الأمن الإنساني – Human Security

سيطر مفهوم الأمن القومي على الدراسات الأمنية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية القرن العشرين. وركَّز مفهوم الأمن القومي على التهديدات ذات الطابع العسكري، وجعل الدولة هي المعني بالحماية والقائم بها في ذات الوقت.

ولكن في تسعينيات القرن الماضي ظهرت مجموعة من المتغيرات التي دفعت الباحثين للتركيز على مفهوم جديد للأمن هو الأمن الإنساني. يمكن تقسيم هذه المتغيرات إلى مجموعتين. المجموعة الأولى تشمل اتساع مجال التهديدات الأمنية وظهور أنواع جديدة من التهديدات، فمع نهاية الحرب الباردة وظهور العولمة وما نتج عنها من تغير في حياة الأفراد والمجتمعات لم يعد التهديد قاصراً على الجانب العسكري بل ظهرت أنواع أخرى من التهديدات منها التغيرات المناخية والإرهاب والأزمات الاقتصادية والصراعات الإثنية.

وتشمل المجموعة الثانية تعدد الفواعل الدولية، فلم تعد الدولة هي الفاعل والغاية الوحيدة للأمن، ولكن ظهر فاعلون جدد سواء على المستوى الداخلي أو الدولي باتوا يهتموا بالقضية الأمنية. وانقسم الفاعلون تيارين تيار يعمل على خصخصة الأمن وأخر يعمل على أنسنة الأمن. ومن بين هؤلاء الفواعل الجمعيات المحلية ومراكز الأبحاث التي تهتم بالدراسات الأمنية. هذا على المستوى الداخلي أما على المستوى الخارجي فنجد المؤسسات الدولية سواء الحكومية أو غير الحكومية. كل هؤلاء الفواعل عملوا على تغيير مفهوم وغاية الأمن وركزوا على أمن الفرد بإعتباره أولوية تؤدي لأمن الدولة.ومع ذلك لم يغفلوا الدور الأساسي للدولة سواء كانت فاعل أو معني بالحماية.

في ظل هذا السياق ظهر مفهوم الأمن الإنساني. وقد ظهر المفهوم لأول مرة في تقرير الأمم المتحدة  للتنمية البشرية عام 1994. لكن هذا لا يعني أن هذه كانت المرة الأولى التي يتم فيها التركيز على هذا المفهوم حيث أولى عدد من العلماء اهتماما لأمن البشر قبل ذلك منهم أولمان وبوزان وغيرهم، لكن سياق الحرب الباردة والتركيز على القوة العسكرية والسياسية لم يتركا مساحة كافية للتركيز على هذا المجال.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على نشأة المفهوم إلا أنَّ العلماء لم يتفقوا على تعريف موحد للأمن الإنساني، ولكن هناك مساعي لتحديد مجاله. وفي هذا الإطار هناك وجهتا نظر. وجهة النظر الأولى هي وجهة نظر ضيقة تركز على التهديدات التي تهدد أمن الأفراد وتكون ذات طبيعة عنيفة مثل انتهاكات حقوق الإنسان. أما وجهة النظر الثانية فهي توسع من نطاق التهديدات التي يتعرض لها الأمن الإنساني، فتركز على التهديدات التقليدية إلى جانب التهديدات البيئية والتنموية. وقد تبنى تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة عام 1994 هذا الاتجاه فوضع سبعة أبعاد لمفهوم الأمن الإنساني.

 تتمثل السبعة أبعاد في

– الأمن الغذائي ويعني توفير الفرص المادية والمالية للحصول على الغذاء.

– الأمن الصحي ويعني الخلو النسبي من المرض والعدوى.

– الأمن البيئي ويعني الحصول على ما يكفي من الماء الصحي والهواء النظيف والشبكة الأرضية المتماسكة.

– الأمن الشخصي ويتضمن الأمن من العنف والتهديدات البدنية.

– الأمن المجتمعي ويتضمن أمن الهوية الثقافية.

– الأمن السياسي ويتضمن حماية الحقوق الأساسية للإنسان وحرياته.

كما تبنى التقرير تعريفاً للأمن الإنساني. يتمثل التعريف في “تحرير البشر من التهديدات الشاملة، واسعة النطاق، والتي تمتد لفترات طويلة وتعرض حياتهم للخطر”.

تطور مفهوم الأمن الانساني

الامن الانساني من المواضيع المهمة التي تخص الانسان كونه مخلوق له احتياجات يعمل على الحصول عليها وهو بذات الوقت يدفع عن نفسه الشر والاذى بكافة انواعه، ولا يزال الانسان منذ ان وجد على الارض وهو في صراع مستمر من اجل تأمين نفسه من المخاطر التي تحيط به فالانسان الاول اضطر للعيش في الكهوف ليحمي نفسه من الحيوانات المفترسة وظواهر الطبيعة مثل الحر والبرد والمطر ثم ظهرت عدة اخطار اخذت تهدد حياته تلك الاخطار ظهرت عندما تواصل مع اخيه الانسان وعندما تسلط عليه الحاكم او من يدعون الالوهية.

فكان الخطر الذي مصدره الانسان هو عالم الجريمة المترامي الاطراف حيث انواع الجرائم ونتائجها المحزنة والمؤلمة والتي قد يدفع ثمنها الانسان من صحته وقد يخسر بسببها حياته ايضا اما ما يعانيه الانسان من صاحب السلطة فهو التسلط على الرقاب والقهر والاقصاء والتهميش والعزل والنبذ والبطش والارهاب، ومن الحاجة الى توفير اساسيات العيش للانسان كانت فكرة الامن الانساني حيث يعيش الانسان معتزا بانسانيته بعيدا عن الخوف من المستقبل او المجهول ومن صاحب السلطة ومن الحرمان والعوز حيث يجد ما يسد به رمقه ويستظل به ويحقق هدفه من وجوده في الحياة بعزة وكرامة.

وظهرت فكرة الامن الانساني على يد كل من الباكستاني(محبوب الحق) والهندي (امارتيا سان) في التقرير الذي رفعاه الى الامم المتحدة عام/1994م والذي حدد مرتكزات الامن الانساني والذي يعتمد على سبعة محاور اساسية وهي:-
1- الامن الاقتصادي– ومنها ان يكون للانسان حد ادنى من الاجور تكفيه لمعيشته.
2- الامن الغذائي– ان يتوفر للانسان الحد الادنى من الطعام.
3- الامن الصحي– ان يتوفر له الحد الادنى من الخدمات والرعاية الصحية.
4- الامن البيئي– ان يعيش في بيئة امنة ونظيفة وان يكون محميا عند حصول الكوارث.
5- الامن الفردي– توفير الحماية له من العنف والجريمة وبطش السلطة وقمعها.
6- الامن المجتمعي– الحماية من العنف والاحتراب الطائفي او القومي.
7- الامن السياسي– ان تصان فيه حقوقه وحرياته الاساسية.

ومن مفهوم الامن الانساني ظهرت فكرة التدخل الانساني بصفته العسكرية من اجل ارغام السلطات على عدم التجاوز على حقوق الانسان وحرياته الاساسية باعتبارها قيم عليا لا يجوز التعدي عليها بحجة السيادة او المصالح المشروعة، وتجاوز ما اقره المجتمع الدولي في منظمومة حقوق الانسان العالمية ومنها ما جاء في ميثاق الامم المتحدة لعام/1945م واحتواها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام/1948م وما صدر بعده من مواثيق دولية تناولت حقوق الانسان وحرياته الاسياسية وفي مختلف المجالات، ومن امثلة ذلك ما حصل في التدخل الانساني في الصومال عام/1992م او التدخل الانساني في يوغسلافيا السابقة عام/1991م.

ان الامن الانساني ياخذ بنظر الاعتبار تسلسل حقوق الانسان بما يتناسب مع فكرتي الخوف والعوز وليس على التركيز المطلق لمفهوم حقوق الانسان، فحق الحياة وحق الحصول على رعاية صحية وبيئة نظيفة والشعور بالامان والعيش بعيدا على تجاوزات السلطة هي المواضيع التي يمكن فهمها من خلال مناقشة الامن الانساني وليس طرح فكرة مناقشة حقوق الانسان بعنوانها الواسع كاساس لفهم موضوع الامن الانساني، اي ان الامن الانساني يمكن فهمه من خلال مجموعه من المواضيع المتعلقة بحقوق الانسان مثل قلة الغذاء ونقص الرعاية الصحية او تكلفتها العالية بحيث لا تسيتطيع بعض شرائح المجتمع الحصول من عليها او ندرة قلة المياه او حصول كواراث صناعية او طبيعية او حصل حالات قتل جماعي او الجرائم المتعلقة بالقانون الدولي الانساني وهي(جرائم الابادة، جرائم الحرب، جرائم ضد الانسانية) والتي تحصل نتيجة الحروب او التوترات وكذلك ما تمارسه السلطة من ظلم وقهر وعنف وقد يشمل الموضوع ايضا الامية والجهل، او ما يحصل بسبب العنف والارهاب.

وكما بينا فان العناصر الاساسية في الامن الانساني هما:-
1- التحرر من الخوف- اي وجوب وجود حماية من الخوف، والخوف يستخدم مع ما يتوقع من الاحداث المستقبلية والخوف قد يكون لعدة اسباب منها: القهر، العنف، الاقصاء والتهميش الظلم، الاستعباد.
2- البعد عن الحرمان– والحرمان مفهوم واسع وقد يدخل في كافة المجالات ومنها حرمان الانسان من الحصول على ابسط حقوقه التي تجعله يحيا حياته بامان واستقرار، ويشكل الحرمان الاجتماعي مشكلة كبيرة في حياته الانسان تجعله فاقدا لاهم شيء يعزز انسانيته وهو التفاعل الجدي والبناء في المجتمع او الوسط الذي يعيش فيه.

ان العلاج الناجع والفعال في مسببات فقدان الامن الانساني هو وجود المكنة (التمكين) ومتى توفرت سهل على الانسان ان يجد فسحة او مجال او فرصة يحقق من خلالها ما يريد ويحصل على ما يجتاج لهذا بنيت فلسفة حقوق الانسان على منح الجميع فرصة متساوية عند تمتعهم بالحقوق والحريات الاساسية وليس لجميع الحقوق والحريات فمثلا: حق الحياة تكفله الدولة للجميع وحق الترشيح لمنصب معين يكون للذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة، ومن هنا كان الامن الانساني يتناول المواضيع المتعلقة بالحاجات الاساسية للانسان وليس للحاجات الكمالية او الخاصة فحرية العمل الصحفي لا تعطى للجميع وانما للمؤهلين وحق مزاولة مهنة الطب لا يعطى الا للذين يحملون اختصاصا يؤهلهم لذلك، ولهذا لا تدخل جميع الحقوق في نطاق الامن الانساني.

والامن الانساني يستهدف تحقيق امن للانسان تجعله بعيدا عن كل ما يهدد حياته او بقاءه ولهذا نستطيع ان نميز الكثير من الفئات الاجتماعية التي يسعى الامن الانساني لحمايتها وتعزيز فرصها في ان تحيا حياة كريمة رغم قلة ما يمكن ان تحصل عليه، من هذا الفئات:-
اولا- الاطفال وخاصة الايتام منهم.
ثانيا- النساء وخاصة الارامل او المطلقلات اللاتي لا يوجد معيل لهن او ليس لهن مصدر دخل.
ثالثا- كبار السن ممن ليس لهم معيل او عدم وجود مصدر للدخل لهم.
رابعا- ذوي الاحتياجات الخاصة.
خامسا- الذين تعرضوا للظلم والقهر الاجتماعي او السياسي.
سادسا- الذين تعرضوا الجرائم المتعلقة بطبيعة ومجال القانون الدولي الانساني وهي(جرائم الابادة، جرائم الحرب، جرائم ضد الانسانية).
سابع- ضحايا العنف والارهاب.
ثامنا- اللاجئون والنازحون.
تاسعا- المشردين.
عاشرا- المرضى الذين لا يستطيعون دفع تكاليف علاجهم.
حادي عشر- الفقراء والمساكين.

وقد أعلنت منظمة الأغذية العالمية (فاو) التابعة للأمم المتحدة في او خر عام/2015م من أن حوالى (21) ألف شخص يموتون يومياً بسبب المعاناة من الجوع، اي ان معدل الموت بسبب الجوع يكون: موت شخص واحد كل أربع ثوانٍ، غالبية الموتى هم من الأطفال.
“”وأوضح موقع «دو سمثينغ» (dosomething) أنه «على رغم هذا العدد الكبير من الوفيات بسبب الجوع، إلا أن المواد الغذائية في العالم تكفي الجميع، لكن المشكلة أن الجياع لا يملكون المال لشراء ما يكفيهم من الطعام، وبالتالي يعانون من سوء التغذية ما يفقدهم القدرة على العمل وبالتالي يتدهور حالهم ويموتون»””.

ويظهر وبشكل لا يبقل اللبس ان المشكلة الاساسية التي يركز عليها الامن الانساني هي ردم الهوة التي اخذت بالاتساع بين الانسان وحاجاته الاساسية وبين الاداء المؤسساتي الذي يعاني قصورا واضحا في حل المشاكل التي يعاني منها الانسان وتوفير ابسط مستلزمات العيش له من اجل ان يعيش من غير خوف ومن غير حرمان وابتعاد تلك المؤسسات او الهيئات او المنظمات عن التسلسل المنطقي في رعاية الفئات المشمولة او التي تدخل ضمن الفئات التي يسعى الامن الانساني الى تحقيق امن لها، ان تكل المؤسسلت لا تنظم عملها بحيث ترتب اعملها وفق المصالح او الوليات والتي يجب ان يتوفر منها على الاقل الشيء القليل فلا ينفع تجاهل تلك المصالح او المتطلبات بحق الفئات المشمولة وهذه المتطلبات هي:-
اولا- الحماية – وتعني المحافظة على حياتهم من جور السلطة وبطشها او اصحاب النفوذ.
ثانيا- المساعدة – في الحصول على الدعم المالي والمعنوي او ممارسة الحقوق الاخرى مثل الحصول على الوثائق او المعاشات او البحث عن المفقودين او توفير الملاجئ للنازحين او مساعدتهم في العودة الى مناطقهم الاولية او التي نزحوا عنها او فك أسر الاسرى او المختطفين او اسقاط الديون عن المدينين وغير ذلك.
ثالثا- الغوث– وتعني اغاثة المحتاجين وقت الازمات بجميع الوسائل ومنها تأمين الطعام والماء والرعاية الصحية.
رابعا- الرعاية– وتعني رعاية الفئات التي ليس لديها مصادر ثابتة للدخل او عاجزة عن تأمين تلك المصادر من خلال تأمين مرتبات شهرية لهم او رعاية الاطفال الايتام في اماكن خاصة تكفل لهم العيش الكريم.
خامسا- التكفل والانصاف– وتعني ان تكفل الدولة او المنظمات المدنية الدفاع عن حقوق الفئات المشمولة بالامن الانساني واسترداد حقوقها الضائعة او المغتصبة ومنها قيام السلطة التشريعة في البلد بتشريع قوانين بهدف حماية ورعاية تلك الفئات.

ان دور اعمال خدمة الامن في مجال الامن الانساني ينبع من كون تلك المواضيع جزء من المنظومة الاجتماعية في البلد وان اعمال الامن هي خدمية مجتمعية بالدرجة الاساس وان العلوم الامنية تصنف على انها جزء من العلوم الاجتماعية وان الفئات التي تدخل ضمن الامن الانساني هي من الفئات الضعيفة والتي هي بحاجة للحماية والرعاية وكونها تمثل ايضا بيئة صالحة للخرق والتجنيد وربما تكون حواضن صالحة للجريمة والعنف والارهاب.

وأخيراً يمكننا أن نُميز بين الأمن القومي والأمن الإنساني من خلال المحاور التالية. أولا عادة ما يكون التهديد لأمن الدولة ذو طبيعة عسكرية أما الأمن الإنساني فتتنوع التهديدات التي يتعرض لها منها ما هو بيئي أو إقتصادي أو قد تكون الدولة نفسها هي مصدر التهديد. وبالنسبة لأمن الدولة فإن القيمة المعرضة للخطر هي الدولة  ووحدتها, ويتم تهديدها عادة من قبل دول أخرى أو منظمات معارضة تقع على أراضي دول أخرى. أما الأمن الإنساني فإن الدولة هي التي تمثل الخطر عليه بالإضافة إلى التهديدات البيئية والإقتصادية، والقيمة التي  يتم تهديدها هي أمن وسلامة الأفراد.

المصادر والمراجع:

UNDP, “Arab Human Development Report”,  2009

أ. مراد لطالي، الأمن الإنساني ضمانة أساسية لأمن الدولة، مجلة الدراسات والبحوث القانونية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف.

د.محمد أحمد علي العدوي، الأمن الإنساني ومنظومة حقوق الإنسان دراسة في المفاهيم.. والعلاقات المتبادلة، قسم العلوم السياسية والإدارة العامة- جامعة أسيوط.

منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، ”الصحة والأمن الإنساني”، الدورة التاسعة والأربعون أغسطس ٢٠٠٢

الإعداد العلمي: سامية جمال – Samia Gamal – الموسوعة السياسية

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button