السعودية: نحو سياسة خارجية هجومية

بقلم ??: بن أحسن أنيس عبدالوهاب (وجهة نظر)

اتسمت السياسة الخارجية السعودية بالدفاع وذلك مع تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد والدفع به إلى واجهة الأحداث، وهو ما يتضح من خلال المواقف التي اتخاذها إزاء القضية الفلسطينية، وللدعاية للإصلاحات التي قام بها في سبيل تعزيز مكانة ودور المرأة السعودية وذلك في إطار ما أسماه تحول السعودية للإسلام المعتدل، وقد عبر عن ذلك من خلال الزيارة المطولة التي قادته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكذا الزيارة التي قادته إلى فرنسا، لكن يبدو أن الملك سلمان يريد لنفسه لقب ملك الحزم والعزم، فمع عودته إلى واجهة الأحداث اتخذ قرار حاسما اتجاه القضية الفلسطينية وموقف حازم اتجاه التدخل الكندي في الشؤون الداخلية للمملكة.

أولا: القضية الفلسطينية: لقد جاء بيان الملك حول القضية الفلسطينية والذي أكد تمسك المملكة بقيام دولة فلسطين على حدود عام 1967م بالموازة مع تعبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداده للحوار مع المسؤولين الإيرانيين من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد. يبدو أن السعودية قد أدركت أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست هي الموازن الخارجي الذي بإمكانه الوقوف إلى جانب المملكة لتحقيق التوازن الإستراتيجي مع إيران في منطقة الشرق الأوسط، وإنما غاية الولايات المتحدة الأمريكية ودافعها الرئيسي في مواقفها المتشددة من إيران تكمن في حماية ودعم المشروع (((الإسرائيلي ))) في المنطقة إضافة إلى حماية مصالحها الاقتصادية، وبالتالي أعادت السعودية استعمال ورقة القضية الفلسطينية للضغط مستقبلا على الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل الحديث الذي كان سائدا حول التوصل إلى صفقة القرن، إضافة إلى الحديث عن وجود علاقات دبلوماسية سرية بين السعودية و (((اسرائيل))) بهدف احتواء النفوذ الإيراني المتنامي وتحقيق التفوق الإستراتيجي في المنطقة من خلال محور واشنطن- الرياض- (((تل أبيب ))).

كذلك جاء الموقف السعودي بالموازة مع الجهود المبذولة من قبل مصر والمبعوث الأممي للوصول إلى تهدئة طويلة المدى بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة التي تقودها حركة حماس المحسوبة على المحور القطري- الإيراني، هذه التهدئة التي تعمل من خلالها (((اسرائيل))) على اختزال دولة فلسطين المستقبلية في قطاع غزة، وهو مشروع ترفضه منظمة التحرير الفلسطينية المدعومة من قبل السعودية، وبالتالي فالسعودية تسعى إلى تحقيق التوازن مع إيران في استعمال ورقة القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يدخل القضية الفلسطينية في إطار التنافس السعودي الايراني وهو ما يجعل فلسطين الخاسر الأكبر، ويخدم مصالح (((اسرائيل ))) التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية قبل عام 2048م.

ثانيا: تأزم العلاقات السعودية – الكندية: لقد ظل الغرب ومنظمات حقوق الإنسان تضغط على السعودية لتعزيز مكانة المرأة السعودية في مختلف الميادين وهو الأمر الذي أثمر بالإصلاحات التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رغم ذلك لا تزال الضغوط مستمرة على المملكة من أجل القيام بالمزيد من الإصلاحات غير أن الأخيرة ترفض لما في ذلك من مساس بالمجتمع السعودي المحافظ، وقد استغلت السعودية موقف كندا إزاء اعتقال السلطات السعودية لبعض الناشطات باتخاذها لموقف حازم لتمرير رسالة مفادها استعداد السعودية تجميد أو قطع مختلف أشكال العلاقات مع أي دولة وشخص من أشخاص المجتمع الدولي يتدخل أو يضغط على السعودية حول هذا الملف وذلك باعتباره شأنا داخليا للملكة العربية السعودية، وقد حاولت الآلة الإعلامية المحسوبة على السعودية إظهار دعم بعض الدول للموقف السعودي على غرار الموقف الروسي الذي في حقيقته هو موقف للاستهلاك الإعلامي لا غير. كذلك تسعى السعودية من خلال الدعاية للمواقف الداعمة لها من خلال موقفها الحازم اتجاه كندا لإبراز أن للسعودية العديد من البدائل التي بإمكان السعودية الاعتماد عليها مستقبلا.

تعتبر السياسة الخارجية السعودية الهجومية للمملكة العربية السعودية التي تبناها مؤخرا الملك سلمان مجرد تكتيكات تقوم على ردود أفعال لها تأثيرات مرحلية وهو ما يرهن نجاحها في تأمين مصالح المملكة، فالسعودية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتبني استراتيجية شاملة مبنية على رؤية استشرافية للحفاظ وتأمين مصالح المملكة خاصة في ظل وجود إيران الفارسية – الصفوية التي لها استراتيجية بعيدة المدى في المنطقة، وكذا وجود (((اسرائيل))) ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية التي لها كذلك استراتيجية بعيدة المدى في المنطقة، والسعودية تعتبر الطرف الأضعف والمستهدف سواء من إيران أو (((اسرائيل ))) مما يتيح إمكانية إسقاط الدور الإقليمي السعودي المتهالك ومن ثم تصفية السعودية وحينها نكون أمام توازن إستراتيجي جديد في المنطقة بين إيران و (((اسرائيل))) خاصة في حال ما إذا أجبرت العقوبات الاقتصادية الأمريكية طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات.
أمسية موفقة بإذن الله.
ب. أنيس عبدالوهاب

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button