يوميات سورية داخلية 2011

 جاءت البداية مع أواخر شباط/ فبراير 2011، وعقب تطور الأحداث في كل من تونس ومصر، حيث هرب الأول من تونس وتنحى الثاني في مصر، عندها بدأ ناشطون سوريون وجهات معارضة مختلفة بالدعوة إلى «يوم غضب سوريٍّ» في أنحاء البلاد يوم 15 آزار/ مارس من العام، وأسسوا لنشر دعواتهم هذه صفحة على موقع الفيسبوك الإلكتروني، وبلغَ عدد مشتركيها بحلول أواخر شباط/ فبراير 26.000 شخص، لتبدأ الأحداث.

شهر آزار/ مارس 2011

  شهدَ مطلع شهر مارس حادثة أثارت توترات كبيرة في مدينة درعا جنوب سوريا، إذ قام عدد من الأطفال المتأثرين بحركة الربيع العربي بكتابة شعارات مُناهضة للنظام على جدران مدرستهم، مما أدى إلى اعتقال 16 طفلاً منهم، وقاد ذلك الأمر إلى حالة من السخط الشعبي الكبير و«حالة من الغليان» في أنحاء المنطقة إثرَ الاعتقالات العشوائية. في يوم الثلاثاء 15 آزار/ مارس 2011 خرجَ العشرات أخيراً في مُظاهرة بعد صلاة الظهر من الجامع الأموي في دمشق وساروا عبرَ سوق الحميدية ومنطقة الحريقة المُجاورة له، مردِّدين شعارات وهتافات تطالب بالحرية، لكن سُرعان ما جاء الأمن واعتقل العديد من المحتجين، ثم جاءت مجموعة ممن يُسمون البلطجية وهتفت تأييداً للنظام ثم فضت المتظاهرين المناهضين له بالقوة. وفي اليوم التالي 16 آزار/ مارس خرجت مُظاهرة أخرى في الوقت والمكان نفسيهما اتجهت من الجامع الأموي وعبرَ الشوارع المُحيطة نحو مبنى وزارة الداخلية السورية في ساحة المرجة، وهناك احتشدَ قرابة 150 متظاهر هتفوا ضد نظام بشار الأسد، لكن سُرعان ما فرق الأمن المظاهرة معتقلاً 32 شخصاً على الأقل.

  في يوم الجمعة 18 مارس بلغت حركة الاحتجاجات وفقَ ناشطي المعارضة مدن درعا (من المسجد العمري) ودمشق (من الجامع الأموي) وحمص (من جامع خالد بن الوليد) وبانياس (من مسجد الرحمن). وفي درعا أطلقت قوات الأمن السورية الرَّصاص الحي اتجاه المتظاهرين السلميِّين، ما أدى إلى سقوط 4 قتلى. وفي الأسبوع التالي لهذه الأحداث كانت مدينة درعا وقراها موقعاً لاشتباكات عنيفة بين الأمن والمحتجين انتهت بحلول نهاية الأسبوع بسقوط 100 إلى 150 قتيلاً من جانب المتظاهرين بنيران الأمن. وفي يوم الجمعة التالي 25 آزار/ مارس خرجت الاحتجاجات من رقعتها الضيقة في محافظة درعا وانتشرت في أنحاء سوريا لتشمل العديد من المدن والبلدات المختلفة تحتَ شعار «جمعة العزة»، ومنها درعا والصنمين وداعل والشيخ مسكين ودمشق (في كفرسوسة وسوق الحميدية) وحمص وحماة وبانياس واللاذقية. وفي درعا نجحَ المتظاهرون في إسقاط وتحطيم تمثال للرئيس السابق حافظ الأسد، كما أن المحافظة شهدت خلال اليوم ذاته مجزرة في بلدة الصنمين راحَ ضحيتها أكثر من 17 قتيلاً سقطوا بنيران الأمن خلال توجههم من الصنمين نحو درعا. وفي 31 آزار/ مارس ألقى بشار الأسد خطابه الأوَّل منذ بدء الاحتجاجات، وتحدَّث فيه عن بعض الإصلاحات الموعودة التي أعلن التزامه بتنفيذها عمَّا قريب لإرضاء المحتجين. وقبلها بيومين كانت قد قدَّمت الحكومة السابقة استقالتها، فقبلها بشار، ثمَّ أعلن عن تشكيل حكومة جديدة في أواسط شهر نيسان/ أبريل.

شهر نيسان/ أبريل 2011

في 7 نيسان/ أبريل جاء مرسوم رئاسي يَقضي بمنح الجنسية للمواطنين الأكراد في سوريا، بعد أن كانوا قد حرموا منها لعقود فيما مضى. وفي سبيل احتواء الاحتجاجات أكثر أمر بشار الأسد في 14 نيسان/ أبريل بإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين ألقيَ القبض عليهم خلال الاحتجاجات والذين قد بلغوا المئات، لكنه استثنى من ذلك من قال أنهم ارتكبوا جرائم بحق الوطن والمواطن. وفي 21 نيسان/ أبريل أعلنَ عن رفع حالة الطوارئ في البلاد، بعدَ أن كانت قد فُرضت لمدة 48 عاماً متصلة منذ ثورة الثامن من آذار/ مارس عام 1963، كما أمر بحلِّ «محكمة أمن الدولة العليا». وبحلول هذا الوقت كانت تُفيد المنظمات الحقوقية بأن عدد القتلى في أنحاء البلاد بلغ 250 قتيلاً. وقد كان اليوم التالي (22 نيسان/ أبريل) من أكثر أيام الاحتجاجات دموية، إذ أفادت المعارضة بسُقوط ما ناهز 100 قتيل فيها بذلك اليوم بعدَ خروج احتجاجات تحتَ شعار «الجمعة العظيمة».

  في 25 نيسان/ أبريل دخلت قوات الجيش السوري للمرة الأولى المدن لمُشاركة القوات الأمنية في قمع حركة الاحتجاجات، إذ اجتاحَ الجيش مدينة درعا وقصفها بالمدفعية والدبابات، كما دخلَ بلدتي دوما والمعضمية في ريف دمشق، وكان إجماليُّ قتلى العمليات العسكرية بنهاية اليوم لا يَقل عن 38 حسبَ المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبعد أسبوعين من ذلك بلغَ إجمالي قتلى الحملة على درعا منذ 25 نيسان/ أبريل ما يُناهز 220 قتيلاً، فيما بلغ إجمالي قتلى الاحتجاجات قرابة 800 شخص.

 شهر أيار/ مايو 2011

  بعد اجتياح درعا بأسبوع حاصرت قوات الجيش في 3 أيار/ مايو مدينة بانياس الساحلية، ثم اجتاحتها وشنت حملات اعتقالات عشوائية في الشوارع، وكانت حصيلة قتلى اليوم الأول 6 أشخاص. وفي 7 أيار/ مايو أدى إطلاق نار على مظاهرة نسائية قربَ قرية المرقب إلى سقوط 4 قتيلات جدد. معَ استمرار حصار بانياس والاعتقالات فيها لأسابيع بعد ذلك، ألقيَ خلالها القبض على ما قرابة 500 شخص من سكان المدينة وقراها. وفي 9 أيار/ مايو حاصرَ الجيش السوري مدينة حمص واجتاحها بالدبابات، بادئاً فيها عمليات عسكرية مشابهة لتلك في درعا وبانياس واعتقالات عشوائية لقمع حركة الاحتجاجات أدت إلى سقوط عدة قتلى. وفي 15 أيار/ مايو بدأت حملة عسكرية أخرى على مدينة تلكلخ القريبة من حمص، سقطَ خلالها 4 قتلى على الأقل في اليوم الأول فيما نزحَ حوالي 1.000 نسمة من الأهالي نحو منطقة وادي خالد في لبنان هرباً من القصف. وتكرَّر القصف في اليوم التالي ليُسقط 7 قتلى جدد. في 29 أيار/ مايو أطلق الجيش السوري عمليات عسكرية جديدة في مدينتي الرستن وتلبيسة، وحاصرهما بالدبابات والمدفعيَّة. واستمرَّت الحملة في المدينتين أسبوعاً بعدها منتهية بسُقوط ما لا يَقل عن 74 قتيلاً. كما أن حملات الاعتقالات في المدينتين أدَّت إلى إلقاء القبض على أكثر من 250 شخصاً من أهاليهما.

شهر حزيران/ يونيو 2011

  في يوم الجمعة 3 حزيران/ يونيو اعتصم 50.000 متظاهر في ساحة العاصي بمدينة حماة وساحة الحرية بمعرة النعمان مُطالبين بإسقاط النظام تحتَ شعار «جمعة أطفال الحرية»، وبذلك كانت هاتان المظاهراتان أضخم المظاهرات في سوريا منذ بدء الاحتجاجات، لكن قوات الأمن فتحت النار على متظاهري حماة مسقطة أكثر من 70 قتيلاً خلال ساعات. وفي اليوم التالي اجتاحت قوات الأمن والجيش مدينة جسر الشغور وقصفتها بالمروحيات مخلفة أكثر من 38 قتيلاً خلال يوم واحد، وبعد دخول القوات السورية للمدينة وجدت مقبرة جماعية تضم رفات 120 جندي سوري قتلوا بشكل غامض. كما اجتاح الجيش منطقة جبل الزاوية بأكملها بعد أن أتى بالدبابات من منطقة سهل الغاب في محافظة حماة. وأدَّت هذه العمليات إلى حركات نزوح جماعية ضخمة من محافظة إدلب نحو تركيا، حتى بلغ عدد اللاجئين بحلول شهر أغسطس حوالي 17.000 شخص وفقَ الإحصاءات التركية الرسميَّة. وفي 10 يونيو اقتحم الجيش مدينة معرة النعمان بدورها، وأطلق القناصة والمروحيات الخمس التي حلقت في سماء المدينة النار على المتظاهرين فيها متسببة بسقوط 11 قتيلاً. ثم فرض عليها حصاراً بعد ذلك. كما أعطت تنسيقيات الاحتجاجات المحلية شعار «بركان حلب» على يوم الخميس 30 حزيران/ يونيو في مُحاولة لتأجيج المُظاهرات في مدينة حلب أكثر بعد أن ظلت هادئة نسبياً خلال الشهور السابقة، وأدى ذلك إلى خروج المظاهرات في أكثر من عشرة مناطق في المدينة وحُدوث محاولات للاعتصام في ساحة سعد الله الجابري الرئيسية بها، لكن سقط قتيل في المدينة خلال تفريق الأمن لتلك المسيرات.

شهر تموز/ يوليو 2011

خرجت مظاهرة مناهضة للنظام في بلدة دوما قربَ دمشق. بعد الحملة الأولى على حماة في مطلع حزيران/ يونيو، هنا عادت قوات الجيش والأمن في 4 تموز/ يوليو لحصار المدينة واجتياحها، وتسبَّب اجتياح ذلك اليوم بسُقوط 23 قتيلاً فيها، بينهم منشد المظاهرات إبراهيم قاشوش الذي ذُبح من حنجرته وألقيت جثته في نهر العاصي. في 10 تموز/ يوليو خرجَ مئات المتظاهرين في مسيرة احتجاجية من جامع الحسن في حي الميدان بالعاصمة دمشق، شاركَ فيها عشرات المثقفين والفنانين في أوَّل مظاهرة تشارك فيها شخصيات سورية معروفة منذ بدء الاحتجاجات، وكان من ضمن المشاركين الممثلون خالد تاجا وفارس الحلو ومي سكاف والأخوان ملص والمخرجون نضال حسن ونبيل المالح وسارة الطويل وإياد الشربجي والكاتبتان ريما فلحان ويم مشهدي والناشطون رياض سيف وفايز سارة ومازن درويش، إلا أن 20 منهم بينهم العديد من الفنانين والكاتبين والممثلين اعتقلوا على أيدي قوات الأمن. كان مقرراً في 16 تموز/ يوليو عقدُ ما يُعرف بمؤتمر الإنقاذ الوطني السوري، وهو مؤتمر يَهدف إلى تشكيل حكومة ظل للمعارضة السورية تتحد تحتَ جناحها. وكان يُفترض أن يَكون المؤتمر مقسوماً إلى جزئين، مؤتمر في الداخل بالعاصمة دمشق ومؤتمر في الخارج بمدينة إسطنبول التركية بمشاركة 400 معارض وبقيادة هيثم المالح. لكن خلال سير مظاهرة مناهضة للنظام في حي القابون بدمشق بجوار صالة المؤتمر في «جمعة أسرى الحرية» بتاريخ 15 تموز/ يوليو أطلقت عليها قوات الأمن النار وقتلت 14 محتجاً، كما سقطَ في اليوم ذاته قتيلان من الأكراد في حي ركن الدين شمال المدينة وقتيل في حي برزة، مما أدى إلى خروج الآلاف في مظاهرات لتشييعهم في يوم السبت التالي. ودفعت هذه الأحداث المعارضة إلى تغيير مكان عقد المؤتمر في العاصمة إلى موقع سريٍّ لم تُعلن عنه. وفي منطقة دمشق أيضاً حاصرت قوَّات الأمن مدينة قطنا فجر يوم السبت 16 تموز/ يوليو ودخلتها بقوات تتألف من 20 دبابة وحافلات عديدة تقل رجال الأمن، وبدأت حملة مداهمات واعتقالات فيها، ولاحقاً ارتفع عدد القتلى الإجماليِّ إلى 6 مدنيين. ومع نهاية الشهر حاصرت قوات الجيش السوري مدينة حماة وقصفتها بشدَّة من جميع الجهات، كما نفَّذ الجيش عمليات عسكرية مشابهة في مدن عديدة منها دير الزور والبوكمال والحراك وحمص، مخلفاً قرابة 150 قتيلاً منهم أكثر من 100 في حماة وحدها، وبذلك كان أكثر أيام الاحتجاجات دموية في وقته، وظلَّ كذلك حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر. واستمرَّت الحملة العسكرية على مدينة حماة لأسبوع منذ 31 وحتى 7 من أغسطس، حينما بلغَ إجمالي قتلى الأسبوع حوالي 300 قتيل.

شهر آب/ أغسطس 2011

 في 4 آب/ أغسطس أصدرَ بشار الأسد مرسوم التعددية الحزبية الذي كان قد وعدَ به منذ شهور مضت، وبعدها بيومين تعهَّد بإجراء انتخابات نزيهة قبل نهاية عام 2011. في فجر يوم الأحد 7 آب/ أغسطس اجتاح الجيش مدينة دير الزور شرقي سوريا وبدأ قصفاً عليها بالآليات العسكرية، بعدَ أن كان قد قصفها قصفاً خفيفاً منذ يومي 4 و5 آب/ أغسطس، ونفذ الأمن حملات اعتقالات في بعض الأحياء من أبرزها الجورة، وبلغَ إجمالي عدد قتلى قصف وحملة الأحد العسكرية التي تركزت على حيَّي الجورة والحويقة 65 قتيلاً. تلاهم 50 قتيلاً آخرين في اليومين التاليين. كما شهد يوم الأحد ذاته اجتياحاً لمنطقة الحولة في ريف حمص بـ25 دبابة، وتسبَّب بسقوط 21 قتيلاً.

  في 11 آب/ أغسطس أعلنَ عن استقالة وزير الدفاع السوري علي حبيب، تبعها بقليل سريان إشاعات عن وفاته في ظروف غامضة وعن ضلوع النظام في ذلك نظراً إلى ما قيل عن معارضته لحملة حماة، لكنه ظهر على التلفزيون السوري بعد ذلك مُباشرة ليُثبت أنه ما زالَ حياً، كما قال أن سبب استقالته كان لظروف صحية منعته من متابعة عمله. اقتحمت قوات الجيش والأمن في 14 آب/ أغسطس حيَّي الرمل ومسبح الشعب في مدينة اللاذقية، وأخذ الدبابات بقصفهما براً والزوارق الحربية بحراً، موقعة أكثر من 30 قتيلاً خلال ثلاثة أيام من القصف المتواصل على المدينة.

  في 9 آب/ أغسطس بدأ تصعيدٌ غير مسبوق في مستوى الضغوط الدولية على نظام بشار الأسد، إذ أعلنت السعودية والكويت والبحرين سحبَ سفرائها من سوريا، وألقى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز كلمة، دعى فيه بشار الأسد إلى بدء الإصلاحات فوراً، وهو ما عدَّه البعض تدخلاً مفاجئاً وغير معتاد منه، وفي اليوم ذاته أصدرت الجامعة العربية أوَّل بيان لها فيما يخص الاحتجاجات منذ بدئها، وقد دعت فيه إلى وقف العنف في البلاد. وفي 17 آب/ أغسطس سحبت الأمم المتحدة العديد من موظفيها في سوريا وقيدت الولايات المتحدة حركة الدبلوماسيين السوريين فيها، فيما استدعت تونس السفير السوري لديها. أما اليوم التالي 18 آب/ أغسطس فقد كان يوماً محورياً في تحوُّل الخطاب الدوليِّ لنظام بشار الأسد بشأن الاحتجاجات، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ففرنسا فبريطانيا فألمانيا فالاتحاد الأوروبي فكندا أن الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد شرعيَّته بالكامل وباتَ عليه التنحِّي فورياً عن الحكم.

  في 22 آب/ أغسطس توجهت بعثة مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى مدينة حمص لتقييم الوضع الإنساني فيها، وذلك بعد وصولها إلى دمشق قبل يوم واحد، وبعد أن كان قد قرر إرسالها إلى سوريا في 19 آب/ أغسطس. وعندَ وصول البعثة احتشدَ المتظاهرون لاستقبالها في ساحة الساعة وسط المدينة، لكن ما إن غادرت البعثة حتى فتحت قوات الأمن على المتظاهرين وأردت منهم 6 قتلى. وبعدَ هذه الأحداث طلبت السلطات من البعثة مُغادرة المدينة لما وصفته أسباباً أمنية، فيما اعتبرت البعثة أن ذلك بسبب المظاهرات التي أثارها مجيئها.

  في مساء يوم الأحد 28 آب/ أغسطس حاصرت قوَّات الأمن مسجد الرفاعي في حي كفرسوسة الدمشقي بعد انتهاء صلاة التهجد مباشرة واقتحمته بالقوة، واعتدت بالضرب على إمامه «أسامة الرفاعي»، كما هاجمت المصلين داخل المسجد. واستمرَّت مفاوضات لمدة ساعتين بين المحتجين والأمن للخروج سلمياً من داخل الجامع، لكنها لم تؤدي إلى شيء، وقد اعتقلَ عشرات المحتجين خلال هجمات الأمن المتكررة على المسجد وإطلاق الرصاص فيما قتلَ أحدهم. وبعدَ انتشار أخبار حصار الجامع خرجت مظاهرة أخرى في جامع مجاور بالحي، فحاصره الأمن بدوره واقتحمه، وسُرعان ما امتدت المظاهرات التضامنية مع محتجي جامع الرفاعي فخرج المظاهرات في مناطق الصالحية والمالكي والمجتهد في العاصمة، كما حاولَ أهالي الريف الزحف إلى ساحة العباسيين من بلدات دوما وزملكا وحمورية ومسرابا، لكن حواجز قوات الأمن المشددة في حي جوبر منعتهم من الوصول إلى الساحة، وقد تجمَّع بعضهم في سقبا، غير أن الأمن فرَّقهم هناك واعتقل العشرات منهم. وبالإضافة إلى هذه الأحداث تظاهر العشرات في ساحة كفرسوسة للمطالبة بالإفراج عن معتقلي مسجد الرفاعي، وعشرات آخرون أمام مشفى الأندلس احتجاجاً على الاعتداء على أسامة الرفاعي.

  شهدَ يوم الأحد 28 آب/ أغسطس حدوث أوَّل انشقاق جماعي في الغوطة (أرياف دمشق) منذ بدء الاحتجاجات، وهي المنطقة المحيطة بالعاصمة. إذ أفادَ بعض السكان بانشقاق عشرات الجنود عن الجيش في بلدة حرستا شرق العاصمة بعد أن شاهدوا قوات الأمن تُطلق النار على مظاهرة مسائية كبيرة في البلدة، وتبادلوا إطلاق النار بعد ذلك لفترة مع القوات النظامية. بحلول أواخر رمضان أفادت منظمة العفو الدولية بأن عدد من قضوا تحتَ التعذيب منذ بدء الاحتجاجات قد بلغ 88 قتيلاً. وأما عدد قتلى شهر رمضان الإجمالي فقد بلغَ 473 قتيلاً.

شهر أيلول/ سبتمبر 2011

 في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر، أعلنت رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن عدد القتلى منذ بداية الاحتجاجات في 15 آزار/ مارس قد بلغَ ما لا يَقل عن 2.600 قتيل. وفي 12 أيلول/ سبتمبر أعلنَ المجلس تعيين أعضاء لجنة التحقيق الدولية، التي تقرَّرَ مسبقاً إرسالها إلى سورية لإجراء تحقيق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان فيها، وطالبَ المجلس النظام السوري بالتعاون مع التحقيق. وقد أطلق ناشطو الاحتجاجات على اليوم التالي لذلك (13 أيلول/ سبتمبر) اسم «ثلاثاء الغضب من روسيا» رداً على مواقفها المؤيدة للنظام في أوساط المجتمع الدولي. في 24 أيلول/ سبتمبر أعلنت تركيا عن حجز سفينة سورية محملة بالأسلحة كانت تتجه إلى بلادها في تدهور إضافي للعلاقات بينها وبين النظام السوري، وجاءَ ذلك بعد تعهَّد سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمصادرة أي شحنات أسلحة تمرُّ عبر المياه الإقليمية أو الجو التركيَّين. في أوائل شهر يونيو أعلن المقدم حسين هرموش انشقاقه عن الجيش السوري، وأسَّس أوَّل تنظيم عسكري للمنشقين هو ما أسماه «حركة الضباط الأحرار»، ونفَّذت هذه الحركة عدة عمليات لها خلال اجتياح جبل الزاوية أدت إلى مقتل 120 رجلاً من الأمن. وسبق في 29 تموز/ يوليو أن وُلدَ تنظيمٌ ثانٍ هو الجيش السوري الحر بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد. لكن لم يَخض الجيش الحر معركة حقيقيَّة حتى 27 أيلول/ سبتمبر عندما اندلعت معركة الرستن وتلبيسة بينه وبين الجيش النظاميّ، واستمرَّت المعركة قرابة أسبوع موقعة 130 قتيلاً و200 جريح من المدنيين والجيش الحر مقابل عشرات القتلى من الجيش السوري. ثم انتهت في 3 تشرين الأول/ أكتوبر عندما أعلن الجيش الحر انسحابه من المدينتين. وقد أدت المعركة إلى تهدم 20 منزلاً في مدينة الرستن نتيجة القصف والاشتباكات، كما أن عدد معتقليها بنهاية المعركة قد بلغ 3.000 معتقل.

شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2011

  في 2 تشرين الأول/ أكتوبر تمكنت جميعُ أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج من الاتحاد معاً أخيراً تحتَ مظلة المجلس الوطني السوري، وذلك بعدَ خلافات وجدالات دامت لشهور قبلَ هذا الإعلان. وفي 4 تشرين الأول أكتوبر بدأ أكبر تحرُّك في مجلس الأمن الدولي منذ بدء الاحتجاجات، حيث حاولت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال التحرك لطرح مشروع قرار يُدين النظام السوري لقمعه الاحتجاجات السلمية ويُطالبه بوقف القمع واحترام حقوق الإنسان وبدء إصلاحات سياسية فورية، لكن روسيا والصين استخدمتا حق الفيتو في وجهه متسبَّتين بإلغاء القرار، وهو ما أثارَ استنكاراً شديداً من طرفي الولايات المتحدة وفرنسا. وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر أيضاً أعلنت السلطات السورية مقتل «سارية أحمد حسون» ابن مفتي سوريا، وذلك بعدَ أن أطلق عليه النار مجهولون في محافظة إدلب،  وفي مطلع شهر أكتوبر، قالت المفوضية العليا في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن إجمالي عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات قد ارتفعَ ليبلغ 2.900 قتيل.

  في 7 تشرين الأول/ أكتوبر اقتحمَ مسلحون مجهولون منزل المعارض السوري الكردي مشعل تمو وأطلقوا عليه النار حتى أردوه قتيلاً، وأحدثَ الاغتيال سخطاً كبيراً في أوساط المعارضة السورية خصوصاً في مناطق الأكراد، حيث وُجهت اتهامات إلى النظام بالوقوف وراء العملية. وفي اليوم التالي لمقتله خرجَ عددٌ من المتظاهرين قدر بـ50.000 شخص في مدن القامشلي وعامودا والدرباسية وعين العرب شمال شرقي سوريا لتشييعه، ورفعوا شعارات مناهضة للنظام، كما أعلنوا إضراباً عاماً في مدنهم احتجاجاً على الاغتيال. وقد اعتبرت الولايات المتحدة الاغتيال تصعيداً من قبل النظام في استهداف رموز المعارضة. وأدى الاغتيال أيضاً إلى قيام محتجين غاضبين من الجالية السورية في الخارج باقتحام السفارات السورية في بريطانيا وألمانيا والنمسا فضلاً عن مقرّ البعثة الدبلوماسية السورية في سويسرا احتجاجاً على الاغتيال.

  في 11 تشرين الأول/ أكتوبر أعلن المجلس الوطني الانتقالي الليبي اعترافه بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، وأغلق السفارة السورية في طرابلس، وبذلك أصبحت ليبيا أوَّل دولة في العالم تعترف رسمياً بالمجلس. في منتصف الشهر اغتيل معارض جديد هو «زياد العبيدي»، الذي قتلَ بعد أن اقتحم مسلحون منزله في دير الزور وأطلقوا عليه النار. وشيَّعه في اليوم التالي 7 آلاف شخص في المدينة وهتفوا ضد النظام، وفتحت قوات الأمن عليهم النار جرَّاء ذلك. كما اجتاحت في اليوم ذاته قوات أمنية تتكون من آلاف الجنود مدينة الزبداني شمال دمشق، ونشرت حواجز أمنية في الشوارع واعتقلت حوالي 100 شخص.

  في اليوم التالي 16 تشرين الأول/ أكتوبر عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً في القاهرة، توصلوا بعده إلى منح مهلة 15 يوماً للنظام السوري لبدء حوار مع المعارضة يَحل الأزمة المتفاقمة في البلاد، كما شكلوا لجنة وزارية هدفها التواصل مع النظام لوقف أعمال العنف في سوريا. في 26 تشرين الأول/ أكتوبر دعا المجلس الوطني السوري إلى إضراب عامٍ في مجمل أنحاء سوريا، وذلك تضامناً مع درعا بعد أن كانت قد بدأت إضراباً في بداية الأسبوع، وفي اليوم التالي لاقى الإضراب نجاحاً كبيراً وفق الهيئة العامة للثورة السورية، خصوصاً في محافظتي حمص وحماة، بالإضافة إلى محافظة درعا حيث دخلَ يومه الثامن.

 شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011

 في 29 تشرين الأول/ أكتوبر بدأ الجيش قصفاً بالرشاشات الثقيلة على حي بابا عمرو في مدينة حمص، وذلك في أعقاب اشتباكات عنيفة دارت بين القوات النظامية والجيش السوري الحر عند دوار الرئيس في حي باب السباع المجاور، حيث دُمر حاجزًا القلعة والفارابي تدميرًا كاملًا خلال عمليات للجيش الحر انتهت بقتل أكثر من 17 عنصر أمن، كما أدت هذه الاشتباكات الليلية إلى تدمير اثنتين من عربات الجيش وإصابة عشرات الجنود. وإثر هذه الأحداث بدأ قصف عنيفٌ بالمدفعية وقاذفات الصواريخ على حي بابا عمرو في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، واستمر القصف أربعة أيام موقعاً أكثر من 100 قتيل، وسطَ حصار الحي ونقص في الغذاء. وقد اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش النظام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حمص خلال الحملة. لكن الجيش النظامي تمكن أخيراً في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر من دخول بابا عمرو، وبذلك انتهت المعركة باستعادته السيطرة على المنطقة التي كانت قد أصبحت معقلاً للمنشقين عن الجيش. وإثرَ هذه الحملة أعلنت الهيئة العامة للثورة السورية 11 تشرين الثاني/ نوفمبر يوماً للإضراب العام في سوريا «تضامناً مع حمص».

  في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر أعلن الجيش السوري الحر عن أوَّل هجوم له على منشأة عسكرية نظامية منذ بدء الاحتجاجات، حيثُ هاجم مقر المخابرات الجوية في بلدة حرستا قربَ دمشق وقذفه بالصواريخ والرشاشات. وافقت الحكومة السورية دون تحفظات في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر على خطة وضعتها جامعة الدول العربية لسحب الجيش من المدن والإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوماً كحد أقصى، وهي خطة كانت قد طرحت منذ نصف شهر للمرة الأولى. لكن عندما جاءَ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر والخطة لم تنفَّذ بعد، اتخذت الجامعة قراراً بأغلبية ساحقة يقضي بتعليق عضويَّة سوريا في الجامعة العربية وإعطائها مهلة ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول لإرسال مراقبين عرب إلى البلاد، وهو ما أثار سخطاً شديداً من جانب الحكومة السورية، وتبعته هجمات واقتحامات لسفارتي قطر والسعودية في دمشق وقنصليتي تركيا وفرنسا في حلب واللاذقية. ثم تمددت المهلة حتى مساء يوم الجمعة 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، ومع إصرار سوريا على عدم التوقيع فرضت عليها عقوبات اقتصادية عربية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر.

شهر كانون الأول/ ديسمبر 2011  

  عقدَ مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جلسة طارئة له في 2 كانون الأول/ ديسمبر لبحث الوضع في سوريا، وفي ختامها أصدرَ بياناً استنكر بشدة أعمال العنف في البلاد التي اعتبر أنها قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ووفق الأمم المتحدة، فقد بلغَ عدد قتلى الاحتجاجات بحلول مطلع ديسمبر حوالي 4.000 قتيل. وبين هؤلاء 734 قتيلاً في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وفقَ الهيئة العامة للثورة التي عدته أكثر أشهر الاحتجاجات دموية. تمدَّدت مهل الجامعة العربية لاحقاً حتى يوم الأحد 5 كانون الأول/ ديسمبر، وفي اليوم التالي 6 كانون الأول/ ديسمبر عثرَ على أكثر من 60 جثة في مدينة حمص لأشخاص توفوا في ظروف غامضة، فيما استمرت عمليَّات خطف متبادلة بين مقاتلي المعارضة والنظام منذ الأحد.

  في 19 كانون الأول/ ديسمبر وافقت الحكومة السورية أخيراً على توقيع المبادرة بعد شهر ونصف من المهل والجدالات، ووصلت طلائع البعثة إلى البلاد في يوم الخميس 22 كانون الأول/ ديسمبر، فيما بلغَ إجمالي عدد المراقبين الذين كان يُفترض قدومهم 150 إلى 200 مراقب. وقد أفادت الهيئة العامة للثورة السورية أن 771 قتيلاً سقطوا في حمص وحدها خلال فترة مهل الجامعة العربية للنظام السوري. كما أن يومي 19 و20 كانون الأول/ ديسمبر (مباشرة بعد توقيع النظام على المبادرة) شهدا وفق المعارضة مجزرتي كنصفرة وكفر عويد في جبل الزاوية بإدلب، حيث حاصرت القوات النظامية في اليوم الأول 72 منشقاً عن الجيش قربَ بلدة كنصفرة وقتلتهم جميعاً، وفي اليوم التالي حاصرت 160 من أهالي قرية كفر عويد والناشطين الفارين منها، وأبادتهم جميعاً بدورهم. وبذلك بلغَت حصيلة ضحايا اليومين في محافظة إدلب قرابة 250 قتيلاً وفق المجلس الوطني السوري.

يوميات سورية داخلية 2011

د.محمد عبدالرحمن عريف

كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button