أخبار ومعلومات

أزمة الطاقة …هل تعجل لانجاز مشروع خط الغاز أبوجا والجزائر؟

عرفت الجزائر في أقل من شهر ، زيارات مكوكية غير مسبوقة لوزراء خارجية كل من اسبانيا ، ايطاليا ، الولايات المتحدة الأمريكية والبرتغال ، بمجرد اندلاع الحرب الروسية الأكرانية ، بالرغم من أن الجزائر ليست طرفا في هذه الحرب التي تبعد عنها بألاف الكيلومترات ، لكن مع ذلك يؤشر هذا الانزال الوزاري الأجنبي في ظرف قياسي ، أن تلك الحرب وان كانت بعيدة جغرافيا فهي ليست كذلك جيوستراتيجيا بعدما جعلت الجزائر في قلب التجاذبات الدبلوماسية الدولية .

عندما ترسل واشنطن وزير خارجيتها أنتوني بلينكن بمعية نائبته ويندي شيرمان للجزائر ، في أقل من أسبوعين كفارق بين زيارة الأولى والثاني ، ولما توفد أوربا وزير الخارجية الايطالي رفقة وفد اقتصادي هام يتقدمه المدير العام لشركة ” ايني ” ، ولم تتأخر اسبانيا والبرتغال عن ارسال وزراء خارجيتها ، لبحث ملفات على صلة مباشرة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، ويتعلق الأمر بملف امدادات الطاقة ، فهو حراك دبلوماسي لا يترك مجالا للشك في أن الجزائر توجد في قلب  المعركة وليست مجرد لاعب ثانوي في الخريطة الطاقوية الجهوية والدولية .

لم تختلف مطالب هؤلاء الزوار ، عن دعوة الجزائر الى رفع امداداتها من الغاز لأوربا التي تواجه أزمة في مخزوناتها بسبب العقوبات التي فرضتها على روسيا وما تولد عنه من تذبذب وقلق في البورصات العالمية ، حيث شهدت أسعار البترول والغاز مستويات قياسية ، بدأت تلقي بثقلها على يوميات المواطن الأوربي وقدرته الشرائية . واشنطن ومن ورائها أوربا ، تبحث عن بديل للغاز الروسي ، مما جعل الجزائر تجد نفسها رغما عنها ، تدخل ضمن حلبة الصراع الطاقوي ، خصوصا بالنظر لقدراتها الانتاجية وبالأخص لقربها من القارة الأوربية .

لكن هل بمقدور الجزائر أن تكون بديلا للغاز الروسي في امداد أوربا ؟ .صحيح أن الجزائر أبدت ، منذ بدء روسيا غزو أوكرانيا، ، استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز المسال الى الاتحاد الأوربي ،واعترفت لها الدول المستهلكة بأنها ” شريك موثوق فيه ” ، لكن لا يمكن تحميلها أكثر من طاقتها وجعلها في مواجهة مع شركاء أخرين من أجل ارضاء أطراف أخرى . لقد أعلنت الجزائر قبل أيام ، على لسان  رئيس الجمهورية ، أن الجزائر ستستثمر 39 مليار دولار لأجل تطوير القطاع النفطي ، من مواردها الذاتية ، ولم اسمع للأسف أي دولة من التي تطالب الجزائر بزيادة امداداتها من الغاز بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية ، أعلنت أنها ستضع يدها في جيبها لتساهم مع الجزائر في هذه الفاتورة الاستثمارية الثقيلة ، سواء بالاستثمار في الاستكشاف أو في تطوير الحقول الحالية أو حتى في قطاعات خارج المحروقات ، وهو الحد الأدنى الذي يجب تقديمه كواجب لشكر ” الشريك الموثوق به ” ، الذي يوفر الطاقة بانتظام لزبائنه حتى يضمنوا ” أمنهم الطاقوي “.

ومن الخطأ الاعتقاد أن الجزائر تملك عصا سحرية لرفع طاقة انتاجها بين عشية وضحاها ، لأن الأمر يحتاج الى استثمارات ضخمة وموارد مالية كبيرة ليس من السهل توفيرها لاعتبارات متعددة .وفي الوقت الحالي، يبلغ عدد خطوط الأنابيب المباشرة لنقل الغاز من أفريقيا إلى أوروبا، أربعة خطوط، لكن جميعها تخرج من الجزائر سواء باتجاه ايطاليا أو اسبانيا. فيما يكمن التحدي الأبرز في بناء بنية تحتية جديدة في منطقة جنوب الصحراء لربطها مع خطوط أنابيب منطقة شمال أفريقيا. لقد كان من النتائج الأولية للحرب الروسية الأوكرانية ، أن صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن الغاز الطبيعي لن يتدفق عبر خط أنابيب “نورد ستريم 2” الروسي إلى ألمانيا، وهو الخط الذي كلف انجازه 11 مليار دولار بين روسيا وألمانيا بأوكرانيا لمد دول أوروبا الشرقية بالطاقة، لكنه لم يتلق بعد الشهادة النهائية من المنظمين الألمان ، بسبب المعارضة التي أبدتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي ، لأنها ترى  أن المشروع سيزيد من نفوذ موسكو في أوروبا ، من باب أن “نورد ستريم 2” بإمكانه ضخ حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا ، ما يمثل هذا أكثر من 50٪ من الاستهلاك السنوي لألمانيا، ويمكن أن يحقق ما يصل إلى 15 مليار دولار لشركة غازبروم، الشركة الروسية.

لكن اذا كانت الولايات المتحدة قد حققت أول مكسب لها من الحرب الروسية الأوكرانية ، بوقف مشروع ” نورد ستريم 2 “، فماهي البدائل المطروحة لتعويض الغاز الروسي نحو أوربا ؟. لقد وعدت واشنطن حلفائها الغربيين بتزويدهم بـ 13 مليار متر مكعب من الغاز المسال للحفاظ على مخزوناتها ، لكنه يبقى حلا محدودا .

فهل ستكون الأزمة الروسية الأوكرانية ، فرصة لحلحلة مشروع أنبوب الغاز بين الجزائر وأبوجا باتجاه أوربا ” نيغال “المتأرجح منذ سنوات ، بسبب غياب التمويل والاستثمار خاصة من طرف البلدان المتقدمة ، وخصوصا فرنسا التي لا تريد أن تتحول الدول الافريقية الى فاعل اقليمي وجيوستراتيجي .و يتضمن هذا المشروع الذي تقدر تكلفته أزيد من 10 مليار دولار ، إنجاز خط أنابيب للغاز يزيد طوله عن 4000 كيلومتر يمتد من نيجيريا وصولا إلى الجزائر مرورا بالنيجر، من أجل نقل “30 مليار” متر مكعب من الغاز وذلك باستخدام شبكة أنابيب الغاز الجزائرية. فهل سيبعث هذا المشروع من تحت الأنقاض ، باعتباره أحد النتائج التي سيولدها عالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية ؟.

إذا كان وزراء خارجية أوربا لم يخفوا حاجتهم الى زيادة الجزائر في انتاجها النفطي والغازي ، خصوصا في ظل انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية ، فإنهم في المقابل لم يشجعوا يوما ، مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الأقل ، حتى لا نقول حكومات بلادهم ، لتمويل مشروع أنبوب الغاز الجزائر نيجيريا الذي له انعكاسات ايجابية على أفريقيا وأوربا في آن واحد . ولذلك لا يستغرب أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي الى المغرب وبعدها الى الجزائر شهر مارس ، أن تكون عينه من أجل فتح القوس ، على أنبوب الغاز الجزائري المتوقف العابر عبر المغرب ، وطلب لإعادة تشغيله ولو ظرفيا ، والسعى لإقناع الطرف الجزائري بأنه كمساهمة لإعادة التوازن للسوق الغازية التي تواجه نقص في الامدادات ، بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا المتهمة بتوظيف ورقة الغاز سياسيا واستراتيجيا في معركتها ضد الحلف الأطلسي .

وبالرغم من الضغوط التي تواجهها والتي فرضتها التحولات المتولدة عن الحرب الروسية الأوكرانية ، ظلت الجزائر حريصة على أن تكون ” شريك موثوق به ” ، في مجال تزويد شركائها بالإمدادات الطاقوية ، وضمنت ذلك حتى خلال الظروف الصعبة التي مرت بها ، لكنها في ذات الوقت تسعى دوما لتنويع شركائها الاقتصاديين والتجاريين وترفض الاصطفاف وراء ” الأحلاف ” العسكرية ، وترافع من أجل علاقات دولية عادلة ومستقرة ومتعددة الأطراف والأقطاب ، وتجلى ذلك في امتناع الجزائر عن التصويت خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قرار ادانة ” الغزو الروسي لأوكرانيا “، وأيضا من خلال البيان المشترك بين البلدين الذي توج زيارة وزير الخارجية رمطان لعمامرة الى الصين الأسبوع الفارط ، أو في مشاركة لعمامرة في المنتدى الدولي  بالدوحة ، وذلك في سياق بعث رسالة على أن الجزائر تساهم برفقة صناع القرار على المستوى العالمي, لمواجهة التحديات و بلورة تصورات جديدة ومستحدثة كفيلة بمواكبة التوجهات الجيوسياسية الجديدة ومجابهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المعاصرة .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى