الارهاب الالکتروني في ظل أزمة فيروس کورونا: الأنماط والتداعيات

فرضت جائحة کورونا التى عصفت بغالبية دول العالم تحدياً عالمياً يتعين على الدول مواجهته سواء على مدى زمنى قريب أوبعيد،فقد أثارت هذه الأزمة حالة من الارتباک وعدم اليقين بشأن سبل التعامل مع هذه العدوى وآليات الوقاية والعلاج ،فضلاً عن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتلک الأزمة،الا أن ذلک لم يثن الدول والتنظيمات المتطرفة عن ممارسة الأعمال الارهابية ،فقد شهد العالم فى ظل هذه الجائحة تزايداً فى أعداد الهجمات الالکترونية مع بروز أنماط جديدة من الارهاب والتطرف تعتمد على توظيف التقنيات الحديثة فى بث خطابات الکراهية ، والترويج للأفکار الهدامة ، وذلک بهدف جذب أکبر عدد من المؤيدين لهذه الأفکار،وتقويض الثقة فى الحکومات بشکل يؤدى الى زعزعة أمن واستقرار البلاد.لذا جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على تداعيات أزمة فيروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى ،وذلک بالوقوف على تحديد مفهوم الارهاب الالکترونى ،وأهم الخصائص التى تميز هذه الظاهرة ،والتى انعکست على طبيعة الهجمات الالکترونية العابرة للحدود ،مع ابراز طبيعة الهجمات الالکترونية فى ظل الجائحة ،والتى شهدت تزايداً فى تلک الفترة بشکل يؤدى الى زيادة حدة الصراعات، ويهدد أمن واستقرار البلاد .الأمر الذى يستوجب تأمين أنظمة المعلومات بمختلف الدول منعاً لاختراقها ،وتعاون الدول مع بعضها البعض لمواجهة هذه التهديدات الالکترونية .اذ أبرزت الدراسة حاجة المجتمع الدولى الى تکاتف وتضافر الجهود الجماعية لسن تشريعات دولية رادعة وقادرة على مواجهة جرائم الارهاب الالکترونى.

مقدمة الدراسة :

 أضحت أزمة فیروس کورونا تحدیاً عالمیاً یتعین على جمیع الدول مواجهته ، اذ خلقت نوع جدید من التهدیدات تجسدت فى فیروسات سریعة الانتشار فى العالم،وعدم وجود أجهزة استخبارات قادرة على توقع ظهور فیروسات مماثلة ،مما فرض على العدید من الدول تغییر أولویاتها خاصةُ فى ظل تناقص الأدویة والمخزن السلعى ، وأثار العدید من التساؤلات حول امکانیة توافر مخزون استراتیجى من السلع ، وکوادر طبیة للعمل خلال هذه الأزمة ، والقدرة على انتاج مستلزمات طبیة وبالکمیات المطلوبة .هذا بالاضافة الى البعد الاقتصادى للأزمة ، فقد ساهمت فى احداث نوع  من الرکود الاقتصادى عانت منه الکثیر من دول العالم .الأمر الذى ترتب علیه احداث تغییر فى مفهوم الأمن القومى التقلیدى ،فأصبحت قدرة الدول على توفیر السلع والاحتیاجات الأساسىیة،وتوفیر المستلزمات الطبیة والقدرة على انتاجها،بالاضافة الى قدرة اقتصادیات الدول على العمل خلال أزمات مماثلة احدى مکونات الأمن القومى.الا أن هذا  لایعنى انتهاء التهدیدات التقلیدیة مثل التهدیدات النوویة ، وکذا أیضا التهدیدات الغیر تقلیدیة  مثل الارهاب الالکترونى ، والذى یُعد من أخطر الظواهر التى تشهدها المجتمعات فى العالم المعاصر لما لها من تأثیر کبیر على الأمن والسلم  الدولیین ، وما یترتب علیه من دمار وهلاک للبشریة .

ففى ظل التقدم الهائل فى وسائل الاتصال والثورة العلمیة فى مجال تکنولوجیا المعلومات والانترنت، برز نوع جدید من التنافس بین الفاعلیین الدولیین للاستفادة من هذه التقنیات الحدیثة وتوظیفها فى تحقیق نمو اقتصادى سریع ، الا أن هناک من حاول الاستفادة من هذه التکنولوجیا واستخدامها فى الأغراض الغیر سلمیة.فقد حاول البعض استخدام هذه التقنیات الحدیثة فى اختراق أنظمة المعلومات للدول ،وممارسة أعمال التجسس ، وتدمیر البنى التحتیة للدول ،فنشأ مایعرف باسم “الارهاب الالکترونى”.کما سعت الجماعات الارهابیة الى الاستفادة من التقدم الهائل فى وسائل الاتصال فى تحقیق أغراضها ،من خلال انشاء حسابات خاصة بالارهاب فى مواقع الانترنت لنشر التطرف والترویج لأفکار الجماعات الارهابیة فى العالم بأسره ، والتواصل بین أعضائها لخرق المواقع الالکترونیة ونشر الفیروسات والتجسس على الدول لکشف أسرارها  والحصول على أموال لتمویل نشاطها الارهابى ،وکذا أیضا جمع أکبر عدد من المؤیدین لأفکار هذه الجماعات الارهابیة .

والیوم،وفى ظل أزمة فیروس کورونا ،والتى أودت بحیاة نحو 532 ألف انسان حول العالم ،سعت بعض الدول مثل ایران وروسیا وغیرها من الدول الى شن العدید من الهجمات الالکترونیة والتى استهدفت منظمة الصحة العالمیة وعدد من مراکز الأبحاث البریطانیة والأمریکیة التى تسعى لایجاد لقاحات لعلاج مرض “کوفید-19” ، والناتج عن الاصابة بفیروس کورونا ، کما سعت الجماعات الارهابیة الى استغلال فترة انشغال الدول على مستوى العالم فى مکافحة تفشى

فیروس کورونا فى القیام بمزید من العملیات الارهابیة ، وبث خطابات الکراهیة والآراء المتطرفة عبر شبکات الانترنت ،وذلک لجذب أکبر عدد من المؤیدین لأفکارهم المتطرفة ، وتقویض الثقة فى الحکومات بشکل یؤدى الى زعزعة أمن واستقرار البلاد .

لذا جاءت هذه الدراسة لتلقى الضوء على هذه الظاهرة “الارهاب الالکترونى ” والتى تمیزت باستحداث وتطویر الأدوات التى تعتمد علیها ، وکذا أیضا خطورتها وذلک من خلال التطرق الى مفهوم الارهاب الالکترونى ، وأهم الادوات التى یتم الاعتماد علیها فى تنفیذ الهجمات الالکترونیة ، مع الاشارة الى تداعیات أزمة فیروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى ،والجهود الدولیة لمکافحة مثل هذا النوع من الارهاب.

أهداف الدراسة :

تهدف هذه الدراسة الى ابراز تداعیات أزمة فیروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى ، وذلک بالاشارة الى مخاطر هذه الأزمة ، والوقوف على  تحدید مفهوم الارهاب الالکترونى ، وأسبابه ،والأدوات التى یعتمد علیها المجرم الالکترونى فى تنفیذ مخططاته ، وکذا أیضا توضیح المقصود بجریمة الارهاب الالکترونى ،وأنماط الهجمات الالکترونیة فى ظل أزمة فیروس کورونا ،مع الاشارة الى الجهود الدولیة لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى.

أهمیة الدراسة :

لقد أثارت جائحة کورونا والتى عصفت بغالبیة دول العالم حالة من القلق والارتباک وعدم الیقین بشأن آلیات التعامل مع هذهُ الأزمة وکیفیة منع انتشار العدوى وایجاد علاج لهذا المرض”کوفید-19″.فضلاً عن التداعیات الاقتصادیة والاجتماعیة والأمنیة لتلک الأزمة،الا أن ذلک لم یثن بعض الدول عن شن العدید من الهجمات الالکترونیة ، وکذا أیضاً الجماعات الارهابیة عن توظیف الانترنت فى بث خطابات الکراهیة والآراء المتطرفة.لذا من الأهمیة ابراز تداعیات أزمة فیروس کورونا  على الارهاب الالکترونى ،وذلک بالوقوف على تحدید مفهوم الارهاب الالکترونى ،وأسبابه ، وأهم خصائصه ،والوسائل  الذى یعتمد علیها فى تنفیذ هذه الهجمات الالکترونیة ،مع الاشارة الى الأنماط الجدیدة من الهجمات الالکترونیة التى شنتها الدول والتنظیمات المتطرفة فى ظل أزمة فیروس کورونا ، والجهود الدولیة لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى.

المشکلة البحثیة :

تُعد أزمة فیروس کورونا من أبرز التحدیات التى تواجه غالبیة دول العالم ،لما لها من تداعیات خطیرة على کافة الأصعدة الاجتماعیة والنفسیة والاقتصادیة .الا أن هذه الأزمة لم تثن بعض الدول والتنظیمات الارهابیة عن شن العدید من الهجمات الالکترونیة ذات الطابع الجدید، اذ تستهدف مراکز أبحاث تسعى لانتاج لقاح لعلاج مرض “کوفید-19” ،وتبث خطابات الکراهیة والاراء المتطرفة عن طریق شبکات الانترنت وذلک لتقویض الثقة بالحکومات وزعزعة أمن واستقرار البلاد.

لذا جاءت هذه الدراسة لتجیب على تساؤل هام ورئیسى :

  -ماهى تداعیات جائحة کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى؟

ویتفرع عن هذا التساؤل عدد من التساؤلات الفرعیة :

–       ماالمقصود بالارهاب الالکترونى وجرائم الارهاب الالکترونى ؟

–       ماهى الأسباب المؤدیة للارهاب الالکترونى ؟

–       ماهى طبیعة الأخطار الناجمة عنه؟

–       ماهى أبرز ملامح جرائم الارهاب الالکترونى التى شهدتها دول العالم قبل  وبعد جائحة کورونا؟

–       کیف استغلت التنظیمات الارهابیة أزمة فیروس کورونا فى الترویج لأفکارها الکترونیا؟

–       ماهى الجهود الدولیة لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى ؟

مناهج الدراسة:

نظرا لطبیعة الظاهرة ،اعتمدنا فى هذه الدراسة على المناهج التالیة:

1-  المنهج الوصفى : اعتمدنا على هذا المنهج فى وصف الظاهرة”الارهاب الالکترونى” وتوضیح طبیعتها ، والأسالیب والوسائل التى تلجأ الیها الدول والجماعات الارهابیة فى تنفیذ جرائم الارهاب الالکترونى ، ومصادر التهدید المختلفة.

2- منهج دراسة الحالة :تم الاعتماد على هذا المنهج فى جمع البیانات بوحدات التحلیل ( جماعة ، دولة ،…….) ، حیث تم تقدیم نماذج للعدید من الدول التى قامت بشن هجمات الکترونیة من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدولیین

وکذا أیضا جماعات متطرفة حاولت الاستفادة من التقنیات الحدیثة وانشغال العالم بجائحة کورونا فى بث خطابات الکراهیة والآراء المتطرفة ،اذ تساعد دراسة الحالات المتعددة على فهم الاختلافات ،واستکشاف أوجه التشابه بین الحالات .

3-  المنهج المقارن :تم الاعتماد على هذا المنهج فى ابراز طبیعة الهجمات الالکترونیة قبل وبعد المرور بجائحة کورونا وذلک لتوضیج تداعیات جائحة کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى .

الدراسات السابقة :

هناک العدید من الدراسات التى تناولت مفهوم الارهاب والتطورات التى طرأت على هذا المفهوم ، والارهاب الالکترونى وجرائم الارهاب الالکترونى ،وتأثیر الارهاب الالکترونى على أمن الدول،وتداعیات أزمة فیروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى  ویمکن تقسیم هذه الدراسات على خمس محاور رئیسیة :

1- الدراسات التى تناولت الارهاب :

تتناول هذه الدراسات ظاهرة الارهاب والتى تُعد من أخطر القضایا التى یشهدها العالم الأن ، فقد حاولت تقدیم تعریف للارهاب. وعلى الرغم من عدم تقدیم تعریف محدد للارهاب ، الا أنه تم الاتفاق على عدد من الخصائص التى تمیز هذه الظاهرة وهى استخدام القوة أو التهدید باستخدامها لترویع المدنیین وتخویفهم والمساس بأمن وسیادة الدولة کما اشتملت هذه الدراسات على التشریعات المختلفة لمکافحة الارهاب منها اتفاقیة جنیف لمنع ومعاقبة الأعمال الإرهابیة 1937م، والاتفاقیة الأوروبیة لقمع الإرهاب 1977م،والاتفاقیة العربیة لکافحة الارهاب لعام 1998م (1).

2- الدراسات التى تناولت الارهاب الالکترونى:

حرصت الکثیر من الدراسات التى تناولت الارهاب الالکترونى على تقدیم تعریف لهذا المفهوم وهو توظیف التکنولوجیا والتقنیات الحدیثة ،واستغلال وسائل الاتصال والشبکات المعلوماتیة فى ترویع الأخرین والحاق الضرر بهم أو تهدیدهم.فمن خلال مواقعهم یستطیعوا اختراق المواقع الالکترونیة العسکریة والمدنیة والحصول على المعلومات التى یریدونها. بالاضافة الى توظیف الانترنت فى التنسیق بین هذه الجماعات الارهابیة على مستوى العالم ، وکذا أیضا تجنید العدید من المؤیدین لأفکار هذه الجماعات والتى لاتکتفى فقط باعلان الانضمام الیها ، وانما تأکید تأییدهم لمثل هذه الأفکار.ونظرا لطبیعة هذه الظاهرة وماتتمیز به من خصائص ، جعلت من الصعب بمکان ثبوت الجریمة.

1-من هذه الدراسات :خلیل حسن ،”ذرائع الارهاب الدولى وحروب الشرق الأوسط الجدید”،(لبنان:منشورات الحلبى الحقوقیة ،2012).د.شاکر ظریف،”اشکالیة العلاقة بین ظاهرة الارهاب العابر للحدود والجریمة المنظمة”:قراءة مقارنة فى الوسائل والأهداف”،مجلة الباحث للدراسات الأکادیمیة،جامعة مستغانم، العدد الحادى عشر،2017.فتوح أبو الدهب هیکل،”التدخل الدولى لمکافحة الارهاب وانعکاساته على السیادة الوطنیة”،(الامارت العربیة المتحدة:مرکز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتیجیة،2014).

یتم استخدام أحد المواقع الالکترونیة لتنفیذ مثل هذه الجرائم ، ثم یختفى هذا الموقع لیعاود الظهور بشکل جدید وبعنوان الکترونى جدید وذلک بعد فترة قصیرة جدا .أما بالنسبة للتشریعات والقوانین اللازمة لمکافحة الارهاب الالکترونى ، فقد أوضحت هذه الدراسات بأنه حتى الأن لم یتم الاتفاق على قوانین دولیة لمواجهة الارهاب الالکترونى ومکافحته، وانما هناک جهود فردیة من قبل الدول (2).

3- الدراسات التى تناولت نماذج للجرائم الالکترونیة وطرق مکافحتها :

حرصت هذه الدراسات على تقدیم نماذج للجرائم الالکترونیة ، وهى الجرائم التى تعتمد على استخدام الانترنت فى تنفیذ الهجمات الارهابیة ، وتعد من أخطر الجرائم التى تهدد أمن الدولة وسلامتها الاقلیمیة وذلک نظرا لطبیعة هذه الجرائم کونها عابرة للحدود وتفوق القدرات الأمنیة للدولة . هذا وقد تم توقیع العدید من الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة لمکافحة مثل هذا النوع من الجرائم ، وکذلک انعقاد العدید من المؤتمرات منها : المؤتمر الخامس عشر للجمعیة الدولیة لقانون العقوبات فی البرازیل 1984م، واتفاقیة بودابست 2001م لمکافحة الجرائم المعلوماتیة، والقانون العربی النموذجی لمکافحة جرائم تقنیة أنظمة المعلوماتیة(3) .

4-الدراسات التى تناولت تأثیر الارهاب الالکترونى على أمن الدولة :

رکزت هذه الدراسات على ابراز مدى تأثیر الارهاب الالکترونى على أمن الدولة وسلامتها الاقلیمیة ،فظاهرة الارهاب الالکترونى من أخطر الظواهر التى یشهدها العالم المعاصر . نظرا لما تتسم به هذه الظاهرة من القدرة على توظیف الکمبیوتر والانترنت فى اختراق أنظمة المعلومات للدول ،وتدمیر البنى التحتیة والحیویة. هذا بالاضافة الى سعى  الجماعات الارهابیة للاستفادة من التقنیات الحدیثة، واستخدام الشبکات المعلوماتیة فى اختراق المواقع العسکریة والمدنیة بالدولة ،وجذب أکبر عدد من المؤیدین لأفکار هذه الجماعات من خلال بث أفکارهم المتطرفة عبر هذه المواقع الالکترونیة ، والتنسیق فیما بینهم أثناء القیام بالعملیات الارهابیة ،وکذا أیضا انتحال شخصیة علماء وسیاسییین بارزین للتأثیر فى الرأى العام ، ونظرا لخطورة هذه الجرائم والتى یصعب ملاحقة مرتکبیها ،تسعى العدید من الدول الى سن تشریعات وقوانین لمکافحة هذه الجرائم خاصة فى ظل عدم الاتفاق على قوانین دولیة موحدة لمواجهة الارهاب الالکترونى(4).

2-من هذه الدراسات: د.عادل عبد الصادق ،”الارهاب الالکترونى:القوة فى العلاقات الدولیة – نمط جدید وتحدیات مختلفة”،(القاهرة : مرکز الدراسات السیاسیة والاستراتیجیة ،2009).

3- من هذه الدراسات: محمد أمین الشوابکة ،”جرائم الحاسوب والانترنت- الجریمة المعلوماتیة “،(عمان:دار الثقافة للنشر والتوزیع،2007).

5- الدراسات التى توضح تأثیر جائحة کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى :

حرصت هذه الدراسات على ابراز تأثیر أزمة فیروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى ،حیث سعت بعض الدول مثل ایران وروسیا وغیرها الى شن هجمات الکترونیة على منظمة الصحة العالمیة وعدد من مراکز الأبحاث ،والتى تسعى لانتاج لقاح لعلاج مرض “کوفید -19”.هذا بالاضافة الى استغلال التنظیمات المتطرفة انشغال العالم بهذه الأزمة فى استخدام الانترنت لبث خطابات الکراهیة والاراء المتطرف ،وزعزعة الثقة فى الاجراءات التى تتخذها حکومات الدول لمواجهة هذه الأزمة(5) .

4– من هذه الدراسات:

– أمین فرج یوسف،”الجریمة الالکترونیة والمعلوماتیة والجهود الدولیة والمحلیة لمکافحة جرائم الکمبیوتر والانترنت”،(الاسکندریة :مکتبة الوفاء القانونیة ،2011).

-على عدنان الفیل،”الارهاب الالکترونى”، مجلة الجامعة الخلیجیة ،جامعة الموصل ،المجلد2،العدد 2،2010.

– جیهان عبد السلام عوض،”أمریکا والربیع العربى:خفایا السیاسة الأمریکیة فى المنطقة العربیة”،(القاهرة:العربى للنشر والتوزیع،2019).

5- من هذه الدرسات:

-خالد عباس طاشکندى ،”الارهاب الالکترونى .. <<استراتیجیة الملالى>> فى أزمة کورونا،22مایو 2020 ،متاح على الرابط:

-https://www.okaz.com.sa/news/politics/2025307

– د.مروة نظیر،”کیف تستغل الجماعات الارهابیة جائحة کورونا؟”،26-4-2020،متاح على الرابط:

– https://futureuae.com/arMainpage/Item/5543/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A

– بریطانیا تتهم روسیا بتدبیر هجمات الکترونیة لسرقة أبحاث لقاح فیروس کورونا،16-7-2020، متاح على الرابط:

-https://arabic.cnn.com/world/article/2020/07/16/russian-cyber-attackers-targeting-organizationsinvolved-in-coronavirus-vaccine.

تقسیمات الدراسة :

تقُسم الدراسة إلى أربع محاور على النحو التالى :

المحور الأول:التأصیل النظرى لمفاهیم الدراسة ، والذى یتناول تعریف الارهاب الالکترونى وخصائصه والأسالیب التى یعتمد علیها المجرمین فى تنفیذ هجماتهم الارهابیة ، مع توضیح أرکان جریمة الارهاب الالکترونى.

المحور الثانى : تأثیر الارهاب الالکترونى على أمن الدول ،والذى یتم فیه الاشارة الى نماذج من الهجمات الالکترونیة التى تعرضت لها الدول.

المحور الثالث:تداعیات أزمة فیروس کورونا على ظاهرة الارهاب الالکترونى ،ویتضمن الأنماط الجدیدة من الهجمات الالکترونیة التى شنتها الدول والتنظیمات المتطرفة فى ظل هذه الأزمة.

المحور الرابع:الجهود الدولیة لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى،ویشتمل على الجهود الفردیة التى مارستها الدول لمکافحة مثل هذا النوع من الارهاب.

 المحور الأول: التأصیل النظرى لمفاهیم الدراسة

  أولا: مفهوم الارهاب الالکترونى:-

  من المهم والضرورى قبل الولوج الى تعریف الارهاب الالکترونى ،یتعین علینا أن نتطرق الى تعریف الارهاب بشىء من التفصیل .

تعریف الارهاب : 

على المستوى اللغوى :لم ترد کلمة الارهاب فى المصادر اللغویة القدیمة فى اللغة العربیة کالقاموس المحیط ولسان العرب وأساس البلاغة وغیرها.وذلک لأنها کلمة حدیثة الاستعمال(6)فقد أقر المجمع اللغوى کلمة الارهاب ککلمة حدیثة فى اللغة العربیة وأصلها بمعنى رهب أى خاف ،أما معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة ،فقد عرف الارهاب بأنه “بث الرعب الذى یثیر الخوف والفعل بأى طریقة تحاول بها جماعة منظمة أو حزب أن یحقق أهدافه عن طریق استخدام العنف ، وتوجه الأعمال الارهابیة ضد الأشخاص سواء کانوا أفراداً أو ممثلین للسلطة مما یعارضون أهداف هذه الجماعة”(7).

هذا وقد وردت کلمة ارهاب فى القاموس السیاسى لتعنى :”نشر الذعر والفزع لأغراض سیاسیة، والارهاب وسیلة تستخدمهاحکومة استبدادیة لارغام الشعب على الخضوع والاستسلام لها..”أما حسب قاموس أکسفود فیقصد به :”استخدام العنف والتخویف أو الارعاب(من الرعب)،خاصة فى الأغراض السیاسیة”(8).

على مستوى الهیئات والاتفاقیات الدولیة ،فقد عرفه مجلس الأمن الدولى على أنه” کل عمل اجرمى ضد المدنیین بقصد التسبب بالوفاة أو الجروح البلیغة أو أخذ الرهائن من أجل اثارة الرعب بین الناس أو اکراه حکومة أو منظمة للدولیة للقیام بعمل ما أو الامتناع عنه، وکل الأعمال الأخرى التى تشکل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولیة المتعلقة بالارهاب والتى لایمکن تبریرها بأى اعتبار سیاسى أو فلسفى أو ایدیولوجى أو عرقى أو دینى “(9).

کما عرف القانون المصرى الارهاب بأنه (کل استخدام للقوة أو العنف أو التهدید أو الترویع یلجأ الیه الجانى تنفیذاً لمشروع اجرامى فردى أو جماعى بهدف الاخلال بالنظام العام أو تعریض سلامة المجتمع وأمنه للخطر اذا کان من شأن ذلک ایذاء الأشخاص أو القاء الرعب بینهم أو تعریض حیاتهم أو حریاتهم أو أمنهم للخطر أو الحاق الضرر بالبیئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المبانى أو بالأملاک العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستیلاء علیها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها أو تعطیل تطبیق الدستور أو القوانین أو اللوائح). هذا وقد بادرت اتفاقیة جنیف لقمع ومحاربة الارهاب لعام 1937 بتعریف الارهاب على أنه ” تلک الأعمال الاجرامیة الموجهة ضد دولة ما وتستهدف أو یقصد بها خلق حالة من الرعب فى أذهان أشخاص معینین ، أو مجموعة من الأشخاص ، أو عامة الجمهور(10) ….”. 

ثم جاءت الاتفاقیة العربیة لعام 1998 ، وعرفت الارهاب على أنه ” کل فعل من أفعال العنف أو التهدید أیاً کانت بواعثه أو أغراضه ، یقع تنفیذاً لمشروع اجرامى فردى أو جماعى ، ویهدف الى افشاء الرعب بین الناس أو ترویعهم بإیذائهم أو تعریض حیاتهم أو أمنهم للخطر ، أو الحاق الضرر بالبیئة أو بأحد المرافق أو الأملاک العامة أو الخاصة ،أو احتلالها ،أو الاستیلاء علیها ، أو تعریض أحد الموارد الوطنیة للخطر (11)“.

–     الارهاب الالکترونى:

برز مفهوم الارهاب الالکترونى فى مطلع الثمانینات من القرن الماضى ، وذلک عقب الطفرة التکنولوجیة التى حققتها تکنولوجیا المعلومات واستخدام الانترنت فى ادارة وتسییر معظم المجالات ، الا أن هذه الجماعات الارهابیة حاولت توظیف التکنولوجیا الحدیثة فى استخدام الانترنت فى الوصول الى الأهداف والغایات المنشودة .  

هذا وقد تعددت تعریفات الارهاب الالکترونى ،فحسب الموسوعة الالکترونیة ، جرى تعریف الارهاب الالکترونى على أنه ” استخدام التقنیات الرقمیة لاخافة أو اخضاع الأخرین أو القیام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفیة دوافع سیاسیة أوعرقیة أو دینیة “(12).

أما مجمع الفقه الاسلامى ، فیعرف الارهاب الالکترونى على أنه ” العدوان أو التخویف أو التهدید مادیاً أو معنویاً باستخدام الوسائل الالکترونیة، ویکون صادراً عن الدول أوالجماعات أو الأفراد على الانسان أو دینه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله ، بغیر حق بشتى صنوفه (العدوان) وصور الافساد فى الارض”(13).

کما عرفت اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر الارهاب الالکترونى بأنه “عملیات تُشن ضد أو عبر حاسوب بواسطة تیار بیانات وتهدف الى تحقیق أغراض منها اختراق النظام المعلوماتى أو جمع أو نقل أو تشفیر البیانات أو التلاعب بها من قبل منفذ عملیة الاختراق ،واستخدام هذه الوسائل لتدمیر أو تعطیل مجموعة متنوعة من الأهداف فى العالم الحقیقى کالصناعات والبنى الأساسیة(14) .”

وتعرف منظمة الدفاع الأمریکیةالارهاب الالکترونى بأنه:”عمل اجرامى یتم الاعداد له باستخدام الحاسبات ووسائل الاتصالات ینتج عنها عنف وتدمیر أو بث الخوف تجاه تلقى الخدمات بما یسبب الارتباک وعدم الیقین بهدف التأثیر على الحکومة أو السکان لکى تمتثل لأجندة سیاسیة أو اجتماعیة أو فکرة معینة “.

أما جیمس لویس ،فیعرف الارهاب الالکترونى:هو استخدام أدوات الحاسوب فى تدمیر أو تعطیل البنى التحتیة الوطنیة المهمة مثل الطاقة والنقل والعملیات الحکومیة ،أو بهدف ترهیب حکومة ما أو مدنیین “(15).

ویعرف بونتارا الارهاب الالکترونى بأنه :”من أشهر الجرائم الالکترونیة متعلق بتعطیل الخوادم عن تقدیم خدمة الانترنت لموقع ما عبر القرصنة والهجمات الالکترونیة المنسقة ،بشکل یحرم الناس من تلبیة احتیاجاتهم الأساسیة منها(16).

ویتمثل الجانب الاجرائى فى مفهوم الارهاب الالکترونى بأنه هو “نشاط أو هجوم متعمد ذو دوافع سیاسیة بغرض التأثیر على القرارات الحکومیة أو الرأى العام باستخدام الفضاء الالکترونى کعامل مساعد ووسیط فى عملیة التنفیذ للعمل الارهابى أو الحرب من خلال هجمات مباشرة بالقوة المسلحة على مقدرات البنیة التحتیة للمعلومات أو من خلال استخدام آلیات الأسلحة الالکترونیة الجدیدة فى معارک تدور رحاها فى الفضاء الالکترونى والتى قد یقتصر تأثیرها على بعدها الرقمى أو قد تتعدى الى أهداف مادیة تتعلق بالبنیة التحتیة الحیویة “(17).

وهکذا یتضح لنا أن الارهاب الالکترونى برز وتنامى ظهوره بشکل واضح وجلى مع التقدم التکنولوجى فى وسائل الاتصال ، واستخدام الانترنت والکمبیوتر فى شتى المجالات ،فقد سعت الجماعات الارهابیة الى توظیف هذه التقنیات الحدیثة فى الوصول الى أهدافها .فأصبحت الحرب أکثر سهولة ، وأشد ضراوة فالأسلحة أصبحت أکثر فتکاً لأن مثل هذه الجرائم تتخطى حدود الدول ، مع الصعوبة البالغة فى الرقابة علیها ، اضافة الى سهولة تنفیذ مثل هذه الجرائم التى لاتتطلب سوى القدرة على اختراق الحواجز الالکترونیة عن طریق جهاز کمبیوتر متصل بالشبکة المعلوماتیة .

خصائص الارهاب الالکترونى ،وأسبابه:

یتمیز الارهاب الالکترونى بعدد من الخصائص التى تجعله یتمیز عن الارهاب بمفهومه التقلیدى ، من أبرز هذه الخصائص:

1-  یعتمد الارهاب الالکترونى على أسلحة غیر تقلیدیة وغیر مکلفة کالکمبیوتر وشبکات الانترنت ، فمثل هذا النوع من الارهاب لایحتاج الى وسائل أکثر من الشبکة العنکبوتیة لاتمام جرائمه، ونشر أفکارهم المتطرفة واستقطاب أکبر عدد من المؤیدین لأفکارهم.

2-  جریمة عابرة للحدود ، فالمجرم یرتکب جریمته فى دولة ما ولکن تمتد اثارها الى العدید من الدول.

3-جریمة یصعب اکتشاف مرتکبیها وملاحقتهم ، فقد یقوم مرتکب الجریمة بإنشاء موقع الکترونى یُمارس من خلاله جرائمه ، وفور ارتکاب هذه الجریمة یقوم بإغلاق هذا الموقع وانشاء حساب جدید له، الأمر الذى یُضفى على الظاهرة المزید من التعقید.

4-یتمتع مرتکب مثل هذا النوع من الجرائم بالخبرة الکافیة التى تمکنه من التعامل مع شبکة الانترنت بسهولة ویسر  وکذا أیضا اختراق البرید الالکترونى وانتحال شخصیات سیاسیین بارزیین ، والوصول الى أکبر عدد من الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعى والدردشة الالکترونیة(18).

أسباب الارهاب الالکترونى :

للارهاب الالکترونى مجموعة من الأسباب والدوافع التى تتباین فى درجة أهمیتها وتأثیرها ، من أبرزها :

ضعف الشبکة المعلوماتیة وسهولة اختراقها ،فشبکة المعلومات لیس علیها أیة قیود أو حواجز أمنیة لجذب أکبر عدد من المستخدمین ، مما دفع التنظیمات الارهابیة الى الاستفادة من هذه المزایا وتوظیفها فى الهجمات الارهابیة.هذا بالاضافة الى غیاب الرقابة على الشبکة المعلوماتیة ، وسهولة استخدامها ، وغیاب التشریعات والقوانین العالمیة التى تٌجرم هذه الأعمال الارهابیة ، وانتشار البطالة ودیکتاتوریة الأنظمة السیاسیة(19) .

أهداف جریمة الارهاب الالکترونى :

**یهدف الارهاب الالکترونى الى تحقیق مجموعة من الأهداف الغیر مشروعة منها:

1- نشر الخوف والرعب وعدم الطمأنینة بین الأشخاص والدول والشعوب المختلفة .

2- الاخلال بالنظام والأمن العام.

3- اثارة الرأى العام .

4- تجنید العدید من الشباب المؤیدین لأفکار هذه الجماعات الارهابیة.

5- تدمیر البنى التحتیة ، والاضرار بوسائل الاتصال وتقنیة المعلومات .

6- المساس بسیادة الدولة ، وتهدید أمنها .

ثانیاً: أرکان جریمة الارهاب الالکترونى:-

 لجریمة الارهاب الالکترونى رکنان : رکن مادى ،ورکن معنوى . هذا الى جانب الرکن الخاص الذى یُمیز هذه الظاهرة عن غیرها ، والمتمثل فى وسیلة ارتکاب الجریمة ،حیث یتم استخدام شبکة المعلومات الدولیة فى ارتکاب مثل هذا النوع من الجرائم.

1- الرکن المادى:

یتمثل الرکن المادى فى السلوک الذى یلجأ الیه الجانى عند ارتکاب الجریمة أى الأعمال الارهابیة التى یقوم بها مرتکب الجریمة کتدمیر البنى المعلوماتیة التحیة للدولة ،استهداف المنشأت العسکریة ، بث الرعب والخوف بین أفراد المجتمع ،اثارة الفتن الطائفیة ،والترویج لعدد من الأفکار المتطرفة .

2-الرکن المعنوى:  

یتمثل الرکن المعنوى فى قصد الجانى ارتکاب أفعال تُعد من الجرائم الارهابیة أى قصد الجانى اثارة الرعب والخوف بین أفراد المجتمع ، وتدمیر البنى المعلوماتیة التحتیة للدولة ، واستهداف المنشأت العسکریة والمدنیة وغیرها من الأعمال الارهابیة ، ویتحقق ذلک بتوفر علم الجانى بأن هذه الأفعال تُعد من الأعمال الارهابیة ، والتى یترتب علیها المساس بأمن وسیادة الدولة ، وانصراف ارادته الى ذلک(20) .

المحور الثانى : تأثیر الارهاب الالکترونى على أمن الدول

یأخذ هذا النوع من الارهاب شکل “إرهاب الدول”،فهو یصدر عن دولة وموجه الى دولة أخرى،ونظراً لخطورة هذه الظاهرة،ومایترتب علیها من خسائر فى الأرواح وتدمیر لکافة البنى المعلوماتیة التحتیة ،والمنشآت العسکریة والاقتصادیة ،تزاید الاهتمام بهذا النوع من الارهاب من قبل الأجهزة الأمنیة والاستخباریة فى العالم ،وتعد الصین الشعبیة ،روسیا الاتحادیة ،وکوریا الشمالیة من أکثر الدول المتهمة بممارسة هذا النوع من الارهاب ضد الولایات المتحدة أو بعض الأعداء الاقلیمیین لها من خلال جمع المعلومات الاستخباراتیة ،وسرقة البرامج ،وادارة ادراک العدو .هذا بالاضافة إلى العدید من النماذج تم استخدام فیها الحرب الالکترونیة ،وهى روسیا والشیشان عام 1994،وتدخل الناتو فى حرب کوسوفا عام 1999(21)،والحرب الالکترونیة فى الشرق الأوسط عام 2000،والصراع الأمریکى الصینى والذى هاجمت فیه الصین مواقع الکترونیة للولایات المتحدة عام 2001، حیث تعرض مایقرب من 1200 موقع أمریکى لهجمات من قراصنة صینیین ،وقد شملت تلک الهجمات مواقع البیت الأبیض ،والقوات الجویة الأمریکیة ،ووزارة الطاقة الأمریکیة(22)،وکذا أیضاً الهجمات الروسیة ضد الحملة الانتخابیة للولایات المتحدة فى عام 2016،فقد اتهم مکتب التحقیقات الفیدرالى الأمریکى”اف بى آى”13 مواطناً روسیاً بالتدخل فى الانتخابات الأمریکیة التى جرت عام 2016،ووفقاً لشبکة “إن بى سى ” أکدت جانیت مانفیرا مسئولة الأمن السیبرانى بوزارة الأمن الداخلى أن القراصنة الروس استهدفوا 21 دائرة تسجیل للناخبین،وأن عدداً منها قد تم اختراقه بالفعل(23)،والحرب الالکترونیة الروسیة ضد استونیا عام 2007،والتى تًعد أول حرب الکترونیة تم استخدام فیها الفضاء الالکترونى لتدمیر قطاعات حیویة والتى استمرت ثلاثة أسابیع،ونتج عنها تدمیر لکثیر من المواقع الرسمیة والحزبیة فى استونیا(24)،وتوقف العملیات البنکیة والمصرفیة.

هذا بالاضافة الى استخدام الولایات المتحدة الأمریکیة قوتها الالکترونیة فى شن هجمات على منشآت ایران النوویة ،وذلک رداً على الهجمات الالکترونیة التى شنتها ایران على مؤسسات مالیة وأنظمة حکومیة وشبکات للطاقة الأمریکیة ،فقد کشفت شرکة “کاسبرسکى لاب”الروسیة المتخصصة فى حلول وتطبیقات الأمن والحمایة من خلال ماتقول أنه أدلة دامغة عن وجود تعاون فى مرحلة واحدة على الأقل بین برمجیة فیروس “ستاکسنت”(stuxnet)،والبرمجیة الخبیثة لفیروس “فلیم”(flame)،والذى یُعتقد أن الولایات المتحدة الأمریکیة واسرائیل  قد استخدمتهما لمواجهة منشآت نوویة ایرانیة ،وبعد شهر واحد،أعلنت ایران وقف انتشار فیروس یمحو بیانات خوادم أجهزة الکمبیوتر فى قطاعاها النفطى.فهناک مجموعات من الفصائل والملیشیات الرقمیة الایرانیة التى تعمل فى الفضاء الالکترونى وتم تجهیزها وتطویرها وفق رؤى وأهداف وضعت من قبل رؤوس النظام الایرانى أطلق علیها”جیش فضاء إیران الالکترونى”،وذلک لشن هجمات الکترونیة على المعارضة والدول الکبرى التى تقف عائقاً أمام البرنامج النووى الایرانى ،حیث یصنف مرکز خبیر لتقنیة المعلومات الذى أنشىء عام 2011 ضمن قائمة المیلشیات الرقمیة ،والذى أوکلت الیه شن هجمات معلوماتیة ضد وحدات انتاج الطاقة الکهربائیة ،وادارة تشغیل السدود بالولایات المتحدة الأمریکیة ،وشن هجمات ضد مصارف بالسعودیة، ففى عام2011، قام الجیش الرقمى بشن هجمات الکترونیة على موقع صوت أمریکا (VOA)،وفى عام 2012،أطلقت ایران فیروس

أطلق علیه”شمعون” والذى عطل عشرات الآلاف من أجهزة الکمبیوتر بشرکة أرامکو السعودیة(25) ،وفى عام 2013،تم انشاء معهد المبنى، والذى یُعد ضمن تصنیف”المیلشیات “الایرانیة، وذلک لوضع برنامج مسئول عن سرقة المعلومات التقنیة والبیانات من المعاهد والجامعات العالمیة للاستفادة منها فى دعم النهوض التقنى والعلمى لتعزیز قدرات ترسانة ایران العسکریة، ووضع أسس قویة لبرنامجها النووى . کما أکد التقریر الصادر عن شرکة “”cloud flareالأمریکیة لأمن الشرکات أن الهجمات الالکترونیة التى شنتها ایران ضد مواقع عالمیة قد تضاعفت 3 مرات بعد مقتل قائد فیلق القدس التابع للحرس الثورى الایرانى قاسم سلیمانى .هذا وقد تعرضت أیضاً مصر والسعودیة لعدد من الهجمات الالکترونیة،فقد أعلنت شرکة ” کاسبرسکاى لابس” Kaspersky Labs، أن مصر من الدول التى تعرضت لهجوم الکترونى من خلال “الفیروس العالمى الذى یُطلق علیه انتزاع الفدیة”،والذى قد تعرضت له العدید من الدول مثل(بریطانیا ،ألمانیا ،ترکیا،الیابان ،الهند،الصین ،فرنسا ،إسبانیا،المکسیک،روسیا ،الفلبین).أما السعودیة،فقد تعرضت شرکة أرامکو السعودیة لهجوم الکترونى،حیث أصیب 30 ألف کمبیوتر بفیروس مدمر فى شهر أغسطس 2012،والذى ترتب علیه تدمیر بیانات ومسح أقراصاً صلبة فى أجهزة الکمبیوتر،وذلک بهدف وقف إنتاج البترول ، وفى مایو 2013،قام الجیش الالکترونى السورى بشن هجوم الکترونى على عدة مواقع حکومیة سعودیة على الانترنت کالهجمات التى تعرضت لها الحواسیب الخاصة بالشرطة الوطنیة ،وفى عام 2016،تعرضت العدید من الهیئات الحکومیة وشرکات القطاع الخاص لهجمات الکترونیة استهدفت البنى التحتیة،ومن بین تلک الهجمات:الهجوم الالکترونى على هیئة الطیران السعودیة باستخدام برمجیات ازالة البیانات(26) .

وهکذا یتضح لنا بعد استعراض النماذج المختلفة للهجمات الالکترونیة التى تعرضت لها البلاد ،إلى أى مدى تختلف طبیعة جرائم الارهاب الالکترونى عن جرائم الارهاب التقلیدى ،فجرائم الارهاب الالکترونى عابرة للحدود ، وتعتمد على استخدام الانترنت فى تنفیذ مثل هذه الهجمات .هذا بالإضافة إلى صعوبة تحدید مرتکب هذه الجریمة على عکس جرائم الارهاب التقلیدى ،والتى تعتمد على استخدام الأسلحة التقلیدیة کالقنابل والصواریخ وغیرها .

المحور الثالث :تداعیات أزمة “فیروس کورونا” على ظاهرة الارهاب الالکترونى

فرض وباء کورونا الذى اجتاح العدید من دول العالم تحدیاً أمنیاً مرتبط بالأمن السیبرانى ،فقد شهدت العدید من دول العالم هجمات الکترونیة شکلت تهدیداً لأمن واستقرار الدول ،کما قامت العدید من التنظیمات المتطرفة باستغلال انشغال العالم بوقف انتشار العدوى وایجاد علاج لهذا المرض “کوفید-19″فى استخدام الانترنت فى بث خطابات الکراهیة ونشر الآراء المتطرفة .لذا سعت الباحثة الى طرح العدید من نماذج الدول التى قامت بشن هجمات الکترونیة على دول أخرى ،وکذا أیضا تنظیمات متطرفة استطاعت استغلال هذه الأزمة فى نشر أفکارها الهدامة، وذلک لابراز التغیرات التى طرأت على طبیعة الهجمات الالکترونیة بعد جائحة کورونا.

ففى ایران ،قامت مجامیع للقرصنة بشن العدید من الهجمات الالکترونیة على منظمة الصحة العالمیة ،ومراکز أبحاث بریطانیة وأمریکیة تسعى لانتاج لقاحات لعلاج فیروس کورونا.فقد نقلت وکالة رویترز للأنباء عن مصادر متخصصة فى الأمن السیبرانى أنه فى ابریل الماضى قام قراصنة الکترونییین یعملون لصالح الحکومة الایرانیة باختراق حسابات البرید الالکترونى الشخصیة لموظفین من منظمة الصحة العالمیة.هذا بالاضافة الى قیام ایران بشن هجوم الکترونى على مرافق میاه الشرب والصرف الصحى فى 24 أبریل الماضى ،والتى تسببت فى توقف مضخة فی شبکة میاه بلدیة فی منطقة شارون عن العمل.کمانشرت استشاریة المرکز الوطنى للأمن السیبرانى(NCSC) فى المملکة المتحدة تفاصیل حول نشاط مجموعة تعرف باسم”APT29″تستهدف العدید من مراکز الأبحاث فى المملکة المتحدة وکندا والولایات المتحدة،وتعمل بشکل شبه مؤکد کجزء من خدمات المخابرات الروسیة ،کما تعتمد على مجموعة من الأدوات منها البرامج الضارة المخصصة المعروفة باسمWellMess وWellMail،وذلک فقًا للتصریحات الصادرة عن المرکز الوطنى للأمن السیبرانى(NCSC) ،مستندةً فى ذلک على تقاریر صادرة من قبل شرکاء فی المؤسسة الکندیة لأمن الاتصالات (CSE) ووزارة الأمن الداخلی الأمریکیة (DHS) ووکالة أمن البنیة التحتیة للأمن السیبرانی (CISA) ووکالة الأمن القومی الأمریکیة.هذا بالاضافة الى ماتعرضت له وکالة الصحة الأمریکیة فى السادس عشر من مارس الماضى لهجوم سیبرانى أدى الى تعطل شبکاتها الداخلیة(27)،وکذا أیضا العدید من مراکز الأبحاث الاسرائیلیة،والتى تسعى لانتاج لقاح لفیروس کورونا سبق وأن تعرضت لهجمات الکترونیة حاولت اتلاف عملیة تطویر اللقاح ،لکنها لم تنجح فى ذلک،وذلک وفق مانشرته صحیفة”جیروزالم بوست”الاسرائیلیة، وفى الثالث عشر من مارس من العام الجارى ،أفاد مستشفى برنو الجامعى فى جمهوریة التشیک أنه تعرض لهجوم سیبرانى (برمجیات الفدیة )ترتب علیه الغاء العدید من العملیات الجراحیة وتحویل المرضى الجدد الى مستشفیات قریبة،وبالتالى احداث خسائر مادیة(28).هذا وقد استغلت أیضاً العدید من التنظیمات الارهابیة وعلى رأسهم “داعش” انشغال العالم بهذه الأزمة”أزمة فیروس کورونا” فى بث خطابات الکراهیة والآراء المتطرفة عبر مواقع التواصل الاجتماعى ،فقد سعى تنظیم “داعش” الى توظیف هذه الأزمة بشکل دینى ،مدعیاً أن هذا الفیروس یمثل عقاباً من الله ،وأن السبیل الوحید للخلاص منه هو تنفیذ العدید من العملیات الارهابیة ، وکذا أیضاً تنظیم القاعدة ، والذى سار على نفس نهج تنظیم “داعش”من حیث اعتبار الجائحة نصراً الهیاً من الضرورى استغلاله بتکثیف العملیات الارهابیة ،وذلک وفقاً للتقریر الصادر عن مرصد الأزهر لمکافحة التطرف فى الخامس والعشرین من شهر مارس الماضى ، والذى کشف عن تزاید العملیات الارهابیة التى قام بها تنظیم القاعدة فى دولتى الصومال وکینیا لتصل الى 137 عملیة(29).کما سعت جماعة (الاخوان) وفق ما أعلن عنه مرصد الفتاوى التکفیریة والآراء المتشددة التابع لدار الافتاء المصریة فى الواحد والعشرین من شهر سبتمبر الجارى الى استحداث کیانات الکترونیة ، وذلک بهدف نشر الأفکار المتطرفة والدعوة للتظاهر وتجنید عناصر جدد،وذلک من خلال استغلال تواجد الشباب فى المنازل ،وقضاء المزید من الأوقات فى تصفح الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى .هذا بالاضافة الى ماقامت به هذه الجماعة من انشاء قنوات مغلقة عبر تطبیق التلیجرام وذلک بهدف تکلیف الأفراد بأدوار محددة لنشر الفوضى وتقویض قدرة الدولة على البناء والتنمیة (30).

وهکذا یتضح لنا بعد استعراض الأنماط الجدیدة من الهجمات الالکترونیة فى ظل أزمة فیروس کورونا الى أى مدى ساهمت هذه الأزمة فى تغییر طبیعة هذه الهجمات ،وزیادة أعدادها،وخلق بیئة مناسبة لتنامى التطرف وتصاعد خطر الارهاب فى المنطقة والعالم.فمن المتوقع أن تزید حدة الصراعات بین الدول .فقد سعت الدول الى شن العدید من الهجمات الالکترونیة وذلک بهدف الترهیب أو التأثیر فى الدول المستهدفة ،والقضاء على بنیتها التحیتیة ومؤسساتها الحیویة ، وکذا أیضا الضغط على قادة حکومات الدول، کما قد تضطر الدول الى خفض انفاقها الأمنى خاصةً فى ظل بروز مفهوم جدید للأمن القومى ، والذى أصبح یتضمن عناصر ومکونات جدیدة تتمثل فى توفیر مخزون سلعى ومنشأت طبیة مزودة بآلالات وکودار طبیة قادرة على التعامل مع الأزمة ، مع تفعیل دور القطاع الخاص لیشارک حکومات الدول فى النهوض باقتصادیات الدول.موجهةً مواردها الى معالجة المشکلات الاجتماعیة والاقتصادیة والأمنیة التى تواجهها، وذلک باسثمار هذه الموارد فى القطاعات الحیویة کالصحة ومراکز الأبحاث ومؤسسات الأمن السیبرانى ،وغیرها من القطاعات التى تعتبر بمثابة خط الصد الأول فى مواجهة هذا الوباء ، فقد ضاعف انتشار وباء فیروس کورونا أهمیة أمن الفضاء السیبرانى ، والذى أصبح من أهم الأدوات التى تعتمد علیها الدول فى مواجهة تداعیات هذا الفیروس ،حیث قام مکتب الاتصالات الحکومیة البریطانیة بالتعاون مع دوائر الاستخبارات البریطانیة فى تأمین التطبیقات الرقمیة لمؤسسات الصحة العامة،وبینما تمکنت عدد من حکومات دول مثل الولایات المتحدة الأمریکیة والمملکة المتحدة والصین وروسیا والیابان وکندا وغیرها من الدول من أن تمتلک بنیة تحتیة جیدة ، وأن تضع خططاً طارئة لحمایة فضاءاتها الرقمیة ضد التهدیدات المحتملة.هناک دول ماتزال تفتقر الى بنیة تحتیة وکوادر مدربة قادرة على مواجهة التهدیدات المصاحبة لأزمة فیروس کورونا(31).

کما أتاحت التداعیات التى ترتبت على هذه الجائحة”کوفید -19″ فى العدید من دول العالم من تعلیق الأنشطة الثقافیة والترفیهیة ،واغلاق المدارس ،والتعلیم عن بعد فرصاً للتنظیمات المتطرفة لنشر أفکارها الهدامة من خلال استغلال تواجد الشباب فى المنازل ،وقضاء المزید من الأوقات فى تصفح الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى ، والبحث عن فئات جدیدة واقناعها بأفکار هذه الجماعات ،خاصة فى المجتمعات الغربیة التى کانت الأکثر تضرراً من هذا الوباء.ففى الفلبین على سبیل المثال ،استغل تنظیم داعش الاغلاق التام للبلاد لاحتواء تفشى هذا الوباء ،لنشر الأفکار الهدامة وتجنید أعضاء جدد ،خاصةً فى المناطق الریفیة الأکثر تضرراً من عملیات الاغلاق(32).

الأمر الذى یستوجب تعاون الدول وتکاتفها مع بعضها البعض لمواجهة هذه الأزمة، فقد کشفت هذه الأزمة عن هشاشة وضعف التحالفات والتنظیمات الاقلیمیة .فمثل هذه التحالفات تنهض على فکرة التعاون والتضامن بین الدول ،الا أنه مع تفشى فیروس کورونا أخذت هذه التحالفات ومنها الاتحاد الأوروبى سلوکاً مغایراً،فقد قامت الدول الأوروبیة باغلاق الحدود فیما بینها ،وأخذت تتنافس على الحصول على المساعدات الطبیة من الصین ،فقد استولت التشیک على کمامات قادمة من الصین، کما رفضت الدول الأعضاء تقدیم مساعدات لایطالیا ،الأمر الذى أثار امتعاض المواطنیین الایطالیین من أسلوب تعامل الدول الأوروبیة مع ایطالیا خلال هذه الأزمة (33).لذا شکلت هذه الأزمة تحدیاً عالمیاً یقتضى تضافر الجهود بین الدول ،وکذا أیضا التعاون بین کافة القطاعات داخل الدولة الواحدة لمواجهة هذه الأزمة والتغلب علیها.

 المحور الرابع: الجهود الدولیة فى مکافحة الارهاب الالکترونى

 مع بدایة التسعینات ،شهد العالم ثورة فى مجال الاتصالات ، وبدأ الجمیع یسعون الى توظیف مثل هذه التقنیات الحدیثة فى الکثیر من المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة ، کما بدأت الجماعات الارهابیة وبعض الدول والفاعلین من غیر الدول فى توظیف واستخدام هذه الأدوات التکنولوجیة الحدیثة ولکن بشکل سىء، الأمر الذى ترتب علیه تهدید للسلم والأمن الدولیین، وفرض العدید من التحدیات التى أصبحت تواجه المجتمع الدولى ، منها طبیعة الجرائم الالکترونیة والتى تتمیز بأنها جرائم عابرة للحدود تعتمد على استخدام الکمبیوتر والانترنت بدلاً من استخدام الأسلحة التقلیدیة کالقنابل والصواریخ فى اختراق قواعد البیانات وتدمیر البنى التحتیة والمنشآت الحیویة للدول .هذا بالاضافة الى صعوبة تعقب مرتکبى الجریمة ، وعدم وجود تشریعات قانونیة تُجرم مثل هذه الأعمال الغیر مشروعة ،فقد ناقش الانتربول الدولى عام 1981 امکانیة وضع تشریع قانونى لمواجهة الهجمات الالکترونیة الاأن التشریعات القانونیة الصادرة لمواجهة مثل هذه الهجمات جاءت لتعبر عن جهود فردیة ولیست جهود جماعیة ،فقد سعت الدول التى واجهت العدید من الأخطار الالکترونیة الى سن تشریعات قانونیة لمواجهة الهجمات الالکترونیة ،هذا بالاضافة الى اجراءات الحمایة التى اتخذتها لمنع اختراق أنظمة المعلومات الخاصة بها،ففى عام 1997 ،قامت مجموعة الثمانى الصناعیة بإنشاء مجموعة فرعیة للجریمة بتقنیات عالیة ،وأصبح الهدف هو منع الجرائم الالکترونیة على مستوى العالم ، وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ،

قام البنتاجون بوضع خطة بعنوان ” خریطة طریق لعملیات المعلومات” والتى تهدف الى مراقبة الانترنت ، وفى أکتوبر عام 2001،قام الرئیس بوش بتعیین ریتشارد کلارک مستشار للأمن الرقمى ، کما تم انشاء مکتب الأمن للفضاء الالکترونى .وفى عام 2002،قامت الولایات المتحدة بإنشاء المرکز القومى لحمایة البنیة التحتیة NIPC ، ومرکز تحلیل وتبادل المعلومات ISACs(34)،وفى عام 2014، أعلنت الولایات المتحدة عن خطة للتحالف المعلوماتى مع الدول العربیة والغربیة لمواجهة جرائم الارهاب الالکترونى .هذا وقد قامت السعودیة فى مارس 2007 بإصدار قانون خاص بمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى، کما انضمت الى الاتفاقیة العربیة لمکافحة مثل هذا النوع من الجرائم ، والتى تهدف الى تکاتف الدول العربیة مع بعضها البعض من أجل مکافجة الجرائم الالکترونیة ،بالاضافة الى الجهود المبذولة من قبل وزارات الدولة ، فقد اقترحت وزارة الاتصالات السعودیة الاستراتیجیة الوطنیة لأمن المعلومات الخاصة بالمملکة العربیة السعودیة فى عام2011،والتى تهدف الى تأمین أنظمة المعلومات منعاً لاختراقها ودعم البنیة التحتیة وخدمات الحکومة الالکترونیة بالمملکة ،کما سعت وزارة الداخلیة ووزارة العدل وغیرها من الوزارات الأخرى الى بذل المزید من الجهود للتصدى لهذه الجرائم الالکترونیة .الا أن الأمر لم یقتصر فقط على الجهود الحکومیة ،بل لعبت مؤسسات المجتمع المدنى دوراً هاماً فى مکافحة الجریمة من خلال العدید من الشرکات المتخصصة فى مجال البرمجیات الخبیثة کشرکة سیسکو،وشرکة سیمانتک.

أما مصر ، فقد اتخذت العدید من الاجراءات القانونیة والخطوات التنفیذیة لمکافحة الجرائم الالکترونیة ، فعلى الصعید القانونى ، نصت المادة 31 من الدستورالمصرى عام 2014 على ” أمن الفضاءالمعلوماتى جزء أساسى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى وتلتزم الدولة باتخاذ التدابیر اللازمة للحفاظ علیه على النحو الذى ینظمه القانون”،کما انضمت مصر أیضاً الى الاتفاقیة العربیة لمکافحة جرائم تقنیة المعلومات .هذا بالاضافة الى القانون المصرى لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى ، والذى حدد العقوبة وفقا لطبیعة الجریمة وحجم تهدیدها للأمن القومى للدولة(35) .

کما نظمت دولة الامارات المؤتمر الدولى لتجریم الارهاب الالکترونى عام 2017،وذلک بهدف تعزیز وترسیخ قیم التعاون بین الدول وذلک للتصدى لهذه الظاهرة . وفى الثانى والعشرین من شهر یولیو الماضى ،قامت دولتى اسرائیل والهند بتوقیع اتفاقیة تعاون فى مجال الأمن السیبرانى لمواجهة أى هجوم الکترونى قد تتعرض له الدولتین ، اذ أعلنت اسرائیل استعدادها لتقدیم خبراتها للهند فى هذا المجال ،ورغبتها فى الاستفادة من خبرات الهند فى التعامل مع التهدیدات السیبرانیة.

   الا أن هذا الاتفاق لیس الاتفاق الأول الذى أبرمته اسرائیل فى ظل هذه الجائحة”جائحة کورونا” ، فقد سبق وأن أبرمت اسرائیل اتفاق مع رومانیا شهد تعاون بین البلدین فى مجال الأمن السیبرانى(36) .

وهکذا یتضح لنا بعد استعراض الجهود الدولیة المختلفة فى مکافحة جرائم الارهاب الالکنرونى أن التشریعات القانونیة الصادرة لمواجهة مثل هذه الهجمات جاءت لتعبر عن جهود فردیة ولیست جهود جماعیة ، ومن ثم فإن المجتمع الدولى فى حاجة الى تکاتف وتضافر الجهود الجماعیة لسن تشریعات دولیة رادعة وقادرة على مواجهة جرائم الارهاب الالکترونى.

خاتمة الدراسة :

 تُعد أزمة فیروس کورونا من أبرز التحدیات التى تواجه دول العالم الآن ،فقد خلقت هذه الأزمة نوع جدید من التهدیدات تجسدت فى فیروسات سریعة الانتشار،کما فرضت حالة من الارتباک وعدم الیقین بشأن آلیات التعامل مع هذه الأزمة ،وکیفیة وقف انتشار العدوى وطرق الوقایة والعلاج .الا أن هذه الأزمة لم تثن بعض الدول عن شن العدید من الهجمات الالکترونیة على مراکز الأبحاث التى تسعى لانتاج لقاح لفیروس کورونا ، وکذا أیضا التنظیمات المتطرفة عن ممارسة أعمالها الارهابیة.فقد استغلت هذه التنظیمات انشغال العالم بهذه الأزمة وقامت بنشر أفکارها الهدامة ،وبث خطابات الکراهیة عبر مواقع التواصل الاجتماعى .الأمر الذى شکل تهدیدا للسلم والأمن الدولیین ،ورسم تصوراً جدیداً للبیئة الأمنیة على المستویات المحلیة والاقلیمیة والدولیة.

لذا سعت الباحثة فى اطار هذه الدراسة الى تسلیط الضوء على ظاهرة الارهاب الالکترونى نظرا لخطورة هذه الظاهرة ،ومالها من تداعیات على السلم والأمن الدولیین، وذلک من خلال تحدید المقصود بهذا المفهوم ،وأسبابه ،وخصائصه ،وطبیعة جرائم الارهاب الالکترونى ، والتى تأثرت بأزمة فیروس کورونا ،تلک الأزمة التى أودت بحیاة الملایین من البشر،وساهمت فى بروز مفهوم جدید للأمن القومى یتضمن العدید من المکونات منها:توفیر مخزون استراتیجى من السلع،ومنشأت طبیة مزودة بکوادر طبیة قادرة على التعامل مع هذه الأزمة ، فضلاً عن التداعیات الخطیرة لتلک الأزمة على تلک الأصعدة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة.الأمر الذى یؤکد على أهمیة العمل الجماعى والتعاون الاقلیمى والدولى لتعزیز قدرات الدول الأکثر تضرراً على تجاوز آثار هذه الجائحة.

 وفى النهایة ، تخلص الدراسة الى عدد من النتائج :

1- الارهاب الالکترونى من أخطر الظواهر التى تواجه المجتمع فى عالمنا المعاصر نظراً لما تتمیز به هذه الظاهرة من خصائص ، من أهمها :سهولة التطبیق ، اذ یعتمد على استخدام الکمبیوتر والانترنت فى تنفیذ الهجمات الالکترونیة ،وصعوبة تحدید مرتکب الجریمة بالاضافة الى طبیعة الجریمة الالکترونیة العابرة للحدود .الأمر الذى یترتب علیه تهدید لأمن واستقلال الدول ، وتدخل فى شئونها الداخلیة.

2- تحول الفضاء الالکترونى الى ساحة للصراع تحرکه دوافع سیاسیة ، ویتمیز بنمطین:نمط عنیف توظف فیها القوة الغیر تقلیدیة فى تنفیذ مثل هذا النوع من الهجمات الالکترونیة والتى من شأنها أن تُحدث تدمیر للبنى التحتیة ، واختراق لأنظمة المعلومات ، ونمط آخر یتسم بطبیعته المرنة والتى تتمثل فى الصراع والتنافس حول الحصول عل المعلومات والترویج لأفکار متطرفة واثارة الفتن واحداث اضطرابات داخل الدول .اذ أصبح المصدر الرئیسى للقوة فى الحصول على أکبر قدر من المعلومات وامتلاک أحدث التقنیات فى مجال التکنولوجیا.

3- تُعد أزمة فیروس کورونا من أبرز التحدیات التى تواجه دول العالم الآن ، فقد خلقت نوع جدید من التهدیدات تجسدت فى فیروسات سریعة الانتشار أودت بحیاة الملایین من البشر ، وساهمت فى احداث نوع من الرکود الاقتصادى عانت منه الکثیر من دول العالم.

4- لم تثن جائحة کورونا بعض الدول والتنظیمات المتطرفة عن ممارسة الأعمال الارهابیة ،فقد قاموا بشن العدید من الهجمات الالکترونیة بهدف التأثیر فى الدول المستهدفة وتدمیر بنیتها التحتیة ومؤسساتها الحیویة ،ونشر الأفکار الهدامة ،وجذب أکبر عدد من المؤیدین لهذه الأفکار لنشر الفوضى وزعزعة أمن واستقرار البلاد.

5- الجهود الدولیة المبذولة لمکافحة جرائم الارهاب الالکترونى مازالت جهود فردیة لم ترق الى جهود جماعیة ،وبالتالى نحن فى حاجة الى تضافر الجهود والتأکید على أهمیة العمل الجماعى لسن تشریعات دولیة رادعة وقادرة على مواجهة جرائم الارهاب الالکترونى.

المراجع

-Matthew Lippman,”Terrorism &Counter terrorism”:Theory, History and Contemporary Challenges”,(Chicago: University of Illinois,2019).

-توفیق مجاهد ،طاهر عباسه،”جریمة الارهاب الالکترونى فى ضوء أحکام الاتفاقیة العربیة لمکافحة جرائم تقنیة المعلومات لعام 2010،مجلة العلوم القانونیة والسیاسیة ،المجلد 9 ،العدد 3،دیسمبر 2018،متاح على الرابط:-https://www.asjp.cerist.dz/en/article/72222.

6-مسعد عبد الرحمن زیدان،”الارهاب فى ضوء القانون الدولى العام”،(بیروت:دار الکتاب القانونى ،2009)،ص41.

7-حیدر على نورى،”الجریمة الارهابیة:دراسة فى ضوء قانون مکافحة الارهاب”،(لبنان:مکتبة زین الحقوقیة والأدبیة،2012)،ص56.

8-أحمد عطیه،”القاموس السیاسى”،(القاهرة:دار النهضة العربیة،1975)،ص45.

9-سامر مؤید عبد اللطیف ونورى رشید الشافعى،”دور المنظمات الدولیة فى مکافحة الارهاب الرقمى”،بحث مقدم بجامعة کربلاء،2016، متاح على الرابط:http://www.elearning.uokerbala.edu.iq/mod/resource/view/php

10-المادة الأولى من اتفاقیة جنیف لقمع الارهاب لعام 1937.

11-المادة الأولى من الاتفاقیة العربیة لمکافحة الارهاب لعام 1998.

12-سامر مؤید عبد اللطیف ونورى رشید الشافعى،المرجع نفسه ، ص 4.

13-سامر بن عبد الرحمن بن عبد الله السند،”وسائل الارهاب الالکترونى حکمها فى الاسلام وطرق مکافحته، متاح على الرابط

www.assakina.com/files/book/book8

14- سامر مؤید عبد اللطیف ونورى رشید الشافعى،المرجع نفسه ،صفحة 4.

15-أحمد ناصر أبو السعود،مفهوم الارهاب الالکترونى،10/10/2017،متاح على الرابط:

-http://political-encyclopedia.org

16-pontara,G.”The concept of violence”, Journal of peace research,vol15,No1,1978,pp19-32.

17-Stefan Soesanto,” Cyber Terrorism. Why it exists, why it doesn’t, and why it will”,17-4-2020,

Available at:- http://www.realinstitutoelcano.org/wps/portal/rielcano_en/contenido?

18- شریخى توفیق،”الارهاب الالکترونى وتأثیره على أمن الدولة “،رسالة ماجستیر، الجزائر،جامعة محمد بو ضیاف مسیلة،2018،ص 15.

انظر أیضاً:

-Gabriel Weimann,”Cyper terrorism :How Real is the Threat”,Special Report 119,UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE,December 2004,Available at:WWW.Usip.org.

  -Gabriel  Weimann ,” Terror on the Internet: The New Arena, the New Challenges”,( Washington.: United States Institute of Peace Press,2006), pp. 37-38

19- أمین فرج یوسف،”الجریمة الالکترونیة المعلوماتیة والجهود الدولیة والمحلیة لمکافحة جرائم الکمبیوتر والانترنت”،(الاسکندریة:مکتبة الوفاء القانونیة ،2011)،ص224.

20- خالد المهیرى ،”جرائم الکمبیوتر والانترنت والتجارة الالکترونیة “،(دبى : معهد القانون الدولى ،2004)،ص185-186.

21-Janet J. Prichard and Laurie E. MacDonald,” Cyber Terrorism: A Study of the Extent of Coverage in Computer Security Textbooks “, Journal of Information Technology Education,USA, Bryant University,Vol3,2004,pp280-281.

22- ایهاب خلیفه،”القوة الالکترونیة…کیف یمکن أن تدیر الدول شؤونها فى عصر الانترنت:الولایات المتحدة نموذجاً،(القاهرة:العربى للنشر والتوزیع،2017)، ص 10-13.

23-جیهان عبد السلام عوض،”أمریکا والربیع العربى:خفایا السیاسة الأمریکیة فى المنطقة العربیة”،(القاهرة:العربى للنشروالتوزیع،2019)،ص71-72.

انظر أیضاً:                                                    

23-Babak Akhgar,Hamid R.Arabnia,”Emerging Trends in ICT Security”,(U.S.A: Morgan kaufmann,2013)Available at: https://www.sciencedirect.com/topics/computer-science/cyber-attack.

24-TimothyL.Thomas,” Nation – state Cyber strategies:Examples from china and Russia”, Cyber power and National  Security,(Washington D.C :National defense University,May2009),pp465-470.

25-حسن مظفرالرزو،”مجامیع القرصنة والمیلشیات الایرانیة الرقمیة”،( الریاض:المعهد الدولى للدراسات الایرانیة،2019)،ص220-222.

26-رانیا سلیمان،فاتن فایز وآخرون ،سیاسات مکافحة الإرهاب الإلکترونی .. مصر والسعودیة نموذجاً،المرکز العربى للبحوث والدراسات،2 فبرایر 2020،متاح على             الرابط:                                                                                                                 http://www.acrseg.org/41483 –

انظر أیضا:

– Madhian, B., & Majed, M. , “Saudi Arabia’s counterterrorism methods: A case study on homeland security”, (United States :Naval Postgraduate School Monterey,2017),P. 44.

-Mitko Bogdanoski,” Cyber terrorism -Global Security Threat”, International Scientific Defence, Security and Peace JOURNAL,21-5-2014,Available at: file:///D:/Documents/Downloads/CYBERTERRORISMGLOBALSECURITYTHREAT.pdf

27- بریطانیا تتهم روسیا بتدبیر هجمات الکترونیة لسرقة أبحاث لقاح فیروس کورونا ،16 یولیو 2020،متاح على الرابط:

https://arabic.cnn.com/world/article/2020/07/16/russian-cyber-attackers-targeting-organizations-involved-in-coronavirus-vaccine

انظر أیضا:

-Naveen Goud,” Cyber Attack on Britain Universities for COVID 19 Medicine and Vaccine documents”,

Avaliable at: https://www.cybersecurity-insiders.com.

28-د.عادل عبد الصادق،”کورونا …فیروس الکترونى”،جریدة الخلیج،16-4-2020،متاح على الرابط:

-http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/4faa1df0-091e-4f50-8c03-cfb721dd1ca9

29-د.مروة نظیر،”کیف تستغل الجماعات الارهابیة جائحة کورونا”،مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 26-4-2020،متاح على الرابط:-https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/5543.

انظر أیضاً:

 -ولید عبد الرحمن ،”مفردات خطاب تنظیمات الارهاب فى “زمن کورونا”..تحریض واستغلال للدین أملاً فى صعود کاذب”،الشرق الأوسط ،7أبریل 2020،متاح على الرابط:- https://aawsat.com/home/article/2220516.

30- مرصد الافتاء:جماعة الاخوان الارهابیة تسعى لنشر الفوضى فى مصر عبر الارهاب الالکترونى،جریدة الرواق،22 سبتمبر2020،متاح على الرابط:-https://alruwaq.com/35875

31- مهند سلوم،”الأمن الوطنى فى زمن جائحة فیروس کورونا”، المرکز العربى للأبحاث ودراسة السیاسات،13-7-2020،متاح على الرابط:-https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages.

32- د.أشرف العیسوى،”التنظیمات المتطرفة والتوظیف الدینى ل”کوفید -19″:الأبعاد والتداعیات المحتملة على الارهاب الدولى”،6یولیو2020 https://trendsresearch.org/ar/insight  الرابط: متاح على

33-د.أشرف کشک،”أزمة کورونا..التداعیات والآلیات التى انتهجتها الدول لادارة الأزمة”،تقریرصادر عن مرکز البحرین للدراسات الاستراتیجیة والدولیة والطاقة ،أبریل 2020،متاح على الرابط:

– http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1206828

34- عادل عبد الصادق ، مرجع سبق ذکره،ص 347-349.

35 – رانیا سلیمان،فاتن فایز،نهى الدسوقى ،مرجع سبق ذکره.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button