دراسات سياسية

تجارب اصلاحية وتساؤلات ابتدائية – وليد عبد الحي

اربعة تجارب اصلاحية خلال النصف قرن الأخير تقريبا، تستحق التأمل :
أ‌- تجربة البريسترويكا والغلاسنوست التي طرحها غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي عام 1985
ب‌- تجربة التحديثات الأربعة (دينغ هيساو بنغ) ونظرية الصعود السلمي( بيجيان) في الصين الشعبية بدءا من عام 1978
ت‌- تجربة المنابر والانفتاح التي قادها انور السادات في مصر بعد عام 1970
ث‌- مشروع الاصلاح الذي يقوده محمد بن سلمان في السعودية منذ توليه ولاية العهد عام 2017
إثنتان من هذه التجارب فشلتا فشلا ذريعا، فبريسترويكا غورباتشوف أدت الى تفكك الاتحاد السوفييتي الى 15 جمهورية والعودة لحدود روسيا القيصرية تقريبا، وعدم تحقيق اية نتائج اقتصادية او سياسية او عسكرية، اما التجربة الثانية –منابر السادات- فانتهت بمقتله وبتراجع في كل القطاعات وبفقدان مصر لمكانتها الاقليمية.
التجربتان الأخريان : السعودية – وهي تجربة ما تزال قيد الاختبار، بينما التجربة الصينية حققت تقدما اقتصاديا نقل الصين من المرتبة 36 في زمن ماوتسي تونغ الى المرتبة الثانية حاليا، كما ان التشنج الأيديولوجي تراجع لصالح براغماتية لا تتطاول على أركان النظام السياسي المركزية لكنها تهذبها.
قطعا هناك عوامل وراء الفشل والنجاح ، وهي كثيرة ولكل تجربة خصوصياتها ، لكني سأتوقف عند أحدها وهو ” نزعة الشخصنة والفردية في مشروع الاصلاح”، فالتجربة السوفييتية قادها أفراد كان كل همهم هو الانتقام من النظام السابق( نظام بريجنيف) دون أي قدر من التدرجية في الاصلاح، ناهيك عن أوهام غورباتشوف بأن رفع نسبة القطاع الخاص الزراعي الذي كان يتمثل في 1% من الأراضي الزراعية( أغلبها الحدائق امام المنازل الخاصة) وينتج 32% من البطاطا و 25% من اللحوم، سيؤدي لتحول جذري في مستويات الانتاج الزراعي إذا تم رفعه الى 10 او 15%، دون التنبه الى ان زيادة القطاع الخاص –الاقتصادي- يستوجب تقليم أظافر الحزب الشيوعي بنفس النسبة، وانتهت التجربة بقصف مدفعي للبرلمان لا سيما بعد أن اصبح بوريس يلتسين يقود دفة القارب…
وفي مصر ، كان الانطباع الطاغي على السادات هو ” اثبات انه قادر على ملء كرسي عبد الناصر”، ولكي ينجز ذلك لا بد من خنق صورة سلفه، ففتح المجال للحركات الدينية لتنمو ، وفتح الباب على مصراعيه لكل الاحزاب لتعبر عن نفسها(المنابر)، ووضع الناصريين في السجون ، ثم إتكأ على حرب أكتوبر لتعزيز صورته الفردية، وانتهى المشروع الساداتي ميتا هو وصاحبه، فلا تطور سياسي ولا تقدم اقتصادي ولا علمي …الخ، وآل الوضع بيد حسني مبارك الذي كان يقضي اغلب ايامه في منتجعات شرم الشيخ بعيدا عن ضجيج وأنات القاهرة.
استنادا لذلك ، ارى ان مشروع الاصلاح السعودي الذي يقوم على عدة ركائز تخفي في أعماقها نزعة فردية ثأرية، وهو ما يتضح في:
أ‌- طمس الوهابية بقضها وقضيضها رغم انها الاساس الذي بنى عليه آل سعود شرعية النظام، فهو يريد البروز دون ظلال ” وهابية” ، وهو ما يتضح في نفيه التام لها عندما قال لنيويورك تايمز” ما هي الوهابية، ليس هناك شيء اسمه الوهابية”…
ب‌- تفجير حالة الوئام داخل الاسرة الحاكمة بضرب ابرز شخصياتها واسدال الستار عليهم ليتلذذ بطريقة ذكورية بوهم البطولة.
ت‌- فقدان الدولة الريعية لقدر كبير من مصدر ريعها والذي شكل الأداة الأساسية لصناعة الولاء.
وازداد الامر تعقيدا في الانغماس السعودي في مغامرات عسكرية في اليمن بشكل مباشر وفي الشأن السوري بشكل غير مباشر ، ثم تأزيم الجو الاقليمي بتحولات في اولويات السياسة الخارجية من اسرائيل نحو إيران، واصدار تصريحات تشكل صدمة للكثيرين لاسيما فيما يتعلق بالقدس والموضوع الفلسطيني بكامله، ناهيك عن عدم وضوح الخط الفاصل بين الثروة الفردية والثروة المجتمعية ، وعدم ادراك ان الاصلاح الاقتصادي لا يأتي دون قدر من الاصلاح السياسي الموازي له وبمشاركة النخبة العلمية النزيهة في المجتمع.
مشكلة المشروع السعودي أنه ” فردي غرائزي” يحمل الكثير من قسمات المشروع السوفييتي والساداتي ، بينما المشروع الصيني قام على اصلاح آيديولوجي يتبناه أكثر من 82 مليون عضو في الحزب الشيوعي الصيني، ويتمثل المشروع في ( إدخال ميكانيزمات رأسمالية لصلب الاقتصاد الصيني وتبني ما اسموه اقتصاد السوق الاشتراكي”، ثم العمل على تسوية النزاعات بخاصة مع الدول المجاورة بطرق يغلب عليها الطرق السلمية” ولم تعد السلطة تنبع من فوهة البندقية كما كان ينادي ماوتسي تونغ، بل اصبح شعار الحزب منذ المؤتمر الحادي عشر هو ” ليس مهما لون القط ، المهم ان يصطاد الفئران”.، ثم تم تجديد النخبة بشكل كبير، حيث جرى التخلص من كل كبار السن لصالح الشباب ثم التركيز على طبقة التكنوقراط وليس فئة الآيديولوجيين ، ناهيك عن التدرجية وعدم معاداة الجذور الثقافية للمجتمع ، فبدلا من هدم بيت كونفوشيوس كما نادى الكومنتانغ ايام صن يات صن وماوتسي تونغ أصبح الاعتداد بها هو الاساس ، وفوق هذا اصبح الرئيس الصيني ” تشي جنغبنغ” هو الداعية الأول للعولمة في العالم، وفي ترتيب التحديثات كان آخر قطاع هو الدفاع بعد الزراعة والصناعة والبحث العلمي ، بينما في المشروع السعودي جاء الدفاع أولا وبواقع يتجاوز 10% من اجمالي الناتج المحلي وهو الاعلى تقريبا بين دول العالم.
لم يعد العالم المعاصر يحتمل مشاريع ” البطولة الفردية”، ولم تعد نظرية- البطولة – التي وضعها الفيلسوف البريطاني توماس كارليل لها ذات البريق ، فالكاريزما تحولت – في تقديري- من كاريزما القلب( الجذب الوجداني والشخصية الساحرة في المجتمعات التقليدية البسيطة ) الى كاريزما العقل” الاختراع والابداع والتراكم العلمي والترابط العالمي في كل خيط من نسيج الحياة المعاصرة ، لقد كان الفرد مهما”او بطلا” في زمن الدولة القومية او الامبراطوريات المنعزلة عن بعضها، لكن زمن العولمة لم يعد يسمح بالبطولة الفردية ، وإذا برز ” بطل هنا او هناك” فذلك ليس إلا بعض غبار التاريخ، فالبطل الذي تنادون عليه لينقذكم لن يأتي، والأولى أن تنادوا على انفسكم …ربما.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى