كيف انعكست الحرب الأوكرانية على قطاع الدفاع في أوروبا؟

عرض: صباح عبد الصبور – المصدر إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

انعكس التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بوضوح على العديد من القطاعات الإنتاجية في العالم وتحديداً في القارة الأوروبية، بالنظر إلى البعد الجغرافي الذي يلعب دوراً هاماً في هذا الصدد، فضلاً عن وجود تكلفة للدور المحوري الذي قامت به دول القارة من أجل مساندة كييف في مواجهة موسكو. وكان قطاع الدفاع الأكثر تأثراً بهذا الدعم في ضوء تركيز الدول الأوروبية على تقديم دعم عسكري لأوكرانيا. وفي هذا الإطار، نشر موقع صحيفة “فايننشال تايمز” مقالاً للكاتبين “سيلفيا فايفر” و”هنري فوي”، بعنوان “هل ستغير الحرب في أوكرانيا مصير قطاع الدفاع في أوروبا؟”، بتاريخ 18 يوليو 2022، تطرقا خلاله إلى انعكاسات الحرب الأوكرانية على صناعة الدفاع في أوروبا، والتحديات التي تواجه هذه الصناعة.

تحولات عديدة

أكد المقال أن أبرز انعكاسات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على صناعة الدفاع في أوروبا تتمثل فيما يأتي:

1– بروز مقترحات لتعزيز التعاون في البرامج العسكرية: أوضح المقال أن الحرب في أوكرانيا دفعت الحكومات الأوروبية إلى تصحيح مسار سنوات من تقلص الإنفاق الدفاعي. ووفقاً للمقال، يأتي ذلك في ضوء رغبة الاتحاد الأوروبي في القيام بتحركات رداً على التصعيد الروسي. ونوه المقال أن شركات الصناعات الدفاعية تأمل الاستفادة من هذه الفرصة، مشيراً إلى أن الحرب حفزت جهود تنفيذ المزيد من الأفكار لتعزيز مكانة أوروبا بوصفها قوة عسكرية عالمية ومتماسكة، كما ظهرت مقترحات لمزيد من التعاون في البرامج العسكرية وتصنيع الأسلحة.

وبحسب المقال، فإن هذه التحركات ستعزز الإنفاق وتدعم المزيد من المشاريع الأوروبية المشتركة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح، طبقاً للمقال، إذا ما كانت تلك التعهدات ستصبح حقيقة أم لا. ولفت المقال في هذا الصدد إلى اعتراف وزيرة الدفاع الهولندية “كاجسا أولونجرن” بأن هناك تعهدات مماثلة قد قُطعت من قبل، لكنها فشلت، لافتاً إلى أن الوزيرة تعتقد في الوقت نفسه أن واقع القتال في أوروبا سيساعد على فرض القضية مجدداً.

وأكد المقال أن المجلس الأوروبي وافق في مارس الماضي على البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي بشأن الدفاع، التي تقترح إنشاء قوة انتشار سريع في أوروبا، بالإضافة إلى زيادة التمويل. وفي الشهر نفسه، دعا القادة الأوروبيون في فرساي المفوضية إلى اقتراح تدابير لتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية في أوروبا. وبموجب هذه الخطط، تم تكليف وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) بتنفيذ المبادرات الجديدة. وشدد المقال على أن هذه المبادرات تشمل تخصيص المزيد من الأموال لصندوق الدفاع الأوروبي، وإنشاء “فرقة عمل للمشتريات” للتركيز على الاحتياجات القصيرة الأجل، مضيفاً أنها تشمل على المدى المتوسط​​ تحديث الدفاعات الجوية في أوروبا، وتوسيع قدرات الطائرات بدون طيار والإنترنت والفضاء.

2– المساهمة في تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية المشتركة: بحسب المقال، ينشغل المهندسون في منطقة صناعية شرق بلفاست في أيرلندا الشمالية بالعمل على سلاح أصبح واحداً من رموز المقاومة الأوكرانية، وهو قاذفة صواريخ محمولة من الجيل التالي ” NLAW” من صنع شركة Saab السويدية، يتم تجميعها من قبل شركة تابعة للمجموعة الفرنسية “تاليس” في المملكة المتحدة، ثم يتم شحنها بالآلاف إلى الخطوط الأمامية الأوكرانية. ورأى المقال أن نجاح هذا السلاح يعد من أكثر الأمثلة وضوحاً على الكيفية التي يمكن للحرب بها أن تعزز صناعة الدفاع الأوروبية. ومع ذلك، أشار المقال إلى أن جميع أسلحة “NLAW” التي أرسلتها المملكة المتحدة إلى أوكرانيا جاءت من مخزونات الحكومة، لا من الطلبات الجديدة.

3– تحفيز دول الاتحاد الأوروبي على زيادة إنفاقها الدفاعي: وفقاً للمقال، فإنه منذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في فبراير الماضي حتى الآن، أعلنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن زيادات في الإنفاق الدفاعي تبلغ قيمتها نحو 200 مليار يورو. ويشير المسؤولون بحسب المقال، إلى أن الارتفاع يأتي بعد سنوات من التخفيضات ونقص الإنفاق.

وطبقاً للمقال، ارتفع الإنفاق المشترك للاتحاد الأوروبي على الدفاع بين عامي 1999 و2021 بنسبة 20% فقط، مقارنة بـ66% من قبل الولايات المتحدة، و292% لروسيا و592% للصين. وأكد المقال كذلك أن حرب أوكرانيا كشفت عن افتقار أوروبا العام إلى الاستعداد للحرب؛ إذ سارعت دولها إلى إمداد أوكرانيا بمئات الدبابات وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة والمدفعية من المخزونات الوطنية للمساعدة في ردع التقدم الروسي، إلا أن هذه المخزونات تنفد الآن.

وأوضح المقال أن هناك الآن فرصة هائلة لاستخدام هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق الدفاعي لإصلاح القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أنه للمرة الأولى يتم القيام بذلك بطريقة مشتركة. وفي هذا السياق، يستشهد بروفومو الرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو بالمشروع الذي تبلغ تكلفته مليارات اليورو لتقديم أول طائرات بدون طيار في الاتحاد الأوروبي في عام 2029 باعتبار ذلك مثالاً على نوع البرنامج الذي سيسرع التعاون والتكامل الأوروبي.

4– تزايد استثمار البنوك والشركات في قطاع الدفاع: أشار المقال إلى أن إحدى العقبات الكبيرة التي واجهتها صناعة الدفاع في السنوات الأخيرة تمثلت في الوصول إلى التمويل؛ حيث انخرط مديرو البنوك والصناديق الاستثمارية في الاستثمار المسؤول اجتماعياً، ورفضوا الاستثمار في مجال الدفاع. ودلل المقال على ذلك بفرض بنك SEB السويدي قبل الحرب الأوكرانية حظراً شاملاً على الاستثمار في أي شركة تجني أكثر من 5% من عائداتها من “تطوير وإنتاج أسلحة تشتمل على معدات قتالية أو معدات عسكرية أخرى معينة”. لكن الحرب غيرت، وفقاً للمقال، آراء بعض المستثمرين؛ حيث غيَّر بنك SEB اتجاهه منذ الربيع، ويسمح الآن لستة من صناديقه بالاستثمار في قطاع الدفاع.

وبحسب المقال، تدور أيضاً مناقشات حول إعادة التفكير في معايير استبعاد شركات الدفاع في بعض البنوك الحكومية والخاصة في ألمانيا. وفي هذا السياق، نقل المقال عن مسؤولين في بنكLBBW ، وهو أحد بنوك القطاع العام في البلاد، ما يفيد بأنه في ضوء التطورات الحالية، عدل البنك إرشاداته بشأن صفقات الأسلحة، مشيرين إلى أن البنك قد يشارك الآن في “تمويل وتأمين صادرات أسلحة الحرب”.

تحديات معرقلة

شدد المقال على أن هناك جملة من التحديات تعترض تطوير صناعة الدفاع الأوروبية، وهي التحديات التي برزت خلال الحرب الأوكرانية، وتتمثل أبرزها فيما يأتي:

1– صعوبة تجديد المخزون واستبدال المعدات القديمة: تطرق المقال إلى حديث سابق لـ”باستيان جيجريتش” مدير الدفاع والتحليل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أكد خلاله أن التحدي الصناعي لأوروبا يتمثل في تجديد المخزونات التي نفدت خلال العقدين الماضيين، واستبدال المعدات القديمة التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة والتي دمرتها الحرب في أوكرانيا، وإعادة البناء والابتكار من أجل قدرات جديدة. ووفقاً لـ”جيجريتش”: “يتمثل التحدي الصناعي في التجديد والاستبدال وإعادة البناء في الوقت نفسه، وهو ما يجعل الأمر صعباً للغاية”.

2– البطء في تطوير القدرة على العمل العسكري المستقل: أوضح المقال أن الاتحاد الأوروبي يحاول تطوير قدرته على العمل العسكري المستقل والاستقلال الاستراتيجي منذ إطلاق سياسته الأمنية والدفاعية المشتركة في أواخر التسعينيات، لكن المقال أكد أن هذا التقدم كان بطيئاً؛ إذ لا تزال الصناعة الدفاعية للاتحاد الأوروبي مزيجاً من كبار مقاولي الأسلحة الدوليين، والشركات ذات التركيز الوطني، بالإضافة إلى مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

3– الاعتماد الكبير لدول الاتحاد على أسلحة غير أوروبية: بحسب المقال، توجد بعض الحقائق التي تعرقل خطط أوروبا لزيادة الإنفاق، ومنها على سبيل المثال ضرورة إنفاق جزء من الزيادات في الميزانية التي تم الإعلان عنها مؤخراً على زيادة رواتب القوات المسلحة، وتجديد مخزونات الأسلحة التي استنُفدت في محاولة مساعدة أوكرانيا.، كما أن هناك حاجة دائمة للمعدات الأمريكية طبقاً للمقال؛ إذ إن أول عملية شراء كبيرة لألمانيا بعد إعلانها أنها ستطلق صندوق تحديث عسكرياً بقيمة 100 مليار يورو كانت المقاتلة إف–35 الأمريكية الصنع القادرة على حمل أسلحة نووية. وفي هذا السياق، أكد المقال أن بعض المسؤولين التنفيذيين في الصناعة الأوروبية يشعرون بالقلق من عدم إنفاق جزء كبير من الأموال الإضافية في أوروبا نفسها.

وفي هذا الإطار حذر “مايكل شولهورن” الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص للدفاع والفضاء – وفقاً للمقال – من أن “تلبية الطلبات القصيرة المدى من خلال شراء معدات غير أوروبية، سيؤدي إلى تقويض الامتياز التكنولوجي الطويل المدى لأوروبا، الذي يمكن أن يخلق تبعات إضافية في المستقبل، ويُحتمل أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الصناعة الدفاعية الخاصة بها، ومن ثم قد يضر ذلك بالتكامل الأوروبي ككل”. ونوه المقال أن “أليساندرو بروفومو” الرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو الإيطالية، أكد كذلك ضرورة أن يكون هناك تنسيق أوثق على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن المشتريات.

4– ضآلة إنفاق دول الاتحاد على مشاريع تعاون دفاعية: أشار المقال إلى أنه في عام 2020، تم إنفاق 11% فقط من ميزانيات الدفاع في الاتحاد الأوروبي على مشاريع تعاونية، وهي أقل بكثير من الهدف البالغ 35% الذي حددته وكالة الدفاع الأوروبية في بروكسل. ونوه المقال أن الأمر نفسه حاضر في الإنفاق على البحث والتكنولوجيا؛ إذ إنه في عام 2020 تم إنفاق 6% فقط في هذا المجال، وهو أقل بكثير من الهدف المتمثل في 20%.

5– اعتماد جيوش الاتحاد الأوروبي على أسلحة قديمة: بحسب المقال، قامت جيوش دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها بتشغيل 17 دبابة قتال رئيسية مختلفة مقارنةً بدبابة واحدة فقط للولايات المتحدة؛ وذلك وفقاً لبيانات عام 2017 التي نشرتها المفوضية الأوروبية. ومع ذلك، تضمنت بيانات الاتحاد الأوروبي، طبقاً للمقال، نماذج من حقبة الحرب الباردة، بالإضافة إلى نظام “تشالنجر” في المملكة المتحدة؛ ما يعني أن جيوش دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تعتمد على أسلحة قديمة.

6– وجود انقسام حول الملكية الفكرية وتقاسم العمل: نوه المقال أن الانقسامات حول ملكية الملكية الفكرية وتقاسم العمل بين الشركات أدت في الماضي إلى إفساد البرامج الكبيرة لعموم أوروبا، ودلل المقال على ذلك بنظام القتال الجوي المستقبلي الذي تم تدشينه في إطار برنامج اقتناء التكنولوجيا الأوروبية والذي بدأ عام 2001 بالتعاون بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والسويد وإسبانيا؛ حيث رأى أنه يعد مثالاً على صعوبة سد الانقسامات الصناعية بسبب حقوق الملكية والتنافس، مشيراً إلى الخلافات التي ظهرت بين شركتي إيرباص وداسو حول مشاركة التكنولوجيا، ومن الذي يجب أن يقود أجزاء مهمة من البرنامج في المشروع منذ إطلاقه.

وختاماً.. أكد المقال أن مسؤولين أوروبيين يرون أن التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي أمر بالغ الأهمية لنجاح المبادرات الدفاعية المخطط لها في ضوء تطورات الحرب الأوكرانية، مشيراً إلى أن مسؤولين من الناتو يعتقدون أن الإنفاق الدفاعي الأوروبي المتزايد لن يحقق أهدافه إذا لم يجبر الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء فيه على تبسيط المشتريات، وعلى أن يستبدلوا بالأهداف الوطنية غير الفعالة أهدافاً لعموم أوروبا. وشدد المقال على أن أوروبا يجب أن تكون حريصة على التأكد من أن التركيز الأكبر على قدراتها الخاصة لا يشير إلى أن الشركات الأمريكية لم تعد مرحباً بها في هذا الجانب من المحيط الأطلسي.

ولفت المقال إلى أن تحرك فنلندا والسويد الأخير للانضمام إلى الناتو زاد الآمال في مزيد من التعاون، مضيفاً أنه إذا أصبحت الدولتان الاسكندنافيتان عضوين كاملين، فإن أربع دول فقط في الاتحاد الأوروبي – وهي: النمسا وقبرص وأيرلندا ومالطا – ستبقى خارج الحلف. وتطرق المقال إلى تصريحات لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في هذا السياق، أكد خلالها أهمية هذه اللحظة للوحدة الأوروبية، وشدد على أهمية استثمارها لمنع المزيد من التشرذم.

المصدر:

Sylvia Pfeifer and Henry Foy, Europe’s defence sector: will war in Ukraine transform its fortunes?, Financial Times, July 18, 2022, Accessible at: https://www.ft.com/content/0a917386–7a62–4e4a–9b89–123933f750a6

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button