نظرية العلاقات الدولية

مقاربة نظرية: لمستقبل التحولات الايديولوجية في بنية النظام الدولي

تختلف نظريات العلاقات الدولية في تحليل طبيعة بنية النظام الدولي وأيديولوجيته، وكذلك في تفسيرها للتحولات التي تطرأ عليه، وفي محاولة البحث عن مقاربة نظرية لمستقبل التحولات في بنية النظام الدولي، تهدف الدراسة للاستفادة من المنظورين الواقعي والبنائي باعتبارهما يقدمان أبرز الاسهامات في تفسير التحولات في بنية النظام الدولي، إذ يعرف المنظور الواقعي النظام الدولي من خلال طبيعة علاقات القوة بين القوى الكبرى في العالم، في حين يعرف المنظور البنائي النظام الدولي من خلال طبيعة الثقافة الدولية السائدة، ويطرح المنظور البنائي تصورا مختلفاً للمرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي، فالإصرار على فرض نظام العولمة الغربية باستخدام القوة الصلبة، أو باستخدام القوة الذكية، أدى إلى ارتفاع مستوى الفوضى في العلاقات الدولية، وهو ما دفع إلى القناعة بضرورة تدعيم الاستقرار على حساب الديمقراطية، وهذه الجزئية هي أحد المكونات الأساسية للعقيدة “النظامية ، التي تعمل روسيا على تجذيرها في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة. لذا فإن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي، من وجهة نظر البنائيين، مرتبطة بعدم استقرار التجاذبات الأيديولوجية بين العقيدة النظامية التي تتبناها روسيا وأيديولوجيا نظام العولمة الغربية التي يتبناها الغرب كعقيدة أيديولوجية، وهو ما سوف ينعكس على مستقبل بنية التحولات في النظام الدولي والاتجاهات المتوقعة لعلاقات القوى في هذا النظام.

المقدمة:

المتابع لموضوعات العلاقات الدولية، وحالة التطور المتسارع في ظاهرة النظام الدولي، وفي طرق إدراكها وأساليب البحث والتحليل حولها، يلاحظ أن هناك ارتباطاً بين التطور في الجانبين، ذلك، لأن المنظور السائد في كل مرحلة يكون انعكاساً لطبيعة وسمات هذه المرحلة وفقاً لحالة التغيرات التي اتسمت بها، ولأن كل منظور جديد يبرز كرد فعل للانتقادات التي توجه للمنظور الذي ساد من قبله في مرحلة سابقة، ففي ظل أوضاع دولية مختلفة تطورت على نحو أبرز هذه الانتقادات أو التحديات أو التساؤلات حول مدى إطلاقه ومدى استمرار صلاحيته لتفسير الأوضاع الدولية المتطورة، ومن ثم يتبلور بديل جديد يتحقق حوله قدر من الاتفاق من جديد الذي يرقى به لمرتبة المنظور السائد نظرا للتلاؤم بين افتراضاته وبين الحقيقة الدولية من ناحية، وكذلك ملاءمة ما يقترحه من أساليب منهاجية لدراسة أبعاد هذه الحقيقة ، بعبارة أخرى فإن كل منظور يبرز ليسود في ظل أوضاع دولية محددة حين يتضح أنه الأكثر ملائمة لتفسير هذه الأوضاع، والعمل على البحث حولها[1].

لذلك يمكن لنا مناقشة الإشكالية المتعلقة في بنية النظام الدولي من حيث مستقبل التحولات الذي يتوقع أن تحدث فيه، نتيجة لتغيرات ايديولوجيا وثقافية، وليست نتيجة تغيرات في موازين القوة، من هنا يطرح الباحث التساؤل التالي: إلى أي مدى يمكن الاستفادة من إسهامات نظريات العلاقات الدولية في التنبؤ بمستقبل التحولات في بنية النظام الدولي؟

منهجية الدراسة:

من أجل تحليل موضوعنا قيد الدراسة من جميع جوانبه، فإننا استخدمنا أكثر من منهج، حيث وظفنا المنهج التاريخي في تتبع ومعرفة اسهامات وجهود المفكرين التي بنيت وتأسست على أراءهم كثير من الأفكار المتعلقة بنظريات اليوم وتفسيرها للعلاقات الدولية، كذلك قمنا بتوظيف منهجية تحليل المتغيرات كمنهجية رئيسية، وبذلك، فإن بناء الفرضية المركزية يرتبط بإطار نظري هي النظرية البنائية مقارنة بالنظرية الواقعية، والذي يركز على دور الثقافة و الأفكار والأيدولوجيات في العلاقات الدولية.

من هنا يطرح الباحث الفرضية التالية : تتحدد مستقبل التحولات في بنية لنظام الدولي من منظور بنائي استنادا إلى مخرجات التفاعلات بين أيديولوجيا نظام العولمة (Globalization) التي تتبناها وتقودها الولايات المتحدة والدول الغربية وبين أيديولوجية” العقيدة النظامية” (Orderism) التي تعمل روسيا على تجذيرها في العلاقات الدولية، حيث أن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي في الوقت الراهن مرتبط بعدم الاستقرار نتيجة التجاذبات بين هاتين الأيدولوجيتين، وليس نتيجة عوامل القوة في النظام الدولي.

التقاطعات المنهجية للمقاربات النظرية:

لقد أصبحت الحدود الفاصلة بين هذه المنظورات غير ذات معنى، إضافة إلى أنها تتسم بالمرونة إلى حد بعيد، فإنها تعطي فرصة أكبر للتحكم العقلي و الاستفادة العقلانية من كافة الأطروحات و المقاربات. فما هي إذن المنظورات التي تلقي الضوء أكثر على الشؤون الدولية المعاصرة ؟ و أي منها الأقرب إلى الفهم و التطبيق من طرف محترفي و صانعي السياسة ؟، و في ظل التعدد النظري لها، تختلف منظورات (نظريات) العلاقات الدولية في تحليل طبيعة النظام الدولي، ومن أجل إيجاد صيغة مقاربة نظرية لهذا الموضوع، تبرز النظريتان الواقعية والبنائية[2] باعتبارهما أكثر نظريتين ساهمتا في توصيف طبيعة النظام الدولي وشروط بقائه، إذ تُعرف النظرية الواقعية النظام الدولي من خلال اعتبارات مادية بحتة تتعلق بعدد القوى الكبرى في العالم، وطبيعة علاقات القوة السائدة فيما بينها، أو ما يسميه الواقعيون بالتوزيع المادي للقوة، وقد اعتمدت على مفاهيم خاصة لفهم وتفسير مختلف الظواهر المعقدة في السياسة الدولية.

وتعتبر مفهوم القوة، المصلحة الوطنية، تعظيم المكاسب، الفوضى الدولية من المفاهيم المفتاحية التي اعتمدتها هذه المقاربة لتفسير السلوك الخارجي للدول[3]، في حين تُعرف النظرية البنائية النظام الدولي من خلال طبيعة الثقافة الدولية السائدة، وهذا يعني أن المنظور الواقعي يركز على البنية المادية للنظام الدولي في حين يركز المنظور البنائي على بنيته الثقافية[4]، وإذا كان المنظور الواقعي يفسر دخول النظام الدولي في مرحلة انتقالية في السنوات الأخيرة على أساس التراجع في مكونات القوة الأمريكية – عسكريا واقتصاديا- نتيجة التورط الخاطئ في حربي العراق وأفغانستان، وهذا ما فتح المجال من وجهة نظر واقعية إلى تعديل علاقات القوة السائدة بين القوى الكبرى، ولأن هذا التعديل لم يستقر بعد، فانه من وجهة نظر واقعية، فان بنية النظام الدولي لم تستقر هي الأخرى.

ويطرح المنظور البنائي تصورا مختلفاً للمرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي، فالإصرار على فرض نظام العولمة الغربية باستخدام القوة الصلبة، كما حصل في فترة الرئيس “بوش الابن” أو باستخدام القوة الذكية كما حصل في فترة الرئيس” باراك أوباما”[5]، أدى إلى ارتفاع مستوى الفوضى في العلاقات الدولية، وهو ما دفع إلى القناعة بضرورة تدعيم الاستقرار بعلى حساب الديمقراطية، وهذه الجزئية هي أحد المكونات الأساسية للعقيدة “النظامية ، التي تعمل روسيا على تجذيرها في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة. لذا فإن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي، من وجهة نظر البنائيين، مرتبطة ليس بعدم استقرار علاقات القوة، ولكن بعدم استقرار التجاذبات الأيديولوجية بين العقيدة النظامية التي تتبناها روسيا وأيديولوجيا نظام العولمة الغربية التي يتبناها الغرب كعقيدة أيديولوجية. لقد راهنت وجهة نظر معينة – مثل الأفكار التي طرحتها مدرسة كوبنهاغن في الدراسات الأمنية – على أن تشكل الأحادية القطبية منذ نهاية الحرب الباردة أدى إلى انتفاء التنافس الحقيقي بين القوى الكبرى، وهو ما أثر على قيمة النظام الدولي كمستوى للتحليل في العلاقات الدولية ، ولكن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي في السنوات الأخيرة، أعادت إنتاج التنافس على قيادة النظام الدولي، وهو ما يحفز على إعادة التركيز على مستوى النظام الدولي كمستوى أولي للتحليل[6]، ويتبع ذلك أن معالجة القضايا الرئيسية في العلاقات الدولية تكون مجرد انعكاس لطبيعة النظام الدولي السائد. ولأننا نعالج الموضوع من منظور بنائي فإننا نفترض أن الاتجاهات المستقبلية للنظام الدولي وما سيترتب عليها من معالجة القضايا الأساسية ستكون مرتبطة بطبيعة التجاذبات بين العقيدة النظامية التي تتبناها روسيا وأيديولوجية العولمة التي تتبناه الدول الغربية.

إن هذه المقاربات المتقاطعة من الناحية المنهجية، ترصد جوانب هامة في السياسة الدولية، ولهذا فان الدبلوماسي أو صانع القرار يلزم عليه أن يتوفر علي ميزات خاصة أبرزها الدراية الأكاديمية و الفهم العميق لهذه الاتجاهات التي تكمل بعضها البعض، فادا كان لا ينبغي له أن يتجاهل أهمية عنصر القوة، فانه إلى جانب ذلك يجب أن يؤمن بدور القوى الوطنية و دور المؤسسات الدولية، و أن يقتنع أيضا بإمكانيات التغيير و التحول حسب المنظور البنائي[7].

وظيفة التنبؤ بمستقبل العلاقات الدولية: وجهات نظر متنوعة

يتطلب الأمر من نظريات العلاقات الدولية فهمًا عاماً للسياسات العالمية، وصلة وثيقة بالسياسات التي تصنع بشكل يومي، و قدرة على وصف كيفية انبثاق الأحداث الدولية وشرحها، وكيفية تأثيرها في السياسات العالمية، وهذه هي القضية الأكثر أهمية.

غير أن هناك وجهة نظر تقول إن نظريات العلاقات الدولية لم تحقق ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالتنبؤ في المستقبل، كما أوضحه جيمس روزيناو Rosenau) J.) بقوله: إنه ليس فقط في حقل العلاقات الدولية فشلنا في التنبؤ بنهاية الحرب الباردة، ولكننا أيضا فشلنا في التعلم من أخطائنا، بمعنى أن نظريات العلاقات الدولية فشلت حتى في ممارسة وظائف الوصف والتفسير فما بالك بوظيفة التنبؤ. وفي نفس السياق يؤكد ميتشل نيكلسون ( M.Nicholson) أن تعدد النظريات في حقل العلاقات الدولية يضفي نوع من التشوش المنهجي على هذا الحقل، وهو ما يعقد من مهمة التنبؤ. كما يرى ريمون ارونR.Aron) ) أن العلاقات الدولية هو علم تاريخي، وبالتالي أقصى ما يمكن أن يطمح إليه هو استقراء التاريخ، وليس التنبؤ بالمستقبل، كما يرى مورتون كابلان ( M.kaplan) أن ممارسة الوظيفة التنبؤية مرهون بالوصول إلى تعميمات متفق عليها بين المنظرين، وهو ما يعد غير متاح في واقع التنظير.

ويؤكد ” Kenneth Waltz ” أن التنبؤ كهدف منهجي لنظرية العلاقات الدولية هو هدف غير واقعي، فمن جهة أولى فان المتغيرات المؤثرة في واقع العلاقات الدولية هي متغيرات كبيرة العدد وغير قابلة للإحصاء، بالإضافة إلى التنوع الهائل في أهداف الفواعل، كما أن كل العوامل المؤثرة في واقع العلاقات الدولية لا يمكن ان نقول انه لصعوبة التنبؤ في العلاقات الدولية، ولأن وجهة النظر السائدة لدى كثير من منظري العلاقات الدولية أيضًا ومنهم “ديفيد سنغر (J. David Singer) “، بأن هدف العلوم هو التحليل وبالتالي عارض الكثير من منظري العلاقات الدولية الفكرة التي تشير إلى كيفية تحسين مستوى التنبؤ، وتأثيراتها بالنسبة للنظرية العلاقات الدولية التعبير عنها كميا، ويبرر روبرت جيرفيس ( R.Jervis) عدم إمكانية ممارسة التنبؤ في نظريات العلاقات الدولية، بأن التنبؤ يمكن إنكاره ذاتيا إذا أثر في سلوكيات الفاعلين[8].

فيما هناك وجهة نظر أخرى تقوم على أن التنبؤ يجب أن يكون أحد الوظائف الأساسية لنظريات العلاقات الدولية حيث تقاس عليها قيمة التنظير في هذا الحقل المعرفي، وهنا يرى ستيفن هاوكينغ ( S.Hawking) أن النظرية الجيدة هي التي تتصف بالاتساق الكبير بين مجموعة من الملاحظات، مع تقديم تنبؤات محددة حول مستقبل هذه الملاحظات، فقيمة نظريات العلاقات الدولية لا تتحدد على أساس الاختبار في أحداث الماضي، ولكن على أساس الاختبار في المستقبل.

كما أن العلم الذي لا يملك الاستعداد للتعامل مع متغيرات جديدة هو علم محكوم عليه بالزوال، ويضيف رينولد تشارلز (C.Raynold) أيضا أن نظريات العلاقات الدولية لا تشرح وضعا محددا، ولكنها تشرح الأوضاع كلها، ولذا فإن التنبؤ يجب أن يكون وظيفة منهجية أساسية لهذه النظريات[9]

ونحن نميل إلى وجهة النظر الثانية متفقين في ذلك مع وجهة نظر دافيد سنجر ( D.Singer) الذي يرى أن نظريات العلاقات الدولية تستطيع التنبؤ كمستوى منهجي، لأن التنبؤ مرتبط بطبيعة الإطار التفسيري الذي تتبناه النظريات في حد ذاتها، وبالنسبة إليه فإنه عندما تذكر وظائف التنظير، فان الوظيفة التنبؤية تأتي في آخر مهام التنظير، وبالرغم من هذا الاعتقاد الشائع، فان التنبؤ هو أهون المهام التنظيرية لأنه مرتبط بطبيعة التفسير الذي تتبناه النظرية، إذ متى توفرت العوامل التي فسرت الأمور في الماضي والحاضر، فإنها هي ذات العوامل التي ستفسر الأمور في المستقبل[10].

أما “جون ميرشايمير” فيرى أن الظواهر السياسية شديدة التعقيد، و من الصعب أو من ربما من المستحيل الوصول إلى التنبؤ السياسي الدقيق بدون توفير أدوات نظرية أكثر تطوراً من تلك التي نمتلكها الآن، ونتيجة لذلك، فإن جميع التنبؤات السياسية لا بد أن تتضمن بعض الأخطاء التي يجب الاعتراف بها. علماً أن نظريات العلاقات الدولية مجبرة على ممارسة التنبؤ، لأن التنبؤ يشكل أحد المداخل الأساسية لاختبار النظريات، فبالرغم من أن دراسة العلاقات الدولية كما هو الحال مع العلوم الاجتماعية الأخرى تقوم على أساس نظري أقل ثباتا ، ولكن هذه الاخطار لا تعني أن يمتنع العلماء الاجتماعيون عن استخدام نظرياتهم للتنبؤ بالمستقبل، فالتنبؤ ببلورة أفكار سياسية، سيساعد في فهم الأحداث التي تتكشف حولنا في العالم، وسيساعد ذوي الرؤى المتعارضة على تأطير وصياغة أفكارهم بمزيد من الوضوح[11].

رؤية المنظور الواقعي لمستقبل العلاقات الدولية:

يرى كثير من الباحثين، أن رؤية المنظور الواقعي سيبقى المهيمن على الأبعاد الفكرية لنظريات العلاقات الدولية، وبما أن الواقعية كانت استجابة لواقعية ما قبل الحرب، فإن نظرية العلاقات الدولية في بداية القرن الـــ(21) هي استجابة حقيقية لأفكار ورؤى Kenneth Waltz” “، حيث انبثقت الواقعية البنيوية من محاولة تطبيق المنهج العلمي لدراسة السياسات الدولية، وعلى الرغم من أنها تتشارك في كثير من عناصرها الجوهرية مع ما يعرف بالواقعية الكلاسيكية حول الطبيعة الإنسانية وأولويتها، والإيمان بالقوة كأساس للبقاء، والدولة. ولكن لا يعني أن الإيمان بالقوة هو إيمان بالقوة المجردة ، فمن “”Stanely Hoffman وحتى Morgenthau”” يشعر الواقعيون بعدم الراحة مع سياسات القوة، ولهذا بحثوا عما يسمى باللجوء إلى المسؤولية الأخلاقية حسب رؤية “Walker”[12]، لكن الحقيقة أن الواقعية أعطت الأولوية لمفاهيم المصلحة القومية والقوة مع التناغم مع الأخلاق، غير أنه في حالة التعارض بين المصلحة القومية وبين المسؤولية الأخلاقية؛ فإن الأولوية للقوة والمصلحة القومية.

وتركز الواقعية الجديدة بشكل واضح على المستوى النظامي للظاهرة وقيودها، وهذا يعد افتراضها الأساسي والمفتاحي لفهم النظرية، ويرى أبرز منظريها “John Mearsheimer ” أن النظام الدولي هو نظام فوضوي، وذلك بسبب عدم وجود قوة مركزية، وأن القوى العظمى امتلكت معظم قدراتها العسكرية بالوراثة، والدول لا تستطيع مطلًقا أن تثق بنوايا الدول الأخرى، والبقاء هو الهدف الأساس للدول، والدولة في نهاية المطاف هي فاعل عقلاني، ونتيجة لغياب حكومة عالمية مركزية تعتمد الدول على نفسها للبقاء فقط، ونتيجة لهذا التشخيص؛ فإن ثلاثة أنماط عامة من السلوك تنتج هي: الخوف، والمساعدة الذاتية، وتعظيم القوة، وكما يشير “ميرشايمر” فإن هذه الافتراضات الجوهرية قادت إلى حالة من التطور للواقعية الجديدة، والتنبؤات المبنية على أساسها في وقت مبكر من عقد التسعينيات من القرن الـ(20)[13]،

وقد عرض الواقعيون الجدد أمثال “Kenneth Waltz”، ” John Mearsheimer “، ” Layne Christopher ” رؤية واضحة حول ما الذي تتنبأ به نظريتهم للسنوات المقبلة، وهي أن الأحادية القطبية لن تكون الأخيرة في النظام ىالدولي؛ لأن الدول الأخرى ستوازن الولايات المتحدة، وبهذا فإن النظام الأحادي القطبية يحمل بذور فنائه، وأن لحظة الأحادية القطبية ستنتهي، ويقول “Layne “[14] إن النظام متعدد القطبية لا يمكن تجنبه، ويبدو ان النظام الدولي بدأ يشهد تحولا في توزيع القوة والامكانيات وخاصة لصالح الصين والهند، مع تراجع المكانة الاقتصادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نسبيًا بعد الأزمة الاقتصادية التي تواجههما وبالتالي انتقل النظام الآن أكثر إلى النظام المتعدد القطبية وخاصة على المستوى الاقتصادي.

وعلى الرغم من تأكيد الواقعيين الجدد على صعوبة التنبؤ بالقرارات الفردية للدولة، فإنهم حددوا عدداً من الدول التي من الممكن أن تكون مرشحة بشكل كبير للظهور بوصفها قوة عظمى، وذلك بالاعتماد على معايير وإجراءات إمبريقية لقياس قدراتها، ومنها : المستوى التعليمي، والتطور الصناعي والزراعي، وأنه وفق هذه المعايير، فإن الصين ستكون هي المرشحة الأكثر بروزاً ، وستمارس ألمانيا قيادتها، وستبدأ اليابان بالبحث عن استقلال استراتيجي، وستعيد روسيا اكتشاف نفسها، كما أن التعددية القطبية ستنبثق من نظام أوروبي جديد.

ويتوقع””ميرشايمر” بأن ” حلف الناتو” سيتوقف عن القيام بوظيفته باعتباره حلفًا؛ وسيستمر على الورق ، لأن كل دولة ستتصرف في الشؤون الدولية بشكل منفرد لأكثر من سبب تعظيم قوتها، وتعارض الحلف مع السيادة، وتقييده لسلوك الدول. ويرى “ميرشايمر”، أن هناك احتمالاً وارد جداً، أن يكون العقد القادم هو الأكثر ميلاً للعنف والأكثر فرصاً للصراع، وسيشهد سنوات اضطراب في السياسة الدولية، وهذا ما شاهدناه في أوروبا منتصف التسعينيات خلال حرب يوغسلافيا السابقة، واليوم ما تشهده الساحة الدولية والشرق أوسطية من حروب وصراعات أحدثت كثير من الاضطراب في السياسة الدولية وفي منظومة العلاقات الدولية. وكذلك توقع هؤلاء الواقعيون، أن تستخدم واشنطن قوتها فعلياً لزيادة مجال هيمنتها من أجل الأمن والثروة ودوافع أخرى؛ أي توظيف الولايات المتحدة قوتها العسكرية للمحافظة على نموذجها الإمبريالي[15].

رؤية المنظور البنائي لمستقبل العلاقات الدولية:

يعتبر المنظور البنائي من أبرز المنظورات التي قدمت انتقاداً، وطرحت بدائل نظرية لهذا الرؤية الواقعية، فلقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى إعادة تشكيل هائلة للمناقشات داخل الخطاب الأمريكي السائد في نظرية العلاقات الدولية[16]، وعزز ذلك من صعود المدرسة البنائية في الفكر، والتي يتعين النظر إليها بشكل أساسي باعتبارها ثمرة للنظرية الدولية النقدية، حيث سعى الكثير من روادها إلى تطبيق استبصارات تلك النظرية من أجل إلقاء الضوء على الأبعاد المتنوعة للسياسة العالمية[17].

فالنظرية البنائية تعد امتدادا للمدرسة المثالية، التي ترى أنه يجب أن تدار السياسة الخارجية بواسطة معايير قانونية وأخلاقية، وقد واجهت البنائية في أثناء الحرب الباردة سياسة “كيسنجر” القائمة على القوة، ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة أخذت موقعا متقدما في نظرية العلاقات الدولية، وقامت أهم افتراضاتها على أن الحقيقة الاجتماعية يتم إيجادها من خلال النقاش حول القيم والهوية، وتشدد النظرية على الصلة الوثيقة بين دور الأيديولوجية والهويات الوطنية، والشبكات العابرة للقومية بأحداث ما بعد ايلول 2001 ، أي لا يمكن فهم هذه الأحداث دون فهم صراع الأفكار والهويات الوطنية[18].

وقد اختلفت افتراضات البنائية كلياً عن افتراضات الواقعية الجديدة، وحول كيفية حدوث التغيرات الأساسية في سلوك الدولة، وهذه الرؤية ساعدت في إعادة انبعاث دراسة الأفكار في حقل العلاقات الدولية. وتجدر الإشارة إلى أنه في تطبيقات البنائية على الأحداث الدولية، نجد أن البنائيين قد أخذوا بعين الاعتبار المعايير الأخلاقية وكيفية تأثيرها في الأفكار التقليدية، مثل: السيادة، وهذه العملية واضحة في تطبيقات التدخل الإنساني الدولي، وسقوط نظام الابار تهيد في جنوب إفريقيا، وتحسين . ممارسات حقوق الإنسان في أمريكا الجنوبية[19]. وهذا يعني أن البنائيين أمثال “Kratochwil”، “Stephon Brooks”، “WilliamWahlforth “، يرون أن “الأفكار” هي قدرهم، مثلما عد الواقعيون الجدد أن “القوة” هي قدرهم، وبأهمية الأفكار في تطوير المعايير في النظام الدولي، أو المجتمع الدولي الذي يقيد سلوك الدولة أو يحدده في المستقبل.

ومن أهم التنبؤات للبنائية الذي اعتمد على القيم، والهويات، والمعايير، والبنى الاجتماعية هو التنبؤ باستمرار “الناتو”، وقد فسرت البنائية ذلك على أساس أن أعضاء حلف “الناتو” ينظرون للأعضاء للآخرين باعتبارهم حلفاء ليبراليين أكثر من كونهم دولاً أوجدت الحلف لمواجهة التهديدات، وضرورات توازن القوى، من هنا فإن الحلف سيستمر على الرغم من غياب التهديدات، وهو عكس ما تنبأ به الواقعيون[20].

وتغطي البنائية مجالات متعددة؛ منها مجالات العودة إلى دور العامل الإنساني ) القوة الإنسانية) في دراسة السياسات الدولية جنبًا إلى جنب مع دراسة الدولة من خلال الأفكار المتغيرة، والمعايير، والثقافة، واللغة، والتاريخ، وثقافة الصورة، وهذه المسائل تشكل محور التحليل لديها. وهذا الإطار العام لبنية النظرية البنائية يتضمن التركيز على قيمة الأفكار في فهم التفاعلات الدولية، فالأفكار عند البنائيين هي محدد لقوة الدول وليس العناصر المادية – العسكرية والاقتصادية- فقط، كما كان يرى الواقعيون، وبذلك فإن مكانة الدولة في العلاقات الدولية أصبحت ترتبط ليست بقوتها العسكرية والاقتصادية فقط، ولكن بقوة عقيدتها الفكرية ومدى قدرتها على نشرها. وفي هذا السياق يرى البنائيون أن كلا من القوة المادية والقوة الخطابية هما مفهومان مهمان، وأن الجمع بينهما يعد ضروريا لفهم الشؤون الدولية، فالثقافة الأيديولوجية مرتبطة مع أنواع واضحة من القوة السياسية[21].

يرى البنائيون أن النظام الدولي يأخذ ثلاث صور محددة “نظام الثقافة الهوبزية”، نسبة إلى “توماس هوبز”، و”نظام الثقافة اللوكية”، نسبة إلى “جون لوك”، وهو النظام الذي يطرح السلوك التنافسي باعتباره هو السلوك الأكثر انتشارا،” ونظام الثقافة الكانطية”، نسبة إلى “إيمانويل كانط”، وهو النظام الذي يجعل السلوك التعاوني هو السلوك الدولي الشائع[22]. فالنظام الدولي هو عبارة عن وعاء فارغ، ليس له معنى أو منطق خاص إلا إذا تم ملؤه بثقافة معينة، أي أن النظام الدولي له بنية ثقافية واجتماعية تشتمل على مجموعة من المعايير والقواعد والقيم والأفكار المشتركة[23].

إسهامات البنائية للتنظير في العلاقات الدولية:

حسب “Dale Copleland”، هناك ثلاثة اسهامات جعلت من البنائية شكلاً متميزاً من التنظير للعلاقات الدولية وهي كالتالي[24]:

تنظر البنائية للسياسة الدولية على أنها محكومة وموجهة بمجموعة من القيم والمعايير والأفكار المشتركة بين مختلف الفاعلين، فالبنائيون يرغبون في تأكيد الطابع الاجتماعي للوجود الإنساني والدور الذي تلعبه الأفكار المشتركة كبنية مثالية تفيد وتشكل السلوك؛ تؤكد البنائية على أن البنية المثالية لها تأثير على سلوك ونشاط الفواعل يتجاوز مسألة الضبط (Regulative)، إلى التشكيل والتكوين (Constitutive)، فالبنى تقود الفواعل إلى إعادة تعريف وتحديد مصالحها وهوياتها في عملية من التفاعل المستمر على عكس ما تناولته كل الواقعية الجديدة من أن المصلحة والهويات ثابتة وذلك لأجل عزل وإبراز الأدوار السببية لكل من القوة والمؤسسات الدولية[25]؛ تزعم البنائية على أن البني المثالية والفواعل يحدد ويشكل كل منهما الآخر، فالبنى تشكل الفواعل في ضوء مصالحها وهوياتها، وفي المقابل يتم إعادة أنتاج البنى من خلال الممارسات الخطابية (Discursive Practices) للفواعل، وهذا يعني أن هؤلاء الفواعل يستطيعون تغيير البنى من خلال أفعال الإرادة الاجتماعية.

من خلال تناولنا لكل من الواقعية والبنائية ودورهما في دراسة العلاقات الدولية، يظهر ان أن جهود الواقعيين في الوصول إلى نظرية علمية وعامة للعلاقات الدولية دشنها ” هانز مورغنتاو” الذي افترض أن القوة هي المحرك الأساسي والشامل لكل التفاعلات السياسية الدولية، وهو المفسر لسلوكيات الدول الخارجية، وتجد قوانينها في الطبيعة البشرية، فيما رأى ” Kenneth Wlatz” الذي اعترض بشدة على مفهوم الطبيعة البشرية بوصفه غير علمي، أقام نظريته على مفهوم فوضوية النظام الدولي الذي يعتبر المحدد الاساسي ومصدر تفسير سلوكيات الدول، وهناك أخرين من الواقعيون الجدد من استعاض عن دور وتوزيع القدرات العسكرية بدور وتوزيع القدرات الاقتصادية، حيث يتحدث “روبرت جيليين” عن نظام دولي مستقر بالهيمنة بدل ارتكازه على مفهوم توازن القوى، وذلك أن نظاماً اقتصاديا ً دولياً مستقر يحتاج إلى قوة عسكرية مهيمنة تؤمن بالقواعد والمبادئ التي قام عليها هذا الاقتصاد وتعمل على تأمينه وبقائه. فيما إنبرى البنائيون اتجاه بناء جسر وأرضية وسطى قاعدتها الابستمولوجيا (الوضعية)، وقاعدتها الأخرى الانطولوجيا (ما بعد الوضعية أو المثالية)، لكن ذلك لم يحفز الأطراف البنائية لعبور هذا الجسر[26].

لذلك يمكن القول إن تطور الحقل النظري للعلاقات الدولية كان نتاجاً للمحركات التي ورد ذكرها في الفرضيات السابقة، بحيث أن جزءاً كبيراً من عملية التنظير كان وصفاً ومرآة عاكسة لما يحدث في واقع السياسة الدولية، وهنا لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي لعبته الواقعية في تطور حقل العلاقات الدولية، حيث انها قدمت مفاهيم وتفسيرات للسياسة الدولية كانت الأكثر قبولاً ومصداقية مما دفع القائمين على النظريات المنافسة الأخرى ضرورة تطوير مقولاتها وافتراضاتها بما يتجاوز ما يطرحه الواقعيون.

بنية التحولات في النظام الدولي من وجهة نظر بنائية:

تظهر القراءة البسيطة للأنساق الدولية عبر تاريخ البشرية، ان هناك ترابطا كبيرا بين توزع القدرات المادية والابنية الثقافية والفكرية حيث أن الريادة في الساحة الدولية استمدت شرعيتها من قوة أولئك الذين يحوزون أكبر قدر من القوات المادية والفكرية، ويعملون على تدويل ثقافاتهم وتصوراتهم للعالم[27]، وإذا كانت الثقافة السياسية السائدة تحدد، من وجهة نظر بنائية، طبيعة النظام الدولي، فإن العقيدة الفكرية السائدة هي التي تعرف مضمون النظام الدولي السائد، فالنظام السائد منذ نهاية الحرب الباردة من وجهة نظر بنائية هو “نظام ايديولوجيا العولمة” وهذا ما يفسر من وجهة نظر البنائيين التحولات في طبيعة النظام الدولي، فالنظام الدولي لا يتغير، لأن علاقات القوة تغيرت، ولكن باعتباره انعكاس لتغير طبيعة العقيدة الفكرية السائدة، وهذا الطرح النظري هو الذي وظفه البنائيون في تفسير نهاية الحرب الباردة، إذ أن هذا التحول لم يحدث، لأن علاقات القوة تعرضت للاختلال لصالح الولايات المتحدة، لا بحدوث تغيرات في المؤشرات المادية للقوة، كما يرى الواقعيون، ولكن نتيجة تفجر صراع أفكار داخل الاتحاد السوفيتي بين الأيديولوجية الاشتراكية، وهي الأيديولوجية الرسمية وبين الأفكار الليبرالية والتي دخلت في مسار الانتشار مما أدى إلى تفكك الاتحاد نتيجة التمرد من بعض الكيانات التي أصبحت مقتنعة بالأيديولوجية الليبرالية[28]. لقد نجم عن حالة التفكك التي أصابت دول الكتلة الشرقية، طرح سؤالين مهمين هما: لماذا كانت نهاية الحرب الباردة بهذه الطريقة المفاجئة؟ وماذا يعني هذا التفكك لنظرية العلاقات الدولية؟.

قد حاولت كثير من الدراسات البحث في الإجابة عن هذه الأسئلة، فبينما بحث الواقعيون الجدد عن طريقة لفهم انهيار الاتحاد السوفيتي السلمي، بما يتلاءم مع افتراضاتهم وبخاصة فيما يتعلق بالقيمة العليا للدولة وبقائها، فإن البنائيون فسروا الأمر بشكل واسع ومختلف كدليل على صواب معتقداتهم ونجاحها، وخاصة ما يتعلق بتأثير الأفكار والمعايير حول السياسات الدولية، وشعر الكثير من المنظرين البنائيين أن سقوط الثنائية القطبية لم يأت ليعلن فقط عن حدوث تحولات وتغيرات نظامية وإنما ليعلن أيضا عن حدوث تغيير أساسي في الطريق التي تعالج بها السياسات الدولية[29].

وقد ساهمت نهاية الحرب الباردة في إضفاء الشرعية على النظريات البنائية لأن الواقعية أخفقت في استباق هذا الحدث كما أنهما وجدتا صعوبة كبيرة في تفسيره، بينما تمتلك البنائية تفسيرا له، خصوصا ما يتعلق بالثورة التي أحدثها “ميخائيل غورباتشوف” في السياسة الخارجية السوفيتية باعتناقه أفكارا جديدة “كالأمن المشترك”. زيادة على ذلك، وبالنظر إلى التحدي الذي تتعرض له الضوابط التقليدية بمجرد تحلل الحدود، وبروز القضايا المرتبطة بالهوية، فإنه ليس من المفاجئ أن نجد الباحثين قد التجؤوا إلى مقاربات تدفع بمثل هذه القضايا إلى الواجهة وتجعل منها محور الاهتمام. ومن وجهة نظر بنائية، فإن القضية المحورية في عالم ما بعد الحرب الباردة: هي كيفية إدراك المجموعات المختلفة لهوياتها ومصالحها. ورغم أن التحليل البنائي لا يستبعد متغير القوة، إلا أن البنائية ترتكز بالأساس على: كيفية نشوء الأفكار والهويات، والكيفية التي تتفاعل بها مع بعضها البعض، لتشكل الطريقة التي تنظر بها الدول لمختلف المواقف، وتستجيب لها تبعا لذلك[30].

روسيا الفيدرالية والنظام الدولي: محاولة للفهم

روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي، هما توصيفان لعنوان واحد، تتلخص حقيقته، بكونه يعني دولة كبرى، لها من الحضور على المسرح الدولي، فعالية ونشاط متميز، بحيث لا يمكن لأي متعاط مع احداث العالم السياسية، ان يتجاهلها أو يلغي دورها، لذلك فأن غاب الدور والحضور الروسي عن مسرح الاحداث مدة، فهو قطعاً لن يكون غياباً دائما، وروسيا بحكم المساحة والسكان والثروات والموقع الجغرافي، وعوامل اخرى، لا يمكن لها، ان تغيب أو تحتجب عن الدور الذي يليق ويتكافأ معها، لا سابقاً ولا مستقبلا[31] .

وقد ظلت الليبرالية الأيديولوجية هي المهيمنة على الساحة الدولية عقب انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما تمت ترجمته في مقولات مثل “نهاية التاريخ”، التي رأت أن لا ايديولوجيا في عالم ما بعد الايديولوجيا إلا الديمقراطية الغربية[32]، غير أنه مع تجدد الصراع بين روسيا والغرب، برزت إرهاصات لأيديولوجية روسية جديدة عرفت باسم “النظامية” Orderism ، سرعان ما وجدت صدى في عدد من الدول الأخرى[33]. حيث شكل تسلم “فلاديمير بوتين” لدفة الحكم، ايذاناً بإعادة بناء للفعالية الروسية على المستويين الداخلي والدولي، وقد استوعبت روسيا الفيدرالية الدرس جيداً، وتمكنت في مرحلة بوتين من اعادة تجديد نفسها بشكل هادئ وبنسخة أكثر اعتلالاً من التجربة السوفيتية، وذلك من ثلاث جهات اساسية:

الأولى أن هذا الانهيار حدث نتيجة صراع الأفكار داخله وهو ما يثبت قيمة الأفكار في تفاعلات العلاقات الدولية، ومن جهة ثانية أن ميكانزم الهيمنة الأمريكية في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة لم يرتبط فقط بالتطورات غير المسبوقة للقوة الأمريكية بالمعنى المادي- عسكريا واقتصاديا- ولكن من خلال جاذبية أيديولوجيا العولمة التي تتبنها الولايات المتحدة في سياستها الخارجية والتي تعتبر جذابة للكثير من الشعوب على اعتبار تضمنها لمفردات النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان، في نفس الوقت الذي رأت فيه الفيدرالية الروسية أن إعادة إحياء الأيديولوجية الاشتراكية لن تشكل عامل جذب للدول والشعوب، لأن هيمنة أيديولوجية العولمة منذ نهاية الحرب الباردة، قد أدت إلى مسح أي جاذبية للأفكار الاشتراكية، أما الزاوية الثالثة، فهي الحرص على تطوير عقيدة فكرية تستطيع اختراق المجتمعات الغربية في حد ذاتها[34]. فالفرضية السياسية الأساسية للنظامية، شددت أكثر على الاستقرار وليس على الديمقراطية، لأن الديمقراطية الليبرالية الغربية فشلت في الوفاء بوعدها، وأدت في بعض الحالات إلى عدم المساواة والفوضى، كذلك ركزت النظامية على القيم المحافظة المتعلقة بالدين، في حين تعارض القيم العلمانية التي تعززها الديمقراطية الغربية[35]، وبناء عليه، فقد ارتكزت هذه الأيديولوجيا والتي سميت بالعقيدة النظامية، على السمات الفكرية التالية[36]:

أولاً/ أن الآثار السلبية للانفتاح الفكري غير المحدود، بدأت تسير في الاتجاه العكسي، فالإشكالية التي كانت تطرح في السابق هي مدى تأثير العولمة الثقافية المرتبطة بالثقافة الليبرالية الغربية على الثقافات العالمية الأخرى[37]. ولكن الوضع الحالي يشير إلى أن الوضع الثقافي الغربي هو الذي أصبح يعاني -كما ترى العقيدة النظامية، من التغلغل السلبي لثقافات دخيلة مثل الثقافات الإسلامية، والتي أفرزت جملة من المشكلات على جميع المستويات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وقد نبه إلى ذلك “فرانسيس فوكوياما” وهو أكثر المدافعين عن أيديولوجيا العولمة.

حيث اعتبر لأن مشكلة الإرهاب يكمن في أوروبا الغربية لا في الشرق الأوسط، وهو منتج فرعي للهجرة والعولمة، أن أخطر الناس ليسوا المسلمين الأتقياء في الشرق الأوسط، بل هم الشباب المعزولون والمتأصلون من جذورهم في هامبورج أو لندن أو أمستردام والذين يرون الأيديولوجية بوصفها الجواب لبحثهم الشخصي عن الهوية[38].

ثانياً/ أن أيديولوجيا العولمة تتخذ موقفا سلبيا من القانون الدولي على اعتبار أن هذا القانون يمثل آليات بطيئة لا تتوافق مع التغيرات السريعة التي يعرفها العالم ، برغم كل حالات التكيف التي تم طرحها حتى يتماشى القانون الدولي مع واقع نظام العولمة وخاصة ما يتعلق بتوسيع الأبعاد الإنسانية لهذا القانون، فنظام العولمة يرى أن حل المشكلات العالمية في الوقت الراهن يجب أن يتم على أساس التضامن الدولي حول العقيدة الليبرالية السائدة وليس على أساس نصوص القانون الدولي، وهو ما يجعل تطبيق القانون الدولي مغلفاً بالانحياز الأيديولوجي[39].

وفي هذا السياق، يرى “سيرغي لافروف” وزير الخارجية الروسي، أن “عقدة المنتصر” التي اكتسبتها الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الحرب الباردة، تستند أساليب حل المشاكل الدولية، ليس على التحليل الموضوعي للوضع، ولا على المبادئ العامة للقانون الدولي، بل على مدى الجدوى السياسية بالمفهوم الأمريكي[40]. ولذا ترى العقيدة النظامية، أن القانون الدولي لا يجب أن يخضع للرؤية الأيديولوجية الغربية، فإذا كانت إعادة السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم هي حالة عدوان كما تنظر إليها للدول الغربية، فإن العقيدة النظامية تبرر ذلك بأنه حالة دفاع عن النفس، في ظل تمادي التوسع الغربي تجاه اوكرانيا بحيث أصبح يلامس الحدود الروسية.

ثالثاً/ أن تطبيق الديمقراطية في الدول التي تفتقر إلى ظروف مواتية يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية، بما في ذلك صعود المتطرفين للسلطة، أو حروب أهلية. فالقيمة الأساسية التي يجب دعمها هو كيفية تدعيم استقرار الدول، وليس تأسيس ديمقراطية تثير وتنتج الفوضى[41]. وهنا لابد من الإشارة لما يعيشه الشرق الأوسط من حالة تفتت وتغيير للأنظمة ادت إلى تفكك الدول. وهنا تقول ” أستاذة العلوم السياسية “كاثلين ثيلين”، إن التنمية المؤسسية يجب أن تكون تدريجية وتدرجية، وأنه لا ينبغي إنجازها على الفور، بل في المنعطفات الحرجة[42]،

وهنا يرى “روبرت كوبر” إن حالة الفوضى التي تشهدها العلاقات الدولية الراهنة، اكتسبت ثلاث خصائص جديدة، فالأولى خاصية الانتشار إذ لا يمكن لأي أزمة داخل حدود دولة معينة أن تبقي أثارها داخل تلك الحدود وفقط، والثاني أن الفوضى أصبحت هي السبب الرئيسي في فشل الدول، والثالثة أن الفوضى هي أكثر ما يصنع سياق تهديدات الأمن القومي[43].

رابعاً/ أن العولمة الاقتصادية تجعل بعض الدول تتحمل أوضاع اقتصادية سيئة لدول أخرى هي في غنى عنها، ويعتبر الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوربي (Brexit) هو أفضل مثال على ذلك، فقوة الاقتصاد البريطاني تغنيه عن الارتباط باقتصاديات بعض دول الاتحاد الأوربي تعاني من أزمات بنيوية في اقتصاداتها، مثل الاقتصاد اليوناني، وأن الانفتاح على استيعاب عمالة أجنبية تؤثر على الفرص الاقتصادية للمواطن البريطاني، وهي الحجج الاقتصادية الرئيسية التي برر بها موقف المؤيدين للانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوربي.

ويستطيع البنائيون أن يقدموا الكثير حول تفسير مضامين العقيدة النظامية التي تسعى روسيا إلى تجذيرها في العلاقات الدولية الراهنة، إذ أن البنائيين يعتبرون أن الفوضى هي ما تصنعه الدول، أي أن طبيعة البنية الثقافية للنظام الدولي هي التي تحدد مدى انتشار الفوضى من عدمها وبذلك ترى العقيدة النظامية أن البنية الثقافية للنظام الدولي الحالي والذي تسيطر عليه أيديولوجيا نظام العولمة هي المسؤولة عن انتشار الفوضى في العلاقات الدولية الراهنة بشكل غير مسبوق. وتسوق روسيا العقيدة النظامية على أنها عقيدة معادية للعولمة وليس لليبرالية أي أن سلبيات نظام العولمة الغربي تؤثر حتى على الدول الليبرالية في حد ذاتها. ولذا يمكن القول انه وفي ضوء محاولات إيجاد بديل للعولمة، فإن التحولات المستقبلية للنظام الدولي ترتبط بمدى انتشار العقيدة النظامية في المجتمعات الغربية، ومدى قناعتها بوجود البديل لليبرالية الغربية، وبناء على ذلك، يرى الباحث أن هناك ثلاث اتجاهات لمستقبل النظام الدولي.

الاتجاه نحو عالم ما بعد الهيمنة الغربية:

قراءة التاريخ، تؤكد إن انبثاق اي نظام دولي جديد، يرتبط في الغالب، بحوادث مفصلية، تحمل في رحمها، ملامحه، والقوى الصاعدة فيه، وتهيء للانتقال بشكل حاسم من وضع عالمي إلى آخر، هكذا كان التاريخ الانساني، وكان تربع القطب الامريكي وتسلطه وهيمنته على المسرح السياسي الدولي، منذ بداية عقد التسعينيات في القرن الماضي، استثناءً في التاريخ، وأنه برغم كون السقوط، كان سلمياً، لكنه مدو بأكثر مما تفعله الحروب، بسبب التفرد الذي تمكن منه الامريكان في ادارة شؤون المسرح الدولي، من خلال تنصيب انفسهم قطباً عالمياً أوحداً بلا أية منافسة من أحد، وما حصل، كان علامة على عصر جديد في العلاقات الدولية، لم يألفه مجتمع الدول منذ ظهور الدولة القومية، بعد “معاهدة ويستفاليا” عام ١٦٤٨ ، مما اضفى مظهراً متفرداً للقوة المهيمنة في المسرح الدولي[44].

وبهذا الصدد، يقول “روشير شارما” مؤلف كتاب “صعود وانهيار الأمم” والخبير الاستراتيجي في مركز “مورغان ستانلي”، إن العالم ينبغي ان يستعد لعصر ما بعد العولمة، حيث أن فكرة السوق المفتوحة والاقتصاد الواحد تنهار، وأكبر دليل على ذلك[45]:

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: يعد بمثابة كارثة معدية أكثر من كونه عرضا لأحد الامراض، قد يؤدي إلى انهيار النظام الاوروبي، الذي نشأ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية[46]. فهذا الانسحاب له دلالة كبرى، لأن بريطانيا كانت من أكثر الدول حماسة للدفاع عن أيديولوجيا نظام العولمة حيث تولت بريطانيا منذ فترة رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير” الدعوة إلى توسيع العولمة لتشمل الأبعاد السياسية، من خلال ما سمي عقيدة توني بلير، أو الليبرالية التدخلية[47]“.

صعود الأحزاب ذات التوجه القومي: كشفت موجة الانتخابات والاستفتاءات التي جرت، أو ستجري في عدد من الأقطار الأوروبية، أن الناخبين الأوروبيين الذين اعتادوا طيلة العقود الماضية على دعم وتأييد الأحزاب التقليدية، باتوا أكثر ميلاً، خلال السنوات الخمس الأخيرة نحو الأحزاب “الشعبوية” الصاعدة، مما يعني لبعض المراقبين بداية انهيار للمشروع الأوروبي الموحّد بطموحاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية[48].

فهناك 74 حزب ذو نزعات قومية في القارة الأوربية، وهي تحمل عداءاً صريحا لحلف الناتو، وتنادي بغلق الحدود، ووقف التجارة الحرة، والانسحاب من منطقة اليورو، أو منع اتفاقية الشراكة والاستثمار عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة أو تقييد حري التجارة[49] .من جهته، يقول أستاذ الشؤون الأوروبية والسياسة المقارنة في جامعة لندن للاقتصاد، “سايمون هكس”، إن “ما نراه اليوم في أوروبا، هو تشظٍّ لأصوات الناخبين نحو أقصى اليمين وأقصى اليسار، وتراجع شعبية أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط، التقليدية من (40%) إلى نحو (25%) أو أقلّ، وهذا يحدث في كل أنحاء أوروبا، ويطرح إشكالية غير مسبوقة منذ عقود[50]. وقد حذرت ورقة قدمها المنتدى الاقتصادي العالمي في أبريل عام 2015، من أن النظام العالمي الليبرالي بات مهددًا من جانب مجموعة متنوعة من القوى – من قبل الحكومات الاستبدادية القوية والحركات الأصولية المعادية لليبرالية.

وفي مقالة له بمجلة نيويورك، حذر “أندرو سوليفان” من أن الولايات المتحدة نفسها قد تتعرض للخطر لأنها أصبحت ديمقراطية بشكل كبير، وذكر أن هذه المخاوف متفهمة، في روسيا، الصين، الهند، تركيا، مصر، وحتى في الولايات المتحدة، يرى المرء إما الاستبداد أو التوق إلى زعيم قوي، تجرف إجراءاته الجريئة السخط الحالي، وفقًا لخبير الديمقراطية “لاري دايموند”، فإنه، بين عامي 2000 و2015، تهاوت الديمقراطية في 27 بلدًا، في حين أصبحت العديد من الأنظمة الاستبدادية القائمة حتى أقل انفتاحًا وشفافية، واستجابة لمواطنيها، وأشار إلى أنه وبينما صوتت بريطانيا العظمى الآن لمغادرة الاتحاد الأوروبي؛ فإن بولندا والمجر وإسرائيل تتبنى اتجاهات غير ليبرالية[51].

مبادئ السياسة الخارجية عند دونالد ترامب: رأى كثير من الباحثين، أن فوز “دونالد ترامب” أعطى دفعاً قوياً لتشكل نظام ما بعد العولمة الغربية إذ أن شعار السياسة الخارجية الذي رفعه “ترامب” والذي عنوانه أمركة لا عولمة، وتمسكه بالانسحاب من النظام المتعدد الأطراف للتجارة العالمية ، كذلك عداءه لكل الثقافات الدخيلة على المجتمع الأمريكي، وخاصة الثقافة الإسلامية، كلها مؤشرات تثبت أن السياسة الخارجية الأمريكية ستكون متماهية إلى حد كبير مع العقيدة النظامية التي تروج لها روسيا، وهو ما يحفز تقاربا روسيا أمريكيا رغم تناقض بعض المواقف من أجل تأسيس نظام ما بعد العولمة الغربية. وتشمل هذه المبادئ[52]: يعد “ترامب” من أصحاب مبدأ العزلة في السياسة الخارجية[53]. يتبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ “أمريكا أولا” كالهدف العام من سياسته الخارجية، بمعنى أنه لا يجب على أمريكا أن تؤَّمن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية[54]. لا يؤمن “ترامب” بفكرة التدخل الإنساني كأساس أو دافع للتدخل في الشأن الداخلي للدول، فطالما الأمر لم يمس المصالح الأمريكية ؛ يقف “ترامب” ضد الهجرة، فهو أكثر توجهًا للتأكيد على أن الولايات المتحدة تقتصر على مواطنيها ؛ يتبني “ترامب” مبدأ الحماية التجارية للسوق الأمريكي بجانب أنه يتشكك في مدي فعالية وتأثير الاتفاقيات والمعاهدات التجارية الدولية والتحالفات التجارية الدولية، ويعتبرها أنها غالبًا ما تكون في مصلحة الطرف الآخر على حساب الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير تنتج عنها سلبيات تضر بالاقتصاد والسوق الأمريكي[55].

عدم تقبل الثقافات الأخرى بهيمنة الثقافة الامريكية: هناك العديد من ثقافات العالم المختلفة لا تقبل الذوبان في ثقافة الآخر أو أن تهيمن عليها، وإن قبلت التفاعل معها، فالثقافة شأن عقلي، ومن ثم فلا يمكن لآليات الثقافة الغربية عامة والأمريكية خاصة أن تزيح الثقافات الأخرى من عقول اصحابها، لأن لكل فرد في أي شعب وخاصة الشعوب ذات الثقافات العريقة والمتجددة والقادر على استجلاء عناصر ثقافته الأصيلة والتمسك بها في مواجهة أي ثقافات مهيمنة وإن كانت تحمل عوامل الإغراء والإغواء.

فرغم كل عوامل وآليات التقارب الثقافي المعاصرة نتيجة العولمة وهيمنة الثقافة الامريكية في اللحظة التاريخية الحاضرة، فإن الثقافات القومية ستظل قائمة وستظل تستنهض همم أبنائها لمواجهة الهيمنة الامريكية المتعالية والتي ترى في نفسها الأفضل والأكثر إنسانية وتقدماً[56]. وفي مقاله بعنوان “الحركة نحو عالم ما بعد الغرب”[57]، يلقي “سيمون سيرفاتي”، أستاذ العلاقات الدولية، نظرة شاملة علي اللاعبين الرئيسيين في عالم ما بعد الغرب والعلاقة بينهم. ويشير في البداية أن عصر الأحادية القطبية قد ولي إلي غير رجعة، مع استبعاده أن يعود العالم إلي حالة من الثنائية القطبية، فرغم تراجع القوة الأمريكية، فإنه ليست هناك أي قوة دولية أخري قادرة علي فرض الهيمنة عليها، أو حتي الوصول إلي موقع الندية معها.

الواقع العالمي الجديد إذن يتسم “باللاقطبية”، حيث تتعدد فيه القوي الصاعدة بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلي العديد من الدول التي، وإن كانت أقل حجماً، فإنها تكتسب، لأسباب مختلفة، نفوذا متصاعدا علي الساحة الدولية. يري أن هناك اليوم حاجة ملحة لصياغة هيكل جديد للنظام العالمي، حتي يمكن استيعاب هذا العدد الكبير من الفاعلين المنتشرين بشكل غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، ويؤكد أن التجارب التاريخية الغربية السابقة في إعادة تشكيل النظام الدولي تتم عادة من خلال إعادة تدوير الصياغات القديمة المتعلقة بتوازن القوي ومصلحة الدولة، بدلا من إنشاء صياغات جديدة، ولكن مثل هذه المقاربة لن تصلح في عالم القرن الحادي والعشرين. إن غياب أي شكل من أشكال القيادة في عالم متعدد القوى يوفر مناخاً من الفوضى، وربما يكون محفوفا بالمخاطر. فهناك مصالح متشابكة قد تدعم التعاون فيما بين الأقطاب المتعددة، لكن اختلاف الرؤي والمناهج فيما بين هذه الأقطاب يجعل الخريطة الجيوسياسية حافلة بالتناقضات وعدم الوضوح. وسوف تصبح عملية اختيار الحلفاء والأصدقاء، وردع الخصوم، وتفادي النزاعات، في ظل هذا الوضع العالمي الجديد، شديدة الصعوبة.

الاتجاه نحو عالم بلا أقطاب:

في مقال بعنوان “فوضي عالمية جديدة”، يقول أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أوكسفورد، “تيموثي جارتون آش”[58]، نحن لم نعد أمام عالم متوافق حول نموذج اقتصادي واحد، وهو الرأسمالية الليبرالية الديمقراطية، بل نحن في عالم بلا أقطاب، تتعدد فيه الأشكال والنماذج الاقتصادية، التي كثيرا ما تكون غير ليبرالية، نحن لسنا بصدد نظام عالمي جديد، بل فوضي عالمية، وعالم منقسم، ساخن، من المنتظر أن تندلع فيه نزاعات متعددة في المستقبل القريب. لقد أوجدت الشعوب خارج الغرب نماذج جديدة تمزج ما بين ديناميكية اقتصاد السوق وحكم الحزب الواحد أو العائلة الواحدة، وقد تكون ملكية الشركات الكبرى في هذه النماذج للدولة وحدها، أو مشتركة بين الدولة وأطراف أخري، كما أنه من الشائع أن ينتشر الفساد بشكل واسع في هذه النظم، وأن تتم الاستهانة بتطبيق حكم القانون.

ويشير إلي رؤية المحلل الصيني للعلاقات الدولية، “يان زيوتونج”، بأن القوي الصاعدة عادة ما تأتي بالقيم السائدة فيها إلي “الطاولة الدولية”، حيث تسعي لنشرها، كيفما استطاعت. ولتحديد تصاعد نفوذ هذه النماذج الجديدة، علينا أن نتساءل عما إذا كانت الصين أو روسيا، أو الهند أو البرازيل، أكثر أم أقل استعدادا اليوم لتقبل مفاهيم غربية عما كانت عليه منذ عشر سنوات، هي بالتأكيد أقل استعدادا.

إن أحد الملامح الرئيسية للواقع العالمي الجديد هو انتشار قيم ومعايير متعددة ومتباينة علي الصعيد العالمي في الوقت نفسه. وربما يكون الزعماء السياسيون الحاليون أكثر سعادة في عالم يدير فيه كل من الأمريكيين والصينيين والأوروبيين شئونهم، وفق معاييرهم وقيمهم الخاصة داحل حدودهم. وربما يسعون – وهنا تكون المشكلة – إلي نشر هذه القيم والمعايير في المناطق المجاورة التي يعدونها مناطق نفوذ، يصف تقرير مجموعة أوراسيا هذا الواقع الجديد ب””G-Zero، وفيه تنحي القوي الدولية الرئيسية جانبا طموحاتها في قيادة العالم، سواء منفردة أو مجتمعة، وتنشغل بشكل أساسي بقضاياها الداخلية، وهو وضع غريب وجديد علي المستوي الدولي[59].

الاتجاه نحو عودة القطبية الايديولوجية:

بعد مرور نحو ربع قرن على نهاية الحرب الباردة، عادت تلوح في الأفق من جديد، بطرق وأنماط مغايرة، وهي مرتبطة بالأساس بالتطورات الأخيرة في سوريا[60]. وفي هذا الصدد، يمكن القول أنه وفي ضوء محاولات روسيا الفيدرالية العمل على نشر عقيدتها الفكرية الجديدة، وهي العقيدة المضادة للعولمة المهيمنة على النظام الدولي، وهو ما قد يدفع لحقبة مشابهة لتلك التي كانت زمن الحرب الباردة، وهنا يقول “غورباتشوف”، في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية واسعة الانتشار، إن العالم يشهد حاليا جميع مؤشرات الحرب الباردة، وأن العلاقات بين القوى العظمى في العالم حاليا تتدهور، وأضاف: في بعض المناطق، تسير الأمور على قدم وساق، وتنشر القوات المسلحة في مناطق مختلفة من أوروبا، مسلحة بأسلحة ثقيلة ودبابات ومدرعات، وهو ما يوحي بانطباع أن العالم ينتظر حرب[61]. هذه “الحرب الباردة الجديدة”، إن اندلعت على وجه شامل، تتصف بعدة سمات: إنها حرب لن تلعب فيها الأيديولوجيا الدور الأساسي؛ إنها حرب تتم في ظل ثورة رهيبة في الاتصالات والمعلومات، الأمر الذي سيجعل للجوانب التقنية والناعمة دوراً كبيراً في إدارتها، وليست بالأساس الركائز الخشنة للقوة؛ تأتي هذه الحرب في ظل تراجع التسلطية والشمولية في العالم، وتقدم النظم الديموقراطية والمدنية، الأمر الذي سيجعل للشعوب قولاً فيها على العكس من الحرب السابقة التي كانت تعكس إرادات النظم الحاكمة، بل إرادة أشخاص بأعينهم داخل الدول التي انخرطت في هذه الحرب بدرجات متفاوتة؛ هذه الحرب، إن قامت، فإنها ستعطي الإرهاب مدداً جديداً. فالقوتان الأساسيتان المتصارعتان، وهما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ستستخدمان مجموعات إرهابية بصيغة أو بأخرى، وفي أماكن متفرقة، بحيث تقوم كل منهما بالاستعانة بالإرهابيين في مكان، ومكافحتهم في مكان الآخر، لكن في الحالتين فإن التجمعات والمجموعات والتنظيمات الإرهابية، ستستفيد من هذا التناقض، لاسيما أنها إما بها تنظيمات دولية عابرة للدول، أو أنها تمثل شبكات بينها صلات وهمزات وصل في التفكير والتمويل؛ تأتي هذه الحرب مع صعود قوى دولية جديدة، مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي؛ تأتي هذه الحرب في ظل افتقاد دول العالم الثالث القدرة على اتخاذ موقف محايد أو غير متورط، تجلى فيما سمي حركة عدم الانحياز؛ هذه حرب لم تبدأ بالمراكز وتمتد للأطراف، بل بدأت في الأطراف وانتهت إلى المراكز، فمن قبل بدأت الحرب الباردة بتنافس أيديولوجي واقتصادي واستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي المنهار، بعد أن خرج البلدان قوتين عظميين من الحرب العالمية الثانية، ورثتا بريطانيا وفرنسا. أما هذه الحرب فبدأت من الدول الطرفية، إذ تعسكرت الثورة السورية، وتحولت إلى حرب أهلية، فصراع طائفي فإقليمي، ومنها إلى تدخل دولي. هذه الحرب تأتي في ظل تصاعد النزعات الطائفية والشعوبية والعرقية التي تضع بعض الدول الوطنية في مشكلات عميقة حيال مسائل الانصهار والاندماج والقبول الطوعي بالتوحد. وبالقطع فإن هذه النزعة ستجد في عودة الحرب الباردة ما يغديها، وقد تستغل الدول الكبرى المتصارعة، عرقيات أو أتباع مذاهب أو طائفة في تحقيق مصالحها، الأمر الذي يضر بالتماسك الداخلي لعدد من الدول، لاسيما تلك الواقعة في أتون المعركة.

الخاتمة:

إذا كان فهمنا التقليدي العام يقوم على اعتبار أن نظريات العلاقات الدولية موجهة فقط للوصف والتفسير، فقد أظهرت الدراسة أن نظريات العلاقات الدولية ليست رهينة حاضرها وماضيها فحسب، وإنما تتنبأ بالمستقبل وهي تمارس الوظيفية التنبؤية أيضا، فيما يمكن للعالم أن يكون عليه، وربما في كيفية تغييره، ولابد للنظريات أن تعطينا صورة دهنية واضحة عن التحولات الراهنة في بنية النظام الدولي، وتحليلاً لطبيعة العلاقات وكيفية إدارتها بطريقة تمكننا من التنبؤ بالمستقبل، وقد جاء توظيف المنظور البنائي من أجل فهم شكل التحولات في بنية النظام الدولي واتجاهاته المستقبلية، وذلك عبر تناول ثلاث اتجاهات محتملة لمستقبل النظام الدولي. اتجاه نظام ما بعد العولمة الغربية، والذي يرتبط تشكله بظهور بعض المؤشرات التي تدعم هذا الاتجاه وهي: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالمبادئ التي يحملها الرئيس الامريكي وتدور حول فكرة التراجع الأمريكي خطوة اتجاه قيادة العالم منفردة، وكذلك رفض ثقافة الهيمنة الامريكية لدى كثير من الشعوب التي تتمتع بثقافة من الصعب اختراقها، بالإضافة لمدى انتشار العقيدة النظامية، وهي العقيدة الأيديولوجية للسياسة الخارجية الروسية في الوقت الراهن. وفي مقابل ذلك، قد ينفتح النظام الدولي على اتجاه عالم بلا أقطاب، عالم فوضوي منقسم وساخن، لم يعد يؤمن بالتوافق حول وجود نموذج، بل تتعدد فيه الأشكال والنماذج الاقتصادية، التي كثيرا ما تكون غير ليبرالية. وهناك اتجاه ثالث، يرى في أن مستقبل تحولات النظام الدولي، تتجه نحو قطبية أيديولوجية جديدة شبيهة لتلك التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة استنادا إلى تحفز القوى الغربية لمقاومة انتشار العقيدة النظامية والدفاع عن أيديولوجيا العولمة الغربية باعتبارها العقيدة الفكرية التي يجب أن تبقى مشكلة للبنية الأيديولوجية للنظام الدولي.

المراجع العربية:

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسة، نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، تحرير: تيم دان، مليا كوركي، ستيف سميث، ترجمة ديما الخضرا،، مراجعة: بشير محمد الخضرا، ط1، يناير 2016.

أكرم بركان، تحليل النزاعات المعاصرة في ضوء مكون البعد الثقافي في العلاقات الدولية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة لخضر باتنة، الجزائر، 2010

ايمان عنان، كيف يتداعى النظام الدولي، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 30 يناير 2017، شوهد في: 23/1/2018https://pss.elbadil.co

حميد حمد السعدون، الدور الدولي الجديد لروسيا، مركز الدراسات الدولية، مجلة دراسات دولية، جامعة بغداد، العدد 42، شوهد في: iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=60802

حميد حمد السعدون، فوضوية النظام العالمي الجديد، عمان، دار الطليعة العربية ،٢٠٠١

بلخيرت حوسين، مستقبل النظام الدولي رؤية استشرافية بنائية، المعهد المصري للدراسات، دراسات سياسية، اسطنبول، فبراير 2017

بولمكاحل إبراهيم، تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، جامعة قسطنطينة، قسم العلوم السياسية، الجزائر، 21/5/2011

خالد حامد شنيكات. غالب عبد عريبات. التنبؤ و نظرية العلاقات الدولية: مراجعة للأدبيات النظرية، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية. المجلد/39، عدد3 ، 2012

ستيفن والت، روبرت كاجان، الجدل حول مستقبل القوة الأمريكية، ترجمة: محمد العربي، سلسلة اوراق، ع 40، مصر، مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، 2012.

ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”، ترجمة: عادل زقاغ وزياني زيدان، شوهد في: 9/3/2017http://www.geocities.com/adelzeggagh/IR

س .غ . لوزيانين. عودة روسيا الى الشرق الكبير. ترجمة هاشم حمادي، بيروت: دار المدى للنشر والتوزيع، 2012

فرا نسيس فوكوياما، أمريكا في مفترق الطرق ما بعد المحافظين الجدد، ترجمة محمد محمود التوبة، ط1 ،الرياض، مكتبة العبيكان، 2007

محمد الطاهر عديلة، تطور الحقل النظري في حقل العلاقات الدولية: دراسة في المنطلقات والاسس، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الحاج لخضر- باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2015

محمد السعيد إدريس، ملامح حرب باردة في سوريا، صحيفة الأهرام المصرية، 18 ابريل 2017، شوهد في:http://www.ahram.org.eg/WriterArticles/135/2017/0.aspx

محمد شلبي. دور الثقافة في هندسة العلاقات الدولية. من أوراق المركز المغربي المتعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية، المغرب، شوهد في 11/2/2017 http://www.cmiesi.ma/acmies

محمد عصام لعروسي، النظريات في العلاقات الدولية،25/7/2015 شوهد في: http://www.pal-monitor.org/ar/print.php?

ميخائيل غورباتشوف لصحيفة بيلد الالمانية، 15/4/2017، شوهد في: http://www.aljazeera.net/news/international/2017/12/16

مجدي صبحي، الحمائية وتصاعد القومية الاقتصادية، مجلة السياسة الدولية، العدد 208، ابريل 2017، شوهد في: 14/4/2017http://www.siyassa.org.eg/Index.aspx

مصطفى شنار، ما بعد العولمة: قراءة في مستقبل التفاعل الحضاري وموقعنا منه، ط1، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر ، 2003

نواف التميمي، محاولات أوروبية لفهم ظاهرة صعود رياح اليمين المتطرف، العربي الجديد، 28 مايو 2016، شوهد في: 22/11/2017https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/5/27/

يمنى سليمان. توجهات السياسة الخارجية عند دونالد ترامب، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، اسطنبول، مايو 2016.

المراجع الأجنبية:

A. Camba, Book Review: How Institutions Evolve, E-International Relations, June 12, 2012, accessible at:10/01/2018 https://goo.gl/tQk9kt

Wendt. Anarchy Is What States Make of It :The Social Construction of Politics International Organization .Vol.46.No 2.Spring 1992.

Antje Herrberg, The Post-Cold War Order and The Search for new Research Methodologies for The Political Scientist.

http://www.iol.ie/~mazzoldi/toolsforchange/postmet/postcold.html-36k

Bahgat Korany: Afro-Asian Non Alignement in the contemporary. International System. These No. 268. Institut Universitaire des Hautes-Etudes Internationales, Geńeve, 1976.

Christian Reus- Smit. Constructivism. In Theories of International Relations .eds Andrew Linklater. scott Burchill. Deakin University.1996.

Dane copleland, the constructivist challenge to structure realism: a review assay, international security, vol. 25, no. 02, autumn 2000.

David Singer.The Level of Analysis Problem in International Relations .World Politics,vol. 14, no 1, The International System: Theoretical Essays . 1961,

Donald Trump, “Donald J. Trump Foreign Policy Speech” (Speech, Washington D.C., April 27, 2016) accessible at: ,https://www.donaldjtrump.com/press-releases/donald-j.-trump-foreign-policy-speech

Eliane Glaser, ‘Bring back ideology: Fukuyama’s ‘end of history’ 25 years on’, The Guardian, March 21, 2014, accessible at: https://goo.gl/nU8d7k

Gaddis, John Lewis. International Relations Theory and The End of the Cold War International Security,Vol.17, no.3,Winter 1992-1993.

Hopf, Ted. The Promise of Constructivism in International Relations Theory. International Security, Vol. 23, No.1,Summer 1998 .

Ian Bremmer and David Gordon،”Top Risks 2011″،The Eurasia group، accessible at: http://eurasiagroup.net/pages/toprisks

Jochen Bittner, ‘The New Ideology of the New Cold War’, The New York Times, August 1, 2016, accessible at:31/12/2017 https://goo.gl/l2u4fS

John J Mearshimer. The Tragedy of Great Power Politics. New York: W.W : Norton & Company.2001,

Layne, Christopher.Superpower Disengagement, Foreign Policy, (77).1990

Karacasul (Nilüfer )- uzgoren (Elif), Explaining Social Constructivist contributions to security studies, accessible at:

http://www.sam.gov.tr/perceptions/volume xii/ExplainingSocial.pdf

National Review, Trump’s Foreign-Policy Revolution, Charles Krauthammer January 26, 2017, Read more at:

http://www.nationalreview.com/artic…a-first-allies-nato-trans-pacific-partnership

Mearsheimer, John.. The False Promise of International Institutions. International Security, 19 (3),1995.

Peter L. Berger and Samual P.Huntington. Many Globalizations: Cultural Diversity in The Contemporary World, New York :Oxsford Unversity

Rathbun, Brian C.. Uncertain about Uncertainty: Understanding the Multiple Meanings of a Crucial Concept in International Relations Theory.International Studies Quarterly 51.2007

Reza Ekhtiari Amiri. Levels of Analysis in International Relations and Regional Security Complex Theory. Journal of Public Administration and Governance. Vol. 4, No.

Robert Cooper. The Breaking of Nations. London :Atlantic Books.2004, by: Jeppe Juul Petersen (Copenhagen) , , http://www.kakanien.ac.at/rez/JPetersen1.pdf

Serhat S. Çubukçuoğlu, Orderism and Liberal Democracy, future for advanced research and studies, tending events, issue 18, jul-oct 2016 , accessible at:2/10/2017 http://www.academia.edu/29681815/Orderism

Simon Serfaty، “Moving into a Post Western World”،The Washington Quarterly،spring 2011. accessible at:2/2/2018, twq.com/11spring/index.cfm?id=427

Snyder, Jack.. One World, Rival Theories. Foreign Policy, Issue 145, Nov/Dec 2004,

Timothy Garton Ash،”A new world disorder”،com،January 28،2011. accessible at:www.Latimes.com/news/opinion/commentary/la-oe-gartonash-davos-20110128،0،3772495،story

Thomas Carothers, How Democracies Emerge: Sequencing Fallacy, Journal of Democracy, Volume 18, Number 1, January 2007.

Tony Blair . Aglobal alliance for global values . London : Foreign Policy Center. 2006, https://fpc.org.uk/wp-content/uploads/2006/09/798.pdf

Walker R. B. J. International Relations as Political Theory. Cambridge University Press.1993.

[1] لقد استخدم دارسو العلاقات الدولية مفهوم “المنظور” لتصنيف الدراسات الأكاديمية استناداً إلى معيارين: أحدهما موضوعي ومحوره الافتراضات الأساسية حول الطريقة التي يتهيكل بها العالم، والآخر منهاجي ومحوره أساليب إدارة البحث والتحليل، لمزيد من التفاصيل:

Bahgat Korany: Afro-Asian Non Alignement in the contemporary. International System. These No. 268. Institut Universitaire des Hautes-Etudes Internationales, Geńeve, 1976. pp 15-16. And see: Antje Herrberg, The Post-Cold War Order and The Search for new Research Methodologies for The Political Scientist . accessible at:

http://www.iol.ie/~mazzoldi/toolsforchange/postmet/postcold.html-36k

[2] للمزيد من التفاصيل: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسة، نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، تحرير: تيم دان، مليا كوركي، ستيف سميث، ترجمة ديما الخضرا،، مراجعة: بشير محمد الخضرا، ط1، يناير 2016.

[3] بولمكاحل إبراهيم، تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، جامعة قسطنطينة، قسم العلوم السياسية، الجزائر، 21/5/2011، شوهد في: 15/3/2017، http://www.academia.edu

[4] Karacasul (Nilüfer )- uzgoren (Elif), Explaining Social Constructivist contributions to security studies, p 29. accessible at:

http://www.sam.gov.tr/perceptions/volume xii/ExplainingSocial.pdf

[5] للمزيد حول الجدل على مستقبل القوة الأمريكية، أنظر: ستيفن والت، روبرت كاجان، الجدل حول مستقبل القوة الأمريكية، ترجمة: محمد العربي، سلسلة اوراق، ع 40، مصر، مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، 2012.

[6] Reza Ekhtiari Amiri. Levels of Analysis in International Relations and Regional Security Complex Theory. Journal of Public Administration and Governance. Vol. 4, No. 4. 2014

[7] محمد عصام لعروسي، النظريات في العلاقات الدولية،25/7/2015 شوهد في: 23/3/2017

http://www.pal-monitor.org/ar/print.php?

[8] خالد حامد شنيكات. غالب عبد عريبات. التنبؤ و نظرية العلاقات الدولية: مراجعة للأدبيات النظرية، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية. المجلد/39، عدد3 ، (2012) ، ص:601-605

[9] المصدر السابق، التنبؤ ونظرية العلاقات الدولية، ص: 606

[10] David Singer.The Level of Analysis Problem in International Relations .World Politics,vol. 14, no 1, The International System: Theoretical Essays . October.1961, pp 77-92.

[11] John J Mearshimer. The Tragedy of Great Power Politics. New York: W.W : Norton & Company.2001, p: 4

[12] Walker, R.B.J. 1993. Inside/Outside: International Relations as Political Theory. Cambridge University Press .P. 32

[13] Mearsheimer, John. 1994-1995. The False Promise of International Institutions. International Security, 19 (3), PP.9-13.

[14] Layne, Christopher. 1989-1990. Superpower Disengagement, Foreign Policy, (77). PP.17-24.

[15] Snyder, Jack. 2004. One World, Rival Theories. Foreign Policy, Issue 145, Nov/Dec, PP.52-62.

[16] للمزيد أنظر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، تحرير: تيم دان، وآخرون ترجمة: ديما الخضرا، مراجعة: محمد بشير الخضرا، بيروت، ط1، ( 2016). ص:428-468

[17] Christian Reus- Smit. Constructivism. In Theories of International Relations .eds Andrew Linklater. scott Burchill. Deakin University.1996

[18] Snyder, Jack. 2004. One World, Rival Theories. Foreign Policy, Issue 145, Nov/Dec, PP.52-62.

[19] Rathbun, Brian C. 2007. Uncertain about Uncertainty: Understanding the Multiple Meanings of a Crucial Concept in International Relations Theory.International Studies Quarterly 51, P.550.

[20] Hopf, Ted. The Promise of Constructivism in International Relations Theory. International Security, Vol. 23, No.1,Summer 1998 .P.27.

[21] Walker R. B. J. International Relations as Political Theory. Cambridge University Press.1993. pp:32

[22] للمزيد من التفاصيل، انظر: أكرم بركان، تحليل النزاعات المعاصرة في ضوء مكون البعد الثقافي في العلاقات الدولية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة لخضر باتنة، الجزائر، 2010، ص:58-59

[23] Alexander. Wendt. Anarchy Is What States Make of It :The Social Construction of Politics International Organization .Vol.46.No 2.Spring 1992.p 392

[24] Dane copleland, the constructivist challenge to structure realism: a review assay, international security, vol. 25, no. 02, autumn 20000. P:189

[25] Ibid , p: 190

[26] محمد الطاهر عديلة، تطور الحقل النظري في حقل العلاقات الدولية: دراسة في المنطلقات والاسس، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الحاج لخضر- باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2015، ص: 390

[27] محمد شلبي. دور الثقافة في هندسة العلاقات الدولية. من أوراق المركز المغربي المتعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، المغرب . شوهد في11/2/2017: http://www.cmiesi.ma/acmies

[28] بلخيرت حوسين، مستقبل النظام الدولي رؤية استشرافية بنائية، المعهد المصري للدراسات، دراسات سياسية، اسطنبول، 6 فبراير (2017)، ص: 7

[29] Gaddis, John Lewis. International Relations Theory and The End of the Cold War International Security 1992-1993,Vol.17, no.3,Winter pp.5-11

[30] ستيفن وولت ،”العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة”، ترجمة: عادل زقاغ وزياني زيدان، شوهد في: 9/3/2017

http://www.geocities.com/adelzeggagh/IR

[31] حميد حمد السعدون، الدور الدولي الجديد لروسيا، مركز الدراسات الدولية، مجلة دراسات دولية، جامعة بغداد، العدد 42، شوهد في:

www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=60802

[32] Eliane Glaser, ‘Bring back ideology: Fukuyama’s ‘end of history’ 25 years on’, The Guardian, March 21, 2014, accessible at: https://goo.gl/nU8d7k

[33] Serhat S. Çubukçuoğlu, Orderism and Liberal Democracy: Preliminary Features of Russian Ideology Challenging Western Democracy, Future for advanced research & studies, Trending Events – Issue 18 – Jul-Oct 2016, accessible at:28/9/2017, https://futureuae.com/

[34] بلخيرت حوسين مصدر سابق، ص: 8

[35] Jochen Bittner, ‘The New Ideology of the New Cold War’, The New York Times, August 1, 2016, accessible at:31/12/2017 https://goo.gl/l2u4fS

[36] Serhat S. Çubukçuoğlu, Orderism and Liberal Democracy, future for advanced research and studies, tending events, issue 18, jul-oct 2016 , accessible at:2/10/2017 http://www.academia.edu/29681815/Orderism

[37] Peter L. Berger and Samual P.Huntington. Many Globalizations: Cultural Diversity in The Contemporary World, New York :Oxsford Unversity Press.2000

[38] فرا نسيس فوكوياما، أمريكا في مفترق الطرق ما بعد المحافظين الجدد، ترجمة محمد محمود التوبة، ط1 ،الرياض، مكتبة العبيكان، 2007 ، ص 241 .

[39] بلخيرت حوسين مصدر سابق، ص: 10

[40] للمزيد حول الموضوع، انظر: س .غ . لوزيانين. عودة روسيا الى الشرق الكبير. ترجمة هاشم حمادي، بيروت: دار المدى للنشر والتوزيع 2012

[41] Thomas Carothers, How Democracies Emerge: Sequencing Fallacy, Journal of Democracy, Volume 18, Number 1, January 2007, pp. 14 – 15.

[42] A.A. Camba, Book Review: How Institutions Evolve, E-International Relations, June 12, 2012, accessible at:10/01/2018https://goo.gl/tQk9kt

[43] Robert Cooper. The Breaking of Nations. London :Atlantic Books.2004, by: Jeppe Juul Petersen (Copenhagen) , p:1-4,http://www.kakanien.ac.at/rez/JPetersen1.pdf

[44] حميد حمد السعدون، فوضوية النظام العالمي الجديد، عمان، دار الطليعة العربية ،٢٠٠١ ، ص: 91.

[45] الغارديان: نهاية عصر العولمة كما نعرفه، شوهد في: 5/1/2018.

www.bbc.com/arabic/inthepress/2016/07/160728

[46] نهاية عصر العولمة كما نعرفه، المرجع نفسه،

[47] Tony Blair . Aglobal alliance for global values . London : Foreign Policy Center. 2006, p:38, https://fpc.org.uk/wp-content/uploads/2006/09/798.pdf

[48] نواف التميمي، محاولات أوروبية لفهم ظاهرة صعود رياح اليمين المتطرف، العربي الجديد، 28 مايو 2016، شوهد في: 22/11/2017

https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/5/27/

[49] بلخيرت حوسين، مصدر سابق، ص: 12. أيضاً انظر لمزيد من التفاصيل:

إيمان عنان، تداعيات صعود اليمين في أوروبا، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 19 ديسمبر 2016، شوهد في : 10/1/2018http://pss.elbadil.com/2016/12/19

[50] نواف التميمي، محاولات أوروبية لفهم ظاهرة صعود رياح اليمين المتطرف. مرجع سابق

[51] ايمان عنان، كيف يتداعى النظام الدولي، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 30 يناير 2017، شوهد في: 23/1/2018

https://pss.elbadil.co

[52] يمنى سليمان. توجهات السياسة الخارجية عند دونالد ترامب، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، اسطنبول، مايو 2016.

[53] National Review, Trump’s Foreign-Policy Revolution, Charles Krauthammer January 26, 2017, Read more at:http://www.nationalreview.com/artic…a-first-allies-nato-trans-pacific-partnership

[54] Donald Trump, “Donald J. Trump Foreign Policy Speech” (Speech, Washington D.C., April 27, 2016) accessible at: ,https://www.donaldjtrump.com/press-releases/donald-j.-trump-foreign-policy-speech

[55] للمزيد أنظر: مجدي صبحي، الحمائية وتصاعد القومية الاقتصادية، مجلة السياسة الدولية، العدد 208، ابريل 2017، شوهد في: 14/4/2017 http://www.siyassa.org.eg/Index.aspx

[56] مصطفى شنار، ما بعد العولمة: قراءة في مستقبل التفاعل الحضاري وموقعنا منه، ط1، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر ، 2003، ص: 97-98

[57] Simon Serfaty، “Moving into a Post Western World”،The Washington Quarterly،spring 2011. accessible at:2/2/2018

www.twq.com/11spring/index.cfm?id=427

[58] Timothy Garton Ash،”A new world disorder”،Latimes.com،January 28،2011. accessible at:WWW.Latimes.com/news/opinion/commentary/la-oe-gartonash-davos-20110128،0،3772495،story

[59] Ian Bremmer and David Gordon،”Top Risks 2011″،The Eurasia group، accessible at:http://eurasiagroup.net/pages/toprisks

[60] للمزيد حول ذلك، أنظر مقال: محمد السعيد إدريس، ملامح حرب باردة في سوريا، صحيفة الأهرام المصرية، 18 ابريل 2017، شوهد في: http://www.ahram.org.eg/WriterArticles/135/2017/0.aspx

[61] ميخائيل غورباتشوف لصحيفة بيلد الالمانية، 15/4/2017، شوهد في :

http://www.aljazeera.net/news/international/2017/4/16

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى