التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا وتداعياته

تشهد منطقة المتوسط الكثير من الحروب والنزاعات الإقليمية، راجع ذلك لتشكيلتها الاجتماعية والتدخلات الدولية وهو ما أنتج عدم تمكن دول المنطقة من بناء أمن إقليمي مستند على مصالحها الوطنية وضمان مستقبل مكوناتها الاجتماعية، انعكس ذلك وبشكل كبير على أمن واستقرار المنطقة، هذه التحديات مثلت بالنسبة للحلف الأطلسي امتحانا صعبا جراء الأخطار والعمليات المعقدة لها، وعليه يطرح الحلف الأطلسي مقاربة شاملة* للتدخل في حل النزاعات، خاصة في ضل التحولات التي تشهدها المنطقة على جميع المستويات، وعليه سيتم في هذا المبحث مناقشة مختلف التهديدات الإقليمية التي شكلت تحديا لتطور عملية استتباب السلم والأمن في منطقة المتوسط، من حيث البحث في أسبابها واقعها وتداعياتها الإقليمية والدولية

المرجعية الإقليمية للتدخل في ليبيا، تمثلت أساسا في قرار الجامعة العربية ومشاركة دول خليجية،مثل قطر، الإمارات العربية، الكويت في عمليات الحلف الأطلسي، أما بالنسبة لمواقف الدول المغاربية فنجدها تباينت فيما يخص قرار التدخل العسكري ، لما يمكن أن ينجر عن ذلك من انعكاسات سواء على العلاقات البينية أو على العلاقات التي تربط الحلف مع الدول المغاربية، خاصة وأن أغلب دول المنطقة، منظمة في اتفاقية الحوار الأطلسي المتوسطي، ماعدا ليبيا التي بقيت خارجة عن نطاق الحوار، بسبب التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية واعتبار ليبيا دولة تشكل تهديد من حيث إمكانية امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، رغم توقيف برنامجها في بداية تكوينه، لكن الآراء المتقلبة للعقيد لقذافي وأسباب أخرى تركت ليبيا خارج نطاق عمل الحلف مع دول المتوسط

تدخل الحلف الأطلسي في أزمة ليبيا، يعد انتهاء لمفهوم الأمن على أساس جغرافي،لصالح مستوى أوسع وصل لحد احتواء النظام الإقليمي العربي والإفريقي، على خلفية المصالح الجيو إستراتيجية للقوى المهيمنة على مسار السياسة الدولية بما يتماشى والأهداف الإستراتيجية المسطرة، أزمة ليبيا قد تصل تأثيراتها لسوريا، خاصة بعد التقرير الذي أعده الخبير “ريك زوفيك” الخبير في شؤون الحلف، في 15نوفمبر 2011، حول طبيعة أهمية تأثير العامل السوري على معادلة التفوق الإستراتيجي العسكري العالمي، بالنسبة للبلدان الغربية والحلف الأطلسي، أين طرحت فيه مجموعة من النقاط التي يمكن أن تتجها في مسارها المنطقة العربية، تضمنت تعليق الجامعة العربية لعضوية سوريا في 12نوفمبر 2011، وإمكانية الدخول في ترتيبات أمنية خطيرة تقوم على أساس بناء تحالفات، ذات صلة وطيدة مع الغرب، ضد جهات أخرى رافضة للأوضاع التي تتجه نحوها المنطقة

دخول قوة عسكرية بحجم الحلف الأطلسي، في المنطقة العربية والإفريقية يعد تهديدا للأمن القومي العربي، تحت تسمية المهام الأمنية الجديدة للحلف الأطلسي خارج حدوده الجغرافية، وهو ما يثبت فقدان الجامعة العربية كنظام إقليمي القدرة على التدخل في حل وإدارة الأزمات التي تشهدها المنطقة، وهو ما فتح أمام الحلف الأطلسي إمكانية تدخله في أزمات أخرى خاصة تلك التي ترتبط بالموارد المائية في دول حوض النيل، خاصة وأنه تم الوقوف في تحديد المفهوم الإستراتيجي الجديد للحف عام 2010، على قضايا ندرة المياه والتغير المناخي وازدياد حجم الطلب على موارد الطاقة

في ضل الوجود الأطلسي في المنطقة العربية، فإنه سيكون طرفا أساسيا في الترتيبات الأمنية المستقبلية بها، في ضل انعدام إستراتيجية عربية للتعامل مع الأزمات وهو ما يفسح المجال للتدخل، خاصة في إطار إمكانية رفع سقف الحوار المتوسطي ومبادرة اسطنبول بعد الأحداث التي تشهدها المنطقة، فضلا عن موافقة تركيا على نشر الدرع الصاروخية على أراضيها بحلول سنة 2015، وتأكيد وزير الدفاع التركي أن قاعدة أزمير الجوية التابعة للحلف الأطلسي، سوف تتحول لمركز قيادة للقوات البرية للحلف الأطلسي

وكانت فرنسا هي المحرض الأول على التدخل العسكري الغربي تحت راية الحلف الأطلسي، في ليبيا في عام 2011، مثلما كانت هي أول من وجه أولى الضربات الجوية في 19 مارس 2011، ضد معاقل نظام الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، وهو ما دفع بالكثير إلى اعتبار فرنسا المتسبب الرئيسي في الأزمة التي تعيشها ليبيا وتداعياتها على دول المنطقة

ويرى متابعون أن فرنسا كانت على دراية مسبقة بتداعيات إرباك المشهد في ليبيا، بالنظر إلى خصوصية هذا البلد الذي كان ينام على ملايين القطع من الأسلحة، ومع ذلك لم تستمع إلى الأصوات المحذرة ومن بينها الجزائر، التي كانت تحذر من وصول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، ولا سيما في ظل التداخل الحاصل بين الجماعات الإرهابية ومنظمات الإجرام العابرة للحدود، التي تنشط في مجال ترويج الممنوعات، مثل السلاح والمخدرات.

ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الأزمة التي ضربت شمال مالي في العام 2011، ليست إلا نتيجة من نتائج التدخل العسكري الغربي والفرنسي خاصة في ليبيا، كونه تسبب في تدفق ملايين قطع السلاح الليبي إلى منطقة الساحل، التي تحولت إلى منطقة غير آمنة، ومن ثم مبرر لإقامة قواعد عسكرية فرنسية في عدد من دول المنطقة، مثل مالي والنيجر، بداعي محاربة الإرهاب، ولا تزال هذه القواعد العسكرية الفرنسية موجودة إلى غاية اليوم

تمر الأزمة الليبية بمنعرج حاسم، بعد ارتفاع الأصوات الغربية التي تحذر من خطر تمدد “داعش”، وقرب الإرهاب من حدود أوروبا، ليتم اتخاذ القرار بشن عمليات عسكرية على التنظيم، في معاقله بالأراضي الليبية، في ظل تعفن الوضع السياسي، في هذا البلد بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011، وما ترتب عنه من تداعيات أمنية خطيرة

الدكتور حكيم غريب

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button