دراسات اقتصاديةدراسات شرق أوسطية

أَثْر الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ على النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ في الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا

استهدفت الدِّراسةُ تحليلَ وقياسَ العَلاقةِ بينَ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ والنُّموِّ الاقْتِصَادِيِّفي مجموعةِ دولِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا خلال الفترةِ (1995 – 2019). ومِن ثمَّ، اختبار فرضيَّةٍ أساسيَّةٍ مُفادها وجود عَلاقةٍ مُباشرةٍ وغير مُباشرةٍ بينَ مُؤشراتِ الحُرِّيَّة الاقْتِصَادِيَّةِ والنُّموّ الاقْتِصَادِيِّ في مجموعةِ دولِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا، وتبين وجود تأثيرٍ إيجابيٍّ لمُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ إِجمالًا لکلِّ دول المِنطقةِ الثماني عشَرة دولة، مع وجود اختلافات فيما بينَ بعضِ الدولِ، خاصَّةً ما يتعلقُ بالمُؤشراتِ الفَرْعيَّةِ المُکوِّنةِ لمُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ على مُعدَّلاتِ النُّموِّ الاقْتِصَادِي؛ حيثُ جاءَ مُؤشرُ الحُرِّيَّةِ النَّقْديَّةِ ضمن قنواتِ انتِقالِ الأَثْرِ الأبرَزِ؛ نظرًا لأسبابٍ تتعلقُ بتفاوتِ النُّظُمِ المُعلَنةِ والمُطبَّقةِ للسيَاسَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ، خاصَّةً فيما يتعلقُ بالنَّقْدِ الأجنبي، ومدى استقلاليَّة البنکِ المَرکَزيِّ في السيطرةِ على مُعدَّلاتِ التَّضَخمِ.
وَقد استخدمَت الدِّراسةُ نموذجَ مُتجه الانحدارِ الذاتيِّ للسلاسلِ المَقطَعيَّةِPanel Vector Autoregressive Model (PVAR)؛ لبيانِ أَثْرِ کلِّ قناةٍ، مثل: (الکفاءة التنظيميَّة للاقْتِصادِ الکُليِّ، وانفِتاح الأسواقِ، وحجم الحکُومةِ) على نُموِّ مُتوسِّطِ نصيبِ الفَردِ من النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ.

مقدمـــة:

تتباينُ الاتجاهاتُ الفکريَّةِ حولَ أَثْرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ على النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ؛ حيثُ ترتبطُ عادةً إِمَّا بالظروفِ السَّائِدةِ في الفترةِ الزَّمنيَّةِ تارةً، أو ترتبطُ بالتوجهِ الفکري للکَاتِبِ تارةً أخرى، فمنذُ عقدِ التسعينيَّات من القرن العشرين – على وجهِ الخصوصِ- کانَتِ العَلاقةُ بينَ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ والنُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ مِن أهمِّ الموضوعاتِ البحثيَّةِ حولَ النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ، خاصَّةً معَ تراجعِ الاتجاهِ الشيوعيِّ معَ انهيارِ الاتِّحادِ السوفيتيِّ، إِذ يشيرُ مُؤشرُالحُرِّيَّةِالاقْتِصَادِيَّةِ،ومتغيراتُهالأساسيَّةُ إلىالمدىالذييُمکِّنُللشرکاتِ الخاصَّةِوالأفرادِ والمُستثمِرينَ والمُستهلِکينَ مِنمُزاولةِومُواصلةِالمُشارَکةِ داخلَ النَّشاطِ الاقْتِصَادِيِّدونتدخلٍمِن الحکُومةِ؛لتجعلَهميتحملون مسؤولياتِهمواتِّخاذقراراتهمبأنفسِهمفيمَجالاتِهمالمتنوعةِ،والتيتصبُّفيالنهايةِفيالصَّالِحِالعامِّ دون وجودِ قيودٍ تعرقلُ حريتَهم بالشکلِ الذي يحفظُ مصالحَ الدولةِ؛ من حيث تحقيقالنُّموِّالاقْتِصَادِيِّالمُستدامِ ذي البُعد الاجتماعي، إذ تشيرُ الحُرِّيَّةُالاقْتِصَادِيَّةُإلىترسيخِالاقْتِصادِالحُرِّ،وتدعمُتکافُؤَ الفُرصِ، وهو ماأظهرَتهالدِّراسَات البحثيَّةللعَلاقةِالإِيجابيَّةِبينَالحُرِّيَّةِالاقْتِصَادِيَّةِ،وتعزيزِالنُّموِّ، وخَلْقِفُرصِالعملِ،ومُحارَبةِالفَقْرِوالفَسَادِ.

أولا: مُشکلةُ الدِّراسةِ وأبعادُها:

1-1 مُشکلةُ الدِّراسةِ:

تتناولُ هذهِ الورقةُ البحثيَّةُ بيانَ مُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ وأَثْرَه على نُموِّ نصيبِ الفَردِ مِن النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ الحقيقيِّ في مِنطقةِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ، في مُحاوَلةٍ للوقوفِ على طبيعةِ العَلاقةِ الکميَّةِ بينهما، وفَهْم اتجاهِ الأَثْرِ بينَ النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ کمتغيرٍ تَابِعٍ، والحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ ومُتغيراتِها کمتغيراتٍ مستقلةٍ. وبذلک تتمثلُ المُشکلةُ البحثيَّةُ في دراسةِ وتحليلِ أَثْرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ على النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ مِن خلال قنوات انتِقالِ أَثْرِ التغيرِ في السيَاسَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ على النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ لدول الشَّرْقِ الأوْسَطِ خلالَ الفترةِ مِن 1995، وحتى 2019.

وقد جاءَ اختيارُ عامِ 1995 لعاملَين أساسيين: الأول، هو توجه الاقْتِصاد العَالَمي لمرحلةٍ جديدةٍ عقب انهيارِ الاتِّحادِ السوفيتيِّ معَ بدايةِ عقدِ التسعينيَّات. والآخر، اتجاه غالبيَّة دول المِنطقةِ نحوَ التَّحوُّلِ للاقْتِصَادِ المَفتُوحِ، والدخولِ في العديدِ من الاتِّفاقيَّاتِ الدوليَّةِ ذات التأثيرِ على الاقْتِصَادِ ککلٍّ؛ لاستهدافِ رَفْعِ مُعدَّلاتِ النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ لدى العديدِ مِن الدول العربيَّةِ والإِفريقيَّةِ، وهو ما دَفَعَ الدِّراسةَ باستهدافِ مِنطقةِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا لما لها مِن طبيعةٍ متشابهةٍ في عقد التسعينيَّات نحو التوجه للانفتاحِ، وشَملَت هذهِ الدول: (مِصر، الجزائر، تونس، ليبيا، المَغرِب، السُّعوديَّة، الإِمَارات، عُمان، الأردن، الکويت، لُبنان، سوريا، فِلَسطِين “إسرائيل”، إيران، العراق، اليَمَن، قطر، والبحرين)، وجاء اختيارُ عام 2019؛ لتوافرِ البياناتِ الکميَّةِ اللازمةِ في إجراءِ القياسِ الکميِّ لبيانِ نوعِ وطبيعةِ الأَثْرِ بينَ متغيراتِ الدَّراسةِ سَالِفةِ الذکر.

1-2  فرضيَّةُ الدِّراسةِ:

استهدفَتِ الدِّراسةُ اختبارَ فرضيَّةٍ أساسيَّةٍ مُفادها:

(وجودُ عَلاقةِ مُباشرةٍ وغير مُباشرةٍ بينَ مُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ والنُّموِّ الاقْتِصَادِيِّفي مجموعةِ دولِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا).

وينتجُ عن الفرضيَّةِ الأساسيَّةِ عددٌ مِن الفرضياتِ الفرعيَّةِ التي تُعدُّ قنواتِ انتقالِ أَثْرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ للنُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ، وهي:

  •  تراجعُ مُؤشرِ انفتاحِ السوقِ، يؤدي إلى ارتفاعِ مُعدَّلاتِ التَّضَخمِ المَحليَّةِ.
  • يؤدي تدخلُ الحکُومةِ في السياسةِ النَّقْديَّةِ إلى ارتفاعِ أسعارِ الصَّرفِ الحقيقيَّةِ.
  • تراجعُ مُؤشرِ الکفاءةِ التنظيميَّةِ، يؤدي إلى ارتفاعٍ في أسعار الصَّرفِ.

1-3  أهدافُ الدِّراسةِ:

  1. التعرُّفُ على الإِطارِ النظريِّ لمُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ والنُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ.
  2.  قياسُ العَلاقةِ الکميَّةِ وتحليلُها بينَ مُتغيراتِ مُؤشرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ ومُعدَّلِ النُّموِّ الاقْتِصَادِيِّ، وتحديد اتجاهاتِها وطبيعتِها عن طريقِ دِراسةِ بياناتِ دول مِنطقةِ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشَمَالِ إِفرِيقيَا خلال الفترةِ (1995 – 2019) للمتغيراتِ محل الدِّراسةِ.

1-4  منهجيَّةُ الدِّراسةِ:

اعتمدتِ الدِّراسةُ على المنهجَين التحليليِّ والقياسيِّ في اختبارِ الفرضياتِ المُشار إليها؛ حيثُ تمَّ استخدامُ المنهجِ التحليليِّ في تحليلِ المُؤشرِ الاقْتِصَادِيِّ في الدولِ محل الدِّراسةِ، وتتمثلُ أهمُّ تلکَ المُتغيراتِ في: (مُتوسِّطِ نَصيبِ الفردِ من النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ، والسيولةِ المَحليِّة، ومُعدَّلِ تغيرِ الاحتياطاتِ الدوليَّةِ لدى البنوکِ المَرکزيَّةِ، وسعرِ الصَّرفِ الأجنبيِّ، ومُعدَّلِ البطالةِ، ومُعدَّلِ التَّضَخمِ، وتدفقاتِ الاستثمارِ الأجنبيِّ المباشرِ کنسبةٍ مِن النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ).

وفيما يتعلقُ بالمنهجِ القياسيِّ، فقد تمَّ تقديرُ نموذجِ متجه الانحدارِ الذاتيِّ للسلاسلِ المَقطعيَّةِ PVAR؛حيثُ تمَّ استخدامُه في دراسةِ أَثْرِ الحُرِّيَّةِ التِّجاريَّةِ، معبرًا عنها بدرجةِ الانفتاحِ على العَالَمِ على عددٍ من المُتغيراتِ الکُليَّةِ المهمةِ، والتي شملَت: (مُعدَّلِ النُّموِّ في نَصيبِ الفردِ مِن النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ، وسعرِ الصَّرفِ الحقيقيِّ، ومُعدَّلِ التَّغيرِ في الاحتياطاتِ الأجنبيَّةِ لدي البنوکِ المَرکزيَّةِ، ومُعدَّلِ النُّموِّ في السيولةِ المَحليَّةِ، ومُعدَّلِ البطالةِ، ومُعدَّلِ التَّضَخمِ، وصافي تدفقاتِ الاستثمارِ الأجنبيِّ). بالإِضافةِ إلى ذلکَ، فقد تمَّ استخدامُ دوالِ الاستجابةِ للصَّدماتِ، وتحليل مُکوِّناتِ التباينِ في دراسةِ تأثيرِ هذه المُتغيراتِ على مُعدَّلِ النُّموِّ في نَصيبِ الفردِ مِن النَّاتِجِ المَحليِّ الإِجماليِّ، فضلاً عن تقديرِ أَثْرِ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ على مُعدَّلاتِ التَّضَخمِ، والبطالةِ، وسعرِ الصَّرفِ الأجنبيِّ کمُتغيراتٍ وسيطةٍ.

تحميل الدراسة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى