اقتصاديات التسلح: خريطة الشركات الأكثر تصديراً للأسلحة في تقرير “سيبري” 2021

عرض: صباح عبدالصبور –  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

شهدت مبيعات شركات الأسلحة العالمية ارتفاعاً خلال عام 2020 برغم تقلص الاقتصاد العالمي نتيجة التداعيات السلبية لتفشي جائحة كورونا. ومع ذلك فإن سوق السلاح العالمية قد تأثرت نسبياً بالجائحة، خاصةً مع تعطُّل سلاسل التوريد الخاصة بالأسلحة، والإضرار بمساعي بعض الشركات للاندماج، وانخفاض مبيعات أسلحة بعضها. ومن جانب آخر، فقد حافظت شركات السلاح الأمريكية على صدارتها عالمياً مقارنةً بالشركات المنافِسة، وهو ما تجلّى بوضوح في سيطرة الشركات الأمريكية على المراتب الخمسة الأولى في التصنيف العالمي، ونحو نصف مبيعات السلاح العالمية.

وفي سياق متصل، نجحت شركات السلاح الصينية في تحقيق انتعاش في مبيعاتها خلال عام 2020، في وقت تراجعت فيه مبيعات الأسلحة الروسية بقدر كبير خلال العام نفسه، فيما تفاوتت مبيعات الأسلحة الأوروبية. وفي هذا السياق، أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، في 6 ديسمبر 2021، تقريره السنوي عن أكثر 100 شركة مبيعاً للأسلحة وتقديماً للخدمات العسكرية في العالم خلال عام 2020، استناداً إلى قاعدة بيانات مبيعات الأسلحة التي يملكها المعهد. ووفقاً للتقرير، بلغ إجمالي مبيعات الأسلحة لأكبر 100 شركة منتجة للأسلحة والخدمات العسكرية 531 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 1.3% مقارنةً بالمبيعات في عام 2019.

وعلى الرغم من أن هذه الزيادة تعد الأقل في مبيعات الأسلحة لأفضل 100 شركة في ثلاث سنوات، فإن البيانات تُظهر اتجاهاً تصاعدياً مستمراً منذ عام 2015. ويعبر هذا الاتجاه عن ارتفاع مستويات الإنفاق العسكري العالمي. ومن هذا المنطلق، يستعرض التقرير التالي أسباب تزايد مبيعات الأسلحة في 2020 رغم ظروف الجائحة، وبعض التأثيرات السلبية التي أحدثها الوباء على الإنتاج العالمي للأسلحة، والمساهمات المختلفة للفاعلين الرئيسيين في سوق السلاح العالمية.

دوافع تزايد مبيعات الأسلحة

أكد التقرير أن مبيعات الأسلحة في العالم زادت حتى مع تقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 3.1% خلال العام الأول لانتشار فيروس كورونا. وفسَّر التقرير زيادة مبيعات الأسلحة بثلاثة عوامل رئيسية، هي:

1– استمرار الطلب الحكومي على الأسلحة: كانت شركات الأسلحة العملاقة محميةً خلال العام الأول لوباء كورونا إلى حد كبير من خلال الطلب الحكومي المستمر على السلع والخدمات العسكرية؛ حيث استفادت صناعة الأسلحة من التوسع في السياسات المالية خلال السنة الأولى للوباء، لدرجة أن بعض الحكومات سرَّعت المدفوعات لصناعة الأسلحة من أجل التخفيف من تأثير أزمة كورونا.

2– المسارعة في حماية شركات السلاح الوطنية: شرعت بعض الدول في اتخاذ مجموعة من التدابير الرامية إلى تقليل حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بشركات السلاح الوطنية من جراء آثار عمليات الإغلاق التي تفرضها لتحجيم جائحة كورونا ومنع انتشارها. ويأتي على رأس التدابير التي اتخذتها الحكومات ما تعرف بـ”جداول الطلبات”.

3– الاستفادة من عقود الأسلحة السابقة على الجائحة: في ضوء أن عقود شراء الأسلحة تمتد في الغالب لعدة سنوات ولا يتم إنجازها بسرعة مقارنةً بالعقود التي تتم بشأن أي معاملات اقتصادية أخرى؛ فقد تمكنت العديد من شركات الأسلحة من تحقيق مكاسب من الطلبات المقدمة قبل انتشار الوباء، والاستفادة من تلك العقود لتقليص خسائرها الناتجة عن الوباء.

تداعيات الجائحة على سوق السلاح

شدد التقرير على أن تزايد مبيعات الأسلحة العالمية خلال عام 2020، لا ينفي أن الإنتاج العالمي للأسلحة تأثر إلى حد ما بالجائحة. وتتمثل تلك التأثيرات فيما يلي:

1– تعطيل سلاسل التوريد الخاصة بالأسلحة: أدت الإجراءات المتخذة من قبل العديد من الحكومات عبر العالم لتحجيم فيروس كورونا وإبطاء انتشاره، إلى تعطيل سلاسل التوريد الخاصة بالأسلحة. وأدى هذا الأمر، بطبيعة الحال، إلى تأخير عمليات تسليم الأسلحة وفقاً للاتفاقات المبرمة سلفاً.

2– الإضرار بمساعي بعض الشركات للاندماج: أثرت جائحة كورونا سلباً على مساعي بعض شركات السلاح لتحقيق إعادة الهيكلة والاندماج. وعلى سبيل المثال، تسبب الوباء في إلغاء الاندماج الذي كان من المقرر حدوثه بين شركتي Hexcel وWoodward. ولو كان هذا الاندماج قد تم كما كان مخططاً له، فمن المحتمل أن تكون الشركة الناتجة عن هذا الاندماج قد دخلت ضمن أفضل 100 شركة في عام 2020.

3– انخفاض مبيعات أسلحة بعض الشركات: شهدت شركة تاليس الفرنسية لتصنيع الأسلحة، انخفاضاً في مبيعات الأسلحة بنسبة 5.8%. ويمكن إرجاع ذلك إلى الاضطرابات الناجمة عن الإغلاق في ربيع عام 2020، لكن من بين الشركات المدرجة في قائمة أفضل 100 شركة، شهدت 15 شركة فقط انخفاضاً في حصتها من مبيعات الأسلحة بنسبة نقطة مئوية واحدة أو أكثر. ومن بين الشركات سبع شركات روسية تنفذ حالياً سياسة حكومية لتنويع خطوط إنتاجها وزيادة مبيعاتها في القطاع المدني إلى 30% من إجمالي مبيعاتها بحلول عام 2025، و50% بحلول عام 2030.

هيمنة شركات السلاح الأمريكية

أشار التقرير إلى أن شركات السلاح الأمريكية تفوقت بقدر لافت في سوق السلاح العالمية. ويمكن استعراض مظاهر ذلك عبر ما يلي:

1– السيطرة على نحو نصف مبيعات السلاح: ضمت الولايات المتحدة أكبر عدد من الشركات المصنفة ضمن أفضل 100 شركة أسلحة؛ حيث بلغت الشركات الأمريكية 41 شركة مصنفة عالمياً، كما بلغت مبيعات الأسلحة للشركات الأمريكية مجتمعة 285 مليار دولار، وشكَّلت 54% من إجمالي مبيعات الأسلحة بين الـ100 شركة.

2– احتلال المراتب الخمسة الأولى عالمياً: منذ عام 2018، كانت جميع شركات الأسلحة التي احتلت المراكز الخمسة الأولى في التصنيف موجودة في الولايات المتحدة. ووفقاً لتصنيف 2020، تمثلت الشركات الأمريكية التي جاءت في المرتبة الأولى في شركة “لوكهيد مارتن” التي تعد أكبر شركة أسلحة في العالم، ثم احتلت شركة “رايثيون تكنولوجيز” المركز الثاني ضمن أكبر شركات الأسلحة في العالم، وحلت شركة “بوينج” في المرتبة الثالثة، وجاءت في المرتبة الرابعة شركة “نورثروب جرومان”، ثم حازت شركة “جنرال ديناميكس” المركز الخامس من حيث مبيعات الأسلحة العالمية.

3– تزايد لافت لعمليات الاندماج والاستحواذ: تشهد صناعة الأسلحة الأمريكية موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ؛ وذلك لتوسيع محافظ منتجاتها، واكتساب ميزة تنافسية، والتحوط من التهديدات المتصورة الناشئة عمن تعتبرهم منافسيها الاستراتيجيين، وتحديداً الشركات الصينية والروسية. ويُشار في هذا السياق إلى أن عملية الاندماج بين شركة رايثون Raytheon وشركة United Technologies Corporation، التي تم الانتهاء منها في أبريل 2020؛ كانت من أكبر عمليات الاندماج في تاريخ صناعة الأسلحة.

كما حدث اندماج بين شركتي L3 Technologies وHarris Corporation في يونيو 2019. واحتلت الشركة الناتجة –وهي L3Harris Technologies– المرتبة العاشرة في عام 2020. ويتجلى اتجاه عمليات الاندماج والاستحواذ بوجه خاص في قطاع الفضاء. وعلى سبيل المثال، كانت شركتا Northrop Grumman وKBR من بين الشركات التي استحوذت على شركات عالية القيمة متخصصة بتكنولوجيا الفضاء في السنوات الأخيرة.

انتعاش مبيعات الشركات الصينية

نوه التقرير بأن شركات السلاح الصينية تمكنت من تحقيق انتعاش في مبيعاتها خلال عام 2020. وتتضح المؤشرات الدالة على ذلك مما يلي:

1– ارتفاع نصيب الشركات من المبيعات العالمية: أُدرجت خمس شركات أسلحة صينية في قائمة أفضل 100 شركة في عام 2020. وقد بلغت مبيعات الأسلحة المجمعة للشركات الصينية الخمس، ما يُقدر بنحو 66.8 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 1.5% عن عام 2019. وشكَّلت الشركات الصينية 13% من إجمالي مبيعات شركات السلاح المائة الكبرى في العالم في عام 2020، لتحتل المرتبة الثانية خلف الشركات الأمريكية.

2– زيادة إنتاج التكنولوجيا العسكرية المتقدمة: استفادت شركات الأسلحة الصينية، خلال 2020، من برامج التحديث العسكري للبلاد، والتركيز على الاندماج العسكري–المدني؛ لذلك أصبحت هذه الشركات من أكثر منتجي التكنولوجيا العسكرية تقدماً في العالم. وعلى سبيل المثال، شاركت شركة نورينكو في تطوير نظام “بيدو” العسكري المدني للملاحة بالأقمار الصناعية، وعمَّقت مشاركتها في التقنيات الناشئة.

3– احتلال الشركات مراتب متقدمة بالتصنيف: صُنفت جميع شركات الأسلحة الصينية الخمس من بين أفضل 20 شركة في إنتاج الأسلحة وتنفيذ برامج التحديث الطامحة؛ إذ احتلت شركة “نورينكو” المرتبة السابعة عالمياً، في حين احتلت شركة “أفيك” المرتبة الثامنة، كما جاءت شركات “أفيك” و”سيتيك” و”كاسيك” و”سي إس جي سي” في مراتب متقدمة عالمياً.

تراجع مبيعات الأسلحة الروسية

أضاف التقرير أن مبيعات الأسلحة الروسية تراجعت بقوة خلال 2020. ويمكن استعراض ملامح وأسباب هذا التراجع من خلال ما يلي:

1– انخفاض قيمة مبيعات الأسلحة الروسية: انخفضت قيمة مبيعات الأسلحة للشركات الروسية التسع المصنفة ضمن أفضل 100 شركة؛ من 28.2 مليار دولار في عام 2019 إلى 26.4 مليار دولار في عام 2020، بانخفاض نسبته 6.5% مقارنةً بعام 2019. ويعبر هذا الانخفاض عن استمرار اتجاه الهبوط الذي لُوحظ منذ عام 2017، بعدما بلغت مبيعات أسلحة الشركات الروسية ذروتها. وشكلت الشركات الروسية 5% فقط من إجمالي مبيعات الأسلحة في قائمة المائة شركة.

وقدسجلت الشركات الروسية بعضاً من أشد الانخفاضات في مبيعات الأسلحة من بين أفضل 100 شركة؛ حيث انخفضت مبيعات الأسلحة لشركة ألماز أنتاي التي تحتل المرتبة الـ17 عالمياً، بنسبة 31%. وبلغت نسبة الانخفاض في مبيعات شركة الطائرات المروحية الروسية التي تحتل المرتبة الـ81 عالمياً، نسبة 13%، فيما بلغ الانخفاض في مبيعات شركة بناء السفن المتحدة التي تحتل المرتبة الـ33 عالمياً، نسبة 11%.

2– انتهاء برنامج التسلح للعقد الماضي: يرجع الانخفاض الكبير في مبيعات الأسلحة الروسية، بصورة أساسية، إلى عدة عوامل؛ يأتي على رأسها انتهاء برنامج التسلح الحكومي الخاص بالعقد الماضي، وهو خطة تحديث رئيسية للقوات المسلحة الروسية. وكان التمويل المخصص لشراء الأسلحة في برنامج المتابعة في 2020 أقل من حيث القيمة الحقيقية.

3– تأخر تسليم الصادرات نتيجة الوباء: تسببت جائحة كورونا في تأخير تسليم صادرات الأسلحة، وهو الأمر الذي ساهم في حدوث انخفاض عام في صادرات الأسلحة الروسية في عام 2020. وأدى هذا الوضع –بالتبعية– إلى حدوث انخفاض في عائدات شركات الأسلحة.

تفاوت مبيعات الأسلحة الأوروبية

أوضح التقرير أن شركات الأسلحة الأوروبية البالغ عددها 26 شركة في قائمة أفضل 100 شركة؛ استحوذت على 21% من إجمالي مبيعات الأسلحة، بما يعادل 109 مليارات دولار. لكن التقرير أشار إلى أن مبيعات هذه الشركات تفاوتت حسب جنسيتها. ويتضح ذلك عبر ما يلي:

1– ارتفاع لافت لمبيعات الشركات البريطانية: سُجلت سبع شركات بريطانية في قائمة أكبر 100 شركة حول العالم. وقد بلغت قيمة مبيعات أسلحة الشركات السبع 37.5 مليار دولار في عام 2020، بزيادة 6.2% مقارنةً بعام 2019. وزادت مبيعات الأسلحة لشركة بي إيه إي سيستمز –وهي الشركة الأوروبية الوحيدة في العشر الأوائل– بنسبة 6.6% لتصل إلى 24 مليار دولار.

2– انخفاض في مبيعات الشركات الفرنسية: انخفضت مبيعات الأسلحة للشركات الفرنسية الست المصنفة ضمن أفضل 100 شركة في العالم بنسبة 7.7%. ويرجع هذا التراجع الكبير إلى الانخفاض الحاد على أساس سنوي في عدد شحنات طائرات رافال المقاتلة من قبل شركة داسو. ويُذكر أن مبيعات شركة سافران الفرنسية من الأسلحة نمت مدفوعةً بزيادة مبيعات أنظمة الرؤية والملاحة، على الرغم من التراجع العام في مبيعات الشركات الفرنسية.

3– زيادة طفيفة بمبيعات الشركات الألمانية: وصلت قيمة مبيعات الأسلحة للشركات الألمانية الأربعة المدرجة في قائمة أفضل 100 شركة؛ إلى 8.9 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 1.3% مقارنةً بعام 2019. وشكلت هذه الشركات مجتمعةً 1.7% من إجمالي مبيعات الأسلحة لأكبر 100 شركة. وسجلت شركة راينميتال –وهي أكبر شركة ألمانية لتصنيع الأسلحة– زيادة في مبيعات الأسلحة بنسبة 5.2%. وفي المقابل، انخفضت مبيعات شركة تيسين كروب لبناء السفن بنسبة 3.7%.

وختاماً، أشار التقرير إلى أن قيمة مبيعات الأسلحة للشركات المدرجة في قائمة أفضل 100 شركة، التي تنتمي إلى دول خارج الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا؛ بلغت 43.1 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 3.4% عن عام 2019. ونوه التقرير بأن هذه القيمة تمثل 8.1% من إجمالي مبيعات الأسلحة في قائمة أفضل 100 شركة. وأوضح التقرير أنه يوجد خمس من هذه الشركات في اليابان، وأربع في كوريا الجنوبية، وثلاث في كل من إسرائيل والهند، وواحدة في كل من كندا وسنغافورا وتركيا والإمارات. ولفت التقرير إلى أن شركة إيدج –وهي تكتل مقره الإمارات، تم إنشاؤه في عام 2019– احتلت المرتبة الـ23 عالمياً، بمبيعات وصلت قيمتها إلى 4.8 مليار دولار في عام 2020. وأكد التقرير أن الإنتاج العالمي للأسلحة أثبت أنه مرن إلى حد كبير ضد جائحة كورونا.

المصادر:

Alexandra Marksteiner, Dr Lucie Béraud–Sudreau, Dr Nan Tian, Dr Diego Lopes da Silva and Alexandra Kuimova, The SIPRI Top 100 Arms–producing and Military Services Companies, 2020, STOCKHOLM INTERNATIONAL PEACE RESEARCH INSTITUTE, 6 December 2021.

Business as usual? Arms sales of SIPRI Top 100 arms companies continue to grow amid pandemic, STOCKHOLM INTERNATIONAL PEACE RESEARCH INSTITUTE, 6 December 2021.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button