التدخل الأجنبي في الأحداث العربية الجارية: فرضية حالة من خلال  الحراك الجزائري

التدخل الأجنبي في الأحداث العربية الجارية

{فرضية حالة من خلال  الحراك الجزائري }

دكتور محمد مراح

قدَم الدكتور صبحي غندور في مقاله { التدخّل الأجنبي وضعف المناعة العربية} في {رأي اليوم } 29ّ ماي 2019 تحليلا لمنافذ التدخل الاجنبي في الساحة العربية التي تموج بالاضطرابات والأحداث الثائرة أو المتأهبة للثوران، في وضع عربي متضعضع، يعاني شاى انواع الهزال والأدواء التي تضاعف مستويات خفظ المناعة في جسمه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وحتى الديني .

واتخذ الدكتور صبحي الدأب الصهيوني ومثابرته المستميتة الدائمة للتدخل في أوضاع العالم العربي بكل صرامة وعدوانية وقوة، مهما تكن الظروف والملابسات التي تكتنف دولة ما، سواء كانت مستقرة ظاهرا أو مضطربة، وهو الأنسب للتدخل بما يخدم أهدافها الكبرى في المنطقة، ويؤمن لها حاجتها الأساس وهي الأمن ، كي تؤدى رسالتها المركزية في المنطقة، أي ادامة وضع تخلف هذه الدول، كي تبقى هي دوما الدولة المتقدمة المتطورة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وتساوم بهذا الوضع الدول الكبرى ذات المصالح الكثيرة في المنطقة على تقديم خدماتها لها مقابل إدامة السند والمؤازة والتحيز لها في كلَ أحوالها، وخاصة عند بوادر مقاومات تهدد وجودها .

 

وقد جاء مقال الدكتور صبحي ــ حسب تقديري ــــ في سياق مقالات خصها لقضايا تبدو فكرية ودينية، لذا .فنحن نقول له : نحييكم أولا على التفاتكم في هذا الشهر الكريم لقضايا فكرية إسلامية، في عمق تمثل خلفية فكرية لكل ما يحدث في العالم الإسلامي والعربي خصوصا ، وقضاياه التي لا يزال تائها عنها، بين قصد وجهل وغباء وبلادة وميوعة وإغراق في رفاهية لم يخلق لها ولم تخلق له، ولم يصنع أسبابها ، إلى درك العمالة التي برع فيها كثيرون حدَ الابداع والمعتقد

أما ما حللتموه في مقالكم البديع ، في قولكم :{من السذاجة طبعاً  …أنّ إسرائيل هي طرفٌ محايد ومراقب لما يحدث في جوارها المعادي لها} . أن العرب الرسميين تجاوز كثير منهم هذا الحاجز من التقييم، لأنهم يتسابقون إلى خيرات الرضا الصهيو ــــــ أمريكي ، وعلى استعداد للقتال فيما بينهم لتحقيق السبق فيه، ونوال البركة {الماسو ــــ صهيونية} ذات الإرادة العليا في تقرير اتجاهات العالم كما لا يخفى على الجميع . وأغلب هؤلاء الرسميين حكاما وسياسيين ومحترفي سياسة صدئة، وعتادهم من أقلام وقنوات إعلامية ومدد مالي قاروني ـ أكثر ما يتوجسون منه أن تخيب فروض ولاءاتهم الخرافية لدى المحفل الأعظم .

وقد يكون من تأكيد تحليلكم المُسدد، مثلا المسألة الجزائرية الآن ، فهي بالطبع لم تأت من فراغ، و السبب المباشر لاندلاع بيَن للعيان وللجميع .

لكن قطعه عن سياقات ومقدمات وسوابق قريبة ــــــــ وللأسف هذا ما يحدث، إذ لا يكاد يشار أو يذكر، بل هو محل تهوين وسخرية وتهوين  مغرض، واتهام من يتحدث عنه علنا في خضم الأحداث الجارية بشتى الأوصاف الشنيعة ـــــ فمنذ أحداث { الهلاك العربي } الذي لوثوا به رقة الربيع، فصل الإشراق الكوني، عرفت الجزائر أحداثا ووقائع ثبت أمنيا وإعلاميا ضلوع الكيان المجرم فيها : منها : أحداث غرداية المؤسفة التي كادت أن تتحول إلى حرب أهلية محلية منطقية{نسبة لمنطقة غرداية } ـ القبض أكثر من مرة على متخابرين مع الكيان الصهيوني ـــــ محاكمة أشخاص تخابروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الكيان ــــــ خبر زيارة عدد كبير من العرب للكيان من جنسيات عربية ، ومنهم جزائريون، وتُجُوهل الخبر، فلم ُتثره أي وسيلة إعلامية مؤثرة في الجزائر ـــــ تقارير من بعض مؤسسات الإعلامية والبحثية الاستراتيجية الصهيونية حول الجزائر والحاجة الماسة لكبح جماحها فيما يتعلق بالموقف المتأجج حماسا لتحرير فلسطين ـ المعلومة التي أوردها الباحث الاستراتيجي الكبير الدكتور وليد عبد الحي في بعض مقالاته من إحتلال الجزائر مرتبة متقدمة ضمن ضمن أبحاث الجامعات ومراكز الأبحاث الصهيونية منذ2010 إلى الآن؟

وفي مقال {الرؤية الاسرائيلية للأزمة الجزائرية المعاصرة}

يورد ملخصا  لدراسة {أصدرها  (INSS) او معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي أحد أبرز المؤسسات البحثية المؤثرة في اسرائيل، وهو مركز تابع لجامعة تل أبيب، ونشأ كرد فعل على الفشل الاسرائيلي في توقع حدوث حرب اكتوبر عام 1973 بين سوريا ومصر ضد اسرائيل. في شهري مارس و ابريل من عام 2019 الحالي أصدر المعهد تقييما للوضع في الجزائر اثر نشوب الأزمة} ، بعد عرض وجه نظر المركز حول الأحداث الجارية ، يخلص إلى نتائج أهمها في سياق التدخل الصهيوني في توجيه الأحداث ، ما يأتي :

ستعمل اسرائيل بكل الطرق لعرض خدماتها على دول المغرب العربي بخاصة في المجالات التالية: أ‌- المعلومات الاستخبارية حول القوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية في كل دولة مغاربية والعمل على تحجيمها وتشويهها إعلاميا.

ب‌- المساندة في الولايات المتحدة من خلال اللوبي اليهودي لطرف من اطراف الصراع الداخلي في كل دولة من دول المغرب العربي مقابل انفتاح هذا الطرف تدريجيا على اسرائيل على غرار ما جرى مع دول مجلس التعاون الخليجي

 ت‌- محاولة تحريك بعض الاقليات او المذاهب او خلق شقاق داخل المؤسسات العسكرية من خلال توظيف التحالفات الدولية مع الأطراف الداخلية}  . { أنظر : الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية 22 أفريل 2019} .

وأقتصر هنا على مؤشر واحد من  المؤشرات غير المباشرة في سياق الحراك في الجزائر بعض المواقف المتطرفة جدا الدافعة للفراغ سياسي فضلا عن الدستوري ، تحت شعار

{ ليرحل الجميع}، ومعروف من الخبرة بطبيعة الشعارات الحالبة للعواطف في سياق ظروف تسيير سياسات فاشل، قلت : معروف الختم الصهيوني الرسمي لمثل هذه الشعارات العدمية الدافعة نحو زلزلة الأوضاع ، مما يتيح للقوى المتنفذة حرية تنفيذ مخططاتها في وسع من أمرها ، ولن تعدم وكلاء ، وعملاء، منتفعين، وطمَاعيين، وبائعي ذمم، فقد صار عالمنا العربي مزرعة نموذجية لإنبات وإخراج هذا النبت الشيطاني بوفرة قل نظيره

قد يقال أيضا هذا نداء الجماهير ؟ فلما التدليس والتخوين ؟ الجواب : أنه فعلا نداء الجماهير منذ الأسابيع الأولى للحراك ، والجماهير في مجموعها صادقة التعبير عما جاشت به عواطفها، ومشاعرها من معاناتها وتوقها لغد  أفضل، .

فأخرجته شعارا بالغ ذروة التعبير عن كلَ ذلك

 

   

 لكن السؤال : كيف زُرع الشعار بينهم وانتشر وصار مطلبا مترددا متكررا بإصرار، رغم تضافر كل الأدلة الواقعية والعقلية عن عدم واقعيته؟

 الجواب يجب أن يُطلب في بحر {فيس بوك الجزائري} شعب سكن جمهورية فيس بوك بنحو عشرين مليون حساب ، ولسنا في حاجة للتدليل على فرضيات الاختراق واصطناع ما يراد اصطناعه من أفكار وشعارات وعبارات ، ثم القذف بها في بحر جمهورية فيس بوك الجزائرية، كي يُتلقف كل ما وافق الشروط النفسية القوية لتبنيه، ثم توفير كل أسباب إبرازها في المظاهرات والتشديد عليها ، بوصفها أعلى مظاهر التعبير الثوري العارم . وهكذا  ينجز العامل النفسي المهمة بأفضل ما تُنجز به .

 ولا شك أن كثيرين يرون في هذا الطرح مبالغة وأننا صرعى نظرية المؤامرة، في أقل الاتهامات، وفي أسوأها أننا من أقلام النظام، ومروجي الشائعات والأوهام خدمة له، و تعزيزا  لأسباب بقائه .

بالطبع نحن من أبعد الناس عن هذا،  لسبب بسيط واقعي وهو أننا لا ننتمى لهيئة سياسية ولا غير سياسية رسمية أو غير رسمية في البلاد، غاية ما نحن عليه ، فكرة ونية صالحة واعتزاز بقيمة الرأي الخالي من المصالح الذاتية والأهداف غير الوطنية . إننا مذ كتبنا لم نكن يوما إلا كذلك ولن نكون إلا كذلك إن شاء الله .

ولذا فإننا نعتقد أن مؤشرات كثيرة فضلا عما ذكرنا تعزز فكرة التدخل الأجنبي فيما يجري سواء تأثيرا في الأحداث أو استثمار اأاوضاع، أو التسلل عبر هيئات وغيرها ، كل هذا الآن وقبله .

من ذلك مثلا : صار مؤكدا يقينا محاولات متطرفي الحركة البربرية

{ البربريست } ركوب الحراك، والظهور عبره بشتى الوسائل والأسباب لإيصال رسائلهم المموهة بالديمقراطية والجمهورية الجديدة، وغيرها، للرأيين الداخلي والخارجي، وكونهم  أحد أركان الحراك التي تنشد مجتمعا ديقراطيا لائكيا يفصم عرى صلاته بالعالم العربي والهوية العربية والإسلامية عبر مراحل تمكنه، واستغلال تشابكات عناصره مع قوى تصدع الرؤوس بالديمقراطية، وهي لم تكن كذلك يوما ما كلما نادى منادى العمل الديمقراطي الانتخابي، وأصدق مثال ما حدث في التسعينيات .

ومعروفة علاقة زعيم هذه الحركة الأكثر تطرفا فرحات مهني بالصهيونية والكيان الصهيوني ، فقد  زار عام 2012 الكيان الإسرائيلي، والتقى مسؤولين في دولة الاحتلال وأعلن موقفه الداعم لـ”إسرائيل” وطالب بدعم من وصفهم بـ”الشرفاء في الكنيست”، وأدلى بتصريح جاء فيه “نحن في بيئة معادية، كلا البلدين (يقصد دولة الاحتلال ودولته المزعومة) يشتركان في الطريق نفسها، ولكن “إسرائيل” موجودة بالفعل وهذا هو الفارق الوحيد”، وتعهد بفتح سفارة إسرائيلية في دولته حين إقامتها، وحاول بعدها الحصول على دعم من المغرب قبل أن يعلن الأخير رفضه التعامل معه مجددًا بسبب الخوف من انتقال فكرة الانفصال إلى أمازيغ المغرب}.

كما سبق لنائب برلماني فرنسي سابق يسمى Bernard Deschamps أن قام بوصف حركة الماك بالحركة الإنفصالية التي تسعى إلى تقسيم الجزائر ،و ذلك بدعم من قوى أجنبية من بينها إسرائيل ،و قد جاءت هذه التصريحات في 25 سبتمبر 2017 ،كتنديد على مشاركة حركة الماك في تظاهرة إحتفالية الإنسانية المنظمة في منطقة تسمى La Courneuve.

هذا المتطرف  الانفصالي الذي لا يتردد في الدعوة لحمل السلاح ضد الدولة الجزائرية، لحماية القبائل المضطهدين من النظام . لم تجد جامعة مولود معمري في تيزي وزو أي حرج في خضم التظاهرات أن تدعوه لتقديم محاضرة لطلابها عبر تقنية المحاضرة عن بعد، موضوعها { تحرير القبائل من الجزائر}.

ويجد بكل وقاحة من يصرح عبر قناة تلفزيون وطنية خاصة من يرى أن من حقه التعبير عن رأيه، ورد هذا في تصريح المحامي مقران أيت العربي الذي بشر في اللقاء الصحفي نفسه بأن الجزائر مقبلة على كسر كل الطابوهات، ومعروف ان طابوهات الجزائر هي الانتماء العربي ، والنص في دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وقانون الأسرة الذي كان ولا زال أحد أكبر أهدافهم لإسقاطه، وأحداث تشريع مدني لائكي يلغي أكثر أو كل أحكام الشريعة الإسلامية منه .

لكن يعنى هذا بالضرورة تحقيق الاختراقات والتأثيرات الضارة في النتائج التي يمكن أن يسفر عنها الحراك ؟ الجواب نجده في التطورات الكثيرة على الساحة، سواء من داخل الحراك أو لدة الطبقة السياسية ذات التوجهات المنسجمة مع هوية الجزائر، فضلا عن مثقفين وكتاب وأصحاب رأي وفوق ذلك كله الروح الجمعي الجزائري، فهؤلاء جميعا يوفرون لنا لوحة مطمئنة بإذن الله تعالى رسم عليها : التفطن للأهداف المشبوهة والتصدى لها، عناصر الهوية الوطنية جدار تنكسر عليه هذه المحاولات المغرضة ، الصمود في تحقيق المطالب المعقولة لبناء مستقبل جديد في مستوى شروط البناء الحضاري الجديد الذي تتوفر الجزائر على أكثرها ، القطع مع الممارسات السلبية في مسار الدولة الوطنية، والاستمرار لعناصر القوة وركائز الشخصية الوطنية وهويتها من لغة ودين وقيم ثورة نوفمبر 54 . ومن المؤكد أن مقالات أستاذنا الكبير الدكتور محي الدين عميمور المتوالية في { رأي اليوم } مجلى كل التفاصيل الدقيقة والحقائق الدامغة على ما تضمنه هذا المقال، وتزيد الكثير الكثير، مما نعتقد أننا لم نتجاوز فيه الإشارة . فجزى الله خيرا الدكتور عميمور { م.دين}  بطل ملحمة منازلة قوى التسلل ، في هذه المرحلة الخطيرة الحاسمة .

وجزى الله خيرا { رأي اليوم} التي فسحت لجهاد  الكلمة والرأي النبيلين مجالا في موقعها. حتى أني ألاحظ أن القراء والمعلقين على المقالات ذات الصلة لما ينشر في { رأي اليوم } يجدون حرية تعبيرهم دون تردد ولا خشية أفضل مما يجدونه في صحفنا الوطنية . 

  أما على مستوى الأمة  وما يحدث فيها فالله غالب على أمره ، وما يحدث ما هو سوى تمحيص لها  من بعض وجوهه، كي يخلص للحق أهله، و رافعوا لوائه، ومنفذو إرادة الله تعالى به . وإن نصر الله قريب إن شاء الله

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button