مقال بعنوان: لا يجرمنكم!
بقلم: أحمد طه الغندور.
27/6/2021.
سمعنا بالأمس أن القضاء الأمريكي قد أصدر حكماً بالسجن لمدة 22 سنة ونصف، على ضابط الشرطة “الأبيض” السابق “ديريك شوفين”، والذي قتل رجلاً أمريكياً من أصل أفريقي “جورج فلويد” في مدينة “مينيابولس” في شهر مايو/أيار من العام الماضي.
وبرر القاضي حكمه الصادر على الجاني، مخاطباً إياه: “بأن الحكم استند إلى إساءة استخدامك لمنصب الثقة والسلطة، وكذلك الوحشية الخاصة التي أظهرتها” ضد فلويد”.
هذا المشهد من الواقع الغربي، يُمثل أحد مظاهر العدالة ـ وهي هنا في صورة العدالة الجنائية ـ التي أشارت إليها قبل ما يقارب قرن ونصف من الزمان، الآية (8) من سورة ” المائدة ” في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.
ولكم كان سرورنا بإصدار الرئيس الراحل ” ياسر عرفات ” القانون الأساسي الفلسطيني في العام 2002، والذي يعتبر بمثابة ” الدستور ” الذي يبحث عنه كل فلسطيني، وكم زادت غبطتنا حين قرر الرئيس ” محمود عباس ” بالانضمام إلى جملة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ وأهمها ما يتعلق بحقوق الإنسان واعتبارها جزءًا من القانون الفلسطيني، وكان ذلك في الثاني من إبريل / نيسان 2014.
خاصةً، وأن هذا التقدم جاء بعد ما حدث من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إبان “الانقسام البغيض” الذي ضرب النسيج الفلسطيني في مقتل؛ لم نتماثل منه بعد للشفاء!
ولا زال المجتمع الفلسطيني ـ في كافة أماكن تواجده ـ يعاني من انتهاكات حقوق الإنسان، بفعل “الاحتلال”، وبالتحريض الممول من بعض الأنظمة العربية، بأيدي أفراد التنظيمات المسلحة، الأهالي والعشائر، حتى انتقلت العدوى إلى “السلطة الرسمية”!
وهذا هو الأصعب! وهذا ما لا يجوز مقارنته بتصرفات الفئات الأخرى المذكورة، والسبب يرجع ببساطة إلى كون ” الدولة “، أو “السلطة الرسمية” هي الجهة الحامية أمام تغول أية فئة أخرى، وهي الملاذ والحامي للمواطن البسيط!
وحتى أن قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم (8) لسنة 2005 يشهد ويؤكد بأن ” الدولة ” و ” السلطة الرسمية ” هي الحضن الدافئ للمواطن!
دعونا نُذكر بالقسم الذي يؤديه كل أفراد الأمن على اختلاف درجاتهم حسب الصيغة التالية:
“أقسم بالله العظيم بأن أكون مخلصاً للوطن والشعب، وأن أدافع عنهما وأبذل دمي في سبيلهما، وأحافظ على سلاحي وشرفي العسكري، وأحافظ على القوانين والأنظمة وأعمل بها، وأن أقوم بجميع واجباتي الوظيفية والوطنية بشرف وأمانة وإخلاص، وأن أنفذ كل ما يصدر إلى من أوامر، والله على ما أقول شهيد”.
نرى هنا؛ الإخلاص للوطن، الدفاع عن الشعب، شرف السلاح، المحافظة على القوانين والأنظمة، الشرف والأمانة كل ذلك يأتي مقدماً على إطاعة الأوامر، فكيف الحال إذا كانت هذه الأوامر خاطئة!
فمن يملك توفير الحماية لـ “الجندي البسيط” في هذا الزمن الذي لا يملك “رؤساء الدول” حماية عروشهم! وما أكثر ما يقع منهم في قبضة القضاء الوطني أو الدولي في هذه الأيام!
إذ لم تعد العسكرية تسير بجاهلية؛ “نفذ ثم أعترض”!
والتي قد تتبعها بعض التنظيمات، لذلك لا وجه للمقارنة معها، وإن كانت يوماً ما ستخضع للعدالة الجنائية والمسائلة على المستويين الوطني، والدولي!
من أجل الوطن والشعب الذي أقسمت بالإخلاص لهما والدفاع عنهما، كانت ” العدالة الجنائية “!
هذه العدالة، التي تهدف في إحدى جوانبها إلى “التصالح المجتمعي” من خلال إصلاح الضرر الذي لحق بالناس والعلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد!
من الحق، أن تكون هناك لجان تحقيق مهنية وفاعلة، تهدف إلى إحقاق الحق، وأن ينال المخالف عقابه دون تسويف!
من المقبول، أن يُعبر المواطن عن رأيه في المخالفات التي تحدث من ” السلطة ” ولكن وفق القانون، ودون أن يكون أداة تدمير تعمل بتحريض “تخريبي” من جهات، وفئات خارجة عن الصف الوطني!
من الضروري، ليس فقط كشف كافة أطراف المتآمرين على شعبنا، ومواجهتهم على كافة المستويات، بل محاسبتهم فإن ذلك أصبح من باب الممكن!
في الختام، نصيحتي للضحايا، والأسر المفجوعة ألا يتركوا ثأرهم عند “الجهة المحرضة”، كما يبحثون بالثأر من “المُنفذ”، فهم أولى بالثأر! فهم من أوقع أبناءكم في عداد “الضحايا”، فلا يمروا بسلام ليوقعوا ضحايا أخرين!