المكتبة السياسيةدراسات سياسية

كتاب وجهة نظر قومية حول قضايا الثورة الوطنية الديمقراطية

في مجابهة اوضاع الخضوع والتبعية والتخلف والاستبداد والاستغلال والافقار السائدة في كافة الانظمة /المجتمعات العربية المحكومة سياسيا وطبقيا من قبل التحالف الكومبرادوري والرأسمالي الرث والبيروقراطي المدني والعسكري في المرحلة الراهنة ، تتجلى الضرورتين الموضوعية والذاتية لاستنهاض فصائل وأحزاب اليسار العربي ، وخروجها من أزماتها وصراعاتها الداخلية لتلبية حاجة الجماهير الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة على طريق انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية، في إطار الرؤية القومية التحررية الديمقراطية والتقدمية الأشمل ، والانتشار والتوسع في اوساط جماهير العمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين والكادحين لمراكمة عوامل الثورة لاسقاط هذه الانظمة وادواتها الطبقية .
فمنذ اكثر من ثلاثة عقود ، تتصدر الساحة السياسية العربية حالة استقطاب غير مسبوقة في التاريخ العربي المعاصر عبر مجموعتان تختلفان شكلاً رغم جوهرهما الواحد : مجموعة الرأسماليين المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم، ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة الحركات الاسلاموية . أي أن المجتمعات العربية وساحاتها السياسية مسيطر عليها عملياً من جانب قوة واحدة ، وهى الرأسمالية التابعة ، الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية الحاكمة (عبر برنامجين: اليمين “العلماني”، واليمين الديني) وكلاهما محكومان –بهذه الدرجة أو تلك- لقاعدة التبعية والتخلف، كما أن كل منهما لا يتناقض في الشكل أو الجوهر مع الإمبريالية والنظام الرأسمالي ، الأمر الذي يفرض على كافة قوى اليسار الثوري في بلادنا تفعيل جوانب النضال الوطني والصراع الطبقي وصولا الى مرحلة نضوج عوامل البديل الشعبي ارتباطا بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية من منظورنا اليساري الماركسي لهذا المفهوم ، ووفقا لذلك فان هذه الثورة هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي استمرار لسيرورة الثورة الاشتراكية من جهة ثانية ، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة الاشتراكية .
فالثورة الوطنية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير يضم القوة الرئيسية للتحالف الثوري المكونة من العمال والفلاحين الفقراء، الى جاتب الشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة ، (حيث لا وجود للبورجوازية الوطنية في بلادنا ، وإن وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأسا نحو”الثورة الاشتراكية” أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في الأفق البرجوازي المسدود. فهي تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان الاقتصادي الاجتماعي ، كما وترمي إلى القيام بتحولات طبقية /اجتماعية ثورية تضمن انهاء كل اشكال التبعية للامبريالية وانهاء هيمنة الكومبرادور والراسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي والتعاوني والقطاع العام والمختلط ، وهذا يعني أن مهامها :
1. تصفية البنية الاقتصادية التابعة وتصفية البنية الاقتصادية الكومبرادورية ، والغاء سيطرة اقتصاد السوق في الميدان الاقتصادي .
2. تصفية البنى اليمينية الليبرالية وبنى الاسلام السياسي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتقكيك وازاحة هيمنتها في البناء الفوقي ، وهذا يعني اعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة قانونيا وسياسيا وثقافيا بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق العمل الدؤوب لالغاء كافة مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
3. اعتماد تطبيق مبادىء التنمية المستقلة المعتمدة على الذات في كل قطر عربي ارتباطا بمبدأ الاعتماد الجماعي العربي.
وانطلاقا من وعينا بان مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية هو مفهوم علمي يرتبط – ارتباطا وثيقا -بتناقضات الصراع الطبقي والصراع الوطني ، فهي ثورة تحرر وطني مناضلة ومقاومة للوجود الامبريالي الصهيوني من اجل اجتثاثه من بلادنا.. وهي في نفس الزمان والمكان ثورة ديمقراطية ضد أنظمة الاستبداد والاستغلال والتبعية تستهدف اسقاطها ومواصلة النضال من اجل استكمال التحرر والسيادة الوطنية في الاقتصاد والسياسة والثقافة وكافة قضايا المجتمع برؤية طبقية تستهدف اساسا مصالح الشرائح الفقيرة وكل الكادحين المضطهدين ، وبرؤية تنموية تقوم على مبدأ التنمية المستقلة والاعتماد على الذات ، فالثورة الوطنية او الشعبية الديمقرااطية – في اوضاعنا العربية الراهنة -هي الثورة التي تلتزم برؤية وبرامج تجسد مصالح واهداف العمال والفلاحين الفقراء وكافة الشرائح الجماهيرية الفقيرة والمضطهدة ، بقيادة الحزب الماركسي الثوري لضمان انجاز المهام الديمقراطية السياسية والاجتماعية والتنموية الاقتصادية وتكريس اسسها وبنيتها التحتية وقاعدتها الانتاجية ، وفي هذه المرحلة سيتمتع المجتمع بالمعاني الحقيقية للمساواة وتطبيق مفهوم المواطنة والديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي طالما أن الجماهيرالشعبية تشارك بشكل ديمقراطي ثوري ملموس من خلال مندوبيها في هذه العملية ، بما يمكنها أن تتولى بشكل مباشر – عبر الدور الطليعي للحزب الماركسي الثوري في اطار الائتلاف الجبهاوي التقدمي الاشتراكي- إدارة شئون المجتمع عموما وبما يؤكد على مراكمة عوامل التطور النهضوي للبنية المادية التحتية في جميع القطاعات الانتاجية (خاصة قطاعات الصناعة والزراعة والاقتصاد والتقدم التكنولوجي وقطاع الخدمات ) بما يعزز تنمية وتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية ، حيث سيكون التوسع المستمر في الإنتاج وتحقيق العدالة في التوزيع كفيلين بالقضاء على القاعدة المادية للراسمالية والاقتصاد الحر ولكل اشكال المنافسة والخوف والعوز تمهيدا للانتقال الى المجتمع الاشتراكي.
ووفق هذه الرؤية فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي باختصار ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد كل اشكال التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد ، وضد كافة قوى اليمين الليبرالي او الاسلام السياسي ، فهي ثورة تستهدف تحقيق الاستقلال الوطني والسيادة الكاملة على الارض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل ، وهي ايضا ثورة ضد القوى البورجوازية وكل مظاهر الاستبداد والافقار والاستغلال الرأسمالي ، وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان تتولاها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين الفقراء بقيادة احزاب يسارية ماركسية ثورية، بما يضمن تطبيق اسس ومفاهيم الحداثة والتنوير العقلاني والديمقراطية والتقدم وفتح سبل التطور الصناعي والاقتصادي وفق قواعد التخطيط والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد الادنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات اسرة العامل ، وتحديد الحد الاعلى للدخل بما لا يزيد عن خمسة اضعاف دخل العامل المنتج الى جانب تطوير الاوضاع الصحية والتأمينات الاجتماعية والثقافية والرفاه للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء واليات العدالة الاجتماعية الثورية .
بهذا التوجه في الرؤية والبرامج ، فان الثورة الوطنية الديمقراطية تستهدف القيام بتحولات نوعية عريضة، ديمقراطية ثورية تحقق انهاء البنية الطبقية الرأسمالية وادواتها الطبقية بكل تلاوينها ومسمياتها ومصادرة ثرواتها ، ضمن خطة تستهدف بناء الاقتصاد الوطني ،وتحقيق التنمية المستقلة من خلال : إقامة التعاونيات ، وتطوير وتوسيع الصناعة الوطنية والزراعة المكثفة والتجارة الداخلية مع دور مركزي للدولة بالنسبة لأولويات التجارة الخارجية ، بما يضمن توفير اسس بناء البنية الفوقية للنظام الثوري الديمقراطي الجديد بالقطيعة مع البنية الامبريالية والطبقية اليمينية السابقة عبر تحطيم العلاقات ما قبل الرأسمالية، وتصفية التخلف الاجتماعي الثقافي جنبا الى جنب مع خطط محو الأمية ، وتطوير الصحة والتأمين الصحي المجاني للفقراء الى جانب العلم والثقافة الوطنية ببعديهما القومي والانساني، وبناء الجيش الوطني والمؤسسات الأخرى التي تخدم أغراض الدولة الوطنية الديمقراطية .
اخيرا …إن الثورة الوطنية/ الشعبية الديمقراطية يمكن ان ترتكز إلى تحالف واسع من القوى السياسية الملتزمة بهذه الرؤية ، الى جانب التحالف الشعبي الذي يضم إلى جانب العمال والفلاحين الفقراء، الشريحة الفقيرة من البورجوازية الصغيرة (حيث لا وجود للبورجوازية الوطنية في بلادنا ، وإن وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) …وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية او الشعبية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية صوب الاشتراكية . وبالتالي فان القوى الديمقراطية اليسارية في البلدان العربية ، يجب أن تتوحد أو تأتلف في اطار جبهوي في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل مراكمة توسعها ونضالها في أوساط جماهيرها – في كل قطر عربي – معلنة استمرار النضال لاستكمال مهمات واهداف الثورة الوطنية الديمقراطية من أجل إقامة مجتمع اشتراكي خال من الاستغلال، قائم على مبادىء ومفاهيم الحداثة ووالعدالة الاجتماعية والديمقراطية والعلمانية والانسانية على طريق تحقيق مهمات واهداف الثورة الوطنية القومية التحررية الديمقراطية على طريق بناء مجتمع عربي اشتراكي موحد.

تحميل الكتاب 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى