دراسات سياسية

كيف تدعم تعديلات دستور الحزب الشيوعي سلطة الرئيس الصيني؟


منذ تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921، تم النص على انعقاد مؤتمر سنوي للحزب كل خمسة أعوام، لكن لمؤتمر الحزب هذا العام، المقرر انعقاده في 16 أكتوبر القادم، سمة خاصة جداً؛ ليس فقط لأنه يُعقد في فترة حاسمة في تاريخ البلاد نحو الهدف المئوي الثاني لبناء دولة اشتراكية حديثة، بل أيضاً لأنه من المقرر
 إدخال تعديلات على دستور الحزب الشيوعي الصيني، فضلاً عن انتخاب الرئيس شي جين بينج لولاية جديدة على رأس الدولة للمرة الثالثة؛ وهذا بعد أن تم إدخال تعديل خلال المؤتمر السابق في عام 2017 على الدستور لحذف شرط الولايتين الرئاسيتين كمدة قصوى، وأصبح بإمكان أي رئيس حكم الصين مدى الحياة نظرياً.

وبالفعل فإنه في 9 سبتمبر الجاري عَقد المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المكون من 25 عضواً – وهو لجنة صنع السياسة الرئيسية للحزب – اجتماعاً للتداول بشأن الوثائق التي ستُقدَّم للمناقشة في المؤتمر السنوي الـ20 للحزب الشيوعي الصيني. وتضمَّنت هذه الوثائق مشروع تقرير قدمته اللجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني إلى المؤتمر الوطني الـ20 للحزب، ومشروعاً لتعديل دستوره، ومسودة تقرير عمل للجنة المركزية الـ19 لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني.

التعديلات المقترحة

يلعب دستور الحزب الشيوعي الصيني الحالي دوراً مرشداً في أعمال الحزب وحُكمه؛ لذلك تعدل اللجنة المركزية للحزب دستوره، ويمكن لكل عضو في الحزب أن يقدم اقتراحاته ومساهمته في صياغة مسودة للدستور المُعدَّل الجديد الذي يمثل رغبات أبناء الشعب الصيني من مختلف القوميات، ويتناسب مع متطلبات الوضع الجديد. ويشارك في المؤتمر العام 2300 مندوب. وسنَّت جمهورية الصين الشعبية أول دستور لها في عام 1954، واعتُمد الدستور الحالي في عام 1982، ثم جرى تعديله في أعوام 1988 و1993 و1999 و2004 وأخيراً في 2017؛ حيث إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، ركزت التغييرات في دستور الحزب في المقام الأول على إضافة الفلسفات السياسية للقيادة الجديدة إلى قائمة متزايدة الاتساع من المذاهب السياسية للحزب، مع تأكيد أهميتها التاريخية.

لذلك من المقرر أن يجري خلال المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، مراجعة وتمرير الدستور المعدل الجديد. وعلى الرغم من عدم تحديد التغييرات بصراحة، فإنه يمكن تسليط الضوء على أبرز ما أشار إليه بيان المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بهذا الشأن؛ وذلك على النحو التالي:

1-تقنين الماركسية: ذكر بيان صدر عقب اجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أن تعديل الدستور يجب أن يمثل بالكامل أحدث تقنين للماركسية، ومفاهيم جديدة للحكم، وفكر واستراتيجيات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني منذ المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وتجربة جديدة في التمسك بقيادة الحزب وتعزيزها، وفي الحوكمة الصارمة للحزب. إذ سيُكتَب الاقتراح النظري الرئيسي والأفكار الاستراتيجية التي تم التحقق من صحتها في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في دستور الحزب المعدل؛ بحيث تتجسد الإنجازات الأخيرة لتكييف الماركسية مع السياق الصيني والظروف الجديدة بالكامل وكذلك الأفكار الجديدة.

2- تكريس “المؤسستين”: إذ يقول المراقبون السياسيون إن أحد التعديلات المحتملة هو تعديل يختصر الأيديولوجية إلى “فكر شي جين بينج”، ورفع مكانتها إلى مرتبة “فكر ماو تسي تونج” مؤسس جمهورية الصين الشعبية. ويمكن أن يُنظر إليه أيضاً على أنه رفع لسلطة “شي” كتكريس للمؤسستين، وهي عبارة مستحدثة تعني أن الحزب يتعامل مع “شي” باعتباره جوهر الحزب، كما أن أفكاره تعد مبادئ توجيهية له؛ حيث ستنضم إليه السياسات والمبادئ المهمة، وأحدث ثمار الابتكار النظري، إضافة إلى خبرة الحزب الجديدة في الحكم والإدارة.

3- توضيح المتطلبات الجديدة لدعم قيادة الحزب: من المتوقع أن يوضح دستور الحزب المعدل أيضاً هذه المتطلبات الجديدة لدفع الحكم الذاتي الكامل والصارم للحزب في ظل الظروف الجديدة؛ من أجل التنقل بشكل أفضل في الثورة الاجتماعية الكبرى من خلال الإصلاح الذاتي النشط. كما أشار اجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى أن من الضروري التمسك بقوة بسلطة اللجنة المركزية وقيادتها المركزية والموحدة. ومن الأهمية بمكان أيضاً ممارسة الحكم الذاتي الكامل والصارم للحزب، ودفع المشروع الجديد لبناء الحزب في العصر الجديد، وتحسين سلوكه، ودعم النزاهة، ومحاربة الفساد.

4- تغييرات هيكلية في تركيبة الحزب: اقترح بعض النقاد أن التعديل الدستوري المرتقب يمكن أن يعيد المنصب الأعلى لرئيس الحزب الذي أُلغِي في عام 1982، كما يتوقع، بحسب بعض التقارير الإخبارية، أن يحدث تغيير واسع على تركيبة اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، والتي تضم سبعة أعضاء يمتلكون السلطة الحقيقية في الصين. والجدير بالذكر أيضاً أنه من المتوقع مغادرة بعض الأعضاء الحاليين بسبب بلوغهم سن التقاعد.

دلالات متعددة

لا شك أن إجراء تعديلات على دستور الحزب بما يتماشى مع الظروف والمهام الجديدة سيساعد الحزب بأكمله على دراسة هذه الوثيقة الأساسية والالتزام بها وتنفيذها وصونها على نحو أفضل. ويروج أنصار هذه التعديلات إلى أن الدستور المعدل الجديد سيلعب دوراً إيجابياً في تنمية الصين في كافة المجالات مستقبلاً؛ وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز سلطة الرئيس: إذ إن خطوة إدخال بعض التعديلات الدستورية من أهم أهدافها تعزيز سلطة الرئيس “شي جين بينج” ومكانته داخل الحزب، كما أن من المتوقع على نطاق واسع أن يُؤمِّن شي فترة قيادة ثالثة مدتها خمس سنوات؛ ما يعزز مكانته بوصفه أقوى زعيم للصين؛ إذ يُنظر إلى استمراره على أنه تحول رئيسي في السياسة في هيكل القيادة؛ حيث تقاعد جميع أسلاف “شي”، باستثناء المؤسس “ماو”، بعد فترتين امتدت كل منهما إلى خمس سنوات.

2- تعزيز تنمية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية: إذ قال المشاركون في اجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في 9 سبتمبر الجاري، إن تعديل دستور الحزب يساعد الحزب بأكمله في دفع وتعزيز المشروع الكبير الجديد لبنائه، كما أكدوا أهمية إدراج نظريات الحزب المهمة والأفكار الاستراتيجية الرئيسية التي يجب أن يعترف بها المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني في دستوره؛ لتمكينه من التجسيد الكامل لأحدث إنجازات الماركسية المُطبَّقة في السياق الصيني، وإظهار فلسفة الحكم الجديدة بالكامل.

3-دعم الاستراتيجيات المستحدثة للحوكمة الوطنية: إذ ستساعد التعديلات المناسبة على دستور الحزب الشيوعي الصيني، في ظل الوضع الجديد والمهام الجديدة، الحزب بأكمله على دراسة الدستور ومراقبته وتنفيذه وحمايته على نحو أفضل، كما ستعكس بالكامل الأفكار والاستراتيجيات الجديدة بشأن الحوكمة الوطنية التي طرحتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني منذ المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني.

وفي هذا الإطار، أطلقت “إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين” حملة مدتها 3 أشهر، وتستهدف “الشائعات عبر الإنترنت والمعلومات المزيفة بشأن الاجتماعات الكبرى والأحداث والسياسات المهمة” في الصين، لافتةً إلى أن التعامل مع المخالفين سيكون بـ”حزم وسرعة وصرامة”، كما حضَّت المنصات الإلكترونية على إدراج حسابات تنشر مثل هذا المحتوى، في لائحة سوداء، لافتةً إلى توجيه الأجهزة الحكومية للرد بسرعة على هذا الأمر؛ وذلك في محاولة لإحكام السيطرة على مُجريات الأمور قبل انعقاد المؤتمر السنوي للحزب.

4- التعامل مع القضايا الخارجية: لا تنفصل التعديلات الدستورية المرتقبة عن القضايا الخارجية التي تشغل اهتمام صانع القرار الصيني؛ حيث تشهد العلاقات الصينية–الأمريكية توتراً متصاعداً في معظم القضايا. وتحاول بكين إجهاد وإشغال الولايات المتحدة في عدد من الملفات الدولية المتزامنة، سواء كان ملف تايوان، أو تزايد التقارب الصيني–الروسي، خاصةً في مجال الطاقة في ظل العقوبات الغربية على موسكو على خلفية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا؛ حيث صرَّح مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانج جيشي، بأن “الصين مستعدة للعمل مع روسيا من أجل تطبيق مستمر لروح التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى بين البلدين، وحماية المصالح المشتركة، وتعزيز تطوير النظام الدولي في اتجاه أكثر عدلاً وعقلانية”. وعليه، يمكن القول إن التكريس لسلطة ونفوذ الرئيس الصيني عبر التعديلات المرتقبة لدستور الحزب الشيوعي تستهدف إعطاءه المزيد من الدعم في التعاطي مع القضايا الخارجية.

تأمين الحكم

وإجمالاً لما سبق، ترى وجهة نظر أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، أن إدخال التعديلات المناسبة على دستور الحزب في ظل الوضع الجديد والمهام الجديدة ستساعد الحزب على دفع قضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، بجانب المشروع الجديد لبناء الحزب بشكل أفضل، فضلاً عن مناداة أعضاء الحزب بضرورة تضمين دستور الحزب وجهات النظر الرئيسية والأفكار الاستراتيجية التي ستُوضَع في تقرير المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني.

لكن على الرغم من استعداد “شي جين بينج” لأهم حدث سياسي في البلاد، فإن هذا يتزامن مع مواجهته عدداً من التحديات على الصعيدين المحلي والدولي؛ فداخلياً تواجه بكين خطر الانتشار النسبي لفيروس لانجيا، وتزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وتجسَّد ذلك خلال إغلاق مدينة شنجهاي لشهرين هذا العام من أجل كبح كورونا، كذلك سخط الرأي العام الصيني من التدابير الصارمة التي اتخذتها السلطات الصينية في هذا الشأن؛ هذا بجانب انخفاض توقعات النمو الاقتصادي في الصين. وعلى الصعيد الدولي، تواجه الصين توتراً متصاعداً مع الولايات المتحدة على خلفية الوجود الأمريكي المكثف في منطقة الهندو–باسيفيك، والخلافات حول ملف تايوان، وكذلك الحديث المتنامي عن دفع الصين وروسيا لإحداث تغييرات راديكالية في بنية النظام الدولي الراهن.

وبناءً عليه، يحاول “شي” تأمين حُكمه على الصعيدين المحلي والدولي بكل ما أوتي من قوة، آملاً قدرته على مواجهة هذه التحديات؛ حيث يستغل “شي” حضور الصين القوي على الساحة الدولية لزيادة شعبيته في الداخل الصيني حتى يتمكن من مواجهة التحديات الداخلية وتوحيد الصف الصيني، حتى يكون هذا الصف ظهيراً له أيضاً في مواجهة الخصوم الخارجيين، خاصةً الولايات المتحدة.


      إنترريجونال للتحليلات الاستراتجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى