بارزة في التبادل الأدبي. منذ تأسيس الصين الجديدة، تطورت الثقافة والتعليم في الصين بشكل سريع، وبدأت بتطوير تعليم اللغة العربية والبحوث فيها تدريجيا. في عام 1987، تم تشكيل جمعية بحوث الأدب العربي الصينية، فزادت التبادلات الأدبية الصينية- العربية ازدهارا. في السنوات الأخيرة، تمت ترجمة الكثير من الكتب الكلاسيكية الصينية إلى العربية، مثل ((طاو تي تشينغ)) و((حلم القصور الحمراء)) و((قصص الممالك الثلاث)) و((الزهرات الذابلات الثلاث))، ضمن مشروع ترجمة الكتب الأدبية ونشرها بين الصين والدول العربية، ومشروع طريق الحرير للنشر الأكاديمي والثقافي، مما يقدم للشعوب العربية وسيلة هامة لمعرفة روح الأمة الصينية. في نفس الوقت، أصبحت الروايات، التي رشحت للجائزة العالمية للرواية العربية، موضوعا مهما لرسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الصينية. إن هذه الجائزة تحث الباحثين الصينيين على نقل انتباههم من الأعمال الأدبية العربية القديمة والحديثة إلى الروايات الحديثة المتعلقة بحياة الشعوب العربية في العصر الجديد، مما يفتح نافذة للباحثين الصينيين لمعرفة الوطن والمجتمع العربي والثقافة العربية. في الوقت الراهن، هناك 20149 طالبا عربيا يدرسون في الصين، و1129 طالبا صينيا يدرسون في الدول العربية. أسست الصين 12 معهد كونفوشيوس وأربعة فصول كونفوشيوس في الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها من تسع دول عربية. وأصبحت الأردن والبحرين وتونس وغيرها من 13 دولة عربية وجهات سياحية لمجموعات من السياح الصينيين. وتوجد 195 رحلة طيران بين الصين والدول العربية كل أسبوع.
تلعب التبادلات بين مراكز الفكر الصينية والعربية دورا كبيرا في تعزيز التبادلات الثقافية والسياحية في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي. بين 18 و19 نوفمبر عام 2019، في بكين، أقامت وزارة الثقافة والسياحة الصينية مع جامعة الدراسات الدولية ببكين “المنتدى الصيني- العربي للسياحة. خلال المنتدى، تم تأسيس تحالف التعليم العالي الصيني- العربي للثقافة والسياحة، شارك فيه كأعضاء مؤسسين عشرات من مراكز الفكر الصينية والعربية في مجالي الثقافة والسياحة. كما أخذت الجامعات الصينية والعربية تشارك في الكثير من أنشطة التبادلات الإنسانية ومراكز الفكر، مما وسّع قنوات التبادلات الأكاديمية بين الطرفين، ويشكل النمط المتكون من منصات التبادل الأكاديمي الرسمي وغير الرسمي. بالإضافة إلى ذلك، تركز الندوات بين الصين والدول العربية أكثر على موضوعات حول البحث عن الصفات والآثار والمحتويات وطرق التعاون في مبادرة “الحزام والطريق”، والتحديات وإمكانيات ترابط الإستراتيجيات الصينية والعربية، مدفوعة باحتياجات الواقعية في بناء “الحزام والطريق”. حاليا، يتعزز التعاون بين الصين والدول العربية في الاقتصاد والسياسة وغيرها من المجالات المختلفة بشكل متكامل، وتستمر رغبة الشعوب العربية في معرفة الصين بشكل أوثق وأعمق. التبادل الثقافي هو الخطوة الأولى في تحقيق التبادل بين الشعبين الصيني والعربي، ويمثل قوة محركة هامة لتعميق الصداقة بين الصين والدول العربية وتعزيز علاقة التعاون الإستراتيجية الصينية- العربية، كما يُعتبر طريقا هاما لبناء العلاقة الدولية الجديدة على أساس ومبادئ الاحترام المتبادل والإنصاف والعدل والتعاون والتمتع بالفوز المشترك. أقامت الصين علاقات الشراكة الإستراتيجية مع الدول العربية، وتسعى إلى تعزيز السلام والتنمية بشكل مشترك، مما يقدم القوة المحركة لتعميق التعاون الثنائي في مجالات مختلفة. في السنوات الأخيرة، يظهر التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية مزايا جديدة، بما فيها زيادة الدعم للسياسات بشأن دفع التبادل الثقافي وتوسيع مجالات التعاون خلال تبادل الثقافة وتنويع طرق التبادل الثقافي وإيلاء المزيد من الاهتمام للتبادل بين الشباب الصيني والعربي. ولكن يجب ألا ننكر أن بناء وتبادل المؤسسات الفكرية بين الصين والدول العربية لم يتمكن بعد من التكيف مع احتياجات تطوير علاقات تعاون إستراتيجية شاملة بين الجانبين. وينبغي للطرفين بذل جهودهما في تعزيز التبادل بين مراكز الفكر الصينية والعربية وتحسين التخطيط الإستراتيجي في التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية وتقوية القدرة على بناء السمعة الثقافية الجيدة وزيادة الأنشطة حول التمتع بالثقافة الصينية والعربية وغيرها سعيا لتعزيز التبادل بين الشعبين الصيني والعربي.
تأمل الصين والدول العربية في تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مختلفة، وتحتاج إلى تنميته. يجب على الطرفين تعزيز تبادل السياسات والخبرات حول حوكمة الدولة لتعميق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون العملي من أجل تحقيق ترابط إستراتيجيات التنمية. ينبغي للطرفين تعزيز الترابط في مجالات النقل البحري والبري والتعاون في مجال الفضاء وغيرها لنقل الموارد والمعلومات ونقل وتبادل الأكفاء بشكل أسرع وأسهل. ينبغي للطرفين تعزيز التعاون تحت الآلية الثنائية ومنتدى التعاون الصيني- العربي وتعزيز التبادلات بين مراكز الفكر والأحزاب، خاصة التركيز على تبادل الخبرات حول إدارة وحوكمة البلاد والتنمية والإصلاح. كما ينبغي للطرفين بذل الجهود المشتركة لحل القضايا الساخنة عن طريق التسوية السياسية وتعزيز السلام والتنمية الإقليمية. حاليا، يتطور التعاون الصيني- العربي باستمرار لتحقيق منجزات وفيرة في العالم. في المستقبل، سوف تعمل الصين مع الدول العربية على بناء رابطة المصير المشترك للصين والدول العربية وتقديم مساهمات جديدة في تعزيز بناء رابطة المصير المشترك للبشرية.
بارك الله فيكم