يرى الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، د. غزال جمال الدين، أن قرار قطع العلاقات مع المغرب كان منتظرا بعد ضلوع الأخير في عدة أفعال عدائية، معتبرا أن ما يحدث في المنطقة من توترات يرتبط بأجندات لقوى دولية تسعى إلى خلق اللااستقرار بين دول الجوار.
بداية، هل تجد أن الجزائر وجدت نفسها مجبرة على قطع العلاقات مع الجارة الغربية؟
طبعا، هذا القرار كان منتظرا نظرا للخلافات الشديدة بين البلدين في الفترة الأخيرة، أبرزها التصريحات التي تتهم فيها الجزائر المغرب بالمشاركة في أعمال عدائية، وقد تطرق لها البيان الذي أصدره وزير الشؤون الخارجية والجالية المقيمة في الخارج، رمطان لعمامرة، بداية بحرب الرمال عام 1963، مرورا بقرار فرض التأشيرة على الجزائريين ووصولا إلى العديد من الأفعال الأخرى.
ويتحمل المغرب مسؤولية قطع العلاقات وهذا ما تم إيراده في البيان الصادر عن المجلس الأعلى للأمن، الذي أكد في وقت سابق أن الجزائر ستراجع علاقاتها مع المغرب نظير العداء المتكرر، وذلك من خلال التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا الحرب الإعلامية المغرضة ودعم الحركتين الإرهابيتين (الماك ورشاد)، خاصة حركة الماك التي ثبت تورطها في العديد من الحرائق التي مست مختلف ربوع الوطن.
أيضا لا ننسى تصريحات وزير خارجية “إسرائيل” من المغرب التي هاجم فيها الجزائر، وقد أوضح لعمامرة أن لا دولة عربية أخرى سمحت بذلك من أراضيها، وأيضا الوثيقة التي تقدم بها الدبلوماسي المغرب عمر هلال في الأمم المتحدة، التي تدعو إلى انفصال منطقة القبائل عن الجزائر.
وكيف تتوقع أن تكون تحركات المملكة المغربية في المرحلة المقبلة؟
لاحظنا في أول رد رسمي للمملكة المغربية أنها عبرت عن أسفها لقطع العلاقات مع الجزائر، وأشارت في بيان لوزارة خارجيتها إلى أن ”الرباط ستظل شريكا موثوقا وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية لتطوير العلاقات مع الدول المغاربية”. وفي هذا الشأن وحسب ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية الدولية، من المرجح أن يطلب المغرب وساطة دول الجوار أو منظمات إقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي لتسوية هذا الخلاف.
وإذا تعلق الأمر باحتمال عودة العلاقات بين البلدين، فلقد رفض وزير الخارجية تقديم أي تكهنات، قائلا: “لا أقول أي شيء قد يعتبر تكهنا بما قد يحصل غدا أو بعده”. ولكن موقف الجزائر جاء في أوانه وبعد تحليل وتفكير من باب المسؤولية وليس بناء على العواطف، وقد يشكل فرصة للمغرب لإصلاح نفسه وإدراك بعض الأخطاء التي تشكل خرقا للالتزامات الدولية.
ما هي تأثيرات قطع العلاقات بين البلدين على أمن المنطقة ومن المستفيد من هذا الوضع؟
أعتقد أن العلاقة بين الجزائر والمغرب لم تكن موجودة فعليا منذ القدم، بل كانت مقتصرة على تبادل البعثات الدبلوماسية وبالتالي كانت العلاقات شبه منعدمة. والمتتبع للشأن المغاربي والإفريقي يعلم جيدا أن ما يحدث في المنطقة هو أجندات لقوى دولية تسعى إلى خلق حالة اللااستقرار في المنطقة بين دول الجوار، ربما يمكن وصفها بتصفية حسابات الربيع العربي على الأراضي الإفريقية، خاصة بعد التطورات التي شهدتها المنطقة في كل من تونس وليبيا والمغرب والصحراء الغربية والأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب وقرار فرنسا تخفيض قواتها العسكرية في الساحل، يضاف إلى ذلك التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط وإذا ما احتسبنا ما يحدث في أفغانستان بعد توجيه منظمة إرهابية نحو الحكم وإعطائها الشرعية وأيضا ورقة طريق الرئيس الأمريكي جو بايدن، كل ذلك يؤكد انتقال الحروب إلى إفريقيا، فالقوى الأجنبية اتفقت على أن هذا التوقيت هو الأنسب لتحويل الحروب إلى إفريقيا.
وكانت الجزائر قد نددت بوجود مناورات أجنبية تهدف إلى زعزعة استقرارها، متهمة بذلك “إسرائيل”، خاصة بعدما اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية في مقابل تطبيع العلاقات مع ”إسرائيل”، في حين تؤكد الجزائر أن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار وحلها يكمن في تطبيق القانون الدولي.
وكيف تفسر قرار الإبقاء على القنصليات؟
لا يتأثر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بالعلاقات القنصلية بين الدولتين وهذا ما أكدته المادة 2 فقرة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، التي تنص على أنه لا يترتب عن قطع العلاقات الدبلوماسية تلقائيا قطع العلاقات القنصلية، وهذه قاعدة من قواعد القانون الدولي مقبولة بصفة عامة، حيث تصبح العلاقات القنصلية في الواقع أكثر أهمية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية لأنها تشكل وسيلة الاتصال بين الدولتين لحماية رعاياهما ومصالحهما والعمل على تخفيف حدة العلاقات، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية، بضرورة استمرار عمل القنصليات، وقد طمأن في هذا الشأن جميع الرعايا الجزائريين المقيمين في المغرب والمغاربة المقيمين في الجزائر أن أمورهم الإدارية ستبقى في متناول الجميع.