الانسحاب العسكري التدريجي لفرنسا من مالي: الخلفيات والتداعيات

تشهد علاقات فرنسا بالعديد من مستعمراتها التقليدية بإفريقيا في السنوات الأخيرة الكثير من الشد والجذب، ولم تكن دولة مالي بمعزل عن هذه الظاهرة، فرغم حرص فرنسا على تكريس الوصاية السياسية والعسكرية على البلد إثر أزمته في سنة 2012، من خلال تدخلها العسكري لطرد الجماعات المتطرفة من المناطق والمدن التي احتلتها شمال البلاد، إلا أن الانقلاب العسكري الذي جري في مالي، في أغسطس/آب 2020، فتح علاقات البلدين على صفحة جديدة من الجفاء والتوتر وعدم الثقة، وقد أثَّرت حالة التوتر هذه على نسق وسير العلاقات التقليدية والطبيعية بين البلدين، مما دفع فرنسا لإعلان سحب قواتها العسكرية من البلد كردَّة فعل على الإطاحة برئيس المرحلة الانتقالية، باه نداو، ووزيره الأول، مختار وان، من طرف الضباط الذين رتبوا ونفذوا انقلاب أغسطس/آب 2020.

عقدة الانقلابين وصعود الإسلاميين بمالي

بدأ الغضب الرسمي الفرنسي من حكام مالي مع الانقلاب العسكري الذي قادته مجموعة من الضباط الشباب، في أغسطس/آب 2020، ضد الرئيس السابق، إبراهيم بوبكر كيتا. والواضح من سياق هذا الانقلاب أن فرنسا فقدت زمام المبادرة بمالي وخسرت أوراق تأثير كثيرة في البلد، فقد عجزت عن اختراق الحراك الشعبي المطالب برحيل كيتا أو الوقوف في وجهه، كما أن العناصر المحسوبة عليها في المؤسسة العسكرية بدت ضعيفة وعاجزة عن الوقوف في وجه الانقلاب. وقد مثَّل هذا الانقلاب ضربة قوية استخباراتيًّا واستراتيجيًّا لفرنسا التي تعتبر الحليف العسكري الأول لمالي. وكان الدرس الأهم في هذا الانقلاب هو أن ثمة متغيرات جديدة في البلد فشلت فرنسا في التقاط رسائلها والتفاعل معها بالشكل المطلوب، ومع أن الموقف الفرنسي من الانقلاب اتسم بالرفض والمعارضة، إلا أن فرنسا لم تتخذ خطوات تصعيدية قوية ضد الانقلابيين، الذين روَّجت وسائل الإعلام لوجود علاقات محتملة لبعضهم مع روسيا، وقد يفسر هذه الانعطافة سعي باريس لتجنب تراكم مزيد من الاستياء تجاهها بعد مواقفها السلبية من الحراك الشعبي بالبلد.

أَبَان تسيير المرحلة الانتقالية في مالي عن تباين كبير بين القادة الجدد للبلد والحكومة الفرنسية، ويأتي ملف الحوار مع بعض الجماعات المتشددة في طليعة المواقف التي أغضبت فرنسا من السلطة الانتقالية، ففي الوقت الذي أصرَّت فيه السلطات الانتقالية على تبني نهج الحوار مع التنظيمات المتشددة التي يقودها ماليون، كانت باريس ترفض بقوة هذا الخيار(1)، الذي يبدو أن الحكومة الجديدة لم تستشرها فيه .

لكن، مع الانقلاب الثاني الذي أطاح بالرئيس الانتقالي، باه نداو، ووزيره الأول، مختار وان، في 24 مايو/آذار 2021، بدت لغة التصعيد الفرنسي الرسمية أكثر تشددًا وحزمًا تجاه جماعة الانقلابيين، فقد هدَّد الرئيس، إيمانويل ماكرون، بحسب قواته من مالي ووقف التعاون العسكري مع حكومتها، مؤكدًا أن فرنسا لن تسمح بتحول مالي إلى إسلام راديكالي، على حدِّ قوله. والواضح أن الربط المتكلف بين الإسلام الراديكالي والتغييرات السياسية، التي عرفتها مالي مؤخرًا، هو شماعة حاول ماكرون من خلالها نزع الشرعية عن حكومة مالي الجديدة باعتبارها حكومة مدعومة من طرف قوى التيار الإسلامي المهتم بالشأن العام.

ومن الواضح أن مشاركة حملة الثقافة العربية والإسلامية في الحراك الشعبي الذي سبق الانقلاب كانت قوية جدًّا، بل إن ثمة من يرى أن الحراك كان بتخطيط من هذا التيار وأنه بعد انطلاقته التحقت به القوى العلمانية والمستقلة، وأن أصحاب هذا التيار كانوا يتبنون مقاربة تقوم على الانفتاح واستيعاب جميع القوى السياسية والوطنية مع التركيز على طرح الإشكالات الوطنية وهموم المواطن في خطاب الحراك، مع الحرص الشديد على الابتعاد عن إعطاء الحراك أية صبغة إسلامية. بل إن هناك من يرى أنه داخل المؤسسة العسكرية هناك من وفَّروا الحماية للإمام محمود ديكو، شخصية الحراك المحورية، بزيهم المدني أثناء الهجوم الذي تعرض له منزله، وذلك وفاء له على تدخله لإطلاق سراحهم، سنة 2012، بعد اعتقالهم من طرف تنظيم “المرابطون” في شمال مالي.

ومن نقاط قوة هذا التيار نجاحه في عدم إعطاء الحراك صبغة دينية، لكي لا تجد فرنسا ذريعة لضربه والتأليب عليه، كما أن الإمام محمود ديكو استطاع تفويت الفرصة على فرنسا وتجنب دخول مواجهة مفتوحة معها.

ويتميز تيار حملة الثقافة العربية والإسلامية في مالي بالانتشار والقبول والانفتاح والتكامل بين مختلف المدارس الإسلامية، وقد عززت هذه الخصائص تأثير الإسلاميين ووصولهم لمراكز حيوية في مختلف مرافق الدولة، رغم غياب إطار سياسي معبِّر عن كيانهم ومواقفهم. فتكاد التباينات تكون طفيفة بين المدرسة السلفية والإخوانية بمالي، فروح التعاون التي طبعت العمل الدعوي في بداية مساره بالبلد تغلبت على التباينات والاستقطابات بين الاتجاهين، كما أن ثمة عوامل ثلاثًا لعبت دورًا في تخفيف حدة الخطاب السلفي بمالي وأسهمت في دفعه إلى الاتجاه الإصلاحي:

  • أول هذه العوامل يتمثل في الطبيعة الهادئة التي تميز المجتمع المالي.
  • أما العامل الثاني فيكمن في محاولة المدرسة السلفية في مالي التمايز عن الخط السلفي المتشدد الذي ظهر في شمال البلاد وأعطي صورة مشوهة عن الإسلام.
  • في حين يتلخص العامل الثالث في انسحاب الدور السعودي من الحقل الدعوي بالبلاد وارتهان أئمة السلفية بالخليج ودعاتها لمحور أنظمة التطبيع والفساد والاستبداد.

مزاج شعبي متشبع بالكراهية لفرنسا

تواجه فرنسا في السنوات الأخيرة موجة من الكراهية منقطعة النظير في منطقة غرب إفريقيا، وتتمثل موجة الكراهية هذه في تنامي الرفض الشعبي لدي قطاعات واسعة من القوى الشبابية والفنية والسياسية وفاعلي المجتمع المدني بغرب إفريقيا للسياسات الفرنسية بالمنطقة، والمطالبة بوضع محددات جديدة ومعالم توجه بوصلة علاقات فرنسا بإفريقيا على أسس تضمن السيادة والخروج من عباءة التبعية والاستقلال الفعلي لإفريقيا عن فرنسا الاستعمارية.

وقد زادت موجة الكراهية الشعبية تجاه فرنسا مع تصاعد أعمال العنف ضد الجيوش المحلية في منطقة الساحل، مما دفع السكان وبعض النخب إلى اتهام فرنسا صراحة بـ”التواطؤ” مع الجماعات المتطرفة، وقد جرت تغذية مواقع التواصل الاجتماعي في النيجر ومالي، سنة 2019، بإشاعات تتهم فرنسا بالهجوم على قاعدة “ديفا” العسكرية بالنيجر وبتقديم المعدات العسكرية للجماعات الجهادية مما دفع سفارتي فرنسا بالنيجر ومالي إلى تفنيد هذه الإشاعات.

وتقف خلفيتان رئيسيتان(2) وراء موجة الكراهية ضد فرنسا؛ فشرائح عريضة من ساكنة الساحل لا تفهم عدم المشاركة الفاعلة لقوة “برخان” في العمليات القتالية ضد الجماعات الجهادية، رغم ما تمتلكه من معدات عسكرية ضخمة تفوق قوة وعتاد الجماعات الجهادية من جهة، ومن جهة أخرى تتناغم هذه الموجة مع بروز تيار شبابي جديد بمنطقة غرب إفريقيا مشبع بأفكار قومية إفريقية ترى في فرنسا قوة استعمارية أضرَّت بتنمية إفريقيا وأعاقت نهضتها وسلبتها خيراتها وحريتها وسيادتها.

خلفيات قرار الانسحاب العسكري الفرنسي من الساحل

اختار الرئيس الفرنسي، ماكرون، أن يكون الموقف من الانقلاب العسكري الأخير في مالي السببَ المباشرَ لإعلان رحيل قواته عن مالي، لكن حجة ماكرون هذه لا تتسق مع مواقف أخرى لفرنسا في المنطقة، فكيف لبلد كفرنسا يروِّج للديمقراطية في مالي أن يدعم بقوة انتقال السلطة في تشاد إلى نجل الرئيس السابق، إدريس ديبي، الذي توفي في ظروف غامضة، دون مراعاة مقتضيات انتقال السلطة دستوريًّا في هذا البلد؟

لعل ماكرون كان يبيِّت قرار سحب قواته، واختار لذلك موضوع الانقلاب، لترويج صورته داخليًّا؛ فموضوع قوة “برخان” أصبحت تكلفته السياسية والعسكرية والمالية باهظة بالنسبة لصنَّاع القرار في فرنسا، وذلك نظرًا لإخفاق هذه القوة في تحقيق انتصار ميداني على جماعات العنف في منطقة الساحل رغم مرور 8 سنوات على وجودها.

ومع أن الرئيس الفرنسي لم يتحدث عن آليات محددة لعملية تقليص القوات العسكرية في مالي، إلا أن صحفًا فرنسية نقلت عن مصادر استخباراتية أن عدد القوة سيصل 2500 جندي في أفق 2023.  ويمثِّل تعداد قوة “برخان” أكثر من 70% من العلميات الخارجية العسكرية لفرنسا التي يصل تعداد المنخرطين فيها 7000 جندي، وشهدت ميزانيات الدولة الفرنسية اضطرابًا كبيرًا بحكم حجم الإنفاق على هذه العمليات، ففي سنة 2019، بلغت الكلفة الفعلية للعمليات الخارجية 1.4 مليار يورو في حين كانت الكلفة التقديرية في ميزانية العام تقدر بـ1.1 مليار يورو، مسجلة زيادة تتجاوز 27%.

ويمكن اختزال الخلفيات الرئيسية لقرار الانسحاب فيما يلي:

  • أداء في مرمى القصف: ظلت الانتقادات تنصب على قوة “برخان” المكونة من 5100 عسكري فرنسي في الساحل، فبعد أن كانت هذه الانتقادات تأتي من غير الرسميين، أصبح المسؤولون في دول الساحل ينتقدون علنًا أداء هذه القوة، التي وصفها الرئيس الجديد للنيجر، محمد بوزوم، بـ”الفشل”. واعتبر تقرير صادر مؤخرًا عن محكمة الحسابات الفرنسية(3) أن الإنفاق المفرط على قوة “برخان” لا يتماشى مع حجم النتائج المتحققة على الأرض والأهداف المرسومة للتدخل العسكري. واتهم التقرير باريس بتجاهل الإنفاق على الجوانب التنموية في منطقة الساحل والتركيز على الإنفاق العسكري، وأشار التقرير إلى أن إجمالي الإنفاق الفرنسي على الدول الخمسة بمنطقة الساحل (بوركينافاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، النيجر) قفز من نصف مليار يورو، سنة 2012، ليصل إلى مليار يورو، سنة 2019، لكن هذا الإنفاق شهد تراجعًا في المجال التنموي حيث تراجع الإنفاق على المشاريع التنموية من 431 مليون يورو إلى 325 مليون يورو في نفس الفترة، مشيرًا إلى أن 60% من حجم الإنفاق الفرنسي في الساحل جرى توجيهه للعمليات العسكرية في ذات الفترة. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة لوبوان(4) الفرنسية مطلع العام الجاري أن 51% من الفرنسيين يعارضون عملية “برخان”، وتشكِّل نتيجة هذا الاستطلاع أكبر تراجع لتأييد الفرنسيين لعملية “برخان”، التي كان يؤيدها 73% من الفرنسيين منذ انطلاقتها قبل ثماني سنوات.
  • -رحيل الرؤساء المؤسسين لمجموعة الدول الخمسة للساحل عن السلطة: خروج جيل الرؤساء المهندسين للتدخل العسكري الفرنسي من السلطة في دول الساحل الخمسة والذين انخرطوا في الأجندة العسكرية الفرنسية، قد يكون من الأسباب غير المباشرة لقرار الانسحاب، فقد لا تكون رؤية القادة الجدد للساحل منسجمة بالضرورة مع المقاربات الأمنية والعسكرية الفرنسية بالمنطقة.
  • -الخيبة الفرنسية في الملف الليبي: هناك من ينظر إلى قوة “برخان” كقاعدة إسناد خلفية عسكريًّا واستخباراتيًّا للأدوار الفرنسية المشبوهة في ليبيا. وعليه، يرون أن من المبررات المسكوت عنها في قرار الانسحاب وصول باريس إلى قناعة قوية بأن الملف الليبي بات خارج الطموحات التوسعية لفرنسا، لذا يجب التخفيف من كلفة الاستثمار فيه.
  • -فشل فرنسا في قيادة مقاربة عسكرية أوروبية فاعلة في الساحل: عجزت فرنسا عن جرِّ الدول الأوروبية الكبرى لمسايرتها في مغامراتها العسكرية في الساحل، فظلت ألمانيا على سبيل المثال متحفظة عن الظهور بمظهر المتماهي مع السياسات العسكرية الفرنسية للساحل، وذلك حرصًا من برلين على عدم التلطخ بالإرث الاستعماري لفرنسا بالمنطقة، والنأي بنفسها عن السير في فلك فرنسا.

تداعيات قرار سحب القوات الفرنسية

لا شك أن قرار الانسحاب العسكري الفرنسي من منطقة الساحل ستكون له تداعيات على الوضع الأمني في المنطقة في المنظور القريب، كما أن فرنسا ستتضرر مستقبلًا من الطريقة الاستعلائية التي اتخذت بها القرار؛ حيث أعلن رئيسها القرار بلغة استخفافية تنتقد قادة دول ذات سيادة على مواقفهم من الانقلاب الأخير في مالي. ويمكن تصور السيناريوهات المحتملة لهذا القرار فيما يلي:

-أفغانستان الجديدة: ظلت أقلام العديد من الكتَّاب الفرنسيين تحذِّر من مما تسميه: أفغانستان الجديدة؛ حيث ترى أن طول فترة مكوث القوات الفرنسية في الساحل دون تحقيق إنجاز عسكري معتبر سيجلب للجيش الفرنسي نفس النكسة التي تعرض لها الجيش الأميركي في أفغانستان، ويبدو أن هذه الصورة باتت تتعزز في ذهنية النخب الفرنسية، فهاهي فرنسا تقرر الخروج من منطقة الساحل في الوقت الذي تشتعل فيه معدلات العنف في المنطقة، والتي سجلت ارتفاعًا وصل 500% منذ سنة 2016.

-الدفع لمزيد من الاندماج الإقليمي في منطقة “الإكواس”: خلَّف إعلان الرئيس الفرنسي، ماكرون، ونظيره العاجي، الحسن واتارا، قبل سنتين عن عملة “الإيكو”، التي يراد لها أن تكون بديلًا عن عملة الفرنك غرب الإفريقي “سيفا” المتداول في أغلب المستعمرات الفرنسية بغرب إفريقيا، سجالًا بين الدول الفرانكفونية والدول الأنجلوفونية، ويعود هذا السجال برأي محليين لارتهان قادة دول الفرانكفونية(5) بالإكواس لفرنسا اقتصاديًّا.

فثمة حساسية من عملة “سيفا”، التي جرى إطلاقها سنة 1945 للمستعمرات الفرنسية، وجرى الاحتفاظ بها كعملة وطنية لهذه الدول رغم مرور ستة عقود على الاستقلال عن فرنسا؛ فـ”سيفا” من منظور غالبية النخب الإفريقية يُنظر إليها كعملة تكرس الهيمنة النقدية والاقتصادية لفرنسا، وذلك بحكم تأثير الخزينة الفرنسية في تسييرها.

وقد انتقد رئيس نيجيريا، محمد بخاري، خطوة إعلان رئيس ساحل العاج، واتارا، مع نظيره الفرنسي، ماكرون، وندَّدت الدول الأنجلوفونية بـ”الإكواس” ساعتها في بيان مشترك بهذه الخطوة، معتبرة أن قرار بهذا الحجم يجب أن يكون من الاختصاص السيادي لقادة دول “الإكواس”. وتعبِّر هذه المواقف في طياتها عن طموحات قديمة لبعض الدول القوية في “الإكواس” كنيجيريا، التي تسعى منذ فترة لتحجيم النفوذ الفرنسي في المنطقة.

فقرار الانسحاب العسكري الفرنسي من المنطقة قد يسهم في فسخ الاصطفاف التاريخي للنخب السياسية الفرانكفونية وراء السياسة الفرنسية، وقد يفتح المجال أمام تشجيع حركة التكتل الإقليمي ويكسر حواجز عدم الثقة بين النخب الحاكمة في الفضاءين، الفرانكفوني والأنجلوفوني.

ولا يمكن في هذا الصدد عزل زيارة نانا آكيفو آدو، رئيس دولة غانا الأنجلوفونية، والرئيس الدوري لـ”الإكواس” للسنغال -الحليف الاستراتيجي لفرنسا- والتي تزامنت مع تصريحات الرئيس الفرنسي، التي انتقد فيها موقف “الإكواس” من الانقلاب الأخير في مالي عن هذا السياق؛ حيث كشف الرئيس الغاني أن من النقاط الرئيسية لجدول أعمال الزيارة ملف الإصلاح المؤسسي لمنظمة “الإكواس” لمزيد تفعيلها اقتصاديًّا وسياسيًّا.

تشجيع دخول فاعلين دوليين جدد: فشل فرنسا وحلفائها في التصدي العسكري للجماعات الإرهابية بالساحل بات يدفع دول المنطقة لاستجداء فاعلين جدد، وهو ما عبَّر عنه الرئيس البوركيني، روك مارك كريستيان كابوري، أثناء حديثه في القمة الإفريقية-الروسية بمدينة سوتشي، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين قال: “نمتلك الثقة بقول: إن هذه القمة ستشكِّل نقطة انطلاق لشراكة مثمرة ونافعة لأمن واستقرار الساحل”.

ففي ظل العجز الفرنسي والغربي المتعلق بالقضاء على بؤر التطرف والإرهاب في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، تتجه الأنظار إلى البديل الروسي، ولاسيما بعد الدور الروسي في سوريا. وذلك في ظل تصاعد الحديث عن أدوار محتملة لموسكو في الانقلاب الأول والثاني اللذين شهدتهما مالي على مدار السنة.

وتشهد بعض دول الساحل حراكًا شعبيًّا مطالبًا بالتدخل الروسي. ويبدو أن التوجه نحو روسيا انتقل إلى المستوى الرسمي في دول الساحل؛ حيث وقَّعت باماكو اتفاقًا للتعاون العسكري مع روسيا، في يونيو/حزيران 2019.

وتعود روسيا لإفريقيا بعد فتور طويل طبع علاقات الطرفين كان لانهيار الاتحاد السوفيتي عامل كبير فيه؛ فقد انحسرت الصِّلات التقليدية والولاءات الاستراتيجية التي نسجتها روسيا بإفريقيا إبان فترة الحرب الباردة(6).

في الختام، لا شك أن قرار تقليص الحضور العسكري الفرنسي في منطقة الساحل سينعكس سلبًا على التأثير الفرنسي في المنطقة، فتوقيت اختيار الانسحاب لا يتماشى مع حجم ومتطلبات الاستحقاقات الأمنية والعسكرية التي تفرض المزيد من الحضور العسكري الأجنبي للتصدي لجماعات العنف. ثم إن باريس بلغة المصالح تعتبر أهم قوة خارجية رابحة من استتباب الأمن في المنطقة وخاسرة من عدمه في نفس الوقت، وذلك نظرًا لحجم مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة.

كما أن ارتدادات هذا القرار قد تضع مسار علاقات فرنسا بدول غرب إفريقيا على سكة جديدة تستجيب لتطلعات الجيل الجديد من الشباب الإفريقي المناهض لاستمرار الهيمنة الفرنسية في المنطقة.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) La France et le Mali en désaccord sur le dialogue avec les djihadistes, Le Point Publié le 26/10/2020 (vu le 13 juin 2021): https://bit.ly/3cGJNvQ

(2) مركز الصحراء يصدر تقريره الاستراتيجي السنوي 2020، مركز الصحراء للدراسات والاستشارات 2020، (تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2021): https://essahraa.net/node/23187

(3) Morgane Le Cam: Un rapport de la Cour des comptes critique la stratégie de la France au Sahel, Le Monde, Publié le 23 avril 2021 (vu le 12 juin 2021): https://bit.ly/3zr2Gwv

(4)– Guerric Poncet: Sahel: la moitié des Français opposés à la présence française, Le Point Publié le 11/01/2021 (Vu le 13 juin 2021): https://bit.ly/35r0KGp

(5)– Teniola Tayo: L’eco de l’Afrique de l’Ouest n’est pas freiné uniquement par l’économie, ISS 20 Nov 2020 (vu le 13 juin 2021): https://bit.ly/3zjw7Ay

(6) سيدي ولد عبد المالك: عودة الاهتمام الروسي بإفريقيا.. التجليات والحسابات، الجزيرة نت، 22 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 14 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/35nlxuJ

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button