الصينوفوبيا

يبدوا أن الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا قد وجدت في نظرية نهاية التاريخ للعالم والفيلسوف السياسي الأمريكي الجنسية الياباني الأصل (فرانسيس فوكوياما) دينا جديدا وكتابا مقدسا لا يجوز المساس به أو نقده أو الخوض في عيوبه ، فأصبح الغرب يعيش حالة من التعالي ولا يقبل من الأديان إلا دينه ومن الحضارات إلا حضارته و الأفكار إلا أفكاره . فكما أن للآلات والأسلحة مصانع تنتج بها فإن للأفكار أيضا مراكز تنتج فيها وتسوق عبر العالم بل وتفرض فرضا . ومن هذا المنطلق عمل الغرب على تشويه كل ما يخالف نموذجه الحضاري وسلوكياته وأفكاره ، كما عمل مع الشيوعية وسماها الخطر الأحمر وإستمر صراعه معها لقرابة 74 سنة ( 1917 /1991 ) حتى أسقطها بسقوط الإتحاد السوفياتي زعيم الكتلة الشرقية ومهد الإيديولوجية الشيوعية ، ثم كان لابد له من عدو وهمي يعطيه مسببات بقائه وسيطرته فاخترع العدو الأخضر ( الإسلام ) ، وبدأت أحداثه مع حرب الخليج الثانية ضد العراق سنة 1991 وبلغت أوجها عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 . فتم تدمير العالم الإسلامي ( أفغانستان ، العراق ، مالي ، الصومال ، اليمن ، سوريا … الخ ) . ثم لما إختفت هذه المسببات أو كادت نظرا لطول وقتها وإنكشاف حقيقتها . ومع صعود القوى العالمية الجديدة روسيا والصين خاصة ، وجدت أمريكا نفسها أمام تصاعد المد الصيني مضطرة للتعامل معه كتهديد مباشر على كينونتها وبقاء تربعها على عرش الريادة العالمية ، فاتهمت الصين بكل شيئ وسخرت مراكز البحث للبحث عن ثغرات وعيوب أو إنتقاد لكل ماهو صيني ولا يستثنى في ذلك أي شيئ .

فأصبح يعاب على الصين التغول ومحاولة إفتراس إفريقيا وكأن الغرب الإستعماري كان حنونا رؤوما على إفريقيا التي ذاقت المرارة من مخلفات الحروب الإستعمارية منذ بدء الثورة الصناعية بأروبا ، وإتهمت الصين بأنها سبب تدهور حقوق الإنسان و التلوث البيئي وإراق الأسواق العالمية بمنتاجاتها وبتطور جيشها و إزدياد نفقاتها العسكرية وأن سيطرتها على العالم مسألة وقت ليس إلا . لسنا هنا في معرض الدفاع عن الصين التي تبقى مثلها مثل بقية دول العالم ترعى مصالحها وتتطلع لمكانة دولية بين شعوب العالم . وقد بدأت أمريكا بتزعم كبح جماح الصين على كافة الأصعدة فبدأ رئيسها الحالي الهجوم على الصين متهما إياها بعرقلة نمو أمريكا و عدم التعاون في عدد من القضايا العالمية . وإستمر هجومه عليها بعد فوزه بالرئاسيات والضغط عليها خصوصا وأن للصين عدة نقاط ضعف تضرب منها مباشرة . ولكن أيضا لها نقاط قوة وإستراتيجيات مواجهة و دفاع فعالة جدا ، فهي أشد شراسة من الإتحاد السوفياتي ومن دول العالم الإسلامي المتخلف إقتصاديا وعسكريا وسياسيا ويكاد يكون تابع بالكلية للغرب ويعتمد في بقائه عليها ، حتى أصبح ترامب يهدد دول الخليج علانية بدفع ملايير الدولارات مقابل حماية العروش والكراسي . والصين لها إرث حضاري يمتد لسبعة ألاف عام وأن مهد وموطن الفلاسفة والحكماء ولها من التعداد البشري وشساعة المساحة وقوة العامل التكنولوجي والعسكري والسياسي والمالي ما يجعلها تقف في وجه أمريكا الند للند .

صحيح أنها لم تبلغ بعد مرحلة موازنة ومعادلة القوة الأمريكية ولكنها أيضا تجاوزت مرحلة الإخضاع والخنوع لإملاءات أمريكا ، خاصة بعد أن وجدت في قوى أخرى حليف وسند قوي لها كاروسيا ودول البريكس وباكستان وعددا من الدول الإقليمية الأخرى الإفريقية منها والأسيوية التي تقف معها ولن تخذلها ، فحتى اليابان وكوريا الجنوبية تدرك تمام الإدراك أن من مصلحتها بقاء الصين قوية من أجل إستهداف أسواقها وجلب إستثماراتها . الفوبيا التي تحملها أمريكا ضد الصين ليست ناتجة سوى من خوفها على منافستها في ريادة العالم خاصة وأن الصين تملك رؤى إستراتيجية طموحة وثابتة لربط الإقتصاد العالمي بإقتصادها عبر مبادرة ( الحزام والطريق ) التي أطلقها الرئيسي الصيني الحالي ( جين بينغ ) سنة 2013 . والتي تهدِّف لإحياء وتطويرطريق الحرير التاريخي، ويشمُل المشروع تشيِيدِ شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والأنترنت ومُختلف البنى التحتية .

هذه المبادرة التي أصبحت الدول التي لم تشملها تهرول نحو الصين من اجل ضمها للمبادرة والإستفادة من البنى التحتية التي تضمنها هذه المبادرة ، كما حدث مؤخرا على هامش المنتدى الثالث للتعاون الصيني-الإفريقي المنعقد مؤخرا ببكين ومن ضمن تلك الدول الجزائر التي وقعت مع الصين بعاصمتها بكين على مذكرة تفاهم حول انضمام الجزائر إلى المبادرة الصينية “الحزام و الطريق إسوة ببعض الدول الإفريقية والعربية الأخرى .

لايبدوا أن أمريكا ستتخلص من الشبح الصيني بسهولة ، ولايبدوا ان الخطط التي إنتهجها الإدارة الأمريكية لتدمير العالم الإسلامي قابلة للتنفيذ مع الصين لذلك فإن أسلم حل يبدوا واقعيا هو إحتواء الصين وكبح جماح نموها السريع عبر إستراتيجيات القوة الذكية . ولكن المشكل ان الصين متنبها لذلك وهي بدورها لا تحبذ الدخول في صدام مع الغرب وخصوصا أمريكا . لذلك تستعمل إستراتيجية التغلل الناعم عبر القارات الخمس .

affane nouri

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button