دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات استشرافية

مستقبل الشراكة الأورومتوسطية

مقدمة :

على ضوء المتغيرات الجيوسياسيةوالجيواستراتيجية الجديدة التي جعلت العديد من المناطق ذات أهمية بالغة في الساحة الدولية، نجد منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط التي تعد منطقة استراتيجية في الوقت الراهن، و هذا لا ينفي أنها كانت قديما مهدا لحضارات إنسانية كبرى،وظهرت علىضفافها الديانات السماوية الثلاث:الإسلام، المسيحية و اليهودية، مما يدل على أنها منطقة كانت و لا تزال ذات أهمية كبيرة.

فحوض البحر الأبيض المتوسط يتكون من ضفتين، ضفة شمالية تتميز بالقوة الصناعية والفلاحية، إضافة إلى التقدم العلمي و التكنولوجي، وضفة جنوبية تعاني من الفقر والتخلفوالمديونية، لكن رغم هذا فهي غنية بالموارد الأولية،(نفط،غاز، فوسفات..)

فبتزاوج الإمكانات المتاحة بين الضفتين يصبح الحوض المتوسطي منطقة وقطبا جيواستراتيجيا هاما في الساحة الدولية، خاصة لقرب المسافة بين الضفتين، إضافة إلى تأثير الحركات الإستعمارية الأوروبية في التركيبة السياسية، الاقتصادية، الثقافية والحضارية لدول الجنوب.

ونتيجة للوعي المشترك بين ضفتي البحر المتوسط، وإدراكا منهم على ضرورة بعث علاقات التعاون والتكامل، والإعتماد المتبادل في ظل التحولات الإستراتيجبة في المنطقة، الأمر الذي تمخض عنه ميلاد شراكة أطلق عليها إسم “الشراكة الأورو- متوسطية”و التي تهدف بدورها إلى إقامة منطقة في حوض البحر الأبيض المتوسط آمنة ومستقرة سياسيا، وتعيش في رفاه إقتصادي، وتنوع ثقافي متعايش.

وللإحاطة بالموضوع وجب علينا الوقوف عند ماهية الشرراكة الأورومتوسطية،أسباب ودوافع قيامها،الميلدين التي جاءت بها وفي الأخير مصيرها ومستقبلها في ظل التحولات الدولية الراهنة.

1- مفهوم الشراكة الأورو متوسطية :

1-1المدلول اللغوي للشراكة :

هي مصدر الفعل شارك يشارك تشاركا أي وقعت بينهما شراكة، وتعني إختلاط النصيبين بحيث لا يميز أحد عن الآخر(1). كما يعني نظام شراكة تجمع بين الشركاء الاجتماعيين أو الاقتصاديين.

Le partenariat :système associant des partenaires sociaux ou économiques”(2)

لقد زادت وتيرة مبادرات التكامل الجهوي خاصة في بعض الدول النامية مع تنامي ظاهرة العولمة رغم أن المنظمة العالمية للتجارة نجحت في تنظيم التعاون المتعدد الأطراف لكن الدول النامية غالبا ما تميل إلى التكتلات الإقليمية والجهوية والتي تراها أكثر مناسبة لها(3)

1-2المدلول الإصطلاحي:عرفها الدكتور محمد قويدري بأنها : ” إحدى الوسائل العلمية الفعالة لتدعيم المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الدول المساهمة من خلال الإستغلال المشترك للإمكانيات و الموارد المتاحة في هذه الدول كما أنها تمثل إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي”(4)، كما عرفها الدكتور معين أمين :”بأنها العلاقة المشتركة والقائمة على تحقيق المصالح المشتركة من جهة وتحديد مدى قدرات و مساهمات كل طرف من جهة أخرى للوصول إلى الغايات المنشودة والمتوقعة “(5)

و يعرفها الأستاذ حسن إبراهيم: “أنها النفع المتبادل والمتضامن و المتكامل المبني على التكافؤ و الإعتماد المتبادل و المصير الحضاري المشترك”(6)

أما Jean Touscozفيرى أن الشراكة” عبارة عن تنظيم أو إتفاق بين بلدين أو أكثر في مجال أو مجالات متعددة بطريقة لا تؤدي إلى نوع من البناء المؤسساتي بل الغرض منها هو بلوغ أهداف محددة وليست بالضرورة مشتركة، كما تعتبر وسيلة لتقريب سياسات الأطراف من أجل تحقيق درجة ملائمة تسمح بالدخول في التكامل الاقتصادي، وترجع أهميتها إلى كونها وسيلة للإستغلال الأمثل للإمكانيات وتحقيق المصالح المتبادلة” (7).

من هذا كله نستخلص أن الشراكة هي: ” خلق علاقة بين متعاملين من خلال الجمع بينهم لوجود مصالح مختلفة ،حيث يساهم كل طرف منهم بما يقدر عليه من إمكانيات (مادية، معنوية…)لتحقيق نتائج تعود في النهاية بالنفع على كل الأطراف” وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من الدول النامية سارعت للدخول في مبادرات شراكة مع دول متطورة، قصد استقطاب الإستثمارات الأجنبية التي تمكنها من تحسين دورها الاقتصادي والتخفيف من مشاكلها الناجمة عن المديونية والتخلف.

1 -3الشراكة الأورو-متوسطية:إن القراءة الواضحة لكلمة الأورو- متوسطية توحي بتواجد شطرين فيها وهذا يعني أن هناك شراكة تقام بين دول الإتحاد الأوروبي هذا ما يدل عليه إسم الأورو، أما الشطر الثاني المتوسطية فيعني دول حوض البحر الأبيض المتوسط مما يعني هذا أن ثمة مشروع شراكة، قائم بين الإتحاد الأروبي ممثلا للضفة الشمالية مع الضفة الأخرى من الحوض المتوسطي وهي الدول الجنوبية.

لقد ظهر مفهوم المتوسطية في بداية السبعينات حيث قام الإتحاد الأوربي بوضع سياسات تهدف إلى إعطاء مفهوم شامل للدول الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط، أهم ما جاء في هذه السياسات هو خلق منطقة آمنة ومستقرة إضافة إلى كيفية ضمان وصول النفط والغاز إلى أوروبا، كما تم توقيع العديد من الإتفاقيات بين الفترة الممتدة (1972-1976)للتعاون في عدة مجالات كالتجارة،تقديم المنتجات الفلاحية، المنتجات النصف مصنعة، إضافة إلى تحويل الإعانات المالية والقروضبينالطرفين(8)

يرى “ناصف حتي ” أن الشراكة الأورو-متوسطية: “نهج أوروبي للتعاون مع دول كانت كلها أو تقريبا و إلى أمد قريب ضمن منطقة النفوذ الأوروبية بأسواقها ومواردها الأولية”(9)، و بالنسبة إلى أوروبا: ” الشراكة تعني مصالح مشتركة بين الطرفين وهي تعني أيضا توسيع الدعم المالي للدول النامية من أجل مساعدتها على تجاوز مشاكلها وبالتالي الدعوة إلى الإنضمام و الإندماج في الإقتصاد العالمي ” (10)، أما دول الجنوب فتعني لهم الشراكة مع الإتحاد الأوروبي: ” تلك الأداة الجوهرية لمواكبة التغيرات العالمية والتحولات الجديدة و هذا يتطلب منها إصلاحات وتغيرات جذرية في هياكلها الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية”، وعليه فالشراكة بين الطرفين تبنى على التقارب والتعاون في جميع المجالات و دون استثناء، إضافة إلى تحديد المصالح والأهداف لكل الأطراف المشاركة وبشكل واضح ،و الشراكة الأورو-متوسطية تعد تحديا أيضا بالنسبة إلى دول الإتحاد الأوروبي خاصة بعد انهيار المنظومة الإشتراكية وبروز النظام العالمي الجديد تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى تهميشها أثناء حرب الخليج، الشيء الذي جعلها تبحث عن نفسها في ظل التحولات الدولية الجديدة والتي تهدف إلى محاولة الظهور كقطب عالمي له وزن و ثقل عالميين لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن مشروعها في المنطقة “الشرق أوسطي” بدأ في الإنتشار والتوسع.

2دوافع الشراكة الأورو-متوسطية :

يبدو أن الظروف الدولية والإقليمية على الساحة الدولية أثرت على الدوافع المؤدية لإنعقاد مؤتمر برشلونة 1995، القاضي بإعلان ميلاد الشراكة الأورو-متوسطية بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ولقد تعددت الدوافع و الأسباب المؤدية إلى بعث مثل هذه الشراكة من دوافع دولية وإقليمية و أخرى محلية داخلية و هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا المبحث.

2- 1الدوافع الدولية:

أ الدوافع الجيوسياسية: نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، الذي حول الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوة الأولى في العالم ومن دون منازع، مما يعني أنها ستنفرد بإدارة العالم كله من دون إعطاء أي إعتبار لباقي الدول الأخرى، و حرب الخليج الثانية خير دليل على نوايا السياسة الأمريكية في ظل الوضع العالمي الجديد، معتمدة على قوتها العسكرية، الاقتصادية و التكنولوجية(11).

إن الوزن الذي إكتسبته الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة البحر المتوسط يعود أيضا إلى قوتها الاقتصادية، فمقارنة مع دول المجموعة الأوروبية التي تقدر تدفقاتها المالية في إطار علاقاتها الثنائية و الجماعية في المنطقة بحوالي 24%من المجموع المالي الموجه للدول المتوسطية، في حين نجد التدفقات المالية الأمريكية تقدر بحوالي 41%في شكل إستثمارات وقروض ،مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية قوة منافسة للإتحاد الأوروبي في المنطقة (12)

إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط بين فلسطين و إسرائيل، وما عقد مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991وإتفاقية أوسلو 1993تحت الرعاية الأمريكية لخير دليل على ذلك، ضف إلى هذا تلك المناورات و القواعد العسكرية التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي(13)، الشيء الذي تزامن مع الطرح الأمريكي لمشروع” السوق الشرق أوسطية” بالدار البيضاء1994، مما دفع بالدول الأوروبية بالسعي لفتح أبوابها للشراكة مع جيرانها بدلا من سياسات التعاون كطرح أكثر عمقا و شمولا(14).

إن الفراغ الذي تركه إنهيار المعسكر الشرقي تحت قيادة الإتحاد السوفيتي سابقا، ساهم في حدوث نزاعات وتوترات داخلية والتي حاولت الدول الكبرى إخمادها و السيطرة عليها، و بات من المؤكد لدى باقي الدول في العالم عامة (15)و الدول الأوروبية خاصة بضرورة إعادة ترتيب البيت و إعادة الحسابات لأن العالم يشهد نوعا من الفوضى، وسعيا منفردا للولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على زمامه، حتى يتسنى للدول الأوروبية و دول أخرى الاستفادة من التقسيمات الجديدة على الساحة الدولية ومحاولة البروز كقوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية و خلق توازن في القوة والمصالح.

– ب الدوافع الاقتصادية :عولمة النظام العالمي، وخاصة في جانبه المالي و التجاري منذ التوقيع على إتفاقية مراكش في أفريل1994القاضية بإنشاء المنظمة العالمية للتجارةOMC(16)- OrganisationMondiale du Commerce

و في جانفي 1995تم إستبدالGATT(17)بـ OMCو التي كان من أهم نتائجها :

– تخفيض الرسوم المفروضة على الواردات الصناعية بمعدل 04%.

– إزالة القيود غير الجمركية على الواردات الزراعية المتمثلة في الحصص وإحلالها بقيود جمركية أخف.

– التزام الدول النامية بتخفيض التعريفة الجمركية على وارداتها الزراعية بـ 24%، والمتقدمة بـ %36

– تخفيض الدعم الحكومي للصادرات الزراعية إلى 21%.

– إلغاء إتفاقية النسيج و التي كانت الدول النامية تتمتع خلالها بحصص صادرات إختيارية لدولمتقدمة

– فرض العقوبات ضد الإغراق من طرف كل دولة.

و لقد تم إعطاء مدة زمنية تقدر بحوالي 10سنوات للدول الأكثر فقرا من أجل تنفيذ بنود هذه الإتفاقية، الأمر الذي فرض على الإتحاد الأوربي محاولة إقحامه للدول المجاورة له في حوض البحر الأبيض المتوسط(18)في خطة الإستراتيجية العامة في المنطقة وذلك حفاظا على نفوذه السياسي و الاقتصادي في المنطقة.

– السعي الأوروبي إلى تكوين قطب اقتصادي عالمي يواكب التطورات والتغيرات الدولية الراهنة التي أفرزت بروز العديد من الأقطاب الاقتصادية التي تهدف إلى التعاون و التكتل الاقتصادي على غرار NAFTA(اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا)MERCOSUR(رابطة دول أمريكا الجنوبية)و التعاون الاقتصادي لدول الباسفيك (APEC)إضافة على ASEANفي آسيا (تجمع دول جنوب شرق آسيا(19.

إن هذا التغيير الذي عرفه الاقتصاد العالمي، جعل من أوروبا تغير من سياستها تجاه البحر الأبيض المتوسط و تجاه جيرانها من جنوب و شرق الحوض، حيث أصبحت تنظر إلى دول المنطقة على أنها دول شريكة بدلا من دفع عجلة التعاون و المساعدة في علاقاتها معها، و هو الأمر الذي حدث فعلا عندما أعلنت على ميلاد شراكة أورو– متوسطية مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط.

2- 2الدوافع الإقليمية :

– أ الدوافع الأوروبية :

بات من الواضح للدول الأوروبية أن أمنهم واستقرارهم مرهون بضرورة إنشاء منطقة يسودها السلام والاستقرار، الشيء الذي يفرض عليهم التعاون مع جيرانهم في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، ولقد جسد ذلك البيان الختامي لمؤتمر برشلونة من خلال تأكيده على أن كل المشاركين يعبرون عن قناعتهم بأن السلام و الاستقرار و الأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط يعد مكسبا مشتركا، يتعهدون بضرورة تشجيعه وتوطيده بكل الوسائل التي في حوزتهم(20).

التخوف الأوروبي من إمكانية انتشار أسلحة الدمار الشامل في المناطق العربية التي تعتبر قريبة جغرافيا منها، مما قد يهدد أمنها، فبامتلاك العرب للتكنولوجية النووية سوف يتجاوزون بذلك التأخر العلمي والتكنولوجي مما يشجعهم أكثر على التكتل، وهذا يثير مخاوف الإتحاد الأوروبي ويهدد أيضا مصالحه في المنطقة(21).

ضف إلى ذلك تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، وما يترتب عنها من مخاطر كالجريمة المنظمة، التطرف، تجارة المخدرات..والتي أثارت ذعرا في الأوساط الأوروبية، خوفا من انتشار الظاهرة ووصولها إلى أوروبا(22).

الانفجار السكاني الذي تعاني منه الضفة الجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط ⅔من سكان الحوض المتوسطي وما قد ينجر عنه من هجرة ونزوح إلى الدول الأوروبية، فرارا من الفقر و البطالة و عدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي داخل دولهم الأصلية، الشيء الذي يهدد الاستقرارالاقتصادي و النمو الديموغرافي للدول الأوروبية، لذلك تسعى الدول الأوروبية لإيجاد سياسات تحد من هذا التدفق على أراضيها بالتعاون مع دول الجنوب(23)السعي الأوروبي إلى التحرر من الهيمنة الأمريكية و محاولة الاستقلال بذاتها في مختلف القضايا الدولية و رغبة منها للبروز كقوة عالمية صاعدة تلغي قواعد النظام العالمي الجديد.

يضاف إلى هذا رغبة الدول الأوروبية في الإبقاء على علاقاتها مع دول الشرق الأوسط و دول شمال إفريقيا خاصة، نظرا لما تلعبه هذه الدول من دور هام في اقتصاديات الدول الأوروبية وخاصة لضمان تدفق النفط و الغاز من المنطقة التي تعد قريبة منها جغرافيا و تربطها علاقات تبعية وولاء شبه تام، ناجم عن الفترة الاستعمارية، كما تعتبر هذه الضفة سوقا واسعة تتميز بكثافة سكانية كبيرة وقدرة إنتاجية منخفضة لتسويق المنتجات الأوروبية. (24)

كما تسعى الدول الأوروبية إلى دعم نفوذها الثقافي و اللغوي و الفكري في الفضاء المتوسطي من خلال عدة وسائل، كالمنظمة الفرانكفونية، المجلس الأوروبي مؤسسة الثقافة الأوروبية، الملتقيات والمنتديات العلمية و الثقافية ،نتيجة التمازج الثقافي و الاحتكاك بين الضفتين الناجم عن الفترة الاستعمارية (25)

– ب دوافع الضفة الجنوبية :

الرغبة في الحصول على المساعدات المالية والتقنية لإعادة الهيكلة، يضاف إلى ذلك الرغبة في الحصول على المساعدات المالية والقروض لتمويل المشاريع و تحديث القطاعات الاقتصادية، كما تسعى جاهدة لجلب الاستثمار الأجنبي بصفة عامة و الأوروبي بصفة خاصة لضمان تدفق رؤوس الأموال من البنوك الأوروبية على غرار البنك الأوروبي للاستثمارBEIفي هذا الميدان.(26)

حاجة هذه الدول الماسة للاستثمارات الأجنبية و بالأخص الأوروبية منها من أجل الاستفادة من الخبرة و التجربة الأوروبية، يضاف إلى ذلك هدف نقل التكنولوجيا و لتحقيق الإنعاش الاقتصادي وتطوير الاستثمارات المحلية وهذا ما يتيح لها فرصا كبيرة للعمل، والقضاء على مشكل البطالة، وبالتالي الآفات الاجتماعية المنجرة من وراء هذا المشكل و المؤدية إلى هجرة الأدمغة

يضاف إلى هذا ذلك الفراغ على المستوى الإقليمي في المنطقة التي نتج عن فشل المشاريع التكاملية المغربية والعربية (27)، الرغبة في الشراكة مع الإتحاد الأوروبي من أجل إنشاء المنطقة الاقتصادية الحرة و فتح الأسواق الأوروبية للمنتجات المتوسطية.

الاحتكاك بالخبرة و التجربة الأوروبية في كافة الميادين من أجل تحسين المنتجات و الاستفادة من برامج المساعدات المقدمة من طرف الإتحاد الأوروبي في شكل إعانات مالية وأخرى تقنية من خلال الدورات التكوينية والتمهينية، و إدراك دول الضفة الجنوبية أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي الذي يسعى جاهدا لكي يصبح قطبا عالميا منافسا للأقطاب الأخرى، سيمكنهم من مسايرة العولمة و الدخول في الاقتصاد العالمي

2– 3الدوافع المحلية:

أ ظهور المد الإسلامي:

يقصد بها تنامي الحركات الأصولية الإسلامية وظاهرة التطرف الديني و العنف السياسي التي ظهرت خاصة على ضفاف المنطقة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، وخاصة دول شمال إفريقيا، وقد امتدت جذورها إلى دول الشرق الأوسط.

هذه الظاهرة التي ساهمت في ظهورها العديد من العوامل الداخلية ذات الصلة بالمشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و حتى السياسية، كفشل الحكومات الحديثة الاستقلال في تحقيق متطلبات شعوبها، ضف إلى ذلك مخلفات البيروقراطية و المحسوبية،كما أن هذه الدول، يعاني شعبها نوعا من الفقر و الحرمان، ناهيك عن مشاكل البطالة التي تفشت بها،و عمليات تسريح العمال الجماعية، ضف إلى ذلك عمليات القهر الناتجة عن قمع الحريات السياسية لهذه المجتمعات(28)، فالدول الأوروبية تخشى من تأثير هذا التيار على بلدانه وبعد ذلك يمتد هذا التأثير إلى أراضيها بحكم قربها الجغرافي من دول الضفة الجنوبية ضف إلى ذلك تخوفها من انتقال هذا المد عن طريق الجاليات العربية و الإسلامية المتواجدة على أراضيها(29)

إن الشيء الذي يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار تجاه هذا المد الإسلامي هو انتشاره في مناطق كثيرة من العالم، فقد امتدت جذور المنتقمين الإسلاميين من الفلبين إلى البحرين، وهذا ما أثار مخاوف الدول الأوروبية خاصة و العربية عامة من تجذر هذا التطرف الذي كان يسعى لتحقيق غاياته بالقوة (كالقتل والتعذيب و التفجير(30)، و تعد الجزائر، تونس ،المغرب، مصر، اليمن و تركيا أهم المعاقل قربا لدول الإتحاد الأوروبي فتدهور الأوضاع في الجزائر منذ بداية التسعينات و التي أدت إلى انزلا قات خطيرة، ضف إلى ذلك تنامي القوة الإسلامية في تركيا زاد من مخاوف الدول الأوروبية من هذه الظاهرة و ولد الحذر الشديد بها.(31)

ترى الدول الأوروبية أن التيار الإسلامي يحمل عداءات شديدة لها، وما الاعتداءات و الهجمات التي شنت على الأجانب في كل من مصر و الجزائر، محاصرة السفارة الأمريكية في إيران لخير دليل على ذلك.

لكن الشيء الذي يشهد له أن دول الإتحاد الأوروبي رغم ما تحمله من نظرة لهذا التيار وتخوفاتها منه على تحطيم مؤسساتها الاقتصادية وتهديد مصالحها داخل هذه الدول، إلا أننا نجدها تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد مفهوم الإرهاب، بعد الأحداث التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في 11ديسمبر 2001.

فالولايات المتحدة الأمريكية ترى أن مقاومة حزب الله اللبناني للاحتلال الإسرائيلي إرهابا، لكن الإتحاد الأوروبي لا يعتبرها كذلك و إنما يصنفها ضمن المقاومات التي تسعى من أجل نيل الاستقلال، (32) هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن بعض الدول العربية تتهم بعض الدول الأوروبية بكونها معاقل تلجأ إليها الجماعات الإرهابية فرارا من دولها تحت غطاء اللجوء السياسي.

– ب تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية:

نظرا للمشاكل التي تعاني منها دول الضفة الجنوبية من فقر و وحرمان و بطالة ومشاكل أخرى أدى ذلك إلى تدفق الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن طرق الهجرة غير الشرعية كثرت وتعددت، حيث أصبحت هناك جماعات سرية تعمل بتهريب المهاجرين، كما أنه يمكن ملاحظة أ ن معظم المهاجرين توافدا على الدول الأوروبية هم مغاربة، و هذا ما خلق ذعرا وتخوفا لدى الدول الأوروبية من تهديد أمنها و استقرارها رغم تواجد نسب كبيرة من المهاجرين فيها من أوروبا الوسطى و الشرقية لكن مشكل الإرهاب القادم من الدول الجنوبية هو الذي أثار مخاوفها.(33)

يقدر عدد المهاجرين في أوروبا بحوالي 2.4%من مجموع سكان الإتحاد الأوروبي، وتبلغ نسبتهم في الدول الأوروبية بـ :6.4%بلجيكا، 2.5%بألمانيا، 4.3%بالنمسا، 3.5%بفرنسا و3%فيهولندا.وحسب الإحصائيات المتوفرة عن المهاجرين إلى الدول الأوروبية لسنة 1993، تأتي المغرب في المرتبة الأولى من دول المغرب العربي ثم تليها الجزائر فتونس أما تركيا فتتصدر قائمة البلدان المهاجرة إلى أوروبا، و في الجهة المقابلة نجد أن فرنسا هي الدولة الأولى استقبالا لمهاجري شمال إفريقيا، في حين تعد ألمانيا الدولة الأولى المستقبلة للمهاجرين التركيين في أوروبا.(34)

و يعتبر المجلس الأوروبي المنعقد في لشبونة 1992أن دول المشرق العربي والمغرب تعتبر مصدرا مهددا للاستقرار و الأمن في المنطقة، وبالتالي سببا لهجرة اليد العاملة، و معقلا للتطرف الأصولي و الديني، و مرا كزا لتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة التي لها تأثيرات سيئة على المنطقة عامة و على الإتحاد الأوروبي خاصة (35)

– 3مضمون إعلان برشلونة 1995للشراكة الأورو- متوسطية

– 3 -1الشراكة السياسية والأمنية :

حيث يعبر المشاركون عن قناعتهم بأن السلم والاستقرار في المنطقة تعد مكسبا وإرثا مشتركا، يتعهدون ويلتزمون على دعمه وتشجيعه بكل الوسائل والإمكانات المتوفرة لديهم ومن أجل هذا كله اتفق المشاركون على المضي في حوار سياسي مكثف مدعم ومنتظم، يقوم على احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي، لضمان الاستقرار الداخلي والخارجي.

ومن هذا المنطلق شدد المشاركون في الإعلان على التزامهم بالمبادئ التالية:

العمل والتصرف طبقا لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا التزامات القانون الدولي الأخرى وبالتحديد تلك الناجمة عن التنظيمات الجهوية والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي هم أعضاء بها، تنمية ودعم دولة القانون والديمقراطية في أنظمتهم السياسية, مع الاعتراف في هذا الإطار بحق كل طرف في اختيار وتطوير نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي، والاقتصادي, والقانوني والقضائي.(36)احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مع ضمان الممارسات الفعالة والمشروعة لهذه القوانين والحريات، بما فيها حرية التعبير، وحرية التجمع لأهداف سلمية،حرية الاعتماد والتفكير، والتدين انفراديا أو اجتماعيا مع أفراد آخرين من نفس المجموعة، بدون أي تمييز في العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة.

الأخذ بعين الاعتبار دعم الحوار بين كل الأطراف، لتبادل المعلومات حول المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، العنصرية ونبذ الأجانب.احترام وتأييد التنوع والتعددية في مجتمعاتهم، دعم وتشجيع التسامح بين مختلف المجموعات ومحاربة مظاهر التعصب, والتشديد على ضرورة وأهمية التكوين في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية.(37)احترام السيادة المتساوية، وكل الحقوق المتعلقة بالسيادة،والتنفيذ النزيه للالتزامات والواجبات وفقا لما ينص عليه القانون الدولي.

احترام المساواة في حقوق الشعوب، وحقها في تقرير مصيرها، مع التصرف وفقا لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وأحكام القانون الدولي، خاصة ما تعلق بوحدة إقليم دولة كما تحددها الاتفاقات الثنائية بين الأطراف المعنية.

الامتناع وفقا لمبادئ القانون الدولي، عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر في الشؤون الداخلية للشركاء، واحتراما لوحدة الأرض والإقليم والوطن، حل الخلافات بالطرق السلمية، ودعوة جميع الأطراف إلى عدم اللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة إقليم أي دولة شريكة، وكذا الحصول على الأرض بالقوة، والتأكيد على حق التمتع بالسيادة الكاملة بالطرق المشروعة وفقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.

دعم التعاون من أجل الوقاية من الإرهاب، بالتصديق وتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تم توقيعها والحرص على الانضمام إليها(38)، الدعوة إلى المحاربة الجماعية لانتشار وتعدد الجرائم المنظمة، وكذا محاربة مشكلة المخدرات بكل أشكالها وأنواعها.(39)

تشجيع العمل الجهوي والإقليمي، بالعمل على عدم انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، بالانضمام والتمسك بمبادئ ونظم الحد من التسلح الدولية والإقليمية(40)، والانضمام إلى اتفاقيات مراقبة التسلح ونزع السلاح،مثل: معاهدة حظر وانتشار الأسلحة النووية(NPT)واتفاقية حضر الأسلحة الكيميائية (CWC)واتفاقية حضر الأسلحة البيولوجية(BWC)وأي ترتيبات إقليمية، مثل المناطق المنزوعة السلاح، وأنظمة مراقبتها، مع احترام التطبيق النزيه لالتزاماتهم المقررة التي تنصص عليها مواثيق المراقبة والنزع والحد من انتشار التسلح، كما يعمل الشركاء على جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل(41) النووي، الكيميائي والبيولوجي، التي يمكن مراقبتها بصفة فعالة.

تشجيع وتوفير الظروف الكفيلة بإقامة علاقات تنمية وحسن الجوار فيما بينهم، ودعم المسارات الهادفة إلى إقامة الأمن والاستقراروالازدهار والتعاون المتبادل، الإقليمي والتحت إقليمي، والأخذ في عين الاعتبار كل سبل الثقة والإجراءات اللازمة بين الشركاء، بهدف تجسيد منطق السلم والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما فيها احتمال تأسيس ميثاق أورو- متوسطي.

ومن هذا كله يتضح أن الأوربيين ركزوا على بعض النقاط الأساسية، التي تشكل الحد الأدنى من الاتفاق بين جميع الدول المشاركة وهي:الديموقراطيةوحقوق الإنسان،التسوية السلمية للصراعاتوالنزاعات، مكافحة التطرف الديني والإرهاب والجريمة المنظمة،الحد من التسلح،وهي نقاط تخدم فقط الاتحادالأوروبي (42)

3 –2الشراكة الاقتصادية والمالية :

حيث يشدد المشاركون على الأهمية التي يولونها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الدائمة، والمتوازنة من أجل تحقيق هدفهم في بناء منطقة ازدهار ورفاه مشترك (43)، و يعترف المشاركون بالصعوبات التي يمكن أن تحدثها المديونية على التنمية الاقتصادية، في الدول النامية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، ونظرا لأهمية علاقاتهم يتفقون على متابعة الحوار بهدف الوصول إلى الرقي والتقدم، انطلاقا من أنهم شركاء، وتواجههم تحديات مشتركة، وقد حدد المشاركون أهدافهم على المدى البعيد كالآتي :

– الإسراع في وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة.

– تحسين ظروف حياة السكان، ورفع مستوى التشغيل، وتقليص الفوارق التنموية في المنطقة الأورو-متوسطية.

– ترقية الشراكة والاندماج الجهوي،وتشجيع التعاون والتكاملالإقليميين (44)

من أجل تحقيق هذه الأهداف يتفق المشاركون على إقامة شراكة اقتصادية ومالية، تأخذ في الاعتبار درجات التنمية المختلفة واختلاف مستويات التقدم وتعتمد على :

– الإنشاء التدريجي لمنطقة التجارة الحرة.

– إقامة شراكة وتعاون اقتصادي ملائمين في المجالات المعنية.

– الزيادة بالتدرج للدعم المالي الأوربي لشركائه.(45)

منطقة التبادل الحر :

يتم إنشاؤها من خلال اتفاقات أورو-متوسطية جديدة واتفاقات تحرير التبادل بين شركاء الإتحاد الأوروبي، وقد اتفق الشركاء على أن تكون سنة 2010آخر أجل لإقامة منطقة التبادل الحر، التي ستغطي أهم المبادلات في إطار احترام التزامات المنظمة العالمية للتجارة (O.M.C)

بهدف تطوير التحرير التدريجي للمبادلات في المنطقة، فإن الحواجز الضريبية وغير الضريبة المتعلقة بتبادل المنتوجات المصنعة يتم إلغاؤها تدريجيا(46)، ووفقا لرزنا مات يتم التفاوض حولها بين الشركاء انطلاقا من المبادلات التقليدية وفي حدود ما تسمح به مختلف السياسات الزراعية وباحترام النتائج المتوصل إليها في إطار مفاوضات. GATT

تجارة المنتوجات الزراعية سيتم تحريرها من خلال التعامل التفضيلي، والمعاملة بالمثل بين الأطرا ف، ضف إلى ذلك تبادل الخدمات وحق الوقاية يتم تحريرها تدريجيا

مستقبل الشراكة الأورومتوسطية
pp : 292 – 323
نصير العرباوي, «مستقبل الشراكة الأورومتوسطية»

[En ligne] ارشيف مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيةArchive: Revue des Lettres et Sciences Sociales العدد 17 سبتمبر 2013N°17 Septembre 2013
Papier : pp : 292 – 323,
Date Publication Sur Papier : 2013-12-01,
Date Pulication Electronique : 2013-09-24,
mis a jour le : 19/01/2014,
URL : مستقبل الشراكة الأورومتوسطية

العدد 17 سبتمبر 2013 N°17 Septembre 2013

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى