هل للفساد تكلفة؟

عند مناقشة مصطلح الفساد لابد من الوقوف على ماهية الفساد بكل ما يحمل هذا المصطلح، حيث يرتبط الفساد في أذهان العديد من الناس “بالشر” وربما يكون أصدق تعريف للفساد هو التعريف الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية على أنه (أي الفساد ) سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة”. ويشمل ذلك بوضوح على جميع أنواع رشاوى المسؤولين المحليين أو السياسيين، ولكنه يستبعد الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع الخاص. وبالمثل، من المفيد أن نميز بين “الرشوة الكبرى” التي يشارك فيها مسؤولين على مستويات رفيعة مثل ووزراء ورؤساء دول، وبين “الرشوة المحدودة” التي يشارك فيها مسؤولون مثل موظفو الجمارك ورجال الشرطة وما إلى ذلك.

ولا يعد ذلك من باب التفرقة في درجات الفساد ولكن عادة ما تكون الرشوة المحدودة بسبب التعجيل بإنهاء إجراءات روتينية أو عدم إنهاء تلك الإجراءات على الإطلاق، ولكن الرشوة الكبرى ترتبط بتأثير صانعي القرار.

وإذا ما ركزنا على الرشوة الكبرى، فان هدفنا ليس التقليل من شان الرشوة المحدودة التي تضر عادة بنوعية حياة المواطن العادي، خاصة هؤلاء الأكثر احتياجاً في المجتمعِ، ولكن لان الرشوة الكبرى يمكنها أن تودي إلى تدمير دول، فاذا ما انتشرت على نطاق واسع “الرشوة الكبرى” يضيع الأمل في إحكام الحصار حول الرشوة المحدودة.

وهناك ثلاثة معايير في تحديد أنواع المبادلات التي تجذب الرشوة الكبرى، أولها حجم الرشوة، فاذا لم يكن حجم المشروع أو موضوع التبادل كبير بما فيه الكفاية، لا يوجد داع للاهتمام به، وثانيهما، فورية المكافأة حيث إن الحصول على الرشوة على مدى سنتين أو ثلاث سنوات لا يعتبر حافزاً حقيقياً، وأخيراً عدم الوضوح، فكلما زاد تعقيد وتقنية موضوع المعاملة كلما قلت احتمالات إثارة الأسئلة بشأنها.

وبتطبيق تلك المعايي، تزداد احتمالات الرشوة في المعاملات المرتبطة بما يلي:-

*المعدات العسكرية، الطائرات، السفن وأجهزة الاتصالات.

* السلع الرأسمالية المستخدمة في المشروعاتِ الصناعية والزراعية الكبرى والمشروعات الكبرى التي تتضمن أعمال الهندسة المد (مثل السدود والموانئ والطرق السريعة).

*ترخيص الصناعات الاستخراجية.

*رسوم الاستثمارات.

*المشتريات الحكومية الكبرى مثل مشتريات قطاع البترول والأسمدة والاسمنت والكتب المدرسية والمستحضرات الدوائية.

ويعتبر الوكيل أو الممثل المحلي عنصراً أساسياً من عناصرِ آلية الفساد الأكبر، فبشكل عام لا يتنقل مديري مبيعات الشركات الكبرى من دولةِ إلى أخرى وهم يحملون حقائب مكتظة بالأوراقِ المالية، بل يقومون بتعيين وكيل لهم يكون عادة من الأعضاءِ البارزين على مستوى المجتمع المحلي ويقدمون له في العادةِ عمولة كبيرة تتراوح بين 10 – 20 % إذا نجحوا في الحصولِ على أحد العقود.

وبذلك لا تكون للشركة الكبرى علاقة غير سليمة مع متخذي القرار، فمديري الشركات لا يحتاجون إلى معرفة حجم العمولة التي اقتطعها الوكيل من عمولته الأساسية لصالحِ آخرين بل يهتمون أساساً بمعرفةِ هل تم تحويل بعض من العمولةِ إلى آخرين أو لا.

وعلى الرغمِ من المسافةِ الفاصلة بين دافع الرشوة ومتلقيها، قد يندهش الكثيرون من اشتراكِ مؤسسات كبرى معروفة في قضية الرشوة. وتفسير ذلك انه على الرغم من إن جميع الدول تعتبر رشوة المسؤولين جريمة إذا كانت الرشوة داخل الدولة ذاتها.

إن عملية المزج بين عدم تجريم مثل تلك الرشاوى وبين تجاهل وجودها الذي ييسره استخدام أحد الوكلاء، هي التي تمكن الشركات الكبرى من إشعالِ فتيل الفساد الأكبر.

عناصر تكلفة الفساد :

1. ارتفاع تكلفة المعاملات:- يُمثل أكثر الآثار وضوحاً للفسادِ في الزيادة المباشرة التي تطرأ على تكلفةِ المعاملات، فاذا قلنا إن قيمة الرشوة ستكون 10 %، فان البائع لن يتحمل جزء كبيراً منها في نهايةِ الأمر ولكنه سيضمنها في السعرِ الذي عرضه، بل إن دفع الرشاوى يتيح للبائع أن يضمن السعر مبلغاً أكبر من قيمة الرشوة. وإذا كانت المعاملة تحتوي على سلعِ أو خدمات مستوردة، ستؤدي زيادة تكلفة الواردات إلى زيادة في حجمِ العملة الأجنبية التي تصرف للبائع لإكمالِ المعاملة وتعتبر مثل تلك العملة الأجنبية في كثيرِ من دولِ النامية من المواردِ النادرة.

غير إن هذه الزيادة في التكلفة لا تعتبر بأي حال من الأحوال الجانب الأكثر جدية بين الجوانب الأخرى فعندما يكون احتمال الحصول على مكاسبِ شخصية عنصراً من العناصرِ ويتحول سريعاً ليحتل مكانة العنصر الأوحد الهام في المعاملة، مع إزاحة عناصر التكلفة والنوعية وموعد وكيفية التوريد وجميع الاعتبارات القانونية الأخرى جانبا عند الموافقة على منع العقود. وينتج عن ذلك اختيار موردين غير مناسبين أو مقاولين غير ملائمين بالإضافة إلى شراء السلع غير المناسبة. ونتيجة لهذا النوع من اتخاذِ القرار، يتم إعطاء أولوية للتوريدات والمشروعات غير الضرورية على حسابِ الأولويات الوطنية الهامة بدون سبب إلا سبب تمكين متخذو القرار الحكوميين من الحصولِ على رشاوى ضخمة. وإذا أخذنا في اعتبارنا إن التوريدات العسكرية هي من الفئاتِ السلعية التي تجتذب بالفعلِ الفساد الأكبر فلا نندهش إذا علمنا إنها كثيراً ما تشترى بدون أي داع .

2. انخفاض القدرة التنافسية:- أكد تقرير نشرتهIMD International في نيسان 2001 العلاقة بين الفساد والقدرة التنافسية للاقتصاد، ويشير التقرير بكل بساطة إلى إن الفساد بالاشتراك مع عوامل أخرى يقلل من قدرةِ الدولة على تأسيس قدرتها التنافسية والمحافظة عليها. كما تشير الدراسة إلى إن الفساد له تكلفة، وان العجز عن المنافسةِ يدخل ضمن هذه التكلفة.

فالفساد أكبر من أن يكون مجرد مسألة اقتصادية، بل أن تصنيف الفساد على أنه مسألة اقتصادية يعتبر تقليلاً من تأثيره الحقيقي على المجتمع ككل. فالفساد يؤدي إلى القضاء على هيبة القانون، كما أنه يؤدي إلى انهيار شديد في البيئة الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وعندما تتلقى أجيال المواطنين الفساد كأسلوب في العمل وطريقة للحصول على مزايا في المجتمعِ يبدأ النسيج ألأخلاقي المجتمعي في الانهيار، وفي عشرات من الاقتصاديات المتحولة نجد الكثير من الأمثلة على آثار الفساد السلبية.

3. تركيز الثروة:- يمكن قياس تكلفة الفساد من تركيزه للثروة في أيدي فئة تجيد أكثر من غيرها استغلال الأنشطة التي لا تتسم بالشفافية، أما الشفافية في السوق فإنها تضع أسس التوزيع المتساوي للثروة وتضع نظاماً يجعل المبادرات الجماعية تحل محل النفوذ الفردي.

4. إشاعة روح اليأس في المجتمعِ:- ولعل أفدح ما للفساد من تكلفة هي إشاعة روح اليأس بين أبناء المجتمع، ويتفق علماء الاجتماع على انه كلما ضعف الأمل انخفضت المبادرة، وعندما تنخفض المبادرة يقل الجهد، وعندما يقل الجهد يقل الانجاز، وبدون انجاز يتوارث الناس الإحباط واليأس جيلا بعد جيل.

أساليب مكافحة الفساد

1.المشاركة في تحمل المسؤولية:- إن مجهوداتنا الدبلوماسية الحالية مع الالتزام بالشفافية وإنفاذ القوانين بصورة فعالة وتكوين شركات قوية بين القطاعين العام والخاص هي التي تصنع الفرق في التحدياتِ التي تواجه الكثير من الدولِ بإيجاد مناخ ملائم للنزاهة والمسائلة، وتعزيز الانفتاح الاقتصادي وفرص النمو، وتدعيم الحريات الشخصية، واحترام سيادة القانون.

2.الإرادة الشعبية والالتزام السياسي:- عندما تقوم الإرادة الشعبية بصياغةِ الإرادة السياسية والتحكم فيها، يتمتع المجتمع بالحريةِ والرخاء، وتؤدي مشاركة المواطنين بطريقة شاملة في الحكومةِ مثلاً مع وجود وسائل أعلام مستقلة إلى عملياتِ مراجعة قوية وتوازنات حرجة لجعلِ عملية المساءلة الحكومية عملية مؤسسية. أما إذا لم تكن الإرادة السياسية فوق مستوى الشبهات فأن الفساد يطفئ نور الديمقراطية ويقضي على روح المبادرة الفردية للقيام بمشروعات خلاقة، ويحول دون جلب رأس المال المطلوب، ويحبط المقومات الأساسية لتحقيقِ مستوى من الكفايةِ الذاتية اللازمة للنمو على المدى الطويل.

3. الوقاية والشفافية وإنفاذ القوانين:- في إطار هذه التغيرات الجغرافية والسياسية، هنالك عامل أخر يمكن أن يساهم مساهمة ايجابية في نجاح مكافحة الفساد وهو العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف في مختلفِ أرجاء العالم لوضعِ المبادئ العامة لمكافحة الفساد وهي:-

*وضع اعتراف مقبول دولياً فيما يتعلق بتحديد الفساد.

*تجيع قيام الحكومة بعمليات تقييم ذاتي فيما يتعلق بالفساد الداخلي في نطاق حدودها.

*الاعتراف بأن الفساد يمثل عقبة أمام التنمية وأن له مضاعفات محلية ودولية خطيرة.

*زيادة التعاون الدولي.

4. الدور الذي تمارسه جمعيات الأعمال:- تلعب جمعيات ألأعمال دوراً لا يستهان به في مجالِ مكافحة الفساد ومن الممكن أن تصبح الجمعيات مصدراً لتقديمِ المعلومات إذا أعدت قوائم بالحواجزِ القانونية واللوائح المزدوجة ثم نقلت هذه المعلومات إلى الحكومةِ ووسائل الإعلام والشركات ألأعضاء، ومن خلال سعيها لكسبِ التأييد يمكن لجمعياتِ الأعمال أن توجد نظاماً للمسائلة وان تواصل الضغط لإدخال إصلاحات السوق التي تقضي على الفسادِ.

5. نشر المعلومات الاقتصادية والمالية:- يُعد نقص المعلومات الاقتصادية والمالية حجر عثرة أمام اجتثاث جذور الفساد وعليه يجب المطالبة بمزيد من الاهتمام لتقديم أمثلة وإحصائيات تسلط الضوء على التكلفة العالية التي تتحملها الشركات بسبب الفساد.

ومن خلال نشر المعلومات الاقتصادية والمالية وتأثيرها على مكافحة الفساد يصبح من الممكن لشركاتِ القطاع الخاص والأفراد الملتزمين لتحسين بيئة العمل وضع نظام إيجابي لتقوية الشركات وتعزيزها.
******
محمد فاضل الياسري

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button