النصر الهش وصناعة الحروب

النصر الهش وصناعة الحروب
عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمس عن تحقيق النصر الشامل على تنظيم داعش في العراق بعد وصول القوات العراقية إلى ضفة نهر الفرات في المدينة القديمة، معبرا عن ذلك بانتهاء خرافة تنظيم الدولة الإسلامية. لا ندري هل كان يعني ما يقول عندما لخص طبيعة العدو الذي انسحبت أمامه الوحدات القتالية العراقية في 2014 مهزومة وهي القوات التي أعلن الجيش الأمريكي أنه انفق عليها أكثر من 40 مليار دولار لتدريبها وتجهيزها خلال عشر سنوات منذ احتلال بغداد في 09/04/2003؛ واستمرت خرافة داعش في القتال لمدة ثلاث سنوات كاملة ومازال يخوض حرب عصابات عبر الشوارع والمدن العراقية. لقد استمر الجيش العراقي مدعوما بالقوة الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وجماعات الحشد الشعبي، ثم انخرطت مباشرة القوات الأمريكية الخاصة في الصفوف الأمامية للقتال في عام 2017 من أجل إلحاق الهزيمة بأفراد داعش وإنهاء سيطرتهم على المدن العراقية.
المفارقة الاستراتيجية المثيرة للاهتمام أن الجيش العراقي صمد أمام القوات الأمريكية عام 2003 فقط تسعة عشر يوما، وانسحب من بغداد ليسلمها للقوات الأمريكية الغازية، وهذا يعني طرح أسئلة جوهرية: ما هي أسباب صمود داعش لهذه الفترة الطويلة التي استنزفت فيها الموارد العراقية؟ من الذي كان يقف وراء تنظيم داعش في توفير خطوط الإمداد والدعم اللوجستي بشكل مستمر طول هذه الفترة؟ من المستفيد من دعم داعش وما هي الغايات الاستراتيجية من وراء ذلك؟ وكيف ظهر أصلا داعش، ولأي غاية؟ توفر الإجابة عن كل هذه الأسئلة وأخرى المعرفة الاستراتيجية لما صنعت الحرب في العراق.
تصنف الحرب ضد داعش تحت فئة الحرب اللاتماثلية التي كانت القوات الأمريكية بحاجة إليها لتدريب قواتها الخاصة وتجريب المعدات الجديدة المصنفة تحت اسم ثورة المعلومات في الشؤون العسكرية، وتمويل الكثير من البرامج العسكرية الجديدة الموجهة نحو تطوير قدرات الجيش الأمريكي للقتال بطريقة غير تقليدية كما جاءت محددة في الرؤية المشتركة لعام 2010؛ ولخص الرئيس أوباما تلك الاستراتيجية في مفهوم “القتال المرن” الذي يعتمد على قوات خفيفة، صغيرة وفعالة.
من ناحية أخرى، كانت صناعة داعش وتمويل داعش ثم الحرب ضد داعش طريقة فعالة لإحباط عملية التحول الديمقراطي في المنطقة التي تستهدف مصالح النخب المحافظة لدى عدد من دول المنطقة. عند دنو نهاية فترة داعش، هيأت نفس النخب المحافظة أطروحة مكافحة التطرف في المنطقة وعبر العالم من أجل استكمال عملية الانقضاض على أي محاولة للتحول الديمقراطي؛ وإحدى بوادرها الأزمة الخليجية وإحياء فكرة الحرب الأمنية على الإخوان المسلمين، أي تعويض الإخوان بداعش.
بالنسبة للنصر المزعوم المعلن من قبل رئيس الوزراء العراقي، فهو هش تماما، لأن ما أن اقتربت القوات العراقية من استعادة الموصل، حتى قام رئيس إقليم كردستان بتفجير قنبلة إعلان تاريخ الاستفتاء في الإقليم وإعلان الاستقلال عن العراق، وهذا يعني بداية القتال على جغرافيا الحدود في أقاليم النفط (كركوك)؛ والأكثر تعقيدا من ذلك، أن إعلان استقلال الأكراد لا يعني فقط العراق، وإنما ثلاث دول أخرى وهي سوريا وإيران وتركيا، مما يعني بطريقة أخرى بداية فصل جديد في صناعة الحرب لإنهاك دولتين اساسيتين في المنطقة وهما تركيا وإيران. لذلك، ليس أمام تركيا إلا صناعة استراتيجية تحالف جديد لتشكيل محور جديد من أجل تقليص آثار الحرب القادمة والذي يكون مشكلا من أنقرة وطهران ودمشق وبغداد. سوف يكون عمل المحور شاقا وخطيرا بسبب انتشار القوات الأمريكية والروسية في المنطقة.
لكن مرة أخرى، إنه فن صناعة الحرب، الخاسر فيها الدول العربية والإسلامية، والرابح الأكبر هو إسرائيل

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button