دراسات سياسية

نيكولاي بوخارين: الجيش الأحمر والثورة المضادة (مقال مترجم)

حسين محمود التلاوي 
2019 / 6 / 3 

(هذه الترجمة الكاملة لمقال “الجيش الأحمر والثورة المضادة” الذي نُشِرَ في مجلة كوميونيست في 8 نوفمبر 1919. وجاءت الترجمة نقلًا عن النص الإنجليزي من موقع Marxists Internet Archive)
كتب مراسل عسكري في إحدى الصحف الإنجليزية الكبيرة؛ وهي التايمز: “في الوقت الذي تتحلل فيه كل جيوش العالم وتتفكك، لا يوجد سوى جيش واحد مستمر في النمو والتطور. إنه الجيش الأحمر؛ جيش الحكومة السوفيتية؛ ”
تهدد الصحافة البرجوازية بلا هوادة المدنيين حول العالم بخطر الجيش الأحمر. من أجل استعداء كتلة الملَّاك ضد البروليتاريا الثورية، فإنهم يبالغون باستمرار في قوة جيشنا وحجمه. ومع ذلك فقد اقترب المراسل العسكري للتايمز كثيرًا من الحقيقة؛ فأين هو جيش فيلهلم الرائع؟ لقد تفكك، واختفى. أين أفواج “القيصريين” الجيدة؟ طواها النسيان بالفعل. أين سلاح الفرسان المجري الشهير؟ لقد هلك. أين فرق مدفعية الدرجة الأولى في النمسا؟ اختفت كذلك.
وهذا ليس كل شيء؛ فحتى الحلفاء المنتصرين يشعرون أن الجرثومة الثورية أصابت الانضباط الإمبريالي الذي سحق روح الطاعة والعبودية؛ فقد بدأت بالفعل الجيوش الفرنسية والإنجليزية تمر بتجربة مماثلة لتجربة جيوش القيصر و”كيرنسكي” و”فيلهلم” و”كارل”. وفي الوقت الذي تتساقط فيه جيوش لصوص العالم منهارةً، يقفز الجيش الأحمر إلى المشهد؛ أولًا بأفراد متطوعين، قبل أن ينمو قليلاً شيئًا فشيئًا، ثم يتوسع عن طريق التدريب الإلزامي للعمال والفلاحين.
والآن أصبح من الواضح للجميع أن الإمبريالية الدولية لم تسحقنا؛ ذلك فقط لأنه مع ضرباتهم الأولى، بدأ جيشنا ينمو؛ جيشنا المكون من العمال والفلاحين. حاولت الثورة المضادة العالمية خنق العمال الروس بأيدي التشيكوسلوفاكيين، لكنهم لم ينجحوا في هذا. كذلك جرى فإن الثورة المضادة التي جرى تنظيمها بشكل ممتاز في الدون لم تسفر الآن إلا عن أن القاتل الرمادي — الجلاد “كراسنو” — يذرف دموعه فوق القبر المحفور له. إن البرجوازيين الهاربين، والجنرالات، والأرشيدوقات، والوزراء، وملاك الأراضي، بمساعدة الإمبرياليين من الألمان والحلفاء، سوف يبدون رد فعل قويًّا في أوكرانيا.
لكن الجيش الأحمر قام بعمله هنا أيضًا، متغلبًا على أعداء الطبقة العاملة. ولا يمكن لرد الفعل من القوة الدولية لا يمكن أن يجرنا إلى فكيها الجشعين لا من ناحية الدون ولا من أوكرانيا ولا من بحر البلطيق ولا من جبال الأورال.
إننا مدينون بهذا النصر للجيش الأحمر الذي نما بقوة عشرات الآلاف من أفضل الرفاق—العمال، الذين قدموا ولا يزالون يقدمون روحهم الثورية، وطاقتهم، وحياتهم من أجل ترتيب الجيش الأحمر وتنظيمه.
لم تكن الإمبريالية العالمية تتوقع مثل هذا الاستقبال للبلاشفة؛ فقد أشيع عن البلاشفة في كل مكان سمعة أنهم مدمرون يستطيعون أن يحرقوا أو يدمروا أو يسقطوا الأنظمة، لكن لا يمكنهم بناء أي شيء أو تنظيمه. وظن اللصوص الرأسماليون أن هجومهم علينا سيكون مجرد رحلة سهلة وممتعة، وظنوا أنهم يستطيعون الاستحواذ على البروليتاريا الروسية بأيديهم المجردة فقط، لكنهم لم ينجحوا إلا في حرق أصابعهم. لذلك تحولت سياستهم؛ فمن ناحية سعوا إلى الدفاع عن أنفسهم ضد الجيش الأحمر، ومن ناحية أخرى، حتى الإمبرياليين المجانين غيّروا أساليبهم من الاعتماد المدفع إلى الوضع في الاعتبار التحركات الدبلوماسية.
بالطبع، نحن لسنا ساذجين لنصدق أن رجال الدرك العالمي يعاملوننا بلطف؛ حيث نعلم أنهم سيبذلون كل ما في وسعهم ليجدوا اللحظة المناسبة من أجل سحق الثورة.
أصبحت الثورة الروسية منذ فترة طويلة ثورة عالمية، والجيش الأحمر هو أحد أفرع الثورة العالمية، بل إنه الفرع الأكبر والأقوى والأكثر تنظيمًا فيها. لذا فإن الألمان والنمساويين والمجريين والشيوعيين الإنجليز يأخذونه على محمل الجد.
ولكن هناك علاقة أوثق بين الحركة في الخارج وجيشنا الأحمر.
عندما نظمت الدولة السوفيتية أفواج العمال، لم ينضم إليها العمال الروس فقط، بل انضم كذلك العمال الألمان والألمان والمجريون وحتى الصينيون. لقد خطأَّنا الشوفينيون والوطنيون البرجوازيون، بدءً من الكاديت (طلبة الكليات العسكرية)، وانتهوا بالثوريين الاجتماعيين “اليساريين”، في كل شيء. ولكن هذه الحقيقة هي أن العديد من الرفاق الأجانب — ممن تخرجوا في المدرسة العسكرية الثورية في بلادنا — قدموا للعالم نوعًا جديدًا من المقاتلين المشرفين. وإذا نظرنا إلى الحركة في الغرب سنرى أن قادتها هم رفاقنا من “أسرى الحرب” السابقين، الذين أصبحوا ضمن الحرس الأحمر، ومن ثم اكتسبوا خبرة ثورية عسكرية وحماسًا ثوريًّا في صفوف جيشنا الأحمر .
كان المراسل العسكري للتايمز على حق؛ فالجيش الرأسمالي يتحلل ويفنى. وعلى أنقاضه، تزداد قوة العمال في جميع أنحاء العالم. وكلما كانت الطبقة العاملة أقوى وأكثر تنظيمًا، كان جيشها الطبقي أقوى، وسارعت بسحق الرأسمالية، وألقت بنظام النهب الحالي في قبره.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى