دراسات عسكرية

هل تُفلح منظومات الرادار والإنذار المبكر بتوفير الأمن الجماعي لدول التطبيع والكيان الصهيوني؟

الدكتور المُقدم: محمد عمر حسن الجريسي –

كشفت القناة الثانية عشرة الصهيونية قبل شهر تقريباً، أن الجيش الصهيوني قدّم منظومات راداريه لعدة دول ٍعربية، وقالت القناة: “إن ذلك يأتي في سياقِ رؤيةٍ مشتركةٍ لمواجهة ما وصفته بتهديدات إيران الصاروخية، وخلق منظومة للإنذار المبكر، وهي المنظومة التي قالت عنها القناة الثانية عشرة: “إنها نجحت قبل أشهرٍ في إسقاط مسيّراتٍ إيرانية في سماء العراق كانت في طريقها إلى (إسرائيل)”.

دلالات إعلان (إسرائيل) عن نشر منظومة الإنذار المبكر:

هي معطياتٌ في غاية الخطورة والأهمية، تلك التي أماطت القناة الثانية عشرة الصهيونية اللثام عنها، فقد تحدثت عن تحالفٍ بقيادةٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وريادةٍ من (إسرائيل) يؤسس لتعاونٍ عملي، وتنسيقٍ ميدانٍ على المستويين الأمني والعسكري مع دولٍ في الخليج (الإمارات والبحرين)، وأكدت القناة أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتحالفٍ أمني يضم (إسرائيل) وعدداً من دول الخليج، بما في ذلك دولٌ لا تربطها ب(إسرائيل) علاقاتٌ دبلوماسية، وأشارت القناة أن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تسعي لوضع إستراتيجية أمنية في مواجهة تهديدات إيران وحلفاؤها في المنطقة في غضون مائةٍ وثمانين يوماً، وأضافت القناة أن الرؤية الاستراتيجية ستشمل خطة دفاع في وجه الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، مُشيرةً إلى أن الهدف من كل ذلك هو توفيرُ خطةِ حمايةٍ أفضل لدول الخليج والمنطقة ضد الصواريخ البالستية الإيرانية، والمجنحة، والطائرات المسيّرة المفخخة.

صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية كشفت هي الأخرى أن مشرعين أمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تقدّموا بمشروعٍ قانونٍ إلى الكونغرس الأمريكي ينصُ على أن تعمل وزارة الدفاع الأمريكية مع (إسرائيل) وعددٍ من الدول العربية من أجلِ دمج الدفاعات الجوية في كل الدول؛ لمواجهة التهديدات الإيرانية، وأفاد مصدرٌ أمريكيٌ للصحيفة أن من شأن هذه التهديدات أن تحمي عدداً من الدول الخليجية من هجمات الصواريخ البالستية وصواريخ كروز، والأنظمة الجوية الأخرى القادمة من إيران.

يأتي الإعلان الصهيوني عبر القناة الثانية عشرة بعد تبني رئيس الوزراء الصهيوني السابق (نفتالي بينت) قبل خمسة شهور ما عُرف باستراتيجية الموت بألف طعنة ضد إيران، وتقوم هذه الإستراتيجية على تكيف العمليات ضد استهدف العلماء، اغتيال ضباط رفيعي المستوى من الحرس الثوري الإيراني، تفجير المفاعل النووية، استهدف البنية الصناعية لصناعة الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة؛ ولذك فإن المؤسستين الأمنية والعسكرية الصهيونية تفترض بأن إيران لن تسكت على ذلك وستقوم بتوجيه ضربات للمصالح الصهيونية في المنطقة، وبالتالي فتلك الأجهزة معنية بإحباط تلك التهديدات والمخاطر، وهي معنية بنصب المنظومات الرادارية الجوية في الدول التي تُطبّع معها كالإمارات والبحرين وغيرها.

الأبعاد السياسية والعسكرية لنشر المنظومة الردارية:

من الأمور الهامة أن نفرق بين التعاون والتكامل من خلال المنظومات الرادارية؛ لأن هناك قواسم مشتركة بين كلاً من السعودية والإمارات والبحرين و(إٍسرائيل) حيث توجد أنظمة صواريخ (ثاد، باتريوت، وهوك)، وبالتالي المنظومة الرادارية يمكن ربطها فنياً لتبادل المعلومات، وتشكيل منظومة إنذار مبكر في دول الخليج.

وما ستضيفه تلك المنظومات الرادارية لدول الخليج أمرين أثنين هما: الأمر الأول أن كافة الأسلحة والمنظومات ومرافقاتها التي تُصدر إلى الدول الخليجية والعربية لا ترتقي إلى المستويات التقنية والفنية والإلكترونية بما يُقدم للكيان الصهيوني؛ سواءً في البعد التسليحي للصواريخ أو أنظمة الرادار والإنذار المبكر.

بمعنى آخر إذا أخذنا مثال على طائرات الإف 35 الشبحية الأمريكية والتي وعُدت الإمارات بالحصول عليها مستقبلاً لن تكون بنفس مواصفات الطائرات التي أرسلتها الولايات المتحدة الأمريكية (لإسرائيل)، ومعنى هذا أن هناك فارق تقني وفني كبير من حيث المواصفات.

أما الأمر الآخر فيعني نقل إدارة تلك المنظومات الرادارية والتي ستكون بيد (لإسرائيل) وحدها، وهي القادرة على التحكم بها في مواجهة كافة المخاطر والتهديدات.

ومن المعروف بأن منظومة “السهم” منشورة في عدة مواضع للجيش الصهيوني، وصممت هذه المنظومة؛ لتعترض الصواريخ البالستية طويلة المدى، ويصلُ مدى رادار “الصنوبر الأخضر” 900 كلم، وإذا ما وضعت هذه الرادارات في الإمارات وارتبطت بالمنظومة فسيزداد مجال تغطية الرادار، ويمكن أن يكشف من هناك جزءاً كبيراً من المجال الجوي الإيراني، أما إذا وضع الرادار في البحرين فيعني وجود تقاطعِ في المجال الراداري، وهذا يؤدي إلى تعزيز التغطية الرادارية، وعادةً ما يتمُ نشر تلك المنظومات على شكل خلايا متداخلة؛ لتعزيز الحماية الجوية.

تكلفة منظومة صواريخ السهم:

تُشير بعض التقديرات إلى أن الكُلفة التقديرية لمنظومة السهم الصاروخية أو بالأحرى للصاروخ الواحد تبلغ ثلاثة ملايين دولار، بينما تبلغ تكلفة رادار الصنوبر الأخضر نحو 83 مليون دولار.

المنظومة المتكاملة بحاجة إلى مركز تحكم يُعطي أوامر بإطلاق الصواريخ، وهنا تُشيرُ التقديرات أن تكلفة البطارية كاملةً هي في حدود مائة وسبعين مليون دولار.

 التداعيات المرتقبة لنشر منظومات الإنذار المبكر:

من الواضح جداً أن الإستراتيجية الأمريكية متعثرة في الشرق الأوسط، وإدارة “بايدن” منهمكة بشكل كبير في معالجة المشاكل الداخلية والانقسامات، وفي هذه المرحلة تقدم (إسرائيل) نفسها على أنها البديل الأمريكي لدول التطبيع في دول الخليج والتي فشلت في تشكيل حلف دفاعي أمني عربي خلال الأربعين سنة الماضية، ودول التعاون الخليجي لم تستطع تحرير الكويت، وكذلك فشلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “أوباما” في تشكيل حلف دفاعي عربي بين السعودية ومصر ودول الخليج، والآن في عام 2022م يخططون لتشكيل حلف دفاعي يطلقون عليه “الناتو الخليجي” بمشاركة (إسرائيل)، وقد تنضم إليه في المستقبل مصر، والأردن.

وفي اعتقادي أن كل تلك الأمور خيالية وهمية لا رصيد لها في الواقع العملي، و(إسرائيل) تُريد ورقة ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية في وقت حرج جداً لإيران، وفي ظل تعثر المفاوضات النووية الإيرانية في الوقت التي نجحت إيران بتخصيب 90% من اليورانيوم، إلى حشد إقليمي بوجه إيران، خاصة من الدول التي تجاور إيران كالإمارات والبحرين.

ومن يتابع الإعلام الإيراني اليوم يستشعر ومن خلال تصريحات القادة الإيرانيين السياسيين والعسكريين بأنهم يُحضّرون لتوجيه ضربات (لإسرائيل) ومصالحها في العالم، وتركيا مرشحة لتنفيذ ضربات انتقامية إيرانية؛ ولذلك أسرعت أجهزة الاستخبارات الصهيونية إلى تحذير السُياح الصهاينة من مغادرة الأراضي التركية على وجهة السرعة؛ خشية تنفيذ عمليات انتقامية بحقهم.

من الواضح تماماً بأن (إسرائيل) ليست معنية بدول الخليج ومعنية بتوريطها دون أن تكون مستعدة للدفاع عنها في حال تعرضت للخطر، ونتذكر هنا ما ذكرته صحيفة (إسرائيل هيوم) قبل ستة أشهر، وهي صحيفة مرتبطة بدوائر الحكم وصناع القرار في الحكومة الصهيونية بأن (تل أبيب) رفضت مراراً وتكراراً طلبات الإمارات بتزويدها بمنظومات (القبة الحديدية) أو منظومة (العصا السحرية)، ليس هذا فحسب، بل سعت (إسرائيل) وبكل قوة إحباط حصول الإمارات على طائرات الأف 35 من الولايات المتحدة الأمريكية؛ بزعم أن النظام الإماراتي مهدد بالسقوط، وتخشي (إسرائيل) من وقوع تلك التقنيات المتقدمة في أيدي أعدائها.

 الردود الإيرانية تجاه منظومة الإنذار المبكر

صدرت تصريحات إيرانية -عقب إعلان القناة الثانية عشرة- بإقامة المنظومات الرادارية المبكرة بأنها ستعمل على تسوية (تل أبيب، حيفا) بالأرض، ويمكن القول بأن هذه التصريحات غير واقعية، ومن غير المتوقع أن تقوم إيران بمهاجمة (إسرائيل) كعمل استباقي، ولكن من المتوقع توجيه ضربة لإيران، وإيران ستقوم بالرد على تلك الضربة، وسيكون الرد الإيراني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم الضربة التي وُجهت لها، والدليل على ذلك عندما قُتل قائد فيلق القدس الفريق “قاسم سُليماني” بلغت تصريحات القادة الإيرانيين السماء؛ لكن الرد الحقيقي كان مختلفاً تماماً والتي لا تتناسب بالمطلق مع حجم التهديدات الإيرانية، وكذلك قتل عالم الذرة “محسن فخري زادة” المُلقب بـ( بأبو الذرة الإيراني)، وسرقة الأرشيف النووي الإيراني عام 2017م، ومؤخراً تم اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني “صياد خدايي” عام 2022م، والآن عقب الإعلان من منظومات راداريه (لإسرائيل) في الإمارات والبحرين، وصدور تهديدات إيرانية بتسوية (تل أبيب، وحيفا) لا أعتقد أن بمقدور إيران فعل ذلك، وربما المستهدف من تلك التصريحات الجمهور الداخلي الإيراني، وإن كانت التصريحات تحمل رسائل تحذير شديدة اللهجة (لإسرائيل).

بالرغم من ذلك تُنبئ الأمور بأن المشهد الإقليمي قد يكون ساخناً ومُحرقاً في المستقبل القريب، ليس مناخياً فقط، ولكن في جميع الأجواء، وليس من صالح الكيان الصهيوني أو دول التطبيع العربي الاحتراق بألسنتها.

الدكتور المُقدم: محمد عمر حسن الجريسي – الأثنين8/9/2022

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى