التقهقر نحو الفوضى الشاملة

تذكّر مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء نكث الاتفاقات التي وقعت عليها إدارة باراك أوباما بفترة عشرينيات القرن العشرين، والتي سماها منظر العلاقات الدولية كار “بأزمة العشرين عاما”؛ تميزت تلك الحقبة من تاريخ العلاقات الإستراتيجية الدولية بصعود الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر إلى الحكم عام 1933، الذي طالب بمراجعة ثم نكث كل الاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها في مؤتمر فرساي عام 1919 من قبل الحكومة الألمانية السابقة، وكانت أكثرها خطورة اتخاذ قرار إلغاء القيود العسكرية الدولية على ألمانيا، ومباشرة تسليح وتجهيز الجيش الألماني كقوة عظمى.

إن الرؤية الألمانية النازية كانت مندمجة مع الميول الشخصية والرؤية الإستراتيجية الوطنية المتصلبة لأدولف هتلر، وفي كثير من الأحيان تعكس الاعتبارات الشخصية وإشباع الغرور الهتلري في فرض الأولويات الإستراتيجية لألمانيا على النظام الدولي. الآثار السريعة للخطوات الألمانية هي اندفاع القوى الأوربية للإعداد الحرب وتراجع فرص تثبيت السلم الدولي، والتي بلغت ذروتها في مؤتمر ميونيخ عام 1938، عندما وقف القادة الأوربيين عاجزين عن منع انهيار الأمن الدولي.


صعود ترامب إلى الحكم في البيت الأبيض مدفوع بواسطة الكثير من السلوكيات وتقاليد العمل الهتلرية لكن بأدوات قتالية أكثر فتكا بالبشر، انعكست في الإصرار على نكث تعهدات الولايات المتحدة السابقة (اتفاقية المناخ، اتفاقيات التجارة الدولية، الرسوم الجديد، الاتفاق النووي الإيراني..)؛ الذي خلق انطباعا لدى الأطراف الدولية الأخرى بأنكم يجب أن تخضعوا جميعكم لأمريكا لأنها الأقوى وتستطيع الانتصار عليكم في أي مواجهة عسكرية محتملة.


المشكلة أن الآثار الإستراتيجية لقرار ترامب أمس ليست محدودة في احتواء طموحات إيران الإقليمية كما يدعي، وإنما تأجيج الريبة والمخاوف المزمنة لدى القوى العظمى الأخرى حول النوايا الأمريكية الحقيقية، ومصداقية الثقة في أقوالها واتفاقاتها الدولية، وكطرف شريك في الأمن الدولي أو مهيمن كما كانت النزعة الهتلرية. سوف تنتج الريبة المتزايدة حول السلوك الأمريكي اندفاع القوى الأخرى للتحضير للحرب الكبرى التي تشمل الفضاءات الإستراتيجية الخمسة، وجعل الأمن الدولي أكثر قابلية للعطب الشديد بواسطة الصدامات المباشرة، الحروب بالوكالة، الحروب الإقليمية، وحتى الحروب الأهلية.


إن نكوص سياسة الولايات المتحدة إزاء الأمن الدولي، قد عكف بمنحنى العلاقات الإستراتيجية الدولية إلى مربع ثلاثينيات القرن العشرين، وسوف تكون المأساة أكثر ضرر من الحرب العالمية الثانية؛ ولا تستثنى أي منطقة من الحروب القادمة.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button