دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات سياسية

أسبـاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: النظرية والواقع

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية\ن القاهرة، المقالة 4، المجلد 21، العدد 1 – الرقم المسلسل للعدد 82، الشتاء 2020، الصفحة 99-132 

المؤلف أسـامة فاروق مخيمر،أستاذ العلوم السیاسیة المساعد، کلیة السیاسة والاقتصاد ، جامعة بنى سویف، مصر.

جاء تصويت الشعب البريطاني لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي فيما عرف باسم (البريکست)، ليضرب أکثر وأکبر نماذج التکامل الإقليمي نجاحا حول العالم، وهو الاتحاد الأوروبي (المکون من  28 دولة بما فيها بريطانيا) والذي قطع شوطا کبيرا وغير مسبوق في تحقيق التکامل بين دوله. وبناء عليه فإن ذلک الخروج يتطلب دراسة الأسس النظرية التي قام عليها الاتحاد الأوروبي في تکامله، وأيضا فهم الأسس النظرية، والأسباب العملية التي تسببت في دفع الشعب البريطاني للتصويت لصالح الخروج، وهو ما تهدف الدراسة الى تحقيقه.

فی یوم 23 یونیو عام 2016 صوت الشعب البریطانی لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبی فیما عرف باسم (البریکست)  Brexit بنسبة 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة. وقد أحدث تصویت البریطانیین لصالح الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی حدثا مهما على مستوى المراقبین والدارسین لتجارب التکامل الإقلیمی حول العالم، الذین طالما رأوا فی تجربة الاتحاد الأوروبی، منذ تأسیسه ونشأته، مثالا على منهج التدرج فی التکامل، والإصرار على التغلب على الصعوبات التی واجهت الاتحاد منذ تأسیس المجموعة الأوروبیة للفحم والصلب عام 1951. فقد ظلت التجربة الأوروبیة تقدم للعالم باعتبارها النموذج الأمثل فی مجال التکامل الإقلیمی، بل طرحت باعتبارها النموذج المثالی لتطبیق نظریات التکامل، وکما تلاحظ الدراسات المنشورة فی هذا المجال فإن معظم مشروعات التکامل الإقلیمی أو الإقلیمیةregionalism  ، خلال الفترة من بعد الحرب العالمیة الثانیة وحتی نهایة الحرب الباردة، قد فشلت فی تحقیق أهدافها الرئیسیة رغم محاولتها الانتقال التدریجی من مرحلة الى أخرى، ولم تفلح فی الوصول الى ما وصلت الیه التجربة الأوروبیة فی مجال التکامل[1].

وعلاوة على تأثر أدبیات التکامل الإقلیمی بالتجربة الأوروبیة، وتکنولوجیا النقل والاتصال فی تحدید مفهوم الإقلیم، فقد کان للتجربة الأوروبیة تأثیر آخر هام على أدبیات التکامل الإقلیمی، وهو اعتبار هذه التجربة بمراحلها التدریجیة الخمس: 1- منطقة التجارة الحرة، 2- الاتحاد الجمرکی، 3- السوق المشترکة،4- الوحدة الاقتصادیة، 5- الوحدة السیاسیة، بمثابة النموذج المثالی للتکامل الإقلیمی على أرض الواقع، ولیس فقط فی مجال الفکر والنظریات السیاسیة والاقتصادیة[2].

إشکالیة الدراسة:

سوف نتطرق فی هذه الدراسة إلى البحث عن الأسباب التی دفعت الشعب البریطانی للتصویت لصالح الخروج، بما یعنی لیس فقط خروج دولة هامة من عضویة الاتحاد الأوروبی ( 28 دولة)، بل إضعاف تجربة ناجحة، بل تعد الأنجح فی مجال التکامل الإقلیمی وهی تجربة الاتحاد الأوروبی. وهذا ما یستدعی أن یکون السؤال البحثی الرئیسی هو: ما هی الأسباب والدوافع فی أدبیات التکامل الإقلیمی وکذلک التفکک، التی یمکن من خلالها تفسیر خروج بریطانیا من عضویة الاتحاد الأوروبی؟ إضافة الى البحث عن ماهی الأسباب العملیة التی حفزت ودفعت البریطانیین للتصویت لصالح الخروج، بعد ما یزید عن أربعة عقود من العضویة؟

تحدید المفاهیم:

بریطانیا: المقصود ببریطانیا هنا فی الدراسة هو “المملکة المتحدة” الدولة العضو فی الاتحاد الأوروبی، واسمها الرسمی هو المملکة المتحدة لبریطانیا العظمی وشمال أیرلندا. “United Kingdom of Great Britain and Northern Ireland”، غیر أن الاستعمال الشائع لها هو بریطانیا فتم استخدامه.

البریکست: المقصود بمصطلح “البریکست”(Britain exit) Brexit   أی خروج بریطانیا. ویشیر إلى تصویت الشعب البریطانی لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبی فی یوم 23 یونیو عام 2016 بنسبة 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة، وذلک بعد مرور 43 عاما من العضویة فی الاتحاد الأوروبی بمراحله المختلفة.

تقسیم الدراسة:

تنقسم الدراسة الى قسمین: القسم الأول نظری ویتضمن الأسباب والدوافع فی أدبیات التکامل والتفکک المفسرة للبریکست، والقسم الثانی یتضمن الأسباب والدوافع المفسرة لهذا الخروج من ناحیة فعلیة.

القسم الأول: أسباب ودوافع التکامل وعوامل التفکك

سوف نتطرق فی هذا الجزء من الدراسة الى الأدبیات النظریة حول موضوع التکامل الإقلیمی، وتلک التی تناولت موضوع التفکک  disintegration بهدف الاستفادة منها فی فهم حالة بریطانیا فی علاقتها مع الاتحاد الأوروبی.

نظریات التکامل الإقلیمي

تعد الأدبیات النظریة المنشورة حول موضوع التکامل الإقلیمی الأکثر حضورا، مقارنة مع الأدبیات التی تناولت موضوع التفکک disintegration . ویبدو ذلک طبیعیا فالبناء یبدأ أولا ویستمر ثم یشوبه الضعف والتفکک. والهدف الأساسی والایجابی هو تحقیق التکامل الاقتصادی؛ بما یتطلبه ذلک من تناغم وتقارب فی السیاسات، فی حین أن التفکک هو نتیجة لعوامل سلبیة وأخطاء فی عملیة التکامل. ومما لا شک فیه أن الجانبین معا (التکامل والتفکک) یشکلان وجهان لعملة واحدة، ویکمل کل منها الآخر؛ فللحفاظ على التکامل الإقلیمی وتقویته ینبغی دراسة عوامل وأسباب ضعفه وتفککه ومعالجتها. وسوف نتطرق فیما یلی إلى الأدبیات المنشورة عن نظریات التکامل والتفکک.

تشیر بعض الدراسات التی تناولت تجربة الاتحاد الأوروبی، فی محاولة لاستخلاص الدروس المستفادة منها الى أن المنهج الوظیفی الذی اعتمدت علیه التجربة الأوروبیة کمدخل لتحقیق الوحدة، ونجحت فیه، لم یکن خیارا، بقدر ما کان ضرورة دفعت الیه واقع التاریخ والحاضر الأوروبی. “فهذا المدخل کان هو الوحید القادر على تحقیق وحدة فی ظل تنوع قومی وثقافی وعرقی، وعلى أساس من تبادل المنافع وتکافؤها، وفی ظل سیادة الدیمقراطیة وحقوق الانسان”[3]. واضافة الى أن التجربة الأوروبیة تمکنت من تحقیق مراحل التکامل وفقا لنهج متدرج، تجنب القفزات السریعة والمفاجئة، وحافظ على بناء على مصالح ومنافع متبادلة، فقد تمیزت التجربة الأوروبیة بأنها تجربة فی التکامل بین دول قومیة مکتملة النضج، لکل منها خصوصیتها وهویتها القومیة، حیث استقر لدى الجمیع أن الهدف من تلک العملیة لیس إضعاف هذه الخصوصیات، بل دعمها وتقویتها وإزالة ما بینها من تناقض. کما تمیزت بأنها تجربة للتکامل بین نظم دیمقراطیة تحترم حقوق الانسان والمواطن، فقد ترسخ فی الوجدان والفکر الأوروبی بعد سنوات طویلة من الحروب والصراعات، أن الاستقرار لن یتحقق إلا فی ظل نظم دیمقراطیة تحترم کرامة الانسان وتحافظ على حقوقه، وهو ما یفسر إصرار الجماعة الأوروبیة على فرض الدیمقراطیة شرطا مسبقا للعضویة، والانخراط فی العملیة التکاملیة[4].

لقدد ساهمت “الوظیفیة”  functionalism فی تفسیر ظهور المنظمات الدولیة فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر وبدایات القرن العشرین، وبلغت الکتابات حول الوظیفیة ذروتها فی الأربعینات من القرن الماضی عندما نشر دیفید میترانى ،الذی یعد الرائد الحقیقی للفکر الوظیفی التکاملی، کتاباته حول الموضوع. فقد دعت الوظیفیة إلى دراسة التغیرات السیاسیة التی تؤدى إلى تحول فی طبیعة السیاسات الموجودة (الدولة والنظام الدولی). ونقطة البدایة هی افتراض وجود عملیة تغییر وتطویر فی المجتمع والدولة أساسها التطور العلمی والتکنولوجی فی المجتمع الغربی، وتحت تأثیر تلک العملیة، فإن التغیرات الحادثة فی المجتمع والاقتصاد تجعلهما یظهران کأنهما یخلقان وظائف وحاجات جدیدة لسلطات سیاسیة، أوسع فی نطاقها الجغرافی من أیة دولة. وهذا ما جعل رائد الوظیفیة دیفید میترانی، یقترح خلق مؤسسات دولیة على أساس الوظائف، تنطلق أولاً من معالجة مسائل فنیة محددة وتطور تدریجیا فی میدان التعاون الدولی وفقا ً لمبدأ “أن الشکل یتبع الوظیفة”Form Follows Function [5]. وأن الأشکال الجدیدة من المؤسسات السیاسیة الدولیة سوف تختلف کلیة عن نموذج الدولة القومیة التی هیمنت على قارة أوروبا وبقیة العالم منذ توقیع صلح وستفالیا عام 1648. فإنشاء مجموعة وکالات متعددة الوظائف ینظر إلیها کمساهمة فی ظهور أنواع جدیدة من السیاسات والنظام السیاسی على المستوى الدولی، وفوق القومی، یمکن أن یتحول خلاله نظام توازن القوى إلى “نظام لعمل السلام”working peace system  یقوم على الاعتماد المتبادل فی القدرات والترابط الأمنی. ولم تحدد الوظیفیة خطوات بعینها من أجل الوصول إلى أهدافها إنما تحدد الاتجاه العام المتمثل فی المجتمع الدولی والسلطة السیاسیة[6]. وأشار دیفید میترانی إلى أن التعاون عبر القومی سوف یتنامى لیصبح نظام اعتماد متبادل، تکون السمة الغالبة علیه هی الحاجة لحل المشاکل المشترکة.

وتعتمد الوظیفیة عند میترانى على مجموعة من الافتراضات کما یلی[7]:

أ- أن الخلل فی التوازنات الاجتماعیة والاقتصادیة یعد بمثابة الأسباب الرئیسیة للحرب، کما أن انتعاش الأوضاع الاجتماعیة والاقتصادیة هو متطلب للسلام.

ب- أن النظام الدولی القائم على دولة قومیة تقوم على أسس جغرافیة، لم یعد یتناسب مع مرحلة التطور التی یمر بها النظام الدولی، فهو لا یستطیع التعامل مع المشکلات الاقتصادیة والاجتماعیة الأساسیة؛ لأن المجتمع الدولی مقسم إلى وحدات سیاسیة منفردة على أساس الإقلیم ولیس على أساس المشکلات التی یتوجب حلها. وهذا یؤدى بدوره إلى الافتراض بأن الوظیفة ولیس الإقلیم سوف تکون أکثر ملاءمة لإیجاد حلول للمشکلات الاقتصادیة والاجتماعیة الأساسیة.

جـ- تهدف الوظیفیة إلى توفیر الأدوات والوسائل اللازمة للتغلب على الشکوک وانعدام الثقة بین الأطراف، والتی کانت دوماً مانعاً أمام بناء السلام، ولذلک فإن التعاون الوظیفی یمکن أن یبدأ بالمشکلات ذات الطبیعة الفنیة ثم المشکلات السیاسیة فی مرحلة لاحقة.

د – أن الخبرة التعاونیة التی تکتسب فی أحد الجوانب الوظیفیة یمکن أن تنقل إلى أخرى، وأن التعاون سوف یمتد إلى العدید من الوظائف، وبحیث یشکل فی نهایة الأمر شبکة من الأنشطة والوکالات الدولیة تغطى الأقسام السیاسیة. ویستعمل دیفید میترانى مفهوم “عامل الانتشار”، والذى یعنى التفرع والتشعب الذى یسمح بزیادة المصالح المترابطة مما یخلق حاجة مشترکة للسلم والتنمیة.

هـ- أخیراً سوف تحتاج تلک الوکالات إلى أجهزة تنسیقیة فیما بینها، والتی سوف تحتاج بدورها إلى مؤسسات للتخطیط، وکل ذلک سوف یتبلور فی وجود سلطة عامة علیا شاملة للتعاون.

و- تعتمد الوظیفیة على منهج التدرج؛ فالتطور المؤسسی یتسم بالتدرجیة والواقعیة المرتبطة بالتجربة.

ویرى دعاة الوظیفیة أنها تمر بأربع خطوات أو مراحل کما یلى[8]:

أولا: نشأة ظروف تاریخیة جدیدة تنتج عنها وظائف جدیدة، والتی تتطلب بدورها وجود أشکال من الترتیبات المؤسسیة على المستوى الدولی.

ثانیا: یأتی رد الفعل المؤسسی للتعامل مع تلک الظروف، ویرسم الخطوط العامة التی یجب أن تسیر علیها تلک الترتیبات المؤسسیة وما یصاحبها من تعدیل.

ثالثا: تشعب وتوسع هذا النوع من الإدارة الوظیفیة، حیث یأتی فی إطار تأثیره على الشعوب والدول.

 رابعا: أن الأثر التراکمی لهذه العملیة من التوسع سوف یکون نظاماً وظیفیاً دولیاً یهدف إلى تحقیق أمرین: الأول تحقیق السلام، والثانی قیام حکومة دولیة للمجتمع الدولی.

والحقیقة أن “الوظیفیة” کانت بمثابة الشرارة التی أطلقت عمل باقی الأفکار والکتابات عن الإقلیمیة والنظام الإقلیمی، وهو مفهوم حدیث لم تتداوله الدراسات إلاّ فی الستینیات والسبعینیات، وإن کان یمکن إرجاع جذوره فی الفکر السیاسی إلى قبل ذلک، حیث کان مفهوم الإقلیمیة أحد الموضوعات الأساسیة فی مجال التنظیم الدولی. ودار جدل طویل حول ما عرف “بالعالمیة فی مواجهة الإقلیمیة”، وأی المنهاجین ینبغی إتباعه لتنظیم المجتمع الدولی وحفظ السلم بین الدول. فکان هناک من اقترح تنظیماً عالمیاً یشمل کافة الدول وهؤلاء هم أنصار العالمیة، بینما رأى آخرون أن إقامة تنظیمات إقلیمیة هو الطریق الأفضل لتحقیق السلم والأمن الدولیین[9].

وإذا کانت المدرسة الوظیفیة تعد بمثابة أحد الأعمدة السیاسیة فی فهم بناء النظام الإقلیمی، فإن مدرسة التکامل Integration قد تمکنت من بلورة مفاهیم حاکمة ومتعددة لفهم التکامل الإقلیمی، حیث قدمت أربعة مناهج یتم بها التکامل هی:[10]

1-       الفیدرالیة Federalism ومن أبرز دعاتها أمیتاى أتزیونى.

2-       التفاعلیة Transactionalism، ومن أبرز دعاتها کارل دویتش بتطویره لنظریة الاتصال.

3-       الوظیفیة Functionalism التی تبلورت فی کتابات دیفید میترانى.

4-       الوظیفیة الجدیدة New Functionalism ومن أبرز دعاتها أرنست هاس، جوزیف ناى، لیون لیندبرج.

ویعرف هاس التکامل بأنه[11] العملیة التی یقتنع بموجبها مجموعة من الفاعلین السیاسیین فی وحدات قومیة مستقلة بتحویل ولاءاتهم، وتوقعاتهم وأنشطتهم السیاسیة نحو مرکز جدید وکبیر یمتلک سلطة أعلى على الوحدات (الدول القومیة). وقد أرتکز هاس مثل میترانى على عامل الانتشارSpill- over، معتبراً أن النجاح فی أحد أبعاد التعاون الاقتصادی سیعزز مصالح النخب السیاسیة والمؤسسات الحکومیة فی الانطلاق إلى أبعاد تعاون جدیدة، وهکذا تتحقق عملیة التکامل.

ملاحظات على المنهج الوظیفی:

1-    الوظیفیة على صعید الواقع أسبق فی الوجود منها على الصعید النظری. فقد ظهرت المنظمة الحکومیة الدولیة على المستوى الدولی أول مرة فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر، حیث نشأ معظمها منذ عام 1865 . فقد جاء إنشاء اتحاد البرق العالمی عام  1865، والمنظمة العالمیة للأرصاد الجویة عام 1873، ونحو عشرین منظمة من هذا النوع على النطاق العالمی والإقلیمی قبل الحرب العالمیة الأولى. وکان الجدید هو وجود منظمة حکومیة دولیة تربط بین أجهزة فی عدة دول. وقد شکّل هذا النهج الأساس الفلسفی للنظریة الوظیفیة التی ظهرت فیما بعد، والتی دعت إلى التعاون والتکامل  الدولی فی المیادین غیر السیاسیة[12].

2-    یرجع بعض الدارسین أصول المنهج الوظیفی إلى نظریة العضویة وعلم الأحیاء. ومن أبرز أمثلتها نظریة “داروین” فی التطور وفکرته فی الانتخاب الطبیعی، وترجع أصوله فی علم الاجتماع إلى إمیل دورکهایم، ومالینوفیسکى وغیرهما، وفى السیاسة إلى دیفید إیستون صاحب اقتراب “تحلیل النظم”.[13]

3- یتمیز المنهج الوظیفی بأنه منهج تطبیقی یسبق فیه الفعل والأداء، الشکل والإطار النظری.

4-جاءت المدرسة الوظیفیة – وبخاصة ولیدتها مدرسة التکامل – لترد على معظم الأفکار التی عبر عنها أنصار “المدرسة الواقعیة” أمثال مورجنثاو، ریمون أرون، ومورتون کابلان…، أصحاب نظریة القوة فی العلاقات الدولیة، بنظریة معاکسة تتبلور فی البناء التدرجی للکل من الأجزاء، وربط السلام برباط المصالح وتشابک الوظائف بین المجتمعات.

الوظیفیة الجدیدة:

یعتبر إرنست هاس رائد نظریة الوظیفیة الجدیدة، وتعتبر الوظیفیة الجدیدة امتداد للوظیفیة التقلیدیة، ورد فعل علیها. مع بعض الاختلافات مثل البعد المکانی للتکامل ومؤشراته ودوافعه. فترى الوظیفیة الجدیدة أن علاقات التکامل لها تأثیرات وضحة على السیادة، ولاسیما التنظیم الفیدرالی الذی تطمح الی تحقیقه؛ لأن درجة التکامل فیه تکون عالیة، ومن ثم یتوقع أن تتحقق مکاسب وفوائد عدیدة للأطراف المعنیة. لذلک فهی ترکز على التکامل الأوروبی بل انها تعد أول نظریة کبرى للتکامل الأوروبی[14].  کما تعد الوظیفیة الجدیدة من أوائل النظریات التی أعطت أهمیة واضحة لعوامل التفکک، رغم کونها ترکز فی الأساس على عملیة التکامل مع الاتحاد الأوروبی.

وقد حدد إرنست هاس مفهوم التکامل الأوروبی على النحو التالی: “إن التکامل السیاسی هو العملیة التی یتم بموجبها إقناع الجهات السیاسیة الفاعلة فی العدید من البیئات الوطنیة المتمیزة بتحویل ولائها وتوقعاتها وأنشطتها السیاسیة نحو مرکز جدید، تمتلک مؤسساته أو تطالب بالاختصاص القضائی على الدول الوطنیة القائمة سابقا”[15].

وتعتمد النظریة الوظیفیة الجدیدة على عدة أسس هی:[16]

الترکیز على التکامل الإقلیمی بدل التکامل الشامل: فعلى عکس میترانی، یعتقد هاس أنه لا بد من تحقیق التکامل الإقلیمی، نظرا لصعوبة تحقیق التکامل الشامل، وهو الأمر الذی قد یعود الى ترکیز هاس على دراسة الاتحاد الأوروبی.

الدولة لیست الفاعل الوحید: إن الدولة لیست الفاعل الوحید فی النظام الدولی أو النظام الإقلیمی، کما أن الهویات المشترکة لیست المحرک الأساسی للتکامل، بل أن المحرک هو الصفات المشترکة التی تحفز النخبة على اتخاذ قرارات مشترکة فی بیئة تفتقد المعلومة الدقیقة. وتعتبر الوظائف هی الرکیزة الأساسیة لمسار التکامل الذی یجب أن ینطلق من القضایا التی تتمتع بأکبر قدر من الاتفاق؛ حیث یسهل التعامل معها ومن ثم الانطلاق منها الى مسائل أکثر تعقیدا.

الانتشار: حسب الوظیفیة الجدیدة فإن الانتشار Spill- over هو ذلک المسار حیث یکون نشاط معین ذو علاقة مع هدف محدد، یقود إلى نشاط آخر، والذی بدوره یخلق لنا حاجات أخرى. ولا یمکن تحقیق التکامل ونقل الولاءات من الدولة القومیة إلى المراکز فوق القومیة من دون تحقیق الانتشار على مستوى المجال. وتعتمد عملیة الانتشار لدى الوظیفیین الجدد على الدور المحوری للقوى السیاسیة والرأی العام کعامل وسیط بین التکامل الاقتصادی والسیاسی، وبهذا المعنى أکدت الوظیفیة الجدیدة أن الطابع النفعی للقوى السیاسیة هو الذی سیدفع نحو انتقال التکامل من قطاع الى آخر، وانتقال عملیة صنع القرار من المستوى الوطنی الى المؤسسات فوق الوطنیة[17].

الولاء: ویقصد به أن نجاح التکامل الإقلیمی متوقف على مدى النجاح فی نقل الولاءات من المستوى الوطنی إلى المستوى الإقلیمی. مع التأکید على أن مسار الولاء لا ینفصل عن مسار الانتشار، ولن یغیر  المواطنون من ولاءاتهم إلا إذا تم إرضاؤهم.

الفرضیات الأساسیة للوظیفیة الجدیدة ومن أهمها:

   اعتمدت الوظیفیة الجدیدة على عدد من الفرضیات سوف نتطرق فیما یلی إلى أهمها[18]:

التکامل الاقتصادی یقود إلى الاعتماد المتبادل: تشیر الوظیفیة الجدیدة إلى أن رفع الحواجز عن التجارة  والاستثمار  وحرکة الأفراد، ووضع قواعد مشترکة من أجل تنظیم السوق، یقود إلى تنامی مستمر للاعتماد المتبادل بین الدول الأعضاء[19].

تحقیق الأمن: إن الفائدة الأولى المتوقعة من التکامل الإقلیمی هی تحقیق الأمن، سواء کان التهدید من طرف فاعل خارجی أو تهدید من طرف داخلی.

دور الخبراء: یکلف الخبراء بالعدید من المهام، سواء على مستوى المنظمة الإقلیمیة أو على مستوى البیروقراطیات الوطنیة، ومن المفترض أن یقترح الخبراء مبادرات جدیدة، حالة توفر الفرصة لذلک  خاصة أثناء الأزمات. ومن المفترض أیضا، أن یکون الخبراء متحفظین بخصوص التسیس المبکر للمنظمة الإقلیمیة.

احترام قرارات المنظمة فوق القومیة: إن سیاسات المنظمات الإقلیمیة فوق القومیة، لا بد أن تکون قادرة على تعزیز نفسها بشکل ذاتی، فالدول الأعضاء یجب أن تحترم الالتزام بتنفیذ سیاسات المنظمة بشکل طوعی وفعال، حتى وإن لم یتم المصادقة على القرارات المتخذة. فالمنظمة فوق القومیة لن تجبر على حیازة الاحتکار على استخدام القوة الشرعیة داخل حدودها الإقلیمیة من أجل ضمان الالتزام، لکنها سوف تعتمد بشکل متنامی على قدراتها لأجل الفصل فی النزاعات بین الدول الأعضاء، وخاصة فیما یتعلق بتوزیع الفوائد.

التقارب: یقود الاعتماد المتبادل والتقاسم المشترک للعائدات للتقارب بین الدول الأعضاء، سواء تعلق الأمر بالأداء الاقتصادی أو الحمایة الاجتماعیة. هذا التقارب یعرف بالتقارب التصاعدی حیث تصبح مستویات أداء الدول الضعیفة فی المسار التکاملی أقرب إلى مستویات أداء الدول القویة. وفی حالة غیاب هذا التقارب، ستقوم المنظمة فوق الإقلیمیة بتعویض الخاسرین فی المسار التکاملی، من خلال التعامل المرون أو من خلال إعادة توزیع العائدات المادیة.

النزاع والتسیس: یؤدی مسار التکامل الإقلیمی إلى نزاعات بین الدول الأعضاء، وخاصة فی المراحل الأولى، أی عندما یکون من الصعب معرفة النتائج المترتبة على القرارات الجماعیة. أغلب النزاعات تکون مصادرها داخلیة ، وناجمة عن مسار التکامل فی حد ذاته. والطریقة الوحیدة للتعامل مع هذا النوع من النزاعات ذات شقین: الشق الأول، یتطلب تنامی سلطة المؤسسات الإقلیمیة، والشق الثانی، یستلزم توسع فی مجال السیاسات، هذه الطریقة سوف تساعد على توسیع دور المؤسسات التکاملیة الإقلیمیة، وتنمی من قدرتها على ممارسة سلطة فوق قومیة باستقلالیة عن سلطة الدول الأعضاء.

ضرورة توافر أنظمة دیمقراطیة: إن الدول الأعضاء لا بد أن تکون أنظمة دیمقراطیة ولیبرالیة، من أجل اختیار وتعیین حکام مسؤولین ملتزمین باحترام قاعدة القانون وحقوق الانسان، ومزاولة الأنشطة السیاسیة. کما لا بد أن یتمتع المواطن بحریة من أجل تشکیل التنظیمات السیاسیة سواء على المستوى الوطنی أو الإقلیمی، وبهذا یکون المواطن قادرا على دعم وانتقاد سیاسات منظمة التکامل الإقلیمی.

نتائج التوسیع: إن التوسع عبر ضم أعضاء جدد لا یغیر بالضرورة من المسارات المؤسسیة للمسار التکاملی، أو مؤسسات التکامل، حتى لو کانت الدول الأعضاء لدیها مزایا اقتصادیة واجتماعیة مختلفة. فالمؤسسات الرسمیة لمنظمة التکامل الإقلیمی سوف تکون قادرة على التکیف والتأقلم. إن انضمام أعضاء جدد قد یبطئ من مسار صناعة القرار أو یجعله أکثر صعوبة، ولکنه لن یقود إلى انحسار أو توقف المسار التکاملی، إذ یمکن التوصل إلى نتائج مرضیة للأطراف عبر المفاوضات.

الغایة من التکامل: أغلب نظریات التکامل والاندماج تزعم أن نهایة للمسار التکاملی هی إیجاد مجموعة من المؤسسات المستقرة والمستدامة، لکن الوظیفیة الجدیدة ترددت فی التنبؤ وتحدید النهایة السیاسیة، ولکنها افترضت أن منظمة التکامل الإقلیمی من الممکن أن تتطور على المستوى المؤسساتی على شکل “دالة من المنافع التی یتم توزیعها، ودالة من النزاعات التی یتم حلها”،  ولیس من الضروری أن نشهد تشکیل مؤسسات هیرارکیة  متمرکزة فی مکان واحد. على العکس من ذلک تماما، فمسار التکامل الأوروبی قد أفرز لنا مجموعة من المؤسسات المتعثرة فی مناطق مختلفة، وبهیاکل داخلیة مختلفة، وبشروط عضویة مختلفة أیضا.

الأزمات الخارجیة: کل منظمة تکامل إقلیمی هی ولیدة ظروف دولیة متنوعة، وکل مسار تکاملی إقلیمی تابع لأحداث وأزمات خارجیة غیر متوقعة. هذه الأزمات والضغوط الخارجیة قد یکون لدیها أثر متباین على الدول الأعضاء،وقد تتحول لمصدر للنزاع الداخلی. ولا یمکن تحدیدوقت وزمان هذه الأحداث، فهی غیر متوقعة، وقد یکون من الصعب حلها، لأن منظمة التکامل الإقلیمی لیس لدیها القدرة على فعل ذلک، وعلى هذا الأساس، فإن المنظمات الإقلیمیة قد تحتاج لتطویر سیاسات تعاونیة مع الدول غیر الأعضاء من أجل تجاوز الأزمة. لکن خلال مسار الاستجابة لهذه الأزمات الخارجیة، من المحتمل أن تجد المنظمة نفسها مجبرة على التعامل مع السیاسات العلیا المتعلقة بالهویة الوطنیة والأمن، وهو المجال الذی لا تمتلک فیه خبرة واسعة.

أدبیات التفکك

إذا انتقلنا الى الوجه الآخر للتکامل وهو “التفکک” disintegration فسنجد أن الدراسات تتفق على أن أدبیات التفکک قلیلة نسبیاً مقارنة مع أدبیات التکامل، مع ترکیز ضیق جداً على العوامل الکامنة وراءه. ومن أهم الاسهامات فی هذا الشأن، هی تلک التعریفات التی قدمها کل من Henrik Scheller & Annegret Eppler،  للتفکک فوفقا لکل من شلر، وإبلر فإنه “من الممکن فهم التفکک الأوروبی باعتباره عملیات تآکل یتم الترویج لها بشکل فردی أو جماعی، داخل وخارج النظام الأوروبی المتعدد المستویات، وهو الأمر الذی یؤدی إلى انخفاض مستوى التکامل القانونی والاقتصادی والإقلیمی والاجتماعی والثقافی وجهود إضفاء الشرعیة على مستوى التکامل، وتراجعه إلى ما کان علیهسابقا. علاوة على ذلک فإن تلک العملیات تقوض وحدة السوق الداخلیة، والاتحاد النقدی، والمجال القانونی الأوروبی، والمبادئ التوجیهیة المعیاریة التی تستند إلى قواعد عمیقة، ویعیق صنع السیاسات من جانب الاتحاد الأوروبی والدول الأعضاء فیه”.[20]

من جانبه عرف دوجلاس ویبر Douglas Webber، التفکک الأوروبی بأنه: “تراجع فیما یلی: أولا: نطاق السیاسات المشترکة والمترابطة التی تم تبنیها وتنفیذها بواسطة الاتحاد الأوروبی، ثانیا: عدد الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی، ثالثا: القدرة الرسمیة (أی القائمة على المعاهدات) والقدرة الفعلیة لأجهزة الاتحاد الأوروبی على اتخاذ القرارات ضد إرادة فرادى الدول الاعضاء اذا تطلب الامر ذلک”[21]. ویعتمد تعریف دوجلاس ویبر، على تحلیله للتحدیات التی تواجه الاتحاد الأوروبی.

لکن فی واقع الأمر، وبعد الأزمات الاقتصادیة التی عصفت بالاتحاد الأوروبی (أهمها الأزمة المالیة العالمیة التی بدأت فی الولایات المتحدة عام 2008، ثم انتقلت لتضرب العدید من الدول حول العالم ومنها دول أوروبیة مثل الیونان وإیطالیا والبرتغال وأسبانیا وغیرها) بدأت الوظیفیة الجدیدة فی التکهن بالانسحاب أو التراجع“Spill-backs” ، بدل الانتشارover”-“Spill. ویحدث الانسحاب عندما تصبح الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی غیر راغبة فی التعامل مع السیاسات على المستوى فوق الوطنی. إن نظریة الوظیفیة الجدیدة وبما وضعته من افتراضات، سبق ذکرها، حول ما یبقی عملیة التکامل مستمرة مثل المزید من التعاون الاقتصادی، وتقاسم المنافع، والمزید من الأمن، واحترام قرارات الاتحاد الأوروبیوغیرها، تفترض أن عملیة التکامل الإقلیمی تقوم أساسا على عاملین أساسیین هما: المکاسب المتبادلة، ومستوى عال من الترابط الوظیفی،ووفقاً للنظریة فإن الاتحاد الأوروبی من المرجح أن یتفکک إذا تلاشى هذان العاملان.[22]

وعلى هذا یمکن بدرجة عالیة من الوضوح، وفقا لهذه للنظریة، القول إن قرار بریطانیا الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی یرجع فی جانب أساسی منه عدم رضاها عن المکاسب التی تحققها من عضویتها فی الاتحاد، وأن ما تقدمه للاتحاد من موارد والتزامات سیاسیة وقانونیة، أقل بشکل کبیر من المنافع والمکاسب التی تحصل علیها، وبالتالی فإن من مصلحة بریطانیا الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی.

من جانب آخر، ربطت بعض الدراسات (فی سعیها لتفسیر البریکست) بین التغیر الحاصل فی النظام الدولی، وخروج بریطانیا من عضویة الاتحاد الأوروبی والنتائج المترتبة علیه[23]. فالنظام الدولی حالیا هو نظام متعدد الأطراف، وهو مختلف عن النظام متعدد الأقطاب الذی ساد مرحلة ما قبل الحرب العالمیة الثانیة. فالنظام الدولی الحالی لا یقوم على هیمنة دولة واحدة بمفردها، وذلک بعد تراجع نظام الهیمنة اللیبرالی بقیادة الولایات المتحد الأمریکیة؛ مع صعود أطراف أخرى بما یعنی أن قدرة الولایات المتحدة على تشکیل الأنظمة والمؤسسات الإقلیمیة قد تراجعت الى حد کبیر، وهو ما فتح المجال أمام تنمیة أکثر استقلالا للمناطق والأنظمة الإقلیمیة حول العالم. وفی هذا الاطار ستحتاج الولایات المتحدة إلى تقاسم السلطة والسلطة مع الأطراف الأخرى الصاعدة، وهو ما یستدعی بدوره خلق نظام عالمی ما بعد الهیمنة  post-hegemonic world، تتغیر وتتوسع فیه طبیعة وأهداف کل من “الإقلیمیة” و”الأنظمة الإقلیمیة” نفسها.

 وترى وجهة النظر تلک أن فهمنا لهذین الأخیرین یعود فی معظمه إلى فهمنا للمناطق والإقلیمیة على خلفیة وجود واستمرار الهیمنة الأمریکیة وعدم تراجعها. لکن مع تراجع الهیمنة الأمریکیة على أرض الواقع؛ هناک حاجة إلى النظر فی التغیرات التی طرأت على “الإقلیمیة”، و”الأنظمة الإقلیمیة”؛ فتصویت البریطانیین لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبی Brexitأثار العدید من علامات الاستفهام حول مستقبل الإقلیمیة. فقد بدأت الأنظمة الإقلیمیة  فی لعب أدوار جدیدة تتعلق بالتغیر المناخی، وتقدیم المساعدات الإنسانیة، والتعاون المالی وهو ما یتعدى الأدوار التقلیدیة لها مثل تحریر التجارة وإدارة الصراعات.[24]

ویوضح هذا الرأی أن الاتحاد الأوروبی تأسس وتطور وتوسع فی نطاق مرحلة الهیمنة الأمریکیة فی مرحلة ما بعد الحرب العالمیة الثانیة؛ حیث سعت واشنطن إلى احتواء الاتحاد السوفیتی السابق من خلال تعزیز التکامل الأوروبی، وذلک من منطق أن وجود أوروبا قویة سوف یساهم فی احتواء تهدیدات الاتحاد السوفیتی. وعلیه فإن هذا الرأی یربط بین البریکست ونهایة الأحادیة القطبیة المتمثلة فی الهیمنة الأمریکیة[25].

وقد أشارت بعض الدراسات بوضوح إلى أن العلاقة التاریخیة الخاصة بین واشنطن ولندن، ساهمت فی تحقیق الترابط والتناغم فی المصالح الأمریکیة – الأوروبیة بشکل عام، کما ساهمت أیضا فی تعزیز قوة بریطانیا کقوة عالمیة[26].

وهو ما أشارت إلیه دراسات أخرى، ذهبت إلی أن نهایة الحرب العالمیة الثانیة أسفرت عن تبلور معالم نظام دولی جدید تراجع فیه الدور الأوروبی بشکل عام، إذ بدأت دول أوروبا الغربیة تستشعر خطر الاتحاد السوفیتی کمصدر تهدید رئیسی لأمنها، وباتت مقتنعة أن مواجهة هذا التهدید یفرض علیها التحالف مع الولایات المتحدة التی بدأت بدورها تعد نفسها لقیادة المعسکر الغربی اقتصادیا وسیاسیا وأمنیا.[27] فتم اطلاق مشروع مارشال لإعادة اعمار أوروبا اقتصادیا، وتأسیس حلف الناتو لیتولى الجانب الأمنی. لذلک فإن فکرة تأسیس وتوسع الکیان الأوروبی الموحد لم تکن بعیدة أو متعارضة مع رؤیة وأهداف واشنطن فی أوروبا والعالم، ومنها العمل على احتواء الاتحاد السوفیتی والتهدیدات الصادرة عنه خاصة بعدما بات ذلک الأخیر یسیطر على دول شرق أوروبا.

 وإذا کانت العلاقات الثنائیة البریطانیة – الأمریکیة قویة تاریخیا، فإنها لا تزال بنفس الدرجة من القوة؛ فالرئیس الأمریکی الحالی دونالد ترامب لم یحاول إخفاء تأییده، الذی رآه بعض المحللین مبالغًا فیه، لانفصال بریطانیا عن الاتحاد الأوروبی، على نحو ربما یدفع کثیرین للحدیث عن معاداة الرئیس ترامب للمشروع الأوروبی ورفضه لفکرة أوروبا الموحدة.  وقد سبق وأن أعلن مستشار الأمن القومی الأمریکی جون بولتون، صراحة فی شهر مایو 2019 أن الولایات المتحدة ترید انسحاب بریطانیا من الاتحاد الأوروبی؛ مبررا ذلک بأنه سیقوی حلف الناتو حیث إن وجود دولة أخرى قویة ومستقلة سوف یساعد الحلف على أن یصبح أکثر قوة وفاعلیة.[28]

 بل أن الرئیس الأمریکی دونالد ترامب ذهب خطوة أبعد فی هذا السیاق؛ عندما طالب بضرورة مشارکة زعیم حزب بریکست نایجل فاراج المناهض للاتحاد الأوروبی والمعروف بمیوله الشعبویة الیمینیة المتطرفة فی مفاوضات بریکست. وأعلن الرئیس الأمریکی ترامب خلال زیارته الى بریطانیا فی مطلع شهر یونیو 2019 أن بلاده وبریطانیا ستتوصلان إلى اتفاق تجاری هام بعد بریکست، مؤکدًا أن واشنطن تشعر بالالتزام حیال إبرام مثل هذه الاتفاقیة التی من شأنها زیادة حجم التجارة المشترکة بین البلدین بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف ما هی علیه فی الوقت الحاضر.[29] وهو الأمر الذی یعنی بوضوح أن الولایات المتحدة الأمریکیة مستعدة لتعویض بریطانیا عن الخسائر الاقتصادیة التی ربما تتعرض لها إذا خرجت من عضویة الاتحاد الأوروبی. لیس هذا فحسب، بل إن رسالة ترامب لبریطانیا تعنی أن واشنطن تدعم  وتؤید خروج قاس (hard Brexit) لبریطانیا یعنی القطیعة مع الاتحاد الأوروبی، فی حین أن بعض أکثر وأهم الشخصیات البریطانیة تأییدا وحماسا للبریکست مثل رئیسیة الوزراء السابقة تیریزا مای، تمسکت بخروج ناعم ((soft Brexit  یبقی بلادها على علاقات اقتصادیة وثیقة مع الاتحاد الأوروبی، وقد کانت تلک نقطة جوهریة من ضمن النقاط التی ساهمت فی الإطاحة بتیریزا مای من رئاسة الوزراء، کما سنری تفصیل ذلک لاحقا فی القسم الثانی من الدراسة.

القسم الثانی:

 الأسباب التی دفعت بریطانیا للخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی

سوف نتناول فی هذا الجزء الأسباب التی دفعت البریطانیین للتصویت لصالح البریکست أی الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی، وهو الأمر الذی یتطلب أن نلقی الضوء أولا، باختصار شدید، على ما حدث منذ التصویت  فی یونیو 2016 وحتی نهایة العام الجاری أی 31 دیسمبر 2019. نرید أن نوضح أنه بعد مرور ثلاث سنوات ونصف على التصویت لصالح بریکست لم تتوصل بریطانیا الى اتفاق داخلی وبالتالی مع الاتحاد الأوروبی على طریقة الخروج، بل إن الذی خرج حتى الآن هما اثنین من رؤساء الوزراء البریطانیین (حزب المحافظین) هما دیفید کامیرون، وتیریزا مای أطاح بهما البریکست، وعدد من الوزراء استقالوا احتجاجا على طریقة إدارة ملف البریکست.

البریکست: خروج صعب ینتظر التنفیذ

کما ذکرنا سابقا ففی یوم 23 یونیو عام 2016 صوت الشعب البریطانی لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبی ( البریکست) بنسبة 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة. واستقال رئیس الوزراء البریطانی دیفید کامیرون، المنتمی لحزب المحافظین، فی الصباح التالی لیوم الاستفتاء، وحلت تیریزا مای محله. کان دیفید کامیرون وفی محاولة منه لتعزیز الدعم للمحافظین فی مواجهة الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبی، تعهد بإجراء استفتاء على عضویة بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی، بناء على اتفاق أعید التفاوض علیه بشأن عضویة بریطانیا فی الاتحاد فی برنامج حزبه لانتخابات عام 2015. وبالفعل حصلت بریطانیا على مزایا إضافیة من الاتحاد الأوروبی، وقال دیفید کامیرون نفسه إنه راض عن نتائج المفاوضات مع الاتحاد الأوروبی بما یکفی کی یدعم التصویت بالبقاء فی الاتحاد. لکن رغم أن أکبر الأحزاب البریطانیة دعمت حملة البقاء فی الاتحاد الأوروبی، فقد صوت الشعب لصالح المغادرة. واستقال کامیرون فی صباح الیوم التالی للاستفتاء، لتحل محله رئیسة الوزراء تیریزا مای والتی شغلت قبل ذلک منصب وزیر الداخلیة فی البلاد، وعرف عنها التشدد ازاء قضایا الهجرة علاوة على دعمها لمغادرة بریطانیا الاتحاد الأوروبی.[30]

الا أنه وبعد 3 سنوات قضتها تیریزا مای، على رأس الحکومة البریطانیة، أطاح البریکست مای من منصبها. حیث حاولت التوصل لاتفاق یحقق رغبة البریطانیین فی الخروج من الاتحاد الأوروبی، لکنها فشلت فی محاولاتها المتتالیة لعرض صفقتها أمام البرلمان[31]؛ فاستقال وزیر الخارجیة البریطانی، ذلک الوقت، بوریس جونسون، فی شهر یولیو عام 2018، بعد ساعات على استقالة الوزیر المکلف شؤون بریکست دیفید دیفیس. وکان وزیر بریکسیت المناهض للفکرة الأوروبیة، ومعه وزیر الخارجیة جونسون،  قد عبرا عن رفضهما لخطة مای للإبقاء على علاقات اقتصادیة وثیقة مع الاتحاد الأوروبی فیما بعد بریکسیت. ووصفت خطة رئیسة الوزراء  تیریزا مای بأنها صفقة  بریکسیت ناعم  ( Brexit(soft  یتعارض مع بریکسیت قاس[32] (hard Brexit) یدعو إلیه أنصار القطیعة الواضحة مع بروکسل.[33] وما لبثت الوزیرة البریطانیة لشؤون البرلمان أندریا لیدسوم أن أعلنت استقالتها فی شهر مایو 2019؛ احتجاجاً على طریقة إدارة رئیسة الوزراء تیریزا مای لملف خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی. ومع ضغوط أخرى مثل فقدان السیطرة على عملیة التفاوض، وتدهور شعبیة حزب المحافظین، اضطرت تیریزا مای للاستقالة من منصبها فی شهر مایو 2019[34]، لیحل محلها بوریس جونسون. غیر أن رئیس الوزراء بوریس جونسون، وبعد صدامات مع البرلمان، دعا إلى تنظیم انتخابات عامة فی 12 دیسمبر 2019، وطلب من الاتحاد الأوروبی الموافقة على تأجیل «بریکست» الذی کان مقررا فی 31 أکتوبر ثلاثة أشهر أخری لیتم ترحیله حتى 31 ینایر 2020. وکانت محکمة بریطانیة، بعد تعقد الأمور سیاسیا، قد قضت بمنع الحکومة البریطانیة من الخروج من الاتحاد الأوروبی دون التوصل إلى اتفاق. وتواجه خطة الحکومة البریطانیة للخروج من الاتحاد الأوروبی، معارضة داخل مجلس العموم البریطانی بسبب الحدود بین أیرلندا الشمالیة التابعة للمملکة المتحدة وأیرلندا عضو الاتحاد الأوروبی، بالإضافة إلى اتفاقیة التبادل التجاری المقرر إبرامها بین الاتحاد وبریطانیا.

الأسباب التی دفعت بریطانیا للتصویت لصالح الخروج

توجد العدید من الأسباب التی دفعت البریطانیین شعبا وقیادة للتصویت لصالح الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی نتناول هنا أهمها والتی تتضمن ما یلی: الاستقلالیة البریطانیة ازاء الکیان الأوروبی الموحد، والأزمات الاقتصادیة وأداء الاتحاد الأوروبی الاقتصادی، وأزمة المهاجرین، والتیار القومی والتمسک بالهویة.

  1- الاستقلالیة البریطانیة ازاء الکیان الأوروبی الموحد

تاریخیا تشعر بریطانیا بأنها قوة / إمبراطوریة ذات خصوصیة تتمیز بعلاقات أطلسیة مع الولایات المتحدة، وأخرى مع مستعمراتها السابقة أو الکومنولث. ولذلک ارتکزت سیاستها على ضرورة الاستقلالیة ان لم تکن القیادة فی القارة الأوربیة، فهی شریک وعضو فی الکیان الأوروبی بشرط تحقیق مصالحها أولا وأخیرا ولیس ایمانا منها بفکرة أوروبا موحدة. ومن المعلوم أن السیاسة الخارجیة البریطانیة فی القرنین الثامن عشر والتاسع عشر کانت مستوحاة بشکل واضح من أسس النظریة الواقعیة القائمة على عاملی القوة والمصلحة، وذلک بالترکیز على الحفاظ على القوة البریطانیة وتحقیق المصالح الوطنیة. ویمکن القول إن هذه النظریة لاتزال مهیمنة على فکر صناع السیاسة الخارجة البریطانیة؛ فالولاء أولا وأخیرا لتحقیق المصالح البریطانیة وتعزیزها وزیادة قوتها، ولیس السعی خلف القیم والأفکار وهذا هو جوهر النظریة الواقعیة.[35]

 وهناک دلائل کثیرة على ذلک. فقد رفضت بریطانیا بدایة الانضمام إلى المجموعة الأوروبیة للفحم والصلب، لدى تأسیسها عام 1951. وقال رئیس الوزراء، عن حزب العمال، فی ذلک الوقت کلیمنت أتلی للبرلمان فی عام 1950 إن حزبه لیس مستعدا لتسلیم أکثر قوى الاقتصاد حیویة فی بلاده إلى سلطة غیر دیمقراطیة لا تخضع للمساءلة. کما ظهرت مخاوف بریطانیة من أن یکون توثیق علاقاتها مع أوروبا على حساب إقامة علاقات وثیقة مع الکومنولث ومع الولایات المتحدة الأمریکیة. وظلت بریطانیا کذلک خارج المجموعة الاقتصادیة الأوروبیة التی تشکلت من المجموعة الأوروبیة للفحم والصلب فی عام 1957. لکن رئیس الوزراء هارولد ماکمیلان من حزب المحافظین غیر هذا الموقف فی عام 1961 وسعى لعضویة المجموعة الاقتصادیة الأوروبیة. غیر أن فرنسا عارضت انضمام بریطانیا فی ستینیات القرن الماضی، وعطل الرئیس شارل دیجول انضمامها فی عامی 1961 و1967 واتهمها بالعداء للمشروع الأوروبی.

لکن بریطانیا انضمت إلى المجموعة الاقتصادیة الأوروبیة فی عام 1973 بعد أن سحبت فرنسا اعتراضها إثر استقالة الرئیس دیجول عام 1969 [36]. الا أنه وفی عام 1975، قرر رئیس الوزراء البریطانی الجدید فی ذلک الوقت هارولد ویلسون ( حزب العمال)، فی مواجهة انقسامات بین وزرائه بشأن أوروبا، إجراء استفتاء على البقاء فی التکتل أو الخروج منه.وصوت البریطانیون بنسبة      بلغت 67 % مقابل 33 % لصالح البقاء.[37] من جانبها هاجمت رئیسة الوزراء  مارجریت تاتشر فکرة العملة الموحدة الأوروبیة، وترکیز سلطات کبیرة فی مؤسسات الاتحاد الأوروبی، وعارضت خطط وجهود رئیس المفوضیة الأوروبیة جاک دیلور لتعزیز التکامل الأوروبی فی عام 1990.[38] کما أضطر رئیس الوزراء جون میجور إلى سحب الجنیه الإسترلینی من آلیة أسعار الصرف الأوروبیة EMS (European Monetary System)، فیما عرف باسم “الأربعاء الأسود” الموافق 16 سبتمبر عام 1992، وکانت هذه الآلیة تهدف إلى خفض تقلبات أسعار الصرف قبیل الوحدة النقدیة.

ومن اللافت للنظر أن تکون أوروبا هی سبب استقالة رئیس الوزراء دیفید کامیرون (  2010-2016) ؛ ففی محاولة لتعزیز الدعم للمحافظین فی مواجهة حزب استقلال المملکة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبی، تعهد کامیرون بإجراء استفتاء على “البقاء أو المغادرة”، وقال کامیرون إنه راض لأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبی منحت بریطانیا ما یکفی کی یدعم التصویت بالبقاء، فهناک أربعة استثناءات من قوانین الاتحاد الأوروبی لا تطبق على بریطانیا هی: میثاق الحقوق الأساسیة (54 بندا حول الحقوق السیاسیة والاجتماعیة للأوروبیین)، والسیاسة النقدیة والاقتصادیة بموجب بروتوکول 25 من اتفاقیة ماسترخت، والحریة والأمن والعدالة بموجب بروتوکول 36 من معاهدة لشبونة، والأهم استثناء من بند حریة تنقل الأشخاص فی منطقة الشنجن بموجب بروتوکول 19 من معاهدة لشبونة[39].

لکن دیفید کامیرون لم یکتف بکل تلک الامتیازات والاستثناءات، فلجأ لاستخدام کارت العضویة لحسم صراع انتخابی داخلی، حینما وعد الناخبین فی 2013 بإجراء استفتاء على بقاء بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی، فی حال فوز حزبه فی انتخابات 2015 ، وعندما فاز الحزب وتورط دیفید کامیرون بهذا التعهد بدأ سلسلة من الاتصالات مع رئیس المجلس الأوروبی؛ لحصول بریطانیا على وضع أفضل مما هی فیه؛ لکی یقتنع البریطانیون بالبقاء فی الاتحاد الأوروبی. وتحت جدیة التهدید بانسحاب بریطانیا من الاتحاد، انصاع الاتحاد الأوروبی فی 19 فبرایر 2016 لمطالب دیفید کامیرون لعل ذلک یسهم فی إقناع البریطانیین المطالبین بالانسحاب بالعدول عن رأیهم، وقرر الاتحاد الأوروبی فی تنازلات واضحة منه لصالح بریطانیا ما یلی: أنالیورو لیس العملة الوحیدة فی الاتحاد، وأن  بریطانیا غیر ملزمة باندماج سیاسی أوروبی أبعد مما یتیحه الوضع القائم، مع  تقیید حصول المهاجرین من دول الاتحاد على إعانات اجتماعیة خلال الـ4 سنوات الأولى من إقامتهم،والأهم من ذلک وهو ما کانت تسعى إلیه بریطانیا وبشدة، وهو منح البرلمانات الوطنیة مزیداً من السلطة فی الاعتراض على تشریعات بروکسل، إذا رفض 55% من أعضاء البرلمانات الوطنیة إقرار التشریع.[40]

لکن لم تفلح کل تلک الامتیازات والاستثناءات التی منحها الاتحاد الأوروبی لبریطانیا، ولا سیاسة کامیرون بالتخویف من انسحاب بریطانیا من الاتحاد، فی الإبقاء على عضویة بریطانیا. فعلى الرغم من أن أکبر الأحزاب البریطانیة دعمت حملة البقاء فی الاتحاد، فقد صوت الشعب لصالح المغادرة بنسبة 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة یوم 23 یونیو عام 2016.  واستقال کامیرون فی الصباح التالی لیوم الاستفتاء وحلت تیریزا مای محله لتستقیل هی الأخرى فی 24 مایو 2019 بعد فشل جهودها فی تنفیذ خروج آمن لبلادها (بریکست) یکون متفق علیه داخلیا من جانب ومع الاتحاد الأوروبی من جانب آخر[41].

2- الأزمات الاقتصادیة وأداء الاتحاد الأوروبی الاقتصادی

تشیر الدراسات الى أن بریطانیا طالما اعتبرت أن انضمامها الى الکیان الأوروبی الموحد یعود الى أسباب اقتصادیة؛ فمشروع أوروبا المتحدة بالنسبة لبریطانیا هو مشروع لتعظیم الفوائد والعوائد الاقتصادیة دون تطلعات لتحقیق طموحات التکامل السیاسی؛ لذلک فإنها عارضت أی تطور فیدرالی للهیکلیة الأوروبیة،فالاتحاد الأوروبی بالنسبة لها هو منظمة وظیفیة فنیة ترکز على التکامل الوظیفی فی القطاعات الفنیة ولا شأن لها بالتکامل السیاسی. ولهذا حرصت فی علاقتها بالاتحاد الأوروبی على أن تستمر دولة ذات سیادة ومستقلة عن إملاءات الاتحاد الأوروبی فی مجال الطموحات والمشروعات السیاسیة. وهذا ما أکدته رئیسة الوزراء البریطانیة مارجریت تاتشر(1979 -1990 ) من أن بلادها لا ترغب بفقدان استقلالها وسیادتها من خلال نقل سلطة اتخاذ القرارات إلى بروکسل، معارضة أی تطور فیدرالی للهیکلة الأوروبیة ومنح بروکسل أیة سلطات مرکزیة، أو تشکیل ما یعرف باسم “الولایات المتحدة الأوروبیة”[42].

وتعتبر مارجریت تاتشر، وهى أحد أبرز رؤساء الوزارة البریطانیین بلا جدال، أول من صاغ عبارة “استرداد أموالنا”، استمرارا لسعی بلادها الدائم منذ انضمامها للجماعة الأوروبیة عام 1973 للحصول على تعویض عما ادعت أنه موقف غیر مقبول ناتج عن لائحة تنظیمیة مالیة أُقرت قبیل انضمامهم مباشرة، وذلک لتخفیض مساهمة بریطانیا فی موازنة الجماعة الأوروبیة (ذلک الوقت) ، حیث تمکنت بریطانیا فی نهایة المطاف من استرداد بعض الأموال. وقد دفعت هذه المواقف المتشددة وغیرها من جانب رئیسة الوزراء مارجریت تاتشر، إلى تنامی تیار صاعد داخل حزب المحافظین یطالب بالحد من التزام بریطانیا الأوروبی، وهو ما أخذ بمرور الوقت یتسع ویتزاید، وصولا إلى رفض التقید ببعض نصوص اتفاقیات وسیاسات الاتحاد الأوروبی. فبعد توقیع معاهدة ماستریخت عام 1992 التی تحولت بموجبها الجماعة الاقتصادیة الأوروبیة إلی الاتحاد الأوروبی، وأرست دعائم التعاون الاقتصادی والعدل والشؤون الداخلیة وتوحید المواقف الأوروبیة فی القضایا السیاسیة الدولیة والسیاسات الخارجیة والأمنیة المشترکة، لم تتقید بریطانیا بکل ما ورد فیها، کما لم تدخل بریطانیا فی معاهدة “شنجن”، وکذلک رفضت الانضمام إلى العملة الموحدة “الیورو” وتمسکت فی المقابل بعملتها الجنیة الإسترلینی.[43]

وقد أوضح استطلاع للرأی فی بریطانیا فی شهر دیسمبر2013، أن نسبة 39% من البریطانیین یعتبرون أن الاقتصاد هو أهم قضیة تواجه بلدهم[44]. فی حین أوضحت الدراسات التی تناولت أسباب ودوافع تصویت البریطانیین للخروج من الاتحاد الأوروبی، أن الأشخاص ذوی الدخل المنخفض کانوا یمیلون بشکل عام نحو مغادرة الاتحاد الأوروبی. فقد صوتت نسبة 66% من الأشخاص الذین یقل دخلهم عن 1200 جنیه إسترلینی شهریًا للمغادرة، بینما صوتت فقط نسبة 38% من الأشخاص الذین بلغ دخلهم 3701 جنیهًا إسترلینیًا أو أکثر شهریًا للمغادرة.من جانب آخر، صوتت نسبة 70% من الأشخاص الذین یواجهون صعوبات مالیة أو لدیهم موارد اقتصادیة محدودة لصالح الخروج، مقارنة مع نسبة  41% فقط من الذین یتمتعون بدخل اقتصادی مریح[45]. وهو ما یعنی أن نسبة کبیرة من محدودی الدخل فی بریطانیا ربطت بین أحوالها الاقتصادیة المتدهورة وعضویة البلاد فی الاتحاد الأوروبی؛ وعلیه فقد رأت أن تصویتها لصالح الخروج من تلک العضویة سوف یفتح بارقة أمل أمامها لتحسین أوضاعها الاقتصادیة.

علاوة على ما سبق، فإنه منذ الأزمة المالیة فی عام 2008 وما لحقها من سنوات من التقشف، اتخذ الشعب البریطانی مواقف صارمة تجاه القضایا السیاسیة المختلفة مثل الهجرة، ووفقًا لاستطلاع للرأی فی مارس 2016 ، کان واحد من أهم ثلاثة مشاکل اقتصادیة للناخبین المؤیدین للخروج ( البریکست)  هی أن العمال المهاجرین الی بریطانیا کانوا یقبلون بأجور منخفضة، إلى جانب قوانین وأنظمة الاتحاد الأوروبی، وأنظمة الحکومة العمالیة الأخیرة. وکان تصویت معسکر الخروج فی عام 2016 یعکس غضب الرأی العام البریطانی، الذی واجه مرحلة تراجع اقتصادی وتهمیش من قبل الحکومة. ویمکن القول إن قضایا التقشف، ورفض مستویات المعیشة المتراجعة فی بریطانیا، وزیادة عدم المساواة الاقتصادیة کانت بمثابة العوامل الرئیسیة الدافعة لمعسکر الراغبین فی مغادرة الاتحاد الأوروبی، فی حین استخدمت قضیة الهجرة بمثابة کبش فداء لهذه القضایا[46].

إن تیار الخروج، وهو یدعو إلى استعادة استقلال البلاد من أیدی بیروقراطیی بروکسل ووقف الهجرة، فإنه روج لفکرة أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبی هو بمثابة فرصة لإعادة توجیه ثروات البلاد لبناء المؤسسات العامة والاقتصاد البریطانی، مبررا أن العضویة فی الاتحاد الأوروبی تکلّف بریطانیا (19.1) ملیار جنیه سیکون متاحاً توفیرها لإنفاقها على تطویر النظام الصحّی. علاوة على ذلک، فهم یشتکون أیضا من سیطرة دول منطقة الیورو على مجریات اتخاذ القرار فی الاتحاد الأوروبی، مما أثر فی القدرة التنافسیة حتى قبل أزمة قروض منطقة الیورو. من جانبهم رأی رؤساء الشرکات والمؤسسات المتوسطة والصغیرة أن بقاء بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی إنما هو لصالح الشرکات الکبرى، وأن بریطانیا الحضریة، وخاصة لندن، هی التی استفادت، لکنهم فی الأطراف والقرى لم یستفیدوا.[47]

 3- أزمة المهاجرین

عززت أزمة المهاجرین فی صیف عام 2015 شعورًا واسعًا فی بریطانیا بأن الاتحاد الأوروبی لم یکن ضعیفًا اقتصادیًا فحسب، بل لم یتمکن أیضًا من السیطرة على حدوده. وقد استفاد نایجل فاراج ، زعیم حزب الاستقلال UK Independence party (UKIP)، کثیراً من الرأی القائل إن الاتحاد الأوروبی تعمد أن یوجد تدفق غیر مراقب للمهاجرین إلى المملکة المتحدة، وقد لعب الخوف من الهجرة إلى جانب المخاوف من فقدان السیادة ، دوراً رئیسیاً فی تصویت الناخبین لصالح الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی.[48]

وعندما نتحدث عن الهجرة باعتبارها سببا ودافعا لخروج بریطانیا من عضویة الاتحاد الأوروبی، یجب أن نوضح أن المقصود بالهجرة هنا لیس فقط الهجرة من دول الشرق الأوسط التی عانت الحروب والاضطرابات، بل أیضا وربما فی المقام الأول الهجرة من دول الاتحاد الأوروبی نفسها وتحدیدا من دول وسط وشرق أوروبا التی انضمت الى عضویة الاتحاد الأوروبی فی عام 2004[49]. فیوجد فی بریطانیا 8.7 ملیون مهاجر، منهم 3.55 ملیون مواطن من دول الاتحاد الأوروبی الأخرى. 47% من هؤلاء کانوا من “الاتحاد الأوروبی القدیم” (الدول التی کانت أعضاء فی الاتحاد الأوروبی قبل توسیعه فی 2004)، أکثر من نصفهم کانوا من الاتحاد الأوروبی الجدید أی من الدول حدیثة الانضمام للاتحاد  الأوروبی؛ فنسبة 42 % کانوا من دول أوروبا الشرقیة الثمانیة التی انضمت إلى الاتحاد الأوروبی فی عام 2004 ، و 10 % کانوا من بلغاریا ورومانیا[50] وأقل من1 % کانوا من دول الاتحاد الأوروبی الأخرى[51].

وکان رئیس الوزراء البریطانی دیفید کامیرون قد أعلن أن حکومته ارتکبت خطأً فادحاً عندما لم تحد من سبل وصول المهاجرین إلى سوق العمل البریطانی فی أعقاب حصول دول وسط أوروبا وشرقها على عضویة الاتحاد الأوروبی فی عام 2004، وهو ما أدى فی نهایة المطاف إلى تزاید عدد المهاجرین إلى بریطانیا على نحو غیر مسبوق[52].

جدیر بالذکر أنه وفقًا لاستطلاع للرأی أجری فی عام 2017، أعرب الجمهور البریطانی بنسبة 58% عن تفضیله تقلیص أعداد المهاجرین، فی حین فضل الثلث من الجمهور البریطانی اجراء تخفیض کبیر فی أعداد المهاجرین[53]. وفی استطلاع آخر فی عام 2014 بشأن المواقف البریطانیة تجاه التأثیر الاقتصادی والثقافی للهجرة، رأى 31% أن الهجرة مفیدة للاقتصاد، بینما رأى 47% أنها سلبیة بالنسبة للاقتصاد (%18 منهم قدروا أن تأثیرها سیء للغایة)، أما فیما یتعلق بالتأثیر الثقافی فقد رأى 35% أن الهجرة قد أثرت الحیاة الثقافیة، مقارنة بـ 45% اعتبروا أنها تقوض الحیاة الثقافیة (18% منهم رأوا أنها تقوض الحیاة الثقافیة بشدة)[54].

بذلک کانت هجرة آلاف من دول شرقووسط أوروبا إلى بریطانیا ومزاحمة المواطنین البریطانیین فی الوظائف، المتغیر الذی أثر فی حیاة البریطانیین عن قرب وبصورة مباشرة. لقد وجدت بریطانیا أن أفواج القادمین من شرق أوروبا ووسطها بهدف الاستقرار فی بریطانیا مستفیدون من امتیازات المواطنة الأوروبیة، من جانب آخر، فإن منافستهم للأیدی العاملة المحلیة البریطانیة، أذکى لدى بعض الشرائح شعورا بتهدید الأمان الوظیفی؛ ما خلق شعورا عاما یربط بین الخلاص من هذه المعضلة،  ومغادرة الاتحاد الأوروبی[55].

جدیر بالذکر، أن تدفقات الهجرة إلى المملکة المتحدة على مدار الخمسة عشر عاما الماضیة لم تکن استثناء إذا أخذت فی سیاق الهجرة إلی دول الاتحاد الأوروبی، بل إن بریطانیا استقبلت أعداد أقل مقارنة بصافی التدفقات من المهاجرین إلى أسبانیا وإیطالیا على سبیل المثال. علاوة على ذلک، کان هناک اندماج قوی للمهاجرین فی المملکة المتحدة، فی حین أن أصحاب العمل البریطانیین، کانوا یتمتعون بمرونة فی منح الوظائف للمهاجرین، مقارنة بغیرهم من دول الاتحاد الأوروبی[56].

وقد ذهبت بعض الدراسات الى أن الساسة البریطانیین قد ساهموا فی إذکاء مشاعر الکراهیة والاستیاء ضد المهاجرین، بدلا من معالجة الإخفاق المزمن فی سیاسات التعامل معهم.[57] وباختصار فقد أصبح الساسة البریطانیین جزءا من المشکلة ولیس جزءا من الحل[58]. على الجانب الآخر، هناک بعض التفسیرات لأسباب الاستیاء العام داخل بریطانیا من المهاجرین، وأیضا ردود منطقیة علیها کما یلی:[59]

السبب الأول الاستیاء العام داخل بریطانیا من المهاجرین هو أنه فی الفترة بین عامی 2008 و 2014 کانت أجور العمال البریطانیین تواجه تخفیضات، وقد ربطت العمالة البریطانیة بین هبوط أجورهم والهجرة، فی حین أنه لا یوجد دلیل یذکر على وجود مثل هذه الصلة.

والسبب الثانی قد یکون العجز فی المساکن وربط ذلک بالمهاجرین. لکن الأسعار المرتفعة للغایة للمساکن فی العدید من أجزاء بریطانیا مقارنة بالدخل، مع الزیادة فی بناء المساکن على مدى العامین الماضیین، یدحض تلک الحجة بقوة.

السبب الثالث هو القاء البریطانیین اللوم على المهاجرین فی الضغوط الواقعة على الخدمات الصحیة والتعلیمیة. ومع ذلک، فقد ساهم المهاجرون من دول الاتحاد الأوروبی فی التمویل العام، وکان البریطانیین یواجهون فی الأصل مشاکل فی تقاسم مثل هذه الخدمات. ویمکن أن تکون هذه مشکلة أخرى متعلقة بالسیاسة العامة ، حیث أن توفیر هذه الخدمات کان بطیئًا جدًا بحیث لا یستجیب للطلب المتزاید علیها. کما أنه یعکس عجزًا مؤسسیًا، حیث إن الضرائب التی یقدمها المهاجرون إلى الحکومات المرکزیة لم تنعکس بشکل إیجابی علیهم فی الخدمات العامة الإضافیة التی یطلبونها.

4- التیار القومی والتمسک بالهویة

أشارت استطلاعات أوروبیة للرأی فی عام 2016 أن نسبة 53% فقط من الشعب البریطانی، قالت إنها تشعر بالانتماء إلى مواطنة الاتحاد الأوروبی. وهى نسبة منخفضة لکنها لم تکن الأقل فقد بلغت تلک النسبة فی إیطالیا 49%، وفی بلغاریا 49% ، وفی الیونان 46%، وهى الدول التی عانت بشدة من تداعیات الأزمة المالیة فی أوروبا. لکن فیما یخص بریطانیا کان هناک العدید من التفسیرات لحقیقة أن الشعب البریطانی من بین أقل الشعوب الأوروبیة تعریفا لنفسه بأنه ینتمی الی الهویة الأوروبیة. أولاً، خلال الحرب العالمیة الثانیة کانت بریطانیا هی القوة الأوروبیة الحلیفة الوحیدة التی لم یتم احتلالها. ثانیاً، لدى بریطانیا نظامها القانونی الخاص. ثالثًا، أن کون بریطانیا جزیرة قد أدی لعزلة بریطانیا جزئیًا عن أوروبا وزاد أیضا شعورها بالاستقلال عنها. لذلک کانت بریطانیا أقل الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی اندماجا فی الکیان الأوروبی بسبب تلک العوامل التی أثرت على هویة البریطانیین.[60]

ویرى بعض المتخصصین فی الشأن الأوروبی، أن قضیة الهویة الأوروبیة بقیت مجرد تفکیر وتنظیر وتمنی ولم تتجاوز تلک المرحلة؛ فمن الصعب تحقیقها مع 28 دولة عضوا، وأن تحقیقها سوف یکون أصعب فی حال توسع الاتحاد الأوروبی مستقبلا لیضم دول البلقان ودول القوقاز وغیرها. ذلک أن تلک الزیادة سوف تؤدی الى إضافة لغات جدیدة، کما ستعقد من عملیة صنع القرار وتضیف العدید من المشکلات؛ ما سوف یفرض فی نهایة الأمر المزید من الضغوط على الهویة الجماعیة الهشة. فکلما اتسع الاتحاد الأوروبی بدا أکثر بعدا عن المواطنین وأکثر بیروقراطیة فی الأداء. فقد نجح الاتحاد الأوروبی فی زیادة أعضائه وتوسیع أسواقه وشکل نموذجا للتکامل الإقلیمی لکنه لم ینجح فی اکتساب هویة، حیث تبقى الهویة مفقودة أو ضعیفة[61]. ویذهب هذا الرأی إلى ما یمکن من خلاله تفسیر البریکست حیث یقول إنه رغم إطلاق نظام إعلامی عبر أوروبا، وبث تلیفزیونی مشترک ( یورونیوز) الا أن کل ذلک لم یسفر عن نتائج تذکر ” حیث بقی المشاهدون الأوروبیون منقسمین قومیا، بسبب تنوع اللغات والثقافات وتقالید الإعلام. ولذا یتم توصیل القضایا الأوروبیة من خلال المؤسسات الوطنیة والأحزاب وجماعات الضغط، وینظر للقضایا الأوروبیة من خلال عدسات قومیة”.[62]

وقد شکلت فکرة الهویة عاملا مؤثرا بالفعل فی رؤیة وتعامل النخبة السیاسیة البریطانیة مع أوروبا. ورغم أن هناک مجموعة من العوامل الأخرى الدافعة للخروج، إلا أن السؤال المرتبط بالسیادة، کان هو الأکثر حضورا فی جوهر الاستفتاء.لقد کانت الفروق والانقسامات العرقیة واضحة عند التصویت على البریکست، فالناخبین البیض کانوا أکثر تصویتا للخروج بنسبة  53%، فی حین صوتت نسبة 67% ممن یصفون أنفسهم بالآسیویین لصالح البقاء ، کما صوت 73% من الناخبین السود أیضا لصالح البقاء. وصوت ما یقرب من 6 من کل 10 نسبة 58% ممن یصفون أنفسهم بأنهم مسیحیون للمغادرة بینما صوت 7 من کل 10 مسلمین لصالح البقاء. ومع ذلک ، فإن بعض المهاجرین من دول الکومنولث الذین صوتوا لصالح الخروج فعلوا ذلک لأنهم أرادوا نظامًا أکثر عدالة للهجرة لا یمنح معاملة تفضیلیة لأوروبا الشرقیة على أشخاص من بلدانهم[63]. اذن فقد کشف البریکست عن تیار قومی لا یستهان به فی بریطانیا، علاوة على خطوط التصدع فی تقسیم الطبقات داخل البلاد. ویمکن القول إن تاریخ الإمبراطوریة البریطانیة وما نتج عنه من تنوع عرقی- دینی داخل بریطانیا، علاوة على الهجرات من وسط وشرق أوروبا، والهجرات من دول الشرق الأوسط قد ساهم فی تعقید البریکست وجعلها عملیة تمیل بین طرفی شد وجذب وفقا لمصالح کل طرف.

جدیر بالذکر أن انتخابات البرلمان الأوروبی 2019 التی أجریت فی نهایة شهر مایو 2019، لانتخاب 751 نائباً فی برلمان أوروبی، الذی یُعد الهیئة التشریعیة الوحیدة العابرة للدول فی العالم، حیث یضع أعضاء البرلمان الأوروبی القوانین لـ 512 ملیون مواطن فی الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی البالغ عددها 28 دولة. أسفرت تلک الانتخابات عن تقدم ملحوظ لصالح الحرکات القومیة والشعبویة التی تعارض التکامل الأوروبی[64]، فحزب الرابطة المعارض للهجرة واللاجئین أصبح الحزب الأول فی إیطالیا، وحزب مارین لوبین الیمینی هو کذلک الأول فی فرنسا، وحزب نیجل فاراج هو الأول فی المملکة المتحدة، إذن الأحزاب المؤثرة على الساحة الآن فی إیطالیا وفرنسا وانجلترا، تطالب بدور أضعف للاتحاد الأوروبی، ودور أقوی للتیار والأحزاب القومیة.[65]

5- دور القیادة السیاسیة

من الطبیعی أن یکون دور القیادة السیاسیة فی ترتیب متقدم عند الحدیث عن الأسباب التی دفعت بریطانیا للتصویت لصالح البریکست، لکن الباحث وضعه أخیرا لیوضح، من وجهة نظره، أن کل العوامل الأخرى التی ذکرت قبله وهى: الاستقلالیة البریطانیة ازاء الکیان الأوروبی الموحد، والأزمات الاقتصادیة وأداء الاتحاد الأوروبی الاقتصادی،  أزمة المهاجرین، والتیار القومی والتمسک بالهویة لم تکن کافیة بمفردها لخروج بریطانیا من عضویة الاتحاد الأوروبی لولا وجود قیادات بریطانیة على مر تلک السنوات ( 1973- 2016) إما غیر متحمسة أو غیر مقتنعة أو رافضة لفکرة عضویة بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی. فکما رأینا أن بریطانیا رفضت بدایة الانضمام إلى المجموعة الأوروبیة للفحم والصلب، لدى تأسیسها. وقال رئیس الوزراء، فی ذلک الوقت کلیمنت أتلی للبرلمان فی عام 1950 إن حزبه لیس مستعدا لتسلیم أکثر قوى الاقتصاد حیویة فی بلاده إلى سلطة غیر دیمقراطیة لا تخضع للمساءلة، وحتى بعد انضمام بریطانیا لعضویة الاتحاد عام 1973 فإن القیادات البریطانیة المتتالیة ظلت تساوم الاتحاد الأوروبی للحصول على استثناءات ومزایا من الاتحاد.

لکن اللافت للنظر بالفعل هو أن القیادات السیاسیة البریطانیة  وظفت واستخدمت عضویة بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی باعتبارها ورقة سیاسیة داخلیة؛ لتحقیق مکاسب حزبیة  فی حین أنها یفترض ألا تکون کذلک. فقد قرر رئیس الوزراء البریطانی الجدید ،فی ذلک الوقت، هارولد ویلسون (حزب العمال) عام 1975، فی مواجهة انقسامات بین وزرائه بشأن أوروبا، إجراء استفتاء على البقاء فی التکتل أو الخروج منه. وصوت البریطانیون بنسبة  بلغت 67 % مقابل 33 % لصالح البقاء. ونجد أن رئیس الوزراء دیفید کامیرون (2010- 2016)، قد استخدم ورقة عضویة بلاده فی الاتحاد الأوروبی مرتین، مرة للحصول على مزایا واستثناءات من الاتحاد الأوروبی لبریطانیا ، ملوحا أو متحججا  بورقة العضویة. أما المرة الثانیة فکانت ضد خصومه السیاسیین؛ حیث لجأ لاستخدام کارت العضویة لحسم صراع انتخابی داخلی، حینما وعد الناخبین فی 2013 بإجراء استفتاء على بقاء بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی، فی حال فوز حزبه فی انتخابات 2015 ، کما سبق ذکره، لکن الاستفتاء على البریکست أطاح به.

 وتشیر الأدبیات الى أن التکامل الأوروبی کان دائما مسألة محل خلاف فی السیاسة البریطانیة. وأن کلا من الحزبین الرئیسیین: حزب المحافظین وحزب العمال، شهد انقسامات وتغیر فی السیاسات فی العقود الماضیة بسبب هذا الموضوع. وبشکل خاص فقد شهد حزب المحافظین منذ التوقیع على معاهدة ماستریخت فی عام 1992، جدلا بین الالتزامات الاقتصادیة التی تتطلبها المعاهدة، والعواقب السیاسیة المترتبة علیها مثل الحد من السیادة الوطنیة.[66]

 من جانب آخر، عندما  ُسئل رئیس الوزراء الأسبق دیفید کامیرون حول الدعوة لاستفتاء عام 2016 ، إذا ما کان قد فعل ذلک “لأسباب إدارة الحزب”؟  فانه لم ینف ذلک، واکتفى بالقول إن کل الأحزاب البریطانیة التی خاضت الانتخابات خلال الفترة من 2005- 2015 تعهدت بإجراء استفتاء مماثل[67]. وهو ما یؤکد حقیقة أن عضویة بریطانیا فی الاتحاد الأوروبی تم استخدامها کورقة للمساومات والضغوط  وتحقیق المصالح الحزبیة فی السیاسة الداخلیة البریطانیة.

من جانب آخر، نجد أن العوامل أو المشکلات الأخرى مثل الأزمات الاقتصادیة وأداء الاتحاد الأوروبی الاقتصادی، وأزمة المهاجرین، والتیار القومی والتمسک بالهویة قد طالت کل الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی ولیس بریطانیا فقط، لا بل أن الیونان، على سبیل المثال، الدولة العضو فی الاتحاد الأوروبی منذ عام 1981 ، شهدت أزمة اقتصادیة خانقة بدأت مع عام 2008، کما شهدت موجات مکثفة من الهجرة غیر الشرعیة بحرا عبر جزرها الکثیرة، لکنها لم تفکر فی طرح الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی باعتباره موضوعا وخیارا للاستفتاء الشعبی. أضف إلى ذلک أن مسألة التیار القومی والتمسک بالهویة، هی سمة وعقبة ، أمام معظم الدول الأوروبیة فی سبیلها لتحقیق التکامل/ الاندماج الأوروبی، علاوة على ذلک، فإن ظهور التیارات القومیة والشعبویة فی أوروبا، التی تعارض التکامل الأوروبی وتدعو إلى النزعة القومیة الوطنیة وتحرض على کره الأجانب الخ لیست بالظاهرة الجدیدة ومن المتوقع أن تستمر، وهى لیست مشکلة أمام بریطانیا وحدها. ولکن کما یتضح فإن القیادات السیاسیة البریطانیة، الراغبة فی البریکست، استغلت تلک النزعات القومیة والوطنیة، مع تحمیل المهاجرین مسؤولیة تراجع مستوى الأجور والخدمات الصحیة والتعلیمیة وغیرها فی البلاد کما سبق ذکره.

خاتمة:

تکهنت الوظیفیة الجدیدة بحدوث الانسحاب أو التراجع“Spill-backs” عندما تصبح الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی غیر راغبة فی التعامل مع السیاسات على المستوى فوق الوطنی، وهو ما حدث فی حالة بریطانیا وکان ذلک جلیا منذ انضمام بریطانیا للجماعة الأوروبیة عام 1973 وحتى تصویت  البریطانیین لصالح الخروج. ویسود ذلک التفسیر بأن بریطانیا نظرت بشکل براجماتی بحت الى مصالحها الفردیة خاصة فی الجوانب الاقتصادیة والمالیة بحسابات المکسب والخسارة تجاه عضویتها فی الاتحاد الأوروبی، بعیدا عن منطق واطار ومتطلبات العمل الجماعی (التکتلات، المنظمات الدولیة، التحالفات) وهو الأمر الذی قد یتطلب تقدیم تنازلات مالیة أو اقتصادیة أو ربما التغاضی عن تحقیق مکاسب اقتصادیة آنیة، فی مقابل المحافظة على قیم ومصالح واستقرار التنظیم أو التکتل ککل أی کان شکله، حیث تتحقق مکاسب أکبر وأکثر على المدى البعید.

من جانب آخر، فإن نظریة الوظیفیة الجدیدة وبما وضعته من افتراضات، سبق ذکرها، تفترض أن عملیة التکامل الإقلیمی تقوم أساسا على عاملین أساسیین هما: المکاسب المتبادلة، ومستوى عال من الترابط الوظیفی، ووفقاً للنظریة فإن الاتحاد الأوروبی من المرجح أن یتفکک إذا تلاشى هذان العاملان. وعلى هذا یمکن بدرجة عالیة من الوضوح، وفقا لهذه للنظریة، القول إن قرار بریطانیا الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی یرجع فی جانب أساسی منه إلى عدم رضاها عن المکاسب التی تحققها من عضویتها فی الاتحاد، وأن ما تقدمه للاتحاد من موارد والتزامات سیاسیة وقانونیة، أقل بشکل کبیر من المنافع والمکاسب التی تحصل علیها، وبالتالی فإن من مصلحة بریطانیا الخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی. هذا علاوة على مقاومة بریطانیا لأشکال تطور الترابط السیاسی أو حتى الاقتصادی مع الاتحاد الأوروبی، فقد بقیت خارج منطقة الیورو وخارج منطقة الشنجن ورفضت ومشروعات الاتحاد الأوروبی لتعزیز قوته سیاسیا وقانونیا على حساب الدول الأعضاء، وطالبت بامتیازات واستثناءات فی هذا الصدد.

أما عن مسألة الهجرة والقاء البریطانیین اللوم على تدفقات الهجرة إلى البلاد على مدار الخمسة عشر عاما الماضیة، فی تبریر البریکست فقد تبین أن بریطانیا لم تکن استثناء إذا أخذت فی سیاق الهجرة إلی دول الاتحاد الأوروبی، مثل إیطالیا وأسبانیا والیونان أو حتى ألمانیا، بل إن بریطانیا حصلت على استثناءات من الاتحاد الأوروبی فی تعاملها مع المهاجرین کما سبق ذکره. وقد بینت الدراسات أن الساسة البریطانیین قد ساهموا فی إذکاء مشاعر الکراهیة والاستیاء ضد المهاجرین، بدلا من معالجة الإخفاق المزمن فی سیاسات التعامل معهم.

أما الأمر الذی یدعو الى الملاحظة والبحث فهو حقیقة أنه رغم مرور 43 عاما على عضویة بریطانیا فی الکیان الأوروبی (منذ العضویة عام1973 وحتی التصویت بالخروج فی عام 2016) إلا أن تلک السنوات فشلت فی خلق شعور لدی البریطانیین (شعبا وقیادة من السیاسیین) بالانتماء الى أوروبا. من جانب آخر، أظهرت الدراسات وتحلیل نتائج التصویت أن قضیة الشعور بالهویة البریطانیة المستقلة لعبت دورا هاما فی التصویت لصالح البریکست. وأن مسألة الشعور بالهویة الأوروبیة فی باقی دول الاتحاد تعانی صعوبات أیضا وتظل مجرد تفکیر وتمنی ولم تتجاوز تلک المرحلة فی الحقیقة لعدة أسباب منها تعدد اللغات والثقافات داخل الاتحاد.

أیضا بقی القول انه رغم ما حققه الاتحاد الأوروبی من نجاح فی تحقیق التکامل الإقلیمی لم یصل الیه غیره، الا أن ذلک النجاح واجه خلال السنوات العشر الأخیرة تحدیین أساسیین هما: تعرض بعض اقتصادات الاتحاد الأوروبی لأزمات اقتصادیة ومالیة ، کشفت عن عمق أزمة الأبنیة المؤسسیة للاتحاد وعدم قدرتها على منع انتقال الأزمات الاقتصادیة والمالیة العالمیة الیها. وخروج بریطانیا من عضویة الاتحاد الأوروبی بعد عقود کاملة من العضویة، وبعد وصول تلک العملیة الى مراحل متقدمة. وهو أمر فی حاجة الى إعادة نظر من جانب الاتحاد الأوروبی.

وأخیرا فإن التداعیات المتوقعة من البریکست عدیدة، ولم یکن هناک متسع لمناقشتها فی هذه الدراسة ،لکنها بدون تشک سوف تضع ضغوطا على الاتحاد الأوروبی، بخصوص مسائل مثل الهجرة والاقتصاد والهویة ومؤسسات الاتحاد الأوروبی وغیرها. والأغلب أن الاتحاد الأوروبی بما عهد عنه من منهج التدرج، والعمل وفقا لطریقة عملیة هی “الاختلاف فی اطار الاتفاق”، سوف یتغلب على أزمة بریکست الخاصة ببریطانیا أخذا فی الاعتبار الوضع الخاص لها منذ دخولها وحتى تخلیها طواعیة عن العضویة فی الاتحاد الأوروبی.

المراجع

أستاذ العلوم السیاسیة المساعد، کلیة السیاسة والاقتصاد ، جامعة بنى سویف، مصر.

E.mail: Osamafma@hotmail.com

[1]محمد فایز فرحات، النموذج الآسیوی فی التکامل الاقتصادی وتحریر التجارة، کراسات استراتیجیة، العدد 290 المجلد السابع والعشرون ( الأهرام: مرکز الدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، یولیو 2018)، ص4.

[2]المرجع السابق، ص 9.

[3]حسن نافعة، الاتحاد الأوروبی والدروس المستفادة عربیا ( بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، یونیو 2004) ص 61.

[4] المرجع السابق، ص 61.

[5]David Mitrany, A Working Peace System (Chicago: Quadrangle Books, 1966).

[6]Robert O. Matthews, Arthur G. Rubinoff, and Janice Gross Stein (eds.), International Conflict and Conflict Management (Ontario: Prentice- Hall Canada Inc., 1989) pp. 547-548.

[7] David Mitrany, op- cit, pp.10-11.

[8]Justin D. Cooper, “Functionalism’s Working Peace System”, in Robert O. Matthews, Arthyr G. Robinoff,  Janice Gross Stein, op.cit., p.548

[9]جمیل مطر، علَى الدین هلال، النظام الإقلیمى العربى: دراسة فى العلاقات السیاسیة العربیة (القاهرة: دار المستقبل العربی، 1983) ص ص 18-19.

[10]محمد السعید إدریس، تحلیل النظم الإقلیمیة: دراسة فى أصول العلاقات الدولیة الإقلیمیة (القـاهرة: مرکز الدراسات السیاسیة والإستراتیجیة بالأهرام،2001) ص ص 38-39.

[11]Ernst B. Haas, The Uniting of Europe: Political, Social And Economic Forces 1950-1957 (Stanford: Stanford University Press, 1958) p.16, also; Beyond the Nation state  (Stanford: Stanford University Press,1964).

[12]خلیل إسماعیل الحدیثى، الوظیفیة والنهج الوظیفى فى نطاق جامعة الدول العربیة، سلسلة دراسات استراتیجیة، العدد 62 (أبو ظبى: مرکز الإمـارات للدراسات والبحوث الإستراتیجیة،2001) ص 9.

[13] عطیة حسین أفندی، المنهج الوظیفی ودراسة المنظمات الدولیة مع التطبیق على نظام الأمم المتحدة، فی على عبد القادر (تقدیم)،  مرکز اتجاهات حدیثة فى علم السیاسة  (القاهرة: مرکز البحوث والدراسات السیاسیة بکلیة الاقتصاد – جامعة القاهرة، 1987) ص ص 326- 328.

[14]عبد الناصر جندلی،” التکامل: مقاربة مفاهیمیة وتنظیریة”، مجلة جیل الدراسات السیاسیة والعلاقات الدولیة، العدد 3 أغسطس 2015، ص 17.

[15] Hans Vollard. A theory of European disintegration. Latvia: Fourth Pan-European Conference on EU Politics, 2008, p.8.

[16] زراولیة فوزیة، نظریات التکامل والاندماج( الجزائر: کلیة الحقوق – جامعة محمد الصدیق بن یحی، 2018)، ص ص 34-36، على الرابط: https://bit.ly/2PkU7ik

[17]محمد فایز فرحات، مرجع سابق، ص52.

[18]  زراولیة فوزیة، نظریات التکامل والاندماج، مرجع سابق، ص ص 36-40.

[19]  للمزید من التفاصیل عن الإقلیمیة والتکامل أنظر: خالد البنداری الباجوری، مشکلات تجارة دولیة ( القاهرة: جامعة مصر للعلوم والتکنولوجیا- إدارة الکتاب الجامعی، 2008) ص ص 37-56.

[20]Henrik Scheller & Annegret Eppler. “European Disintegration – non-existing Phenomenon or a Blind Spot of European Integration Research?” Institute for European Integration Research, working paper no. 2/2014, pp.25.

[21]Douglas Webber. How Likely Is It That The European Union Will Disintegrate? A Critical Analysis of Competing Theoretical Perspectives.European Journal of International Relations, Vol. 20(2), 2014,  p.342.

[22]Fatima Mounir Nouby, The European citizens ‘perspectives towards the EU integration process, Master thesis, Euro-Med Master Program ( Cairo University: Faculty of Economics and Political Science, 2019) pp.   7-8.

[23] Riham Bahi, Regionalism in Hard Times: Brexit and the Limits of Hegemonic Regionalism, Review of Economics & Political Science, Vol.2, Issue 1, January 2017, p.37.

[24] Riham Bahi, Regionalism in Hard Times: Brexit and the Limits of Hegemonic Regionalism, Review of Economics & Political Science, Vol.2, Issue 1, January 2017, p.37.

[25] Ibid, p.37

[26] Pauline Schnapper, British Foreign Policy in the Context of Brexit:  Realism or Irrationality?:The Return to Realism?, January 2019, Available online at:

https://www.researchgate.net/publication/326814676_British_Fore

[27]حسن نافعة، الاتحاد الأوروبی والدروس المستفادة عربیا، مرجع سابق، ص 120.

[28] مروة نظیر، “فرصة بریکست: لماذا یدعم “ترامب” خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی؟”، مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16 یونیو 2019، على الرابط: https://bit.ly/32OTAYX

[29] المرجع السابق.

[30]”تسلسل زمنی- رحلة بریطانیا الصعبة لدخول الاتحاد الأوروبی والخروج منه”، موقع “رویترز”، 18 دیسمبر 2018، على الرابط: https://bit.ly/2NT7aqb

[31]  حول الأخطاء التی وقعت فیها تیریزا مای بشأن إدارة ملف بریکست أنظر: منال لطفی، “بریکست..الاختبار الأصعب لمای”، موقع “العین” الاخباری، 22 مارس 2019، على الرابط :

https://al-ain.com/article/breakest-difficult-test-may

[32]  یقصد بالبریکست الناعم الإبقاء على علاقات اقتصادیة وثیقة مع الاتحاد الأوروبی بعد بریکسیت، فی حین یدعو بریکست القاسی الى القطیعة الواضحة معه.

[33]”بریطانیا: استقالة وزیر الخارجیة بوریس جونسون یزید البریکسیت تعقیدا”، موقع “فرانس 24″، 9 یولیو 2018، على الرابط: https://bit.ly/2Ohf3EH

[34]للمزید من التفاصیل عن تلک المرحلة أنظر: نوار الصمد، “بریکست بلا صفقة : سیناریو خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی دون اتفاق”، مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 11 یونیو 2019، على الرابط:

https://bit.ly/37cgvB1

[35] Pauline Schnapper, op.cit.

[36]انضمت بریطانیا الى المجموعة الأوروبیة فی 22 ینایر 1973 مع کل من الدنمارک، وأیرلندا وهو التوسع الأول للمجموعة لیصبح عددها تسع دول. واقترنت التوسعة بتعمیق مهام المجموعة بحیث مُنحت مهام اجتماعیة وإقلیمیة وبیئیة.

[37]”منذ 1950 حتى الیوم: لمحة عن دخول و”خروج” بریطانیا من الاتحاد الأوروبی”، موقع “یورونیوز”، 19 دیسمبر 2018، على الرابط: https://bit.ly/2JDxFgF

[38]المرجع السابق.

[39]”حکایة خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی کلها”، موقع “عربی بوست”،فی 29 یونیو 2016، على الرابط:

https://bit.ly/2QdUdsD

[40] المرجع السابق.

[41]المرجع السابق

[42] محمد علی الروسان، “الخروج البریطانی من الاتحاد الأوروبی المقدمات والدوافع : دراسة تحلیلیة”، مجلة کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، المجلد الثامن عشر، العدد الرابع، أکتوبر 2017، ص 177.

[43] المرجع السابق، ص ص، 177- 178.

[44] Fatima Mounir Nouby, op.cit., p.77.

[45] Ibid., p.75.

[46]Ibid., p. 87.

[47]محمد علی الروسان، مرجع سابق، ص 190.

[48] Pauline Schnapper, op.cit.

[49]شهد شهر مایو 2004 انضمام عشر دول للاتحاد الأوروبی هی: لاتفیا- استونیا- لیتوانیا – بولندا- التشیک – المجر- قبرص – مالطا – سلوفاکیا- سلوفینیا.

[50]انضمت کل من بلغاریا ورومانیا إلى عضویة الاتحاد الأوروبی فی شهر ینایر 2007.

[51] Kamil Kotlinski, The economic consequences of leaving European Union by Great Britain, EKONOMIA I PRAWO. Economics and Law, Volume 17, Issue 2, June 2018,p. 164.

Available online at:      file:///C:/Users/DELL/Downloads/The_economic_consequences_of_leaving_European_Unio.pdf

[52]محمد مطاوع، “الاتحاد الأوروبی وقضایا الهجرة : الإشکالیات الکبرى والاستراتیجیات والمستجدّات”، مجلة المستقبل العربی، العدد 431 ینایر 2015، على الرابط: https://bit.ly/39gSb1V

[53] Fatima Mounir Nouby, op.cit., p80.

[54]Ibid., pp.82-83.

[55]محمد علی الروسان، مرجع سابق، ص 182.

[56] Fatima Mounir Nouby, op.cit., p.84.

[57] Simon Tilford.  Britain, immigration and Bexit.  Centre for European Reform, Issue105,   December 2015/January 2016.

Available online at:

https://www.cer.eu/sites/default/files/bulletin_105_st_article1.pdf

[58]للمزید من التفاصیل  حول القیود التی فرضتها بریطانیا على المهاجرین واللاجئین الیها  للحد من أعدادهم أنظر: محمد مطاوع، مرجع سابق.

[59] Ibid.

[60]Fatima Mounir Nouby, op.cit., p.90.

[61]بشارة خضر، عملیة الاندماج الأوربی النشأة – العقبات – التحدیات المستقبلیة، سلسلة دراسات استراتیجیة، العدد 151 (أبوظبى: مرکز الإمـارات للدراسات والبحوث الإستراتیجیة،2010) ص 44.

[62] المرجع السابق، ص ص 44- 45.

[63]  Jacqueline O’Reilly, Julie Froud, Sukhdev Johal, et. al,  Brexit: understanding the socio-economic origins and consequences, Socio-Economic Review, 2016, Vol. 14, No. 4, p. 811.

Available online at:

https://core.ac.uk/download/pdf/80766060.pdf

[64]”انطلاق الانتخابات الأوروبیة… والشعبویون یتطلعون لمکاسب”،  صحیفة “الشرق الأوسط”، 24 مایو 2019، على الرابط:https://bit.ly/32VYh3r

[65] “نتائج الانتخابات الأوروبیة تخلط الأوراق وتغیر موازین القوى” ، موقع”DW”، 27 مایو 2019، على الرابط: https://bit.ly/33R7kE1

[66] Simon Usherwood, Brexit as a Cause and a Consequence of Political Change in the UK, July 2018, Available online at:

https://www.researchgate.net/publication/326446011_Brexit_as_a_Cause_and_a_Consequence_of_Political_Change_in_the_UK

[67] “David Cameron: EU referendum claim fact-checked”, BBC News, 19 September 2019, Available online at: https://www.bbc.com/news/uk-politics-49753420

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى