التحضير لشهادة البكالورياقضايا فلسفية

مقالة فلسفية حول اللغة والفكر: هل تنفصل اللغة عن الفكر؟

“الطريقة الجدلية”

الأسئلة الاحتمالية:

  • هل تنفصل اللغة عن الفكر؟
  • هل الألفاظ حصون للمعاني أم قبور لها ؟
  • هل تعتقد ان اللغة والفكر شيآن مختلفان ؟
  • هل العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال أم اتصال؟

ملاحظة : يجب أن نتحدث هنا على الاتجاه الأحادي والاتجاه الثنائي أي ( الاتجاه الانفصالي والاتجاه الاتصالي ).

طرح المشكلة : “مقدمة”

لما كان الإنسان اجتماعي بطبعه يميل إلى التعايش مع من حوله من البشر بشتى الطرق والوسائل ، ولما كانت اللغة هي إحدى هذه الوسائل كان لزاما عليه أن يتعامل بها مع بني جنسه على اعتبار أنها وسيلة للتواصل الإنساني وأنها نسق من الرموز و الإشارات الغرض منها التواصل والتفاهم .أما الفكر يعتبر وظيفة نفسية إنسانية ولعل هذا ما جعل الجدل  بين العلماء والمفكرين حول ما إذا كانت اللغة  تتصل بالفكر أم تنفصل عنه و هُومايدفعنا إلى طرح التساؤل التالي:هل اللغة والفكر شيآن مختلفان أم هما شيء واحد ؟.

العرض :محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:” علاقة اللغة بالفكر علاقة انفصال ” يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة انفصال ولا يمكن أن تكون علاقة اتصالية ومن بين هؤلاء الفيلسوف هنري براغسونإذ يقر بعدم التناسب بين اللفظة والفكرة “المعنى”اللغة تمتاز بالانفصال وبالتالي هي عاجزة بينما الفكرة متقدمة وبالتالي هي متصلة يقول “براغسون”اعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نمتلك أصواتً ” كما يقول أيضا ” الفكر ذاتي وفردي بينما اللغة موضوعية واجتماعية ” ومن مؤيدي هذا الموقف أيضا الفيلسوففال يريحيث يقول : “إن أجمل الأفكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها ” أما أبو حيان التوحيدي فيذهب في رأيه بأنه ليس في قوة اللغة أن تمتلك كل المعاني والأفكار ولعل من مؤيدي هذا الموقف والذين يدافعون عنهأهل الصوفيةإذ يصلون إلى مراتب ودرجات يضيق عنها نطاق النطق فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا واشتمل لفظه على خطاء صريح لا يمكنه الاحتراز منه كما أن الإنسان وفي كثير من الأحيان نجده عاجزا عن التبليغ فهو يشعر بعجز اللغة على مسايرة الفكر هذا ما حصل”للبسطامي” و”الحلاجو”البدوي” الذي فقد ناقته في الطريق والدليل على ذلك نجد الأدباء وعلى الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية هائلة إلا أنهم يعانون أحيانا من مشكلة التبليغ والتلميذ كثيرا ما تخونه  اللغة في تبليغ إجابته إلى المصحح ومن الناحية الواقعية يشعر عامة الناس بعدم المساواة بين قدرتهم في التفكير وقدرتهم على التعبير وهذا ما جعل “براغسونيحدد نوعين من المعرفة معرفة رمزيةنتحصل بها على معارف رمزية وهي أدوات يتوصل بها العقل العارف إلى الشيء المعروف أما الثانية فهي معرفة حدسية  وهي التي نحتاج فيها إلى وسائط بل يكون الوصول إليها مباشر ومن جملة الأدلة التي يؤكد بها القائلون باستقلالية اللغة عن الفكر هي أن الفكر اسبق في تعامله مع الواقع ثم انه لو كانت اللغة كافية لما احتاج الإنسان إلى وسائط أخرى بغرض التعبير عن أفكاره وإلا ما الدافع الذي جعل “فاليري يقول “إن أجمل الأشعار هي التي لم تكتب بعد “؟

النقد “المناقشة”:لكن نلاحظ أنه اذا سلمنا بأن الفكر سابق عن اللغة من الناحية المنطقية فهو غير سابق عنها من الناحية الزمنية و إلا كيف نفسر السبق في الوجود ؟ وبناء على هذا وجهت جمله من الانتقادات لأصحاب هذا الموقف أولها : إن الإقرار بالفصل بين اللغة والفكر فعل تعسفي إذ لا يمكن التقليل من شأن اللغة لأنها الوسيلة التي تنقل الأفكار ثم أنه لولا وجود اللغة لما كتب القرآن وفهمت معانيه فالفكر بدون لغة يبقى حبيس ولا معنى له، يقول “اميلبنفنست ” إن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية أو مفاهيم غير مسماة ” كما يؤكد الفيلسوف “سيروس”على استحالة الفصل بين اللغة والفكر أما” أبو حامد الغزالي فيرى بان الفكر وحي داخلي بينما اللغة ترجمة خارجية له.

الموقف الثاني:  “علاقة اللغة بالفكر علاقة اتصال “على النقيض من الاتجاه الأول وعلى خلافه ينظر أنصار الاتجاه الأحادي أمثال اللساني السويسري “دوسوسير” والعالم “لافيلأن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر علاقة اتصال إذ هما شيء واحد لا يمكن الفصل بينهما بأي شكل من الأشكال كما انه لا توجد أيضا أفكار خارج نطاق اللغة ذلك لان الفكر واللغة ليسا سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة أي كالورقة بوجهيها لا يمكن الاستغناء عن وجه من الوجهين حيث يؤكد هذا الموقف الفيلسوف “موليربقوله: “لا يمكن أن يأتي يوم لا تستطيع فيه اللغة الفرنسية التعبير عن مشاعري وأفكاري ”  كما ذهب كل من “هيجل” وَ “جولياكريستيفا”على أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر هي علاقة تلازم وتبعية وهذا ما جعل الفيلسوف “لافيل يصرح قائلا ” ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر بل جسمه الحقيقي” فعملية التفكير لا تعدو سوى ضربا من الكلام الخافت فقد قيل: “إن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية ما هو إلا حوار داخلي يتم بين الذات ونفسها ومن هذا يتبين أن اللغة والفكر متصلان يشكلان ثنائية متكاملة ومنه لا يمكن القول بأسبقية احدهما على الأخر فهما متطابقان كفاعلية ذهنيه يقول “جونلوك”:”إن اللغة عبارة عن علامات حسية معينة تدل على الأفكار الموجودة في الذهن” كما أن الطفل لا يتعلم التفكير إلا إذا تعلم التعبير وهذا إن دل يدل على التلازم أما علم النفس فقد أكد على أن الطفل في مراحله الأولى لا يقوى على شيء حيث يبقى جاهلاً بالعالم الخارجي المحيط به إلا بعد تعلمه واكتسابه للألفاظ والجمل ومن هذا تتشكل لديه الأفكار  وتتكون .

النقد”المناقشة”:لكن نلاحظ أن هذا الموقف هو الأخر لم يسلم من الاعتراضات من قبل جملة من الفلاسفة واللغويين ذلك لقوله بالوحدوية بين اللغة والفكر وهذا غير مقبول من الناحية النظرية والواقعية كون اللغة إشارات ورموز أي ألفاظ تدل على المعاني بينما العقل هو الذي ينشئ المعاني ويضع لها رموز وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الأسبقية للفكر وليس للغة كونها تعجز أحيانا عن التبليغ ثم انه لو كانت اللغة والفكر شيء واحد لجاز لنا أن نكتفي بواحد منهما دون الأخر كما أننا لو سلمنا بالوحدوية بينهما لوجدنا أن الفكر ثابت بثبات الألفاظ وأن اللغة متغيرة بتغير المعاني وهذا يستحيل

التركيب:” تركيب بين الموقفين”:وعموما يمكننا أن نقول لا يمكن الفصل بشكل عملي بين اللغة والفكر ذلك لان اللغة بمثابة الوعاء والفكر بمثابة المضمون لذا قال” ماكس مولير“إن العلاقة بين اللغة والفكر كالقطعة النقدية الواحدة وجهها الأول الفكر ووجهها الثاني اللغة وإذا فسد أي وجه من الوجهين فسدت القطعة” كما يؤكد هذه العلاقة “دولا كروا” بقوله: “اللغة تصنع الفكر والفكر يصنع اللغة” أما “ميرلوبونتي فقد عبر عن هذه العلاقة بقوله: “أن الفكر لا وجود له خارج نطاق الكلمات” أما “هاملتونهو الأخر اعتبر بأن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض إلا لتغيب فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفا

الخاتمة :”حل المشكلةوختاما ومما سبق نستنتج أن العلاقة بين اللغة والفكر لاهي انفصالية تامة ولا هي اتحادية مطلقة إذ تطور اللغة يبقى رهين تطور النشاط الإنساني وأخيرا يمكننا أن نقول أن العلاقة بينهما تكاملية تفاعلية أي ثنائية بثنائية الإنسان فهو جسم وروح .

بقلم الاستاذ : احمد معمري

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى