تطورت أجيال الحروب طبقا لتطور السلاح المستعمل والتقنيات المطبقة فيها، من الحروب البدائية إلى التقليدية فأجيال الحروب الخمس وصولا إلى الحرب الهجينة.
نحاول في هذا المقال رصد هذه التطورات، وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
الحروب التقليدية ونشأة الجيش النظامي الحديث
بدأت الحروب في العصور البدائية باستعمال أسلحة بدائبة كالرمح والسيف، وكانت تتم بالتقاء جيشين أو فريقين أو خصمين في أرض المعركة. وبنهاية المعركة يتحدد المنتصر والمهزوم.
في الحروب البدائية كان المستهدف جيش الخصم، بغرض إضعافه ومنعه من خوض حروب أخرى. الحرب كانت تعتمد الاشتباك المباشر والاحتكاك الجسدي. إذ كانت المسافة بين مقاتل وآخر هي مسافة السيف أو مدى الرمح.
وبقيت الأسلحة بدائية إلى غاية اختراع البارود والبندقية في القرن 14.
سمح التطور التكنولوجي فيما بعد باختراع المدفعية، وكان العثمانيون أول من استخدمها لحصار مدن العدو.
إلى هذا الوقت كانت الحروب مازالت بدائية، إذ كان الفكر الاستراتيجي يقتصر على انخراط الجيش بقيادة الملك أو الأمير أو السلطان.
لكن ومع حلول القرن 16، أدخل ملك السويد غوستاف أدولف مفهوما جديدا للحرب. وكان أدولف أول من أنشأ جيشا نظاميا، ومنح صف المشاة فيه أهمية كبيرة باعتباره القوة الحاسمة.
بنى ملك السويد فكرته على أفكار ميكيافيلي من حيث ضرورة انخراط الدولة ككل في عملية الحرب. وأكد على ضرورة أن تستمر الحرب حتى تحقق أهدافها، وليس انتهاءها بمجرد هزيمة في المعركة. وحل مع ذلك مفهوم فرض قرار استراتيجي محل كسب الأرض.
أجيال الحروب
قسم الكولونيل وليم إي. ليند، الحروب إلى أربعة أجيال.
وليند منظر وعسكري أمريكي، وهو صاحب نظرية أجيال الحروب الأربعة.
الجيل الأول:
بدأ مع ظهور الدول القومية في أوربا، بتوقيع اتفاقية واست فاليا العام 1948، واستمرت إلى غاية 1680. وتتميز هذه الحروب بوجود جيشين نظاميين يمثلان دولتين مختلفتين.
يتقابل الجيشان المنظمان في شكل خطوط وصفوف على جبهات القتال، يخضعون لنظام صارم، يتميزون عن المدنيين من حيث اللباس، والتحية والالتزام بالتراتبية، والطاعة للأعلى رتبة.
لكن مع تطور الأسلحة ودخول النيران إلى ساحة المعركة، خاصة المدفعية، أصبحت طريقة الخطوط والصفوف تعتبر انتحارا، بسبب الخسائر الفادحة في الأرواح. وعليه ظهر:
الجيل الثاني
ظهرت مع الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، وفق عقيدة “نيران المدفعية تقهر العدو، والمشاة تحتل الأرض”.
وقد حل هذا الجيل مشكلة الجيل الأول، من حيث الخسائر البشرية، فالتكتيك هنا يقتضي أن تسير الدبابات في الصف الأول وتهيئ الأرض للمشاة الذين يقومون باحتلال والسيطرة على الأرض.
وفي هذه الفترة، أي منتصف القرن 19، ظهرت نيران الطيران التي قلبت الموازين وعززت من قوة من يمتلك الطيران. حيث تعمل الطائرات المقاتلة على قصف مواقع العدو، بينما تتوغل الدبابات والمشاة للسيطرة على الأرض بأقل الخسائر.
الجيل الثالث
إذا كان الاختلاف بين الجيل الأول والثاني هو في تطور الأسلحة، فإن الجيل الثالث نتاج خلل في التكتيك نفسه، فإذا كانت الطاعة للمسؤول الأعلى مقدمة على المبادأة، فإن في حروب الجيل الثالث، يمكن تقديم المبادأة على الطاعة ما دامت تعطي أفضلية على الخصم.
والمبادأة تعني أن يبدأ الجيش القتال، وبالتالي تعطيه المبادرة أفضلية في السيطرة على العدو وعنصر المفاجئة، وبالتالي قد يشل قوة العدو.
وجاء هذا الجيل مع الجيش الألماني خلال الحرب لعالمية الثانية، فيما سناه ” حرب المناورة”، وهي تعتمد على السرعة والمفاجأة والتشتيت الذهني لجيش العدو ثم التوغل داخله من اجل شله.
الجيل الرابع
يتميز بغياب التسلسل الهرمي، وتعتمد على أساليب التمرد وحروب العصابات، والحرب النفسية، وتُستخدم فيه منظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية والعمليات الاستخباراتية. ويكون فيه العدو فاعلا دون أن يظهر بشكل واضح.
وتؤدي وسائل الإعلام فيه دورا محوريا، ولعل أهم امثلة هذه الحروب هي الحرب على العراق وأفغانستان بداية الألفية بعد 11 سبتمبر، حيث تشير الكثير من التحليلات والتسريبات لمسؤولين أمريكيين، أن احداث 11 سبتمبر لم تكن سوى تمثيل سينمائي، جندت له وسائل الاعلام من أجل تبرير الحرب على الدولتين.
وكذلك الأمر بالنسبة لما يعرف بـ” الربيع العربي” حيث جرى الاعتماد على وسائل وسائل الإعلام فيه دورا محوريا، ولعل أهم امثلة هذه الحروب هي الحرب على العراق وأفغانستان بداية الألفية بعد 11 سبتمبر، حيث تشير الكثير من التحليلات والتسريبات لمسؤولين أمريكيين، أن احداث 11 سبتمبر لم تكن سوى تمثيل سينمائي، جندت له وسائل الاعلام من أجل تبرير الحرب على الدولتين.
وكذلك الأمر بالنسبة لما يعرف بـ” الربيع العربي” حيث جرى الاعتماد على وسائل الاعلام لإسقاط الأنظمة في سوريا وليبيا، من خلال سيناريو هوليوودي، ثم تصويره في استوديوهات مغلقة ونقله عبر وسائل إعلام، منها وسيلة اعلام عربية ثقيلة، لإيهام الخصم المستهدف بوصول العدو حيث لا تمكن مقاومته.
إسقاط نظام معمر القذافي واقتحام قصر العزيزية صُور في استوديو وبث الاقتحام على قنوات تلفزيونية، ما تسبب في انهيار روح المقاومة، وبالتالي سقوط النظام.
الجيل الخامس أو الحرب الهجينة
الجيل الخامس هو الشكل الأكثر تطورا لحروب الجيل الرابع. لم تعد الأسلحة العسكرية على تلك الدرجة من الأهمية، ولم يعد للجندي النظامي ذلك الدور، فهي حروب تعتمد على تدمير الخصم بسلاجه الخاص.
لم تعد في هذه الحروب لأرض المعركة التقليدية أهمية، فأرضها هي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، واليوتيوب، وغيرها من الفضاءات الافتراضية، التي تسمح لها بالانتشار والتأثير أبلغ الأثر على الخصم. وهي تستهدف الجندي كما تستهدف المواطن.
تقوم على تشكيل العدو من الداخل وإيجاد معرضة للنظام، فتقوم حرب بين المعارضة التي عادة ما تعتمد حرب العصابات، وتنتظم في شكل مجموعات صغيرة، وبين الجيش النظامي للدولة.
في هذا النوع من الحروب يكون المستفيد هو الطرف الثالث، فيما يعرف بنظرية الشطرنج الثلاثي، حيث يراقب هذا الطرف اقتتال الطرفين لإنهاك الخصم، ثم تحصيل مزايا النصر.
تتميز هذه الحروب أيضا بطول أمدها، وأوضح مثال لهذه الاستراتيجية ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، فيما أطل عليه “ثورات الربيع العربي”.
ومن الخصائص الأخرى لهذه الحروب هي انها تستخدم كل الوسائل: أسلحة تقليدية، الحرب النفسية، حرب العصابات، وسائل الاعلام، المعارضة، المعلوماتية والتكنولوجيا المتطورة.
الحرب الروسية الأوكرانية
تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية مثالا حيا عن الحرب الهجينة، فهي حرب تستخدم فيها كل الطرق المذكورة أعلاه، وهي أيضا حرب بالوكالة، طرفاها روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذه الحرب شهدنا كيف استخدم الطرفان الحرب الإلكترونية والمعلوماتية، والإعلامية لتشويه صورة الخصم، وإدارة الحرب، إلى جانب الأسلحة التقليدية.