البعد الجيوساسي للسباق حول لقاح الكوفيد

اعداد : حليم بوعمري  – حاصل على الليسانس في العلوم السياسية و العلاقات الدولية – جامعة منتوري بقسنطينة 

ما إن اتسعت رقعة تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19” حتى أصبح اكثر تهديدا على الإنسانية، و صنَّفته منظمة الصحة العالمية “جائحة” في 11 مارس 2020، بعدها دخل العالم حربا صحية مفتوحة يكون فيها اللقاح هو السلاح لاحتواء الجائحة و أداة للردع الوبائي و الحفاظ على الأمن الصحي العالمي.

فدخلت  القوى العالمية في تنافس على قضية اللقاحات المضادة لـ كوفيد 19 من أجل تخليص البشرية من الخطر الوبائي الذي يهددها ، لكن سيطرة المصالح الوطنية على التعددية و التعاون الدولي الذي تدعو إليها منظمة الصحة العالمية، جعل السباق نحو اللقاح موضوعا طبيا و جيوسياسيا في نفس الوقت لأنه أدرج ضمن محددات السیاسة العلیا للدول فقد دفعت قضايا المكانة والتنافس و “القوة الناعمة” القوى العالمية إلى إيجاد ساحة جديدة للتنافس و استعراض التفوق العلمي بدلا من العمل الجماعي.

ولفهم التنافس المحتدم على تطوير اللقاحات لمواجهة الجائحة والتهديدات الغير تقليدية على أمن الدول القومي و كذا العالمي، نبحث في هذه الدراسة إشكالية تفسير التسابق الدولي حول اكتشاف لقاح كوفيد 19؟ و هل تعتبر الوحدات الدولية في حالة تنافس من أجل إيجاد اللقاح ضد كوفيد 19 أم في حالة تعاون؟ و ما هي المكانة الجيوسياسية التي يحتلها لقاح فيروس كوفيد 19 في إطار منظومة العلاقات الدولية؟

  • الأطر النظرية للأمن الصحي في العلاقات الدولية:

أصبح صراع الدول مع فيرس كورونا لحظة انعكاس في مسار العالم ومرحلة مفصلية في التاريخ الحديث،     و تطرح إشكالية الأمن الصحي نتيجة هذا الوباء مرة أخرى دور عامل القوة التكنولوجية وقوة المعرفة في مواجهة التهديدات غير التقليدية التي تمس البيئة والصحة وغيرَهما، بحيث إن هذا العامل يطرح نفسه بشدة في الوقت الراهن كخيار حتمي للبقاء وفرض الذات في إطار منظومة العلاقات الدولية.

لقد تعززت مكانة مفهوم “الأمن الصحي” عندما تم تضمينه في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 1994، وذلك باعتباره أحد أركان مفهوم “الأمن الإنساني” الحديث الاصطلاح في ذلك الوقت، حيث ناقش التقرير حينها ضرورة توسعة وتعميق مفهوم الأمن والانتقال به من الفهم التقليدي القائم على محورية الدولة إلى فهم إنساني أوسع وأعمق يقوم على محورية الناس. وأكد التقرير في حينها على إن وحدة التحليل الأساسية لمفهوم الأمن الإنساني تتمثل في “الناس” عوضا من “الدولة” وذلك في سياق ما يواجهه أمن الأفراد من تحديات خطيرة. وقد ناقش التقرير موضوع الأمن الإنساني الذي يجب توسيعه ليشتمل على التهديدات والمخاطر الكامنة في سبع مجالات، أحدها هو ما بات يعرف بـ الأمن الصحي. وفي ذات السياق، يُشكل الاجتماع التاريخي لمجلس الأمن الدولي في سنة 2000 علامة فارقة في كيفية التعاطي مع الأمراض، حيث أعلن المجلس ولأول مرة في أن فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز بات يشكل تهديدا نابعا من مجال الصحة للاستقرار والأمن. و من ثم فقد جرى تحول في المفاهيم الأمنية لتستوعب التهديدات الصحية جراء الأمراض باعتبارها من بين اهتمامات الأمن الدولي والقومي والإنساني. وانعكس هذا التحول ليترك آثاره في العديد من الدراسات الدولية عموما والدراسات الأمنية على وجه التحديد. ومع ذلك، وعلى الرغم من تزايد الاهتمام الأكاديمي العلمي والسياسي بقضايا الصحة والأمن، فإن مصطلح الأمن الصحي ما يزال يفتقر إلى تعريف مشترك وعام.

فمفهوم الصحة العامة من منظور جديد مرتبط بالأمن الدولي في ظل انتشار أمراض عابرة للحدود، كما الحال في مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز الذي تم تصنيفه ضمن مهددات السلم الدولي، لتنتقل بعدها منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الأمراض بحسب خطورتها على الأمن الصحي العالمي.

و تعّد مبادرة “مؤشر الأمن الصحي العالمي” من أهم المبادرات في هذا الحقل، ولا سيما أنها أُسست بالاشتراك مع مجلس الأمن الدولي ومنظمة الصحة العالمية. ويرى الدكتور عبد العزيز اقزيز اختصاصي علم الوبائيات أن هذه المبادرة خلصت إلى تقييم حدّة الأمراض بحسب ستة محددات رئيسة وهي: منع الظهور، والاكتشاف والإبلاغ دوليًا، ومدى الاستجابة السريعة، وقوة النظام الصحي القائم على بنية تحتية صحية فعالة، والقدرة على الالتزام بالمعايير الدولية، وقدرة الدول على مواجهة التهديدات البيولوجية. ولكن في عام 2019، نحو       60 % من العالم لم يكن ليتمتع بقدرة و جاهزية عالية على احتواء الأمراض.

على الصعيد الدولي، بيّن الدكتور عبد العزيز اقزيز أن الأمن الصحي العالمي يشمل ثلاث ركائز تتضمن النظر في الأمراض السارية والمُعدية والتي تعدّ عابرة للحدود، والنظر في مآلات استخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية، والتركيز على الصراعات الإقليمية وأثرها في الوضع الصحي.

  • النظريات المفسرة للصراع و التعاون حول اكتشاف لقاح كوفيد 19:

أ / رؤية النظرية الواقعية:

مسألة الصراع هي السمة البارزة في النظرية الواقعية إذ أنها تعتبر أن العلاقات بين الدول هي علاقات صدام واختلاف وأن التعاون بين الدول سيزيد من فرص الصراع،  لهذا على الدول عدم الثقة في الوحدات الأخرى، و أن الأفراد يتنافسون على شيء دون أن يدركوا ذلك ودون سعي احدهم لمنع الأخر من الوصول إلى أهدافه، لكنها قد تصبح إلى صراعا عند محاولة احدهم دعم مركزه .

ب / رؤية النظرية الليبرالية:

ترفض الليبرالية ما يقوله أصحاب المدرسة الواقعية من أن العلاقات الدولية مبنية على الصراع والتنافس، فهي مدرسة تؤمن بالسلام حتى أنها ترفض حل الصراع من خلال الحرب وترى أن القانون الدولي هو الإطار المثالي الذي يضبط سلوك الدول، كما يرفض رواد هذه النظرية مقولة الواقعيين أن الدول تسعى فقط لتعظيم قولتها دون مبالاة ومثالهم في ذلك الاتحاد الأوروبي حيث تنازلت الدول عن بعض سلطتها لصالح مؤسسة عليا.

والغاية التي تبحث عنها الدولة هي مصالحها لكن في إطار أخلاقي قانوني، فلا يجوز للدولة أن تقوم بفعل يخالف القانون حتى لو كان ذلك الفعل يحقق لها مصالح خاصة.

أما في ما يخص العلاقات بين الدول يشدد الليبراليون على فرض التعاون عن طريق تهيئة الجو العام، فهم يؤكدون على الأهمية الاقتصادية عكس المنظور الواقعي، و يؤكد التيار الليبرالي في شقه المؤسساتي على إيجاد صيغة لترقية التعاون الدولي من خلال  خلق مؤسسات دولية قائمة على الاعتماد المتبادل.

  • ترسانة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في العالم:

أ / سبوتنيك في:

أعلن الرئيس الروسي بوتين عن تسجيل أول لقاح ضد فيروس كورونا في العالم، وحسب الموقع الإلكتروني الرسمي للقاح إنه تم تسجيله من قبل وزارة الصحة الروسية في 11 أوت 2020، ليصبح أول لقاح مسجّل ضد فيروس كورونا المستجد.

وأطلق على اللقاح اسم “سبوتنيك في”  (Sputnik V) تمجيدا لأول قمر صناعي فضائي سوفياتي أطلق عام 1957 خلال فترة سباق الفضاء الذي كان جزءا هاماً من التنافس الأيديولوجي والتقني والثقافي أثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة.

ب / فايزر-بيونتيك:

من تطوير وإنتاج شركتي بيونتيك الألمانية و فايزر الأمريكية، أعلنت شركة فايزر الأمريكية في18 نوفمبر2020 أن فاعلية اللقاح الذي طورته بالتعاون مع “بيونتيك” الألمانية بلغت 95%.                أصبح لقاح بيونتيك و فايزر المضاد لفيروس كورونا أول لقاح يحصل على مصادقة منظمة الصحة العالمية للاستخدام في حالات الطوارئ منذ بدء تفشي الوباء، وكانت المملكة المتحدة أول دولة أعطت الضوء الأخضر للقاح الأمريكي ـ الألماني بيونتيك و فايزر،  وأطلقت في 08 ديسمبر2020 حملة تلقيح شملت حوالي 950 ألف شخص تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح حتى 27 ديسمبر2020، و أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في 11 ديسمبر2020 ترخيص الاستخدام الطارئ للقاح  فايزر بيونتيك ليصبح أول عقار ينال تصريح الاستخدام في الولايات المتحدة.

ويمثل لقاح فايزر بيونتيك  تحديات لوجستية أكثر تعقيداً، حيث يجب تخزينه في حوالي -70 درجة مئوية ويستمر خمسة أيام فقط في الثلاجة.

ج – مودرنا:

تعمل شركة التكنولوجيا الحيوية  مودرنا الأمريكية، على تطويره وإنتاجه، وأعلنت الشركة أن لقاحها التجريبي للوقاية من كوفيد19 فعال بنسبة 94.5%، أصبح لقاح شركة مودرنا للوقاية من فيروس كورونا الثاني الذي حصل على ترخيص الاستخدام الطارئ من إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية  منذ 18 ديسمبر 2020، بعدما أعلنت الإدارة موافقتها عليه بعد أسبوع من موافقتها على الاستخدام الطارئ للقاح شركة فايزر و بايونتيك، و صادق الاتحاد الأوروبي عبر وكالة الأدوية الأوروبية على استخدام لقاح مودرنا الأمريكي المضاد لفيروس كورونا، في الدول الأعضاء يوم 06 جانفي 2021.

ويمكن تخزين لقاح مودرنا في درجات حرارة -20 درجة مئوية لمدة تصل إلى 6 أشهر، وفي درجات حرارة الثلاجة من 2-8 درجة مئوية لمدة تصل إلى 30 يوماً. و يمكن أيضاً الاحتفاظ به في درجة حرارة الغرفة لمدة تصل إلى 12 ساعة.

د / أكسفورد -أسترازينيكا:

عملت جامعة أكسفورد مع شركة آسترازينيكا البريطانية-السويدية على تطويره وإنتاجه، و صادقت عليه الهيئة المنظمة للأدوية في الهند في 03 جانفي 2021 بعد كل من بريطانيا والأرجنتين، وهو ثاني لقاح ترخص له وكالة تنظيم الأدوية والمنتجات الصحية البريطانية بعد لقاح بيونتيك و فايزر الذي يوزع في بريطانيا منذ 08 ديسمبر 2020.

أعلن المختبر البريطاني في نوفمبر لدى كشف النتائج المرحلية للتجارب السريرية، أن اللقاح فعال بنسبة متوسطة قدرها 70%، في مقابل أكثر من 90% للقاح بيونتيك و فايزر ولقاح موديرنا.

يمكن الاحتفاظ باللقاح الذي يتم توزيعه بالفعل في المملكة المتحدة والذي يعتقد الخبراء أنه من المرجح أن تتم الموافقة عليه من قبل المنظمين الأوروبيين بعد ذلك، في درجات حرارة الثلاجة العادية لمدة 6 أشهر على الأقل، وهو ما يعود بالفائدة على البلدان غير المجهزة للتعامل مع الطلبات الإضافية لتخزين سلسلة التبريد مثل الأرجنتين والسلفادور والهند والمكسيك وبنغلادش وجمهورية الدومينكيان وباكستان والفلبين ونيبال والبرازيل و سريلانكا.

 و/ سينوفارم :

في 31 ديسمبر 2020 وافقت الصين على استخدام لقاح للوقاية من مرض كوفيد 19 طورته وحدة تابعة لشركة سينوفارم التابعة للدولة، أعلنت مختبرات سينوفارم أن لقاحاتها ضد كوفيد19 فعالة بنسبة 79%، وهي نسبة أقل من تلك التي أعلنتها منافستاها الأمريكيتان فايزر و مودرنا.

ومنحت كل من مصر والبحرين والكويت وتركيا والفلبين اللقاح موافقة طوارئ، في حين منحته الإمارات الموافقة النهائي.

ويمكن أن يمنح اللقاح الصيني الأمل للبلدان النامية والفقيرة التي لا تستطيع تحمل تكاليف تخزين اللقاحات الغربية.

ه/ جونسون أند جونسون :

لقاح طورته يانسن للأدوية  ومركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي، حصل على ترخيص إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية للاستعمال الطارئ في نهاية فيفري 2021، ووافقت وكالة الأدوية الأوروبية في              11 مارس 2021 على استخدام لقاح جونسون آند جونسون ذي الجرعة الواحدة ليصبح رابع لقاح يحصل على الضوء الأخضر داخل الاتحاد الأوروبي، و سيصل إلى دول التحاد في شهر أفريل 2021 وتقدر فعالية هذا اللقاح ب 66% بحسب نتائج التجارب السريرية، كما أن تخزين اللقاح أكثر سهولة، إذ يمكن تخزينه في الثلاجة العادية على عكس الظروف شديدة البرودة المطلوبة لبعض اللقاحات الأخرى.

  • الــدوافــع و الاعـــتبارات لإيجـــاد اللقـــاح:

استفادت  المختبرات العلمية على العاملة على  إيجاد لقاح يتيح تطويق فيروس كورونا حول العالم  من الدعم المالي العام الضخم بهدف البحث والتطوير لهذه اللقاحات وكذلك لزيادة القدرات الإنتاجية، بهدف تلبية الاحتياجات الهائلة من الطلب العالمي، ما أوجد ساحة تنافس جديدة مهمة يشهدها العالم برمته ويراقب نتائجها وتطوراتها عن كثب، لأن الانعكاسات لإيجاد لقاح ناجع ضد الفيروس ستكون فورية وتشمل دول العالم بأسره.

حيث يرى باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية بباريس أن هذا التنافس الاستراتيجي له رائحة الحرب الباردة. و حقيقة أن روسيا أطلقت على لقاحها اسم “سبوتنيك” ليست مصادفة إنما تذكر بلحظة إطلاق القمر سبوتنيك، عندما كان الروس قد وضعوا في المدار صاروخهم الخاص في عام 1957، الأمر الذي أثار دهشة الأمريكيين، الذين اعتقدوا للحظة أن الاتحاد السوفييتي خفض تصنيفهم استراتيجيًا.

و تجسدا هذا بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده طورت أول لقاح ضد فيروس كورونا المستجد ، ثارت عاصفة من الانتقادات والتشكيك بهذه الإعلان الروسي، فقد اعتبر وزير الصحة الألماني  ينس شبان إن اللقاح الروسي لم يختبر على نحو كاف، وشكك وزير الصحة الأميركي أليكس عازار في اللقاح الروسي، وقال إنه لم يتم الكشف عن معطيات التجارب الأولى في روسيا، معتبرا أنها غير شفافة، وصرح وزير الصحة الفرنسي اوليفييه فيران بأنه لا يجب الوثوق بهذا اللقاح الروسي.

و انتقل التنافس الدولي للبحث عن تطوير لقاحا مضادا لفيروس كورونا إلى قرصنة و سرقة المعلومات من الباحثين، و اتهم المركز القومي للأمن السيبراني في المملكة المتحدة National Cyber Security  Centre NCSC  مجموعة “كوزي بير  ” Cozy Bears و التي تسمى أيضا “أي بي تي” (29 (APT المرتبطة بجهاز الأمن الفدرالي الروسي وجهاز المخابرات الخارجية، باستهداف المنظمات البريطانية والأميركية والكندية التي تعمل على إيجاد لقاح لمكافحة الجائحة، وكانت السلطات الأميركية قد وجهت في اتهامات مماثلة للصين وقال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي كريس راي في 24 سبتمبر 2020:              “في هذه اللحظة بالذات، تعمل الصين على اختراق مؤسسات الرعاية الصحية الأميركية وشركات الأدوية والمؤسسات الأكاديمية التي تجري أبحاث كوفيد-19 الأساسية“..

ما جعل السباق نحو لقاح كورونا يعيد صياغة التوازن بين القوى العالمية ونفوذها.

أ / الدوافع السياسية:

  • الصين:

تسعى الصين جاهدة لإعادة تعريف نفسها، كقوة تكنولوجية عظمى سيطرة على الوباء وبدأت تتعافي منه اقتصاديا، في وقت تواجه الولايات المتحدة صعوبات في احتوائه، وتغيير رواية أن سوقا لبيع الحيوانات البرية الحية كأغذية في مدينة ووهان كان المركز المحتمل لانتشار الوباء، لأن الصين تدرك مدى الضرر الذي ألحقه فيروس كورونا بسمعتها، وتريد الاستفادة من نشر لقاحها لتجاوز انتقادات الخارج بمحاولة إخفاء مسألة انتشار الفيروس، لأن نجاح اللقاح و تمكين شعوب العالم منه قد يساعد الناس على نسيان تعامل بكين مع الوباء عند ظهوره أول مرة.

وتهدف الصين إلى توسيع نطاق «طريق الحرير الصحي»، والذي يشكل جزءاً من «مبادرة الحزام والطريق»  في جميع أنحاء العالم النامي وهو استثمار ضخم في البنية التحتية في أكثر من 100 دولة تأمل من خلاله إلى زيادة حجم التجارة الخارجية للصين في التجارة العالمية.

و تستخدم الصين إغراء اللقاحات لأغراض إستراتيجية أكثر واقعية  بالفعل لتعزيز سياستها الخارجية فيما أصبح يعرف بـ “دبلوماسية اللقاحات”.

حيث أن الصين تسعى عبر اللقاح لكسب ود الدول الإسلامية ما يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الانتقادات الدولية فيما يخص اضطهاد أقلية الأيغور المسلمة. وقدم القادة الصينيون عروضاً مماثلة لدول في إفريقيا، وأميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهي مناطق سعت فيها بكين لتوسيع نفوذها.

وقال الرئيس الصيني في اجتماع للقادة الأفارقة في جوان 2020: « نتعهد أنه بمجرد اكتمال تطوير لقاح في الصين، ستكون الدول الأفريقية من بين أول المستفيدين». ووعد وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن الصين ستقدم قروضاً بقيمة مليار دولار لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي للحصول على لقاح كوفيد 19.

و أيضا وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه أمام جمعية الصحة العالمية 18 ماي 2020  أن بلاده ستتعامل مع لقاحاتها باعتبارها منفعة عامة عالمية و ليس حكرا صينيا. هذا يعطي إشارة قوية على صعود الصين كقائد علمي في نظام عالمي جديد، خلال مرحلة ما بعد الوباء بحيث تمكنت بكين من الاستفادة الكاملة من الأزمة الصحية من خلال ملء الفراغ الذي تركه الغرب خاصة في البلدان النامية.

  • الولايات المتحدة الامريكية:

استعمل ترامب الرئيس الأمريكي المنتهية عهدته لقاح كوفيد 19 من اجل حملته الانتخابية  و وعد بتلقيح الأمريكيين أولا باعتبار أن البلاد أضحت البؤرة الأكبر عالمياً لتفشي مرض كوفيد 19، حيث عرض الرئيس ترامب على شركة كيورفاك CureVac الألمانية التي اقتربت من إيجاد لقاح لفيروس كورونا مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية بهدف ضمان اللقاح لبلاده أولا.

دخلت لقاحات فيروس كورونا على خط حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 16 سبتمبر2020 أن أكبر اقتصاد في العالم سيحصل على اللقاح في أكتوبر 2020 وسيتم توزيعه على نطاق واسع على السكان، وأصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مرسوما يعطي الأولوية لتلقيح المواطنين الأميركيين قبل تصديره اللقاح للدول الأخرى.

بينما حدد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن هدفا بإعطاء الأمريكيين 100 مليون جرعة تطعيم ضد فيروس كورونا في المئة يوم الأولى له في السلطة، وهو جزء أساسي في خطته لمكافحة الجائحة.

و قد وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب دبلوماسياً، ذلك أنها لن تجني الكثير من المكاسب الجيوسياسية بإعلائها للمصلحة القومية فقط و تجاهلها للتعاون الدولي في مكافحة الجائحة، بالنظر إلى أن ترامب قد تبنى صراحة نهج إفقار الدول الأخرى فيما يتعلق بفيروس كوفيد 19، وهذا سيكلف واشنطن ثمناً جيوسياسياً إذ لم تظهر أن بمقدورها تحفيز العمل الجماعي، من أجل مواجهة التحدي الأكثر إلحاحا في العالم.

لكن رغم أن حكومة الولايات المتحدة بدافع التوجهات القومية المتشددة التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب في مجال اللقاحات تجاهلت في الغالب الجهود المتعددة الأطراف لتأمين وتوزيع اللقاحات على مستوى العالم، فهذا لا يعني أن واشنطن غائبة تماماً عن هذه المساعي وقد وافقت الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها على توفير بعض مليارات الجرعات من اللقاح، التي ستكون ضرورية لحماية السكان في جميع أنحاء العالم، علاوة على ذلك تساعد المؤسسات الخيرية الأميركية وعلى رأسها «مؤسسة جيتس»، في تمويل هذا الجهد.

  • روسيا:

إعلان الرئيس بوتين عن اللقاح المضاد لـفيروس كورونا هو جزء من رغبته في عودة روسيا إلى مركز الاهتمام الدولي من خلال المعركة العلمية والسياسية حول فيروس كورونا التي تدور بشكل رئيسي بين الولايات المتحدة والصين.

و أراد  فلاديمير بوتين إثبات أن روسيا تظل دولة مهمة من حيث القوة العلمية في العالم ،فكانت رسالته موجهة إلى العالم، ولكن أيضًا استهدف الداخل الروسي في سباق اللقاحات و هذا لأهمية تقوية العنصر القومي الروسي بإظهار أن العلماء الروس هم الأفضل في العالم و يمكن الوثوق فيهم بإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا امن و فعال لدرجة أن النخب السياسية في روسيا لم تترد في التطعيم به، ما جعل العالم الغربي يضع روسيا في سجل الانتقاد و اعتبرها بروبغاندا دعائية روسية اكثر منها اكتشافا علميا.

كذلك استعملت موسكو لقاح سبوتنيك ضمن أدوات سياستها الخارجية في إبراز قوتها على المسرح العالمي و إعادة روسيا إلى مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي ومن بينها دول قارة إفريقيا التي كانت تحكمها حكومات اشتراكية وشيوعية ، فقدمت روسيا 300 مليون جرعة من لقاح سبوتنيك للدول الأفريقية واقترحت حزمة تمويل الحصول على اللقاحات في قارة أفريقيا بقيادة الاتحاد الأفريقي.

و يكمن التحدي في ترسيخ مكانة روسيا كقوة علمية وتكنولوجية رائدة في العالم، بجانب الصين و الولايات المتحدة. ولكن إذا نجح اللقاح الروسي سوف يكون لحظة فارقة شبيهة بما حدث سنة 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفياتي ” سبوتنيك 1” ليصبح أول قمر صناعي يدور حول الأرض، حينها كان الاتحاد الروسي خلف الولايات المتحدة في مجال تكنولوجيا الفضاء، لكن إطلاق القمر الروسي نجح في  إدخال الشك للأمريكيين وخلق شعورا أن بلدهم تخلفت في سباق الفضاء، و كانت الصدمة كبيرة في الولايات المتحدة حتى تحدثت وقتها جريدة نيويورك تايمز عن ”بيرل هاربر تكنولوجي” و أقنعت ” ليلة سبوتنيك” العالم بأن الاتحاد السوفياتي تقدم إلى خطوة أمام الولايات المتحدة، وهذا ما يحدث بالضبط  حول السباق نحو اللقاح ضد الكوفيد 19

  • الاتحاد الأوروبي:

شكل إعلان معهد باستور و شركة  سانوفي في فرنسا تخليهما عن العمل على مشروع لقاح ضد فيروس كورونا بعد أن أظهرت الاختبارات الأولى أن فعاليته أقل من المتوقع من فعالية اللقاحات الأخرى المستخدمة ضد الوباء، فشلا علميا في إحدى اكثر دول العالم ريادة في البحث العلمي، و أبانت دول الاتحاد الأوروبي في مجملها محدوديتها أمام القوى العظمى المتنافسة حول لاكتشاف المصل المنتظر.

فبدت دول الاتحاد الأوروبي خلف القوى العالمية الكبرى مثل الصين، الولايات المتحدة و روسيا في السباق نحو اكتشاف لقاح مضاد لفيروس كورونا، هذا التراجع استغلته الصين بإبرام عقود  لتسويق اللقاح الصيني في دول أوروبية مثل صربيا و المجر من أجل خلق روابط إستراتيجية مرتبطة بمشروعها طريق الحرير في جزءه الأوروبي.

و من اجل التصدي لدبلوماسية اللقاح الروسية و الصينية، يعزم البرلمان الأوروبي  مساعدة دول الاتحاد و الدول المجاورة له في تحقيق الاكتفاء من اللقاح بتخصيص ميزانية 580 مليون يورو  لوقف تمدد القوى العظمى داخل الاتحاد.

ب / المنافع الاقتصادية:

إتاحة اللقاحات على الصعيد العالمي يشكل ضرورة إنسانية حيث أنه سيحدّ من الخسائر الفادحة في الأرواح وسيساعد على السيطرة على الجائحة إذا أن أجزاء كبيرة من العالم لا تزال ترزح تحت وطأة الوباء. كما أنها أيضا ضرورة اقتصادية مهمة، لأن التطعيم الشامل سيجنّب الاقتصاد العالمي الركود ويدفع اتجاه الانتعاش الاقتصادي المرجو. إضافة لذلك ينطوي الأمر على ضرورة اقتصادية كبيرة، لأن من يحقق الصدارة في السباق للوصول إلى اللقاح سيمكن شركات تصنيع الأدوية من كسب مليارات الدولارات من بيع لقاحاتها، و هذا ما دفع بالفعل العديد من الدول الغربية إلى الاستثمار بكثافة في الطلبات المسبقة من أجل الحصول على كمية الجرعات اللازمة للجميع، فأخذت الدول الغنية زمام المبادرة لإنتاج اللقاح مستغلين ميزتهم الاقتصادية و العلمية من أجل ذلك.

ســوق اللـقــاح :

في حين أن معظم التقارير المتعلقة بلقاحات كوفيد 19 قد ركزت بشكل كبير على نسب فعاليتها، لكن التكلفة تبقى عامل مثبط من أجل تحصين العالم ضد فيروس كورونا والمساعدة على العودة إلى الحياة الطبيعية. و استخدمت العديد من الدول أموال دافعي الضرائب لشراء جرعات بالجملة بنية توزيع اللقاحات على مواطنيها مجاناً. بيد أن هذا ليس خياراً متاحاً لكل الدول بسبب المنافسة و بالنظر إلى حجم الرهانات المالية و الاقتصادية التي يكلفها اقتناء اللقاح، لهذا يتوقع أن تلعب اللقاحات الأرخص دورًا حاسمًا في إنهاء الوباء في المناطق الفقيرة و  النائية من العالم.

وهذا الجدول يرصد أسعار أقرب 6 لقاحات لفيروس كورونا يجري تطويرها وتوزيعها حول العالم:

 

اسم اللقاح

 

بلد الإنتاج

سعر الجرعة الواحدة الجرعات اللازمة
مودرنا الولايات المتحدة الامريكية 37 € 2
سينوفارم الصين 30 € 2
فايزر بيونتيك الولايات المتحدة الامريكية و ألمانيا 20 € 2
سبوتنيك في روسيا 10 € 2
جونسون اند جونسون الولايات المتحدة الامريكية 10 € 1
استرا زينيكا بريطانيا و السويد 04 € 2

المصدر (Statista)  : ستاتيستا  شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، تحديث 01 ديسمبر 2020

  • التسابق على الشراء:

بعد منح التراخيص النهائية للقاحات التي أعلنت نجاح تجاربها السريرية، و طرحها في السوق العالمي، تم حجز تقريبا 10 مليارات جرعة حول العالم حسب معطيات مركز الإحصاءات التابع لجامعة ديوك الامريكية، و العديد من الدول الغنية قدمت بالفعل طلبيات كبيرة للقاحات لاعتبار سيادة المصلحة الوطنية، إضافة إلى تأمينها لحوالي مليار جرعة لقاح في إطار مبادرة منظمة الصحة العالمية كوفاكس من أجل مساعدة الدول الفقيرة، هذا حسب الجدول التالي:

 

الدول

 

طلبات الشراء المؤكدة / جرعة

 

طلبات الشراء قيض التفاوض / جرعة

الاتحاد الأوروبي 1.835.000.000 990.000.000
الولايات المتحدة الامريكية 1.210.000.000 1.300.000.000
الهند 205.500.000 904.500.000
الاتحاد الإفريقي 670.000.000 300.000.000
البرازيل 370.000.000 208.000.000
بريطانيا 457.000.000 112.000.000
كندا 314.000.000 88.000.000
اليابان 314.000.000 /
اندونيسيا 240.500.000 55.000.000
تركيا 104.500.000 30.000.000
كوفاكس 1.120.000.000 2.000.000.000

المصدر: مركز ابتكار الصحة العالمي في جامعة ديوك  (Duke University)‏  لأمريكية، تحديث 19 مارس 2021

و هذا جدول يرصد توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا حول العالم، التوزيع  ينطوي على محددات التكلفة، النقل التبريد و التخزين و أيضا التحالفات السياسية:

 

اسم اللقاح

 

عدد الدول التي يستعمل فيها

موديرنا 34
سينوفارم 21
فايزر بيونتيك 80
سبوتنيك في 20
جونسون اند جونسون 20
استرا زينيكا 92

 المصدر   : نيويورك تايمز، أين يستخدم كل لقاح؟، تحديث 27 مارس 2021

كوفاكس تجاوز النزعة الفردية من أجل تفعيل مبدأ التضامن الدولي:

  • انعكاس الفردانية:

بدأت بريطانيا في 08 ديسمبر 2020 إعطاء لقاح فايزر بيونتيك المضاد لفيروس كورونا للأشخاص الأكثر ضعفاً، لتصبح بذلك أول دولة غربية تنشر برنامج تلقيح واسع النطاق، و بنهاية جانفي 2021 كانت قد  أعطيت أكثر من 51 مليون جرعة من اللقاحات المضادة  لكورونا المستجد في كل أنحاء العالم،. و تصدر الكيان الصهيوني سباق التلقيح من حيث النسبة المئوية للسكان الذين تلقوا اللقاح إذ تلقى اللقاح أكثر من ربع مواطنيها أو ما يعادل 2,43 مليون شخص.

استحوذت الدول الغنية في أوروبا وأميركا الشمالية والخليج والصين على معظم اللقاحات حتى الآن. واستخدم 11 بلدا فقط من أصل 61 من الدول التي بدأت حملات التطعيم، 90 %من الجرعات المعطاة.

و أفادت هيئة مراقبة اللقاحات الدولية ‘People’s Vaccine Alliance’ أنّ الدول الغنية جمعت ما يكفي من جرعات لقاح فيروس كورونا لتلقيح سكّانها ثلاث مرات، بينما الدول الفقيرة تتخلف عن ركب الحصول على اللقاحات المضادّة للفيروس.

ووفقاً لمنظمة تحالف لقاح الشعب، 67 دولة فقيرة لن تتمكن من تلقيح سوى شخص واحد من كل                10 أشخاص العام المقبل. في المقابل خزّنت الدول الغنية فائضاً من اللقاحات لضمان حماية شعبها من الفيروس، ونتيجة لهذا التسابق تمتلك نسبة 14 % فقط من سكان العالم أكثر من نصف جرعات اللقاحات ، وأضافت أنّ نسبة 96% من جرعات لقاح فايزر بيونتيك اشترتها الدول الغنية، وكذلك الأمر مع لقاح مودرنا الذي أظهرت تجاربه نسبة عالية من الفاعلية، إذ تصدّرت كندا القائمة بشرائها جرعات تكفي لتلقيح كلّ من مواطنيها خمس مرات.

لهذا ناشد رئيس جنوب إفريقيا ”سيريل رامابوسا” الدول الغنية على الكف عن تخزين المزيد من لقاحات كورونا التي طلبتها ولكنها لا تحتاجها على الفور وقال: “الدول الغنية في العالم اشترت كميات كبيرة من اللقاحات.. حتى أن بعض الدول اشترت أربعة أمثال ما تحتاجه شعوبها.. مما يؤدي إلى استبعاد دول أخرى.. لن ننعم جميعا بالأمان إذا تمكنت دولة من تطعيم سكانها ولم تتمكن دولة أخرى من ذلك“.

وأضاف: “الدول الإفريقية تريد أن تكون لديها القدرة على الوصول إلى اللقاحات بنفس السرعة التي لدى دول أخرى“.

و يمثل التنافس بين الدول للحصول على شحنات من اللقاحات عبر العالم جوهر ارتكاز النظرية الواقعية  حيث تراجع مفهوم التضامن الدولي والمسئولية الجماعية والعمل لمشترك، والذي من المفترض أن يكون الأساس لمواجهة جائحة عالمية تهدد السلم والأمن الدوليين، لصالح مفهوم الأنانية الدولية خاصة من جانب الدول الكبرى.

  • العمل التضامني استمرار للتعاون الدولي:

فيروس كورونا الذي أضحى يشكل خطورة كبيرة على دول العالم، أَثَارَ وعي الدول الغربية بحدود سياساتها الفردية، والذي أصبح معه إلزامية تضامن الدول من اجل القضاء على الفيروس بشكل جماعي، فتحولت الدول الغربية تدريجياً إلى تعاون أكبر، لا سيما من خلال برنامج كوفاكس و هو آلية دولية أطلقته منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية وفرنسا في أفريل 2020 صدا لهذا الوباء. فالجمع بين الحكومات والمنظمات الصحية العالمية والمصنعين والعلماء والقطاع الخاص والمجتمع المدني والعمل الخيري، بهدف توفير وصول مبتكر ومنصف إلى تشخيصات وعلاجات ولقاحات كوفيد 19.                    

مبادرة  كوفاكس تعتبر الحل العالمي الحقيقي الوحيد لمواجهة هذا لهذا الوباء لأنه الجهد الوحيد لضمان حصول الناس في جميع أنحاء العالم على لقاحات المضادة لفيروس كورونا 19 بمجرد توفرها، بغض النظر عن ثرواتهم، ويهدف برنامج كوفاكس من خلال العمل كمنصة تدعم البحث والتطوير وتصنيع مجموعة واسعة من لقاحات كوفيد 19 المرشحة، والتفاوض بشأن أسعارها لتتمتع جميع البلدان المشاركة بغض النظر عن مستويات الدخل بها بفرص متساوية للحصول على هذه اللقاحات بمجرد تطويرها. والهدف الأولي هو توفير ملياري جرعة بحلول نهاية عام 2021، وبالتالي  فإن الهدف الرئيسي للبرنامج هو توفير اللقاح كأولوية للبلدان التي لا تستطيع شراء اللقاح.

نشرت آلية كوكافس المعنية بتوزيع عادل للقاحات ضد فيروس كورونا وخصوصا على الدول الفقيرة قائمة البلدان الأولى التي ستتلقى اللقاحات والكمية التي ستحصل عليها في النصف الأول من العام 2021.

و بدأ بالفعل توريد الجرعات في إطار جولة من عمليات التخصيص، إذ تلقت الهند وغانا وكوت ديفوار جرعات من لقاح معهد الأمصال في الهند. وبدأت غانا وكوت ديفوار حملات التطعيم باستخدام هذه الجرعات.

وحددت كوفاكس التي تديرها منظمة الصحة العالمية وتحالف “غافي” للقاحات، إحدى المنظمات التي تعمل على ضمان إمداد الدول الفقيرة هدفا يقضي بتوزيع جرعات تكفي لتلقيح 20% من سكان الدول المشاركة بحلول نهاية 2021.

و في إطار تعزيز التعاون الدولي أعطى الرئيس الجزائري تعليماته باقتسام جزء من لقاحات كورونا التي اقتنتها الجزائر مع تونس فور تسلمها للدفعة التي ستصلها استجابة  للطلب التونسي و التزاما من قبل الجزائر بمقتضيات الأخوة القائمة بين البلدين و تعبيرا على متانة العلاقات القائمة بين تونس والجزائر.

فسواء كانت المصالح الإستراتيجية في تحقيق الحصانة العالمية أو قرارًا تعاونيا بيد دول العالم، تبقى الدوافع الدولية الكامنة وراء هذا التعاون ترتكز على المقاربة  الليبرالية التي تتجه إلى تبني فكرة المواطنة العالمية وتقاسم المصير المشترك للبشر، وأن غياب السلطة المركزية لا يعني الصراع، وهو الموقف الواجب اتخاذه لمواجهة فيروس كورونا،  وأظهرت مبادرة كوفاكس أن التعاون الدولي ممكن حتى عندما يتعلق الأمر بتوزيع الموارد النادرة والمطلوبة.

عكس التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية، الصين وروسيا حول إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا الذي أضحى يشكل خطورة كبيرة على دول العالم، إدراك قادة وحكومات القوى العالمية الكبرى على أهمية مسألة الإسراع في إنتاج لقاح فعال ضد الفيروس باعتباره انجازا جيوسياسيا يعود عليها بالمواقع الرمزية و المزايا الاقتصادية، فسرع عملية التنافس المستمر بين القوى الكبرى لصدارة سباق القوة العالمي، لكن تكاتف جهود المجتمع الدولي من تعاضد وتعاون وتبادل للمعلومات على نطاق عالمي غير مسبوق من أجل إنقاذ البشرية و الدفاع عن الإنسانية ساعد في تفعيل التضامن الدولي من اجل القضاء على الفيروس بشكل جماعي لا سيما من خلال برنامج كوفاكس.

إذن في قضية الصراع على اللقاح المضاد لفيروس كورونا يوجد تنافس و تعاون في نفس الوقت ، تعاون على المستوى العلمي و الإنساني و تنافس على المستوى الاستراتيجي، و بما أن الأزمات التاريخية الكبرى غالبًا ما تكون مصدرًا لتحديات كبرى وتحولات سياسية كبرى، فلنأمل أن يتعلم المجتمع الدولي درسًا من حيث قدرته على التعاون في مواجهة القضايا العالمية المعاصرة مثل التهديدات البيئية مثلا.

المراجع:

– مفهوم الأمن الصحي الدولي وتطبيقاته في العالم العربي/ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28 جوان 2020

–          حسين باسم عبد الأمير، تطور مفهوم “الأمن الصحي” وأثره في الدراسات الأمنية المعاصر/مركز الدراسات الإستراتيجية، 02 ماي 2020.

–          ستيفن والت، العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة/ ترجمة عادل زقاغ  و زيدان زياني.

–          د. أسامة أبو الرُّب ، الفروق بين لقاحات كورونا في جدول واحد/ الجزيرة نت،30 جانفي 2021

–          زينب الملاح، كل ما تود معرفته عن لقاحات فيروس كوفيد-19 الموعودة/ نون بوست، 25 نوفمبر 2020

–          رشيد سعيد قرني ، سباق جيوسياسي نحو إيجاد لقاح لكوفيد-19.. المصالح على حساب السلامة/ يورونيوز عربية، 03 أوت 2020

–   الأهرام اليومي / كورونا والعلاقات الدولية، 15 أفريل 2020

–  يورنيوز / بعد توزيع 51 مليون جرعة… تعرف على الدول التي استحوذت على لقاحات كورونا لحد الآن،  21 جانفي 2021. –       كيم سينغوبتا، “كوزي بير” مجموعة القراصنة الروس التي تحاول سرقة لقاح كورونا / إندبندنت عربية، 17 جويلية 2020.

– منظمة الصحة العالمية / مرفق كوفاكس ينشر قائمة جولة التخصيص الأولى للقاحات، 02 مارس 2.021

–  Niall McCarthy,The Cost Per Jab Of Covid-19 Vaccine Candidates/ Statista , Dec 1, 2020.

– Tristan Gaudiaut, Commandes de vaccins: qui fait le plus de stocks ? / Statista, Dec 1, 2020.

      –  Kristie Pladson, THE COVID-19 vaccines : Where do they from ? Where will they go? /Deutsche Welle, Jan, 01, 2021.

– Romain BRUNET, Le vaccin anti-Covid au cœur des stratégies géopolitiques / France 24, 29 Jan 2021

– Hal Brands, Vaccine Diplomacy Is the New Space Race /Bloomberg, Nov 17, 2020.

-Anne Bucher, Production des vaccins: quels enseignements tirer de l’expérience COVID ? /Terra Nova; 22 Jan 2021

Claude LeblancLa diplomatie vaccinale de la Chine, de l’Inde et de la Russie font mal à l’occident

/ L’Opinion, 07 Février 2021.

– Oleg Boldyrev, Sputnik V de la Russie: du scepticisme à la diplomatie du vaccin /BBC News Afrique,11 février

2021

– Marc Thibodeau, Une guerre d’influence planétaire par vaccins interposés/ La presse, 20 février 2021.

– France 24 / Coronavirus : un éventuel vaccin chinois sera “un bien public mondial” assure Xi Jinping,

18 Mai 2020

– Gordon Corera, Coronavirus: Hackers targeted Covid vaccine supply ‘cold chain/ BBC News, Dec 03 2020

–  Josh Holder, Tracking Coronavirus Vaccinations Around the World / The New York Times.

– The Launch and Scale Speedometer / Tracking covid-19 vaccine purchases across the globe.

–  Rob Picheta, Rich countries are hoarding Covid-19 vaccines and leaving the developing world behind, People’s

Vaccine Alliance warns / CNN, Dec 09 2020.

– Alexander Winning, Stop hoarding COVID-19 vaccines, South Africa’s Ramaphosa tells rich nations /Reuters, Jan, 26 2021.

– Anna Lafforgue, Programme COVAX : une lueur d’espoir pour la coopération internationale / The McGill

International Review, 18 Mars 2021.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button