دراسات أمريكا الشمالية و اللاتينيةدراسات سياسية

ما ردود الفعل الأمريكية تجاه زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط؟

على الرغم من محاولة إدارة الرئيس جو بايدن الابتعاد عن قضايا منطقة الشرق الأوسط منذ وصوله إلى الحكم، وسعيها إلى التركيز بدرجة أكبر على التنافس مع الصين داخل منطقة الهندو–باسيفيك، فإن الحرب الروسية–الأوكرانية، وما صاحبها من اضطرابات في أسعار النفط والغاز العالمية، التي كانت لها تأثيرات متعددة على الداخل الأمريكي، دفعت الإدارة إلى إعادة الاهتمام بالمنطقة، وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بعد ثمانية أشهر من توليه منصبه رسمياً، التي هدفت في الأساس إلى حل مشكلة أسعار النفط التي تؤرق الناخب الأمريكي، في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة منذ أربعة عقود.

ردود متباينة

أثارت زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى منطقة الشرق الأوسط ردود فعل متباينة بين أعضاء الكونجرس وداخل كبرى وسائل الإعلام والصحافة، وبينما أشاد البعض بالزيارة لكونها تعزز المصالح الأمريكية، فإن ثمة اتجاهاً آخر انتقد الزيارة لأنها تشكل تراجعاً عن بعض المواقف التي أبداها الرئيس “بايدن” في بداية توليه منصب الرئاسة. وفيما يأتي يمكننا تسليط الضوء على ردود الفعل المختلفة تجاه الزيارة، التي كان أغلبها ذات طابع سلبي، وذلك على النحو التالي:

1– التشكيك في تحسُّن العلاقات السعودية الأمريكية: أثار بعض السياسيين والمنصات الإعلامية الأمريكية الشكوك حول زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية، وإمكانية تحسن العلاقات بين الطرفين بعد الموقف السلبي الذي كان يتبناه “بايدن” في بداية حكمه تجاه الرياض. وحاول البعض الربط بين الزيارة والمصالح الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بإنتاج النفط عالمياً، ودور السعودية الرئيسي في تحقيق الاستقرار في سوق النفط وهو ما ينعكس بالإيجاب على الداخل الأمريكي.

2– تراجع نسب الرضا عن الأداء الوظيفي لبايدن: عاد الرئيس الأمريكي من رحلته الشرق أوسطية لتواصل نسب تأييده ونسب الرضا عن أدائه الوظيفي الانخفاض؛ إذ تشير بعض التغطيات الصحفية الأمريكية إلى تراجع نسب الديمقراطيين المؤيدين لترشحه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، كما تستمر الانتقادات المتعلقة بفشل سياسات بايدن الداخلية، وإلقاء اللوم عليها في ارتفاع الأسعار ووصول التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ 40 عاماً، وخاصة من جانب الجمهوريين الذين يرفضون إلقاء اللوم على العوامل الخارجية. فعلى سبيل المثال قال السيناتور الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما جيم إينهوف العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ خلال بيان: “يفهم الأمريكيون جيداً أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة لسياسات الرئيس الفاشلة في الداخل، وليس علاقاته المهتزة في الخارج”.

3– خسارة وشيكة لانتخابات التجديد النصفي بالكونجرس: أوضح تحليل نشره موقع مجلة “فورين بوليسي” الإلكتروني أن الزيارة لن تسفر عن الكثير، وأن الديمقراطيين بصدد مواجهة موقف صعب في انتخابات التجديد النصفي التي ستجرى في نوفمبر القادم. وبالأساس تتوقع مختلف الصحف الأمريكية هذا الأمر في ظل زيادة مخاوف الأمريكيين بشأن استمرار ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الإدارة الأمريكية على التعامل مع العديد من التهديدات الداخلية الأمريكية.

4– تعطيل أجندة بايدن في التعامل مع القضايا المحلية: خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، أعرب السيناتور الديمقراطي “جو مانشين” عن استمرار رفضه حزمة الإنفاق على المناخ والزيادات الضريبية التي يرغب بايدن في فرضها على الأثرياء خلال الميزانية الأمريكية الجديدة، لكنه أعرب عن موافقته على البند الخاص بخفض أسعار الأدوية الموصوفة لمدة عامين؛ وذلك لدعم إعانات التأمين الصحي. وبالرغم من موافقته على هذا البند، فإن رفض البنود الأولى السالفة الذكر يعوق الرئيس بايدن عن تنفيذ أجندته الطموحة الخاصة بالمناخ والضرائب، وقد يدفع الرئيس إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التنفيذية لدعم جهود الإدارة بشأن المناخ أو التخلي عنها في مقابل استمرار استخدام الوقود الأحفوري في ظل الضغوط التي يواجهها بايدن على مستوى الداخل الأمريكي. وفي هذا الشأن، وصف السيناتور جيم إينهوف زيارة بايدن إلى السعودية بــ”المهمة الخاطئة” التي لم تكن ضرورية بشأن النفط؛ لأن الحل يكمن في الداخل الأمريكي عبر إنتاج المزيد من الوقود داخلياً.

5– إحباط بشأن تسوية القضية الفلسطينية: لاقت زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط إحباطاً واسعاً من جانب المهتمين بالملف الفلسطيني؛ إذ لم تسفر الزيارة عن خطوات ناجحة بشأن عملية سلام جديدة بين الحكومتين اللتين تعانيان من مشكلات سياسية، خاصة الحكومة الإسرائيلية الراهنة غير القادرة على تبني خطوات كبيرة بشأن عملية السلام، بما في ذلك وقف التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في ظل مخاوف من عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى الحكم خلال الانتخابات المزمع إقامتها في الأول من نوفمبر، الذي يفضل بدوره دونالد ترامب على الرئيس بايدن. كما وصفت الصحف الأمريكية العلاقات الأمريكية–الفلسطينية بأنها “متوترة” بسبب عدم اعتراف واشنطن بالقتل الإسرائيلي المتعمد للصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة في مايو أثناء تغطيتها غارة من غارات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، على الرغم من توصل الأمم المتحدة إلى تلك الحقيقة.

6– دعم التحركات الهادفة إلى تعزيز اندماج إسرائيل في المنطقة: أعرب المشرعون الأمريكيون عن دعمهم جهود الإدارة الأمريكية في الدفع نحو تطوير العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة، ومن ثم إلى المزيد من الاندماج الإسرائيلي في الإقليم. وفي هذا الإطار، تمت الإشادة بإعلان هيئة الطيران المدني السعودي، يوم 15 يوليو الجاري، فتح أجواء السعودية أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات عبور الأجواء السعودية؛ وذلك بدون أي تمييز.

7– انتقاد موقف الإدارة الأمريكية تجاه إيران: استمر بعض المشرعين الجمهوريين في انتقادهم سياسة بايدن – التي أفصح عنها خلال زيارته – بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015؛ وتمسكه بالحلول الدبلوماسية في المقام الأول، واللجوء “إلى استخدام القوة العسكرية كملاذ أخير”؛ إذ قال السيناتور الجمهوري من فلوريدا ماركو روبيو، إن “جهود واشنطن لطمأنة زعماء المنطقة حول أنه لن يتم إبرام صفقة غير عادلة مع طهران قد تفشل نظراً إلى أن معظم الدول في الشرق الأوسط لا تثق بالرئيس الأمريكي أو بإدارته”. وفي السياق ذاته، أشار تحليل منشور على موقع مجلة “فورين بوليسي” إلى عدم رضا قادة المنطقة، وخاصة السعودية وإسرائيل عن السلوك الأمريكي تجاه إيران، وأنهم يميلون بدرجة أكبر إلى “سحق إيران”، وهو الأمر الذي إذا فشلت الإدارة الراهنة في تحقيقه، فستحققه “الإدارة الجمهورية المقبلة” التي ستهدم أي صفقة نووية يتم الوصول إليها من جانب إدارة بايدن.

توجه سلبي

وإجمالاً، يمكن القول إن تلك الزيارة لاقت ردود فعل متباينة، ولكن كان أغلبها سلبياً، خاصة في الجزء المتعلق بزيارة بايدن إلى السعودية ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ ولكن في الأساس كانت خطوة بايدن متوقعة في ظل صعوبة سيطرته على ارتفاع الأسعار داخلياً. وبوجه عام، لم يكن من المتوقع أن تسفر تلك الزيارة عن الكثير، خاصة أن كلاً من المملكة العربية السعودية وإسرائيل تحتاط في تقديم وعود كبيرة لتلك الإدارة الديمقراطية التي قد تخسر الانتخابات في نوفمبر القادم، فضلاً عن أنهما تميلان بدرجة أكبر إلى الإدارات الجمهورية القادمة التي قد تحقق طموحهما في التعامل بقوة وحزم مع إيران.

المصدر إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى