التحول الديمقراطي والأمن القومي العربي: هل هناك أمن بلا تنمية وتوزيع عادل للثروات؟!!

إعداد الطالبين: ماهر محمود عيسى و تيسير أبو جمعة

 مقدم إلى: الدكتور/ كمال الأسطل غزة – يوليو 2007م

الفهرس

الموضوعرقم الصفحة
عنوان البحث1
مقدمة البحث2
هدف البحث2
مشكلة البحث2
منهجية البحث2
فرضيات البحث3
تساؤلات البحث3
محددات البحث3
دراسات سابقة3
مجتمع البحث4
الفصل الأول: فكرة ومفهوم التحول الديمقراطي5
          المبحث الأول: مفهوم الديمقراطية والتحول الديمقراطي5
          المبحث الثاني: واقع العالم العربي من منظور ديمقراطي8
          المبحث الثالث: مقومات التحول الديمقراطي في العالم العربي11
الفصل الثاني: واقع الأمن القومي العربي18
          المبحث الأول: الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق18
          المبحث الثاني: مفاهيم الأمن القومي20
          المبحث الثالث: ركائز ومتطلبات الأمن القومي العربي .. رؤية ديمقراطية26
          المبحث الرابع: معيقات الأمن القومي العربي .. رؤية تنموية30
الفصل الثالث: هل يتحقق الأمن القومي العربي بلا تنمية وتوزيع عادل للثروات33
          المبحث الأول: مفهوم التنمية ومدلولاتها في العالم العربي33
          المبحث الثاني: واقع العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة في العالم العربي .. حقائق وأرقام35
          المبحث الثالث: الوصول لمجتمع العدالة والحرية والمساواة والأمن38
الخلاصة40
النتائج41
التوصيات42
الملاحق43
المراجع50

المقدمة:

تأتي هذه الدراسة في سياق البحث في ماهية العلاقة بين عملية التنمية في بلدان العالم العربي وتحقيق الأمن القومي العربي، وتكمن أهمية الدراسة في أنها تسلط الضوء على العلاقة بين عملية التنمية وتحقيق الأمن القومي العربي من منطلق أن تحقيق مفهوم العدالة بين السكان يحقق الرضا عن النخب الحاكمة وبالتالي يقلل من إمكانية حدوث الاضطرابات الداخلية، كما يتطرق البحث لمفهوم التنمية وسبل تحقيقها ومظاهرها على الأرض، كما تتعرض الدراسة أيضاً لواقع عملية التنمية العربية عبر نماذج مختارة من بلدان العالم العربي تتعرض فيها بالوصف والتحليل لمدى الجدية في التحول الديمقراطي والأخذ بسبل التحول ومدى تحقيق عملية التنمية بشكلٍ ملموس نتيجة تلك العمليات التي حدثت على أرض الواقع وتقييم أثرها الحقيقي على الأرض من حيث النتائج والأثر.

الهدف:

يهدف البحث إلى استكشاف مفهوم التحول الديمقراطي في العالم العربي وعلاقة هذا التحول بالأمن القومي العربي، كما يهدف البحث للتعرف على حقيقة العلاقة بين التحول الديمقراطي والأمن القومي العربي، وهل هناك إمكانية لتحقيق الأمن بدون تنمية أو توزيع عادل للثروات.

مشكلة البحث:

يناقش البحث مشكلة التحول الديمقراطي في العالم العربي وعلاقته بالأمن القومي العربي، ويحاول التعرف على إمكانيات تحقق الأمن بدون توفر مقومات الحياة الديمقراطية مثل التنمية، العدالة الاجتماعية، اتساع هامش الحريات العامة وحقوق الإنسان، والمساواة.

منهجية البحث:

يعتمد البحث في منهجيته على المنهج الوصفي التحليلي من خلال رصد وتوثيق حالات التحول الديمقراطي في العالم العربي وتحليل مضامينها ومدى تطبيق البلدان العربية لنموذج الحكم الصالح الذي يسمح بالتعددية والمشاركة العريضة للجماهير ومن ثم ضمان الرقابة على المؤسسات العامة وأدائها لضمان تحقيق العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروات وهي الحالة التس تضمن الولاء والانتماء من قبل الشعوب للنخب السياسية وتقلل من احتمالات التهديد الداخلي للأمن الأمن القومي العربي.

فرضيات البحث:

نجمل فرضيات البحث بالآتي:

1)    أن التحول الديمقراطي في العالم العربي مطلب جماهيري قاعدي ونخبوي.

2)  أن التحول الديمقراطي في العالم العربي يسير بخطى بطيئة جدا نتيجة متغيرات داخلية وخارجية ذات علاقة بضعف مكوناتها الداخلية وعدم توفر المناخ الملائم لها خارجيا.

3)  أن التحول الديمقراطي العربي مطلب غير مرحب به من القوى المعادية للمصالح العربية وهي تسعى لإفشال أية عملية من شأنها تحقيقه حتى لو توافقت تلك العملية مع رؤيتها وأهدافها.

4)  أن عملية التحول الديمقراطي العربي تستدعي تغيرات بنيوية وهيكلية في النظم السياسية وعقلية النخب الحاكمة، بالإضافة إلى ثقافة الشعوب والحكام على السواء.

أسئلة البحث:

للبحث تساؤل رئيس هو: هل يمكن تحقيق الأمن القومي العربي بدون تنمية وتوزيع عادل للثروات؟

وللبحث عدد من التساؤلات الفرعية نجملها كما يلي:

1)    هل التحول الديمقراطي في العالم العربي ممكن؟

2)    هل تتوفر مقومات وظروف التحول الديمقراطي في العالم العربي؟

3)    هل العالم العربي قادر على تجاوز معوقات عملية التحول نحو الديمقراطية؟

4)    هل التحول الديمقراطي يسهم في تحقيق الأمن القومي العربي؟

 محددات البحث:

–  المكانية: بلدان الوطن العربي من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا.

–  الزمانية: في الفترة الزمنية منذ انهيار القطب الشيوعي ولغاية العام 2006م.

دراسات سابقة:

  1. بلقصري، عبد الواحد، 2007، إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب والتجارب المقارنة، البرتغال نموذجا، دراسة مقدمة لصالح البرنامج العربي لدعم وتنمية الديموقراطية. يتناول الكاتب في المبحث الأول إشكالية الانتقال الديمقراطي في المغرب…السياق والرهانات، من خلال أربعة مباحث هي: المحددات العامة للمسلسل السياسي والدستوري، المحددات السياسية، الفاعلون السياسيون وإشكالية الانتقال، و الهندسة الدستورية للانتقال. كما يناقش في المبحث الثاني: المغرب والانتقالات الديمقراطية المقارنة… البرتغال نموذجا، من خلال مبحثين هما: شروط الانتقال الديمقراطي بالبرتغال، والانتقال الديمقراطي ومدى نجاح التجربة المغربية.
  2. كراجة، معز، 2007، الديمقراطية ثقافة وليست هياكل، دراسة مقدمة لصالح البرنامج العربي لدعم وتنمية الديموقراطية. حيث يتعرض الكاتب لوضع حالات الديمقراطية العربية. الباحث يقدم دراسة تخلص إلى أن عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية تتطلب ترسيخ ثقافة ديمقراطية حقيقية، وتتطلب هدم الثقافة العصبوية التقليدية، وللوصول إلى فرد قادر على الاندماج في هذه الثقافة، يتطلب تحريره من النظام التعليمي التلقيني، وللوصول الى هذين المتطلبين للتحول الديمقراطي، فالأمر يتطلب ما يمكن تسميته بالحركة التصحيحية داخل الأحزاب والحركات والبنى الهيكلية العربية، لتستطيع بعد ذلك أن تعيد مسار النظام السياسي العربي الرسمي إلى الخط الديمقراطي الواجب إتباعه. ولاشك أن زوال الظروف السياسية الخارجية غير الطبيعية التي يعيشها العرب، والتحرر من ربقة المستعمر يزيد سهولة هذا التحول. وحتى لا تبقى هذه الحلول وكأنها عامة ونظرية، فإن هنالك قوى وفئات مجتمعية أخرى، يقع على كاهلها مسؤولية التحول الديمقراطي ومنها: المجتمع المدني، المثقف العضوي في مقابل اضمحلال مثقف السلطة، الفئات المتوسطة، والشباب.

مجتمع البحث:

تمثل مجتمع البحث في دراسة واقع وبلدان الأمة العربية من منظور مفهوم الأمن القومي العربي وحالات التحول نحو الديمقراطية وواقع هذه البلدان من حيث التحول الديمقراطي، وواقع السياسات التنموية المتبعة فيها.

متن البحث:

ينقسم البحث إلى ثلاثة فصول هي:

الفصل الأول:   فكرة ومفهوم التحول الديمقراطي

المبحث الأول: مفهوم الديمقراطية والتحول الديمقراطي

لقد نشأت فكرة الديمقراطية في المجتمعات الغربية كأحد أنظمة الحكم في بعض الدول التي تنتهج شكل الحكم الشعبي التشاركي نتيجة تحولات عديدة في أنظمة الحكم الغربية ومروراً بعصور متعاقبة من النزاعات والاختلافات بين الشعوب الغربية في معظم بلدان أوروبا خلال العصور الحديثة التي أعقبت العصور الوسطى. فيقول “فلويل” (أن الديمقراطية هي فقط تجربة في الحكم)، ويعرّفها “لنكولن” بأنها (حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب)، بينما يعرفها “سيلي” بأنها (حكم الذي يملك فيه كل فرد نصيبا)، كما يعرفها “ديسي” بأنها (شكل من أشكال الحكم الذي تكون فيه الهيئة الحاكمة جزءاً كبيراً نسبياً من الأمة كلها).

ولقد تلقفت أمريكا المفهوم وعملت على بلورته وصياغته بالطريقة الحديثة التي عرفه العالم بها اليوم كنتاج فكري وممارسة عملية ساهمت فيه البشرية عبر عدد من العصور.

ومفهوم الديمقراطية يرجع إلى اليونانيين القدماء حيث يعني “حكم الشعب” وهي مشتقة من كلمتين لاتينيتين هما “ديمو” وتعني الشعب و”كرادس” وتعني الحكم.

“ولو نظرنا إلى الديمقراطية كنظام دولة في عالم اليوم نجد أنها ليست مجرد شكل سياسي أو نظام حكومي أو اجتماعي وإنما هي “بحث عن طريق للحياة يمكن فيها التأليف والتنسيق لذكاء الإنسان ونشاطه الاختياري الحر بأقل إكراه ممكن وهي الاعتقاد بأن مثل هذه الحياة هي طريق لجميع البشر إذ هي أكثر مسايرة لطبيعة الإنسان وطبيعة الكون”[1].

ولكي نطلق على مجتمع ما بأنه مجتمع ديمقراطي، لابد من التطرق إلى مدى ممارسة هذا المجتمع لمفهوم الديمقراطية من حيث الشكل والمضمون على السواء، فلا يمكن اعتبار مجتمع ما أو دولة بأنها ديمقراطية دونما أن تتوافر فيها الشروط الأساسية لممارسة العملية الديمقراطية والماثلة في أربعة مقومات أساسية وهي: الانتخابات، لضمان حق التداول السلمي للسلطة وضمان حصول النخب الحاكمة على تفويض شرعي من الشعب بشكل دوري ومنتظم من خلال عملية انتخابية حرة عادلة ونزيهة تضمنها سرية ونزاهة تلك العملية الانتخابية. كما يتطلب تحقيق الديمقراطية توفر حالة سيادة القانون، وهي المقوم الثاني المطلوب لتحقيق الديمقراطية والذي يكفل تحقيق الأمن والاستقرار من خلال تحقيق العدالة والمساواة للجميع تحت القانون، وهي تعني خضوع الحاكم والمحكومين للقانون الموضوع أصلاً من نواب الشعب والموافق عليه من ممثلي الشعب ضمن عملية توافقية عبر الأطر التمثيلية التي غالباً ما تكون عبر البرلمان المُنتَخب من قبل الشعب في العمليات الانتخابية، كما تعني سيادة القانون وجود ضمانات قانونية ودستورية لحق التقاضي بشكل عادل يضمنه وجود قضاء نزيه مستقل وفاعل يعمل على تحصيل الحقوق للمواطنين ويضمن حقهم في التعويض من خلال البت في المنازعات التي تحدث بين المواطنين أنفسهم أو بين المواطنين والمسئولين أو بين السلطات نفسها في حالة التنازع على السلطات والسيادة بين أذرع السلطة المختلفة.

كما أن الشفافية تعتبر المقوم الثالث الواجب توفره للديمقراطية وهي التي تضمن وجود آلية للمحاسبة والمراقبة، من قبل المواطنين لممثليهم المُنتَخبين من خلال تعرفهم على أدائهم وكيفية قيامهم باستخدام السلطات الممنوحة لهم والتفويض الشعبي الذي مُنح لهم عبر ضمان إطلاعهم على سير عملهم أثناء أدائهم لمهماتهم كمسئولين سواء في البرلمان أو الحكومة أو القضاء، ولا يمكن لهذه العملية أن تتم إلا من خلال ضمان إطلاع المواطنين الكامل على أداء الممثلين عبر وسائل شفافة تضمن تزويدهم بالمعلومات بشكل دوري وممنهج دونما تدليس أو تزييف وهو الأمر الذي يتطلب فتح جلسات البرلمان أمام المواطنين للحضور أو بثها عبر وسائل الإعلام أو نشر محاضر الجلسات للمواطنين، كما يتطلب الأمر السماح للمواطنين بمراجعة أداء حكوماتهم عبر ممثليهم المُنتَخبين بتقديم الاستجواب والاستفسار للوزراء من أعضاء الحكومة والتي قد تصل لحد المطالبة بحجب الثقة عن الحكومة.

وجميع المقومات الثلاثة السابقة تبقى شكلية مقارنة بالمقوم الرابع من مقومات الديمقراطية وهي مشاركة المواطنين في عمليات اتخاذ القرار؛ لضمان تحقيق مصالحهم ضمن أجندة المسئولين خصوصاً القرارات التي تتعلق بحياتهم وتؤثر فيها سواء كانت قوانين تشريعية أو إجراءات وتعليمات تنظيمية حكومية تمس حياة المواطنين على صعيد الضرائب، الإنفاق العام، والخدمات المقدمة.

لذا وحسب المقومات الأربعة السابقة؛ فإن تقييم أي نظام حكم في العالم يخضع إلى أي مدى يتم الالتزام بها وما مدى نسبة تحققها من حيث الشكل والمضمون على السواء. وتبقى هذه المبادئ الأربعة عرضة للتفسيرات والادعاءات المختلفة، في حين أن المقياس الحقيقي لمدى وجود نظام ديمقراطي يكمن في مدى مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار، وإلى أي مدى يأخذ المسؤولون اهتمامات ومصالح ناخبيهم بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.

فلو نظرنا إلى عالمنا العربي اليوم وقمنا بعقد المقارنة السابقة على مدى التزام النخب الحاكمة بتلك المبادئ الأربعة لوجدنا أن هناك تبايناً كبيراً بين البلدان العربية في الممارسة والتطبيق من ناحية ناهيك عن أن بعض البلدان لم تأخذ بتلك الممارسات من حيث الشكل إلا مؤخراً وذلك نتيجة متغيرات كثيرة أهمها الضغوط الدولية ومتطلبات النظام الدولي الجديد الذي يحكم بناء على متطلبات الديمقراطية ومدى توافرها وإن كان ذلك المطلب من الناحية الشكلية فقط.

فالمراجعة الموضوعية للواقع العربي تُظهر أن الكثير من البلدان لا زالت بعيدة كل البعد عن الممارسة الديمقراطية حتى على صعيد عقد الانتخابات كإجراء حيوي وضروري بالشروط المطلوبة وإن تمت فهي دون المستوى المطلوب وكثيراً ما تُوجه لها الاتهامات من قبل جهات الرقابة الدولية والمحلية على السواء بالاتهام الذي يشمل عمليات التزييف وعدم النزاهة.

فلبنان مثلاً يُعتبر الدولة الأكثر نزاهةً على صعيد العمليات الانتخابية تليه فلسطين في المرتبة الثانية وذلك من خلال تجربتها الانتخابية التي جرت في يناير 2006م، وإن كانت التجربة يُعتد بها كونها لأول مرة تشهد مشاركة عريضة وواسعة شاركت فيها كل القوى الفلسطينية على أساس قانون تم التوافق عليه من كافة القوى الفاعلة وبطريقة ديمقراطية، ولا يفوتنا أن التجربة الأولى للفلسطينيين قد تمت على مستوى البلديات في الضفة الغربية في العام 1976 والتي عكست تجربة ديمقراطية ناجحة وإن كانت على المستوى المحلي وتحت حراب الاحتلال وكانت قد هدفت حينها لخلق قيادات محلية بديلة عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للتفاوض مع إسرائيل إلا أن الوعي الفلسطيني عكس ممارسة ديمقراطية يتوجب الاستشهاد بها في التأريخ للتجربة الديمقراطية الفلسطينية.

أما بقية البلدان العربية فلا زالت دون المستوى في الأداء على هذا الصعيد، ففي بعض البلدان مثل تونس والجزائر ومصر فإنه يتم منع بعض القوى الممثلة بشكل واسع من المشاركة بحرية في الانتخابات كما أن الجزائر لم تعترف بنتائج العملية الديمقراطية التي تمت في العام 1989 والتي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بنسبة 88% من أصوات المقترعين. ولقد شهدت السودان انقلاباً على الديمقراطية من قبل حزب المؤتمر الشعبي الحاكم اليوم والذي جاء للسلطة بعد انقلاب على الشرعية التي جاءت بحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والذي جاء نتيجة انتخابات شفافة ونزيهة عقدتها الجبهة الإسلامية بقيادة عبد الرحمن سوار الذهب والذي جاء للسلطة نتيجة انقلاب عسكري أنهى سنوات طوال من حكم جعفر النميري الديكتاتوري في السودان.

وبالنظر إلى بقية البلدان العربية نجد أنها خليط من الحكم الفردي بصور مختلفة سواء كانت ممالك أو إمارات أو جمهوريات، فبعضها لا تتوافر فيه شروط الانتخابات الصحيحة مثل سوريا، سلطنة عمان، قطر، والبحرين. في حين أن البعض الآخر لا تجري فيه الانتخابات أساساً كونها إما نظماً ملكية أو نظماً شمولية تعتمد نظام الحزب الواحد والاستفتاء الشعبي على مرشح الحزب الحاكم الوحيد.

وبالنظر إلى الواقع العربي فيما يتعلق ببقية الممارسات ذات العلاقة بمفاهيم الشفافية وسيادة القانون والمشاركة الشعبية؛ فإن البلدان العربية لا زالت بعيدة كل البعد عن هذه الممارسات مقارنةً بالمعايير الديمقراطية المقبولة؛ فلا زالت مجمل البلدان العربية لا تسمح بأبسط ممارسات حرية التعبير، النشر والإعلام، الإطلاع على محاضر جلسات ممثليهم المُنتَخبين، حرية العمل الحزبي والمشاركة القاعدية للجماهير، بالإضافة إلى حق الاعتراض على القوانين من خلال آليات واضحة المعالم ومعترف بها من شأنها تحقيق نتائج حقيقية على الأرض لصالح المواطنين.

المبحث الثاني: واقع العالم العربي من منظور ديمقراطي

يقول الكاتب اللبناني جبران خليل جبران: “ويلٌ لأمةٍ، تكثرُ فيها المذاهب والطوائفُ، وتخلو من الدين؛ ويلٌ لأمةٍ مقسمةٍ إلى أجزاءٍ، وكل جزءٍ يحسب نفسه فيها أمة”.        

هذا الواقع الذي حذّر منه جبران للأسف ينطبق على واقع أمتنا العربية اليوم، حيث يقول الناشط المدني السوري وهيب أيوب[2]: “لا نجافي الحقيقة في شيء إذا قلنا، إن المجتمعات العربية، هي مجتمعات استبدادية تفتقر لأبسط مفاهيم الحرية والعدل والقانون، وهي بعمومها مجتمعات تمارس الكذب والنفاق والمداهنة في حياتها اليومية كما تمارس الطعام والشراب. ولكن كيف نشأ هذا المجتمع بحيث استحق أن نطلق عليه مجتمعاً استبدادياً؟ فمنذ نشوء المجتمعات العربية وهي لا تعرف إلا نوعين من الحكم،  حكم رجال الدين المستند للشريعة الإسلامية أو حكم السلطة الاستبدادية المدعومة من رجال الدين، وكلاهما مارسا القهر والإرهاب لإقصاء كل من نازعهما السلطة، بالتكفير تارةً أو بتهم الخيانة والتآمر تارةً أُخرى، وهكذا باتت معارضة رجال الدين بمثابة الكفر والزندقة وهي تهمة تستحق القتل أو السجن، ومعارضة السلطة تهمة بمثابة التآمر والخيانة، وبالتالي تؤدي لنفس النتيجة. وقد جاهدت تلك السلطتين بنشر وترسيخ ثقافتيهما الإرهابية والاستبدادية على المجتمع بكل ما أتيحت لهما من وسائل، سواءً بالترغيب أو الترهيب وحتى بالتجهيل المتعمّد أو غير المتعمّد، فانتشر الخوف و”التقيّة” وباتتا ثقافة عامة يتناقلها المجتمع والأفراد من جيل إلى جيل. إن النتائج المترتبة على تلك الثقافة الاستبدادية أنتجت أُسَراً وعوائل تلقِّن أبناءها الخوف والتخويف “تقية” على أمنها وحياتها، وبغياب دولة العدل والقانون أصبح اللجوء للقبيلة والطائفة والمذهب والعائلة ملاذاً لا بد منه للمحافظة على البقاء”.

فمنذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، لم يعش المواطن العربي في بلده مواطنةً حقيقية، ولم يجرِّب يوماً دولة القانون وحقوق الإنسان، وما زال المواطن العربي يجهل معنى أن يكون مواطناً له حقوق تكفلها الدولة ويصونها الدستور والمجلس والرئيس؛ فالوطنية في العالم العربي مجرّد شعارات لحماية الذات ليس أكثر، إنها وطنية مفروضة عليه بالقمع والإرهاب كما يراها ويصوغها الحاكم ليس إلا. فالوطني الفرنسي يعتز ويفاخر بوطنيته وانتمائه، لكن العربي يلفظها خوفاً من السلطة، وما أن تنهار تلك السلطة حتى ينقض على الدولة مواطنوها ليمزقوها إرباً إربا، وهذا ما حصل في العراق، والسودان على سبيل المثال وقد يقول قائل: “كما تكونوا يولّى عليكم”، ولكن هناك قول آخر: “كما يولّى عليكم تكونون”. وبصرف النظر عن أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، فالتحدي بتصحيح المعادلة يقع على عاتق كل من قال: أنا موجود.

إن فشل الحركات الثقافية والسياسية والإصلاحية الدينية- وربما خيانتها لدورها أحياناً- منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، في عملية إعادة صياغة ثقافة جديدةٍ مستمدةٍ من القيم الإنسانية والحضارية التي تركّز على حرية الفرد والمجتمع في التفكير والإبداع والاعتقاد، أرجعنا إلى ما قبل منتصف القرن السابع. وسوف يتندّر العرب في الخمسين سنة القادمة على ما هم عليه الآن، وهذا ليس تشاؤماًً بقدر ما هو قراءة واقعية لمسار الأحداث، فالأُمية في العالم العربي بلغت 50 بالمائة، والثقافة تتوزع بين ثقافات طائفية ومذهبية وقبلية في بعضها عنصرية وفاشية، فهناك 10 ملايين قبطي “مسيحي” في مصر يحسبهم الإسلاميون أهل ذِمة تحق عليهم الجزية “عن يدٍ وهم صاغرون”! وفي الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب المصري لم ينجح قبطي واحد في تلك الانتخابات، فليس هناك دولة مواطنة، فالمسيحي القبطي بطرس غالي فاز كأمين عام للأمم المتحدة، لكنه لا يستطيع ترشيح نفسه لرئاسة مصر، وزعيم “الإخوان المسلمين” في مصر يقول: أُفضِّل أن يحكمني مسلم من إندونيسيا على أن يحكمني قبطي مصري؟!، “ولا تجعلوا اليهود والنصارى أولياء لكم”. وأثناء حكم الطالبان في أفغانستان، توسّل العالم بأسرِه للإبقاء على تماثيل بوذا إلا أنّهم قصفوها بالصواريخ ودمّروها. إن الحركات الأصولية في العالم العربي هي حركات عنصرية وإرهابية، وسوف لن تؤدي إلا إلى تعصب الآخرين وللبحث عن الحماية حتى عند الشيطان.

لقد صرّح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كريستوفر، أن العالم سيتحوّل إلى خمسة آلاف دولة، كما نظّر المفكر الأمريكي صامويل هانتنغتون لذلك في كتابه “صدام الحضارات”، ممَ يعني أنه سيكون لكل طائفة ومذهب وعرق دولة خاصة بهم، فهل يحقق العرب والمسلمون نبوءة كريستوفر؟ لمَ لا وقد هيّأت لهم أنظمة الاستبداد من جهة والأصولية العنصرية من جهة أُخرى طريقاً مُمَهداً لا يصنعه الحلفاء فكيف وهم يدّعون العداء.

فلو نظرنا إلى الواقع السياسي السوري لوجدنا أن النظام السياسي قام مرغماً على عقد الانتخابات بصورة صورية دونما تعديل للقانون الانتخابي الذي طالبت به جميع القوى السورية الحية الأمر الذي لم يُفسح المجال أمام أحزاب وقوى المعارضة الوطنية ممثلة بإعلان دمشق للمشاركة مما جعل المشهد أقل ديمقراطية وحراكاً من الناحية السياسية. يقول الكاتب السوري محمد ظروف[3]: “إن المعارضة السورية هي التي اتخذت قراراً جماعياً بعدم المشاركة ومقاطعة الانتخابات احتجاجا على عدم تعديل قانون الانتخابات وهذا شأنها ولكن الأمر المستغرب أن يلجأ البعض إلى تحميل هذه الانتخابات خطايا وسليبات كل النظم الشمولية في العالم وكأن سوريا هي استثناء القاعدة إذ لابد من التأكيد أن مجرد انتخابات في بلد مثل سوريا يواجه كل هذه الضغوط والأوضاع الخارجية الطارئة يعد إنجازاً في حد ذاته لأنه في مثل هذه الحالات فإن الحكومات ترفض حتى إجراء أي شكل من أشكال الانتخابات”.

فلو نظرنا إلى المبررات التي يسوقها الكاتب السوري لعلمنا حجم الأزمة التي يعيشها العالم العربي حينما يقوم كاتب بهذا المستوى من البحث عن مبررات لغياب الديمقراطية وممارستها إلى الحد الذي يكتفي به بالقبول بعقد انتخابات صورية حتى وإن كانت غير مبادر بها بل نتيجة ضغوط خارجية لجأ لها النظام السوري لإسكات المطالبات بإتباع النهج الديمقراطي على الصعيدين الدولي والداخلي على السواء. وهذا الواقع المرير ينسحب على مجمل البلدان العربية التي تغيب عنها الديمقراطية على أرض الواقع وبالتالي غياب أية إمكانية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع الأمر الذي يهدد بالتأكيد التوافق الاجتماعي وبالتالي ينذر وبشكل خطير لوقوع الأزمات والاضطرابات التي تتهدد الأمن القومي العربي في جميع البلدان العربية دون استثناء.

المبحث الثالث: مقومات التحول الديمقراطي في العالم العربي

التحول الديمقراطي[4] هو مفهوم جديد خرج إلى الواقع بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية التي تميزت بحكم الحزب الواحد ضمن أنظمة شمولية اعتمدت على حكم النخب السياسية بشكل أوتوقراطي فردي وإن كانت هناك مساحة للديمقراطية فقد اقتصرت على ديمقراطية الحزب الحاكم الواحد الوحيد، ومع رغبة هذه الدول بالدخول في تحالفات جديدة تمكنها من الوصول إلى أوضاع اقتصادية أفضل من خلال شراكات جديدة مبنية على الواقع والنظام الدولي الجديد لجأت هذه الدول للاستجابة للشروط الغربية التي تمثلت في تحرير اقتصاديات السوق وانتهاج التعددية السياسية وإفساح المجال للمشاركة الديمقراطية.

ولقد ظلت هذه الدول رهن تلك المعايير حيث اصطلح على تسميتها بالدول حديثة النشأة (التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق) أو الدول التي تشهد تحولاً نحو الديمقراطية وقد تم الاصطلاح على تسميتها Newly Independent States (NIS)، وقد تم تعميم هذا المصطلح ليشمل كل الدول حديثة العهد بالديمقراطية وأصبح المعيار العام لقياسها هو من خلال مدى التزامها بتطبيق الممارسات الديمقراطية والمبادئ الأربعة المتعارف عليها.

ولقد حذت الدول العربية نحو عملية التحول الديمقراطي على صعيد النخب السياسية الحاكمة نتيجة عاملين أساسيين وهما: الحراك الاجتماعي المطالب بالتغيير، والضغوط الدولية المطالبة بذلك نتيجة رغبة القوى العظمى لإحداث التغيير على صعد الأنظمة السياسية العربية التقليدية التي تعتبرها عبئاً عليها وكياناتها أصبحت مهددة الأمر الذي لا تحتمله تلك القوى العظمى في حالة حدوث تغيير قد لا تُحمد عقباه.

ورغم ذلك فإننا نرى بأنه هناك ضرورة قصوى للتحول نحو الديمقراطية مهما كانت الظروف والعقبات كون أن العملية تمهد للاستقرار السياسي والاجتماعي وبالتالي الأمني رغم ما قد يعتري العملية من صعوبات ومخاطر نتيجة عدم الوعي الكامل بلوازم العملية والتأثيرات التي قد تصاحبها بسبب ضعف القابلية للشعوب العربية لتحمل تبعات العملية وعدم تعودها على تلك الممارسة كثقافة حقيقة.

يقول الأستاذ محمد المحفوظ[5]: “التحول نحو الديمقراطية، قد يرافقه في المرحلة الأولى بعض مظاهر الفوضى، إلا أن هذا التحول، في المحصلة الأخيرة، هو الذي يجدد شرعية السلطة، ويوسع من قاعدتها الاجتماعية والسياسية، ويحول دون نشوء تيارات عنفية في المجتمع”. كما يقرن الكاتب عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي بضرورة وجود عنصر الأمن حيث يقول: “تختزن مفردة الأمن، الكثير من الأبعاد والجوانب في حياة الإنسان الفرد والمجتمع.. إذ لا يمكن أن يتم التطور والاستقرار على المستويين بدون الأمن، بحيث يأمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه، فينطلق في عملية البناء والتنمية والعمران، وحينما يفقد الإنسان الأمن، فإنه لا يتمكن من البناء، ولا يستطيع توفير مستلزمات الاستقرار والطمأنينة.. لذلك فإن الأمن بالمفهوم الشامل، هو بوابة التنمية وسبيل الاستقرار على المستويات كافة.. لذلك فإن مفهوم الأمن، يختزن كل المفردات الأخرى التي لها ارتباط صميمي بحياة الإنسان والجماعة. من هنا فإن المجتمعات الإنسانية، بحاجة دائماً إلى بلورة مفهوم الأمن بشكل سليم، حتى لا تتعارض بعض الإجراءات مع مفاهيم ومفردات ذات صلة مباشرة أيضاً بالاستقرار والتنمية والبناء.. فالمجتمع كما أنه لا يستطيع الاستمرار في الحياة بدون الأمن، كذلك هو بحاجة إلى الحرية، لأنها هي الخيط الدقيق التي تؤكد إنسانية الإنسان، وتبلور دوره ومقاصده في الحياة. لذلك فإن الحاجة جد ماسة، إلى بلورة مفهوم الأمن في مجتمعنا على قاعدة أكثر عدالة وحرية”.

إن التحول نحو الديمقراطية في عالمنا العربي مرهون بعدة عوامل داخلية وخارجية وكلها متكاملة ولا يمكن فصل أي منها عن الآخر كون كل منها يؤثر في الآخر ويتأثر به بدرجة ما تجعل من الصعوبة تجاوز أي من تلك العوامل لو قُدّر للتحول أن يتم بنجاح في التجربة العربية مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الذاتية التي تتعلق بخصوصية كل بلد من البلدان العربية عن البلد الآخر؛ ولعل العوامل الخارجية تنحصر في ضرورة منع التدخل الخارجي في عملية التحول الديمقراطي لأي بلد عربي، وعدم اقتباس تجربة معينة بعينها ومحاولة نسخها على الواقع الداخلي لذلك البلد، وعدم السماح للمصالح المتشابكة للبدان العربية بالبلدان الخارجية في التأثير على شكل أو مضمون عملية التحول الديمقراطي بل يجب العمل وبشكل حثيث على أن يكون التحول الديمقراطي مبنياً على احتياجات ذلك البلد أو تلك الدولة طبقاً لواقعها الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وما تقرره القوى والمجموعات الفاعلة في تلك الدولة.

أما العوامل الداخلية فهي لا تقل أهمية وتنحصر في عاملين رئيسين وهما:

أولا: قبول الثقافة السياسية العربية للديمقراطية.

ثانيا: مرونة الطلب على الديمقراطية من قبل النخب السياسية والشعوب العربية على السواء.

ففي دراسة أجراها د. معتز بالله عبد الفتاح[6] حول التحول الديمقراطي في بلدان العامل العربي يقول: “إن العديد من الدراسات رصدت تفاوتاً ملحوظاً بين الثقافات العربية على نحو جعل التعميم عن الوطن العربي بأكمله مسألة لا تخلو من مخاطر. وبعد مقارنة مصادر البيانات المختلفة واستطلاع نتائجها أمكن الوصول إلى خريطة تعبر عن التوجهات السياسية للقطاع الذي يجيد القراءة والكتابة من العرب والمسلمين في 32 دولة تجاه قيم الديمقراطية ومؤسساتها، حيث يتبين لنا التفاوت الشديد في قبول المواطنين المتعلمين لقيم الديمقراطية ومؤسساتها حيث وجه الفريق البحثي للمواطنين أسئلة بشأن التسامح السياسي وقبول الآخر الشريك معهم في المجتمع (مثل توجهاتهم بشأن حقوق المرأة أو الأقليات الدينية) كما استطلعت آراؤهم بشأن رؤيتهم حول أهمية المشاركة السياسية (التصويت في الانتخابات) ومؤسسات التنافس والتمثيل السياسي مثل الأحزاب والانتخابات والبرلمان. ووجد أن هناك مجتمعات، مثل المملكة العربية السعودية واليمن وليبيا وعُمان والإمارات، تواجه ثقافة سياسية تقف موقف المتشكك من القيم الديمقراطية ومؤسساتها على نحو يجعلنا نتقبل أن عامل الثقافة السياسية يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تفسير عدم وجود أو استقرار الديمقراطية في هذه المجتمعات.

وهناك مجتمعات أخرى تبدو أن ثقافتها لا تشكل عائقا ضد التحول الديمقراطي على الأقل في حدود توجهات المواطنين تجاه قيمة التسامح السياسي واحترامهم لمؤسسات التنافس والتمثيل السياسي مثل المغرب ومصر وتونس والأردن، وبالتالي تكون الأولوية عند محاولة تفسير غياب الديمقراطية في هذه المجتمعات للعوامل غير الثقافية”.

مما سبق يتضح بأن المجتمعات العربية تتباين فيما تحمله من قيم ثقافية على نحو يجعلنا نعطي أولوية لعامل على آخر في حالة دون أخرى وعلى نحو يجعل بعض المجتمعات أكثر استعداداً للقبول بالديمقراطية الليبرالية أكثر من غيرها.

أما العامل الثاني الداخلي المتعلق بمرونة الطلب على الديمقراطية، فيمكن تلخيصه كما يلي:

إن استمرار النظم التسلطية التقليدية والتنافسية يتوقف ضمنا على نجاحها في تدجين مواطنيها وتربيتهم على قبول الوضع الراهن، كما أن نجاح قوى المعارضة الديمقراطية في الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية ليبرالية يتوقف على خلق ثقافة سياسية تحترم قيم الديمقراطية ومؤسساتها بل وتستعد لتحمل تكلفتها وتبعاتها. فمشاهد الطلبة المتظاهرين والعمال المضربين في كوريا الجنوبية وملايين الجورجيين والأوكرانيين في الشوارع تحت الأمطار متظاهرين من أجل تحول ديمقراطي حقيقي يؤكد أن لكل شيء ثمناً وأن الطلب الحقيقي على الديمقراطية يقتضي التضحية. ففي البحث الذي أجراه الدكتور معتز بالله عبد الفتاح[7] على “عينة من الشعوب العربية من خلال سؤالين هما:

  1. هناك أشخاص يُقتلون أو يُعتقلون بسبب مطالبتهم العلنية بحقوقهم السياسية، هل توافق أو تعترض على أنهم يسلكون مسلكاً سليما؟
  2. كي يحقق الناس في مجتمعك حقوقهم السياسية فإنه عليهم أن: يتحدّوا الحكومة علانية حتى لو أدى ذلك إلى استخدام العنف، أو أن يتحدّوا الحكومة علانية بلا عنف، أن يعبروا عن مشاعرهم السلبية تجاه حكامهم ولكن بصورة غير علنية، أو أن يصبروا وأن يلجئوا إلى الله بالدعاء كي يبدلهم حكاما أفضل؟

وباستخدام أسلوب الـ factor analysis تم الجمع بين السؤالين في متغير واحد أمكن تسميته مرونة الطلب على الحقوق السياسية. والمعنى الاقتصادي لكلمة مرونة له قيمة تحليلية عالية في هذا المقام لأن الناس لا يقدمون على شراء سلعة يرتفع ثمنها إلا إذا كان بحاجة شديدة لها مثل الطلب غير المرن للمدخن الشره على السجائر وكذا المريض الذي بحاجة لدواء ملح. فمهما ارتفع ثمنها فهو مستعد لبذل الثمن المناسب. أما طلب الناس على الكثير من الكماليات (مثل نوع معين من الروائح) فإنه يوصف بأنه طلب مرن لأن أي ارتفاع في السعر يقابله انخفاض واضح في الثمن بالذات مع تعدد البدائل المقبولة.

السؤال هو: هل يرى المواطن العربي أن حقوقه السياسية كالدواء الذي يستحق التضحية من أجله؟ أم أنه من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها والعيش بدونها؟ وقد خلص الاستطلاع بعد وضع ترتيب للدول على مقياس حسابي، إلى أن الدول العربية تحتل القمة بامتياز، بما يعني أنها تملك مرونة الطلب الأعلى على الديمقراطية، أي أنها التي ترى المطالب الديمقراطية أقل إلحاحاً مقارنةً بغيرها. وهو ما يساعد كثيراً النخب العربية على ألا تراوح عملية الانفتاح السياسي المحدود والتكتيكي إلى التحول الديمقراطي الليبرالي. فالاستعداد للتضحية من أجل الحقوق السياسية في الدول العربية ضعيف إذا ما قورن بالاستعداد للتضحية بين المجتمعات المسلمة غير العربية. وأعلى مجموعتين من المواطنين العرب المستعدين للتضحية من أجل حقوقهم السياسية هما لبنان والجزائر. وهما دولتان تتصفان بتشرذم واضح في الثقافة ونزعة تاريخية لتحدي السلطة الحاكمة ويقل هذا الاستعداد للتضحية نسبيا في الدول الخليجية. والمفارقة تبدو في أن مصر وتونس والمغرب، وهي الدول العربية التي بدا أنها الأكثر قبولا للقيم الديمقراطية ومؤسساتها، لم يسجل مواطنوها استعدادا عاليا للتضحية من أجل حقوقهم السياسية بما يعني أن مواطني هذه الدول في انتظار منحة من الحكام دون استعداد حقيقي لدفع الثمن الباهظ”.

إن صح هذا التحليل فإن المجتمعات العربية مفتوحة على احتمالات عدة أقربها إلى الواقع الميداني هو التحول عن التسلطية ولكن ليس في اتجاه الديمقراطية وإنما في اتجاه تسلطية تنافسية لها توتراتها التي يمكن أن تفضي إلى تحولات ديمقراطية حقيقية على مدى زمني أطول.

وهذا ليس ببعيد، فالنظام التسلطي التنافسي بطبيعته غير مستقر لأنه قائم على قواعد ومؤسسات ديمقراطية شكلا وممارسات وتكتيكات تسلطية. وهو ما يفتح مساحة، محدودة في البداية، لقوى المعارضة لإبراز وجودها واستغلال الثغرات والتناقضات بين القانون والممارسة من قبل النخب الحاكمة وهو ما قد يفضي إلى أزمات شرعية للنخب الحاكمة مثلما حدثت في المكسيك عام 1988 وفي نيكارجوا عام 1990 وفي زامبيا 1991 وفي روسيا 1993 وفي أرمينيا عام 1996 وفي ألبانيا عام 1997 وفي غانا وبيرو وصربيا وأوكرانيا عام 2000 وفي زامبيا مرة أخرى عام 2001 وفي جورجيا 2003 وفي أوكرانيا عام 2005. وفي بعض الحالات تنجح النظم الحاكمة في تجاوز الأزمات (مثل روسيا وماليزيا وألبانيا وأرمينيا) وفي أحيان أخرى ينهار النظام مثل نيكاراجوا في 1990 وفي غانا والمكسيك في عام 2000 وفي جورجيا 2003 وأوكرانيا 2005 ويتحول بشكل دراماتيكي نحو الديمقراطية. بيد أن هذا التحول نحو الديمقراطية يقتضي ثلاثة شروط كانت بارزة في كل هذه النماذج، وهي بالطبع ضرورية لتحقيق عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية، وهي:

1 – رأي عام حانق على الوضع التسلطي وراغب في تغييره مع الاستعداد للتضحية المعقولة.

2 – معارضة متفقة على الحد الأدنى من قواعد العمل المشترك تحت قيادة تحظى بالقبول الشعبي.

3 – وضع دولي وإقليمي مساند لتفكيك النظام القديم ومساندة النظام الجديد.

إن كل المعطيات سالفة الذكر جميعاً ترجح أن المنطقة العربية ستظل تراوح بين التسلطية التقليدية والتسلطية التنافسية في ظل غياب لنخب مستعدة لأن تتبنى برنامجاً متكاملاً للتحول الديمقراطي.

وبعد هذا العرض لطبيعة عملية التحول المطلوب؛ يثور السؤال: هل التحول من السلطوية إلى الديموقراطية مجرد تغيير دستوري؟ أم هناك علاقة بين الديموقراطية ومستوى الثقافة؟ سؤال قديم جديد في الواقع. سؤال قديم لأنه صيغت إجابات متعددة ومتباينة له وخصوصا في التراث الزاخر لعلماء الاجتماع والسياسة. فقد ذهب كل من فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون – على سبيل المثال – إلى أن التقاليد الثقافية تتسم بخاصية الثبات على نحو ملحوظ وهي التي تصوغ شكل السلوك السياسي والاقتصادي في مجتمعاتها اليوم. واتجه فريق آخر ممن ركزوا على نظريات التحديث، ابتداء من كارل ماركس حتى “دانيل بل” إلى أن صعود المجتمع الصناعي من شأنه إحداث تحولات ثقافية مترابطة بعيداً عن المنظومات القيمية التقليدية.

ولكن العلاقة بين الديموقراطية والثقافة سؤال جديد أيضا وخصوصاً بعدما نشرت نتائج المسح العالمي للقيم الذي أجراه عالم الاجتماع السياسي “إنجلهارت” وطبقه في عديد من الدول على عينات قومية، مما أدى إلى ظهور نظريات جديدة تفسر العلاقة بين الديموقراطية والثقافة، في ضوء البحوث الحضارية الميدانية المقارنة.

يقول السيد ياسين[8]: “والواقع أن علاقة الديموقراطية بالثقافة هي فرع من أصل أكبر، وهو الأبعاد الثقافية للنظم السياسية المختلفة. بمعنى أن كل نظام سياسي لا بد أن يفرز ثقافة من نوع معين، تؤثر على قيم المواطنين واتجاهاتهم وسلوكياتهم”.

ومن المعروف أن هناك تصنيفات متعددة للنظم السياسية، ويقوم كل تصنيف على أساس يختلف عن باقي التصنيفات. وأياً ما كان الأمر فإن أفضل التصنيفات ذلك التصنيف الذي وضعه عالم الاجتماع السياسي الأميركي لويس كوزر والذي صاغ تقسيمًا ثلاثيا للنظم السياسية يتكون من النظم الشمولية، والنظم السلطوية، والنظم الليبرالية. ففي النظام الشمولي يتم القضاء نهائيا على منظمات المجتمع المدني، وتلغى حريات التفكير والتعبير، ولا يسمح بالتعددية السياسية، وغالباً ما يتم احتكار السياسة بواسطة حزب واحد. ولعل النظام السوفياتي – قبل سقوط الاتحاد السوفياتي – كان هو النموذج البارز للنظم الشمولية. وفي هذا المجتمع الشمولي تفرض رقابة لصيقة على كل فرد، ويتم التجسس على حركاتهم وسكناتهم. ولعل الروائي الإنكليزي جورج أورويل أبرع من صور بقلمه الموهوب الإرهاب المعمم في المجتمع الشمولي حيث “الأخ الأكبر” أو الديكتاتور يراقب الناس حتى في بيوتهم، من خلال شاشات تلفزيونية مثبتة في كل مكان، وهو يراقب اللغة التي يتخاطبون بها. والنظام الشمولي بسماته التي ألمحنا إليها لا بد أن يفرز ثقافته الخاصة، وهي ثقافة تقوم على فرض الطاعة والخنوع والخوف من السلطة، والانصياع التام لأوامرها. ثقافة لا تسمح بالإبداع ولا بالابتكار، وإنما تنص على إطاعة توجهات الديكتاتور والحزب السياسي الذي يحكم من خلاله، مهما كانت لا عقلانيتها أو فراغها من أي مضمون.

ومن هنا فالانتقال من نظام شمولي إلى نظام ليبرالي يحتاج – ليس فقط إلى تغييرات دستورية وسياسية جوهرية – وإنما على ثورة ثقافية كبرى تنقل المواطن من حالة السلبية والخوف واللامبالاة أو بعبارة مختصرة من حالة الاغتراب – التي تعني إحساسه بعدم القدرة على السيطرة على مصيره – إلى حالة من الإيجابية الفعالة، وهذه النقلة الكيفية من شأنها أن تجعل المواطن الذي كان في ظل الشمولية مجرد رقم في قطيع كبير إلى فرد له استقلاليته وله شخصيته، وله إحساس بكرامته الإنسانية، وقدرة على المبادأة، وإمكان لا حدود له على الإبداع.

والنوع الثاني من أنواع النظم السياسية هو النظام السلطوي، وهذا النظام أخف وطأةً من النظام الشمولي، الذي يلغي الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة معا. ففي هذا النظام السلطوي هناك حرية نسبية للأفراد ولبعض المؤسسات، ولكن في ظل رقابة مستمرة من أجهزة السلطة، ولعل المجتمع المصري في ظل “ثورة يوليو” الناصرية كان النموذج البارز لهذا المجتمع السلطوي. وهو مجتمع أفرز ثقافته الخاصة التي تتمثل أساساً في الخوف الشديد من السلطة، والعجز عن إبداء الرأي الحر، واللامبالاة السياسية، ومسايرة السلطة في توجهاتها المعلنة، بغير اقتناع حقيقي بها.

ففي النموذج المصري، فقد ورث النظام السياسي المصري سمات السلطوية منذ قيام “ثورة يوليو” 1952 حتى الآن. صحيح أن هذه الفترة التاريخية الممتدة شهدت عصوراً ثلاثة هي عصر جمال عبد الناصر وعصر أنور السادات وعصر محمد حسني مبارك، وهناك سمات فارقة بين كل عصر وآخر، إلا أن سمات السلطوية والانفراد باتخاذ القرار تكاد تكون متشابهة في هذه العصور جميعا. ومن هنا يحتاج النظام السياسي المصري في الوقت الراهن إلى استراتيجيات متكاملة للتحول الديموقراطي، بمعنى الانتقال من بنيته السلطوية إلى البنية الليبرالية. وهي استراتيجية لو ركزت على بعض التغيرات الدستورية والسياسية فقط، دون أن تضع في اعتبارها أهمية التغيرات المخططة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن مسيرة التحول الديموقراطي ستتعثر تعثراً شديدا.

فمما لا شك فيه أن هناك علاقة بين الديموقراطية والأوضاع الاقتصادية كما أشرنا أكثر من مرة، فشيوع الفقر قد يدفع المواطنين إلى قبول الرشاوى الانتخابية فتفسد العملية السياسية ذاتها، وقد تغري الأثرياء من الذين يتسابقون للحصول على مقاعد المجالس النيابية إلى إغداق الملايين على الدعاية وعلى الأنصار، مما يصيب العملية الانتخابية في مقتل.

كما أن الظروف الاجتماعية، والتي قد تتمثل – على سبيل المثال – في شيوع الأمية بمعدلات مرتفعة، قد تؤدي إلى عجز الجماهير عن التمييز الرشيد بين البرامج المختلفة للأحزاب السياسية، ويتحول الاختيار بالضرورة من البرامج إلى الأشخاص، وبذلك تفقد الممارسة الديموقراطية أحد أسسها.

ومن ناحية أخرى لو كانت البلاد تمر بمرحلة تدهور فكري وانحطاط ثقافي والذي قد تكشف عنه سيادة التفكير الخرافي وغياب التفكير العلمي، فإن المرشحين الذين يرفعون في الانتخابات شعارات دينية غامضة مثل “الاسلام هو الحل” قد يجدون من يصوت لهم بغير معرفة دقيقة بأفكارهم السياسية الحقيقية.

ولعل صعوبة الانتقال من الثقافة السلطوية التي تقوم على الخوف من السلطة واللامبالاة والاغتراب الى الثقافة الليبرالية، هي التي جعلت تقرير “حالة المستقبل” الذي يصدره “المشروع الألفي” في جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، يضع مشكلة هذا الانتقال من بين المشكلات الكبرى التي تواجه المجتمع العالمي المعاصر. ذلك أن هذا التقرير العالمي المهم الذي وضع يده على خمس عشرة مشكلة تواجه الانسان الآن، اختار أن يطرح مشكلة سياسية كبرى في شكل سؤال مبناه “هل يمكن أن تنبثق الديموقراطية من السلطوية؟” وصيغة السؤال لا تعني الاستحالة المطلقة، ولكنها تعني الصعوبة البالغة.

ونصل أخيرا إلى النظام الليبرالي الذي يعني – في النظرية – أن الدولة لا تتدخل لا في النظام الاقتصادي حيث يسود اقتصاد السوق الحرة، ولا في السياسة بحكم أنه يسمح بالتعددية بكل أنواعها السياسية والحزبية والثقافية، ومن الطبيعي أن تسود قيم ثقافية أساسية في هذا المجتمع الليبرالي، وهي الفردية والعقلانية وحرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم.

وغني عن البيان أن شرحنا لطبيعة النظم السياسية الأساسية الثلاثة: الشمولية والسلطوية والليبرالية، ركز عليها باعتبارها نماذج نقية غير مشوبة غير أن الممارسات الواقعية لهذه النظم قد تضيف سمات أخرى، أو تحذف سمات معينة. والدليل على ذلك أن النموذج السلطوي الناصري – على سبيل المثال – كان يعمل في الواقع بناء على رضاء عام من المحكومين، يقوم على أساس أن الدولة الناصرية تتعهد بما وسعها من الجهد بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية شتى، مثل تحديد الملكية الزراعية، وتوزيع الأرض على الفلاحين الفقراء، وصياغة مجموعة من تشريعات التأمينات الاجتماعية، والالتزام بالتشغيل الكامل للخريجين. وذلك كله على أساس ألا يعمل الناس بالسياسة إلا في إطار الحزب السياسي الواحد للدولة، سواء كان اسمه “الاتحاد القومي” أو “الاتحاد الاشتراكي”.

ومعنى ذلك أن المجتمع المصري في العصر الناصري لا تنطبق عليه بالضرورة كل سمات المجتمع السلطوي التقليدية، لأن النظام السياسي الناصري كان يتمتع بشرعية جماهيرية لا شك فيها، لأن الجماهير رضيت أن تقايض الحريات السياسية بالعدالة الاجتماعية.

وهكذا يمكن القول أن هناك علاقة وثيقة بين طبيعة النظم السياسية وإفرازاتها الثقافية، وإن كانت هذه العلاقة بالغة التعقيد، وخصوصاً فيما يتعلق بالفجوة بين النظرية والتطبيق، وفيما يخص التحولات التي قد تطرأ على الثقافة لأسباب غير سياسية، أو التطورات التي قد تصيب النظم السياسية ذاتها تحت تأثير مطالب الداخل أو ضغوط الخارج.

الفصل الثاني: واقع الأمن القومي العربي

المبحث الأول: الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق

مفهوم الأمن:

“تستعمل مفردة الأمن، في إطار غياب الأخطار الحقيقية عن المجتمع، فحينما تغيب الأخطار في أي مجتمع يتحقق الأمن. فالأمن مقولة تطلق على ذلك الواقع، الذي تغيب أو تضمحل فيه الأخطار الداخلية والخارجية. لذلك فإن الأمن هو عبارة عن منظومة متكاملة من القيم والحقائق والوقائع والإجراءات التي تفضي إلى تعطيل مفعول كل المخاطر على المجتمع[9]”.

وعليه فإن الأمن القومي العربي من الناحية النظرية يتطلب غياب الأخطار والمهددات الخارجية والداخلية للبلدان العربية مجتمعة وللبلدان العربية كل على حدى، فمن خلال مراجعة بسيطة لأدبيات الكتاب العرب لمفهوم الأمن القومي العربي نرى بأنه قد تم إجمالها في خارجية وداخلية كما يلي:

أولاً: خارجية:

1)    غياب التهديد العسكري المسلح لأي خطر يتهدد السيادة العربية.

2)    غياب التهديد الثقافي القيمي الذي يهدد الهوية الثقافية للبلدان والمجتمعات العربية.

3)    غياب التهديد الاقتصادي للبلدان العربية الذي يهدد اقتصادياتها وبالتالي تبعيتها للقوى الخارجية.

ثانياً: داخلية:

1)    غياب الخلافات العربية العربية على كافة المستويات.

2)    غياب الاضطرابات الداخلية في البلدان العربية والتي ترجع للاختلافات السياسية والعرقية والأقليات.

3)    غياب الاستقرار السياسي للبلدان العربية نتيجة ضعف قيادة النخب الحاكمة واضمحلال شعبيتها وشرعيتها.

4)    غياب التأييد الشعبي للنخب الحاكمة نتيجة تفشي الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة والتوزيع العادل للثروات.

فالناظر لواقع البلدان العربية يرى أن مفهوم الأمن القومي العربي غائب تماماً عن الواقع والبلدان العربية بعيدة كل البعد عن مفهوم الأمن القومي العربي نتيجة العديد من الظروف والأسباب والمتغيرات نذكر منها:

1)    وجود التهديد العسكري الدائم للبلدان العربية سواء من إسرائيل العدو الأول للوطن العربي، أو من المحاور الإقليمية المحيطة بالعالم العربي مثل التهديد الإيراني لدول الخليج، التهديد الأثيوبي لدول القرن الإفريقي، والتهديد الأفريقي لمصر والسودان من خلال اللعب على محور النيل.

2)    التهديد القيمي والثقافي للبلدان العربية من قبل إيران لما في الاختلاف المذهبية بين السنة والشيعة من امتداد وبعد تاريخي يصل إلى مئات الأعوام في التاريخ، وكذلك من قبل النظام الدولي الجديد والعولمة التي تهدد الثقافات المحلية لشعوب البلدان العربية.

3)    ضعف النظم الاقتصادية السائدة في البلدان العربية وعدم اعتمادها اقتصاديات السوق الحرة مما نجم عنه سيادة أنظمة تتراوح بين الاحتكار لأدوات الإنتاج وأخرى ركزت أدوات الإنتاج وملكيتها في يد بطانة من المنتفعين والموالين للنخب السياسية مما خلق تناحراً دائماً على السلطة وعلى رأس المال وأنتج نخباً حاكمة غير مرضٍ عنها من قبل الشعوب. والمحصلة أن الكثير من هذه الاقتصاديات ضعيفة ومرهونة باستيراد المواد الخام من أعداء الأمة وبالتالي تبعيتها الاقتصادية الدائمة للخارج.

4)    استمرار النزاعات العربية العربية على الحدود، الزعامة، الاقتصاد والثروات الطبيعية، والعلاقات مع المحاور الإقليمية والدولية.

5)    استمرار القلاقل السياسية لمعظم البلدان العربية مثل مصر، لبنان، سوريا، العراق، البحرين، فلسطين، تونس، الجزائر، السعودية، المغرب، والسودان. فلكل بلد وضعه الخاص به ومصدر القلق السياسي المحدد إما من أقلية دينية كما في مصر، أو عرقية كما في العراق والبحرين، أو الاختلافات السياسية كما في بقية البلدان العربية.

مما سبق نرى جلياً بأن مقولة الأمن القومي العربية هي خرافة وبعيدة عن الواقع وستبقى كذلك مالم تفيق النخب السياسية الحاكمة من غفوتها أو تقوم الشعوب العربية مجتمعة بعملية التصحيح والإصلاح التي يجب أن تتناول البنى الهيكلية القائمة والسياسات المعمول بها والثقافة السائدة كذلك لدى النخب السياسية الحاكمة والشعوب على السواء.

المبحث الثاني: مفاهيم الأمن القومي

 

ما هي سياسة الأمن القومي؟!!

“سياسة الأمن القومي عبارة عن إطار يستخدم لبيان كيفية قيام بلد ما بتوفير الأمن لكل من الدولة ومواطنيها, وعادة ما يتم طرح هذه السياسة باعتبارها وثيقة متكاملة”[10].

وتضطلع سياسة الأمن القومي بدور آني ومستقبلي يحدد المصالح الجوهرية الخاصة بالأمة ويضع الأسس الإرشادية اللازمة للتعامل مع التهديدات الحالية المتوقعة وفرص وقوعها وعادة ما تعتبر سياسات الأمن القومي من الناحية التنظيمية أعلى من السياسات الأمنية الثانوية مثل تقييم المؤسسة العسكرية والإستراتيجية الأمنية الوطنية وغيرها والتي تتناول الأمن القومي باعتباره يقع ضمن اهتمامات أجهزة أو قضايا محددة كما يتم تمييز هذه السياسة عن غيرها من السياسات من خلال سلسلة المواضيع التي تتناولها وذلك في محاولة لتحديد كل من التهديدات الداخلية والخارجية، وأخيراً تسعى سياسة الأمن القومي إلى دمج وتنسيق المساهمات التي يقدمها العاملون في ميدان الأمن القومي استجابة للمصالح والتهديدات التي يعتبر أنها تحتل جانبا بالغ الأهمية.

لماذا تحتاج الدول إلى سياسة الأمن القومي؟

هناك خمسة أسباب رئيسية تدفع الدول إلى إعداد سياسات متكاملة وتفصيلية للأمن القومي، وهي[11]:

  1. ضمان قيام الحكومة بالتعامل مع كافة التهديدات على نحو شامل.
  2. زيادة فاعلية القطاع الأمني من خلال رفع كفاءة المساهمات التي يقدمه جميع العاملين في قطاع الأمن.
  3. توجيه عملية التنفيذ السياسي.
  4. الخروج بإجماع محلي.
  5. رفع مستوى الثقة والتعامل على المستويين الإقليمي والدولي.

أولا: ولكي تشكل سياسات الأمن القومي إطاراً شاملا, تتطلب هذه السياسات تحليلا متعمقا لكافة التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي, ومنذ زمن طويل, كانت كل من التهديدات الداخلية والخارجية تعالج باعتبارها منفصلة عن بعضها البعض إلا أن السياسة الأمنية في واقع الأمر تتضمن تقييماٍ شاملاً لكلا المناخين المحلي والدولي وعند إعداد مثل هذه السياسات, يجب تجميع المعلومات التي تقدمها كافة الهيئات الحكومية ذات الصلة بالمجال الأمني كما يمكن الحصول على مثل هذه المعلومات من الهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية, إن كان ذلك ممكنا.

ثانيا: يمكن أن تساعد سياسات الأمن القومي في التوفيق بين المساهمات التي يقدمها عدد متزايد من العاملين في المجال الأمني, بمن فيهم أولئك الذين يعملون على المستوى القومي والحكومة المحلية وقطاع الأعمال (كالشركات العاملة في مجال حماية البنية التحتية الأمنية) ومختلف منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى المؤسسات الإقليمية والدولية. كما أن من شأن عملية مركزة لصياغة السياسة والتي تتضمن المعلومات الواردة من مصادر عدة الإسهام في الخروج بفهم مشترك للأمن.

ثالثا: توفير سياسات الأمن القومي الأسس الإرشادية لمختلف العاملين في مجال الأمن القومي كما توفر هذه السياسات التوجيهات الضرورية لموافقة القرارات العملياتية مع الأهداف القصيرة المدى والطويلة المدى للأمن القومي وتسمح العملية المركزة لصياغة سياسة الأمن القومي باستخدام الموارد على النحو الأمثل مما يساعد تفادي الوقوع في التناقضات والتكرار والخلل في صياغة السياسات وتنفيذها.

رابعا: تضمن سياسات الأمن القومي ملكية واسعة للسياسة الأمنية من خلال تعميق التباحث والتعامل بين سياسات الأحزاب الاحترافية والإدارية. وقد يساعد هذا الحوار على تشكيل إجماع حول القيم والمصالح القومية والأساسية ومجموعة التهديدات التي تفرض تحديات أمام هذه القيم والمصالح.

خامسا: تمثل سياسات الأمن القومي أدوات لبناء الثقة على المستويين الإقليمي والدولي حيث أن السياسة التي تتسم بالتناسق والشفافية تعرض بالتفصيل الاهتمامات الأمنية الخاصة بالدولة أمام المجتمع الدولي, مما يؤدي إلى تسهيل الحصول على التفهم والتعاون من قبل المجتمع الدولي في هذا المجال

كيف يتم إعداد سياسة الأمن القومي؟

على الرغم من اختلاف سياسات الأمن القومي من دولة إلى أخرى فمن الشائع أن تأخذ هذه السياسات شكل وثيقة منفردة تتناول ما لا يقل عن ثلاثة مواضيع أساسية هي دور الدولة في النظام العالمي التحديات والفرص المحلية المحدقة والمسؤوليات المنوطة بالمسؤولين التنفيذيين للتعامل مع تلك التحديات والفرص.

يسعى الموضوع الأول إلى تحديد رؤية الدولة المتعلقة بالنظام الدولي والدور الذي تضطلع به الدولة في هذا النظام ويقتضي هذا الأمر الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة وقيمها وهيكلات الحكم وعمليات اتخاذ القرارات فيها وعادة ما يترتب على ذلك تحديد طويلة المدى حول الموقف الذي يجب على كل من الدولة والمجتمع تبنيه في المستقبل ويمثل الموضوع الثاني تقييما للتهديدات والفرص الآنية والمستقبلية . ومن ناحية نظرية , يجب أن تشتمل تلك التهديدات والفرص على كل من التهديدات الداخلية والخارجية  إلا أن العديد من سياسات الأمن القومي تركز في الواقع على التهديدات والفرص الخارجية فقط كما . تتناول هذه السياسات المواقف والتفضيلات السياسية باعتبارها تشكل اهتماما للشركاء الدوليين في الأمن مما يؤدي بدوره كذلك بروز فرص التعامل ويبن الموضوع الثالث مجالات المسؤولية المنوطة بكل مسئول تنفيذي . ويتضمن ذلك أنواع النشاطات الأمنية (كالدفاع عن الوطن والمخابرات, وغير ذلك) إلى جانب المجالات التي يجري فيها التفويض لهؤلاء المسئولين وحيث أن المصطلح ” الأمن القومي ” في بعض الدول يرتبط من ناحية تاريخية بفرص تدخل قوات الأمن في الشؤون المحلية فقد يكون هذا الموضوع مثيراً للجدل وفي الوقت الذي يتم فيه بيان المساهمات التي يقدمها المسئولون على وجه التفصيل فإن معلومات على قدر كبير من التحديد كهيكلة قوات الأمن تترك جانبا أو تتدرج في وثائق ثانوية.

وما يهمنا فيما ورد ذكره هو قدرة البلدان العربية على تحقيق الأمن القومي العربي من خلال إتباع سياسات صحيحة تحقق الإجماع المحلي على خططها وسياساتها المتبعة؛ فبالنظر إلى واقع سياسات الأنظمة العربية في مجال ربط الافتصاد بالتنمية لتحقيق الأمن نجد أن معظم البلدان العربية قد فشلت في تحقيق ذلك: “فالنمو في الناتج المحلي العربي قد بلغ 2.8% عام 1999، وفي بعض الدول العربية كان الناتج الإجمالي متأثرا بقوة بسبب الحرب والحصار مثل السودان وفلسطين والعراق، وشهدت الاقتصاديات العربية انخفاضا في معدلات التضخم من 9.7% إلى 7.9%، وما زال الأداء الاقتصادي للدول غير النفطية ضعيفا، وتتراوح البطالة في الدول العربية بين 14 و20 مليون عاطل عن العمل، وتسهم البطالة المرتفعة وانخفاض الأجور في زيادة حدة الفقر[12]”. إن هذا الواقع العربي الضعيف لا يسهم في تبني سياسات أمنية على الصعيد القومي بصورة تلبي الغرض كما أنه لا يحقق الإجماع العربي للشعوب على سياسات حكوماتها وبالتالي لن يحقق الاستقرار السياسي الذي يرتبط طردياً بعوامل التنمية والاستقرار الاقتصادي.

 

كيف تتم صياغة سياسة الأمن القومي؟

تخضع سياسة الأمن القومي في صياغتها العملية لمعيارية خاصة بوضع السياسات, بدءا بالمبادرة إلى طرح السياسة ومن ثم صياغتها والتوفيق بين أجزائها, وانتهاء بالمصادقة عليها. ففي الغالب, تبادر السلطة التنفيذية إلى مراجعة الأمن القومي وفي بعض الحالات يمكن أن توصي السلطة التشريعية أو اللجان الدائمة المختصة بالقضايا الأمنية بمراجعة سياسة الأمن القومي وقد يتم القيام بهذه المراجعة على أساس سنوي أو دوري , أو خلال مناسبات معينة كما هو الحال في سويسرا وفي العادة تتولى السلطة التنفيذية تعيين أعضاء لجنة الصياغة , ويمكن أن تكون هذه اللجنة لجنة دائمة أو هيئة عاملة أو يجري إنشائها لهذا الغرض المحدد وفي العديد من الحالات تمثل هذه اللجنة مجلسا خاصة للأمن يقدم الاستشارات للرئيس (كما هو الحال في الولايات المتحدة والنمسا وروسيا الاتحادية ).أما في حالات أخرى , فقد تتشكل اللجنة من أعضاء مجلس الوزراء ( كما هو الحال في لاتفيا وكندا ) كما يمكن تشكيل لجنة لهذا الغرض. وعادة ما تقوم هذه اللجنة بالتشاور على نطاق واسع مع الجهات الأمنية الحكومية , مثل وزارات الدفاع وأجهزة المخابرات وممثلين عن القوات المسلحة واللجان التشريعية , بالإضافة إلى الوزارات التي لا ترتبط من ناحية تقليدية بالقطاع الأمني كوزارات الزراعة والنقل والمواصلات والصحة والهجرة وهيئات الإدارة المالية. كما يمكن للجنة أن تتشاور مع الهيئات غير الحكومية كالأحزاب السياسية وأجهزة الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين وعلى الرغم من أن هذه الجهات تبدأ ملاحظاتها وتعليقاتها فقط , فان اللجنة تعمل على التوفيق بين الرؤى المختلفة التي تطرحها تلك الجهات وذلك ضمن مدخل مترابط لان الدولة. أن توسع نطاق المشاركة في صياغة سياسة الأمن القومي ضمان الملكية الواسعة لتلك السياسة, مما يساعد تفعيل تطبيق سياسة الأمن القومي. في سويسرا, تم تطبيق مدخل يتألف من مرحلتين لإعداد آخر سياسة للأمن القومي, حيث جرى في البداية القيام بالاستشارات الاجتماعية – السياسة على نطاق واسع وشامل والتي أثمرت نتائجها في إعداد تقرير غير ملزم للحكومة يتضمن مقترحات لإعداد سياسة الأمن القومي . واشتملت المرحلة الثانية على قيام هيئة حكومية لصياغة سياسة الأمن القومي حيث عملت هذه الهيئة إلى اخذ الوثيقة التي أنجزت خلال المرحلة الأولى بعين الاعتبار عند إعداد تقريرهم.

يتم التوفيق بين أجزاء وثيقة سياسة الأمن القومي عن طريق الحصول على معلومات في مختلف الجهات العاملة في القطاع الأمني أثناء عملية صياغة السياسة ومن خلال تعميم النسخ  الأولية من التشريعات خلال تلك العملية, سواء على المستوى الداخلي أو العام , أو بالجمع بين هذين المستويين وقد تدعو الحاجة إلى الحصول على مصادق السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية على وثيقة سياسة الأمن القومي. وفي حال بادرت السلطة التنفيذية إلى مراجعة هذه الوثيقة فمن غير المحتمل أن يتم الإيعاز لها بالحصول على موافقة السلطة التشريعية ولكن يجوز للسلطة التنفيذية أن ترفع سياسة الأمن القومي أمام الجهة التشريعية لتامين مصادقتها على هذه السياسة . ويجوز لبعض البرلمانات أن تبدي فقط ملاحظتها على سياسة الأمن القومي كما هو الحال في سويسرا. أما في دول أخرى فيجوز للبرلمانات أن تدخل تغييرات جذرية على نص وثيقة سياسة الأمن القومي[13].

ما هي التحديات التي تواجه لسياسة الأمن القومي؟

أولا: يجب على السياسات الأمن القومي أن توازن بين الانفتاح والسرية. وفي هذا السياق, تحاول بعض الدول أن تتجنب هذه المشكلة من خلال توظيف لغة غامضة (وهي ما تعرف أيضا ب ” الغموض الاستراتيجي”)، إلا أن ذلك قد يقلل من نجاعة وثيقة سياسة الأمن القومي. ومن جانب آخر تعمد دول أخرى إلى إعداد نسختين من إستراتيجية الأمن القومي إحداهما سرية وأخرى عامة .وعلى أية حال إذا كانت سياسة الأمن القومي خاضعة للنقاش العام فمن المحتمل أن يعكس مضمونها الأهداف العامة للأمن القومي حيث يترك تنفيذ هذه الأهداف لبعض الأنظمة الثانوية أو الآليات الأخرى الخاصة بالتخطيط.

ثانيا: يرى البعض آن هناك نزاع بين الحاجة إلى الحفاظ على حرية التصرف والقيود المفروضة على أعمال القادة. ولهذا السبب تفضل العديد من الأمم معالجة قضايا محددة عدا عن دول بعينها في سياسات الأمن القومي معدة لإرسال إشارة واضحة إلى قوة أخرى قد يتم تسميتها.

ثالثا: يجب أن تكون عمليات مراجعة سياسة الأمن القومي  متناسبة مع تكاليفها من الناحيتين البشرية والمادية .

ففي الوقت الذي تعتبر فيه المراجعات ضرورية عند حدوث تغييرات هامة في المناخ الاستراتيجي أو في حالة اعتبار السياسة الأمنية الحالية قاصرة إذا كانت مفروضة على سبيل الدوام فقد يفرض ذلك قيدا على الموارد , لا سيما أن سياسة الأمن القومي الجيدة تتطلب معلومات يقدمها المسئولون المشتركون في مجال تنفيذ السياسة .

رابعا: يجب على سياسة الأمن القومي أن توازن بين النقاش العام مع المعلومات التي يقدمها الخبراء. ففي الوقت الذي يعتبر فيه النقاش العام ضروريا للملكية, في حالة إدراك أن وثيقة سياسة الأمن القومي أصبحت أسيرة للمصالح السياسية , فقد يؤدي ذلك إلى تفويض وحدتها .

كيف يجب تنفيذ سياسة الأمن القومي؟

نادراً ما تقدم وثائق سياسات الأمن القومي حلولا لبعض المشاكل الأمنية المحددة , لان هذه الوثائق لا تنص بشكل تفصيلي ومحدد على كل حالة طارئة . ولذلك , يضطلع المسئولون الامنيون , بعد الموافقة على سياسة الأمن القومي , بالمسؤولية عن تنفيذ هذه السياسة , والتي قد تشمل على تقييمات تفصيلية للإمكانيات ومراجعات للسياسة في كل جهاز من الأجهزة الأمنية .

وقد توصي عمليات التقييم والمراجعة بإدخال التغييرات الهيكلية التالية:

تعديل أدوات السياسة القائمة: ويمكن أن ينطوي هذا التعديل على دلالات بالنسبة لفئات العاملين في القطاع الأمني , والتوزيع الجغرافي للموارد , والسياسات الخاصة بعمليات الشراء إلى جانب العديد من الأدوات الأخرى . ويجب تعديل أية سياسات ثانوية , مثل الدفاع القومي أو الاستراتيجيات العسكرية بحيث تتوافق مع سياسة الأمن القومي .

إعداد أدوات جديدة للسياسة: ويمكن أن تشمل هذه الأدوات على لحان الرقابة ومجموعات العمل المشكلة من كافة الإدارات , أو على آليات أخرى وعلى المستوى القومي , يمكن المساعدة في تنفيذ سياسة الأمن القومي من خلال تشكيل لجان دائمة تختص بمراقبة طريقة تنفيذ سياسة الأمن القومي إلا أن البعض قد يعتبر هذا الأمر باعتباره يشكل عائقا أمام عملية اتخاذ القرارات الأمنية الناجحة وتتولى هذه اللجان تقييم سياسة الأمن القومي في ضوء الإمكانيات المتوفرة بالإضافة إلى تقييم التهديدات . وتقوم بعض الدول بإيعاز هذه المهام إلى هيئة مؤسساتية مثل مجلس الأمن القومي . وفي دول أخرى تقوم لجنة مراجعة يجرى تشكيلها من كافة الإدارات الحكومية بعقد اجتماعات دورية لهذا الغرض ويفضل أن تخضع تشكيل لجان الرقابة والإجراءات الخاصة بها لنفس مبادئ الشمولية والشفافية والنقاش والإجماع كما هو الحال بالنسبة للجان المختصة بمراجعة سياسة الأمن القومي . وقد تقترح بعض بيئات الرقابة مراجعة سياسات الأمن القومي ورفعها أمام السلطة التنفيذية عندما تعتبر ذلك ضروريا.

الخلاصة:

المبادئ اللازمة لسياسة ناجحة وديمقراطية للأمن القومي:

على اللجان المسئولة على صياغة سياسة الأمن القومي مراعاة المبادئ التالية:

الشمولية والاستجابة: أن الصياغة الشاملة للسياسة هي الطريقة المثلى لتناول الاهتمامات الأمنية للمسئولين على مستوى الدولة بشكل كامل كما تعمل هذه الصياغة على تسوية هذه الاهتمامات من خلال الوسائل والإمكانيات المتاحة . ويجب أن تشتمل سياسة الأمن القومي كذلك على المعلومات الواردة من المنتظمات الغير حكومية

المناقشة والإجماع: تعتبر المناقشة والبحث عن الإجماع عاملان ضروريان لإعداد سياسة الأمن القومي تتسم بالمساندة على نطاق واسع ويجري تنفيذها بشكل فعال

اهتمام كبير بالتهديدات: يجب الأخذ بالحسبان عددا كبيرا من التهديدات , بما فيها التهديدات التي ترد في تقرير اللجنة العليا التابعة للأمم المتحدة المختصة بالتهديدات والمخاطر والفرص. ومن ضمنها التهديدات الاقتصادية والاجتماعية (بما فيها الأوبئة والكوارث الطبيعية والحوادث) والنزاعات الناشبة بين الدول والنزاعات الداخلية, والإرهاب, وأسلحة الدمار الشامل, والجرائم العابرة للحدود.

التقييم الصريح للوسائل: يجب أن تقيم سياسة الأمن القومي المهام التي تطلع بها مختلف الهيئات الحكومية , وذلك فيها يتعلق بالتهديدات التي يجري التعرف عليها , إلى جانب السياسات الحالية الخاصة بقضايا معينة كالتحالفات , واستخدام القوة العسكرية , وإنتاج أسلحة الدمار الشامل , ودور الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في رؤية الأمة للأمن .

الشفافية: أن اعتبار عملية شفافية لصياغة سياسة الأمن القومي تساعد على منع مؤسسات محددة مثل وزارات أو أجهزة أمنية بعينها , من السيطرة على سياسة الأمن القومي بشكلها النهائي .

الرقابة الثابتة وتقييم التهديدات : يتعين مراقبة الجمع بين سياسة الأمن القومي الحالية والظروف القومية والدولية الناشئة بشكل دائم من قبل لجنة دائمة. كما يجب على هيئات الرقابة تبني نفس المبادئ التي تتبناها لجان المراجعة .

الاعتبارات الدولية: بما أن الدول لا توجد منعزلة عن بعضها لبعض فلا يمكن لأي دولة أن تصدر سياسة الأمن القومي. كما تؤثر عضوية الدولة منظمات أو هيئات متعددة القومية في مجالات الأمن والاقتصاد على صياغة سياسة الأمن القومي .

احترام القانون الدولي : يجب أن تأخذ سياسة الأمن القومي بعين الاعتبار أحكام المواد القانونية التي ينبغي على الدولة الالتزام بها بالإضافة إلى القوانين الأخرى المتعارف عليها .

 

المبحث الثالث: ركائز ومتطلبات الأمن القومي العربي … رؤية ديمقراطية

لقد تم تعريف مفهوم الأمن القومي العربي سابقاً في هذه الدراسة؛ وعليه فإن الأمن يرتبط بمستوى الإدراك والاستشراف المستقبلي، حيث أن بعض الممارسات والمواقف، لها تأثيرات مباشرة على الأمن في المستقبل المنظور.. والرؤية الأمنية السليمة، هي تلك التي تحول دون ممارسة فعل أو إجراء أو سياسة، تساهم في خلخلة الواقع المجتمعي.

لذلك نستطيع القول: أن ممارسة القوة والعنف بدواعٍ أمنية، لا يفضي على مستوى الإدراك المستقبلي إلى إرساء دعائم الأمن الحقيقي في المجتمع، فالعنف لا يقود إلى الأمن، بل إلى ممارسة العنف المضاد وتحريك كل الغرائز والنزوات التي تساهم في إرباك الواقع على المستويات كافة. ويخطىء من ينشد الأمن في الواقع المجتمعي، بالمزيد من إجراءات المنع والقهر، وذلك لأن هذه الممارسات لا تفضي إلا إلى المزيد من تنمية العوامل المضادة للأمن.

فالدول العربية في أغلبها دولة سلطوية أو بوليسية كما يقول الدكتور سعيد زيداني[14]: “إن الدولة العربية هي إما سلطوية أو قمعية بوليسية وقد تقلص حجمها ليصبح على حجم أداتها القمعية”. وعليه فإن الحياة السياسية والوطنية السليمة، هي التي تفضي إلى الأمن الشامل. فالأنظمة الاستبدادية بإجراءاتها القمعية والاقصائية، تزداد فيها العوامل الدافعة إلى اختراق جدار الأمن وتوسيع الثقوب فيه؛ بينما الأنظمة الديمقراطية والتي تفسح بشكل قانوني لقوى المجتمع بممارسة حقوقها في الإدارة والتسيير والمراقبة، هي التي تعيش وضعاً أمنياً مستقراً وبعيداً عن كل المخاطر الشديدة.

وعلى ضوء هذه الرؤية هناك علاقة عميقة وجوهرية تربط بين مفهومي الأمن والحرية. بحيث أن المجتمع الذي يتحصّل على حريته وحقوقه، هو ذلك المجتمع الذي يمتلك عوامل أمنه واستقراره، أما المجتمع الذي تمارس سلطته السياسية التمييز والإقصاء لقوى المجتمع، فإنه يتوفر على وقائع وحقائق تهدد أمنه الراهن والمستقبلي.

وعليه فإننا مطالبون بتجلية العلاقة العميقة التي تربط بين مفهومي الأمن والحرية. وذلك لأن هذه العلاقة، تضعنا جميعاً أمام حقائق موضوعية جديدة، من أهمها: أن حماية المجتمع والدولة من المخاطر والتهديدات، تقتضي توفير قانون وإرساء دعائمه لممارسة الدولة، والسماح لقوى المجتمع بالقيام بدورها في إطار الدولة والمجتمع.

فالإجراءات الأمنية وفق هذه الرؤية، ليس المنع والاعتقال والتعذيب والتضييق التعسفي على الإنسان، وإنما هي تنمية الوعي والمعرفة، وتطوير مستوى المسؤولية والشعور بها في الواقع المجتمعي، وإرساء دعائم وأطر المشاركة في الشأن العام. وذلك لأن الأمن في حقيقته وجوهره، هو الشعور بالتجانس والمشاركة مع الآخرين في الحقوق والواجبات ولا تجانس أفعال ومشاركة مستديمة، بدون الوعي والمعرفة والمسؤولية ومؤسسات المراقبة والمشاركة.

حينذاك يتحرر كل إنسان من هواجسه ومخاوفه، وينطلق في رحاب البناء والتنمية، بدون مخاوف تكبحه أو هواجس تقلقه أو تمنعه من التكيف الإيجابي مع الآخرين. وبالتالي فإن حماية المجتمع، عبر حريته ومشاركته في الشأن العام، والمزيد من أواصر المحبة والتعاون بين مختلف فئاته وشرائحه هو مضمون الأمن، وهو الذي يحول دون بروز مخاطر على مؤسسة الدولة.

فالسياسات الأمنية ينبغي أن تتجه دوماً صوب حماية قيم المجتمع الأساسية وتوفير كل مستلزمات وجوده النوعي ورفاهيته وسبل كسب معيشته. وذلك لأن هذه العناصر الحيوية، هي التي تعمق شعور الجماعة الوطنية بالثقة والتحرر من عوامل الانكفاء والخوف والقلق الخاص والعام. والأمن الوطني في كل مجتمع ووطن وأمة، كل لا يتجزأ.

لذلك فإن المطلوب باستمرار مراعاة كل مكونات الأمن الثقافية والاقتصادية والسياسية والمجتمعية. وإن أي خلل يصيب أي مكون من هذه المكونات، سينعكس سلباً على الأمن الوطني كله..

فلا يكفي من أجل تحقيق الأمن الوطني، أن تزداد إجراءات المنع والضبط لأن هذه الإجراءات تتم في اطار مجتمعي مكبوت، مما يحولها إلى عناصر تزيد من القمع والإرهاب.. وهذا في المحصلة النهائية، لا يخدم المفهوم الاستراتيجي للأمن في المجتمع.. لذلك فإن الخطط والمشروعات الأمنية، في جوهرها وعمقها، ليست هي تلك الإجراءات التنفيذية، وإنما هي تلك الإجراءات والوقائع، التي تزيد من ثقة المواطن بدولته، وتوفر له امكانية المشاركة في القرار والتسيير بعيداً عن كل أشكال التمييز والإقصاء.

فنظرية الأمن، ينبغي أن لا تعتمد على عناصر وإجراءات السلب، وإنما على تلك العناصر والإجراءات الإيجابية، التي توسع من القاعدة الاجتماعية والثقافية لمؤسسة الدولة. وبالتالي فإن مفهوم الأمن يعني قدرة الدولة والمجتمع معاً على الانسجام الفعال وارساء معالم علاقة حضارية بين الطرفين، تسمح لكل طرف من احترام خصوصيات ووظائف الطرف الآخر.

الأمن والسلطة:

لعلنا لا نبالغ حين القول: ان الكثير من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، التي حصلت في العديد من دول العالمين العربي والإسلامي، هي من جراء الأساليب والإجراءات الأمنية المستخدمة.. حيث القمع والقهر والعسف بدون أي أفق ومشروع لهذه الممارسات.. فالأجهزة الأمنية تحت مبرر حماية السلطة، تستخدم كل إمكاناتها وإجراءاتها القمعية ضد الناس. ولكن التجارب أثبتت أن الإجراءات التعسفية لأجهزة الأمن في مجالنا العربي والإسلامي، تفاقم نقمة الناس ضد السلطة، وتساهم بشكل أو بآخر في المزيد من التوترات والاختناقات المجتمعية.

لذلك فإن السلطات السياسية في بلادنا مطالبة إلى إعادة رسم طبيعة العلاقة بين الأمن والسلطة، وإن استقرار السلطة، ليس بالمزيد من تكديس الأسلحة وبناء السجون وتضخم مؤسسات الأمن، وإنماء هو بالديمقراطية وغرس عوامل الطمأنينة والثقة، وتطوير مستويات المعيشة. وإن استناد السلطات على مؤسسات الأمن، لا يفضي إلى الاستقرار السياسي العميق.. وذلك لأن تكميم الأفواه ليس سبيلاً صحيحاً لنيل الاستقرار والأمن.

فالأجهزة الأمنية الضخمة في الاتحاد السوفياتي، لم تمنع هذا الاتحاد من الانهيار من الداخل. بل إننا نعتقد أن المبالغة في استخدام سياسات القمع والإرهاب لشعوب الاتحاد السوفياتي، هو الذي ساهم بشكل كبير في زيادة النقمة الشعبية والانفصال بين النخبة السياسية الحاكمة وقوى المجتمع المتعددة، مما عجل بعملية الانهيار والسقوط. وهذا الكلام أيضاً، ينطبق بشكل دقيق على دول أوروبا الشرقية، حيث تهاوت السلطات السياسية هناك بشكل سريع، مع العلم أنها تمتلك أجهزة أمنية عملاقة ومتمرسة.

إلا أن غياب الحريات وامتهان كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، هو الذي فاقم من الأزمات والتوترات، وأدى إلى استفحال المشكلات، دون أن تتمكن أجهزة الأمن من منع ذلك، فاستقرار السلطة في أي مجتمع مرهون إلى حد بعيد بمستوى قبول الناس وثقتهم بمؤسسات ورجالات السلطة. وإن غض النظر عن ذلك، والاستعاضة عن الناس ورضاهم، بتضخم مؤسسات الأمن لا ينهي المشكلة والأزمة، بل على العكس من ذلك فإن اجراءات القمع، تزيد من فرص الانقضاض على السلطة.

ولعلنا بحاجة في هذا الإطار، إلى القول أن مصالحة السلطة مع الديمقراطية ومتطلباتها السياسية والمجتمعية، هو الخيار الحضاري لاستقرار السلطة السياسية، وامتصاص غضب الجماهير.. صحيح أن التحول نحو الديمقراطية، قد يرافقه في المرحلة الأولى بعض مظاهر الفوضى، إلا أن هذا التحول، في المحصلة الأخيرة، هو الذي يجدد شرعية السلطة، ويوسع من قاعدتها الاجتماعية والسياسية، ويحول دون نشوء تيارات عنفية في المجتمع.

الفعالية السياسية والأمن:

يعتقد البعض أن منع أي فعالية سياسية في المجتمع، هو الذي يحافظ على الأمن، لذلك تسعى أجهزة الأمن في الكثير من البلدان، إلى اجهاض كل مبادرة وفعالية في هذا الإطار، إلا أن هذا المنع والإجهاض، لا يحول دون نشوء حركة سياسية سرية في المجتمع، بعيداً عن أعين السلطات وأجهزة الأمن.

ولا شك أن نشوء حركات سياسية سرية، ووجود فعاليات سياسية متنوعة سرية، يعد تهديداً حقيقياً للسلطة السياسية.. لذلك فإن المساهمة في توفير حياة سياسية وطنية علنية وذات أهداف واضحة، وتشجيع الفعاليات السياسية المختلفة في هذا الإطار، هو وسيلة السلطات الحقيقية لضمان الأمن في الدولة والمجتمع. والفعاليات السياسية الوطنية، ليست ضد الأمن، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث أنها ستساهم في استيعاب بعض طاقات الوطن وتوجيهها في اطار المساهمة الايجابية في بناء الوطن. وإن ركود وترهل المؤسسات السياسية في المجتمع، هو الذي يحول دون استيعاب وتوظيف بعض المواطنين لأهدافها وأجندتها الخاصة. وإن الأمن السياسي والاجتماعي في الوطن، مرهون إلى حد بعيد إلى مستوى الفعاليات السياسية المتوفرة في المجتمع، والقادرة على إقناع قوى المجتمع بمشروعاتها وأهدافها المرحلية والاستراتيجية. فالفعالية السياسية، بما تقتضي من وجود جماعات ومنابر سياسية، ومؤسسات للتنمية السياسية رسمية وأهلية، هي من ضرورات الأمن والاستقرار.

ولعلنا بعد هذه التجارب المريرة على هذا الصعيد، بحاجة أن نعيد الاعتبار إلى السياسة فكراً وممارسة وصلتها بالأمن والاستقرار، وذلك لأن منع السياسة من التداول والوعي والممارسة بكل آفاقها وأبعادها، هو الذي يضر بالأمن ويهدد الاستقرار. وذلك لأن هذا المنع والكبت، هو الذي يدفع البعض أفراداً وجماعات، إلى تبني هذا الخيار بعيداً عن العلنية وأعين السلطات.

فالفعالية السياسية بكل مفرداتها وآفاقها، وحيوية المجتمع تجاه قضاياه وأحواله، هو الذي يضمن المعنى الحقيقي والجوهري للأمن والاستقرار. وتلعب الحياة السياسية الوطنية المفتوحة على كل القوى والشخصيات، دوراً هاماً في استقرار الأوضاع وتطويرها باتجاه الأهداف والتطلعات الوطنية. حيث يشعر كل مواطن بأنه عضو في جماعة ويسعى نحو تحقيق ذاته واستيعاب الإمكانات المتوفرة. لذلك فإن المشاركة في صنع القرار بدوائره المتعددة، هو الذي يحول دون الهامشية بكل صنوفها وأشكالها. وتعلمنا التجارب السياسية في العديد من الدول، أن المشاركة في المسؤولية والقرار، هي التي تخلق الظروف الذاتية والموضوعية للاستقرار بكل مجالاته، لذلك نجد أن الدول الديمقراطية، تتضاءل فيها حالات اختراق القانون وتهديد الأمن العام. بينما في الدول الاستبدادية، تزداد حالات الاختراق، وترتفع وتيرة الأعمال التي تهدد الأمن في المجتمع.

فالأداء السياسي الحيوي والفاعل والمفتوح على كل قوى ومكونات المجتمع، هو أحد الوسائل المهمة لضمان الأمن والاستقرار. وبالتالي فإن السلم المجتمعي وإشاعة العدالة وروح المساواة، هو الذي يضمن الأمن في المجتمع. وذلك لأن الظلم هو ظلام مدمر، وإن نتيجته المباشرة، هي غياب الاستقرار والأمن. فالطاعة والالتزام بقوانين الدولة، هي ثمرة طبيعية لمستوى الرضا والقبول لدى الناس. لذلك فإن الفرض والقهر والإخضاع القسري للناس، لا يقود إلى الثقة والطمأنينة والأمن.

وخلاصة القول في هذا الإطار، أن مكمن الخطر من جراء غياب الحياة السياسية الوطنية أكبر بكثير من بعض تداعيات الحرية وتوفر حياة سياسية حيوية وفاعلة في المجتمع والوطن.

 

المبحث الرابع: معيقات الأمن القومي العربي … رؤية تنموية

 

ما جرى في سوريا مؤخراً يُعد نموذجا لواقع البلدان العربية من حيث المشاركة السياسية التي تعتبر المدخل الرئيس لأية عملية سياسية ديمقراطية من شأنها أن تقود لاحقاً لأي واقع إصلاحي من شأنه تحقيق عملية التنمية المطلوبة وبالتالي تحقيق العدالة والمساواة والحرية الأمر الذي من شأنه تحقيق الاستقرار السياسي ومنع أي تهديد داخلي مرجعه الشعور بالظلم أو الإحساس بالاغتراب داخل الوطن. فقد كتبت المجلة الرأي[15] ما يلي: “أكّد تجمع إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المعارض، أكبر تجمع للمعارضة السورية، أن السوريين “أداروا وجههم” للانتخابات البرلمانية التي تمت يومي 22 و 23 من الشهر الجاري (أبريل 2007)، واعتبر التصريحات التي أطلقها بعض رجالات السلطة، وشككوا فيها بموقف المعارضة ووطنيتها، أنها “متوترة ومتشجنة”. ورأى تجمع إعلان دمشق، الذي يضم أكثر من 20 حزباً وتنظيماً ومنظمة، في بيان الجمعة أن مجريات عملية التصويت لمجلس الشعب كشفت “التدخل لاختيار المستقلين بوضع ما سمي بقائمة الظل”، واتهم السلطات المعنية بـ”تدخلها في فرز الأصوات”، وبـ”الضغط على المرشحين، ومنع تداول برامج انتخابية.. وإبعاد مندوبي المرشحين عن غرف التصويت”.

وكشف التجمع المعارض عن وجود ضغوط على موظفي القطاع العام والطلاب في المدن الجامعية عبر تهديدهم بالطرد من السكن الجامعي لإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم. وأكّد التجمع المعارض أن السوريين أداروا ظهرهم لما وصفها بـ “مسرحية الانتخابات”، وأن الشعب “أكد بموقفه صحة موقف المعارضة الوطنية الديمقراطية التي قاطعت الانتخابات الشكلية، ودعت إلى إعادة نظر حقيقية وجادة في مجمل الوضع السياسي والقانوني الذي يحكم البلاد ويكرس سيطرة وهيمنة سلطة قمعية وفاسدة”. وأشار إلى أن السوريين ردّوا “بحصافة” على “التعليقات المتوترة والمتشنجة التي أطلقها بعض رجالات السلطة التي شككت بموقف المعارضة وبوطنيتها” في إشارة إلى تصريحات لوزيرة المغتربين بثينة شعبان وبعض أمناء عامين لأحزاب الجبهة اتهموا فيها المعارضة ومن يقاطع الانتخابات بـ”العمالة” لقوى خارجية بينها الولايات المتحدة”[16].

فهذا الواقع هو نموذج لواقع معظم البلاد العربية التي لا تسمح بالمشاركة السياسية ومن ثم تمنع أي مدخل لعملية التنموية المبنية على الإصلاح الكفيل بعملية التغيير من خلال المشاركة العريضة والواسعة للجماهير.

فلو استعرضنا بقية الواقع العربي نجد أن حركة النهضة التونسية ممنوعة من المشاركة السياسية في تونس وهي كبرى حركات المعارضة التونسية، وفي البحرين فقد سمحت السلطات مؤخراً بإجراء انتخابات بلدية بمشاركة واسعة بعد أن ضمنت سدة الحكم لنفسها التحكم المطلق في السلطة من خلال تحويل الإمارة إلى مملكة بما للملك من صلاحيات دستورية تخوله حل أية هيئات منتخبة كيفما شاء ومت ما أراد مرتداً عن أية صلاحيات دستورية أو حقوق مكتسبة قد تكون مُنحت للمواطنين سابقا، أما في مصر صاحبة أقدم تجربة نيابية في العالم العربي، فقد أقدمت السلطة على إجراء تعديلات دستورية في ظاهرها الإصلاح ولكن في باطنها التقييد فقد شملت قوانين الطوارئ ضمن الدستور بحجة مكافحة الإرهاب، كما أنها منعت تشكيل أي حزب على أساس ديني علماً بأن ذلك لا يطال سوى جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات المعارضة وأكثرها تأثيراً في مصر والعالم العربي على السواء تحسباً من مشاركتها لاحقاً تحت مسمى حزبي داخل البرلمان وحصول مشرحها على ما يخوله من أصوات داخل البرلمان للترشح والتنافس على رئاسة الجمهورية بعد عهد مبارك. وفي الكويت فقد مُنحت النساء حق التصويت والترشح في الانتخابات في العام الماضي فقط، أما السعودية فلا تجري فيها انتخابات بتاتاً وتستمر السلطة في استمداد شرعيتها من السلطة الدينية كونها مملكة تتبنى الشريعة الإسلامية ولا تحتاج لتخويل من مواطنيها. أما الجزائر فلم تعترف بنتيجة الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بما يزيد عن 88% في العام 1989 تحت ضغط قوى الجيش والأجهزة الأمنية. وفي الأردن فإن السلطات تعقد انتخابات تتحكم في نتيجتها من خلال تخصيص الصوت الواحد للناخب بدل القوائم في المدن الكبرى والذي تضيع معه آلاف الأصوات تشتتاً بصورة مقصودة رغم اعتراض جميع الأحزاب والقوى على النظام الانتخابي.

ولقد رصد تقرير التنمية الإنمائي للأمم المتحدة[17] العديد من الخروقات التي تحد من المشاركة السياسية في البلدان العربية وبالتالي غياب أية عملية رقابية على أداء السلطات الحاكمة مما يسهم سلباً في قناعة الشعوب في نخبها الحاكمة، فلقد رصد تقرير الأمم المتحدة الإنمائي[18] تحت عنوان تقييد حقوق التجمع والتنظيم من المادة الثانية، قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 بمصر، ما يلي:

“يعاقب بالحبس أو الغرامة كل من كان في تجمهر بالطريق العام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل ولو من غير ارتكاب جريمة إذا رأى رجل السلطة العامة أن من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمر المتجمهرين بالتفرق فلم يمتثلوا”. كما رصد التقرير[19] نفسه ما يلي: “لا يجوز عقد اجتماع عام أو تنظيمه إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المحافظ الذي سيعقد الاجتماع في دائرة اختصاصه ويمنع ويفض كل اجتماع عام عقد دون ترخيص”. المادة الرابعة، المرسوم بقانون في شأن عقد الاجتماعات العامة والتجمعات، الكويت.

فمثل هذه القوانين هي بمثابة تقييد محض للحريات العامة ولحق المواطنين في أبسط القواعد الإنسانية المتعلقة بالحريات العامة لا سيما أنها تأتي ضمن سياق حرية التعبير وهي أبسط الحقوق على الإطلاق إذا ما قورنت بالحقوق الأخرى الممنوحة للمواطنين في بعض البلدان الأخرى التي تسمح بمقاضاة الحاكم والمطالبة بحب الثقة عنه.

إن تقرير التنمية الإنمائي[20] للبلدان العربية يحدد الخلل بشكل عام حيث يقول: “هناك إجماع على أن المجال السياسي وتحديداً بنية الدولة العربية هو مكمن الخلل ومحوره” وهو بهذا تحدّث عن أزمة الحكم في البلدان العربية حيث يحدد الخلل بشكل أكثر تحديداً حيث يقول:”إن الدول العربية المعاصرة لا تترك مجالاً خارج إطار تدخلها، حيث تصر على أن تهيمن على كل شيء، من المعتقد الديني الشخصي، إلى العلاقات الدولية، ولا تترك حيزاً كافياً لمبادرات تأتي من خارجها أو بدون مباركتها”.

ويحدد التقرير المعيقات لعملية التنمية بما يلي:

  1. المركزية المتزايدة في الجهاز التنفيذي ومنح رأس الدولة صلاحيات دستورية واسعة باعتباره الرئيس الأعلى للجهاز التنفيذي ولمجلس الوزراء وللقوات المسلحة والقضاء والخدمة العامة.
  2. مركزية الجهاز التنفيذي وتوسعه بشكل بيروقراطي وزيادة تدخل الدولة في الاقتصاد وتعاظم نصيب الإنفاق الحكومي من الناتج القومي، وخاصة الإنفاق على الأجهزة الأمنية والعسكرية.
  3. استخدام الجهاز التنفيذي للقضاء العادي والاستثنائي لإقصاء وتحجيم الخصوم والمنافسين وحتى بعض الأتباع المتمردين فيما يعرف ب”الفساد المسكوت عنه” حيث يُسمح للأنصار المقربين باستغلال مناصبهم للإثراء غير المشروع في حين يظل تطبيق القانون سلاحاً مشهراً لضمان استمرار ولائهم الكامل.
  4. تخيير النخب المجتمعية بين خيارين: إما تكون موالياً فيغدق عليك أو مخالفا فتهمش وتقمع.
  5. تلقي المسؤولين عمولات طائلة عن العقود التي تبرمها الشركات الأجنبية والمحلية مع الدولة بما في ذلك صفقات التسليح.
  6. ضيق المجال المجال العام وضعف منظمات المجتمع المدني التي يمكن أن يحتمي بها الشخص من ضعفه كفرد.

الفصل الثالث: هل يتحقق الأمن القومي العربي بلا تنمية وتوزيع عادل للثروات

 

المبحث الأول: مفهوم التنمية ومدلولاتها في العالم العربي

تعني عملية التنمية: وضع مجموعة من السياسات والبرامج التي تتناول تطوير المهارات التحليلية والقيادية لتحسين القدرة على الإشراف والإدارة، وعملية التنمية يجب أن تكون مخططة وتستدعي تدخل الدولة من خلال رعايتها والإشراف عليها، عبر توظيف وتعبئة الموارد المحلية ووضعها في آلية إنتاج تحقق أهداف خطة التنمية[21].

فلو رجعنا إلى هذا المفهوم لوجدنا أن البلدان العربية مجتمعة لا تخصص أكثر من 0.2% من إجمالي موازناتها العامة (الإنفاق العام) لعمليات التنمية حيث أن هذه المعدلات تتفاوت من دولة لأخرى حسب قدراتها الاقتصادية أو رؤيتها لعملية التنمية. والسبب في ذلك غياب العدالة الاجتماعية وممارسات الحكم الصالح من ناحية ومن ناحية ثانية استمرار التهديد الخارجي للمنطقة العربية سواء بسبب وجود إسرائيل وتهديدها الدائم، أو احتمالات اندلاع حرب شرق أوسطية شاملة في المنطقة بالإضافة إلى التهديد الإيراني وتمدده في منطقة الخليج؛ فقد بلغ الإنفاق العسكري -حسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن- في منطقة الشرق الأوسط 60 مليار دولار عام 1999م لوحده فقط. وفي الأيام الأخيرة فإنه تجري مفاوضات بين الولايات المتحدة والسعودية من أجل إتمام صفقة تسلح[22] قيمتها 20 مليار دولار “حسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الصفقة تشمل أسلحة متطورة بينها قنابل موجهة بالأقمار الاصطناعية, وتحسينات على المقاتلات وزوارق حربية جديدة”. فهذه الأموال المخصصة للإنفاق العسكري سيتم بالطبع اقتطاعها من ميزانيات الدول العربية المخصصة لبنود أخرى مثل التنمية، العمالة، الزراعة، والصناعة.

فالعالم العربي يحتل مكانة متأخرة بين دول العالم من حيث العملية التنموية إذ أن السياسات المتبعة تعكس رؤية استهلاكية وليست تنموية لعمليات الإنفاق العام. ففي تصنيف الدول العربية حسب معيار التنمية البشرية[23] تعتبر البحرين في المرتبة الأولى تليها الكويت ثم قطر، فالإمارات العربية، ليبيا، عُمان، السعودية، لبنان، الأردن، تونس، فلسطين، سوريا، الجزائر، مصر، المغرب، جزر القمر، السودان، اليمن، موريتانيا، فجيبوتي، في حسن أن المعدلات غير متوفرة في كل من العراق والصومال بسبب ظروف الحرب وتعذر الحصول على إحصائيات توضح معدلات التنمية في هذين البلدين. وقد اعتمد التقرير في تصنيفه لهذه الدول على سياساتها المتبعة في وضع الخطط التنموية وإتباع بعداً تنمويا في الإنفاق من شأنه ضمان الاستفادة من عمليات الإنفاق والبناء بصورة مستدامة. وحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية[24]: “تتربع فنلندا على سلم الدول عالمياً من حيث الشفافية وتليها نيوزيلندا، ثم الدنمارك، فأيسلندا، سنغافورة، السويد، وسويسرا وكل منها حازت معدل يفوق تسع نقاط من أصل عشر، وهي أعلى علامة منحها مؤشر الشفافية العالمية، ويشمل ذلك قدرة الدول على توفير تدابير صارمة مضادة للرشوة، والتصرف بنزاهة في إنفاق المال العام ووضع الخطط التنموية وتنفيذها نجد أن العالم العربي بمجمله يتربع مكانة تراوحت بين 40 للبحرين، في مقابل 154 لجيبوتي بين دول العالم، وقد جاء تصنيف كل من البحرين، الكويت، عُمان، والمملكة العربية السعودية من ضمن 15 دولة فساداً في العالم”.

مما سبق يتضح جلياً مدى سوء الإدارة والبعد عن مفاهيم العدالة الاجتماعية وبالتالي عن أية إمكانية لوضع عملية التنمية في البلدان العربية حيز التنفيذ كأولوية فهي ضعيفة، إن لم تكن غائبة تماماً بناء على المعطيات المتوفرة.

المبحث الثاني: واقع العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة في العالم العربي.. حقائق وأرقام

تعتبر العدالة الاجتماعية أحد أهم ثلاثة قيم حثت عليها الأديان السماوية الثلاثة، والقوانين والدساتير الوضعية على السواء، وهي العدالة، المساواة، والحرية، فقد ورد في الأثر أن النبي (ص) قال: “والله لا يؤمن وكررها ثلاثا، من بات شبعان وجاره جائع وهو يؤمن بذلك”. كما ورد عن علي بن أبي طالب أنه قال: “أعجب لأقوامٍ لا تمتلك قوت يومها، كيف لا تخرج علينا شاهرةً سيوفها”.

فهذه الأقوال هي بمثابة تحريض واضح على الالتزام بمبادئ العدالة الاجتماعية ودعوة صريحة للثورة ومعارضة السلطات الحاكمة في حال تخليها عن مبادئ العدالة الاجتماعية.

فبنظرة موضوعية لواقع العدالة الاجتماعية في البلدان العربية نجد أن نصيب الفرد من ناتج الدخل القومي في الإمارات بلغ 22,420 $ في العام 2002، في حين أن نصيب الفرد في قطر بلغ 19,844 $ في نفس العام. أما نصيب الفرد في السودان فقد بلغ 1,820 $ مقابل 1,690 $ للفرد في جزر القمر حسب إحصائية نفس العام[25].

فلو نظرنا إلى تلك النتائج المتباينة نجد أن تلك الدول قد احتلت مراتب عكست واقعاً غير عادل حسب توزرع الثروة من الناتج العام حسب تصنيف التقرير نفسه فقد جاءت الإمارات في المرتبة (26-) على العالم بينما جاءت قطر في المرتبة (21-)، أما السودان فقد احتلت المرتبة (3-) في حين أن جزر القمر احتلت المرتبة (4+). وهذا الترتيب يتم حسابه حسب نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي بالدولار حسب تعادل القوة الشرائية مطروحاً منه الترتيب حسب دليل التنمية البشرية[26].

فالناظر إلى واقع العالم العربي اليوم يرى أن البلدان العربية النفطية يبلغ نصيب الفرد فيها وضعاً جيداً مقارنة بباقي دول العالم إلا أن التوزيع فيها سيء للغاية ولا يخضع لأية معايير حسب نتائج وإحصائيات التقارير الرسمية للأمم المتحدة. في حين أن معدل نصيب الفرد من الثروة في الدول الأقل ثروة يعتبر مقبولاً نظرا لقلة الموارد وتمتع الفرد بنصيب من الخدمات التي تقدمها الدولة بصورة معقولة مثل بقية أفراد المجتمع، ولكن ذلك لا يمنع وجود حالات مستشرية من الفساد في أغلب أجهزة وهيكليات الدول العربية حسب تقارير منظمة الشفافية العالمية، فلو أخذنا ليبيا نموذجاً للدول الغنية بالنفط والتي تتبع اقتصاداً شمولياً لوجدنا أن منظمة الشفافية العالمية قد صنفتها في المؤخرة من حيث اتباع الشفافية في التعامل مع المال العام وتوزيع الثروة على السكان بعلم السكان، ففي مقالة بعنوان[27]: “مليون ليبي فقير في أول جماهيريه في التاريخ… كتب الكاتب الليبي ما يلي: “نريد أن نؤكد على أن حالة الإنتباه والإلتفات إلى الوضع الداخلي لم تأت ِ من فراغ ولابشكل مفاجئ! ولا هي في إعتقادي أتت بسبب يقظة الضمير أو الإحساس بالتقصير كذلك بقدر ما إنها تأتي بسبب مجموعة متعاضده من الضغوطات والأسباب والعوامل الموضوعية ( الخارجية الدولية .. والداخلية المحلية) التي تراكمت وتفاعلت وتعاضدت فأدت إلى هذه النتيجه الضروريه وهذه الحالة الإضطرارية التي تعتري العقيد القذافي هذه الأيام.. حالة الإنتباه إلى الحجم الحقيقي والوزن الحقيقي للذات! وإلى الواقع الحقيقي الملموس وبالتالي الخروج شيئا ً فشيئا ً من قمقم العالم الإفتراضي، عالم الأوهام الكبيرة والمشروعات الطوباوية الوهمية وغير الواقعية. ويمكن تلخيص هذه العوامل والضغوطات والأسباب الموضوعية التي أدت إلى  إنتباه القذافي وإلتفاته للوضع الداخلي للشعب الليبي هذه الأيام فيما يلي:

العالم اليوم – بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وثورة الإتصالات والمعلومات – أصبح إلى حد كبير  كقرية زجاجية صغيرة بحيث بات الواحد فيها لايستطيع أن يـُخفي بشكل كامل كل مايجري في داره وبيته أو يخفيه ويتستر عليه أو يضرب حوله ستارا ً حديدياً. وهاهي منظمة الشفافية العالمية التي تراقب درجة الفساد في العالم تعطي أول جماهيرية في التاريخ – دولة مولانا مسيح العصر –  درجة متدنية جداً في  مادة الشفافية وهي (2/10) أي (إثنين من عشرة) لتدخل بالتالي في لائحة الدول الأقل شفافيةً والأكثر فساداً في العالم، كدخولها لائحة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان ولحقوق الصحافة، إلخ .. وهي نتيجة مخجلة وفضيحة كبيرة وحقيقة مريرة لا يمكن إلا تجرعها بكل مرارة وبكل جدارة!! والفساد يُقصد به في الأعم والغالب هو فساد الذمة المالية .. فساد المسؤولين عن الأموال العام !.. فدخل النفط السنوي لليبيا / الجماهيرية معروف عالمياً إذ أن سعر البرميل معروف وعدد البراميل التي تصدرها ليبيا يومياً معروف أيضاً .. ومن ثم يبقى السؤال: أين تذهب كل هذه الأموال– دخل النفط – وكيف تـُـنفق؟ وعلى من تـُـنفق؟ وأية بالوعات تبلعها؟.. أين أثارها الفعلية الملموسة على المواطن الليبي من حيث دخله الفعلي ومن حيث الخدمات الضرورية والتكميلية التي تقدمها له دولته؟ .. فالدول الراقية والمتحضرة التي تحترم نفسها تنشر أرقام وارداتها ودخلها ونفقاتها بكل دقة وموضوعية وبكل صدق ووضوح وشفافية وبشكل دوري منتظم وإلا أُعتبرت من الدول الفاسدة عديمة الذمة. وبالتأكيد أن أول جماهيرية في التاريخ – دولة العقيد– دولة من هذا النوع الأخير ولذلك رسبت في مادة (الشفافية) بجدارة! .. فكانت الفضيحة كبيرة والصفعة مريرة”.

وإذا تطرقنا لواقع العدالة الاجتماعية في التوزيع بين الجنسين فإننا نلاحظ أن معدل نصيب الذكور من الثروة يفوق 3 أضعاف معدل الإناث في معظم الدول العربية وتراوحت النسب بين الضعف في المغرب إلى خمسة أضعاف في السعودية[28] حيث بلغ نصيب الإناث في المغرب في العام 2002 هو: 2,153$ وفي السعودية 3,825$ في حين بلغ نصيب الذكور 5,354$ في المغرب، و 18,616$ في السعودية.

ولو نظرنا إلى سياسات التغذية المتبعة في الدول نجد بأن اليمن من أسوأ الدول العربية اتباعاً لسياسات صحية حيث أن 46% من الأطفال دون الخامسة يعانون نقص الوزن ما بين الأعوام 1995 – 2002م في حين أن موريتانيا لديها 32%، عُمان 24%، السودان 17%، السعودية 14%، الإمارات 14%، الكويت 10%، في حين أن تونس لديها 4%، ولبنان 3%. إن هذه الحقائق تدلل بشكلٍ قاطع أن الدول الغنية بالنفط لا تتبع سياسات متوازنة وعادلة في توزيع الثروة بين المواطنين كما أنها لا تنفق المال العام ومصادر الثروة بشكل متوازن حسب احتياجات المواطنين وأوجه الحياة المختلفة حسب الضرورات التي تتطلبها عملية التنمية.

يقول الدكتور محمد الرميحي: “أرقام الفساد مذهلة، فطبقاً لأحد تقارير البنك الدولي المنشورة، يفيد بأن معدل كلفة الرشوة ضمن مؤسسات تتعامل دولياً يقدر وحده بثمانين بليون دولار سنوياً وحتى اليوم فإن دولة واحدة في العالم هي الولايات المتحدة التي سنت قانوناً ضد الرشوة عام 1977 وهو الخاص بممارسات الفساد في التعاملات الخارجية، منعت بموجبه ممارسة الرشوة في الحصول على الصفقات، وفُعّل القانون فقط في السنوات الأخيرة، بعد انتهاء الحرب الباردة. ومن الملاحظ أنه استناداً إلى مصادر في وزارة التجارة الخارجية الأميركية، فإن الشركات الأميركية قد خسرت بسبب هذا القانون في عامي 1994 و 1995، ما قيمته خمسة وأربعين بليون دولار من العقود الخارجية بسبب عدم قدرتها قانوناً على دفع الرشى! لا بد من التعجيل بالقول أن الدول الكبرى والحكومات الغربية، قبل سقوط حائط برلين، وانتهاء الحرب الباردة، أي قبل تسعينات القرن الماضي، كانت تدعم الطغاة في كل قارة لتأمين الدعم لجدول أعمالها الجيوسياسي المضاد لأعدائها الأيديولوجيين، وكان معظم هذا الدعم الذي يقدم بواسطة مؤسسات ومنظمات دولية وضمن هذا الدعم تشجع الفساد والفاسدين في تلك الدول. والوعي بأن مثل هذه الممارسات من دعم الفساد يحدث أضراراً بالغة لدى الشعوب تتخطى بمراحل كل الأرباح السياسية الممكنة، جاء فقط مع بعد بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث تبين بما لا يخالطه الشك، أن المخاطرة أعظم وأكبر من أي ربح جانبي ومؤقت تحصل عليه تلك الدول، فقد ظهرت للدول الكبرى الأثمان الباهظة التي يمكن أن تدفعها من رصيد أمنها واستقراها باستمرارها دعم الفساد. فقد قيل منذ زمن طويل أن «العدل أساس الملك». وتثبت الأرقام العربية في هذا الصدد حقيقة مذهلة، وهي أن حجم الديون العربية تقدر بثلاث مئة بليون دولار، هي بالضبط حجم الرشاوى والفساد المصروفة خارج قنوات التنمية. والتفاصيل كثيرة ومنشورة، بل أن بعض بلداننا أنشأ مؤسسات لمكافحة الفساد والدعوة للشفافية والحفاظ على المال العام”[29].

المبحث الثالث: الوصول لمجتمع العدالة والحرية والمساواة والأمن

يحدد تقرير التنمية الإنمائي للعام 2004 طريق السلامة ويسميه مسار “الازدهار الإنساني” حيث يقول: “إن السبيل الذي نراه لتلافي بديل الخراب الآتي هو عملية تاريخية تتبناها جميع الشرائح المناصرة للإصلاح في عموم المجتمع العربي، في السلطة وخارجها على مختلف الجبهات بإطراد، وبالسبل الديمقراطية كافة، بهدف تعزيز الحريات والحقوق من خلال عملية تفاوض تاريخية. والنتيجة المتوخاة هي إعادة توزيع القوة في المجتمعات العربية بما يوصلها لمستحقيها من السواد الأعظم من الناس، والعمل على إقامة نسق حكم صالح يشكّل أساساً متيناً لنهضة إنسانية في الوطن العربي”[30]، “ومع إطراد الاتجاهات الراهنة، يمثل الحكم الصالح حلاً جذرياً لتجاوز البدائل المدمرة التي ينطوي عليها بديل (الخراب الآتي)، لأنه يتيح قنوات سلمية وأيضا فعالة لدفع المظالم بكفاءة، قاضيا بذلك على مقومات ذلك البديل”[31].

إنطلاقاً من ذلك؛ نقول بأن عملية الوصول لمجتمع العدالة والازدهار والأمن في المجتمعات العربية لا يمكن لها أن تتحقق إلا من خلال:

1)    ضمان الحرية للجميع والاحترام الكامل لمنظومة حقوق الإنسان وعلى وجه الخصوص الحق في التحرر الوطني، وأن يصدق الفعل القول إنهاء لازدواجية المعايير التي سادت تعامل بعض القوى الغربية مع المنطقة العربية وتجريم الانتقاص من حقوق الإنسان أياً كان مصدر الانتهاك.

2)    احترام جميع الأطراف لحق العرب في إيجاد طريقهم الخاص إلى الحرية والحكم الصالح دون فرض نماذج مسبقة، مما يضمن النجاح والدوام للتحول التاريخي نحو الحرية والحكم الصالح.

3)    القبول بإدماج القوى المجتمعية الفاعلة كافة في نسق للحكم الصالح يضمن شمول التمثيل الشعبي ومقاومة التوجهات الإقصائية التي شابت الحياة السياسية في البلدان العربية وأحياناً غذتها قوى خارجية فلكل القوى المجتمعية في البلدان العربية الحق في التنظيم والنشاط المجتمعيين المدني والسياسي بشرط الالتزام بالأساليب الديمقراطية واحترام حقوق الآخرين.

4)    الالتزام بنتائج تعبير الإرادة الشعبية عن نفسها من خلال نسق حكم صالح في مناخ الحرية فالإرادة الشعبية الحرة لا مصالح القوى الخارجية أو تصوراتها بشأن المنطقة العربية يجب أن تكون هي الفيصل في تعيين مستقبل الشعوب العربية.

5)          التعامل مع الشعوب العربية من منطق شراكة الأنداد القائمة على الفهم العميق والاحترام المتبادل لا من منطق الوصاية.

6)          تقييد السلطة التنفيذية من خلال إجراءات دستورية وتفعيل القضاء من خلال استقلاله.

7)          كفالة الحريات الشخصية وضمان عدم التمييز للجماعات الفرعية والأقليات.

8)          إصلاح المؤسسة التعليمية بشكل جوهري لضمان الحرية المستقبلية للأفراد.

9)    تطوير التمثيل النيابي من خلال إنشاء لجان خاصة للنزاهة في المجالس النيابية لمنع النواب من استغلال نفوذهم السياسي لمصلحة خاصة أو العيش على الصالح العام.

10)     إنفاذ التداول السلمي العميق للسلطة في البلدان العربية وصولا للحرية والحكم الصالح في بديل “الازدهار الإنساني”.

الخلاصة:

يخلص الباحثان في الدراسة إلى أن الأمن القومي العربي يتطلب مرتكزات ومقومات خارجية وداخلية أهمها توفر الولاء والانتماء من قبل الشعوب العربية للنخب السياسية الحاكمة، وأن هذا الولاء والانتماء للدولة لا يمكن أن يتحقق ما لم تتحقق مظاهر العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وسيادة القانون وخضوع الحكام والمحكومين للقانون على حد السواء.

كما أن هذه الحالة لا يمكن لها أن تتحقق مالم يُسمح بالمشاركة الواسعة والعريضة لكل القوى الحية والفاعلة في المجتمعات العربية بدءاً بالمشاركة السياسية وانتهاءاً بالرقابة على الأداء الحكومي للسلطات على قاعدة أنه لا توجد سلطة على الأرض ذات صبغة إلهية منزهة عن الخطأ، بل يجب تقويمها من خلال الرصد والتوثيق، التحليل، وتقديم النصح والمشورة والعبر، ومن ثم التقويم والتعديل.

وللوصول لهذه الحالة لابد من تغيير بنيوي وهيكلي في النظم السياسية الحاكمة، عقلية النخب السياسية، وثقافات المجتمع على السواء لأن عملية التغيير والتحول الديمقراطي ليست مجرد إصلاحات دستورية وإنما ممارسة وثقافة واقتناع.

النتائج:

توصل الباحثان إلى النتائج التالية:

1)  التحول الديمقراطي في العالم العربي ممكن وهو مطلب حقيقي للجماهير والشعوب العربية القاعدية وللنخب السياسية والمجتمعية على السواء.

2)  عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية لا زالت تراوح مكانها بسبب ضعف الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير والتدخلات الخارجية ذات التأثير على القوى السياسية الحاكمة.

3)  عملية التحرر من وطأة التبعات الخارجية لن تتم بدون لجوء الحكومات لدعم جماهيرها في وجه هذه التدخلات، حيث أن أية عملية حكم صالح حقيقي غير مرحب بها من قبل القوى المعادية للأمة العربية.

4)  عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية تحتاج لتغيرات بنيوية وهيكلية في كل من النظم السياسية الحاكمة وعقليتها، وثقافة الشعوب العربية.

5)  تحقيق العدالة الاجتماعية في البلدان العربية لن يتحقق بدون ممارسة نموذج الحكم الصالح في الحكم على كل المستويات.

6)  أن تحقيق الأمن القومي العربي داخلياً مقترن بشكل كبير في تحقيق رضا الشعوب العربية عن نخبها الحاكمة والذي لن يتحقق بدون التوزيع العادل للثروات.

التوصيات:

يوصي الباحثان بالأخذ بالتوصيات التالية:

1)    الاهتمام بالتعليم لضمان إنتاج أجيال واعية ومثقفة يمكن لها ممارسة الديمقراطية كثقافة خلال العقود المستقبلية.

2)  تشكيل هيئات رقابية عربية تلعب دوراً رقابياً على أداء السلطات المختصة فيما يختص بالمال العام والالتزام بتطبيق نموذج الحكم الصالح، وتقدم تقاريراً دورية سنوية للسلطات وتُعلن للجماهير ويعتمد عليها القضاء في حيثياته.

3)    تفعيل دور الأحزاب العربية بممارسة الديمقراطية ضمن أطرها وتشكيل أطراً داعمة ومراقبة لأداء السلطات الرسمية في البلدان العربية.

4)  إنفاذ التداول السلمي العميق للسلطة في البلدان العربية وصولا للحرية والحكم الصالح من خلال آليات واضحة ومكفولة دستورياً وقانونيا.

5)  ضرورة اقتناع النخب السياسية الحاكمة بمبدأ المحاسبة والشفافية والمساءلة كثقافة وأن الشعوب العربية هي صانعة القرار وأن مواقعهم تكليف لهم وليست تشريفا بموجب سلطات غيبية.

6)  تبني الحكومات العربية للدراسات والبحوث ذات البعد القومي التي تبحث في العلاقات بين الأمن القومي العربي ومشاكل التنمية العربية للبلدان العربية مجتمعة أو فرادى.

انتهى ،،،

الملاحق:

ملحق رقم (1):

جدول (1): دليل التنمية البشرية


جدول (2): دليل التنمية المرتبط بالجنس:

 


جدول (3): الفقر البشري في البلدان العربية

 


جدول (4): فقر الدخل واللامساواة في الاستهلاك

 


جدول (5): الإنفاق على التعليم

 

 

 

جدول (6): مؤشرات اقتصادية رئيسية

 

جدول (7): أولويات الإنفاق العام

 

قائمة المراجع:

1)    الوثائق:

  1. الوثيقة الدولية لمنظمة الشفافية العالمية: الفساد يقوض المعركة العالمية لمكافحةالفقر، موقع يو إس إنفو:

http://usinfo.state.gov/ar/Archive/2004/Oct/21-929185.html

  1. تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004، الحرية والحكم الصالح في العالم العربي.UNDP
  2. سياسة الأمن القومي، مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة-تشرين الأول/ أكتوبر 2005م.www.dcaf.ch/publications/backgrounders
  3. تقرير البنك الدولي للعام 2002 وللعام 2003. www.worldbank.org

 

2)    الكتب والمراجع:

  1. محمد عبد المعز نصر: في النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية، بيروت 1973.
  2. صامويل هنتغتون “الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين”، ترجمة عبد الوهاب علوب، مع مقدمة تحليلة بقلم سعد الدين إبراهيم، المجتمع المدني ومستقبل التحول الديمقراطي في الوطن العربي. سعاد القباج ط 1، 1993.

 

3)    المقالات:

  1. مقالات للدكتور/ سعيد زيداني (تأملات حول الدولة والمجتمع المدني في الوطن العربي، ورقة مقدمة لمؤتمر حالة المجتمع المدني بعمان 2001م، من مقالات لمحمد عابد الجابري (مقالة في جريدة المستقبل العربي، والدكتور/علي الكنز (من الإعجاب بالدولة إلى اكتشاف الممارسة الاجتماعية (بتصرف).
  2. مقالة للكاتب: سليم نصر الرقعي بعنوان: مليون ليبي فقير في أول جماهيريه في التاريخ، موقع: ليبيا المستقبل-منبر الكتّاب، 9/1/2006م.

http://www.libya-almostakbal.com/MinbarAlkottab/January2006/SaleemArragi/saleemArragi090106.htm

  1. د. معتز بالله عبد الفتاح، موقع الشرقية أون لاين www.sharkiaonline.com
  2. محمد المحفوظ، مقالة لصحيفة الرياض السعودية، في 31/3/2005.
  3. مقالة للدكتور محمد الرميحي: التقرير الأكثر خطورة، العربية نت – الأربعاء 26 أكتوبر 2005م-بتصرف. http://www.alarabiya.net/views/2005/10/26/18057.html
  4. تقرير عن الجزيرة نت السبت 28/7/2007م – http://www.aljazeera.net/NR/exeres/515949C0-F6E1-4A07-9738-B6FAC95F2D59.htm

[1] محمد عبد المعتز نصر: في النظريات والنظم السياسية، ص 164-165.

[2] مقالة “مجتمع الاستبداد” مقدمة لمجلة الرأي السورية الصادرة بتاريخ 28/4/2007م

[3] محمد ظروف لمجلة “الوطن” القطرية في 28/4/2007م:

[4] صمويل هنتغتون، الموجه الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين.

[5] محمد المحفوظ، مقالة لصحيفة الرياض السعودية، في 31/3/2005.

[6] د. معتز بالله عبد الفتاح، ، مقالة لموقع الشرقية أون لاين www.sharkiaonline.com

[7] نفس المقالة السابقة.

[8] السيد يسين، مقالة في جريدة النهار 2 كانون الثاني يناير 2006م

[9] محمد المحفوظ، مقالة لصحيفة الرياض السعودية، في 31/3/2005.

[10] سياسة الأمن القومي، تقرير موجز: مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة-تشرين الأول/ أكتوبر 2005م.

[11] التقرير السابق.

[12] تقرير البنك الدولي للعام 2002 وللعام 2003.  www.Worldbank.org

[13] تقرير سابق صادر عن مركز جنيف.

[14] المصدر: من مقالات للدكتور/ سعيد زيداني (تأملات حول الدولة والمجتمع المدني في الوطن العربي، ورقة مقدمة لمؤتمر حالة المجتمع المدني بعمان 2001م، من مقالات لمحمد عابد الجابري (مقالة في جريدة المستقبل العربي، والدكتور/علي الكنز (من الإعجاب بالدولة إلى اكتشاف الممارسة الاجتماعية (بتصرف)

[15] مجلة الرأي السورية في افتتاحيتها بتاريخ 28/4/2007م: إعلان دمشق: السوريون أداروا وجههم للانتخابات البرلمانية.

[16] مجلة الرأي السورية في افتتاحيتها بتاريخ 28/4/2007م.

[17] تقرير التنمية الإنمائي للأمم المتحدة ص 135.

[18] تقرير التنمية الإنمائي للأمم المتحدة 2004، ص 111

[19] تقرير التنمية الإنمائي للأمم المتحدة 2004، ص 111

[20] تقرير سابق ص 157

[21] عيسى، ماهر: دليل المرشد في الإعداد لبرامج تدريبية وتنموية، ص 14.

[22] الجزيرة نت السبت 28/7/2007م

[23] تقرير التنمية الإنمائي للأمم المتحدة للعام 2004م.

[24] تقرير منظمة الشفافية الدولية: الفساد يقوض المعركة العالمية لمكافحة الفقر: موقع يو إس إنفو

[25] التقرير السابق ص229.

[26] التقرير السابق ص229.

[27] مقالة للكاتب: سليم نصر الرقعي.

[28] جدول (3): تقرير سابق ص 230

[29] مقالة للدكتور محمد الرميحي: التقرير الأكثر خطورة، العربية نت – الأربعاء 26 أكتوبر 2005م-بتصرف.

[30] تقرير سابق ص 157

[31] تقرير سابق ص 157

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button