هندسة العلاقات الدولية والعالمية في القرن الحادي والعشرين: المفاهيم – المناهج – النظريات

إعداد الأستاذ الدكتور/ كمال  محمد محمد الأسطل

(جزء من محاضرات ألقيت على طلبة الماجستير في العلوم السياسية)

مقدمة

إن دراسة العلاقات الدولية دراسة علمية تجريبية تنتمي إلى الدراسات الإجتماعية بحكم طبيعة هذه العلاقات، ذلك بأن العلاقات الدولية هي علاقات بين وحدات بشرية. وهي تنتمي إلى الدراسات السياسية بالذات ذلك بأن الوحدات البشرية أطراف العلاقات الدولية هي وحدات سياسية والتي هي في عالمنا المعاصر أشخاص القانون الدولي العام. وعلم العلاقات الدولية بصفته فرع رئيس من فروع علم السياسة يشترك مع علم السياسة في نفس مفهوم الأساس Basic Concept  الذي تدور حوله دراسة هذه العلوم قاطبة، والذي هو “السلطة-القوة” Power

تمر العلاقات الدولية اليوم وكل يوم بمرحلة خاصة تتطلب من الدول- التي تظل اللاعب الهام والمسيطر والدائم – واللاعبين الدوليين الآخرين  (مثل المنظمات الدولية والإقليمية ، الأحلاف العسكرية وغير العسكرية، الشركات متعددة الجنسية، حركات التحرر، بابا الفاتيكان، مشيخة الأزهر، الإنسانية باعتبارها شخص دولي في نظر البعض،وكذلك بعض الأشخاص الطبيعيين….الخ)، يتطلب ذلك من جميع أشخاص القانون الدولي باعتبارهم اللاعبين الدوليين الفاعلين في الساحة الدولية والعالمية مجهودا فكريا خاصا، وذلك حفاظا وتعزيزا للموقع الذي تحتله في سلم العلاقات الدولية، فالقرار الدولي تصنعه بالأساس الدول، وأن ظواهر العلاقات الدولية مثل التعاون ولتنافس والصراع والتعايش والتفاعل (السلبي والإيجابي) تظل ظواهر من صنع الدول، وهي التي تفرض نفسها بأشكال مختلفة في الداخل-بصفتها تحتكر الشرعية والمشروعية والسيادة والعنف القانوني وتحظى بولاء غالبية المواطنين- وفي الخارج كلما كان ذلك ممكنا.

صعوبة دراسة العلاقات الدولية

إن تناول العلاقات الدولية بالدراسة والتحليل يعتبر عملا في غاية الصعوبة ويتطلب فكرا ديناميكيا منفتحا ومتفتحا على جميع الأحداث والنظريات العلمية والتجارب العملية والخبرة التاريخية الدولية، وترجع صعوبة دراسة العلاقات الدولية سواء على مستوى النظرية او التطبيق لعدة عوامل نذكر منها على سبيل المثل لا الحصر مايلي:

أولافالسياسة الدولية والعلاقات الدولية ظاهرة معقدة التركيب تشارك في بناءها قوى عديدة داخلية وخارجية: فمنها من يتولى الأدوار الأولى ،و هناك، ومنها من يقوم بأدوار من درجة ثانية او ثانوية، ومنها من يقتصر على دور محدد مسبقا، ومنها من يبقى على الهامش، ومنها من يكون تحت السيطرة، وما إلى ذلك.

ثانيا: ومما زاد من تعقيد السياسة الدولية وخاصة في مرحلة ما بعد  الحرب الباردة القرن الحادي والعشرين أن للشعب الواحد أصبح اكثر من كيان او اكثر من دولة، وأصبح للدولة الواحدة سياستان أو اكثر من سياستين بعد ان كانت للشعب الواحد دولة واحدة وكانت للدولة سياسة واحدة. وبعض الدول اصبح لها اكثر من ثلاثة سياسات وأكثر من معيار في التعامل والمواقف الدولية.. فمثلا شعب فلسطين له كيانان كيان في الضفة وكيان في غزة وأكثر من سياسة متضاربة ومتصارعة داخليا وخارجيا، بل أصبحت هناك سياسات ومواقف عديدة لفصائل فلسطينية لشعب لم يتحرر بعد وخاصة منذ عام 2007 حيث قامت غزة بالانفصال عن الضفة الفلسطينية بعد ان سيطرت حركة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة، فكل فصيل فلسطيني أصبح مثل الدكان السياسي” Political Shop , صحيح انه كانت هناك  في الضفة الفلسطينية، قيادة رسمية فلسطينية  معترف بها دوليا، إلا أن  قطاع غزة سعى للانفصال  بحكومته وجغرافيته وبمعابره وقواته وسياساته وأجهزته ومؤسساته عن بقية الجسم الفلسطيني، إنها دكاكين سياسية تتنوع فيها السياسات كما تتنوع البضائع في محلات البقالة السياسية. ومثال ذلك السودان وجنوب السودان حيث أضحى في السودان أكثر من دولة وأكثر من سياسة متنافسة، وكذلك حال الوضع الذي ساد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 من خلق كيانات شيعية وسنية وكردية، وماجرى وما يجري في سوريا لحظة كتابة هذه السطور من صراع سياسي ديني مذهبي له امدادات داخلية خارجية إقليمية ودولية ، وكذلك حال ليبيا بعد حالة الفوضى الهدامة التي شهدتها كثير من الدول العربية مثل  ليبيا بعد إسقاط القذافي واليمن والصومال وغيرها.

فلم تعد الدولة أو الوحدة الدولية لها سياسة او سياستان بل أن دولة مثل الولايات المتحدة تظهر أكثر من موقف تجاه  نفس القضية السياسية مثل موقفها من فلسطين وإسرائيل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إذن الساحة الدولية تعج بدول وشعوب لها اكثر من حكومة، وأكثر من حزب، وأكثر من سياسة، وأكثر من سياستين، وأحيانا اكثر من ثلاثة سياسات وفقا للظروف الآنية التي تواجهها….، فتجدها تفرز سياسات لينة/ وثانية سياسات متصلبة، وسياسة ثالثة حيادية، وسياسة رابعة تدخلية، و سياسة خامسة انعزالية، وكلها من حيث الطبيعة لا تختلف عن تلك التي سبقتها، ولكنها تختلف عنها في الأسلوب والوسيلة والمنهج والنوع.

ثالثا: الديناميكية والتغير والتغيير المستمر في السياسة الدولية، فالدول الكبرى مثلا تسعي إلى بسط نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي بالطريقة التي تريدها، وهي تجري دائما وراء مطامع ومطامح جديدة، وتريد ان تستحوذ على اكبر قدر ممكن من النفوذ ومن التجارة الدولية إلى حد استعدادها للجوء إلى العدوان والحرب، وإشعال الحروب الأهلية، وزعزعة الاستقرار في الأماكن التي تراها العائق لتطور نفوذها في الداخل والخارج. ولعل ما حدث في المنطقة العربية في عام 2010 وما تلاه من فوضى هدامة أو فوضى “خلاقة” في التفكير الأمريكي خير مثال على ذلك. ومن المعروف أن رجل السياسة يلجأ إلى توظيف حالة نشر الفوضى لعله يستطيع الاستفادة منها في الوقت المناسب أو عند الحاجة لإضعاف ومواجهة الأعداء. هذا مفاده ان الصراع والتعاون ، والسلم والحرب، والاستقرار والفوضى، كلها مواضيع مرتبطة بالسياسة الدولية والعالمية وموازين القوة في الساحة الدولية، والاتجاهات السياسية للعصر الذي تعيشه، وتأثير التطورات التكنولوجية،  والعلام ووسائل الدعاية العالمية والنزوع إلى الهيمنة والتسلط، وتضارب المذاهب، وتصادم او التقاء المصالح…الخ.

رابعا: التحدي الكبير الذي يواجهه نظام احادي القطبية والذي تمثل في هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ، أي هيمنة دولة بمفردها، على العلاقات الدولية مما يجعل من ابتكار نظريات بديلة للنظريات المطروحة في الوقت الراهن، أو انتقاء نظريات معينة من الكم الهائل الموجود حاليا حتى يمكن أن نفهم بعد توظيفها وعبرها تلك التحديات الجديدة وأبعادها،  فالتحليل ومستوياته في العلاقات الدولية ومستقبلها ظل يرجح نظريات على اخرى عبر مراحل تطورها, وبالنظر لتلك التحديات،  فإن قراءة عالم المستقبل ولا سيما في جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية والمؤسساتية، سوف لن يكون بالأمر السهل او الهين بالنسبة للدول وغير الدول، فقد يبدو الواقع الراهن والمستقبل المنشود غير واضح عند البعض، بل هو كذلك فعلا عند الكثيرين، وهذا امر سيكون شديد الخطورة عند فريق ثالث من زاوية الصور الأولى التي يتلقاها عند القراءات الأولية.

خامسا: حالة الارتباك والاندهاش الحاصلان أمام التغيرات الكبيرة والسريعة على صعيد العلاقات الدولية والعالمية، وصعوبة التكيف والتأقلم معها بالنسبة للعديد من القوى الدولية، جعلت من امر التفكير في المستقبل مسألة في غاية الأهمية، مسألة تختلف عما كان عليه التفكير في السابق, ف “الكل” خائف مما سيكون عليه المستقبل انطلاقا من واقع تحتدم فيه المنافسات الاقتصادية والسياسية ، وتزداد فيه الاختراعات التكنولوجية والتقنية، ويتعمق فيه حجم الاتصالات العالمية، وتزداد فيه بعض الدول غنى وأخرى تزداد فقرا.

 وبناءا على ما ذكرناه في سابق السياق، نطمح إلى أن ما نقترحه من معالجة لموضوع العلاقات الدولية في عالم اليوم –عبر بعض النظريات- يمكن ان يساهم في توضيح الرؤية، رؤية الواقع، والثوابت والمتغيرات فيه، والانطلاق بعد ذلك في التفكير في المستقل.

سادسا: تعدد مناهج ونظريات دراسة العلاقات الدولية، حيث أن هناك العديد من نظريات دراسة وتحليل العلاقات الدولية، ولحد الان ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لم تفلح المجهودات الفكرية في إيجاد مثل تلك النظرية الواحدة لتفسير العلاقات الدولية والعالمية. وقد اعتبر العديد من المفكرين صعوبة قيامها، ومن بينهم عالم الاجتماع الفرنسي “ريمون آرون” الذي قال إن قيام نظرية عامة وشاملة للعلاقات الدولية-مثل النظرية العامة للاقتصاد—أمر صعب التحقيق. ولذلك لابد من تداخل وتكامل مختلف النظريات، أو جزء هام منها، لفهم وتفسير ما يجري في عالمنا وهو المنطق الذي ستتحرك على خطاه هذه الدراسة، مع إعطائها للواقعية الدور المحدد,

وبعبارة أخرى، يتضح استحالة الاعتماد على مدخل او منهج بمفرده لمعالجة ظاهرة دولية معينة؛ ومن ثم فإن التكامل، وليس التضارب –كما يقول محمد بوعشه في كتابه الذي بعنوان ” التكامل والتنازع في العلاقات الدولية الراهنة”، بين المداخل النظرية والمناهج، يفرض نفسه على كل باحث عند معالجته لهذا الموضوع أو ذاك.

سابعا:  العلاقات الدولية أو العالمية (نظرا لعدم بقاء الدولة اللاعب الوحيد في الساحة العالمية) ، عند أي دراسة ، بحاجة إلى اتفاق على تحديد وتوضيح المفاهيم والمصطلحات التي يتم استخدامها وتوظيفها بتلك الدراسة بدقة، حيث حاولنا بقدر الإمكان تحديد المفاهيم وتبسيطها لعلنا نفهم البعض من جوانب هذه الظاهرة الشديدة التعقيد والغموض واللا يقينية Uncertainty. فالمفاهيم إذن لا توضح لنا طبيعية وأبعاد العلاقات الدولية والسياسات العالمية واللاعبين هناك فحسب، وإنما تساعدنا كذلك على فهم أو وضع نظريات ومداخل تكون اكثر شمولية واتساعا في فهم وتفسير هذه العلاقات سواء تناقضت فيما بينها او تكاملت.

ماهو مفهوم الأساس في علم العلاقات الدولية

طرح هذا التساؤل محمد طه بدوي في كتابه مدخل إلى علم العلاقات الدولية الصادر عام 1971، حيث انطلق من أن علم السياسية يعتبر في مدرسته التقليدية “الدولة” state  هي موضوع علم السياسة. في حين ترى المدرسة السلوكية أن السلطة Power هي مفهوم الأساس لعلم السياسة. وبالنسبة لمفهوم الأساس في علم العلاقات الدولية فهناك عدة اتجاهات نذكر منها:

الإتجاه الأول: من السلطة السياسية إلى القوة كمفهوم أساس لعلم العلاقات الدولية

يبدأ هذا الاتجاه من التسليم بارتباط علم العلاقات الدولية بعلم السياسة باعتباره فرعا من فروع علم السياسة.  فإذا كان علم السياسة يدور هو دراسة ظاهرة السلطة authority   فإن علم العلاقات الدولية يدور حول القوة Power باعتبار ان العلاقات الدولية تدور بين قوى متنوعة . ويبدو هذا الاتجاه واضحا في كتابات الرواد الأمريكيين الأوائل لعلم العلاقات الدولية وعلى رأسهم “هانز مورجنتاو” Hans Morgenthau ذلك ان العلاقات الدولية هي في حقيقتها علاقات قوة لا تخضع إلا لقانون واحد هو قانون المصالح القومية National Interests، الأمر الذي انتهي به ومعه اتباعه إلى الاتخاذ من مفهوم القوة Power  مفهوم أساس لعلم العلاقات الدولية. وهذا هو أساس المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية.

الاتجاه الثاني: البدء من دراسة طبيعة جماعة الدول ، او الوحدات الدولية الأخرى، في مواجهة المجتمع السياسي الداخلي، كنقطة انطلاق لعلم العلاقات الدولية

ويرى اصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم الأستاذ الفرنسي ” ريمون آرون” Raymond Aron   والأستاذ الأمريكي “ستانلي هوفمان” Stanley Hoffmann  أن تحديد مجال علم العلاقات الدولية يمكن أن يتم بطريقتين:[i]  الطريقة الأولى، تعيين خواص هذا المجال في مواجهة مجالات العلوم الاجتماعية الأخرى، وخاصة في مواجهة فروع علم السياسة. والطريقة الثانية: البدء من مفاهيم معمول بها في مجالات اخرى غير العلاقات الدولية، أي من مفاهيم عامة لا تعني العلاقات الدولية بالذات  وعلى نحو ما فعل “هانز ج.  مورجنثاو” Hans G. Morgenthau وأتباعه، فلقد نقلوا إلى علم العلاقات الدولية مفاهيم علم لسياسة، وخاصة مفهوم القوة، كما قدمنا.

 وهذا الاتجاه لا يفضل البدء في دراسة العلاقات الدولية من المفاهيم العامة المنقولة عن علوم المجالات الاجتماعية الأخرى- وخاصة مفهوم القوة المنقول عن علم السياسة، ذلك لاعتبارات وأسباب متعددة أبرزها:

(1) أن “مفهوم القوة”، كمفهوم عام لعلوم السياسة جمعاء فيه كثير  من الميوعة والهلامية لا من حيث مدلوله الاصطلاحي فحسب بل ومن حيث العناصر المشكلة للعلاقة التي يعنيها “علاقة القوة”. وتفاديا لهذه الميوعة بل والهلامية التي لا تطيقها الدراسة العلمية الموضوعية،

(2) يرى اصحاب هذا الاتجاه ضرورة الاعتراف بالاختلاف الجذري بين طبيعة البيئة الداخلية للوحدة السياسية (الدولة أو اللاعبين والفاعلين الآخرين) وطبيعة البيئة الدولية-العالمية. إن البيئة الداخلية للوحدة السياسية هي بيئة مستأنسة بعامل الاحتكار الشرعي للقوة، بينما واقع البيئة الدولية يتمثل في جمع من وحدات سياسية (اشخاص القانون الدولي العام ووحدات ولاعبين وفاعلين في الساحة الدولية) أي في عديد من قوى متميزة قد تتصارع أو تتنافس وقد تتعاون فيما بينها، ولكنها لا تتكامل تبعا لغيبة ظاهرة الاحتكار الشرعي لاستعمال القوة بما يتضمنه من تجريد لأعضاء الجماعة من ادوات القمع.

(3) إن البيئة الداخلية الأولى هي بيئة القوة المركزية المتمركزة Centralized Power ،بينما تمثل البيئة الدولية الثانية بيئة تعدد مراكز القوى Multi-Power Centres.

ومن هنا يتأتى ان يكون علم السياسة هو علم السلطة Power ، بينما يكون علم العلاقات الدولية علم غيبة السلطة The Science of absence of Power أو علم تعدد السلطات أو القوى Multiplicity of Powers

ونحن نرى أن كلا الاتجاهين يلتقيان حيث يرتبط الاتجاه الأول بمفهوم أساس لنظرية العلاقات ادولية يتمثل في القوة، ومن ثم لمفهوم اساس لنظرية علاقات القوى المتعددة.

التعريف بمفهوم العلاقات الدولية من علاقات دولية Interstates إلى علاقات عالمية International-Universal

 استخدمت كلمة دولية (International) لأول مرة من قبل “جرمي بنثام” في الجزء الأخير من القرن الثامن عشر بالرغم ان ما يناظرها في اللغة اللاتينية قد استخدم من قبل “ريجاد زوك” قبل قرن من ذلك.
وقد استخدم الناس هذه الكلمة لتعريف فرع القانون الذي أخذ يطلق عليه “قانون الأمم” أو “قانون الشعوب” وهو اصطلاح للقانون الروماني يشير إلى المبادئ (International) استخدم بوصفه حاجة حقيقية لتعريف العلاقات الرسمية بين الملوك، وربما تعد كلمة بين الدول (Interstates) أكثر دقة في تعبير الدولية لأن مصطلح الدولة في العلوم السياسية هو المصطلح الذي  كان ينطبق على مثل التي كان يطبقها الرومان في القضايا التي تتضمن علاقات مع أجانب ثم استخدم المصطلح بعد ذلك من قبل أولئك الذين درسوا الروابط الدولية تحت الإطار القانوني فقط، وكان رجال القانون يسعون إلى تحديد مضمون القواعد الواجبة التطبيق بين اللاعبين في المسرح الدولي والعمل على ترجمتها إلى الواقع والتحقق من تطبيقها.

العلاقات الدولية كعلم

يسعى المهتمون منذ قرون إلى إدراك مفهوم السياسة العالمية ولا سيما حين نشأ فرع أكاديمي منفصل تحت اسم “السياسة العالمية” عام 1919 الذي نشأ في جامعة “أبيريستويث” في مقاطعة ويلز البريطانية. واللافت أن مؤسس ذلك القسم هو صناعي ويلزي يدعى “ديفيد ديفيس”” David Davies ، كان يعتقد بأن هدفه أن يكون عاملا مساهما في منع الحروب. وآلية ذلك ان دراسة السياسة الدولية دراسة علمية تمكن الأكاديميين من العثور على أسباب المشكلات السياسية البارزة في العالم ووضع  مقترحات الحلول التي تساعد أرباب السياسة على معالجتها وحلها. أي انه سادت نظرة مثالية للعلاقات الدولية في ذلك الوقت.

علم العلاقات الدولية بين المثالية والواقعية

خلال السنوات العشرين الأولى من عمر ذلك القسم الأكاديمي في جامعة “أبيريستويث” في مقاطعة ويلزWales البريطانية اتسم ذلك الفرع من الدراسة بالتزام واضح بتغيير العالم نحو الفضل حسب وجهة نظر القائمين عليه. وعرف هذا الالتزام بالموقف المعياري Normative، الذي يعتبر مهمة الدراسة الأكاديمية جعل العالم مكانا أفضل لسكانه، اما معارضو هذا الفكر قد وصفوه بأنه فكر ومنحى مثالي Ideal من حيث انه يصور العالمي كما ينبغي ان يكون What Is To be?، وانه يسعى إلى دفع الأحداث إلى هذا اتجاه. وطرح المعارضون اتجاها آخر أسموه الواقعية  أو منحى واقعي Realistic يشدد على رؤية العالم كما هو في الواقع  كما هو كائن What Is?، لا كما نرغب ان يكون, والعالم كما هو في الواقع لا يراه الواقعيون علما جميلا للغاية، فسكانه في أفضل الحالات انانيون، وربما كانوا أسوا من ذلك بكثير. ويعتقد الواقعيون من خلال نظرتهم إلى العالم أن آراء من قبيل إمكان الارتقاء بالبشر إلى درجة الكمال، وإمكان تحسين اوضاع السياسة العالمية أمور بعيدة المنال.

ولا يزال هذا الخلاف بين المثالية والواقعية قائما حتى يومنا هذا ونحن في العقد  الثاني من القرن الحادي والعشرين، غير ان من الانصاف القول: إن المدرسة الواقعية والاتجاه الواقعي يلقى قبولا أوسع. ويعزى هذا أساسا إلى انه أقرب إلى الحس السليم من الاتجاه المثالي،  لاسيما ونحن نتعرض يوميا إلى سيل من الصور اليومية في وسائل الاعلام المختلفة (مقروءة-مسموعة-مرئية-الكترونية…الخ)  التي تظهر لنا مدى وحشة الإنسان ضد ابناء جلدته وخاصة في المناطق الملونة والمناطق الغير بيضاء بعدما اكتوت الشعوب البيضاء بنيران الحروب التدميرية والتي كانت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 من اشدها. فالقتل والاقتتال والحروب انتشرت في الشعوب الإسلامية والملونة من افغانستان شرقا وحتى الدار البيضاء وطنجة غربا ومن الصومال جنوبا حتى الأناضول والشيشان شمالا.

والثابت ان الاتجاه الواقعي كان المنحى المهيمن في مجال تفسير العلاقات الدولية والسياسة العالمية .

 Stnley Hoffmann, Theory and International Relations in “ International Politics and Foreign Polciy, James //////////n. Rosenau, the Free Press, New York, 1969, p.30.[i]

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14918

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *