قضايا بيئية

الانكشاف البيئي: لماذا يتوقع الخبراء ارتدادات عنيفة للتغير المناخي بالشرق الأوسط؟

أنشال فوهرا، عرض ياسمين محمود – إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

على الرغم من الانشغال التام في منطقة الشرق الأوسط بتهديدات الأمن التقليدي ذات الأبعاد العسكرية؛ تزايدت التحذيرات العالمية من تهديدات الأمن غير التقليدية، خاصةً التغير المناخي. ووصلت حدة هذه “الإنذارات” إلى التحذير من أن الشرق الأوسط قد يتحول إلى إقليم “غير صالح للمعيشة”. وفي هذا الإطار، يأتي مقال “أنشال فوهرا” المنشور على موقع مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “أصبحت منطقة الشرق الأوسط حرفياً غير صالحة للمعيشة”.

تزايد تهديدات المناخ:

يحذر المقال من أن تهديدات التغير المناخي قد تعصف بالبقاء والقابلية لاستمرار الحياة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرجع إلى عدة عوامل؛ يتمثل أبرزها فيما يلي:

1– غياب جاهزية التعامل مع التغير المناخي: من المثير للدهشة أنه بينما تُعد منطقة الشرق الأوسط أقل المناطق جاهزية للتعامل مع تداعيات التغير المناخي؛ فإنها تعتبر واحدة من أكثر المناطق تضرراً من هذه الظاهرة. وقد كشف موسم الصيف الحالي عن مدى خطورة التغير المناخي، وما يرتبط به من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى غير مسبوق، واجتياح الجفاف الشديد الدولَ بمنطقة الشرق الأوسط بالنظر إلى اندلاع حرائق الغابات في عدة دول، وما ترتب عليها من خسائر فادحة.

2– الارتفاع السريع لدرجات الحرارة: في يونيو الماضي، سجلت مجموعة من الدول أكثر من 50 درجة مئوية، بينما سجلت الكويت في الشهر نفسه 53.2 درجة مئوية، ووصلت الحرارة في العراق إلى 51.5 درجة مئوية في شهر يوليو، وهو ما أثار القلق بشأن اتجاه درجات الحرارة إلى الارتفاع الحاد. بيد أن هناك مخاوف أكبر تتعلق بارتفاع درجة حرارة الشرق الأوسط بمعدل ضِعْفَي المتوسط ​​العالمي. ومن ثم، فإن من المتوقع في عام 2050 أن تكون المنطقة أكثر دفئاً بمقدار أربع درجات مئوية، بينما يحذر العلماء من أنه لا ينبغي وصول درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية للحفاظ على البشرية.

3– احتمالات تراجع صلاحية المدن للمعيشة: تتعرض العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط لتهديدات تتعلق بعدم صلاحيتها لإقامة الأفراد بها قبل نهاية القرن الحالي؛ وذلك وفقاً لمعهد ماكس بلانك الألماني. وما سيزيد الأمر سوءاً هو عدم استعداد المنطقة للتعامل مع التحديات المناخية، في ظل إغراق العديد من الدول في الحروب والصراعات والنزاعات الطائفية. ومن ثم، لن تتمكن الدول من “مواجهة التحديات التي تهدد وجودها الجماعي”.

4– معضلة متزايدة للدول الفقيرة: ستتجلى تداعيات التغير المناخي على الدول الفقيرة بالمنطقة أولاً؛ نظراً إلى افتقارها المرافق الأساسية التي تأتي على رأسها المياه والكهرباء اللتان ستكونان من أهم العوامل التي ستمكن الأفراد من البقاء على قيد الحياة في ظل الظروف الجوية المتطرفة.

5– تضاعف حاد للانبعاثات الحرارية: هناك عدة مؤشرات تجعل من السهولة التكهُّن بالمخاطر المتفاقمة التي ستتعرَّض لها دول منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تستمر درجات الحرارة في الارتفاع على خلفية تضاعف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأكثر من ثلاثة أضعاف على مدار العقود الثلاثة المنصرمة، فضلاً عن افتقار الدول إلى الخدمات الأساسية.

وقد حذر الخبير بمناخ الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط ​​في معهد ماكس بلانك “جوس ليليفيلد”، من أنه إذا لم تغير الدول بمنطقة الشرق الأوسط الكيفية التي تساهم بها في زيادة انبعاثات الغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري؛ فستتعرض المدن لدرجات حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية في المستقبل، وهو ما سيشكل خطورة على حياة الأفراد الذين ليس لديهم القدرة على العيش في مكان يحتوي على مكيف للهواء.

تفاقم “عدم الاستقرار المناخي”

يتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية مباشرةً على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تتفجر اضطرابات سياسية واقتصادية حادة. وتتمثل أبرز هذه التداعيات فيما يلي:

1– تزايد الاضطرابات الاجتماعية في المنطقة: تكشف الاضطرابات الاجتماعية التي تعاني منها العديد من الدول، لمحة عما سوف يبدو عليه مستقبل هذه الدول، بينما تعاني من آثار التغير المناخي؛ فلقد شهدت العديد من الدول عدة احتجاجات على نقص الخدمات الأساسية في ظل زيادة درجات الحرارة؛ حيث احتج المواطنون بالعراق على انقطاع التيار الكهربائي بوتيرة متكررة رغم كونها من الدول الغنية بالنفط، وتظاهر اللبنانيون بل أقدم بعض الأفراد على نهب الوقود نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي منذ عام 2019 لعدة ساعات، في ظل تقاعس النخبة اللبنانية الحاكمة ورفضها القيام بإصلاحات لتطوير قطاع الكهرباء.

 ويجادل البعض بأن لبنان لديه العديد من الإمكانات، التي إذا وُظفت بأسلوب صحيح فستؤدي إلى القدرة على تنويع مصادر الطاقة والاستفادة من الرياح والشمس في توليد الطاقة النظيفة. وشهدت إيران احتجاجات في يوليو الماضي على خلفية أزمة الكهرباء التي تسببت بها أزمة الجفاف التي أفضت إلى عدم فاعلية محطات الطاقة الكهرومائية؛ حيث أطلق المتظاهرون هتافات مثل “الموت للدكتاتور” و “الموت لخامنئي”، كما خرج الإيرانيون إلى الشوارع في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران للتنديد بانقطاع المياه، وهو ما قابلتها القوات الأمنية الإيرانية باستخدام الأسلحة النارية التي خلفت عددًا من الضحايا.

2– تفاقم أزمات المياه في الدول العربية: يعتقد البعض أن موجات الجفاف التي اجتاحت الدولة السورية في الفترة ما بين 2006 و2011، ساهمت في تعميق الفجوات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين الريف والحضر؛ ما أفضى إلى اندلاع الحرب الأهلية السورية. وساهمت الحرب اليمنية في تفاقم أزمة المياه باليمن؛ حيث لم تُعد الحكومة قادرة على مراقبة انتهاك الأفراد لشروط عدم حفر آبار المياه، وهو ما جعل اليمن “يستنفد سريعاً موارده المائية الشحيحة بالفعل”.

3– تزايد حدة الصراعات الداخلية: هناك أمل بأن تتمكن الدول بالشرق الأوسط من مواجهة ندرة المياه والعمل على الحد من الانبعاثات المسؤولة عن الاحتباس الحراري من خلال التعاون الإقليمي بين الدول، والاتفاق على تنظيم استخدام المياه المشتركة المهددة بالنضوب، وغيرها من التغيرات الناتجة من جراء “الأحداث المناخية القاسية”. وتظهر أهمية التعاون في ظل عدم وجود اتفاقيات بين الدول بالمنطقة تُنظم استخدام أحواض الأنهار المشتركة. وعلى الرغم من أن جامعة الدول العربية بذلت جهداً في هذا الإطار، من خلال صياغة اتفاقية إقليمية حول الموارد المائية المشتركة، فإنها لم تصدق عليها حتى الوقت الحالي.

بيد أن ما قامت به الدول فعلياً هو الانغماس في الصراعات التي تقوض قدرتها على التكيف مع التغير المناخي، وتجعل السكان أكثر عرضةً للمتغيرات. ومن ثم، تظهر العديد من التحليلات التي تربط العلاقة بين الحروب وثورات الربيع العربي بالمنطقة من جهة وبين التغير المناخي من جهة أخرى. كما يساهم سوء الإدارة والاضطرابات الاجتماعية التي تعاني منها الدول في تفاقم الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي، وهو ما سيؤثر بالسلب على معيشة الأفراد، وقد يترتب عليه زيادة معدلات الهجرة.

وفي الختام، ينبغي تشجيع الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الدول الهشة في الإقليم؛ لكي تضطلع بدور في التشجيع على استخدام الطاقة النظيفة، وخفض مستويات التلوث البيئي، بالتوازي مع التصدي لتداعيات الاحتباس الحراري. ومن الضروري اتخاذ الدول إجراءات فعالة للتعاون الإقليمي لدعم التوسع في استخدام الطاقة النظيفة، وترشيد استخدام الموارد المائية المشتركة، وإصلاح المرافق الأساسية لحماية دول الشرق الأوسط من ارتدادات عنيفة متوقعة للتغير المناخي.

Source: Anchal Vohra, The Middle East Is Becoming Literally Uninhabitable, Foreign Policy, August 24, 2021

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى