دراسات افريقيةدراسات اقتصادية

التصنيع مسار أفريقيا البديل نحو التنمية

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، المقالة 1، المجلد 21، العدد 4 – الرقم المسلسل للعدد 85، الخريف 2020، الصفحة 7-38 

المؤلف غادة أنيس البياع* مدرس الاقتصاد، کلية الدراسات الأفريقية العليا، جامعة القاهرة.

مقدمــة

سجلت أفريقيا معدلات نمو سريعة الوتيرة خلال العقد الأخير، وعلى الرغم من الأثر السلبي للأزمة العالمية يظل أداء اقتصادات القارة الأفريقية هو الأعلى عالمياً. ورغم ذلک فإن الأداء الاقتصادي للبلدان الأفريقية ظل حتى الوقت الراهن شديد التأثر بالصدمات الخارجية من جانب، کما أنه لم ينعکس بصورة واضحة على فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة، وتخفيض معدلات الفقر في أفريقيا من جانب آخر، وهوما يشکک في استمرارية النمط السائد للنموفي أفريقيا دون تغيير هيکلي حقيقي في اقتصاداتها يمکنها من تحمل الصدمات الخارجية، ويرفع کفاءة مواردها الطبيعية والبشرية، بالتحول نحوالصناعة وهياکل الإنتاج والتصدير الأکثر تنوعاً وتطوراً، حيث يساعد التصنيع البلدان الأفريقية على تحقيق معدلات نمومرتفعة من خلال تنويع هياکل الإنتاج، والحد من التعرض للصدمات الخارجية، والمساهمة في القضاء على الفقر من خلال خلق الوظائف ذات الإنتاجية المرتفعة، وهوما يمکن القارة من المساهمة بشکل أکثر کفاءة في سلاسل القيمة العالمية.

ولعل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أعلن الفترة من 2016 وحتى 2025 عقد التنمية الصناعية الثالث في أفريقيا، وکذلک ما ذهبت إليه أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 ضمن ما ذهبت نحوقارة مزدهرة مصنعه  ومنتجه، هوتجسيد لضرورة المضي قدماً نحوهذا التحول من أجل تحقيق النموالشامل والتنمية المستدامة.

وتناقش الورقة البحثية المقدمة ذلک من خلال أربعة أقسام هي:

المطلب الأول: تجربة أفريقيا في مجال التصنيع والتحول الهيکلي

المطلب الثاني: اتجاهات التصنيع والصناعة  في قارة أفريقيا

المطلب الثالث: دور التصنيع في دفع عجلة التنمية في أفريقيا

المطلب الرابع: تحليل إمکانات القارة للتحول للتصنيع باستخدام مصفوفة التحليل الرباعي ( SWOT Analysis)

 المطلب الأول : تجربة أفريقيا في مجال التصنيع والتحول الهيکلي

منذ منتصف عقد السبعينيات وأوائل عقد الثمانينيات من القرن العشرين، شهدت بعض البلدان، وخاصة في آسيا وأمريکا اللاتينية وأوروبا الشرقية، نمواً سريعاً بفضل توسع صادراتها من السلع المصنعة , وانتقلت بذلک من مصاف الدول الأقل نمواً، إلى مصاف الأسواق أوالاقتصادات الناشئة، وأصبح بالتالي قطاع الصناعة التحويلية في هذه الاقتصادات الحديثة العهد بالتصنيع أحد أهم قطاعات الاقتصاد، وأصبح يسهم في الناتج المحلي الإجمالي وفي الصادرات والعمالة بصورة ملموسة.

وبينما أسهم التصنيع في تعزيز الصادرات والعمالة في بلدان مثل ماليزيا والصين، وحول کوريا من دولة ذات اقتصاد صغير نسبياً في أواخر التسعينيات إلى أحد أکبر منتجي السفن والرقائق الإلکترونية الدقيقة، کانت تجربة أفريقيا فيما يتعلق بالسياسات الصناعية وما أسفرت عنه من نتائج منذ الاستقلال  مخيبة للآمال بشکل کبير، ولعل جذور مشکلات التصنيع في أفريقيا تعود إلى فترة الاستعمار، حيث أن الاستعمار في أفريقيا کان قائماً بطبيعته على استخراج المواد الأولية، مما خلف بنى ومؤسسات وهياکل أساسية موجهة لتعزيز قطاع الاستخراج، وبالتالي لم تکن هياکل الإنتاج في الدول الأفريقية موجهه نحوالقطاعات التحويلية وإضافة القيمة وإنما نحوالاستخراج والتصدير.

وقد مرت التجربة الأفريقية في مجال التصنيع بثلاث مراحل أساسية هي:

1- استراتيجية التصنيع للإحلال محل الواردات 1960 – 1985

   بحصول أفريقيا على الاستقلال، اعتبرت حکومات ما بعد الاستعمار أن التصنيع هوالمحرک الرئيسي للتنمية الاقتصادية، فکان لقادة إفريقيا وجهات نظر متشابهة، من حيث الرغبة القوية في تحديث اقتصاداتهم الزراعية بشکل رئيسي، وخفض الاعتماد على القوى الاستعمارية السابقة، وکان المحور الرئيسي هوتطوير واسع النطاق لقطاع الصناعة التحويلية الذى تمتلکه وتديره الدولة، وکان ينظر إلى حماية السوق المحلي ضد الواردات على أنه ضروري، وهوما کان يعتبره قادة ما بعد الاستعمار وسيلة لتأمين “الاستقلال الاقتصادي”، وأصبحت الدولة الطرف الرئيسي في عملية التصنيع , فاستثمرت الحکومات الأفريقية المستقلة حديثًا استثماراً مکثفاً، وأنشأت مؤسسات مملوکة للدولة لإنتاج (السلع الاستهلاکية – ومواد البناء – ومعالجة المنتجات الأولية ) محليا, وتم تبنى استراتيجية إحلال الواردات، مدعومة بمستويات عالية من الحماية، ولإنشاء هيکل صناعي جديد وتقليل الاعتماد على الخارج , استثمرت الدولة بکثافة في تصنيع السلع الاستهلاکية والإنتاجية, واعتبرت الصناعات الکهربائية والالکترونية بصفة خاصة ضرورية لتوفير المدخلات اللازمة لزيادة التصنيع.

بالرغم من أن إفريقيا حققت بقيادة الدولة للتنمية الصناعية نجاحاً کبيراً في ستينيات القرن الماضي , حيث نما التصنيع بشکل أسرع من الإنتاج الکلي بين 1960 و1970 وزاد نصيب التصنيع في إجمالي الإنتاج , بين 1965 و1970 بلغ متوسط ​​النموالصناعي أکثر من 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، إلا   أنه  بحلول عام 1970، بدأ التصنيع يفقد قوته، وبحلول 1975، بدأت حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي تتناقص، وکان التباطؤ حاداً في عدد من الدول.

وبحلول الثمانينيات، بلغت جهود التصنيع التي تقودها الدولة حدودها في معظم البلدان , بين 1980 و1985 بدأ الإنتاج الصناعي في الانخفاض في غانا ونيجيريا وتنزانيا, وعلى عکس الهدف من استراتيجية إحلال الواردات، زاد الاعتماد على الواردات بسبب اعتماد الصناعة الکبير على استيراد رأس المال والسلع الوسيطة، وتجاوز الاستثمار العام القدرة المالية للدولة، وقدرتها على إدارة المؤسسات, وانخفضت کفاءة الإنتاج قياسا للأسعار الدولية، وفي بعض الحالات کانت السلع تنتج بقيمة سلبية، کانت هناک قدرة فائضة کبيرة في شرکات التصنيع العامة، والذى کان کثير منها مقيدا بشدة بسبب الافتقار إلى السلع الوسيطة المستوردة ورأس المال العامل.[1]

ويمکن استخلاص عدة دروس من الأداء الصناعي الضعيف لأفريقيا في إطار نموذجالتصنيع للإحلال محل الواردات:

  • افتقاد الحکومات الأفريقية للقدرات المالية والتنظيمية اللازمة لتشغيل المؤسسات الصناعية العامة بکفاءة
  • السياسات التي وضعت لتوجيه الاستثمارات نحوالتصنيع مثل إعانات استيراد المعدات الإنتاجية والقروض ذات الفوائد المنخفضة أدت الى التأثير سلباً على القطاعات الأخرى کالزراعة، بسبب تشويه الأسعار، وأدت في بعض الأحيان الى التوسع في قطاع السلع الاستهلاکية  بدلاً من أنتاج السلع الوسيطة.
  • الآثار السلبية للسياسات التي أتبعت لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر مثل القيود الاحتکارية، وعقود المورد الجيد والحقوق الحصرية في السوق الداخلي، حيث تسببت في إعاقة الروابط بين الصناعة والاقتصاد المحلي
  • فشلت الکثير من الدول الأفريقية في استغلال الميزة التنافسية في اختيار الصناعات المستهدفة، حيث اتبعت استراتيجية  کثيفة رأس المال، وبالتالي لم تستطيع الاستمرار والمنافسة في الاسواق المفتوحة نتيجة احتياجاتها الکبيرة من رؤوس الأموال.
  • التدخل السياسي في وضع وتنفيذ السياسات الصناعية، بما في ذلک اختيار القطاعات ومواقع الصناعات والمستفيدين الرئيسيين من القطاع الخاص… الخ، أدى الى نقص کفاءة قطاع الصناعة.[2]

2-     إجماع واشنطن والتکيف الهيکلي 1985- 2000

ابتداءً من مطلع  عقد الثمانينيات من القرن العشرين أتبعت معظم البلدان الأفريقية برامج التکيف الهيکلي التي روجت لاستراتيجيات النموالمرتکزة على التصدير، وحدث هذا التغيير في اتجاه السياسة العامة نتيجة عدة أحداث اقتصادية طرأت في عقد السبعينيات بما في ذلک إنهيار نظام بريتون وودز في 1971، وکذلک الصدمتان النفطيتان في 1973 و1979، بالإضافة للآثار السلبية التي أظهرتها سياسة أحلال الواردات التي أتبعتها الدول الأفريقية.

وظهر توافق في الآراء  وصف بـ “إجماع واشنطن” على مجموعة من عشرة إصلاحات في السياسات اعتبروها ملائمة للدول النامية، وقد أثرت ستة منها على البيئة السياسية للصناعة بشکل مباشر وهى: تحرير أسعار الفائدة – تحرير أسعار الصرف – تحرير التجارة – تحرير الاستثمار الأجنبي – الخصخصة – رفع القيود على الأسواق.

ودخلت أفريقيا مرحلة التکيف الهيکلي، حيث أنه بين 1985 و2000  کان أکثر من ثلاثين بلداً أفريقياً قد نفذهبصرامة، وقد ترکز في الأساس على استقرار الاقتصاد الکلي، وفي النهاية نجح البرنامج في استعادة توازن الاقتصاد الکلي، ولکن الخصخصة کانت الأکثر إثارة للجدل والأقل تبنياً، وکان الدافع الرئيسي للخصخصة في العديد من البلدان هواسترضاء المؤسسات المالية الدولية.

وفي عام 1990 انخفض إنتاج الصناعات التحويلية في غانا وموزامبيق ونيجيريا وتنزانيا، وتراجع نموالتصنيع في معظم الدول باستثناء أوغندا، کان قطاع الملابس والمنسوجات يواجه صعوبات، في تنزانيا تم إغلاق 22 من 24 مصنع للنسيج بحلول 1990، وفي نيجيريا تراجعت عمالة قطاع المنسوجات والملابس من 700 ألف في 1980 إلى 40ألف في 1995، بينما حافظت تونس على معدل نموفي التصنيع بلغ 5.5 % سنوياً طوال التسعينيات برغم الشروع في تنفيذ برنامج التکيف الهيکلي الخاص بها.[3]

ويمکن استخلاص درسين أساسيين بخصوص التصنيع في حقبة التکيف الهيکلي:

  • رکزت برامج التکيف على الاستقرار الاقتصادي الکلي والإصلاحات الهيکلية من أجل تهيئة بيئة مواتيه للشرکات الأجنبية، بينما لم تبذل سوى جهود ضئيلة للتصدي لإخفاقات الأسواق وللعوامل الخارجية التي فرضت قيوداً على النشاط الاقتصادي في أفريقيا.
  • أن إلغاء الدعم الحکومي للشرکات الوطنية بالرغم من إخفاقات الأسواق وتزامناً مع عمليات تحرير التجارة، جعل الشرکات الأفريقية عرضة للمنافسة في وقت لم تکن فيه ناضجه بما فيه الکفاية.

3-   إصلاح مناخ الاستثمار والتوجهات الجديدة منذ عام 2000

دخلت أفريقيا القرن الحادي والعشرين في إطار اقتصادي کلي أفضل بکثير مما کان في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وحددت الألفية الإنمائية أجندة جديدة للمعونة إلى أفريقيا، ترکز أساسا على التنمية البشرية.

في مجال التنمية الصناعية، تغير ترکيز البنک الدولي وعديد من الجهات الثنائية بعد 2000 , لتحسين مناخ الاستثمار، والذى شمل  الاستقرار الاقتصاد الکلي، الانفتاح، الحکم الرشيد والمؤسسات القوية،  جودة القوى العاملة، والبنية التحتية.

وبفضل الجهات المانحة، أصبح إصلاح مناخ الاستثمار واسع الانتشار، وغالبا ما أصبحت مکونات رئيسية لبرامج دعم الموازنة، وقد قامت جميع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الکبرى بعمليات الإصلاح في السنوات العشر الأخيرة، فعلى سبيل المثال رکزت غانا على السياسة التجارية والإصلاحات التنظيمية، وأجرت کينيا إصلاحات لتحرير النظام الإدارى، وتبنت موزامبيق سياسة واستراتيجية صناعية جديدة قائمة على تعزيز الاستثمار الخاص، بينما تستهدف استراتيجية نيجيريا الوطنية للتمکين الاقتصادي والتنمية في 2004 بشکل صريح جعل القطاع الصناعي منافساً على الصعيد الدولي، ووضعت السنغال استراتيجية النموالسريع لعام 2005، بهدف رئيسي هو”بيئة أعمال جيدة تتسق مع الممارسات الدولية ” في حين قدمت تنزانيا في 2010  استراتيجية تنمية صناعية متکاملة تهدف إلى خلق “بيئة أعمال تنافسية”، إضافة لتنفيذ أجندة إصلاح مناخ الاستثمار، اعتمد عدد من البلدان نهجا أکثر نشاطاً للتنمية الصناعية، ففي 1998أطلقت إثيوبيا استراتيجية تهدف لدعم الصادرات المصنعة کثيفة العمالة، کما تشدد رؤية کينيا 2030 على نموالصادرات المصنعة.

بالنسبة لأفريقيا ککل، لم يؤد تبني إصلاحات مناخ الاستثمار على نطاق واسع ولا التوجهات الجديدة التي اتخذتها بعض الحکومات إلى عکس تباطؤ التصنيع خلال أربعة عقود، فلقد ظل نموالتصنيع دون معدل نموالناتج المحلي الإجمالي،حيث أنخفضت حصة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 10 في المائة عما کانت عليه في منتصف الستينيات. کما يوضح الشکل رقم 1، ومنذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي وصلت معدلات النموفي أفريقيا إلى مستويات مرتفعة بشکل ملحوظ (حتى خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009) ومع ذلک حتى وقت قريب، کان النموفي التصنيع متخلفًاً عن هذا النموباستثناء بعض الأسواق الاستثنائية القليلة [4]، في عام 2017، کانت حصة الصناعات التحويلية من إجمالي الناتج المحلي لإفريقيا جنوب الصحراء أقل من 10 في المائة،  ومنذ عام 2000 لم يکن الأداء الصناعي بين دول أفريقيا جنوب الصحراء  متساويا , حيث کان هناک تسارع کبير في نموالتصنيع في إثيوبيا، کينيا، تنزانيا، بينما شهد نموالتصنيع في غانا والسنغال مستويات متدنية قياسا بإجمالي نموالاقتصاد، وکانت نسبة الإنتاجية قريبة من الصفر، بلغ معدل نموإنتاجية التصنيع في أوغندا حوالي 2.7 %، وفي تونس بلغ معدل القيمة المضافة للعامل الصناعي حوالي 5 % سنويا بين 1985 و 2005.[5]

المطلب الثاني: اتجاهات التصنيع والصناعة  في قارة أفريقيا

في حين يسهم النموالاقتصادي المطرد الى حد کبير في تحقيق تحول اقتصادي سريع في مناطق أخرى من العالم، فإن الأداء الاقتصادي الجيد نسبياً للاقتصادات الأفريقية لم يکن مصحوباً بارتفاع في مستويات معيشة السکان، والحد من الفقر، وقد يرجع ذلک بشکل کبير لعدم تنوع مصادر النمو، والاستمرار في الاعتماد المفرط على صادرات المواد الأولية، حيث يمثل تصدير المواد الأولية وخاصة النفط والمعادن المحرک الرئيسي للنموالاقتصادي في أفريقيا، وهوما يتناقض مع نمط النموفي المناطق النامية الأخرى من العالم، ولا سيما آسيا التي تعتمد خطة متينة للتصنيع  ترتکز على الصناعات التحويلية، التي تعتبر قاطرة للنمو، وقد أعتمد النموفي الدول الأفريقية بشکل کبير على توسيع الأسواق المحلية بدعم من طبقة وسطى مزدهرة، وتحسين في بيئات العمل التي تشمل إدارة اقتصادية کلية أفضل، وکذلک أسعار مواتية للسلع، وتوسع حضري وزياده الاستثمارات العامة والخاصة[6]. ولعل أهم سلبيات الاعتماد المفرط للدول الأفريقية على النموالقائم على تصدير المواد الأولية هي المخاطر المتعلقة باستخراج المواد الأولية، وقلة المناعة إزاء تدهور شروط التبادل التجاري، والتعرض للصدمات الاقتصادية المرتبطة بتقلبات أسعار المواد الأولية، وضعف التکنولوجيا المستخدمة، ناهيک عن نقص فرص العمل، وانخفاض إنتاجيتها.

وقد دفعت هذه الأوضاع القادة الأفارقة الى تبني استراتيجية جديدة للنموتعتمد على الصناعة، حيث تم توضيح دور التصنيع بوضوح في خطة عمل الاتحاد الأفريقي للتنمية المتسارعة في أفريقيا، وعقد الأمم المتحدة الثالث للتنمية الصناعية في أفريقيا، کذلک أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، وهي الإطار الاستراتيجي للاتحاد الأفريقي للتحول الاجتماعي والاقتصادي لأفريقيا والتي دعت الى تعزيز الخطط القطاعية والإنتاجية وکذلک تطوير سلاسل قيمة السلع الأساسية الإقليمية والوطنية لدعم تنفيذ السياسات الصناعية على جميع المستويات.[7]

ويمکن قياس وضع التصنيع في أفريقيا باستخدام  ثلاث مؤشرات للتنمية الصناعية، القيمة المضافة الصناعية، والصادرات الصناعية، والاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الصناعة:

أولاً: مؤشر القيمة المضافة للصناعات التحويلية في أفريقيا

يشير مؤشر القيمة المضافة الصناعية في أفريقيا مقارنةً بمناطق العالم الى تخلف القارة الأفريقية عن باقي دول العالم حتى بين البلدان النامية، ففي عام 2017 بلغت القيمة المضافة للصناعات التحويلية في أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 145 مليار دولار، في المقابل تتقدم الدول النامية في شرق آسيا بفارق کبير وتقترب کثيراً من أعضاء منظمة التعاون والتنمية[8].

وبسبب ثروة الموارد الطبيعية في أفريقيا لايزال جزء کبير من الإنتاج الصناعي في المنطقة يرتکز على التصنيع القائم على الموارد، وتمثل الصناعات التحويلية القائمة على الموارد ما يقرب من نصف إجمالي الصادرات الصناعية في أفريقيا، کما أن الاستثمارات في قطاع الصناعة لم تکن متکافئة، حيث ترتکز ما يقرب من 70% من أنشطة التصنيع في القارة  في أربع دول فقط، بل أن معظم القيمة المضافة للصناعات التحويلية في أفريقيا مدفوع بالمستوى العالي للتنمية الصناعية في دول شمال أفريقيا وکذلک في دولة جنوب أفريقيا [9].

ثانياً: مؤشر الصادرات الصناعية الأفريقية

تصدر البلدان الأفريقية أساساً منتجات أولية، والتي تمثل 62% من إجمالي الصادرات الأفريقية، وهي بذلک الأعلى بين دول العالم في تصدير المواد الأولية کما يتضح من الشکل رقم (4)، في حين تبلغ نسبة الصادرات الأفريقية المصنعة 38%.

تمتلک منطقة غرب أفريقيا أعلى حصة للصادرات الأولية بنسبة 79%، بينما الحصة الأقل من الصادرات الأولية کانت في منطقة الجنوب الأفريقي وشمال أفريقيا بنسبة 55%، 53% على التوالي. من بين الدول الأفريقية الإقليمية الکبيرة، تجاوزت الصادرات الأولية في الجزائر وأنغولا ونيجيريا 75٪، ويعود ذلک أساسًا إلى صادرات النفط والغاز غير المکررة، وفي کينيا 52٪، ومصر 67٪، وجنوب إفريقيا 72 ٪.

نمت صادرات أفريقيا المصنعة بنسبة 14.3 ٪ بين عامي 2006 و2010، أعلى من المتوسط العالمي (5.3 ٪)، لکنه تباطأ إلى 3.3 ٪ في 2010-2014، تراجع أقل من متوسط النموالعالمي عند 5.5 ٪. وکانت إفريقيا هي الأدنى فيما يتعلق بالصادرات المصنعة للفرد الواحد بين مناطق العالم بقيمة 218 دولار أمريکي  في عام 2014، مقارنة بـ 883 دولارًا أمريکيًا  في آسيا و1099 دولاراً أمريکياً  في أمريکا اللاتينية.[10]

بصفة عامة فإن الصناعة الأفريقية تولد في المتوسط 700 دولار من نصيب الفرد من الناتج المحلي الأجمالي، وهوما يمثل أقل من ثلث مثيله في أمريکا اللاتينية (2500 دولار)، وخمس مثيله في شرق آسيا (3400 دولار).[11]

  ثالثاً: الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الصناعة بأفريقيا

نظراً لحجم رأس المال الضخم اللازم للدخول وتشغيل قطاع الصناعة في أفريقيا فإن الشرکات الأجنبية تميل للسيطرة على السوق منذ الفترة الاستعمارية، وقد أتسم الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التصنيع في أفريقيا بالضعف ولکنه بدأ في الزيادة بسرعة في السنوات الأخيرة، حيث شکلت الاستثمارات الموجهة لقطاع الصناعة في أفريقيا ما يقرب من ثلث إجماليالاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة، وأحتلت المرتبة الثانية بعد قطاع النفط والغاز [12].

وقد يرجع تزايد توجه الاستثمار الأجنبي المباشر نحوأفريقيا في الآونة الأخيرة إلى ارتفاع الأجور في دول شرق آسيا، حيث تحولت العديد من الشرکات التي اتخذت من آسيا مقراً لها بشکل متزايد الى التوجه للاستثمار في أفريقيا.

ويميل الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الصناعات التحويلية في أفريقيا إلى الترکيز على عدد محدود من البلدان، ويهيمن على المستوى الإجمالي للاستثمار الأجنبي المباشر المتراکم عدد قليل من الاستثمارات الکبيرة، ويقع ثلثا قيمة الإنتاج الصناعي الأفريقي في نيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر والمغرب ؛ يرتفع هذا الرقم إلى أکثر من 80 في المائة عندما يتم تضمين أنغولاوتونس وکينيا وکوت ديفوار وغانا وزامبيا وجمهوريةالکونغوالديموقراطية[13]، کما يتضح من الشکل رقم (7) الذي يعبر عنالقيمة المضافة الصناعية لأعلى منتجين في أفريقيا في عام 2017، ويلاحظ أن العديد من اقتصاديات هذه البلدان يرتبط بالتعدين واستخراج الموارد، وعلى هذا النحو، تطورت أنشطة التصنيع حول إنتاج المعدات والمدخلات الصناعية الأخرى اللازمة لدعم تلک القطاعات. في الواقع، حدث أسرع نموفي التصنيع على مدار العقد الماضي في أنغولا (18.3 في المائة سنويًا) ونيجيريا (11.8 في المائة) – وهما من البلدان البارزة المعتمدة على الموارد[14].

المطلب الثالث: دور التصنيع في دفع عجلة التنمية في قارة أفريقيا

 باعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، أقر المجتمع الدولي بأهمية التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة للجميع، ويتجلى ذلک بأوضح صوره في الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة، وکذلک في الغايات والمؤشرات التي تقوم عليها الستة عشر هدفاً الأخرى من أهداف التنمية المستدامة.

ويصبح دور التصنيع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة جلياً بوجه خاص عند ملاحظة أن مناطق العالم التي أحرزت أکبر تقدم في مجال الحد من الفقر والجوع، هي ذات المناطق التي توجهت بشکل أکبر دينامية الى التصنيع.

وترتکز أهمية التنمية الصناعية في خطة التنمية المستدامة 2030 على التأکيد على ثلاث آليات رئيسية تساهم من خلالها في تحقيق التنمية الصناعية، وتوليد الدخل وبالتالي الحد من الفقر:

‌أ) الآلية المباشرة، وهي ترمي الى تشغيل الفقراء في قطاع الصناعات التحويلية، مما يؤدي الى زيادة الدخل والاستهلاک على مستوى الأسرة.

‌ب) الآلية غير المباشرة، وهي تعمل عن طريق تطوير الروابط الإنتاجية داخل قطاعات الصناعات، وفيما بينها، فنموالصناعات التحويلية يؤدي بصورة أکثر تحديداً إلى إيجاد فرص عمل في قطاعات الاقتصاد الأخرى.

‌ج) آلية التحفيز على خلق فرص العمل، وتعتمد أساساً في عملها على طبيعة الصناعات التحويلية المعززة للنمو.[15]

ويقدم هذا القسم عرض لدور التصنيع في الاقتصاد الأفريقي، مستشهداً بتجارب للتصنيع في الدول الأفريقية.

أولاً: أهم الأدوار التي يلعبها التصنيع في دفع الاقتصادات الأفريقية

 1- التصنيع محرک النموالاقتصادي في أفريقيا

في دراسة منشورة بإحدى الدوريات الاقتصادية الدولية عن أثر التصنيع على النموفي أفريقيا، استخدمت الدراسة بيانات 37 دولة أفريقية، عن الفترة من 1980 وحتى 2015،   وبحسب النموذج القياسي المستخدم في الدراسة أشارت النتائج إلى أنه بزيادة التصنيع 1 %، يزداد النموالاقتصادي بين 0.098 و0.171 % , ويعني هذا أن زيادة التصنيع ( الزيادة في قطاع الصناعات التحويلية) له تأثير محتمل کبير،کما أن معامل متغير الاستثمار المحلي يکون إيجابياً وذودلالة إحصائية عند مستوى 1% لزيادة النموالاقتصادي , وهذا يعني أن الزيادة في الاستثمار المحلي في أفريقيا تمثل دفعة کبيرة للنموالاقتصادي، وباستخدام القيمة المضافة للصناعة کمقياس بديل للتصنيع , تقرر الدراسة أن القيمة المضافة للصناعة تتجاوز مقياس التصنيع ليشمل أنشطة التصنيع الأخرى مثل إنتاج الکهرباء والمياه والغاز والبناء والتعدين. [16]

  2- خلق فرص عمل في القطاعات ذات الإنتاجية الأعلى

مـن المتوقـع أن يزيـد عـدد السـکان في سـن العمـل في إفريقيـا من 705 مليون في عام 2018 الى 1 مليـار بحلـول عام 2030،  ومـع الوضـع في الاعتبـار المعـدل الحـالي لنمـوالقـوى العاملـة، تحتـاج إفريقيـا الى خلق 12 مليون وظيفة جديدة کل عام للحـد مـن ازديـاد البطالـة.[17]

ورغم أن قارة أفريقيا قدد حققـت واحـدًة مـن أسرع طفـرات النمـووأکثرهـا استدامة في العقديـن الماضييـن. إلا أن  ذلـک لم ينعکس على قطاع التوظيف،  حيـث أدى الارتفـاع بمعـدل 1% في نمـوالناتـج المحـلي الإجمـالي خـلال الفـتـرة بيـن عامـي 2010 و2014 الى نمو بمعدل 0.41 % فقط  في التوظيف، وهومـا يعنـي أن معـدل التوظيـف يتزايـد سـنوياً بأقل من 1.8 %، وهوأقـل بکثيـر مـن النمـوالسـنوي البالـغ 3% تقريباً في القوى العاملة، ومع استمرار هذا الوضع فمن المتوقع انضمام 100 مليون شخص الى قوائم العاطلين في أفريقيا بحلول 2030، وبـدون إجـراء تغيـرات هيکليـة هادفـة مـن المتوقـع أن تکـون معظـم الوظائـف التـي يتـم خلقهـا تابعة للقطـاع غيـر الرسـمي، حيـث تکـون الإنتاجيـة والأجـور متدنيـة والعمـل غيـر آمـن، ممـا يصعـب مـن مهمـة القضـاء عـلـى الفقـر المدقـع بحلـول عام 2030.[18]

إن النمـوالاقتصـادي القـوي والمسـتدام مـن الأمـور الضروريـة لخلـق فـرص العمـل، ولکـن ذلـک وحـده لا يکفـي، إن مصـدر النمـووطبيعتـه مـن الأمـور المهمـة أيضاً، حيث ترتبط النهضة الاقتصادية والنموالمتسارع غالباً بتغير هيکلي مؤثر، ينطوي على إعادة توزيع العمالة من القطاعات الأقل إنتاجية إلى القطاعات ذات الإنتاجية الأعلى، حيث تسهم الصناعة بشکل کبير في توفير وظائف ذات أجور أعلى نسبياً لأعداد کبيرة من العمال غير المهرة أوغير المتعلمين، وخاصة العمال غير المندمجين في الاقتصاد الرسمي. [19]

وفي أفريقيـا، ارتبطـت حـالات تسـارع النمـوبإعـادة توزيـع العمالة على کل من قطاعي الخدمات، والصناعـة، ومـن أصـل تسـع مـن حـالات تسـارع النموالقائمـة عـلى الصناعـة، تميـزت سـبعة منهـا بمعـدل نمـوأعلـى في معـدلات التوظيـف في المجـال الصناعـي مقارنـة بالخدمات، کما سـاعدت حـالات تسـارع النمـو القائمـة عـلى الصناعـة علـى زيـادة إجمـالي نمـو معـدل التوظيـف بشـکل کبيـر، کمـا کان لهـا تأثيـر أقـوى علـى مرونـة الوظائـف، ووفقاً لتقريـر التوقعـات الاقتصاديـة الإفريقيـة لعام 2019 فإنه و بشـکل عـام، أدت حـالات تسـارع النمـوالقائمـة عـلى الصناعـة إلى إحـداث تغيـر هيـکلي إيجـابي، مـع وجـود تأثيـرات ديناميکيـة أقـوى علـى المـدى الطويـل، وهوما يؤکد أن التصنيـع هـومفتـاح لغـز التوظيـف في إفريقيـا. [20]

 3- مشارکة أکثر فاعلية في سلاسل القيمة المضافة العالمية

ينظر لسلاسل القيمة العالمية على أنها وسيلة تتيح الإرتقاء خطوة أولى ويسيرة على سلم التصنيع، کما أنها تتيح اندماجاً أکثر توازناً في النظام التجاري العالمي، حيث أنها تتيح للبلدان أن تتخصص في أنتاج مهام أوعناصر محددة لمجموعة کبيرة من سلاسل الإنتاج العالمية، بدلاً من اضطرارها الى استحداث منتجات کاملة الصنع واقتحام أسواق عالية التنافسية بمفردها، على أن المشارکة في سلاسل القيمة العالمية ترتبط بشکل أساسي، وتعتبر مکمل رئيسي لعمليتي التصنيع والتحول الهيکلي، وبالتالي فإن سلاسل القيمة العالمية تخفض من مستوى الحواجز التي تعترض الدخول للأسواق العالمية في مجال السلع المصنعة.[21]

وبرغم مشارکة دول القارة الأفريقية في سلاسل القيمة المضافة العالمية بشکل قد يفوق مثيلاتها من المناطق النامية، إلا أن الجزء الأکبر من المشارکة الأفريقية يعتمد على توريد السلع الأولية اللازمة في إنتاج المنتجات المصنعة، وبالتالي فإن البلدان الأفريقية قد تتعثر في مراحل الإنتاج ذات القيمة المضافة المنخفضة [22]،وبالتالي يتضاءل متوسط قيمة سلاسل القيمة في أفريقيا مقارنة بمعظم المناطق حيث تشکل القيمة المضافة الأجنبية في سلاسل القيمة الأفريقية ما بين 10% و15 % من القيمة الإجمالية لسلاسل القيمة العالمية، وتميل سلاسل القيمة في أفريقيا أنتکون کبيرة نسبياً في عدد من قطاعاتالخدمات، وکذلک قطاعات المواد الغذائية والمشروبات والبناء…،  وتشير الدراسات الى أن توفر بنية التصدير ذات الکثافة التکنولوجية العالية توفر فرصاً أفضل للمشارکة والاستفادة من سلاسل القيمة العالمية لأفريقيا، وهوما يوفره التوجه للتصنيع في أفريقيا.[23]

وعلى المستوى الإقليمي فقد أصبحت الأسواق الجديدة، وسلاسل القيمة الإقليمية ذات أهمية متزايدة بالنسبة لواضعي السياسات في أفريقيا، حيث يمکن أن تکون التجارة داخل أفريقيا وشبکات الإنتاج الإقليمية مفيدة في زيادة المحتوى الصناعي للصادرات الأفريقية.[24]

 4- التنويع الاقتصادي وتفادي الصدمات الخارجية

على مدى العقد الماضي شهدت أفريقيا جنوب الصحراء الکبرى معدلات نمواقتصادي عالية، وقد حققت المنطقة تقدمًا اجتماعيًا کبيرًا أيضًا، وکانت هذه المکاسب مدفوعة إلى حد کبير بأسعار مواتية للسلع الأساسية، وظروف التمويل، وتحسين إدارة الاقتصاد الکل، ومع ذلک، لم تستمر معدلات النموالمرتفعة لفترات طويلة في العديد من هذه البلدان الأفريقية بسبب الانخفاض الهائل في أسعار السلع الأساسية مثل النفط والنحاس والکاکاو، مع ما يترتب على ذلک من آثار سلبية على العديد من الاقتصادات، وهوما يکشف عن مدى اعتماد البلدان الأفريقية على الموارد الطبيعية، حيث أن حوالي 28 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الکبرى غنية بالموارد، وتمثل هذه الموارد أکثر من 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي، کما  تعتمد العديد من هذه البلدان على عدد قليل من السلع، والتي تمثل الجزء الأکبر من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات.

على سبيل المثال، أدى انهيار أسعار النفط إلى دفع الاقتصاد النيجيري إلى رکود دام خمسة أشهر في عام 2016، والذي بدأ يتعافى منه عام 2018. کما شهدت أنغولا وغينيا الاستوائية وجمهورية الکونغووغابون أيضًا تباطؤًا اقتصاديًا حادًا في 2015-2016 بسبب انخفاض أسعار النفط. کما تضررت زامبيا، حيث يمثل النحاس 60٪ من الصادرات، من جراء انخفاض أسعار النحاس. تؤکد هذه التجارب على الحاجة إلى تنويع الاقتصاديات وبناء القدرة على مواجهة مثل هذه الصدمات الخارجية الکبيرة.[25]

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي السنوي لعام 2017 عن التنوع الاقتصادي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، فإن هناک علاقة ايجابية بين النمووالتنوع الاقتصادي، حيث أن هناک علاقة طردية بين تنويع الصادرات ودخل الفرد في البلدان ذات مستويات التنمية المنخفضة، کما أن الاقتصادات الأکثر تنوعاً تشهد نموأعلى عند مستويات دخل منخفضة، حيث أن النموالاقتصادي مصحوباً بمستويات سريعة من تخفيض الفقر يحدث مباشرة عندما تنتقل الموارد من القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة الى القطاعات ذات الإنتاجية الأعلى.[26]

ويشير التقرير أن التنوع الاقتصادي يسير جنباً الى جنب مع القيمة التجارية للمنتجات المصدرة، ويرتبط بإدخال خطوط إنتاج جديدة [27]، وبالتالي فالتحول نحوالتصنيع في أفريقيا يلعب دوراً حيوياً في التنمية، حيث يعزز من الإنتاجية من خلال إدخال تقنيات وأساليب جديدة، ومن ثم يعمل على تنويع الصادرات وبالتالي زيادة القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية، کما  تولد الصناعة روابط أمامية وخلفية مع قطاعات أخرى على مستوى واسع، حيث توفر فرص کبيرة للموردين والموزعين وتجار التجزئة وخدمات الأعمال.

ثانياً: تجارب أفريقية في التصنيع

لقد کان إدراک دول القارة لدور التصنيع في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القاره دافعاً للعديد من الدول للتقدم في محاولات التصنيع، فقد أثبتت جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر والمغرب وإثيوبيا ورواندا وبدرجة أقل تنـزانيا قدرتها على التقدم في الطريق الوعر نحوالتصنيع، وکان الخيط المشترک بينها هوأنها تبنت سياسات تستهدف الصناعات التحويلية الخاصة بها، بالإضافة إلى متابعة ما يسميه الخبراء “نموذج الدولة التنموية”، والذي بموجبه تسيطر الحکومات على الاقتصادات وتديرها وتنظمها، کما تبنت سياسات محفزه للاستثمار، والأهم من ذلک أنها أظهرت التزامًا وملکية لهذه السياسات، کما أن سيطرة الدولة على السياسات الاقتصادية ساهمت في تقليل الفساد في العديد من الدول الأفريقية.

ويمکن عرض لکلٍ من تجربة صناعة السيارات في المغرب وصناعة المنسوجات في أثيوبيا ؛ للوقوف علي العوامل الرئيسية التي تساهم في ازدهار الصناعة أوتدهورها في أفريقيا.

  • صناعة السيارات في المغرب

يشهد قطاع الصناعات التحويلية المغربي فترة نمومسترشدة بخطة التسريع الصناعي 2014-2020، حيث ازدادت القيمة المضافة في القطاع الصناعي المغربي باطراد، مع معدل نموسنوي مرکب قدره 5.1٪ بين 2010-2016، الأمر الذي جذب العديد من المصنعين الأوروبيين الکبار، مثل رينووبومباردييه، لبدء عمليات التصنيع في المغرب،بسبب انخفاض تکلفة العمالة والقرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، والسياسة الصناعية للحکومة،ويشهد القطاع ککل نمواً حيث ينتقل نحوأنشطة التصنيع الماهرة ذات القيمة المضافة العالية في صناعة السيارات والطيران بدلاً من الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة مثل الصناعات الغذائية الزراعية [28].

يعتبر قطاع صناعة السيارات في المغرب قطاع حديث العهد نسبياً، الا أنه يشهد نمواً قوياً، حيث تعتبر الحکومة المغربية  قطاع السيارات بمثابة القطاع الاستراتيجي من حيث المساهمة في الصادرات والثروة وخلق فرص العمل وتوليد العملات الأجنبية، وقد حققت الصناعة نمواً سنوياً مرکباً بلغت نسبته 17٪ خلال الفترة من 2016 وحتى 2020، مدفوعة بشکل أساسي بزيادة الطلب على الصادرات، ويشهد القطاع استثمارات من عدد من مصنعي المعدات الأصلية المعروفين مثل رينووهيونداي وفورد، بالإضافة إلى لاعبين آخرين عبر سلسلة القيمة مثل ماغنيتي ماريلي وفوريسيا ودلفي[29]،  حيث مکنت استراتيجية برنامج الإقلاع الصناعي 2014-2020 من تسريع وتيرة الإنتاج، وتشجيع بروز شرکات متخصصة في تصنيع وترکيب وتجهيز السيارات، کما أنعشت الشرکات المتوسطة والصغرى المرتبطة بالقطاع، وهوما أتاح وجود عدد أکبر من الصناعات الصغيرة المرتبطة بصناعة السيارات في المغرب، ومئات المهنيين المغاربة العاملين في القطاع الذين انتظموا في ما أطلق عليه الجمعية المغربية لصناعة وتسويق السيارات (لاميکا)، التي تمت إعادة تسميتها في 2017 لتصبحالجمعية المغربية لصناعة وترکيب السيارات، مما ساعد على زيادة نسبة المکون المحلي في صادرات المغرب من السيارات لتتجاوز ال 50%، وتستهدف الوصول بتلک النسبة إلى 65% بحلول عام 2023.

ثمة عوامل عديدة ساهمت في تکريس دور المغرب کأحد مراکز إنتاج السيارات في افريقيا والعالم العربي، کان أهمها:

 – توافر بيئة استثمارية مستقرة وبيئة أعمال مواتية، حيث توفر السوق المغربية العديد من الحوافز الاستثمارية خاصة في المناطق التجارية والصناعية الحرة مثل مناطق طنجة والقنيطرة، وتتمثل في الإعفاءات الجمرکية والضريبية وحرية تحويل رؤوس الأموال، بشکل جذب العديد من الشرکات الأجنبية للاستثمار بها، وهوما قلل من تکلفة إنشاء وحدات لتصنيع السيارات [30].

 – شراکات قوية: کانت صناعة السيارات المغربية أحد القطاعات التي تأثرت إيجابيًا بالتقارب في العلاقات بين المغرب وبعض القوى الاقتصادية العالمية في الفترة الماضية،وهوما شجعها على قبول المشارکة بحصص غالبة للشريک الأجنبي (ما يقارب من 80% في صومکا و52% في رينوطنجة ) [31].

وبالإضافة إلى ذلک، طورت المغرب شراکات تجارية واستثمارية مع کثير من الدول العربية والإفريقية، بشکل زاد من اهتمام المستثمرين الأجانب بصناعة السيارات المغربية، کونها تعد بوابة رئيسية لتصدير السيارات وأجزائها للأسواق السابقة.

– جودة البنية التحتية للربط بين المصانع ومراکز التصدير

– قدرة الصناعة على خلق روابط خلفيه، من خلال خلق عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تخدم القطاع، وهوما ساعد على زيادة حجم القيمة المضافة المحلية في الصناعة، وزيادة قدرتها على خلق فرص العمل.

وبصفة عامة يمکن استنتاج أن صناعة السيارات في المغرب قد اتخذت المسار الذي أشارت إليه خطة التنمية المستدامة 2030، هي ساهمت الصناعة في تشغيل العمالة المغربية، حيث وصلت الطاقة التشغيلية للقطاع 160 ألف عامل مغربي في 2018 [32]، کما ساهمت في إقامة عدد کبير من المشروعات الوطنية المرتبطة بالقطاع، وهي بذلک تعد من الصناعات المعززهللنموفي المغرب.

  • صناعة المنسوجات في أثيوبيا

منذ عام 2006  توسع قطاع الصناعات التحويلية في إثيوبيا بمعدل سنوي يزيد على 10٪، ويعزى ذلک جزئياً إلى جهود أثيوبيا في جذب المستثمرين الأجانب [33]، حيث سعت أثيوبيا لتحقيق الصدارة في صناعة الغزل والنسيج من خلال إعطاء الأولوية للصناعة کقطاع استراتيجي، حيث وضعت الحکومة أهدافًا طموحة للصناعة في خطة النمووالتحول (2010-2015)، والتي تهدف إلى زيادة الأرباح السنوية من 160 مليون دولار في عام 2007 إلى مليار دولار في عام 2016، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 1.6 مليار دولار في من أجل بناء 191 مصنعًا جديدًا للمنسوجات والملابس بهدف زيادة الصادرات من 20٪ من إجمالي إنتاج الملابس الجاهزة والمنسوجات إلى 80٪ من إجمالي إنتاج الملابس والمنسوجات بحلول عام 2020، حتى تشکل صادرات الملابس والمنسوجات  22 ٪ من إجمالي الصادرات [34]، من أجل تحقيق هذه الأهداف قدمت الحکومة العديد من الحوافز لجذب الشرکات الأجنبية، مثل حوافز التصدير، وخيارات تأجير الأراضي منخفضة التکلفة، والقروض منخفضة الفائدة (منخفضة تصل إلى 3 ٪)، والإعفاءات الضريبية للشرکات وإعفاءات الرسوم الجمرکية على المعدات المستوردة، بالإضافة إلى ذلک، أنشأت الحکومة الإثيوبية ما أطلق عليه مناطق التنمية الصناعية الإثيوبية في عام 2014، وهي المسؤولة عن تطوير العديد من المجمعات الصناعية الحديثة، مما يسهل على المستثمرين الأجانب الاستقرار في البلاد[35].

في ظل هذه المجهودات أظهر أداء الصناعة نمواً في عامي2013 و2014 بينما تراجع خلال العامين التاليين وأظهر تغييراً طفيفاً خلال 2016 و2017، وهوما يؤکد على رکود صناعة النسيج في أثيوبيا، کما أظهر إنتاج وتصدير الملابس والمنسوجات معدلًا متزايدًا  خلال عامي 2013 و2014، لکنه انخفض في العامين التاليين وأظهر ارتفاعاً طفيفًا في عامي  2016 و2017، من هذا المنطلق يمکن أن نستنتج أن معدل النموفي الصناعة غير متناسق، کما کان  من المخطط أن توفر الصناعة59247 فرصة عمل، بينما في الواقع قد خلقت الصناعة 23018 فرصة عمل، من هذا المنطلق يمکن الاستنتاج أن مساهمة القطاع في خلق فرص العمل ليست مرضية [36].

وقد أرجع  المحللين ذلک إلي مجموعة من الأسباب أهمها:

– انخفاض المهارات الفنية، ومستويات التعليم، وکذلک نقص وعدم فاعلية وارتفاع تکاليف التدريب.

– تمثل اللوجستيات عاملاً آخر يؤثر على القدرة الإنتاجية للصناعة، حيث يتم استخدام المواد الخام المستوردة، لعدم توافر مواد أولية عالية الجودة مثل القطن في السوق المحلية، وهوما يستضم مع نوافر العملات الأجنبية اللازمة للاستيراد.

– افتقاد الرقابة المحلية على الجودة، أي أنه لا يوجد تدخل من جانب الحکومة لتحسين جودة المنتجات وهذا يعوق القدرة التنافسية للشرکات في السوق الدولية.

– تمثل التکنولوجيا أيضًا تحديا لبعض شرکات الغزل والنسيج بسبب نقص التمويل للحصول على تکنولوجيا جديدة ونقص المواهب القديرة في هذا المجال [37].

المطلب الرابع: تحليل إمکانات القارة للتحول للتصنيع بإستخدام مصفوفة التحليل الرباعي

لتقييم الوضع الحالي لقطاع الصناعة في أفريقيا وإمکانات القارة للتحول الى التصنيع سنقوم بدراسة العوامل الخارجية المحيطة بالقطاع  وکذلک العوامل الداخلية التي تؤثر عليه،  وذلک باستخدام مصفوفة تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات والمعروفة  اختصاراً  بالمصطلح SWOT وهوالاختصار للکلمات الأربع القوة  Strength، الضعف  Weakness، الفرص Opportunities، التحديات Threats، وذلک للوصول الى الاستراتيجيات والسياسات اللازمة للتخطيط للتصنيع في أفريقيا والتعجيل به.

 أولاً: نقاط القوة

  • نمت الصناعة التحويلية في أفريقيا بنسبة 3.5 في المائة سنوياً من عام 2005 إلى عام 2014، وهومعدل أسرع مما کان عليه في بقية أنحاء العالم. وقد شهدت بعض البلدان، مثل نيجيريا وأنغولا، زيادة في الإنتاج تزيد على 10 في المائة سنوياً ونتيجة لذلک، زادت قيمة الإنتاج في أفريقيا جنوب الصحراء الکبرى، من 75 مليار دولار في عام 2005 إلى أکثر من 130 مليار دولار في عام 2016.وعلاوة على ذلک، زادت صادرات الصناعات التحويلية بسرعة أکبر من إجمالي الإنتاج، بمعدل نموسنوي مرکب 9.5 %، مع شحنات من المصنوعات الثقيلة – مثل مرکبات النقل، والأجهزة، والالکترونيات، والمعدات الصناعية – تتسع بنسبة عالية  تبلغ 14% , إلى جانب قطاعات التنقيب والإنتاج مثل البناء والاستخراج، أصبحت الصناعة الآن من بينأعلى القطاعات لتدفقات الاستثمار إلى إفريقيا، حيثتمثل 22 % من إجمالي الاستثمارالأجنبى المباشر في عام 2015. [38]
  • تعمل العديد من الدول في أفريقيا على إنشاء مناطق اقتصادية خاصة لتمکين الشرکات الصناعية للاستفادة من البنية التحتية الأعلى جودة، والمزايا الضريبية، والحماية من المنافسة على الواردات، وحرکة البضائع المعفاة من الرسوم الجمرکية.
  • المنطقة الأفريقية ککل لديها ثروة من الموارد الطبيعية التي تعتبر مدخلات حيوية لقطاعات فرعية مختلفة للصناعات التحويلية. ومن الأمثلة على ذلک الکولتان المستخدم في إنتاج السلع الإلکترونية ومتوافر بشدة بجمهورية الکونغوالديمقراطية ورواندا وموزامبيق، وعلى الرغم من المفاهيم الشائعة فإن سوق الأعمال بين الشرکات في أفريقيا قد أصبح بالفعل في وضع جيد نسبياً ويتزايد بسرعة، مما يشير إلى وجود شبکات إمداد مفيدة في الوقت الحالي. حيث أنفقت الشرکات المحلية ما يقرب من 2.6 تريليون دولار في عام 2015، نصفها على المواد، ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي النفقات إلى 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2025.[39]
  • تتمتع أفريقيا بقطاع زراعي واسع، حيث أن غالبية الأفارقة مازالوا يمتهنون الزراعة، وبالتالي فإن رفع إنتاجية قطاع الزراعة يمکن أن يعزز التنمية الصناعية من خلال دعم سلاسل القيمة العالمية في المنتجات الزراعية الصناعية من خلال “إضافة قيمة” للسلع الزراعية قبل التصدير، حيث ينطوي التصنيع الزراعي على تحويلالمواد الخام الزراعية الى مجموعة متنوعة من المنتجات المصنعة.[40]
  • الحجم المتزايد من قوة العمل منخفضة التکاليف تعتبر من رکائز قوة القطاع الصناعي في أفريقيا، فمع ارتفاع تکلفة العمالة في المناطق النامية الأخرى، يرى البنک الدولي أن الاستثمارات الموجهة  للتصنيع سوف تتوجه الى أفريقيافي العقود المقبلة، مع توقعات بأن يصل الأنفاق على الأعمال التجارية في الصناعة التحويلية في أفريقيا الى 666,3 مليار دولار بحلول عام 2030، بزيادة 201,28 مليار دولار عن عام 2015.[41]

ثانياً: نقاط الضعف

  • ضعف البنية التحتية مثل الطاقة والنقل والاتصالات… وغيرها في قارة أفريقيا تسبب في إعاقة إنشاء قطاع صناعي قادر على المنافسة، حيث أدى ذلک لزيادة تکاليف العمليات الصناعية
  • افتقار الدول الأفريقية للمهارات الإنتاجية العالية اللازمة لقطاع التصنيع، حيث تعاني أفريقيا من مستويات متدنية فيما يتعلق بمؤشرات التنمية البشرية بصفة عامة، کمستويات التعليم والصحة وغيرها.
  • محدودية القدرات التکنولوجية في مجال الإبتکار وتطوير الصناعات الجديدة، تعتبر من أهم نقاط الضعف التي تواجه قطاع الصناعة في أفريقيا، فالتکنولوجيات المستخدمة في عملية الانتاج في أفريقيا غير ملائمة  في کثير من الأحوال، مما يخفض من القدرات التنافسية للصناعات الأفريقية.
  •  أن الحصول على التمويل الوطني الکافي هوأحد القيود الرئيسية التي تعاني منها البلدان الأفريقية في سعيها الى التصنيع على صعيدي القطاع العام والخاص على حد السواء، فالبلدان الأفريقية بحاجة الى تعبئة  ما يکفي من الموارد لتمويل الاستثمارات العامةالتي تعتبر حاسمة في التنمية الصناعية، بما في ذلک الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والتکنولوجيا، وعلى مستوى القطاع الخاص فإنه عادة ما يواجه بصعوبة الوصول للائتمان للحصول على رؤوس الأموال الضخمةاللازمة للصناعة، وبالتاليفغالباً ما يتجه القطاع الخاص في الأستثمار في القطاعات الاستهلاکية عالية وسريعة الربحية.
  • يفضي التصنيع الى استخدام مکثف للموارد الطبيعية على حساب البيئة، ولا يکمن التحدي الذي يواجه أفريقيا فقط في مدى نجاحها في تحويل اقتصاداتها، بل أيضاً القيام بذلک على نحومستدام، باستخدام التکنولوجيات السليمة بيئياً، وتکييفها لتوائم الظروف المحلية، إضافة الى الأبتکارات التکنولوجية المحلية.
  • سيادة إنعدام اليقين ومخاطر الاستثمار العالية، حيث تواجه إمکانات نموالصناعات التحويلية الافريقية قيوداً شديدة من جراء عاملي انعدام اليقين السائد، والمخاطر الشديدة اللذان يحدان من نزعة الشرکات للقيام باستثمارات إنتاجية، ويرجع ذلک في الغالب الى عدم استقرار البيئة السياسية، وبنية السياسة العامة، وعدم استقرار مؤشرات الاقتصاد الکلي، مثل معدلات التضخم المرتفعة والمتقلبة.[42]

ثالثاً: الفرص

  • أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إعلان الفترة من 2016 وحتى 2025 العقد الثالث من التطوير الصناعي في أفريقيا، مع الإشارة إلى الحاجة إلى أن تقوم القارة باتخاذ إجراءات فورية لتطوير الصناعة المستدامة وتوسيع التنوع الاقتصادي، وأضافة القيمة، وتوفير الوظائف وبالتالي تقليل وطأة الفقر، تعتبر فرصة للدول الأفريقية نحوإعادة هيکلة اقتصاداتها والتحول نحوالتصنيع، کما يشجع ذلک المجتمع الدولي على دعم الصناعة الشاملة والمستدامة في أفريقيا کوسيلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • تمتلک أفريقيا ميزة تنافسية في مجال التصنيع متمثلة حالياً بتکوينها الديموغرافي ووفرة مواردها. ولذلک، تترکز فرص الاستثمار الرئيسية حاليا في الصناعات التي تتطلب عمالة کثيفة أوتتطلب مدخلات من المواد الخام التي يمکن الحصول عليها محلياً، مثل المعادن والمنتجات الزراعية، وقد يمثل ارتفاع الأجور في دول شرق آسيا دافعاً رئيسياً لتحول الاستثمار الأجنبي المباشر نحوأفريقيا حيث الأجور الأدنى للقوة العاملة.
  • الدافع وراء نموأنشطة التصنيع في السنوات المقبلة هوزيادة الروابط بين البلدان الأفريقية،ومع بقية العالم والأسواق الاستهلاکية المتنامية في القاره. حيث يتوقع المحللون أن أسرع نموعلى مدى العقد القادم سوف يحدث في التصنيع الزراعي (زيادة الإيراداتالمتوقعة 122 مليار دولار)، إنتاج الأسمنت (72 مليار دولار)، والقطاعات الفرعية للأزياء والأحذية (27 مليار دولار).
  • التأثير المحتمل لاتفاقية التجارة الحرة الافريقية ـ CFTAفي تعزيز التجارة داخل أفريقيا، والصادرات الصناعية، وخلق فرص العمل للشباب، والتخفيف من حدة الفقر ,حيث تشجع الاتفاقية قطاع الصناعات التحويلية الأکثر قدرة على المنافسة وتعزز التنوع الاقتصادي. وتؤدي إزالة التعريفات إلى خلق سوق قاري يسمح للشرکات بالاستفادة من اقتصاديات الحجم. وفي حال نجاحه، من المتوقع أن يتضاعف حجم قطاع الصناعات التحويلية في أفريقيا، مع زيادة الإنتاج السنوي من 500 مليار دولار في عام 2015 إلى واحد تريليون دولار في عام 2025 وخلق 14 مليون وظيفة إضافية ثابتة ومدفوعة الأجر.  حيث يمکن أن تزيد CFTA التجارة البينية الأفريقية بحوالي 52٪، مما يؤدي إلى زيادة الصادرات الصناعية الأفريقية.[43]

رابعاً: التحديات

  •  عجز بعض البلدان الأفريقية عن استيفاء المعايير التقنية الدولية، مما يضعف من قدرة المنتجات الصناعية الأفريقية على الوصول الى الأسواق العالمية، وهوما يتطلب وضع معايير إقليمية تستوفي المعايير الدولية، وبناء القدرات من أجل تحسين نوعية ومعايير المنتجات الصناعية والتصديق عليها وضمان وصولها للأسواق العالمية.[44]
  • في إطار النظام الاقتصادي العالمي وانخراط  دول القارة الأفريقية في منظومة العولمة، کان عيان على دول القارة اتباع  برامج التثبيت والتکيف الهيکلي المدعومة من صندوق النقد والبنک الدوليين، والتي دفعت دول القارة لتحرير قطاعيها التجاري والمالي، والغائها لاستراتيجيات التصنيع، وخصخصة شرکات القطاع العام الصناعية، مع زيادة الاعتماد على الواردات الاستهلاکية، مما أدى الى تآکل القاعدة الصناعية _ الضعيفة بالأساس_ لمعظم الاقتصادات الافريقية.
  • النمط الحالي للتجارة العالمية، والذي تسيطر فيه الشرکات متعددة الجنسيات في إنشاء ومراقبة سلاسل القيمة العالمية، التي أصبحت السمة السائدة للتجارة العالمية، تعتبر تحدي أمام البلدان الأفريقية التي يتعين عليها الاندماج  في سلاسل القيمة المذکورة حتى يمکنها الوصول للأسواق الخارجية، کما أن تلک الدول تواجه خطر أمکانية تراجعها الى مؤخرة سلاسل القيمة العالمية نظراً لضعف قاعدتها الصناعية، وتدني قدرتها على المفاوضة في وجه الشرکات متعددة الجنسيات.[45]
  • أرست العولمة  قواعد تجارية عالمية جديدة أدت لتقليص حيز السياسات الصناعية في أفريقيا.

خامساً: التخطيط  للتصنيع في أفريقيا والتعجيل به

بدراسة نقاط القوة ونقاط الضعف وکذلک الفرص والتحديات التي تواجه قطاع الصناعة في أفريقيا يمکن للدول الأفريقية وضع استراتيجيات وسياسات للتعجيل بالتصنيع قائمة على الأولويات المتصلة بالقطاعات، والموارد، والتحديات التي تواجهها کل بلد وظروفه وقدراته الوطنية.

  • بصفة عامة، ورغم اختلاف القطاعات ذات الأولوية من بلد لآخر داخل قارة أفريقيا، لکن تجهيز المنتجات الزراعية يعتبر من القطاعات ذات الأولوية في معظم البلدان الأفريقية، شأنه في ذلک شأن إضافة القيمة الى القطاعات الاستخراجية، وکذلک عملية تحديث الزراعة، حيث لا تزال معظم البلدان الأفريقية في مرحلة مبکرة جداً من مراحل التنمية الصناعية، وينبغي أن تسعى الى التوجه نحوتنويع منتجاتها من خلال إضفاء قيمة أعلى، بالاستفادة من ثرواتها المعدنية والزراعية، فضلاً على ذلک، على القارة الأفريقية أن تعزز وجودها في طائفة واسعة من سلاسل القيمة العالمية، بدءاً باستخراج الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية الزراعية، ثم الانتقال بعد ذلک إلى سلاسل القيمة الصناعية الأخرى من أجل خلق الثروات وإيجاد فرص العمل.
  • يجب أن تتيح ثروات القارة من الموارد الطبيعية الأساس للتعجيل بعملية التصنيع فيها، وهوما يتطلب وضع السياسات واتخاذ التدابير من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من الدخل المستمد من استغلال الموارد الطبيعية، بغية تعزيز الاستثمار اللازم للتنمية الصناعية، وزيادة مستوى تجهيز المواد الخام الطبيعية المحلية، وإضافة قيمة إليها.
  • على دول القارة بذل مزيد من الجهد من أجل إيجاد حلول  ديناميکية فيما يتعلق  بتحسين نوعية البنية التحتية بالقارة وجعلها أولوية من الأولويات على المستوى الوطني والإقليمي والقاري،وکذلک  قضية  تنمية رأس المال البشري من خلال إيلاء الاهتمام  لقضايا الصحة والتعليم واکتساب المهارات.
  • ومن أجل التصدي لمختلف التحديات التي تواجه التصنيع في الدول الأفريقية، مثل تدني الإنتاجية والقدرة على المنافسة في ظل ظروف العولمة، وکذلک تحديات الفقر، وتغير المناخ، يجب على دول القارة أن تسعى إلى تصنيع أساسه السعي الى تحقيق إنتاجية أعلى  قائم على روح الابتکار، أوإعادة تشکيل الأنشطة کميادين للاستثمار في أفريقيا,والذى تستلزم إعادة البناء الصناعي للقدرات الموجودة بمعنى تحديث الصناعة وليس الحماية التقليدية،حيث ستساعد سياسة تبنى أنشطة صناعية جديدة للارتقاء بسلسلة القيمة عن طريق تواجد منتجين محليين للمدخلات الوسيطة, نتيجة لزيادة حجم الطلب الکلى من المدخلات.[46]
  • يمکن أن يعزى جزء کبير من الفرق في الأداء الصناعي بين أفريقيا والبلدان النامية الأخرى إلى اختلافات في “مناخ الاستثمار” – البيئة المادية والمؤسسية والتنظيمية التي يتخذ فيها مستثمروالقطاع الخاص قراراتهم- ولأن تکلفة ممارسة الأعمال التجارية في أفريقيا تزيد بنسبة 20 إلى 40 % عن تکاليف المناطق النامية الأخرى، فعلى الأقل يجب توسيع نطاق رؤية الحکومة والمانحين للمناخ الاستثماري ليشمل ثلاثة عوامل أساسية في بيئة الأعمال التجارية تقيد التصنيع في إفريقيا: البنية التحتية والمهارات والتکامل الإقليمي.[47]
  • برغم أن مسؤولية تحقيق التنمية الصناعية تقع على عاتق الحکومات في المقام الأول، إلا أن للتکامل الإقليمي دوراً هاماً فيما يتعلق برفع شتى القيود المفروضة على التصنيع، حيث يؤدى التعاون الإقليمي في تطوير البنيه التحتية على سبيل المثال الى خفض تکلفة المعاملات، وتعزيز وتنمية الأسواق الإقليمية، ورفع القدرة التنافسية للصادرات المصنعة، کما يمکن التکامل الإقليمي من خفض الأعباء التنظيمية التي تواجه الشرکات الأفريقية من خلال مواءمة السياسات، کما يؤدي التکامل الإقليمي  أيضاً الى إعطاء دفعه للتجارة البينية الأفريقية، ومن ثم تسريع التصنيع في أفريقيا. وفي هذا السياق ستوفر خطة العمل لتسريعالتنمية الصناعية في أفريقيا وواستراتيجيتها التنفيذية خيارات عملية للدفع بعجلة التنمية الصناعية على المستويين الإقليمي والقاري.

المراجع

[1] Carol Newman et al (Editor): Manufacturing Transformation, Comparative Studies of Industrial Development in Africa and Emerging Asia (New York: Oxford University Press, 2016),pp.6-9

[2]-United Nations, Economic and Social Council, Economic Commission for Africa: Industrialization for an Emerging Africa Issues paper, Sixth Joint Annual Meetings of the ECA Conference of African Ministers of Finance, Planning and Economic Development and AU Conference of Ministers of Economy and Finance,(Abidjan, Côte d’Ivoire 25 and 26 March 2013),P.2

[3] Carol Newman et al (Editor): op,cit,pp.9-11

[4] Ibid,pp.11-13

[5] Landry Signe’: Three Potential Of Manufacturing and Industrialization in Africa ,Africa  Growth Initiative at Brookings,p.4

https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2018/09/Manufacturing-and-Industrialization-in-Africa-Signe-20180921.

[6]- African Development Bank Group:The 5s Forming Africa , Industrialize Africa ,( Busan: African Development Bank Group Working Paper ,2018) , p.7

https://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Generic Documents/Brochure_Industrialiser_l_Afrique-En.

[7] Ibid, P.6

[8] Landry signe’:op,cit,P.3

[9] –  Ibid,p 5

[10] African Development Bank Group: Industrialize Africa Report 2017 strategies_policies_institutions_and_financing. , pp.55 -57

https://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Generic-Documents/industrialize_africa_report strategies_policies_institutions_and_financing

[11] African development bank group: The 5 s for  Transforming Africa, Industrialize Africa ,op,cit ,  p.7

[12] Landry signe’:   op,cit.,P.12

[13] – Ibid, p 14

[14] Balchin, Neil, et al: “Developing Export-Based Manufacturing in Sub-Saharan Africa”. Supporting Economic Transformation, UK Department for International Development. Report, March 2016,P.5

[15] منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية: اليونيدووخطة التنمية المستدامة لعام 2030، تقرير المدير العام،  )فيينا: تقرير اليونيدو، يونيه 2017)، ص ص. 2_3

[16] Eric Evans Osei Opoku et al: Industrialization Drive and Economic Growth in Africa ,The Journal of International Trade & Economic Development, ( London: Volume 28, 2019-Issue1)

(https://editorialexpress.com/cgibin/conference/download.cgi?db_name=CSAE2018&paper _id=361), pp. 23-28

[17]  مجموعة بنک التنمية الأفريقي: إﻃﻼﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد الأفريقي 2019، اداء اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻜﻠﻲ واﻟﺘﻮﻗﻌﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ واﻟﻨﻤﻮ ودﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت، اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻزدﻫﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ،(بنک التنمية الأفريقي، 2019)، ص ص.8-9

[18]  المصدر السابق , ص. 9

[19]- Landry Signe’: op,cit, p.3

[20] مجموعة بنک التنمية الأفريقي: مصدر سبق ذکرة , ص 9

[21] مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: تسخير شبکات الإنتاج الدولية لترسيخ النموالشامل للجميع والقدرات الإنتاجية المحلية (جنيف: مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية, 26،27 أکتوبر2017)،صص.4-5 https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/cimem8d2_ar.

[22]  Neil Foster-Mc Gregor et al: Global value chains in Africa (Vienna: United Nations Industrial Development Organization, Working Paper 4/2015 2015),  pp.68_70

[23] Ibid, p.90

[24] – United Nations,Economic And Social Council,Economic Commission For Africa:op.cit, pp.7-8

[25] Seed well Hove: Why Africa Must Shift From Dependence To Diversification, Now ,( African Development Bank group,  March 2018)

https://www.afdb.org/en/blogs/industrialisation-and-trade-corner/post/why-africa-must-shift-from-dependence to-diversification-now-

[26] International Monetary fund: Regional Economic Outlook, Sub_Saharan Africa Fiscal Adjustment and Economic Diversification, (IMF, Oct.2017),p.63

[27] Ibid.p.64

[28]  Anil  Khurana &Mohammad Shaban : The Future of Manufacturing –  Morocco, Global Manufacturig & Industrialisation Summit (GMIS), p.4

[29] Ibid. p.6

[30] Said  Temsamani: Morocco Among Top Most Promising Markets For Automotive Industry – OpEd , Eurasia Review , October 2018 https://www.eurasiareview.com/26102018-morocco-among-top-most-promising-markets-for-automotive-industry-oped/

[31]   جان بيار سيريني: الرهان الناجح على صناعة السيارات في المغرب

https://orientxxi.info/magazine/article2788

[32] http://alamarabi.com/2019

[33] Masimba Tafirenyika: Why has Africa Failed To Industrialize? Experts Call For Bold and Creative Policies, Africa Renewal , August – November 2016,

https://www.un.org/africarenewal/magazine/august-2016/why-has-africa-failed-industrialize

[34] Esther de Haan & Martje Theuws: Quick SCAN Of The Linkages  Between The Ethiopian Garment  Industry And The Dutch Market , The Strategic Partnership for Garment Supply Chain Transformation, supported by The Dutch Ministry of Foreign Affairs , 2018 ,p.4

[35]Ibid,p.5

[36] Selamawit Kumera: Challenges And Prospects Of Textile And  Apparel Manufacturing Sector In Ethiopia , St. Mary’s University School Of Graduate Studies , MASTER THESIS, (Addis Ababa, St. Mary’s University School Of Graduate Studies  ,2018 ),p.43

[37] Ibid,pp.37-40

[38] Landry  Signe’: Thee Potential of Manufacturing and Industrialization in Africa,op.cit,pp.5_6

[39]  Ibid,p.10

[40] John Page: Should Africa Industrialize? (Helsinki: United Nations University (UNU), Institute for Development Economics Research, Working Paper No. 2011/47, (Finland: August 2011), pp.7-8

[41] Rodrik, Dani: Unconditional Convergence In Manufacturing,(Quartery Journal of Economics , val.128, 2012) pp. 165-204

[42] United Nations,Economic And Social Council ,Economic Commission For Africa:op.cit,pp.6-7

[43] Landry Signé: 3 things to know About Africa’s Industrialization and the Continental Free Aria (Washington, DC: The Brookings Institution) pp.17-19

https://www.brookings.edu/blog/africa-in-focus/2017/11/22

[44] Idem

[45] Idem

[46] Helmut Asche et al: Economic Diversification Strategies: A key Driver in Africa’s New Industrial Revolution (Vienna: United Nations Industrial Development Organization (UNIDO), Working Paper 2/2012, 2012,p.7

[47] John Page:op.cit,pp.9-11

[48] – United Nations,Economic And Social Council:Economic Commission For Africa: op.cit ,p.13

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى