دراسات اقتصادية

نفوذ الدولة السلجوقية العثمانية التركية الاقتصادي والسياسي في المنطقة العربية

 إن قرار طرد السفير الإسرائيلي من الدولة السلجوقية أو بالأحرى الإمبراطورية العثمانية الإسلامية السابقة وهي دولة تركيا حاليا يذكرنا بماضي نفوذ الباب العالي للإمبراطورية العثمانية سابقا. هذا القرار الصادر من الحكومة التركية يعد إهانة كبري لدولة إسرائيل التي تعتبر نفسها أنها دولة لا تقهر. إلا أن هذه لم تكن المعاملة الأولي علي نسق هذه الطريقة, و للعودة إلي الماضي و ذكريات حكم السلطان عبد الحميد الثاني للإمبراطورية العثمانية, وقعت أيضا حادثة تأزم علاقات دبلوماسية مع بريطانيا العظمي بسبب طريقة التعامل الدبلوماسي التركي مع الأجانب. إذ آنذاك قام السلطان عبد الحميد الثاني بصفع القنصل العام الإنجليزي و تمزيق أوراق مشروع إقتصادي بريطاني مع تركيا و إلقائها علي وجهه بطريقة مهينة. إن هذه التصرفات التي تقوم بها تركيا حاليا تعد تطور خطير في العلاقات الدولية و بسط نفوذ سياسي جديد و ذلك عبر إتخاذ قرارات صارمة ضد إسرائيل أو الدول الحرة قائدة العالم الحر منها بالأساس الولايات المتحدة الأمريكية. كما نلاحظ في معظم خطابات رجب الطيب أردوغان حنينه للماضي السلجوقي و حكم الدولة العثمانية, حتي أنه أحيانا يفتخر بأنه سلجوقي عثماني و يستمع إلي أناشيد “الله أكبر” للعسكر العثماني. إذ من المعروف أن النهضة الإسلامية إنطلقت بالأساس مع إجتياح الدولة السلجوقية جنوب شرق آسيا خاصة منها أندونيسيا و الفليبين. فالإسلام الآسيوي هو بالأساس ناتج عن الفتوحات الإسلامية للدولة السلجوقية. أما بخصوص الإمبراطورية العثمانية الإسلامية فكان نفوذ حكم الباشات و الباب العالي ممتد حتي الأطلسي و محتل شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و الشرق الأدني بالكامل. إن تنامي هذه الرغبة لدي الجمهورية التركية لإعادة إحياء ماضي الأمبراطورية العثمانية و القرارات الردعية و القوية تجاه الدول الغربية تبين بالكاشف الدكتاتورية العثمانية تحت غلاف الديمقراطية الإسلامية التي في مجملها تعد تخريبية. حيث أصبح لتركيا قرار و صوت مسموع عالميا ضد الدول العظمي خاصة ضد دولة إسرائيل و الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية. و بالعودة إلي الأحداث التي جرت مع بداية هذا الأسبوع خاصة تاريخ إعلان القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل في 14 ماي 2018 و نقل السفارة الأمريكية إلي أوراشاليم القدس يعد الحدث البارز علي الساحة العالمية. بالإضافة إلي المواجهة العسكرية بين قوات الدفاع الإسرائيلي و الزحف الفلسطيني الغزاوي نحو تل أبيب و إستشهاد العديد من الأبرياء من قيادة حماس الإسلامية و الحليفة الرئيسية لدولة تركيا و إيران. أما بالعودة إلي بداية الثورات العربية سنة 2011 و سقوط الأنظمة القديمة المتحالفة مع العالم الحر و الولايات المتحدة الأمريكية, كان الحلم التركي بارزا آنذاك لإعادة نشر السيطرة العثمانية علي المنطقة العربية من البوابة الإسلامية. كما أن للإخوان المسلمين دور مهم في توطيد تلك العلاقة التركية – العربية حتي أن بعض دول الربيع العربي خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلي 2013 أعلنت البيعة للخلافة الإسلامية بقيادة السلجوقي رجب الطيب أردوغان و الولاء المطلق للحكم العثماني الإسلامي. إلا أن تلك الأحداث ذكرتنا بالماضي الإستعماري السياسي و الإقتصادي و الغزو الفكري التركي للدول العربية خاصة منها الدول العربية التي تعتبر ضحية لهذا التسمم الفكري العثماني الإسلامي نذكر منها مصر و ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب. و كلنا نتذكر حكم الباب العالي و كيف كانت تدار الأمور من القيادة المركزية العثمانية, من حكم فؤاد باشا في مصر إلي حمودة باشا و خير الدين باشا في تونس و غيرهم من المواليين للحكم العثماني في المنطقة العربية. إن النفوذ التركي حاليا في المنطقة العربية شمل شتي القطاعات الخدماتية, الثقافية و الدينية وخاصة منها الإقتصادية و السياسية. فخلال الفترة التي تعرف بالربيع الإسلامي الكبير في المنطقة العربية, و الوصول الإخواني للسلطة مثل حكم الإخواني محمد مرسي العياط لمصر و تغلل الإسلاميين في الحكم في ليبيا و تنصب الحكم الإسلامي في تونس و حكم عبد الإله بن كيران في المغرب إزداد نشاط حزب العدالة و التنمية التركية كمرجعية فكرية إخوانية في المنطقة العربية. كل تلك العوامل ساهمت في ضخ الدماء في شريان الإمبراطورية العثمانية ليصبح لها شأن سياسي و قرار دولي مسموع. كما أن أحداث الإنقلاب العسكري التي جرت في مصر سنة 2013 ضد حكم الأخوان إعتبرته دولة تركيا الإسلامية يوم أسود و طعنة خنجر في ظهر الأمة الإسلامية, حيث بكي الطيب أردوغان بعد الإنقلاب في مصر لأنه خسر دولة من إمبراطوريته التي يحلم بتأسيسها في المنطقة العربية. إن النفوذ السياسي لتركيا يتلخص بالأساس في التحالف الثلاثي مع دولة قطر و إيران و روسيا وذلك بدعم الحكم الإسلامي في جميع الدول العربية و الرجوع إلي ذكريات الهيمنة العثمانية الإسلامية. بالتالي في خضم هذا الصراع في منطقة الشرق الأوسط خاصة منها الحرب في سوريا و إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل كشفت تركيا عن قناعها الإسلامي الحقيقي و نواياها المبيتة تجاه الرغبة في السيطرة علي المنطقة العربية و تحويلها إلي إمبراطورية عثمانية إسلامية ثانية تحت خلافتها و بيت طاعتها. إذ إن قرار طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة مؤخرا لم يأتي من فراغ بل جاء متعمدا قصد إذلال دولة إسرائيل و الدوس علي رقبتها و القول للعالم أن الإمبراطورية العثمانية الإسلامية مازالت تحكم في الدول العربية و مناصرة للقضايا الإسلامية. أما الرد من الجانب الإسرائيلي بطرد القنصل العام كان محدودا, إلا أن بقية الدول العربية لم تحرك ساكنا و كأنها في سبات عميق. فمن المعروف أن القنصلية الإسرائيلية بدولة الإمارات العربية المتحدة تحظي بعناية فائقة و السفارة الإسرائيلية بمصر و الإردن تحت الحراسة الأمنية المكثفة. إلا أن تركيا من بين كل هذه الدول التي بادرت بتوجيه صفعة إلي دولة إسرائيل عبر طرد السفير بطريقة مهينة و متعمدة تذكرنا بصفعة السلطان عبد الحميد الثاني للقنصل العام الإنجليزي في أنقرة إبان الحكم العثماني الإسلامي. أما بخصوص النفوذ الإقتصادي فتركيا بعد الثورات الإسلامية العربية زادت من دعمها التحاري و الإقتصادي لتلك الحكومات الإسلامية التي تنتمي إلي الحضن السلجوقي العثماني التركي الإسلامي. بالتالي نلاحظ غزو عباد الشمس التركي الأبيض معظم الأسواق المصرية و الليبية و خاصة التونسية التي تكلف الميزانية الوطنية عبء مالي كبير و إثقال الميزانية بدفع مليارات من الدولارات لشراء هذه المنتجات التي تعتبر غير ضرورية و يمكن توفيرها محليا, أيضا غزو المسلسلات التركية الشاشات العربية و خاصة منها مسلسل “أرطغول” الذي يمجد في الأمبراطورية العثمانية الإسلامية و هو في باطنه مسموم بنوع من الإحتلال الفكري و الثقافي. بالإضافة إلي ذلك مشروع تصدير الغاز نحو أوروبا الذي تسيطر عليه تركيا كليا عبر معبرها الرئيسي لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي. أما التحالف الثلاثي بين تركيا و إيران و روسيا جاء ليعزز الإندماج في فضاء سياسي و إقتصادي مستقل عن الإتحاد الأوروبي و يكن الولاء للحكم الإخواني في المنطقة العربية و بالتالي بسط النفوذ التجاري و الإقتصادي و السياسي التركي في المنطقة العربية.

فؤاد الصباغ – باحث اقتصادي دولي

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى