دراسات أمنيةدراسات شرق أوسطية

كيف يساهم العدوان الاسرائيلي على غزة بزيادة المد الشيعي حول العالم؟

بقلم: أحلام محمد الظفيري –  خبيرة استراتيجية في الدراسات الأمنية 

شكل السابع من أكتوبر تهديداً جديداً وليس الأول على حياة الفلسطينيين في غزة، وقد يغير المسار الاستراتيجي لبعض دول العالم، حيث أن الاستهداف الإسرائيلي على قطاع غزة المتمثل في منهجية العقاب الجماعي جاءت كردة فعل للفجوات والفشل التي كشفتها حركة حماس في الأنظمة الأمنية الدفاعية الاسرائيلية، نتج عنها تصرف المحتل بأسلوب غوغائي، يثبت تماماً عدم قدرة هذا المحتل الهمجي على رسم استراتيجية جديدة مع دول العالم العربي الإسلامي، الأمر الذي سوف يفشل الجهود التي بذلها هذا الكيان المحتل في سبيل اعتراف الدول العربية والإسلامية بنظامه، وتطبيع العلاقات مع تلك البلدان حتى يسهل عليه الاستمرار في الأراضي المحتلة.

وفي الوقت الذي اكتفت فيه دول العالم العربي والإسلامي بإصدار بيانات الاستنكار والشجب والتنديد بما تمارسه الصهيونية في الأراضي المحتلة فقد سعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الدفاع والمقاومة عن غزة بما تمتلكه من إمكانيات وبوجود دعم خارجي متمثل بالجماعات المسلحة والفصائل الإسلامية التي صنفتها دول الغرب على أنها منظمات وجماعات ارهابيه. إن الدعم الخارجي الا مشروط لحماس بسبب انتمائها لمحور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران، ويمثل تحالف عسكري سياسي غير رسمي مناهض للوجود السياسي الغربي ومعادي للصهيونية في المنطقة، ينتظم فيه كلا من حزب الله في لبنان والنظام السوري، والحوثيين والفصائل الفلسطينية على رأسها حماس. لطالما سعى هذا التحالف إلى كبح جماح الغرب في المنطقة، فقد رأى ما فعله الغرب في كل من فيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها، لذلك يقوم هذا التحالف كذلك على رفض الهيمنة الغربية والتصدي لتدخلاتها في المنطقة، الامر الذي بات أمراً صعباً في الوقت الذي بدأت فيه اتفاقيات التطبيع مستمرة لعديد من دول الخليج العربي.

إن دعم إيران الشيعية اللامحدود لحركة حماس السنية، يستوجب التفكير فيه بشكل عميق، هل هناك أجندات تسعى إيران لتحقيقها في إطار مخططها التوسعي، أم أنها تسعى لنصرة المستضعفين من المسلمين في العالم العربي، وفي الحقيقة إن ما تقوم به إيران من دعمها للقضية الفلسطينية سوف يسهم حتماً في تغيير نظرة المسلمين حول العالم تجاه إيران من جانب ومن المذهب الشيعي من جانب آخر، وبالأخص لدى الشعوب العربية التي ترى أنظمتها الحاكمة بلا تدخل حقيقي في صد العدوان الإسرائيلي على غزة، حتى لم يكن لهم تأثير في السماح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة.

إن ما تقوم به تلك الجماعات وداعميها من دول المنطقة، بالقيام بواجبها العقائدي تجاه المسلمين ومن يعاديهم والدفاع عن حقوقهم، ليس جديداً فالدعوة لوجود تبعية لدولة إسلامية أمر معتاد قبل وجود دول سياسية، ولكن أخذ طابعاً مختلفاً بسبب الضغط الغربي وتكون مجتمع سياسي حديث،  ومن هذا المنطلق استطاع روح الله الخميني أن يجدد السياسة الدينية من خلافة وخليفة إلى أن يصبح الأول في تقلد منصب ولاية الفقيه في إيران بعد انتصار الثورة ١٩٧٩م، ثم خطى على نهجه علي الخامنئي وشغل منصب الولي الفقيه والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، ومن هنا نرى  مظاهر تحكم في أقاليم المشرق الإسلامي سياسيا وحضاريا، في السنوات الأخيرة، رأينا دور التدخل الشيعي بات واضحاً في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، كما أن التوسع الشيعي أصبح قضية أمنية تشكل هاجس لدول المنطقة خوفاً من التمدد الإيراني، لا توجد نسب واضحة ولكن بحسب المخابرات المركزية الامريكية تظهر نسبة الشيعة في العراق عام ٢٠٢١ ما يقارب ٤٦-٦٩٪ واليوم وصلت نسبة الشيعة أعلى من ٩٠٪ من سكان دولة العراق ، من جانب آخر نجد أن الأوضاع السياسية التي تعرضت لها العراق كان لها دور في تغيير الخريطة المذهبية، أضف إلى ذلك فشل المعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد، الامر الذي أسهم في توسيع رقعة المد الشيعي صوب السنة من خلال الدعم الإيراني، والأمر ينطبق كذلك على لبنان من خلال شراء الولاءات والدفع بالشيعة إلى مناصب عليا من خلال حزب الله.

يبدو جلياً بأن الأيدلوجية الإيرانية قائمة على تسويق الفكر الشيعي في أوساط الأكثرية السنية. كما أن ثبات الجماعات الشيعية في مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي من خلال حزب الله في البنان، والحوثيين في اليمن، واستمرار دعمها للمقاومة الإسلامية “حماس” يمكن اعتباره بمركز قوه لإيران فهي من تقوم بتوجيه هذه الأحزاب، وتقديم الدعم المالي والعسكري، الامر الذي اكسبها ثقلها الاستراتيجي واستطاعت بذلك أن تحوز على ولاء تلك الأحزاب وخضوعها للقرار السياسي الإيراني، وفي نفس الوقت استطاعت إيران استخدام هذه الجماعات كورقة ضاغطة على الغرب في ملفات عدة.

السؤال هنا هل ستتمكن إيران من خلال محور الممانعة والمقاومة من مواصلة استراتيجيتها في نشر المذهب الشيعي؟ والتي نراها في الوقت الراهن فعالة مع صمت وتبلد قيادة دول العالم العربي والإسلامي والمسلمين حول العالم، خاصة بعد التطورات السياسية الأخيرة في غزة، وانشغال غالبية الدول العربية برفع اقتصادها وزيادة استثماراتها وعلى رأسها دول ذات ثقل إقليمي مثل مصر والمملكة العربية السعودية والتي ينظر لها العالم بأنها الراعية الأولى للإسلام والمسلمين حول العالم، وما هو مصير الدول العربية الإسلامية تجاه استراتيجية الممانعة والمقاومة؟

من خلال المعطيات السابقة لا تكمن الخطورة وراء توسع المد الشيعي بقدر ما أرى بأن الأساس وراء التشيع قد لا يكون مبني على أسس عقائدية بل أسس موجهة لخدمة أغراض سياسية، وقد يخلق فيما بعد صراع عقائدي إيراني سعودي، بعد أن تعي دول المنطقة هذا التمدد الشيعي. فالمملكة العربية السعودية التي لطالما ترأست المشهد الإسلامي لن تسمح بأن تكون إيران هي القوى الإسلامية الرائدة في المنطقة، وهذا ما ترغب به دول القوى الاستعمارية أن تجد ثغرات تنخر بها قوى المسلمين وتأجج صراعاتهم لتعود في كل مرة بأسباب تمكنها من التوغل في بلدانهم، والتذرع بسد الاختلالات الأمنية لضمان تحقيق الاستقرار العالميين، ولكن في الحقيقة هناك رغبة كامنة في نهب ثروات هذه البلدان، والتأكيد الدائم على حاجتها و تبعيتها للنظام العالمي ذو القطب الواحد، والذي تهيمن عليه في كل الأحوال الولايات المتحدة الأمريكية.  

إن استمرار إيران في دعمها لمحور المقاومة والممانعة في الدول العربية من جانب، وتسيد موقف نصرة المستضعفين من المسلمين، وهو واجب عقائدي إنساني علينا كدول إسلامية عربية أن نتسابق عليه، إلا أننا في الوقت ذاته نجد أغلب الأنظمة العربية تتفرج على الساحة السياسية وعدم الانخراط فيها بأي شكل من الأشكال عدا التنديد، مما سوف يساهم في زيادة القاعدة الجماهيرية من الشعوب العربية والإسلامية المؤيدة لسياسة إيران في الشرق الأوسط، سواء في كيفية تعاطيها مع القضية الفلسطينية أو حتى قضايا أخرى. وبهذا سوف تتغير سمعة إيران لدى شعوب المنطقة على أنها دولة راعية للمتطرفين والإرهاب إلى دولة تنصر المستضعفين المسلمين ولا تتخلى عن معتقدات الإسلام والمسلمين بجميع مذاهبهم. في الحقيقة من الممكن أن ترى الأمة الإسلامية في إيران حلماً أو مشروعاً إسلاميا طال انتظاره، وهو تحرير الأقصى وفلسطين، كما تسعى جاهدة من خلال دعمها الغير مشروط لمحور المقاومة والممانعة، الامر الذي من المؤكد سوف يوسع مناصري إيران وأتباع مذهبها الديني حول العالم، ويكسبها قوة ناعمة تتغير من خلاله موازين القوى لصالح إيران.

باختصار، فإن إيران تشق طريقها نحو تغيير الخارطة المذهبية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الدفع بالمد الشيعي، والاستثمار في جماعات المقاومة للاستعمار الغربي في المنطقة، وإن لم تسارع دول ذات ثقل إقليمي في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ومصر إلى رسم خطط وإعداد بدائل للمرحلة المقبلة وفق التغييرات السياسية التي تشهدها المنطقة، فإنها ستواجه متاعب واسعة، وقد تتراجع هذه البلدان إلى الوراء، وتفقد جزءا لا يستهان به من قوتها السياسية ونفوذها الإقليمي ومكانتها المعنوية لصالح إيران في ظل محور المقاومة والممانعة في المنطقة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى