دراسات قانونية

الأنهار في القانون الدولي

محمد عبدالرحمن عريف

   تشغل قواعد القانون الدولي مكانًا هامًا من مجموعة القواعد القانونية للمجتمع الإنساني بل وهي تحتل في رأي الكثيرين مكان الصدارة في هذه المجموعة وذلك لخطورة المسائل التي تعني بها بالنسبة للجماعات البشرية المختلفة لذا فتحديد مركز هذه القواعد داخل نطاق النظام القانوني لمختلف الجماعات البشرية هو إذًا من أولى المسائل التي يتعين على المشتغل بالقانون الدولي الإلمام بها وباتباع التفريع التقليدي للنظام القانوني الذي تسير عليه أية جماعة بشرية منظمة.. وعلى ذلك يمكن تعريف القانون الدولي بأنه “مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها”.

  • التمييز بين قواعد القانون الدولي وبين غيره

    من المعروف أن ما ينشأ من علاقات متباينة بين الكائنات المكونة لمجتمع معين -دوليًا كان أو غير دولي- لا يخضع لقواعد السلوك الملزمة المقترنة بالجزاء الدنيوي المعروفة اصطلاحًا باسم قواعد القانون فحسب بل يخضع أيضًا لأنواع اخرى عديدة من قواعد السلوك الاجتماعي المتميزة في طبيعتها -عن قواعد القانون ويكمن معيار التفرقة بين القاعدة القانونية الوضعية وما قد يشتبه بها من قواعد اجتماعية أخرى في توافر أو انتفاء عنصر الإلزام المرتكز على اقتران القاعدة بالجزاء.

قواعد القانون الدولي الطبيعي

    يقصد بها مجموعة القواعد التي يحسن بجماعة الدول اتباعها والالتزام بها تحقيقا للعدالة باعتبارها الوضع الطبيعي والمنطقي لما يتعين إن تكون عليه العلاقات بين أعضاء المجتمع الواحد.. ويتضح من هذا التعريف إن القانون الدولي الطبيعي أن هو إلا تصور مثالي لما ينبغي إن تكون عليه حال القواعد المنظمة للعلاقات في المجتمع الدولي كي يعلو صوت الحق وتسود العدالة أما القانون الدولي الوضعي فتعبير واقعي عن حقائق الحياة الدولية وما تفرضه من أوضاع وأحكام بصرف النظر عن اتفاقها أو اتفاقها مع اعتبارات العدالة.

النهر الدولي المعايير والشروط

    كان تعريف النهر الدولي يستند في بادئ الأمر إلى معايير سياسية، حيث ارتبط ذلك بمفهوم السيادة الإقليمية للدولة فكان يعرف النهر الدولي.. بأنه ذلك النهر الذي يقع في أقاليم أكثر من دولة تمييز له عن النهر الوطني الذي يقع بأكمله (أي منبعه إلى مصبه) داخل إقليم دولة واحدة وعندما تطور استخدام الأنهار. اطلق على الأنهار التي يهتم بها القانون الدولي مصطلحًا جديدًا هو “الطريق المائي الدولي”. وقد أخذ بهذا المعيار مؤتمر فيينا لعام 1815.. ويغطي مثل هذا التعريف الأنهار والبحيرات والمسطحات المائية التي تستوفى شروط الصلاحية للملاحة والمنفعة الاقتصادية.

     لقد عرفت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في منازعة اللجنة الدولية لنهر الأودر المجرى الصالح للملاحة الذي يصل عدة دول بالبحر وبذلك اشترطت ان تتكامل ثلاث صفات في النهر حتى يصبح نهر دوليًا، وهي الصلاحية للملاحة، والاتصال بالبحر، وأن يهم ذلك الاتصال أكثر من دولة. ولكن يعيب هذا التعريف أنه ينظر إلى الأنهار نظرة ضيقة يحصر اهميتها في مجال الملاحة فقط. وعندما نصت لجنة القانون الدولي لدراسة وضع قانون لاستخدام الأنهار، واستقرت على استخدام مصطلح مجرى مائي دولي وقد جاء مشروع اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية بتحديد المقصود المائي الدولي على النحو التالي:

-يقصد بـ(المجرى المائي) شبكة المياة السطحية والمياه الجوفية التي تشكل بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض كلًا واحدًا وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة.

-يقصد بـ(المجرى المائي الدولي) “أي مجرى مائي تقع اجزاؤه في دول مختلفة.

    يتضح من تعليق اللجنة على استخدام.. هذا المصطلح أنه يشمل شبكة المياه السطحية والجوفية، ويعكس هذا المصطلح العلاقة الطبيعية بين عناصر شبكة المجاري المائدة الدولية فالمياه قد تتسرب من المجرى إلى باطن الأرض تحت قاع المجرى وتنتشر وراء ضفاف المجرى ثم تعود إلى الظهور في المجرى وتتدفق نحو بحيرة تصب بدورها في نهر ثم تحول إلى قناة وتنتقل إلى خزان، وهكذا ويتضح من هذا التعريف أنه يلائم التطورات الحديثة التي يمر بها استخدام المياه. ولا تعد أية مساحة من المياة العزبة جزءًا من المجرى المائي الدولي، إذ يشترط النص أن تتدفق عناصر الشبكة نحو نقطة وصول مشتركة وهذا الشرط ينطوى على تقييد جغرافي للمجرى.

    تتميز فكرة المجاري المائية الدولية بأنها تتجنب الجوانب السلبية لفكرة حوض الصرف الدولي، فيمكن الاستفادة من مياه شبكة المجاري المائية الدولية في أي مكان وليس ضمن نطاق جغرافي في محدود.

   خلاصة القول.. أن النظرة إلى النهر الدولي اليوم، تتم من خلال مفهوم واسع هو “المجرى المائي الدولي” الذي يتضمن بالإضافة للأنهار ومساحات من المياه العذبة الأخرى، مثال البحيرات والقنوات والخزانات والمياه الجوفية أي أن النهر الدولي هو جزء من المجرى المائي الدولي.

  – أنواع الأنهار الدولية

يقسم الفقه الأنهار التي يهتم بها القانون الدولي إلى أنواع ثلاثة:

-انهار وطنية ذات أهمية دولية: وهي انهار وطنية تقع بأكملها في إقليم دولة واحدة ولكنها تتمتع بأهمية دولية خاصة كما لو كان النهر يتبع عند حدود مجاورة ويصب في بحر عام لا اتصال لهذه الدولة به فمثل هذا النهر إذا كان صالحًا للملاحة بأكمله له اهمية دولية من هذه الناحية لأنه يمكن أن يسهل للدولة المجاورة اتصال سفنها بالبحر عن طريقه كما يسهل لسفن الدول الأخرى الاتصال بإقليم هذه الدولة وبقية اجزاء إقليم الدولة صاحبة النهر.

-الأنهار الحدية أو المتاخمة: هذه الأنهار تستخدم حدًا بين دولتين أو أكثر من دولتين أي أنها تسير بمحاذاة حدود الدول وتشكل حدودًا دولية لها مثل نهر شط العرب بين العراق وإيران. وتثير هذه الأنهار مشاكل تتعلق بقياس حدود الدول النهرية وما يتعلق بها من نواحي سياسية وعسكرية وأمنية.

-الأنهار المتتابعة أو المتعاقبة: وهذه الأنهار تخترق في مجراها إقليم دولتين أو أكثر من دولتين بالتتابع وتكون الدول النهرية هنا دولة منبع أو دولة مصب النهر أو دولة المجرى الأوسط للنهر مثل نهر النيل الذي يجري في اقاليم عشر دول إفريقية.

   يجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي لا يرتب نتائج قانونية ذات أهمية على التفرقة بين النوعين السابقين من الأنهار حتى أن الفرق الجغرافي بينهما يمكن أن يكون في بعض الحالات ظهريًا أكثر منه حقيقيًا فمن الجائز أن يكون النهر تعاقبيًا ومتاخمًا في وقت واحد.

-الأحكام القانونية لاستخدام الأنهار الدولية في الملاحة

    الاستخدام الأول للأنهار الدولية كان متمثلًا في الملاحة الذي سبق مختلف الاستخدامات الزراعية والصناعية المعروفة اليوم ومع ذلك لم يهتم القانون الدولي بتنظيم الملاحة في الإنهار الدولية إلا في وقت حديث نسبيًا يرجع إلى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كما هناك سعي لوضع نظامًا عامًا لحرية الملاحة وذلك من جانب بريطانيا العظمى تجاه الأنهار الأوروبية. وقد أدت هذه الجهود بطبيعة الحال إلى بعض النتائج الملموسة خاصة بالنسبة للأنهار الموجودة في أوروبا وتلك الموجودة في المستعمرات الأفريقية. وبالرغم من تضاؤل أهمية استخدام الأنهار الدولية في الملاحة، إذا تم مقارنتها بالاستخدامات غير الملاحية إلا أنه مازال يوجد اهتمامًا وعناية لتنظيم الملاحة في الأنهار الدولية. والملاحة في الإنهار الدولية التي يهتم بها القانون الدولي هي الملاحة التي تتم فيها بين الدول النهرية.

    السؤال الذي يثير استخدام الأنهار الدولية في الملاحة هو، هل توجد قاعدة قانونية دولية تقضي بحرية الدول؟ في استخدام الأنهار الدولية في مجال الملاحة.

اخفاق المجتمع الدولي في التوصل إلى إقرار مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية

    القاعدة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر تقضي بأن من حق الدولية أن تغلق قطاع النهر الذي يجرى في إقليمها في وجه الملاحة من أعلى ومن أسفل النهر وعندما اجتمعت الدول في مؤتمر فيينا عام 1815 كانت هناك محاولة لإرساء حرية الملاحة النهرية لكافة الدول. وفي عام 1921 اجتمعت اربعون دولة في مؤتمر برشلونة ووقعت اتفاقية بشأن نظام الممرات المائية الصالحة للملاحة التي تكون محل اهتمام دولي وكانت المادة الأولى من هذه الاتفاقية تنص على أن تعتبر ممرًا مائيًا ذا أهمية دولية كل الأجزاء التي تكون بطبيعتها صالحة للملاحة. وكذا أي جزء من أي ممر مائي أخر يكون صالحًا بطبيعته للملاحة من وإلى البحر وتقبل الدول الموقعة على الاتفاقية حق الملاحة الحرة لسفن جميع الدول ودون تمييز بين الدول المطلة على النهر والدول غير المطلة. فهل يمكن استخلاص قاعدة اتفاقية تؤكد مسيرة حرية الملاحة لكل الدول في الأنهار الدولية؟.

   يرى بعض الفقهاء الرد على مثل هذا التساؤل بالإيجاب، حيث يرون أن الاتفاقيات والوثائق الدولية التي ابرمت في بدايات القرن العشرين تتضمن اقرارًا لحق جميع الدول النهرية. ويرى أن مثل هذه الوثائق لم تتضمن نصوصًا صريحة وواضحة تؤيد هذا الحق ويذهب البعض الآخر إلى القول بأن الاتفاقيات الدولية التي أبرمت في اوروبا لم تقرر حقًا في الملاحة للدول غير النهرية إلا في بعض الأنهار أو في بعض أجزاء من هذه الأنهار الدولية. أما بالنسبة للاتفاقيات الدولية الخاصة بالأنهار الموجودة خارج القارة الأوربية فلا يمكن استخلاص نتيجة محددة في شأن إقرار مبدأ حرية الملاحة.

   هنا يرى البعض أن الرأي الذي ينكر وجود مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية هو الصواب فبالإضافة إلى الأسباب سالفة الذكر نجد أنه لا توجد حتى الآن اتفاقية عامة تقرر وجود مثل هذا المبدأ وهي مسالة تثير بدورها تساؤلًا آخر هو: “هل يعني النص على حرية الملاحة في الأنهار الدولية في عدد من الاتفاقيات الدولية وجود قاعدة عرفية دولية تؤيد ذلك؟”. فينبغي البحث أولًا عن وجود اتفاقيات دولية تنص على مبدأ حرية الملاحة بصورة عامة ومجردة ثم البحث ثانيًا عن عدد الاتفاقيات الدولية الثنائية المبرمة مع الدول غير النهرية التي تستفيد من حرية الملاحة على قدم المساواة مع الدول النهرية، وعلى فرض أن مثل هذا البحث يؤدي بناء إلى توافر العنصر المادي للقاعدة العرفية وهو فرض جدلي في حقيقة الأمر فإن العنصر المعنوي لمثل هذه القاعدة لا يمكن الادعاء بتوافره فالاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا المجال تتطلب موافقة الدول النهرية في كل حالة تطالب فيها الدول غير النهرية ممارسة الملاحة في الأنهار الدولية التي تجري في أراضيها.

تنوع النظم الاتفاقية لاستخدام الأنهار الدولية في الملاحة

-طريقة اقرار حق الملاحة في الأنهار الدولية، تتمتع الدول بممارسة حق الملاحة في الأنهار الدولية طبقًا لقواعد القانون الدولي استنادًا إلى اعتبارها طرفًا في اتفاقية دولية أو أن مثل هذا الحق قد آل إليها عن طريق الاستخلاف الدولي للمعاهدات الدولية، وفيما يلي أمثلة للاتفاقيات الدولية التي تخضع لها بعض الأنهار الدولية:

في أوروبا: ما زال نهر الرين يخضع لاتفاقية المبرمة عام 1868 والتي تم تجديدها في عام 1945 وتعديلها بموجب اتفاقية ستراسبورج في 20 نوفمبر لسنة 1963.

في القارة الأمريكية: تخضع الأنهار الدولية فيها لاتفاقيات ثنائية أو لمجرد اجراءات انفرادية تتخذها الدول النهرية وقد ابرمت الولايات المتحدة وكندا اتفاقًا في 13 مايو عام 1954 بخصوص إدارة الأنهار التي تصب في البحار وكذلك شأن إقامة قناة بحرية في عام 1959.

في قارة آسيا:

يخضع نهر الميكونج في اندونيسيا لا تفاقية باريس المبرمة في 29 ديسمبر عام 1954.

في قارة افريقيا:

نجد أن وثيقة برلين العامة الصادر في عام 1885 تنظيم الأنهار الدولية وقد تم تجديد هذا الاتفاق على اثر تصفية الاستعمار.

مضمون حق الملاحة:

يمكن تقسم الدول التي تستفيد من نظام الملاحة في الأنهار الدولية إلى ثلاث مجموعات

-الدول النهرية

-الدول التي تصبح فيما بعد اطرافًا في الاتفاقيات الدولية المنظمة للملاحة

-اخيرًا كافة الدول الأخرى

    يلاحظ على الاتفاقيات المنظمة للملاحة أنها لم تنص على مساواة الدول في التمتع بحرية الملاحة ولكن أعطت بعض الامتيازات لسفن الدول النهرية.

-نوع الملاحة

   تنظم الاتفاقيات الدولية من حيث المبدأ حرية ملاحة السفن التجارية أما بالنسبة لمرور السفن الحربية فإنه يخضع لتصريح سابق من الدول النهرية.

نظام إدارة الأنهار الدولية

    هناك تنوعًا في نظم إدارة الأنهار الدولية وتعد الاتفاقيات الدولية الأوروبية التي تنظم الأنهار الدولية (الرين – الدانوب) نموذجًا في إنشاء اللجان الدولية النهرية ولجنة نهر الدانوب المنشئة بموجب اتفاقية باريس عام 1856 ويجد لجان مماثلة لها لتنظيم إدارة الأنهار الدولية في آسيا وأفريقيا وأمريكا.

تكلم عن الأحكام القانونية لاستخدام الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية؟

    لم يتهم الإنسان باستخدام الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية إلا عندما كشفت إمكانيات التطور العلمي عدة مجالات هامة يمكن الاستفادة منها. وقد اظهرت هذه الاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية عدة مشاكل عملية تستدعي احكامًا قانونية لتنظيمها من أجل الحد من المنازعات الدولية التي يمكن أن تثور بسببها. ففي مجال أخذ وتخزين المياه، ثار التساؤل عن القواعد القانونية التي تحكم تقسيم المياه فيما بين الدول النهرية. وفي مجال استخدام الأنهار الدولية في الأغراض الصناعية والزراعية ثار التساؤل عن القواعد التي تحكم هذا الاستخدام. كما ثار التساؤل أيضًا عن حقوق الدول النهرية سواء أكانت متعلقة بالدول التي تقع عند المنبع أو عند المصب أو تلك التي تقع وسط مجرى النهر. وقد بدأ الفقه والعمل الدوليين يتجه لدراسة مسألة الأحكام القانونية لاستخدام الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية بعد الحرب العالمية الأولى ثم أخذت تتزايد أهمية هذا الموضوع بعد الحرب العالمية الثانية. ونشير فيما يلي لأمثلة لأهم الدراسات التي اجريت في هذا الصدد:

-إعلانات وقرارات اعتمدتها المؤتمرات والمنظمات الحكومية

-إعلان موتتيفيديو بشأن أوجه الاستخدام الصناعي والزراعي للأنهار الدولية الذي اعتمده المؤتمر الدولي السابع للدول الأمريكية.

-قانون اسونسيون بشأن استخدام الأنهار الدولية التي وقع عليه وزراء خارجية دول حوض نهر لابلاتا (الأرجنتين – أورجواي – بأراجواي – البرازيل – بوليفيا).

-مؤتمر البيئة البشرية الذي عقدته الأمم المتحدة في عام 1972 وأصدر إعلان استوكهلم.

خطة عمل ماردل بلاتا.

تقارير ودراسات اعدتها منظمات حكومية دولية أو مؤتمرات خبراء حكوميين:

-تقرير هيئة الخبراء المنشئة بقرار من المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شأن التنمية المتكالمة لأحواض الأنهار.

-تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم إلى لجنة الموارد الطبيعية التابعة للمجلس الأقتصادي والاجتماعي.

-دراسة اللجنة الاقتصادية لأوروبا.

-تقرير هيئة الخبراء المنشئة بالأمانة العامة للأمم المتحدة.

الدراسات التي اجرتها المنظمات الدولية غير الحكومية:

يأتي في مقدمة هذه الدراسات، الدراسات التي اجريت بمعرفة معهد القانون الدولي والدراسات التي اجريت بمعرفة جميعة القانون الدولي. مثل قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية ، فقد كشفت الدراسات والجهود السابقة عن كثير من القواعد القانونية التي يخضع لها هذا الموضوع الأمر الذي دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار قراراها بتكليف لجنة القانون الدولي بدراسة وضع قانون لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. واللجنة وهي بصدد قيامها بتدوين مشروع هذا القانون، كانت قد اتخذت منهجًا يتلاءم والطبيعة الخاصة لمياه المجاري المائية الدولية لتباينها من حيث العوامل الهيدروغرافية والجيولوجية والجغرافية والمناخية وكذلك من الناحية القانونية والسياسية والاقتصادية حيث قامت بوضع مشروع اتفاقية اطارية تتضمن قواعد أو مبادئ عامة وتوصيات تسترشد بها الدول عند صياغة اتفاقاتها.

المبادئ القانونية لاستخدام الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية

    يستند قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الذي اعدته لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة على التعريف الواسع لمفهوم النهر الدولي الذي يأخذ بالاعتبارات الاقتصادية والذي يعتبر مفهوم النهر الدولي جزء من مفهوم اشمل هو المجرى المائي الدولي الذي يشكل وحدة طبيعية من الناحية الجغرافية والهيدروجغرافية. وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية على المبادئ القانونية العامة التي تحكم هذا الاستخدام والذي يهمنا الإشارة إليه هنا هو عرض مبدأين هامين:

المبدأ الأول: الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان لمياه المجرى المائي الدولي

المبدأ الثاني: الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم للدول الأخرى

المبدأ الأول: الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان

مضمون المبدأ يعني هذا المبدأ أن كل دولة نهرية لها الحق فوق إقليمها في جزء أو نصيب معقول ومنصف في استخدام مياه النهر والمزايا المستمدة منه وهذا الحق مفيد بأن يكون منصفًا ومعقولًا ولا يضر بحقوق ومصالح الدول النهرية الأخرى بمعنى أنه قد يترتب على استخدام مياه النهر الدولي تعذر تحقيق جميع اوجه الاستخدام المعقول والنافعة إلى أقصى مدى لها الأمر الذي ينجم عنه ما يسمى بتنازع اوجه الاستخدام.

    يتسم هذا المبدأ بالعمومية والمرونة مما يجعله ملائمًا للتكييف والتطبيق على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الحالات وبالفعل فإن قابلية هذا المبدأ للتطبيق لا تبدو مفيدة إلا بالعقبات السياسية المحتملة التي تحول دون قبول التقسيم المنصف وليس باعتبارات قانونية في حد ذاتها.

الأساس القانوني: يستند هذا المبدأ إلى مبدأ المساواة في السيادة بين الدول النهرية والذي يعني أن للدول النهرية حقوق متساوية أو بتعبير أدق يكون لهذه الدول حقوقًا متبادلة الصلة فيما يتعلق باستخدام المجرى المائي وهذا المفهوم يتجسد بدوره في مبدأ السيادة الإقليمية المحدودة الذي يعني بوجه عام أن للدول الحق السيادي في استخدام المياه كيفما تشاء داخل اقليمها غير أن هذا الحق مقيد بواجب عدم إلحاق ضرر بالدول الأخرى.

كيفية تطبيق المبدأ:

اوردت لجنة القانون الدولي قائمة بالظروف والاعتبارات التي يسترشد بها عند تقدير الاستخدام العادل والمعقول للنهر الدولي وقد نصت المادة (5) المذكورة على ما يلي:

-العوامل الجغرافية والهيدروغرافية والهيدرلوجية والمناخية والايكولوجية والعوامل الأخرى التي لها صفة طبيعية.

–الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول المجرى المائي المعنية.

-السكان الذين يعتمدون على المجرى المائي في كل دولة من دول المجرى المائي.

-لدى تطبيق المادة من هذه المادة تدخل دول المجرى المائي المعنية إذا ما دعت الحاجة إلى مشاورات بروح التعاون.

-يحدد الوزن الممنوح لكل عامل وفقًا لأهميته بالمقارنة مع أهمية العوامل الأخرى ذات الصلة.

    ينبغي أن يلاحظ هنا أن تسوية الاحتياجات المتنازعة للدول على اساس الانصاف ليست جديدة وهذه الطريقة تستهدف هنا إيجاد توازن بين احتياجات الدول المعنية بطريقة تزيد المنفعة إلى أقصى حد وتقلل الضرر إلى ادنى حد بالنسبة لكل واحد منها.

المبدأ الثاني: الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم:

أساس المبدأ:

   لا تلتزم الدول النهرية فقط بأن تمتنع عن وقف أو تحويل تدفق نهري يجرى من اراضيها إلى أراضي دول مجاورة بل أنها تلتزم أيضًا بأن تمتنع عن استخدام مياه هذا النهر استخدامًا يشكل خطرًا على الدولة المجاورة أو يمنعها من استخدام تدفق مياه هذا النهر من جانبها استخدامًا مناسبًا. ويستند هذا المبدأ إلى مبدأ عدم مشروعية التعسف في إستعمال الحق ويعد النص على هذا المبدأ تقنينًا لعرف دولي أقرته المحاكم الدولية وسلوك الدول ففي النزاع الذي نشب بين شيلي وبوليفيا على استخدام نهر لوكا اعترفت شيلي وهي الدولة التي تقع في أعلى النهر بأن لبوليفيا حقوقًا في المياه.

    في المفاوضات التي جرت بين بريطانيا العظمي والولايات المتحدة الأمريكية كان الأطراف يرون أن المنازعات بين الأطراف ينبغي أن تحل وفقًا للمبادئ التي ستتضمنها المعاهدة والتي يأتي في مقدتها ذلك المبدأ الذي يقضي بأنه لايمكن لأي من البلدين اجراء تحويلات أو وضع عقبات قد تلحق بالآخر ضررًا دون موافقته. وفي حالة الأنهار الدولية التعاقبية حيث لا تكون هناك من وجه يجوز لكل دولة أن تستخدم المياه وفقًا لاحتياجاتها شريطة إلا تسبب أي ضرر ملموس لاية دولة أخرى من دول الحوض.

مضمون المبدأ:

    يرتبط هذا المبدأ بالمبدأ المنصوص عليه في المادة (5) الخاص بالانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان ومعنى ذلك أن المبدأ الأول المنصوص عليه في المادة (5) يسمح بأن يكون هناك قدرًا من الضرر يلحق بالدول النهرية الأخرى نتيجة استخدام احدى هذه الدول لحقها في المجرى المائي طالما أن هذا الضرر داخل الحدود التي يجيزها الانتفاع المنصف والمعقول. ويطلق بعض الفقهاء على هذا المبدأ مصطلح الاستعمال البري لمياه الأنهار الدولية ويندرج تحت هذا المفهوم عدة تطبيقات من بينها:

-لا يجوز لدول يمر بإقليمها نهر دولي أن تتخذ أي عمل أو تصرف من شأنه التأثير في الحقوق والمصالح المقررة للدول النهرية الآخرى.

-لا يجوز لدولة أن تتخذ ترتيبات من شأنها الإضرار بالدولة النهرية.

-يجب على كل دولة أن تحول دون اتخاذ أي عمل من شأنه تلويث مياه النهر أو الزيادة في تلوثه بالصورة التي تضر بالدول الأخرى.

-أن أية دولة تتخذ تصرفًا يخرج على مبدأ الاستعمال البري لمياه النهر تتحمل المسئولية الدولية عن الأضرار التي تنجم عن ذلك.

-يعتبر استعمال غير برئ أي استعمال ينطوي على تعسف في استعمال الحق.

كيفية تطبيق المبدأ:   

   سبق الإشارة عند الإشارة إلى المبدأ الأول أنه لا توجد صيغة آلية لتحديد ما إذا كان استخدام معين من جانب احدى الدول منصفًا ومعقولًا تجاه دولة اخرى ولذلك فان تطبيق مثل هذا المبدأ يتطلب أن يكون هناك اتفاقًا أو ترتيبات معينة فيما بين الدول النهرية وإلا اصبح تطبيق هذا المبدأ صعب ولهذا تنبهت الاتفاقية الإطارية لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية الى النص على نظام القواعد الإجرائية في الباب الثالث من الاتفاقية المتعلقة بالتزام الدول النهرية بالإخطار والتشاور فيما يتصل بالمشاريع او البرامج أو اوجه الاستخدام الجديدة التي قد تسبب ضررًا ملموسًا لدول أخرى فاذا لم يوجه هذا الاخطار يحق لتلك الدولة أن تحصل على معلومات من الدولة التي تقوم بالأنشطة الجديدة فيما يتعلق بهذه الأنشطة وبنتائجها وبأية تدابير إصلاحية تقترحها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى