دراسات سياسية

بذرة الفساد القانوني للعصابة

لانزال نعتقد أن قانون المالية 2016 المشؤوم، كان البذرة المُعلنة لانطلاق المسار الرسمي للاستيلاء على ثروات البلاد، بمظلة قانونية دستورية . وبحمد الله تعالى وفضله فقد، تفاعلت مع الحدث الذي غلت به جنبات البرلمان والشارع نسبيا،وبعض الصحف،  وجعلت حسابي آنئذ في فيس بوك  وقفا للحدث، فكتبت جملة من المقالات، هي :

1-انتفاضة نواب الشعب وقبس الدرب السوي

2-الجزائر في عصمة زمرة (الحداد )

3-المسؤولية الثقافية والإعلامية بمناسبة التحول المرتقب الذي حمل قانون المالية مؤشراته وروحه 

4-الوصفة الأمريكية البائسة لقانون المالية

5-فرك رمّانة أبطالنا القادمين على صهوة قانون المالية

6-معاهد ضرار في جامعات الشعب!

و رحت أطوف بها على الصحافة الوطنية بالعربية طبعا، فأشاحت جميعها عنها الوجوه، تجاهلا، ومراوغة، ممّا رجح لدي أن صحافتنا العربية، بين من تؤثر السلامة، لأن سلطان المفسدين النهابين مستمدّ من المسيطرين على الباب العالي، وبين من همّ منابر إعلامية لهذا النهّاب أو ذاك ، يسبحون بحمده، ويستمطرون بركاته.

و للأمانة فقد نشرت صحيفة ( سبق برس) الإلكترونية بعضها مشكورة، فكانت فاتحة خير للتعامل المتواصل معها إلى اليوم .

ولكنّا اليوم نشهد كيف تحولت بعض تلك الصحف إلى صحف الثورة والحراك ، بمثابة الناطق الرسمي باسمه، بل منها ( وهي ثاني اثنين صحيفتين كبريين في الجزائر بالعربية)، حولت صفحاتها إلى منشورات ثورة الحراك.

وللأمانة التاريخية أسوق في هذا المقال، وثيقتين : الأولى رسالة إلى مدير الصحيفة المذكورة جعلت لها عنوانا (الكساح الإدراكي) .

والوثيقة الثانية : استلهام سياق حدث وطني هامّ، هو وفاة الزعيم الوطني الكبير حسين آيت احمد رحمه الله، استلهاما للتحول المأساوي الذي خطه ذاك القانون المشؤوم في تاريخ البلاد المالي والسياسي .

و في هذا المقام نسأل : كيف يمكننا تقدير الحسّ الاستباقي لصحافتنا الوطنية، للتغيرات الكبرى في مسار شعب ودولة، وما جوهرية صدق الرسالة افعلامية في المسار كله؟

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد مدير تحرير (…….)

السلام عليكم 

لم تعد مسألة النشر على صفحات جريدتكم همّا كبيرا لي ؛ لقد برهنت الصحافة الجزائرية على عمق التحول المؤسف الذي آلت إليه ؛ حين انكفأت على نفسها فيما شبهته أكثر من مرة بـ (قيتو) ؛ فمنعت حق القراء في تنويع الاطلاع على الرأي المنوع و المتناقض والمختلف . وأكتفت بفرض جرعات إخبارية و(تُحيليلات) صحفية تسكبها له بين الفينة والأخرى. ليس المقام مقام بحث عن أسباب هذا التوجه المحير الذي توافقت عليه جُلّ الصحف المكتوبة بالعربية ، مع ما للسؤال من أهمية تضيئ الأجوبة عنه الكثير من الغوامض التي تلف هذا العالم الحيوي في واقع الدول والمجتمعات . والمؤكد أن قدرا كبيرا من تلك الإضاءات لا يسر صحفنا ظهوره للنور والعلن؛ لأنه سيجعل أهمّ مبدأ إعلامي وأخلاقي وهو المصداقية مهتزا لدى الرأي العام بمقادير متفاوتة. 

ألم تكن الصحافة في وقت الحزب الواحد أرحب مجالا خاصة في مجال الرأي تحديدا؟ كانت تفتح صفحاتها للكاتب الكبير المعروف وللكاتب المتدرج الشاب ، تحتضن نتاجه ومقالاته ، وقد تزيد أحيانا فتشجعه بتنويه، لقد كنت تلميذا في مرحلة الثانوي ثم طالبا جامعيا وكانت صفحات الجرائد الوطنية (النصر والشعب ) خصوصا فاتحة صفحاتها لمقالات تلميذ وطالب ، وكان معي في الركب كثير من الأفاضل الذين لو جمعوا مقالاتهم لكونت كتبا عديدة . 

أليس من المعيب أن يكون التراجع مروعا في فسح المجال للرأي على النحو الذي نراه؟ أليس الوقت والمتغيرات والنوازل والقضايا المُثارة في هذه المرحلة من عمر الحضارة الإنسانية أكبر وأعمق وأشد خطرا من العقود الثلاثة الماضية ؟ نعم إن ما شهدته الإنسانية فيها كانت مهادا لنتيجة اليوم ؛ أي التأهب بالإنسانية للدخول في مرحلة حضارية مغايرة لما عرفوا عليه الحضارة الحديثة منذ قرنين ؛ إنها تتجه صوب تغيير جوهر الإنسان وكينونته ، ولا أبالغ إذا قلت تطمح طموحا جنونيا لتغيير شكل وبيولوجيا الإنسان وخواصه المعروفة أي خلق الله. فالعلم في عنفوان غروره أوحى لها مبدئيا بإمكان ذلك . 

في هذا المنقلب الحضاري العاتي يمكننا تصنيف سلوك صحافتنا بالانغلاق دون الرأي بـ (الكساح الإدراكي ) ؟! أجل أراه كذلك : ولا يمكن التخلص منه إلا بمراجعة واعية ومسؤولة لمسلوكها الكسيح؛ فتُحلّ الرأي محله الطبيعي في مسار الصحافة التاريخي ، وتُعنى به كما تعنى بالخبر وغيره من أفانين الصحافة والإعلام . 

و غني عن القول إن مأساتنا الوطنية التي ترتسم معالمها وملامحه الداكنة في الأفق ستتحمل صحافتنا وإعلامنا جزءا كبيرا منه ، أراه لا يقل مسؤولية عن أفعال ( البوليتيكين) ومصاصي المال العام سرقة وفسادا واغتناء حرب ومأساة وطنية .

اللهم أشهد .

 

الدكتور محمد مراح

5\1\2016

 

موت وجنازة آيت أحمد وانعطاف نحو الكبح والعود

الدكتور محمد مراح

أثار موت وجنازة المرحوم آيت أحمد – رحمه الله – ردود فعل وطنية كبيرة متنوعة، وتناولت الكتابات جوانب شتى متعلقة بهذا الحدث الهام في تاريخنا المعاصر ، بما في ذلك محاولات استلهامه لما يمكن أن يفيد مستقبل الوطن . وهنا بدا لي  ملمح  لا أحسب  أحدا تنبّه إليهله مرتبة الملامح الكبرى الجوهرية في المحطات الكبرى في تاريخ ومسار دولة ؛ يتمثل هذا الملمح في أن اللحظات التي يتجه فيها جثمان فقيد الجزائر الكبير لمثواه الأخير ، كان القلم الأنيق الفخيم قد وقّع على تسليم الوطن لأيدي القذارة المالية، معلنا نهاية المراحل التي عاش لها جيل نوفمبر والاستقلال من تطلع لهدفين رئيسين هما: –العدالة الاجتماعية الدولة لديمقراطية الحرة .

فكأن موت آخر كبار النضال السياسي والعسكري جاء معلنا نهاية مرحلتين يعبر عنهما الهدفين المذكروين ، لتلد مرحلة أكلة مال اليتيم، رمز العفونة السياسية والأخلاقية التي تجاوزت رائحتها التي تزكم الأنوف الوطن إلى خارجه؛ فصار الوسم العام للجزائري ممهورا بها، وأصبح المجتمع أقرب ما يكون إلى التوحش ، ومجمع الرذائل الخلقية ، كلّ هذا بفعل الفساد السياسي والمالي والاقتصادي، وبفعل القدوة المنحطة التي أصبح يقدمها المسؤول الجزائري للشعب ، فنلاحظ مؤخرا كيف استوى خطاب السياسيين سلطة ومعارضة بمستوى خطاب الشارع المتهور عديم الأخلاق .فأصبحت بمثابة التشويه المقصود لواحدة من أهم مميزات الجزائري وهي اعتزازه بكرامته ورجولته ، فأريد مسخها إلى رعونة وتهور وسوء خلق ، وهو عمل ذو طابع نفسي خطير، ، يهدف إلى مسخ طباع الشعوب ، وتغيير أهم مكون حضاري فيها وهو المبدأ الأخلاقي .

ألا يمكن أن تكون لفتة الإجماع التي التفت حول جثمان الفقيد محطة استرجاع القيم الوطنية الأصيلة ، والمبادئ التي ضحى لأجلها مليون ونصف مليون من الشهداء ، و ذاق شعب أنواع العذاب والشقاء ، في فترتي الاستعمار ثم الاستقلال ؛ إذ تولى الطابور الخامس مهمة الانتقام من شعب وثورة عظيمتين مرغمتان أنف المستعمر في التراب .

انعطافة لروح وطنية توقف الانحراف السياسي الرهيب الذي يندفع نحو الانبطاح أمام المال الفاسد ، والوقوف أمام أمواج الفساد السياسي العاتية التي هي آخذة في القضاء على أي بارقة أمل لبناء دولة ومجتمع متحضرين . وانعطافة تعيد لريح دماء الشهداء الزكية أن تفوح مجددا في سماء الوطن ، منعشة نفوس وعقول الأجيال الشابة لصنع مستقبل يليق بما وهب الله البلد من عوامل وشروط النهوض .

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى