مقدمة :
تعد المجاعات والأوبئة من العوامل التي تتسبب في تأخر المجتمعات وضعفها، نظرا لما تلحقه بها من أضرار (اقتصادية، اجتماعية، ديمغرافية …)، فقد تعرض الوطن العربي عبر العصور إلى عدّة أوبئة ومجاعات، حصدت منه عدّة أرواح وكادت أن تغير مجرى التاريخ فيه، وهو ما نود معالجته من خلال هذا المؤتمر العلمي.
لقد عرفت المنطقة العربية على إثر هذه المجاعات والأوبئة سلسلة من التحولات الكبرى والانعطافات الحاسمة في مسارها التاريخي، فكانت المجاعات والأوبئة من أشد البلايا وقعا على المجتمع العربي، خاصة وأنها أفرزت واقعا مريرا صعَّب على الإنسان العربي حياته ومعايشته لتلك الفترات. كما عرف الوطن العربي طيلة فتراته التاريخية تقلبات مناخية ومراحل جفاف قاسية نجم عنها قحط ومجاعات. أدّت إلى ظهور القحط والمجاعات والأوبئة التي أصابت ساكنته، بدرجات متفاوتة من حيث الخطورة. هذا فضلا عن الحروب والنزاعات السياسية التي كانت على قدر كبير من الأهمية في انتشار المحن الاجتماعية التي تسببت هي الأخرى في ظهور عدّة أوبئة ومجاعات على مرّ التاريخ.
شكلت المجاعات والأوبئة خطرًا حقيقيًا على حياة السكان في الوطن العربي، حيث ظلت تهدّدهم بالفناء، لذلك لم يكن من المستطاع إسقاط هاتين الكارثتين من ذاكرة التاريخ، ذلك أن النتائج التي تمخضت عنها قد ساهمت في تكوين جزء كبير من مصير الأحداث التي اعتني برصدها. وبالبحث عن أسباب حدوث المجاعات والأوبئة، نكشف عن وجود نوعين من الأسباب؛ طبيعية وبشرية تتفاعل كل واحدة مع الأخرى بدرجات متفاوتة في حدوثها (الجفاف الذي كان من الظواهر المألوفة في البلاد العربية، الحروب والفتن…).
إن موضوع المجاعات والأوبئة من الموضوعات الحياتية والمصيرية التي نحياها؛ إذ يترتب عليه مصير بشرية أو أمة بأكملها في تلك الفترة الحرجة؛ فهي نوع من أنواع التهديدات الخطيرة خاصة لصغار السن، كما أنها تتحكم في سلوكيات الأمة وتعاملاتها. فهذه الأزمات تعتبر تجربة صعبة وقاسية مر بها الوطن العربي على مر العصور، ولها تأثير كبير جدا على كل شيء يحيط بالإنسان، وكان التأثير الأكبر لها على الحالة النفسية السيئة للبشرية. ولم يكن الأثر النفسي السيء المترتب على المجاعات والأوبئة في تلك الفترة للعامة فقط، بل كان تأثيرها كبير أيضا على الأمراء والخلفاء الذين ظلوا يسعون جاهدين من أجل إيجاد الحلول.
لقد عاش أفراد المجتمع العربي في ظل هذه الأزمات أوضاعا مزرية، من أبرز مظاهرها الاقتصادية انخفاض محسوس لمستوى المعيشة، ونفاذ الأغذية من المخازن، حتى أصبح غذاء الإنسان العربي في كثير من المناطق العربية يقتصر على بعض الحشائش البرية، ولحوم الميتة مما سرّع عجلة الموت أكثر؛ بسبب ظهور الأمراض وحتى فساد الأغذية كان من العوامل المؤدية إلى حدوث الأوبئة والأمراض. هذا فضلا على التحولات الديمغرافية الكبرى المتمثلة في الحركة السكانية، وهجرة أفراد المجتمع العربي للبحث عن الغذاء من جهات أخرى. هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أفرزت هذه الأزمات عن ظهور نوع من التضامن والتكافل الإنساني على أكثر من صعيد.
تحميل نسخة pdf –