الدبلوماسية و المنظمات الدوليةدراسات سياسية

إسماعيل فهمي وزير خارجية السادات في: «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط»

محمد عبدالرحمن عريف

    هي مذكرات دبلوماسي مصري بارز، له أضواء على زيارت السادات للقدس التي يرى أنها حطمت دور مصر تجاه الفلسطينيين كما تنفي أن يكون كسر الحاجز النفسي بين العرب وإسرائيل من بين أهداف مبادرة السادات.

   يسجل اسماعيل فهمي الذي استقال من منصب وزير الخارجية اعتراضًا على حركة السادات المسرحية التي فوجيء بها العالم يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977 أن رغبة السادات في أن يصبح “بطلًا عالميًا” أدت الى عزلة مصر عربيًا وعزلة السادات داخل بلاده مشيرًا إلى أن غالبية المصريين استقبلوا مصرعه على أيدي متشددين اسلاميين بلا مبالاة كأنهم يتحررون من وهمه.

   يضيف في كتاب “التفاوض من أجل السلام في الشرق الاوسط” أنه لم يكن باعثًا على الدهشة أن تتم تصفية السادات في النهاية على يد مجموعة طائفية. وبينما كان معظم المصريين على غير استعداد للذهاب إلى هذا الحد “الاغتيال” فإن غالبيتهم كانت تشارك القتلة تحررهم من وهم السادات وليس هناك دليل أفضل من اللامبالاة الشديدة التي استقبل بها الشعب حادث مصرع السادات.

   كانت محاولة متعمدة لتناسي أن السادات كان موجودًا من قبل. وكان السادات يجلس في السادس من أكتوبر/ تشرين الاول 1981 في منصة عرض عسكري حين اغتالته رصاصات متشددين إسلاميين وكان إلى جواره نائبه حسني مبارك الذي تولى بعده الحكم.

   طرحت مكتبة دار الشروق بالقاهرة طبعة جديدة من مذكرات فهمي بمقدمتين احداهما لعمرو موسى الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الذي قال إن فهمي “سوف يظل علمًا من أعلام الدبلوماسية العربية. كان الوزير حقًا. والثانية لمحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذي يعتبر الكتاب شهادة تاريخية. ويسجل فهمي أن السادات حينما أبلغه بفكرة الذهاب الى القدس أثناء وجودهما في رومانيا، ذكره بأن أمام مصر ورقتي ضغط هما الاعتراف باسرائيل وانهاء حالة الحرب وأن مجرد الذهاب إلى القدس سيصب في مصلحة اسرائيل التي ستملي شروطها في ظروف ستعزل فيها مصر عن محيطها العربي. ويشير إلى أن مناقشته مع السادات في ذلك اللقاء استغرقت ثماني ساعات وذهب بعدها إلى استراحته حيث كان ينتظره مدير مكتبه أسامة الباز ومحمد البرادعي المستشار القانوني بوزارة الخارجية وبعد أن أبلغهما ما قاله السادات انفجر أسامة الباز قائلًا.. هذا جنون. لا شك أن الرجل غير متزن. لابد من منع ذهابه إلى القدس حتى لو استعملنا القوة.

    في كتاب «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط» -نتعرف على وقائع الحرب ومفاوضات السلام مع إسرائيل التي شهدها «فهمي» مع الرئيس الراحل «السادات»، والدور الذي لعبه «مبارك» كنائب للرئيس آنذاك قبيل اعتزام «السادات» زيارة الكينست الإسرائيلي، ثم كرئيس لجمهورية مصر بعد ذلك، وتطلعات «فهمي» لفترة حكمه في مهدها.

   نعم في البداية أثنى «فهمي» على أداء الجيش المصري في حرب أكتوبر، وعلى مستوى الاستعداد الفني للجيش بجميع قطاعاته من مشاة ومدفعية ودفاع جوي وخلافه، وعلى الخطة الاستراتيجية التي وُضِعت بدقة، وعلى الجنود المصريين الذين حاربوا باستماتة؛ حتى لا يذوقوا مرارة الفشل مجددًا بعد نكسة 67، وأشاد بالإعداد لعملية «عبور القناة» التي برغم أنها ضمت عناصر متنوعة من الحكومة والقوات المسلحة، إلا أنه لم يحدث أي تسريب للمعلومات، والتي يراها «فهمي» «الانتصار الحقيقى» في حرب أكتوبر.

    وتابع «فهمي» أن أداء القوات المسلحة في الحرب كان عظيمًا إلى الحد الذي أربك موشى ديان نفسه، حتى إن الحكومة المصرية لم تضطر للكذب وقتها على الشعب المصري بشأن مجرى الأحداث الحقيقية، بينما اضطرت الحكومة الإسرائيلية للكذب، وأضاف أن جنديًا إسرائيليًا قال عقب الحرب: «لقد علمنا المصريين كيف يحاربون، بينما علمهم مذيعي الراديو لدينا كيف يكذبون».

موقف “فهمي” من كامب ديفيت

   كشف «فهمي» عبر صفحات الكتاب عن أسباب رفضه القاطع لزيارة الرئيس الراحل «السادات» لمقر الكنيست الإسرائيلي، والتى قدم بسببها استقالته من حكومته في نوفمبر عام 1977؛ حيث قال إنها قامت على ثلاثة محاور: الأمن القومي المصري، وعلاقة مصر بالدول العربية، وزعامة مصر للعالم العربي، ورأى أنه لن يتأتى أي خير من ذهاب «السادات» للقدس، بل سيسفر ذلك عن نتائج عكسية حتى وإن قدم في مسعاه تنازلات عظيمة؛ وقال «فهمي» إن رحلة القدس «لم تكن محاولة للسلام في الشرق الأوسط بل كانت تحركًا غير رشيد في لعبة طويلة ومُعقدة للسلام».

    يصل فهمي إلى محطة زيارة السادات إلى دمشق لمناقشة حافظ الأسد في أمر مبادرته بالسفر إلى إسرائيل، وحسب فهمي، فإن السادات أبلغه بالزيارة تليفونيًا يوم 16 نوفمبر، وأكد له خلال اتصاله بأنه اتخذ قراره النهائي بالسفر إلى إسرائيل، وطلب منه إعداد الخطاب الذي سيلقيه أمام الكنيست، فغضب فهمي لأن ذلك كان يعني فشله في كل محاولاته لإثنائه عن هذه الفكرة منذ أن أعلنها في خطابه أمام مجلس الشعب يوم 9 نوفمبر 1977.

    يذكر فهمي: «بعد أن أدرك أن المناقشة الحامية (تليفونيًا) استمرت طويلًا، ووصلت إلى طريق مسدود قال: «نستطيع أن نستكمل مناقشاتنا خلال رحلتنا باكر إلى دمشق»، ويؤكد فهمي: «في البداية نويت أن أتناقش معه خلال الرحلة إلى دمشق، وفي الصباح الباكر قررت ألا أرافقه»، ويشير إلى أنه تعلل بأنه متعب. وبحسب وزير الخارجية الأسبق «كنت متأكدًا تمام التأكيد من أن السادات سيتناقش مع الأسد حول فكرته، وانتظرت أن يكون كل شيء علنًا خاصة مع المراسلين المرافقين له في الزيارة، وقبل العودة إلى القاهرة أطلع رجال الصحافة على حديثه مع الأسد معلنًا نيته الذهاب إلى القدس، وأن الرئيس السوري عارض الفكرة».

   يكشف الصحفي البريطاني باتريك سيل ما حدث بين «الأسد والسادات»، في كتابه «الأسد- الصراع على الشرق الأوسط» عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت»، قائلًا: «جلس الرجلان طيلة سبع ساعات يناقش كل منهما الآخر، ويناشده، ويهاجمه بحدة، وحدث أن صاح السادات: «فلنذهب معًا إلى القدس وإذا لم تكن تستطيع المجىء، فأرجو أن أن تلتزم الصمت، ولا تجابهنى بالاستنكار أو الإدانة، فإذا فشلت فسأعترف بأننى كنت مخطئًا، وسأقول لشعبي أن يعطيك زمام القيادة». وحسب سيل: «أصاب الأسد الذهول، فاستعمل لغة مشحونة بالخطر أكثر من المعتاد في تحذيره للسادات، وتحدث عن أن خطورته ستكون أخطر نكسة في التاريخ العربي، وسينجم عنها عدم توازن استراتيجي يجعل إسرائيل تضرب الأقطار العربية التي لا دفاع لها واحدًا بعد الآخر، بادئة بلبنان والفلسطينيين ولن تأتي الرحلة بالسلام، بل إنها على العكس ستنفيه وتبعده»، وينقل «سيل» عن الأسد قوله له، إنه فكر للحظة في حبس السادات ومنعه من مغادرة العاصمة السورية.

    عاد السادات من دمشق إلى الإسماعيلية، وبالطبع لم يكن فهمي من مستقبليه، ووفقًا لفهمى: «ما إن وصل حتى سلمه مبارك خطابي، وفتحه فوجد فيه استقالتي ونصها: «نظرًا للظروف الحالية التي تواجه مصر والعالم العربي، وبسبب التطورات غير العادية وغير المنتظرة التي ستحدث مؤثرة في القضية العربية، أقدم استقالتي لسيادتكم مقتنعًا تمام الاقتناع بأنني لا أستطيع الاستمرار في مكاني، ولا أستطيع أن أتحمل كذلك المسؤولية الناتجة عن التطورات الجديدة، وباحترامي ودعواتي لمصر أتمنى لكم النجاح».

    يؤكد فهمى، أن السادات أبلغ فورًا نائبه مبارك، وغيره من كبار المسؤولين والسفير الأمريكي هرمان إيلتس خبر الاستقالة، ويضيف: «استأذن الفريق الجمسى (وزير الحربية) من الرئيس العودة إلى القاهرة وإحضاري معه إلى الإسماعيلية، ولكن السادات قال له: «كلا.. أنت لا تعرف فهمي، لقد كان طوال الوقت ضد فكرة رحلة القدس، ولن يقبل بتغيير قراره»، ثم أمر الرئيس نائبه مبارك بإذاعة خبر استقالتى، وانتقلت القصة عن طريق وسائل الإعلام في العالم كخبر مهم وأكيد»، وأعلنت الاستقالة.

   وِأشاد «فهمى» بدور «مبارك» كنائب للرئيس، حيث قال إن «مبارك» اتصل به تليفونيًا بعد سفر «السادات» من دمشق إلى الإسماعيلية، ليسأله عن نوع المواصلات الذى يريده حتى يلحق بالرئيس فى الاسماعيلية، وقال إنه كان عونًا فى أن تكون الظروف سهلة ومريحة؛ حتى إنه عرض عليه استعمال هيليكوبتر من مطار قريب جدًا من منزله، ولكنه رفض وأخبره أنه سيرسل ظرفًا مختومًا طلب منه تسليمه لــ«السادات» شخصيًا، وهو ما فعله «مبارك»، وعندما فتح «السادات» المظروف وجد استقالة «فهمي». وتابع «فهمي» الحديث عبر مذكراته قائلًا إنه في اليوم التالي دعا «مبارك» محمد رياض وزير الدولة للشئون الخارجية، وأخبره أنه اُختير ليكون وزيرًا للخارجية مؤقتًا، غير أنه خلال 6 دقائق استقال «رياض» أيضًا وذهب لمنزل «فهمي» ليخبره بقراره.

   قال «فهمي» أن الحكومة المصرية لم تملك حينها سوى «كارتين» للعب بهما في لعبة السياسة الخارجية الخطرة، ألا وهما: الاعتراف بإسرائيل وإنهاء حالة الحرب، ولما كانت مصر -وسائر الدول العربية ــ أضعف عسكريًا وتسليحيًا من إسرائيل، فلم يكن متاحًا أمامها سوى «عدم الاعتراف بإسرائيل»، وهو الأمر الذى قام به السادات ضمنيًا من خلال زيارته للكنيست.

   برغم أنه «في الحرب كما في الحب لكي ينتهى الأمر لابد من مقابلة مباشرة»، كما جاء في المقولة الشهيرة، إلا أن «فهمى» لم ير الأمر من هذه الزاوية؛ ووصف «السادات» بأنه «صاحب خيال جامح» في السياسة، وأضاف أنه كان يتوهم أشياء لم تحدث مطلقًا على أرض الواقع؛ لأن كل بلد لها أجندتها الخاصة في النهاية.

   عن دور «مبارك» بعد وصوله للسلطة في أعقاب اغتيال «السادات»، رأى «فهمي» أن زيارة الكنيست كانت لاتزال تؤثر بالسلب على العهد الجديد لــ«مبارك»؛ حيث قال إن إسرائيل كانت ترى السلام (المصري- الإسرائيلي) قد خلق الظروف المناسبة لــ«تكسب باستمرار أرضًا على حساب العرب»، فأعلن الكنيست القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأصبحت إسرائيل لا تحترم حدود أية دولة عربية، ويشهد على ذلك الغارة الإسرائيلية على المفاعل الذري العراقي الذي دمرته عام 1981، الأمر الذى أدى لإعلان الرئيس «مبارك» فى 3 أكتوبر عام 1982 أن إسرائيل مرة أخرى «تقرع طبول الحرب في الشرق الأوسط وهذه السياسة ستؤدي في النهاية إلى عواقب خطيرة لن تنجو منها».

    وصف «فهمي» مسألة تولي «مبارك» للحكم بـ«المهمة الخطيرة»؛ لإعطاء مصر حريتها في العمل لفك الأغلال التي فرضتها عليها سياسات «السادات»، وأضاف أن الأولوية الجديدة لــ«مبارك» هي ترميم ما تبقى من النظام العربي، ومن استراتيجية المنطقة، والتحرك بحنكة تجنبًا لقطع أمريكا المساعدات الحربية والاقتصادية انتقامًا من الفوز الذي حققته مصر، وتابع: «إذا اعتقدت الولايات المتحدة أن سياسة مصر الجديدة لا تتجه ضد مصالحها، فلا شك أن إسرائيل ستعارض بشدة التقارب بين مصر وغيرها من الدول العربية، وستسعى جاهدة عن طريق اللوبي اليهودي في الكونجرس إلى أن تخفض معونة الولايات لمصر».

   عقد «فهمي» الآمال على الرئيس الجديد «مبارك» في ضرورة إنجاز تلك المهمة مهما صعبت؛ حتى لا يتضاءل تأثير مصر في الشرق الأوسط، وتقتصر العلاقة بينها وبين العالم العربى على التجارة والسياحة بدون أن تشمل تعاون سياسي أو استراتيجي من أى نوع، حيث قال: «لا خيار لمبارك إلا أن يستمر في إعادة بناء قوة مصر العسكرية وتقويتها؛ لأن تكافؤ ميزان القوة العسكرية بين إسرائيل والدول العربية خاصة مصر شرط أساسي لا غنى لسلام دائم وراسخ في المنطقة»، وتابع: «ليس لمبارك خيار إلا اتباع هذا الطريق خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن بحلول سنة 2000 من المنتظر أن يكون تعداد الشعب المصري قد وصل للرقم المخيف 70 مليون نسمة». كما أكد أن نظام مبارك الوليد يجب أن يكون قادرًا على مكافحة التطورات المنتظر وقوعها في المنطقة، ويجب أن يكون مستعدًا للتعامل مع التدخل الأجنبي والاضطرابات المحلية التي تؤثر في دول الخليج وقادتها.

   يبقى في النهاية أن إسماعيل فهمي (1922 – 17 نوفمبر 1997) كان سياسيًا ودبلوماسيًا مصريًا. سفير مصر إلى النمسا من (1968 : 1971)، ووزيرًا للسياحة 1973، ووزيرًا للخارجية من (1973 – 1977)، ونائبًا لرئيس الوزراء (1975 – 1977). وقد منح درجة الأستاذية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى