دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

 موقف إيران من قضايا العراق بعد ثورة 1979

منذُ  عقود خلت والعلاقات العربية  الايرانية محبوسة النفس لم تلبث بوادر التحسن حتى تضطرب من جديد. وعلى طول الخط كان منحنى تلك العلاقات مرتبكاً تبعاً لتواتر عناصر الاثارة بين السياسات المتصادمة، عمداً ذاتي او تحسباً لنهوض مقابل او طمعاً بدور اقليمي, لا تتوانى الاطراف الخارجية في الدفع اليه او تسويغه ولعل اولى صور ذلك الارتباك تظهر في التدهور المستمر والخطير في علاقات إيران مع الاقطار العربية حتى وصلت حد الاحتراب، فضلاً عن استمرار حالة التهديد تحت ذرائع شتى تاريخية وجيوبولوتكية وايديولوجية([1]) .

     تعد ايران, من دول الجوار الجغرافي المهمة  للوطن العربي, حيث أنها تسيطر علىالساحل الشرقي من الخليج العربي,  الذي يعد اهم منطقة في العالم بأسره كونه اكبر مصدر لانتاج النفط كما ولها العديد من المطامع التوسعية في المنطقة العربية التي لاتستند الى حجج قانونية وانما تعود الى مراحل السيطرة التاريخية القديمة، لذا فأن ايران كدولة مجاورة للوطن العرب ولهاحدود طويلة من جهة الشرق, فان موقفها و دورها بالنسبة لقضية عربية معينة ,انما يرتبط بشكل او بآخر بتبعية ايران للمعسكر الغربي وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية التي اعتبرت ايران في مرحلة حكم الشاه اهم حليف في المنطقة ويرتبط ايضا بأطماعها التوسعية في الوطن العربي، نرى ان الولايات المتحدة الامريكية قدمت العديد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لايران لكي تسمح لها بالقيام بوظائف عديدة, أهمها حماية المصالح الامريكية والغربية في المنطقة علاوة على استنزاف قدرات العرب والعراق بخاصه, لاشغالهم عن اداء واجبهم امام العدو المشترك الكيان الصهيوني. فضلاً عن اهمية ايران الشاه بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ,اذ تشكل ايران سلك العثار بالنسبة للاتحاد السوفيتي في حالة قيامه بأي خطوة نحو الخليج العربي, فضلا عن قيامها بحماية المصالح الغربية واجهاض المدَ القومي والثوري في الوطن العربي.

   وسيتنناول في هذه الدراسة ثلاثة قضايا رئيسية من أهم القضايا العربية وابرزها، وهي:  الاولى: قضية الخلاف الحدودي مع العراق والتدخل في الشؤونه الداخلية, اما القضية الثانية: فهي الاطماع الايرانية في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية وموقف ايران من دول مجلس التعاون الخليجي, هذه المنطقة التي لاتهم العرب فحسب، انما العالم بأسره, اذ كانت ايران ولاتزال طرفاً مباشراً في قضايا الخليج العربي بالرغم من مجيء نظام جمهوري اسلامي بعد سقوط النظام الملكي البهلوي, فتارة تطالب بدولة وتارة تطالب بجزر وتارة تتدخل في الشؤون الداخلية في محاولة منها لفرض سيطرتها على هذا الاقليم المهم، أما القضية الثالثة:   موقف إيران المباشرة وغير المباشرة من القضية الفلسطينية، واذ كانت ايران تتظاهر بموقفها الى جانب القضية الفلسطينية فإن الحقيقة كانت شيئُ اخر. ومن خلال البحث والتدقيق للدور الايراني ومواقفه تجاه هذه القضايا العربية, نستطيع الخروج بنتيجة توضح اهداف السياسة الخارجية الايرانية تجاه المنطقة العربية.

المبحث الأول: الخلاف الحدودي وأثره على العلاقات الإيرانية-العراقية       

       شهدت العلاقات الايرانية -العراقية تقارباً منذ تولي محمد رضا بهلوي الحكم في إيران عام 1941م, وبخاصة بعد ان أعلن عن قيام حلف بغداد بين إيران والعراق فضلاً عن تركيا وبرعاية بريطانية، لكن لم يكتب له النجاح بسبب قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م التي اسقطت النظام الملكي في العراق الموالي لبريطانيا, وبعد مرور عام على نجاح الثورة طالبت إيران بالموافقة على إقامة ميناء في منطقة خسرو أباد، رفض الطلب الايراني من قبل  الحكومة العراقية لأنها اراضي عراقية وليست إيرانية، لكن إيران تجاهلت الرفض العراقي وأصبحت سفنها تتجه الى خسروآباد وبحماية القوات المسلحة الايرانية, احتج العراق على التجاوزات الايرانية في شط العرب, مما دفع الجانب الإيراني الى إلغاء إتفاقية عام 1937 الخاصة بترسيم الحدود بين البلدين من طرف واحد عام 1969([2]) واستمر الحال حتى توقيع معاهدة الجزائر عام 1975.    

    حشدت إيران قواتها على طول الحدود المشتركة وأصبحت سفنها تجول في شط العرب  دون إذنٍ من الحكومة العراقية كما كان متعارف علية سابقاً, وحتلت الضفة الشرقية لشط وأخذت تطلق التحذيرات للسفن العراقية من المرور إلا بإذنٍ من الحكومة الايرانية. لقد شجب العراق التجاوزات والاعتداءات الايرانية وسياسته التوسعية تجاه حدوده الاقليمية وسيادته الوطنية واحال القضية الى الهيئة العامة للامم المتحدة للبت في الموضوع وبالطرق السلمية([3]).  

    لقد رسمت الطبيعة بين العراق وايران حدودهما وتخومهما ومنافذهما ومسالكهما الجغرافية منذ عصور موغلة بالقدم، وعاشت استراتيجية مراكزهما الاقليمية وحواضرهما المدنية البرية والنهرية والبحرية تصل الشرق بالغرب، وعلى الرغم من تبدلات العالم ومتغيراته([4]).

     بدأت ايران حياتها في التاريخ الحديث مع ظهور الدولة الصفوية التي احتلت العراق مع مطلع القرن السادس عشر للميلاد، فكان ذلك الحدث التاريخي مبعثاً اساسياً في الصراع العثماني –الايراني وهو “الصراع” الذي ورثته الانظمة السياسية التي تعاقبة على السلطة في ايران على امتداد اربعة قرون. ودارت حلقاته على ارض العراق الذي امتد حكم العثمانيين عليه من نتائج حرب جالديران الاقليمية عام 1514 حتى نتائج الحرب العالمية الاولى عام 1918([5]).   

 وعليه، فان الحدود العراقية –الايرانية بمجمل تخومها الاقليمية وفواصلها الجغرافية وموانعها الطبيعية وخطوطها الجيوبولتيكية، قد شكلت أهمية بالغة منذ القدم وحتى يومنا هذا، نظراً الى استراتيجيتها وعراقتها وميراثها المتنوع عبر التاريخ. ولكن، يمكننا القول بأن معالم المجال الاقليمي قد حددت بين الطرفين وبشكل واضح من جراء التفاعلات التاريخية الساخنة في التاريخ الحديث، وخصوصاً تلك التي انتجها الصراع التاريخي المزمن بين العثمانيين والايرانيين، وكان لترسبات ذلك “الصراع” أثراً بالغاً في الاحداث التاريخية التي افرزها القرن العشرون، نظراً الى ان المجال الاقليمي العراقي قد غدا المساحة الجغرافية الحقيقية التي حركت فوقه الاحداث، بل وكان موقع العراق واستراتيجيته من المسببات الاساسية في تفاقم ذلك الصراع المزمن واثاره الصعبة([6]).

ان المنظور التاريخي لبنية العلاقات الاقليمية بين العراق وايران وخصوصاً لما انتج من معاهدات واتفاقيات، تطلعنا عن حجم المخاطر التاريخية التي تعرضت لها المنطقة بمدنها وحواضرها وسكانها، فلم تنتج تلك “المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات”([7]) من دون حملات ووقائع وحروب ومعارك وحصار وما رسخت من اثار صعبة في ذهن وافكار وسيكولوجية    مجتمعات المنطقة، وينفرد كل من العراق وايران بثقل تاريخي كبير من الموروثات الحربية والمعاهدات على امتداد التاريخ الحديث والمعاصر، وتكاد تكون حالتهما لمثل هذا الميراث من “العلاقات” لها خاصيتها وندرتها التي لا تمتلكها شعوب اخرى في العالم.

وعندما كانت حدودهما قد حددت جغرافياً، وانتهى تعيين الحدود الفاصلة بينهما من خلال ما توصلت اليه لجنة تخطيط الحدود الدولية عام 1914 أثر التوقيع الطرفان على أهم وثيقة تاريخية هي” بروتوكول الاستانة” عام 1913([8])، وبعد كل ذلك، كان لابد لهذه الخلافات والنزاعات ان تستقر وتهدأ منذ بداية القرن العشرين.

ومع نهاية الربع الاول من القرن العشرين، بدأت صفحة تاريخية جديدة من العلاقات الثنائية بين العراق وايران، أثر ولادة دولة اقليمية جديدة في العراق هي “المملكة العراقية الهاشمية” عام 1921 بعد مؤتمر الصلح في باريس عام 1919م، يناظرها دولة اقليمية قديمة تجدد نظامها السياسي تحت اسم “المملكة البلوية الفارسية” (الايرانية) عام 1925، ومع استمرار الخلافات والاتفاقات وتباين وجهات النظر لكل منهما باختلاف التوجهات القومية والاقليمية للطرفين… فضلاً عن الرهانات السياسية والاقتصادية والتحالفات الدولية([9]).

اعترفت ايران بدولة العراق الحديثة وحكومة بغداد عام 1929، وعلى أثر ذلك، ارسل الملك فيصل الاول مستشاره “رستم حيدر” الى طهران وقابل الشاه رضا بهلوي، ونتج عن تلك الزيارة توقف نسبي لحوادث الحدود بين البلدين، وبعد ان جرى تبادل المذكرات والتمثيل الدبلوماسي وفق الاصول الدولية، وقد عقد اتفاق مؤقت لمدة عام واحد قابل للتجديد كل ستة اشهر لمراجعة ملفات قضية الخلاف الحدودي والاقليمي بين البلدين. ولكن حال توقيع العراق معاهدة مع بريطانيا عام 1930 ([10])والتي حصل بموجبها العراق على الاستقلال والدخول الى عصبة الامم عام 1932، رفضت ايران الاعتراف بشرعية الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التاريخية بين البلدين، ومنكرةً للوثائق التي ابرمتها مع العراق في العهد العثماني ومعلنتاً عدم الالتزام بها، وقد رأت في معاهدت ارضروم الثانية لعام 1847 وبروتوكول الاستانة لعام 1913 والتحديد الذي قامت به لجنة عام 1914 ليست ذات صيغة تنفيذية لتقرير الحدود([11]).ولد هذا الموقف مزيداً من التوترات على الحدود ومنذراً بنزاع مسلح.

وفي مطلع علم 1931، تأسست العلاقات الدبلوماسية بين العراق وايران، وعُين توفيق السويدي أول وزير عراقي مفوض لدى ايران، وكان له دوراً بارعاً في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وعمل على بناء الثقة المتبادلة مع الساسة الايرانيين أيام تواجده في طهران للفترة من (1931-1934)، ومن ابرز ما سجله السويدي في مذكراته من انطباات ومعلومات ومواقف مهمة عن طبيعة وسلوك النظام الايراني نجملها بالاتي([12]):

  1. التسويف الايراني والمماطلة في معالجة المذكرات السياسية العراقية.
  2. الخروقات الايرانية المتكررة للحدود العراقية.
  3. قطع المياه الجارية من الجبال الايرانية الى الاراضي العراقية في مندلي وزرباطية.
  4. افتعال الازمات في شط العرب في محاولة للتوسع على حساب الحق العراقي المشروع بضفتي النهر الشرقية والغربية.
  5. اثارة القضية الكردية وتعقيب الامور على الحدود.

وبعد دخول العراق عضواً في عصبة الامم عام 1932، تحسنت العلاقات العراقية-الايرانية، ووجه رضا شاه الدعوة للملك فيصل الاول لملك العراق لزيارة طهران، وتمت الزيارة في نيسان عام 1932، كان موضوع الحدود في شط العرب أبرز ما بحثه الجانبان، وأبدت ايران رغبتها في ان يكون خط التالوك الفاصل الحدودي بين البلدين، رفض العراق هذا الطلب، فتصاعدت حدة التوتر والخلاف، وبدأت ايران بسلسة من الاعتداءات على العراق ومارست ضغوط لاجبار العراق بالموافقة على الطلب([13]).

عرض العراق القضية على عصبة الامم في بداية عام 1935، وبعد منقشات مستفيضة، قررت عصبت الامم فتح مفاوضات مباشرة بين ايران والعراق، والتقى نوري سعيد وزير خارجية العراق في طهران مع رضا شاه في الخامس من أب 1935، واعترف الشاه بشرعية معاهدة ارضروم الثانية لعام 1847 قائلاً: “ان العراق يحاسبني على المليم والسانتيم، انني لا ايريد اكثر من (3كم) في شط العرب امام عبادان”([14])، لم يوافق مجلس الوزراء العراقي على طلب الشاه، لان الدستور العراقي لا يجيز التنازل عن اي جزء من املاك الدولة العراقية([15]). ولكن المجلس وافق على تأجير المساحة المذكورة شرط استجابة ايران لحقوق العراق المشروعة، ووصل في السابع عشر من كانون الاول عام 1935 وفد ايراني رفيع المستوى الى بغداد بشأن تسوية الخلافات الحدودية بين البلدين([16]). واستمرت المفاوضات زهاء سنتين بكل ما تخللتها من احداث مهمة، وقد بادر رئيس جمهورية تركيا “مصطفى اتاتورك” الى التوسط بين العراق وإيران، من أجل بناء تكتل عسكري إقليمي في الشرق الاوسطبغية الوقوف بوجه المخاطر الاجنبية، وقد تجسد ذلك في ما بعد بميثاق “سعد أباد” في الثامن من تموز 1937 وقد سبقه التوقيع على معاهدة الحدود بتاريخ 26 حزيران عام 1937 في بغداد تمهيداً للتوقيع النهائي في طهران في الرابع من تموز عام 1937([17]).

اعترفت ايران بشرعية بروتوكول الاستانة 1913، ومحاضر جلسات لجنة تحديد الدولة لعام 1914، بالمقابل تنازل العراق عن خط التالوك امام عبادان لمسافة يقرب طولها من اربع اميال فقط، ثم وقع الطرفان على اتفاقيتين : الاولى في 18/7/ 1937، والثانية بعد ستة ايام من توقيع الاولى في 24 /7/1937، تضمنا قضايا أمنية ودبلوماسية([18]).

بعد توقيع معاهدة 1937، تطورت العلاقات العراقية-الايرانية كثيراً في الفترة (1937-1958) وندرست الخلافات الحدودية وتعززت الروابط الاقليمية، نتيجة التوقيع على ابرز ميثاقين اقليميين: الاول ميثاق سعد اباد عام 1937، والثاني ميثاق حلف بغداد عام 1955([19]). وبعد الاطاحة بالنظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري في العراق  في الرابع عشر من تموز عام 1958، اعلنت ايران في السابع من ايار عام 1959، ان ميناء خسرو أباد هو ملحق بميناء المحمرة، بمعنى الحاق مرسىً جديد للمحمرة على غرار ما كسبته ايران سابقاً في عبادان عام 1937، رفض العراق الاعلان الايراني، وأبلغت ايران في التاسع من حزيران عام 1959 ان “مياه شط العرب كلها خاضعة للسيادة العراقية بموجب الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات المتعلقة بالحدود بين العراق وايران”([20]). وفي هذا السياق صرح عبد الكريم قاسم الرئيس العراق السابق في مؤتمر صحفي في الثاني من كانون الاول عام 1959 جاء فيه:” ان معاهدة الحدود لسنة 1937 قد فرضت على العراق بالضغط حتى يعطي العراق نحو خمسة كيلومترات من شط العرب الى جيرانه، ولم يكن هذا الا هبة وليس حقاً يصير مكتسباً” واستطرد قائلاً: “ان العراق يأمل بأن تجري تسوية للمنازعات الحدودية مع ايران، لكن هذه المنازعات كغيرها من القضايا ظلت من دون حل حتى الان، فإذا لم تتم تسوية هذه المنازعات فإن العراق لن يظل غير مكترث بالامر وسيقوم بإعادة الارض الموهوبة بالقوة الى الوطن”([21]).

 كررت ايران من تجاوزاتها على ارض وسيادة العراق، ولم يفلح العراق بحاولاته السلمية مع ايران في درء تلك التجاوزات من خلال هيئة الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية للفترة(1960-1966)، بالرغم من الزيارات المتكررة لايران من قبل كبار المسؤولين العراقيين للسنوات(1965-1968) على عهد الاخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف، الا ان ذلك لم يتكلل بعقد اتفاقية بين البلدين لحسم الخلافات الحدودية والقضايا الاقليمية([22]).

     لقد اتسمت سياسة ايران الخارجية تجاه العراق منذ عام 1968 بالتوتر وعدم الاستقرار، وكان من الطبيعي على وفق كل الموازنات ان يصطدم نظام الشاه بالثورة في العراق لان لكلٍ منهما منطلقاته واهدافه ووسائله، فالنظام الشاهنشاهي البهلوي نظام دكتاتوري مستبد عدّ نفسه اداة لتنفيذ السياسة الغربية الامبريالية في المنطقة، وقاعدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وحليف إستراتيجي للكيان الصهيوني عدو الامة العربية الاول([23]).

     بالمقابل، مثلت الثورة في العراق الرد العملي على هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، واسهمت باقامة “دولة نموذجية ورائدة للعالم العربي”، وأكدت القيادة العراقية من جانبها على رابطة حسن الجوار مع ايران، وفي هذا الصدد أعلن العراق في الرابع والعشرين من تموز عام 1968 مانصه” اننا سنفعل كل ما في وسعنا خلال وجودنا في السلطة لتقوية تلك الروابط أكثر فأكثر”([24]) .

لكن نظام الشاه استغل الموقف السياسي الذي يعيشه العراق كون ثورته حديثة عهد في الحكم، فأخذ بافتعال الازمات لقيادتها، واشار الى ذلك الرئيس العراقي صدام حسين قائلاً: “تعرضت العلاقات بيننا وبين ايران الى ازمات خطيرة بسبب سياسة انظمة الحكم المتعاقبة في ايران والتي كانت تعدّ الوطن العربي وبخاصةً منطقة الخليج العربي مجالاً حيوياً لها وتحاول فرض سيطرتها عليه وتوسيع نفوذها على حسابه”([25]).

 كان من ابرز مظاهر العلاقات العراقية- الايرانية في تلك الفترة هو الزيارات المتبادلة لمسؤولين البلدين، إلا ان الخلاف في وجهات النظر حول قضية ترسيم الحدود بقى دون حل, فقد زار ايران في حزيران عام 1968 وفداً عراقياً برئاسة رئيس الوزراء العراقي السابق الفريق طاهر يحيى، وصدر في ختام الزيارة بيان مشترك تقرر فيه تشكيل لجنة مشتركة وبأقرب وقت ممكن لبحث القضايا العالقة بين البلدين([26]), وبعد أشهر معدودة من إعلان البريطاني الانسحاب من شرق السويس, حدث في الخليج العربي ثورة قومية كان من بين مبادئها الأساسية رفض الوجود الأجنبي في منطقة الخليج العربي، وحملت شعارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، هي ثورة السابع عشر– الثلاثين من تموز عام 1968 في العراق, التي حثت اقطار الخليج العربي على التضامن العربي والحفاظ على عروبة المنطقة وسيادتها على أراضيها وجزرها ومياهها([27]).

وحال قيام الثورة في العراق, صرح ناطق رسمي عن وزارة الخارجية الايرانية، جاء فيه “نظراً للانباء التي وردت الى وزارة الخارجية الايرانية من سفارتها في بغداد والسفارة العراقية في طهران فإن الحكومة الايرانية تعترف رسمياً بالحكومة الجديدة في العراقً([28]), وذكرت صحيفة “كيهان” الايرانية نقلا عن مصادر ايرانية رسمية ان موقف إيران من الوضع الجديد في العراق هو حدث داخلي وإن علاقة الاخوة والمودة والجيرة بين البلدين مازالت قائمة وستستمر محتفظة بقوتها ومكانتها([29]).

لقد اتسمت العلاقات العراقية-الايرانية خلال تلك الفترة بظاهرتين متعاكستين: فمن جهة كان نظام الشاه في ايران ينظر الى العراق بأنه القطر الذي يجب إنذاره قبل غيره لأنه الأكثر خطراً على المصالح الإيرانية- الأمريكية([30]), وقد خصص للشاه مساعدات كبيرة من الغرب وبالأخص من الولايات المتحدة الامريكية ليمارس دور “الشرطي الامني” في المنطقة. وأثناء إفتتاح الدورة الجديدة للمجلسين النيابي والشيوخ الايرانيين في أيلول عام 1971هاجم الشاه العراق دون ان يسميه في معرض حديثه عن علاقات إيران وسياستها الخارجية بدول المنطقة قائلاً: “إلا إن من المؤسف هو ان علاقاتنا مع إحدى جاراتنا ليست على هذا النحو المطلوب والسبب في ذلك هو أنه تلك الدولة ترغب في ان تجعل نفسها وريثة للاستعمار البريطاني في وقت زالت فيه أثار الاستعمار من جزء كبير من العالم وحكم فيه على أساليب التفكير الاستعماري، إلا إنه على هذه الدولة ان تعلم ان الاستعمار ليس شيئاً يورث.. وإن كل ميراث للاستعمار ينبغي ان يزول مع الاستعمار نفسه أريد ذلك أم لم يرد”([31]). وعلقت إحدى الصحف الايرانية وفي الوقت ذاته حول خطاب الشاه, جاء فيه “ان الشاه أشار في خطابه الى العراق دون ان يذكر أسمه”([32]).

بالمقابل كان النظام السياسي الجديد في العراق بعد ثورة تموز عمل على بناء مجتمع عراقي موحد يتمتع بالاستقلال الوطني, وفي هذا السياق صرح الرئيس العراقي الراحل احمد حسن البكر قائلاً:”أنه فيما كان العراق يعمل على بناء المجتمع الجديد ويمدّ يد التعاون لإخوانه في إيران كان نظام الشاه يتسلح بمختلف انواع الأسلحة وأحدثها حتى يؤدي دور الشرطي في المنطقة، بعد ان حصل على دعم ومساعدة القوى الاستعمارية, وبدأت إيران تصعيد من حملاتها الاعلامية وتتامر على العراق بإفتعال الأزمات السياسية من خلال دعم الحركة الكردية في شمال العراق, والغاء الشاه من جانبه أتفاقية الحدود لعام 1937م ومطالبته بتقسيم مياه شط العرب, فضلاً عن قيام القوات الايرانية بزرع الضفة الشرقية من شط العرب بالالغام لاشاعة حالة من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الخليج العربي”([33]).

 وبعد الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج العربي نهاية عام 1971، نصبت الولايات المتحدة الأمريكية الشاه محمد رضا بهلوي شرطياً رهيبا ًلمنطقة الخليج العربي, وأخذت إيران تكدس الأسلحة والمعدات الحربية الحديثة من الولايات المتحدة الامريكية لكي تقوم بالدور المرسوم لها وتنفيذ سياستها الجديدة القائمة على العدوان والتوسع([34]). ووصف أحد المؤرخين العرب انفتاح ايران على التسلح قائلاً: “إن تسعين في المائه من أهتمامات إيران السياسية لم تكن باتجاه الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي ولا حتى مع الصين، بل إنها مكرسة تجاه العالم العربي”([35]).

  وجاءت اهتمامات إيران بمنطقة الخليج العربي من أنها تمثل جزءاً من حياة ايران الاقتصادية والاستراتيجية, لذلك، أخذت تطالب بتقسيم مياه شط العرب, وخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار وممارسة الضغوط العسكرية والسياسية على العراق, لتحقيق مكاسب جديده, وهذا هو ديدن الانظمة السياسية الحاكمة في إيران على مرّ العصور.

لقد فرضت العوامل الخارجية على منطقة الخليج العربي المزيد من التطورات وبما تؤهلها ظروفها للقيام في المستقبل القريب بدور هام في دعم رخاء العالم ولفترة طويلة، وجاء الدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً للنظام الايراني، لكي لا يتردد في اتباع أي وسيلة عدوانية مهما كان نوعها في المنطقة، لذلك اقدمت ايران على احتلال الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى والصغرى) واحكمت سيطرتها على جزيرة أبو موسى يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1971م لموقعها الاستراتيجي في الخليج([36]). وعلى أثر ذلك اتخذت الحكومة العراقية وعلى الفور قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل من إيران وبريطانيا وحملتهما مسؤولية ونتائج أحتلال إيران لهذه الجزر([37]). بالمقابل، حشدت ايران قواتها ضد العراق وبخاصة في منطقة شط العرب مفتعلةً أزمة جديدة في علاقاتها مع العراق.

وتجدر الاشارة الى ان قضية الحدود العراقية-الايرانية وبخاصة في شط العرب كانت من اكثر القضايا تأثيراً على سير العلاقات العراقية- الايرانية، لاهمية هذا الشط الاقتصادية والاستراتيجية، لذا سنتناول قضية شط العرب وابعادها في النزاع الحدودي، فضلاً عن قضية التدخل في شؤون العراق الداخلية وسنركز على دور ايران في اثارة القضية الكردية في شمال العراق كي تحقق مكاسب إقليمية في جنوبه وتحديداً في شط العرب، لان ايران طالما استغلتها للضغط على حكومة بغداد, حتى أخذت هذه القضية بعداً أخر في الاعوام (1974-1975) عندما استخدمتها كورقة ضغط على حكومة بغداد لعقد اتفاقية جديدة تحقيق فيها اهدافها في التوسع على حساب العراق، لاسيما في شط العرب، وهذا ما تضمنته اتفاقية الجزائر عام 1975 عندما منحت ايران المشاركة في شط العرب الذي رفضته جميع الحكومات العراقية السابقة، بالرغم من كل الضغوط التي استخدمها نظام الشاه وبخاصة بعدما الغى اتفاقية عام 1937 من جانبٍ واحد([38]).

المطلب الاول: ايران وقضية شط العرب قبل ثورة 1979

     تعد قضية شط العرب من اخطر القضايا الثنائية التي تثيرها ايران دوماً متخذه من “نظرية تيمور طاش” وزير البلاط الايراني اساساً لدعاويها([39]). لقد كانت ايران ولاتزال تنتهج سياسة التوسع تجاه المنطقة العربية وخاصة في شط العرب, الذي يعد العمود الفقري وعصب الحياة للاقتصاد العراقي والمنفذ الرئيسي والوحيد للعراق الى الخليج العربي ومنه الى بقية انحاء العالم, ومعظم صادرات وواردات العراق التجارية تتم عن طريقه, كما إن علاقات العراق السياسية والاقتصادية والثقافية مع أشقائه العرب لا تتم الا عن طريق هذا الممر المائي الحيوي([40]).

ولتسليط الضوء وبإختصار على قضية شط العرب ومواقف ايران من المعاهدات والاتفاقيات الحدودية والاقليمية الموقعة بين ايران والعراق حول هذه القضية وانعكاساتها على العلاقات السياسية والامنية للبلدين. فالخلافات الحدودية ولأقليمية بين ايران والعراق كانت ولم تزل من أخطر القضايا وأكثرها تعقيداًً في الشرق الاوسط، فقد استقرت الحدود الدولية والخلافات الاقليمية في معظم قارات العالم وخصوصاً في اسيا التي تمتلك مواريث قديمة ومعقدة، عدا النزاعات الحدودية بين الصين وروسيا، وبين الهند وباكستان بشأن كشمير وبين العراق وإيران([41]).

لقد شكلت قضية شط العرب ضرورة أمنية وسيادية لضمان حق العراق في هذا المجرى المائي، وسعى العراق الى حل قضاياه الحدودية المزمنة مع ايران تعبيراً منه عن الرغبة الصادقة في انهاء النزاع وفتح صفحة جديدة مبنية على سياسة حسن الجوار والثقة المتبادلة  بين البلدين الجارين المسلمين. لذا، فقد زار وفد عراقي في كانون الاول عام 1968 برئاسة وزير الدفاع السابق الفريق الطيار حردان عبد الغفار ايران لغرض التوصول الى حل مشترك بشأن القضايا الحدودية القائمة بين الطرفين([42])، بالمقابل، زار العراق وفد ايراني في شباط عام 1969، مقدماً مشروعاً جديداً لمعاهدة بديلة عن معاهدة 1937، وبروتوكولاً ملحقاً بها ينص على إدارة مشتركة لشط العرب. وفي ذات الوقت، قدم العراق مشروع لتنظيم شؤون الملاحة وصيانتها. ونظراً لكون شط العرب نهر عراقياً يخضع للسيادة العراقية الوطنية حسب المعاهدات التاريخية المعقودة بين البلدين، فلم يحصل توافق بين الوفدين عما طرحه الوفد الايراني، بل ووقف العراق بالرفض امام الاطماع الايرانية([43]).

 عاد الوفد الايراني الى طهران قاطعا المفاوضات بحجة تسلمه تعليمات من حكومته وهذا الاسلوب سارت عليه الحكومات الايرانية المتعاقبة منذ زمن بعيد، فأما مكاسب توسعية وتلبية رغبات أو الانسحاب من المفاوضات([44]). وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة كيهان الرسمية ان “ايران ترغب في توقيع اتفاقية جديد تحصل بموجبها تسوية الحدود وفقاً لخط التالوك”([45]). ورافق مسار المفاوضات المشار اليها انفاً, حشد واسع للقطعاتها العسكرية الايرانية على امتداد الحدود مع العراق فضلاً عن قيام القوات الايرانية بعرقلة سير الملاحة في شط العرب والزام السفن التجارية العراقية والاجنبية برفع العلم الايراني بدلاً من العلم العراقي خلافاً لما متفق عليه، فضلاً عن امتناع ايران عن دفع الرسوم الكمركية للحكومة العراقية، مما اثر ذلك على سير المفاوضات وحصل توتر في العلاقات السياسية بين البلدين وشلت حركة الملاحة في شط العرب([46]).

   بالمقابل سعت الحكومة العراقية الى لفت نظار السلطات الايرانية الى تلك الاعمال التي لاتتفق مع مبادئ حسن الجوار والعلاقات الودية بين الطرفين, وستدعت السفير الايراني في بغداد الى ديوان وزارة الخارجية العراقية في الخامس عشر من نيسان عام 1969، وسلمته احتجاجاً عراقياً قوياً عده ذلك السفير تهديداً يمس بكرامة بلاده وسيادتها([47]). وبعد ذلك الاستدعاء، وجهت السفارة الايرانية في بغداد مذكرة الى وزارة الخارجية العراقية بلهجة جافة تفتقر الى الدبلوماسية، اعدتها الوزارة تهديداً خطيراً لمسار العلاقات بين البلدين([48]).وعلى ضوء هذه التطورات اقدمت ايران على الغاء معاهدة 1937 من جانبها فقط.

 المطلب الثاني: إيران وقضية إلغاء معاهدة 1937 من جانبٍها

      شنت إيران حرب اعلامية ضد العراق، بهدف خلق المزيد من الازمات والضغوط السياسية تمهيداً للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، فبعد ان قامت بشق الطرق وانشاء المخافر الحدودية داخل الآراضي العراقية وحشدت المزيد من القوات العسكرية, بدأت تطالب بتعديل الحدود في شط العرب, بعد فشلها السياسي في الحصول على مكاسب جديدة([49]), وفي التاسع عشر من نيسان عام 1969 أعلن “أمير خسرو أفشار” نائب وزير خارجية ايران امام مجلس الشيوخ الايراني الغاء معاهدة الحدودية لعام 1937 من جانبٍ واحد, واصفاً المعاهدة بأنها “عديمة القيمة، وغير مؤثرة، وغير نافذة المفعول، من الناحية القانونية، بسبب تغير الضروف”([50])، ومتهماً العراق بعدم الالتزام ببنود المعاهدة واحتفاظه بأدارة شط العرب, مدعياً بأنه نهر مشترك بين الدولتين وان معظم مياهه تتكون من مصادر ايرانية([51]).

وبعد إعلان الإلغاء أصدرت وزارة الخارجية الايرانية بيان في السابع والعشرين من نيسان أكدت به ماجاء في خطاب نائب وزير الخارجية الايراني، زاعمةُ بان ظروفاً جديدة واحداثاً قد تغيرت منذ عام 1937والى الان, وتلك الظروف لم تعد الان مقبوله, طبيقاً للمبدأ القانوني (تغير الاحوال بتغير الزمان) أو ما يسمى بـ (نظرية الظروف الطارئة)([52]). لقد عملت معاهدة 1937 وعلى مدى أكثر من ثلاثون عام على تنظيم الحدود والعلاقات بين البلدين المتجاورين, فأمر الالغاء خلق حالة من التوتر في العلاقات، وفي هذا الصدد برر الشاه المخلوع موقفه من قرار الإلغاء للمعاهدة قائلاً:(( أرادت ان أصحح وضعاً فرض على إيران ايام الاستعمار البريطاني، ومادام قد تخلصت إيران من السيطرة الاستعمارية فأني ألغي المعاهدة واطالب بواقع جديد في الحدود والعلاقات))([53]). وحال صدور أمر الغاء المعاهدة حشدت ايران قواتها على امتداد الحدود مع العراق وتحديداً عند شط العرب، لفرض سياسة أمر الواقع واشاعة حالة التوتر والفوضى([54])، وبات الموقف في المنطقة يهدد بالانفجار، إذ كان الطرفان على شفير نزاع مسلح في أي لحظة.

اقدمت القوات الايرانية في الثاني والعشرين من نيسان عام1969 بتظاهرة عسكرية مسلحة في شط العرب, اذ ابحرت الباخرة الايرانية “ابن سينا” ترافقها السفن الحربية للحماية، وكررتها بعد خمسة ايام، وكلتا الباخرتين رفعتا العلم الايراني مستعينتان بادلاء ايرانيين وبحماية جوية بالطائرات الايرانية, وفي التاسع والعشرين من نيسان زرعت القوات الايرانية الالغام على امتداد الضفة اليسرى للشط موجهةً انذاراً للمسافرين والصيادين بعدم دخولهم المنطقة([55]). وبسبب تطورات الموقف الايراني، قدم العراق ومن خلال مندوبه الدائم في الامم المتحدة تقريراً لفت به نظر مجلس الامن الدولي وأطلعه على خطورة الوضع القائم على الحدود بين الدولتين([56]). كما قبل العراق مساعي الحكومة الاردنية لحل الخلافات سلمياً وجاءت الموافقة في خطاب وزير الخارجية العراقي في الامم المتحدة في الثالث من نشرين الاول عام1969. في حين لم ترد أية استجابة من إيران([57]).

ولتسليط الضوء على الحجج الايرانية ومناقشتها من الناحية القانونية، نستطيع معرفة مدى مصداقية وجهة نظر الحكومة الايرانية في ادعاءاتها بشأن قضية شط العرب، والغاءها لمعاهدة ترسيم الحدود لعام 1937 التي تقوم على مايلي:

اولا: ان الوثائق الخاصة بالحدودالعراقية- الايرانية والتي تنص عليها معاهدة ارضروم الثانية لعام 1847م وبروتوكول الاستانة عام 1913 ومحاضر تخطيط الحدود لعام 1914 غير شرعية.

ثانيا: ان الحكومة العراقية لم تنفذ التزاماتها بموجب المادة الخامسة من معاهدة الحدود لعام 1937 والمادة الثانية من البروتوكول الملحق بها, اللتان تشيران الى الادارة المشتركة في شؤون الملاحة وصيانة شط العرب وتستند في ذلك على نظريتين في القانون الدولي هما: نظرية اخلال احد الاطراف بالمعاهدة اخلالاً جوهريا بالتزاماته، ونظرية تغيير الظروف, اذ ترى الحكومة الايرانية ان مركزها كان ضعيفا وان موقف العراق كان قويا بمساندة بريطانيا وان الظروف قد تغيرت فلابد من الغاء المعاهدة([58]).

ولمناقشة النقطة الاولى في الادعاءات الايرانية: بان اخلال احد الاطراف بالتزاماته اخلالاً جوهرياً، فالحكومة الايرانية تدعي بأن العراق لم ينفذ التزاماته بشأن المادتين الرابعة والخامسة من المعاهدة والفقرة الثانية من البروتوكول الملحق بها واللتان تشيران الى الادارة المشتركة للملاحة وعائدات اجور الملاحة، ان المادة الخامسة من المعاهدة نصت على تعهد الطرفين بعقد اتفاقية بخصوص بعض المسائل المتعلقة بالملاحة في شط العرب ويكمل هذا النص ما جاء في المادة الثانية من البروتوكول الملحق الذي يحدد مدة سنة قابلة للتمديد بأتفاق الطرفين لعقد الاتفاقية المذكورة على ان يستمر العراق خلال السنة, بتنظيم الامور المراد تنظيمها في الاتفاقية المنشودة([59]). الذي حدث ان العراق استمر بأدارة تلك الامور كما كان في السابق حتى بعد انتهاء مدة السنة التي اشار اليها البروتوكول بسبب عدم التوصل الى عقد مثل تلك الاتفاقية، والسبب في ذلك ان ايران كانت ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة خارقة للاتفاقيات وتحاول ان تفشل عقد اي اتفاقية لانها ارادت ان تعدل من الوضع القانوني للشط([60]).

   وعند اجراء مراجعة بسيطة للمذكرات بين العراق وايران خلال ثلاثة وثلاثون عاماً (أي مدة المعاهدة) نستطيع ان نرى, بان العراق كان على استعداد لعقد الاتفاقية، وقد قدم في تموز عام 1950 مشروعاً لعقد اتفاقية بين البلدين وتأليف لجنة مشتركة فيها ممثلون متساوون بالعدد، وان تكون هذه اللجنة استشارية لا تنفيذية([61]). رفضت إيران ذلك وأصرت على أن تكون اللجنة تنفيذية وهذا يتعارض مع سيادة العراق على شط العرب، وهو امر مفروغ منه، ان شط العرب يخضع للسيادة العراقية عدا الاجزاء المذكورة في المعاهدة وهي المنطقة الواقعة امام عبادان ومرسى المحمرة فقط([62]).

نستنتج من ذلك, ان العراق لم يخل بالتزاماته في المعاهدة ولكن ايران تفسر بنود المعاهدة تفسيراً تحاول من  خلاله مشاركة العراق في سيادته على شط العرب، وذلك يعني ان الاختلاف في وجهتي النظر بخصوص عمل اللجنة. فالحكومة الايرانية حاولت ان تتجاهل التفريق بين الاخلال الجوهري ببنود المعاهدة – وهو امر غير متحقق- وبين الاختلاف في تفسير بنود المعاهدة، هذا الاختلاف في تفسير نصوص المعاهدة متعمد من قبل الحكومة الايرانية، اذ انها تصر على منح اللجنة صلاحية تنفيذية وهذا يتعارض مع السيادة على شط العرب ويعني تعديل الحدود المقررة حسب معاهدة الحدود لعام 1937 وهذا لايجوز من الناحية القانونية([63]).

أما النقطة الثانية في الادعاءات الايرانية هي مبدأ تغير الظروف، وهي احدى نظريات القانون الدولي لكن بالرغم من اعتراف الكثير من فقهاء القانون الدولي بهذه النظرية الا انهم اختلفوا في دقة معناها وفي مداها، ويقصد بهذه النظرية ان الظروف التي احيطت بعقد المعاهدة قد تغيرت تغيراً جوهرياً او زالت، وبذلك فأن المعاهدة تصبح غير متجاوبة مع الاهداف والظروف التي عقدت من اجلها. وبالنظر لغموض التعبير(تغير الظروف) فأن المجال يتسع لاخفاء الكثير من الاهداف غير الواضحة للتخلي عن المعاهدات او مخالفة قدراتها واضفاء الصفة القانونية على مايعتبر في الحقيقة مخالفة قانونية([64]).

لقد اثار الجدل والنقاش في عدم جدوى هذه النظرية بسبب الخوف من اساءة استعمالاتها نظراً لسهولة الاحتجاج بها، وورد في مذكرة الممثل الامريكي في الامم المتحدة في الثاني من تشرين الاول عام 1967 الأتي:”ان هذه النظرية ذات طابع نظري ووردت في كتابات الفقهاء وفي المناقشات الدولية وبالرغم من ذلك فليس هنالك أي قرار صادر عن محاكم التحكيم الدولية لاعتمدها كأساس في حكم”([65]).

وفيما يخص ايران فأنها تدعي تغير الظروف التي عقدت خلالها معاهدة عام 1937 تغيراً اساسيا, الامر الذي يستدعي وضع قواعد جديدة تنظم استعمال شط العرب، وتستغرب الحكومة العراقية من الادعاء الايراني وترى ان الفقه والقضاء الدوليين أخذا بالمبدأ القائل بأن معاهدات الحدود لايمكن ان تطبق مبدأ تغير الظروف, لان معاهدات الحدود تنظم اموراً واوضاعاً دائمية ونهائية للدول التي وضعتها, وهذا يساعد على الاستقرار والسلام وخلافه يعني فوضى وعدم استقرار وبالتالي نشوب الحروب وتغيير خارطة العالم([66]).

     من هنا نستنتج مدى ضعف الادعاءات الايرانية حول الغاء معاهدة الحدود لعام 1937 من جانب واحد. وعدم احقيتها في الاجراءات التي قامت بها بعد الغاءها للمعاهدة من جانبها, وإنها تعجلت في ارسال مذكرة في الاول من ايار عام 1969 الى الامم المتحدة توضح فيها سبب الغاءها للمعاهدة([67]). مدعيه ان هذه المعاهدة شاذة لذا يجب استبدالها. أن الادعاء الايراني لاينسجم مع القواعد القانونية، لان الحدود العراقية- الايرانية في شط العرب تتخذ الضفة اليسرى كحدود ليست شاذة وانما هناك العديد من المعاهدات التي تشير الى ان الحدود تمر في احدى ضفتي النهر الفاصل بين الدولتين المتعاقدتين, ومثال على ذلك، الحدود بين فرنسا وسويسرا في نهر الدورب, الذي تمر الحدود في ضفته اليسرى وتعود ملكية النهر لفرنسا, كذلك الحال مع نهر الفستولا بين المانيا وبولندا([68]).

ان الحدود في شط العرب واضحة وتسير مع الضفة الشرقية لشط العرب لذا لايمكن الرجوع الى اراء فقهية وقواعد بناء على ادعاءات ايران بأن عرف الدول تقر على قبول مبدأ خط التالوك(*) في تحديد الحدود في الانهار بين الدول، وان العراق يتمسك بحدوده في شط العرب لاعتبارها الحدود القانونية التي اقرتها المعاهدات بين البلدين ووافقت عليها ايران، لذا فادعاء ايران بأن المعاهدة شاذة يعد امر غير واقعي وغير قانوني ومخالفة للعرف الدولي ([69]).

ونظراً للادعاء الايراني بعدم قانونية معاهدة الحدود لعام 1937 واعتبارها معاهدة شاذة يجعلنا نعود للوراء، ونراجع جميع المعاهدات الحدودية بين الدولتين العثمانية والفارسية ونستطيع ان نثبت ان شط العرب في اول الامر لم يكن حداً فاصلاً بين الدولتين العثمانية والفارسية، إذ كانت منطقة عربستان الواقعة شرق النهر جميعها ضمن حدود الدولة العثمانية([70]). وحدثت بعد ذلك تطورات عدة وعقدت اتفاقيات متعاقبة رسّمت بموجبها الحدود بين الدولتين, واستطاعت ايران ولاول مرة مدّ سيادتها الى الضفة اليسرى لشط العرب بعد تراجع الدولة العثمانية من حماية حقوق العراق في اراضية بموجب المعاهدة المسمات(ارضروم الثانية) عام 1847، لذا لايمكن استخدام  قاعدة او نظرية التالوك لتحديد الحدود في الشط بل يجب استعمال قواعد الحدود في الانهار الحدودية([71]).

وهكذا يمكننا القول ان السياسة الخارجية الايرانية والتي تتبع سياسة القضم التدريجي للاراضي والمياه العراقية بحكم الجوار الجغرافي, هي سياسة توسعية على حساب الغير وهذه منافية لكل الاعراف والمواثيق الدولية ولاتخدم الشعوب الايرانية، بل ان صح التعبير فهي تصب في المحصلة النهائية  لخدمة الدوائر الاستعمارية وتحقق طموحات الحكام المتسلطين على ايران وبالتالي تخلق المزيد من الازمات وتضر بدول الجوار العربية ولاسيما العراق.

وتجدر الاشارة الى ان الحدود بعد قيام ايران بالغاء معاهدة عام 1937 اصبحت بحالة متردية جداً، الامر الذي عرض السلام والامن في المنطقة للخطر واصبحت العلاقات بين البلدين تتسم بظاهرتين معاكستين, ان شاه ايران قد عُدَ له بمساعدات كبيرة من الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية ليكون شرطي الخليج الذي يحافظ على المصالح الغربية والاستعمارية على حساب دول المنطقة. ومن جهة اخرى كانت حكومة العراق تعمل من اجل بناء مجتمع جديد وتثبيت الاستقلال الوطني، لذا واجهت سياسة الشاه التوسعية معارضة شديدة من العراق, لانها تهدف الى زعزعة النظام في العراق وكانت البداية حملة اعلامية شديدة صعدت الى ازمة سياسية مترافقة مع سياسة التدخل في شؤون العراق الداخلية و تصدير المؤامرات وغيرها([72]).

قامت ايران بسلسلة من الاجراءات الاستفزازية, منهاقيام سفنها الحربية بمرافقة السفن التجارية علاوة على رفع العلم الايراني بدلا من العلم العراقي الامر الذي يعد انتهاكا للانظمة والاعراف الدولية المتبعة, فضلا عن اعتباره انتهاكاً لتعليمات مصلحة الموانئ العراقية، كماحاولت ايران تركيز تجاوزاتها اقليمياً على الحدود العراقية، فقام الشاه بدفع مقرات المخافر الحدودية الايرانية الى داخل الاراضي العراقية من خلال شق الطرق  داخل الاراضي العراقية معززا ذلك بقوات عسكرية لكي يفرض تجاوزاته بالقوة([73]). وردا على ذلك قام العراق بعرض القضية الحدودية بين البلدين على الامم المتحدة ([74])، مؤكدا استعداده لاحالة النزاع الى محكمة العدل الدولية لحل النزاع سلمياً, كما اكد نائب رئيس الوزراء العراقي الفريق اول صالح مهدي عماش عن استعداد حكومة العراق بعقد اتفاقية تنظم شؤون الملاحة في شط العرب مع ايران, وعند عدم التوصل الى حل يرفع الامر الى محكمة العدل الدولية, الا ان الحكومة الايرانية لم تستجب لهذه الدعوات العراقية واستمرت في اعتداءاتها على الحدود وتدخلها في شؤون العراق الداخلية([75]).

المطلب الثالث: إيران وقضية التدخل في الشؤون الداخلية للعراق

حاول الشاه محمد رضا بهلوي ومن خلفه الدوائر الاستعمارية فتح صفحة جديدة للتآمر على العراق باعتماد اسلوب التصعيد العسكري المسلح المباشر تحت غطاء مساعدة الأكراد في شمال العراق([76])، اذ كانت ايران تهدف من خلال دعمها للمعارضة الكردية في شمال العراق لاستنزاف قدرات العراق العسكرية والاقتصادية واشغاله في صراعات داخلية طائفية وعرقية وبالتالي تجزئته الى كيانات ضعيفة غير قادر على اداء دور فاعل في المنطقة مستقبلاً.

أدرك العراق هذه المؤامرة، وأعلان قانون الحكم الذاتي، من خلال اصدار بيان الحادي عشر من اذار عام 1970, وسعى لحل القضية الكردية حلاً سلمياً ديمقراطياً, إذ يعد قرار الحكم الذاتي صفعة شديدة للدوائر الاستعمارية وعملائها بالمنطقة, اذ اضطر الملا مصطفى البرزاني المدعوم من قبل شاه ايران والدوائر الاستعمارية بوقف اطلاق النار والموافقة على ما جاء في بيان بغداد([77]).

أصدر مجلس قيادة الثورة عدة مقررات بغية تفعيل بيان الحادي عشر من اذار ومنها([78]):

  أ. شراك خمسة وزراء يمثلون الشعب الكردي في الحكومة.

 ب. اصدار عفو عام وشامل عن جميع الأكراد في الشمال وارجاعهم الى وظائفهم السابقة العسكرية والمدنية.

ج. اصدار مجلة كردية باسم “بيان” وصحيفة “هاوكاري” الاسبوعية في بغداد, كماصدرت في بغداد جريدة اسبوعية سياسية بأسم “التآخي”ا.

  د. استحداث المديرية العامة للثقافة الكردية في وزارة الثقافة والاعلام.

وعلى الرغم من صدور بيان اذار عام 1970 والروح الاخوية الصادقة الا ان العناصر المسلحة والخارجة عن القانون قامت بأرتكاب اعمال تخريبية واسعة النطاق، واصبحت مراكز استقطاب لكل القوى المعادية للعراق، وكانت تمهد لحرب داخلية في العراق لافشال تجربة الحكم الذاتي وبيان الحادي عشر من  اذار1970([79]).

ومن الجدير بالذكر ان بعض الدول التي يعيش فيها الاكراد قدمت دعماً مباشراً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً للملا مصطفى البرزاني، بينما كانت تنكر على موطنيها من القومية الكردية ابسط الحقوق الانسانية، ويقف وراء ذلك قوى خارجية لها اجندة سياسية وأمنية في المنطقة وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الامريكية وعملائها ايران والكيان الصهيوني, فضلاً عن  الهاجس الذي يراودهم من نجاح تجربة الحكم الذاتي في العراق، الامر الذي قد يدفع اكراد ايران واطراف اخرى الى المطالبة بنفس الحقوق، لذا اجمعت هذع القوى ومن تأمر معها على  استنزاف قدرات وامكانيات وموارد العراق العسكرية والاقتصادية([80]).

 قدم شاه ايران مساعدات كبيرة جداً للحركات والاحزاب الكردية العراقية المعارضة, شملت المال والسلاح والتدريب في المعسكرات الايرانية([81]). وكانت هذه المساعدة في حقيقتها واجهة يتم من خلالها تسهيل دخول الصهاينة الى المنطقة الشمالية للعراق, اذ وجد التعاون بين (اسرائيل) وايران تعبيراً قوياً له في مساندة الاكراد في شمال العراق، وخلال تلك الفترة عثر على أسلحة سوفيتية الصنع التي ارسلها الكيان الصهيوني عبر ايران بعد ان غنمها من العرب([82]). ويتضح ايضاً ان ايران و(اسرائيل) يقومان بالمهمة ذاتها لاضعاف الامة العربية وتمرير المخططات الاستعمارية في المنطقة, والمتمثلة بسياسة الولايات المتحدة الامريكية التي اعتمدت على (اسرائيل) وايران في تطبيق مخططاتها وتأمين مصالحها في المنطقة([83]).

زاد التوتر في العلاقات العراقية – الايرانية بعد اقدام ايران على إحتلال الجزر العربية الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وابو موسى) في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1971, فقرر العراق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل من ايران وبريطانيا محملهما المسؤولة الكاملة عن تداعيات الاحتلال الايراني للجزر, ونتيجة لذلك بدأ الشاه بممارسة الضغوط المباشر وغير المباشر ضد العراق الذي حمل راية الدفاع عن الجزر العربية الثلاث واراضيه الاقليمية انطلاقاً من الإيمان العميق بوحدة التراب العربي([84]).

وفي حزيران 1972 قام العراق بخطوة ناجحة اخرى في المنطقة وهي تأميم النفط العراقي، هذه الخطوة اقضت مضاجع الدول الاستعمارية والشركات الاحتكارية في العالم الغربي، اما بالنسبة للموقف الايراني الرسمي من قرار التأميم، فأنحسر في المؤتمر الثامن والعشرين للدول المنتجة للنفط (اوبك) في بيروت في التاسع من حزيران 1972, الذي قرر بالاجماع دعم العراقي في تأميم نفطه بأعتباره إجراء قانوني وحق مشروع يقع ضمن سيادة الدولة في حماية مصالحها، كما قرر المؤتمر عدم زيادة الانتاج لتعويض الكميات المصدرة من شركة نفط العراق والالتزام بمستوى الانتاج السابق المتفق عليه عام 1970([85]) .

ما ورد أنفاً هو الموقف الايراني المعلن، اما الموقف غير المعلن فإنه اتسم بالتأمر والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني بإثارة القضية الكردية في شمال العراق ودعمها عسكرياً ومادياً ومعنوياً كل ذلك يحصل بالتنسيق مع ملا مصطفى البارزاني والاحزاب الكردية الاخرى، وقد وصل ذروته في عامي(1974– 1975). كان موقف الولايات المتحدة من دعم اكراد العراق للرد على قرار تأميم النفط وكذلك لاشغال العراق بحرب داخلية، لاستنزاف طاقاته وإبعاده عن الصراع-الصهيوني ومنعه من المشاركة في المنازلة القومية الكبرى ضد هذا الكيان القيط. بعد ان اعلن العراق رفضة لاتفاقية فك الاشتباك بين الكيان الصهيوني ودول المواجهة التي طرحتها الولايات المتحدة الامريكية لتشتيت العرب.

اما بالنسبة لموقف ايران الشعبي فقد عبرت عنه الجبهة الوطنية الايرانية عندما أعلنت تأييدها لقرار التأميم وارسلت برقيتي تهنئة لقيادتي العراق القطرية والقومية والشعب العراقي تهنئهم بما انجزه العراق في قرار التأميم الخالد ([86]).

     وفي عام 1973 اندلعت حرب تشرين, الذي شارك فيها الجيش العراقي بكل امكاناته وقدراته، ومن اجل توفير الظروف الملائمة لمشاركت العراق اخوته العرب في المعركة القومية ضد الكيان الصهيوني, بادر العراق بدعوة ايران لحل القضايا العالقة بين البلدين بالطرق السلمية ليتسنى للعراق تكثيف مشاركته بالحرب، وفعلا قرر العراق المشاركة في الحرب على الرغم من عدم معرفته بخطة الحرب مسبقا(*). وتجدر الاشارة الى ان القوات العراقية استطاعت حماية دمشق من السقوط بيد الصهاينة([87]).

موقف إيران وتفاقية الجزائر عام 1975

اثناء انعقاد مؤتمر القمة للدول الاعضاء في منظمة الاقطار المصدر للنفط (اوبك) في الجزائر عام 1975، قام الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين بمبادرة ناجحة لحل الخلافات العراقية –الايرانية, فلقد جمع في السادس من اذار عام 1975 كل من صدام حسين رئيس الوفد العراقي للمؤتمر ومحمد رضا بهلوي شاه إيران وبحضور الرئيس بومدين ..وتم عرض مقتراح للتفاوض بين العراق وايران حول القضايا المتنازع عليها، وافق العراق على تلك المبادرة تلبية منه لانقاذ وحدة الوطن، وعلى هذا الاساس اتخذت القيادة العراقية قراراً بقبول التفاوض مع ايران, واعتبار خط التالوك خط الحدود في شط العرب مقابل انسحاب ايران عن الاراضي العراقية التي اغتصبتها في السنوات السابقة وقطع كل انواع الدعم عن الحركات الكردية في شمال الوطن([88])، بالمقابل وافقت إيران على ما دار في الاجتماع وأمر الشاه بوقف اطلاق النار في الشمال العراق, وسحبت  قطعاته العسكرية التي كانت تسند الأكراد في تمردهم ضد الحكومة بغداد([89]). وتجدر الاشارة الى ان شاه ايران وافق على ايقاف مساعدته للاكراد, لانه بدأ يدرك ان يصل التمرد الى الاكراد الايرانيين, وخوفاً من لجوئهم الى البرزاني الذي وصل الى حد معين من المنعة([90]). واثناء مقابلة محمد حسنين هيكل لشاه إيران، قال الاخير: “من الواضح انني لم كن ارغب في بعث المسآلة الكردية, فلدينا أقلية كردية كبيرة في إيران, لكن أردت أن أصفع الحكومة في بغداد, وعندما توقفوا عن مضايقتنا توقفنا نحن عن مضايقتهم” واستطرد قائلاً “لقد كلفتنا عملية كردستان(300) مليون دولار أمريكي”([91])، وبدخول المفاوضات، حصلت ايران على مكسب غير شرعي وغير قانوني وهو اعتماد خط التالوك خط حدود في شط العرب بعد ان كانت الحدود تسير مع الضفة اليسرى للنهر([92]). وبالمقابل وافقت إيران التخلي عن الأراضي العراقية المتجاوز عليها وإيقاف الدعم للأكراد في شمال العراق([93]). وكانت نتيجة المفاوضات, توقيع اتفاقية الجزائر لعام 1975 الذي ترتكز على ثلاثة مباديء هي([94]) :

  1. اجراء تخطيط نهائي للحدود البرية بناء على بروتوكول القسطنطينية لسنة 1913 ومحاضر لجنة تخطيط الحدود لسنة 1914.
  2. تحديد حدودهما النهرية حسب خط التالوك.
  3. سيعيد الطرفان الامن والثقة المتبادلة على طول حدودهما المشتركة ويلتزمان من ثم على إجراء رقابة مشددة وفعالة على حدودهما من أجل وضع حد نهائي لكل أعمال التسلل ذات الطابع التخريبي من حيث أتى.

     كما اتفق الطرفان على اعتبار هذه الترتيبات المشار اليها انفاً كعناصر لا تتجزأ لحل شامل، وبناءاً على هذا الاتفاق عقدت معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار بين العراق وايران. وتم التوقيع عليها وعلى البروتوكولات الملحقة بها في بغداد بتاريخ 13/6/1975([95]).

    وبتحرير المعاهدة توقف النزاع وكانت لجنة الحدود المشتركة بين البلدين قد قامت بأعادة تخطيط الحدود البرية بصورة واضحة وتم ترسيمها على الخرائط المشتركة الجديدة من قبل الطرفين لثبيتها على الأرض وبناء الدعامات القديمة لعام 1937 وعددها (126) دعامة، واضافة (593) دعامة جديدة حسب اتفاقية عام 1975، وأثناء شييد الدعامات الجديدة على الارض بين الدعامات القديمة وفقاًً لمسار خط الحدود المعدل([96])، بدأت ايران تشهد تطورات داخلية سياسية وأمنية خلال السنتين الاخيرتين من العهد البهلوي(1978-1979) حالت دون انجاز اللجان اعمالها وبالتالي تعذر إعادة الاراضي العراقية الى السيادة الوطنية قبل ان يسقط  نظام محمد رضا بهلوي ويتسنم نظام الخميني الحكم في إيران([97]).

       خلاصة القول, ان النظام البهلوي الشرطي المنفذ والمطيع لتلك المخططات الاستعمارية وبشتى الوسائل لكي يوقف مسيرة الثورة في العراق, فضلاً عن الاهداف التوسعية والدوافع الذاتية التي كان الشاه يتطلع لها, فضلاً عن حقدهُ للعرب ولقوميتهم. فكان نظام الشاه ركيزه اساسية لمخططات الغرب في المنطقة والتي من شأنها إذاء العرب ولاسيما العراق خلال تلك الفترة من حكمه وخير دليل على ذلك, احتلال الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى عام 1971, دعم الحركات الكردية المسلحة في شمال العراق، تدخله في الشؤون الداخلية لدول العربية. كل ذلك كان بدفع من الدوائر الاستعمارية والصهيونية العالمية فضلاً عن النزعة التوسعية على حساب العرب، والمواقف السلبية تجاه القضايا العربية ولاسيما قضايا العراق سواء كانت حدودية أو داخلية، التي لاتمثل الحد الادنى من سياسة حسن الجوار والرابطة الاسلامية.

وقد جاءت الثورة الايرانية عام 1979م واستبشر العرب خيراً بقدومها ولاسيما العراق، الذي أبدى تجاوبه الكامل مع أي مسعى يؤدي الى السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة، التي تعد من أهم المناطق حيويةً في العالم. وعلى هذا الأساس, بادر العراق الى الاعراب عن ابتهاجه لهذا النجاح ووجه مذكرة الى الحكومة الايرانية تؤكد رغبة العراق في إقامة علاقات طيبة مع إيران ترتقي الى المستوى الذي تقتضيه إعتبارات حسن الجوار والروابط التاريخية والروحية التي تجمع بين شعبي البلدين الجارين، كما بعث العراق برسائل تهنئة الى قادة الثورة الاسلامية في ايران وعلى رأسهم أية الله الخميني ورئيس الحكومة المؤقته الدكتور مهدي بزركان([98]), والى جانب الرسائل الودية حصلت لقاءات ثنائية بين مسؤولي البلدين وتحسنت العلاقات نسبياً حتى بداية عام 1980، عندما بدأ المسؤولين الايرانيين بالحديث عن(تصدير الثورة)، والتحريض لقلب النظام في بغداد، واستدعاء قادة الاحزاب والحركات الكردية المسلحة المعارضة لحكومة بغداد الى طهران وتقديم كل انواع الدعم المادي والمعنوي لاسقاط نظام الحكم في العراق، فضلاً عن التجاوزات والخروقات المتكررة للقوات الايرانية على امتداد الحدود الايرانية- العراقية والتي بلغت (548) حالة انتهاك منذ الثالث والعشرون من شباط عام 1979 حتى الثاني والعشرون من أيلول عام 1980. كل ذلك، جعل العراق يشكك في مصداقية والتزام النظام السياسي الإيراني الجديد تجاه اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975([99]) .

لقد كانت اتفاقية الجزائر بحق لو طبقت، منعطفاً تاريخياً مهماً في تحسن العلاقات الايرانية -العراقية وانعكاسه ايجابية على العلاقات العربية– الايرانية، لان البلدين تعهدا بالعمل على تطبيع العلاقات بين دول المنطقة، والى خلق اجواء دبلوماسية افضل تجاه أمن الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام([100]).

 

الهوامش

 (1) عبدالرحمن احمد الداود الحمداني، العلاقات العربية مع دول الجوار الجغرافي تركيا وأيران، اطروحة الدكتوراه(غير منشورة) ، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1997، ص3.

(4)  “Newyourk Times” ,25 April,1969.                                                                                           

(5) د. محمد حسن العيدروس, العلاقات العربية –الايرانية, ذات السلاسل, الكويت, 1983, ص156.

(6) د. سيّار الجميل، استراتيجية العراق وأثرها في نشوء الصراع العثماني –الايراني، “أفاق عربية”(مجلة)، السنة السادسة، العدد/10، بغداد، حزيران 1980،ص14.

(7) د. سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية –الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل”، ص 455.

(8)  Robert W. Olson, The siege of Mosut and Ottoman –Persian Relaions. 1718-1743   (Indana:Indiana    University press ,1975), chapl,pp.11-30 .                                                          

(9)  للتفصيل عن  المعهدات والاتفاقيات والبروتوكولات بين العراق وايران. يراجع: د. سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية –الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل”، ص 453-463.

(10) د. سيّار الجميل، تكوين العرب الحديث (1536-1916)، جامعة الموصل، 1991، ص59؛ بعد ان تعقدت الخلافات الحدودية بين العراق وايران مطلع القرن العشرين الذي شهد تغييرات واسعة في المواقف، اثيرت قضية الحدود مجدداً ووقع كل من الدولتين: العثمانية والايرانية في 21/12/1911 على “بروتوكول طهران” اذي نص على تعيين لجنة مشتركة مقرها العاصمة العثمانية استانبول، وانيطت بها مهمة تعيين الحدود بين الدولتين من جديد شرط ان تنبثق لجنة اخرى فنية تناط بها مهمة تثبيت خط الحدود ميدانياً على الطبيعة، واعتماد بنود ممعاهدة ارضروم الثانية 1847 اساساً لذلك. ولما لم يتوصل الطرفان افى وضع خطة عمل مشتركة، تدخلت بريطانيا وروسيا القيصرية في الموضوع، كي يتم عقد “بروتوكول الاستانة” الشهير في 4/11/1913, ويوقع عليه ممثلو روسيا وبريطانيا كدولتين وسيطتين أيضا، الى جانب كل من وزير الخارجية العثماني والسفير الايراني في استنبول نيابة عن دولتيهما.ينظر نص “لبروتوكول” في: جابر الراوي، مشكلات الحدود العراقية- الايرانية والنزاع المسلح، دار الشؤون الثقافية العامة، 1989، ص408-417.

(11) خليل علي مراد، “ايران”، في: ابراهيم خليل احمد وخليل علي مراد، تركيا وايران: دراسة في التاريخ الحديث والمعاصر،الموصل، 1992، ص159.                                                            

(12) في 30 حزيران 1930 وقع العراق مع بريطانيا على معاهدة تنص المادة الرابعة منها ” في حالة وقوع خطر وشيك ينذر بحرب سيكون العون الذي يقدمه صاحب الجلالة ملك العراق الى صاحب الجلالة البريطانية، التزود بكل التسهيلات والمساعدات التي بوسعه تقديمها على الاراضي العراقية، بما في ذلك استخدام سكك الحديد والانهار والموانىء والمطارات ووسائل الاتصال”. والواقع انه كان من مصلحة بريطانيا ان يكون شط العرب كله خاضعاً للسيادة العراقية. جمشيد ممتاز، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية-الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص512.

(13) د. سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية –الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل”، ص466.                                                             

(143) للتفصيل يراجع: توفيق لسويدي، مذكراتي: نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، بيروت، دار الكتاب العربي، 1969، ص193-240.

(15) ينظر: العراق: وزارة الخارجية، قضية الحدود العراقية-الايرانية، بغداد، 1934، مذكرات الحكومة العراقية في 13/5/1933 ؛ 13/6/1933.

(16) العراق: وزارة الخارجية، قضية الحدود العراقية-الايرانية، بغداد، 1935، ص16.

(17) المصدر نفسه، ص17.

(18) عبدالرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، ج3، مطبعة الفرقان، صيدا ، 1948،ص327.

(18) د. سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية –الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل”، ص468. 

(19) العراق: وزارة الخارجية، قضية الحدود العراقية-الايرانية، بغداد، 1935، ص 23.

(20) Rouhollah K.Ramazan,The Foreign Policy of Iran:A Dveloping Natlon in World Affair, 1500-1941(Charlottesville: University Press of Virginia,1966)p.290.                                                        

(21) د. سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية –الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل”، ص 469-470.

(22) S.Mahmaud and M.Aghili,Iran and Iaq Disputes over Sovereignty and Shipping Righis of the two Countries on Shatt al-Arab(Arvand Roud) (Tehran: 1980),p.15.                                               

(23) مصطفى عبد القادر النجار، التاريخ السياسي لمشكلة الحدود الشرقية للوطن العربي في شط العرب: دراسة وثائقية، البصرة، جمعية الدفاع عن عروبة الخليج، 1974، ص310- 312.

(34) ملفات وزارة الخارجة العراقية، ملفات سنة 1969، كتاب السفارة العراقية في براغ الى وزارة الخارجية العراقية س/ 1 82 في 20 أب 1969، الوثيقة رقم 180.

(25) نقلاً عن: روح الله رمضاني، سياسة ايران الخارجية 1941-1973، ص436.

(26) كان صدام،(نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أنذاك). نقلاًعن: باسم السيد قاسم محمود السامرائي،سياسة ايران الخارجية تجاه العراق1968-1979، رسالة ماجستير(غير منشورة)، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي، بغداد, 2002, ص45.

(28) خالد العزي, أضواء على التطور التاريخي للنزاع العراقي- الفارسي حول الحدود، ص74.

(29) “الخليج العربي” (مجلة), المجلد 13, العدد الرابع, جامعة البصرة, ص53.

(30) “الجمهورية” (صحيفة),بغداد، 22 تموز 1968 .

(31) للتفصيل عن الموقف الايراني من ثورة  تموز 1968. ينظر:”الثورة “(صحيفة), بغداد, 22 /7/1968.

([30]) “الخليج العربي” (مجلة), المصدر السابق, ص53

(33) مقتبس عن:”الاصداء”(نشرة), وزارة الاعلام, مديرية الاعلام العامة,الملحقيات الصحفية,1 أيلول1971,ص1.

(34) “انديكان “(صحيفة), طهران, 10 أيلول 1971.

([33]) نقلاًعن: د.محمد حسن العيدروس,دراسات في المشرق العربي المعاصر,دارالكتاب الحديث, الكويت, 2000, ص270.

(36) “الخليج العربي” (مجلة),العدد الرابع ,المصدر السابق  ,ص52.

(37) د.محمد حسن العيدروس, دراسات في المشرق العربي المعاصر, ص271.

(38) بثينة الاصفهاني،النفط وجيوبليتكات منطقة الخليج، “دراسات الخليج والجزيرة العربية”(مجلة)،العدد الاول،الرياض، 1975، ص146.

(39) د.محمد حسن العيدروس, دراسات في المشرق العربي المعاصر, ص275.

(27) محمد وصفي ابو مغلي، التحدي الايراني للامن القومي العربي “الثقافة والحرب والعدوان الايراني” ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1986، ص52.

(40) تشير النظرية “ان تحديد الحدود في جميع الامم له قواعد واسس ثابته تمشى عليها فيتخذ حداً فاصلاً نهر أو واد او جبل او غير ذلك من التضاريس الارضية, فتتعين النقاط البارزة في تلك التعاريج لجعلها فواصل ما بين البلدين”. توفيق السويدي، مذكراتي: نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، بيروت، دار الكتاب العربي، 1969، ص221.

(41) جمعية المؤرخين والاثاريين في العراق, الحدود الشرقية للوطن العربي, دارالحرية للطباعة, بغداد, 1981, ص7؛ د.محمد حسن العيدروس, دراسات في العلاقات العربية – الإيرانية, ص183.

([41]) محمود عبد الفضيل، حول ازمة الفكر الاستراتيجي العربي “نظرة مستقبلية”، “المستقبل العربي”(مجلة)، العدد 192، بيروت, 1995، ص25.

([42]) ينظر:خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، بغداد, 198 ص116.

([43])  سيَار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، “ندوة” العلاقات العربية الايرانية الأتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص471.

([44]) وزارة الخارجية، الاعتداء ات الفارسيةعلى الحدود الشرقية للوطن العربي،بغداد، 1981، ص44-55؛ وزارة الخارجية، تعليق على المزاعم والادعاءات الايرانية حول معاهدة الحدود العراقية الايرانية لعام 1937 والوضع القانونى للحدود بين البلدين في شط العرب، بغداد, 1969، ص19.

([45]) Kayham”, (Daily and Weekly), Iran,28 march 1969.                                                                    “

([46]) هادي احمد مخلف، الحدود العراقية الايرانية ، “بحث” غير منشور، معهد الدراسات القومية والاشتراكية، الجامعة المستنصرية، بغداد، ص117؛ وزارة الخارجية ، الاعتداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي، ص55.

([47]) سيار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين،”ندوة” العلاقات العربية الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص271.

([48]) جابر الراوي، شط العرب في المنظور القانوني عبر التاريخ، وزارة الثقافة والاعلام،بغداد، 1948، ص88.

([49]) د. محمد حسن العيدروس, دراسات في العلاقات العربية الايرانية, ص201.

([50]) مذكرة وزارة الخارجية العراقية، بغداد، الرقم/ 6614/4 في 21/4/1969.

([51]) رجاء حسين الخطاب، العراق والصراع العثماني الفارسي، بغداد ,2001 ، ص205؛ قاسم الموسوي، تاريخ الحقد الفارسي على العرب، بغداد،، 1980، ص87.

([52]) خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، ص113؛ وزارة الخارجية ، الاعتداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي، ص62.

([53]) نقلاً عن: د.محمد حسن العيدروس, دراسات في العلاقات العربية الايرانية, ص201 .

([54]) بدر غيلان، تاريخ الاطماع الفارسية في شط العرب ,وزارة الثقافة والعلام,بغداد,1980،ص34.

([55]) عباس محمود عبلس، ازمة شط العرب ,المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت، د.ت، ص72؛ ينظر: نزار عبد اللطيف الحديثي، العلاقات العربية الفارسية،الدار العربية، بغدد، 1980, ص37.

([56]) قارن بين : مذكرة وزارة الخارجية العراقية الى السفارة الايرانية في بغداد، الرقم6614/4 في 28/4/1969؛ وبين:Iran, Ministry of Foreingn Affairs, Some Facts Concerning The Dispute between Iran and Iraq over The Shatt al-Arab(Tehran:Ministry of Foreing Affairs,1969),p.79.

([57]) سيار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين،”ندوة” العلاقات العربية الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص471.

([58]) وزارة الخارجية, الاعتداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي, ص57-58؛ جابر الراوي، شط العرب في المنظور القانوني عبر المعاهدات, ص90؛ جابر الراوي، مشكلات الحدود العراقية الايرانية والنزاع المسلح، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989،ص283-286.

([59]) عباس محمود عباس،المصدر السابق , ص66.

([60]) د. سيار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب” العلاقات العربية-الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص540.

([61]) وزارة الخارجية, الاعتداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي, ص60.

([62]) عباس محمود عباس، المصدر السابق، ص58 ومابعدها.

([63]) جابر الراوي، شط العرب في المنظور القانوني عبر المعاهدات, ص92

([64]) خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، ص175؛ وزارة الخارجية الاعتاداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي، ص62-64.

([65])  خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، ص176.

([66])  وزارة الخارجية , تعليق على المزاعم والادعاءات الايرانية حول معاهدة الحدود العراقية الايرانية لعام 1937، ص24؛  وزارة الخارجية, الاعتداءات الفارسية، ص64.

([67]) عماد عبد السلام رؤوف واخرون، الصراع العراقي- الفارسي, بغداد ,1983، ص382؛ جابر الراوي،  مشكلات الحدود العراقية الايرانية والنزاع المسلح، ص282.

([68])  جابر الراوي، مشكلات الحدود العراقية الايرانية والنزاع المسلح، ص290.

(* ) خط التالوك، كلمة المانية متكونة من مقطعين( TAL)و( WEG) وتعني وادي أو (طريق الوادي)  وتستخدم نظرية التالوك لتحديد الحدود في الانهار عن طريق اتباع العمق الملاحي الذي تسير فيه السفن. خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، ص125.

([69])  وزارة الخارجية ، تعليق على المزاعم والادعاءات الايرانية، ص22.

([70]) احمد حميد ياسين ,ايران والقضايا العربية(1967- 1979), رسالة ماجستير (غير منشورة), معهد الدراسات القومية والاشتراكية العليا, جامعة المستنصرية, بغداد،2003,للتفصيل عن المعاهدات ينظر:الملاحق، ص177 ما بعد.

([71]) عباس محمود عباس،المصدر السابق،  ص58-60.

([72]) عماد عبد السلام رؤوف واخرون ،الصراع العراقي الفارسي, المصدر السابق، ص383 ؛ خالد العزي، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون، ص214.

([73]) خالد العزي، الاطماع الفارسية في المنطقة العربية، دار الحرية ، بغداد، 1981 ، ص63.

([74]) للتفصيل يراجع: نص الوثيقة- أف- 9325- المؤرخة في 16 تموز 1969، “الجمهورية” (صحيفة)، بغداد، 17/10/1980.

([75])  جابر الراوي، مشكلات الحدود العراقية الايرانية والنزاع المسلح، المصدر السابق،  ص300-301.

([76]) نذير فضة، طهران مصيرالغرب من عهد الشاه الى جمهورية ايات الله , باريس, 1988, ص 59؛ موسى الموسوي، إيران في ربع قرن،بلا طبعة ,1972, ص158؛ عماد عبد السلام رؤوف واخرون، المصدر السابق، ص384.

([77]) حامد يوسف حمادي، من حرب الأيام الستة الى حرب في عامها الثامن, دار الحرية للطباعة,بغداد,1988,ص35.

([78])  مفيد محمد نوري واخرون، دراسات في الوطن العربي, جامعة الموصل ,1972،ص67.

([79]) جمال الغيطاني، حراس البوابة الشرقية من حرب تشرين الاول الى حرب الشمال،دار الطليعة،بيروت، 1975, ص60.

([80])  المصدر النفسه، ص61.

([81]) محمد جاسم محمد، العلاقات السياسية بين العراق وإيران، “افاق عربية”(مجلة), العدد/1و2، 1983, ص7 -16.

([82]) سعد البزاز، اسرائيل وحرب الخليج “حرب الالتفاف والتطويق”، مركز العالم الثالث للدراسات والنشر، لندن، 1987، ص114-115.

([83]) منسي سلامة، مؤامرة 1986″قصة الاتصالات الاسرائيلية – الايرانية- الامريكية”، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1987، ص15.

([84]) “الثورة”(صحيفة)، بغداد، 1/12/ 1971؛ “الجمهورية”(صحيفة)،  بغداد، 1/12/ 1971؛ موسى الموسوي، ايران في ربع قرن, المصدر السابق، ص 159؛ ابراهيم خليل احمد واخرون، قضايا عربية معاصرة: دراسة تاريخية سياسية، جامعة الموصل، 1972, ص322.

([85])  “الجمهورية”(صحيفة)، بغداد, 10 /6/ 1972؛ “الثورة” (صحيفة)،  بغداد، 19/6/ 1972.

([86]) “الثورة” (صحيفة)، بغداد، 4 /6/ 1972.

(* ) ارسل العراق تشكيلات كبيرة ورئيسية ومهمة من قطعاته العسكرية علما ان هذه القطعات كانت موجودة على الحدود الشرقية والشمالية للعراق تحسبا من أي عدوان يقوم به الشاه او الملا مصطفى البرزاني, قام العراق بنقل قوات كبيرة من الشمال والشرق للمشاركة في الحرب، هذا فضلاً عن ارسال العراق تشكيلات من القوة الجوية الى الجبهتين المصرية والسورية على حد سواء.يراجع: اسعد عبد الرحمن واخرون ,الحرب العربية الاسرائيلية الرابعة وقائع وتفاعلات،  منظمة التحرير الفلسطينية مركز الابحاث, بيروت , 1974، ص21- 45.

([87])  حسن مصطفى احمد ,الجبهة الشرقية ومعاركها في حرب رمضان, بغداد ,مديرية المطابع العسكرية, 1978ص14؛ دور الجيش العراقي في حرب تشرين ,المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت ,1975.

([88]) وزارة الخارجية ,الاعتداءات الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربي ص68 ؛ “ندوة” العلاقات العربية- الايرانية ، المصدر السابق، ص472؛ نزار عبد اللطيف واخرون ، المصدر السابق، ص472.

([89])  جمال الغيطاني، المصدر السابق، ص120.

([90])  أدمون غريب، المصدر السابق، ص 385-386؛ عبد الجبار محمود العمر، المصدر السابق، ص34.

([91])   محمد حسنين هيكل , مدافع أيات اللة ، ص143.

([92])   مصطفى عبد القادر النجار، دراسات تاريخية، ص183.

([93])  وزارة الثقافة والاعلام ,لماذا ألغيت اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران ,بغداد ,1980 ,ص87.

([94] )  عبدالرزاق محمد اسود، المصدر السابق، ص69.

([95])  للتفصيل عن نصوص المعاهدة ينظر: الجمهورية(صحيفة)،بغداد، 7/3/1975؛ الثورة(صحيفة)،بغداد، 10/3/1975؛ وزارة الخارجية، النزاع العراقي الايراني في القانون الدولي”الدفاع  الشرعي بوجه العدوان” ، بغداد،1981،ص57؛احمد حميد ياسين ,ايران والقضايا العربية( 196- 1979),رسالة ماجستير(غير منشورة) , معهد الدراسات القومية والاشتراكية العليا ,جامعة المستنصرية ,2003, الملاحق, ما بعد ص177.

([96] )  مصطفى عبد القادر النجار، دراسات تاريخية، ص185.

([97]) د.سيّار الجميل، الخلافات الحدودية والاقليمية بين العرب والايرانيين، عن كتاب”العلاقات العربية -الايرانية الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل، ص473.

([98]) للتفصيل عن رسائل التهنئة التي بعثت بها الحكومة العراقية الى الحكومة الايرانية ينظر: عبدالرزاق محمد اسود، موسوعة الحرب العراقية-الايرانية، بيروت، 1984، ص123-125.

(86) محمد حسن العيدروس, دراسات في المشرق العربي, ص277.

(87) ادمون غريب، المصدر السابق، ص385.

المصدر: رسالة ماجستير بعنوان ايران والقصايا العربية 1979-1991،من اعداد حسن تركي عمير ، المعهد العالي للدراسات السياسية و الدولية، 2008.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى