دراسات شرق أوسطية

التطبيع خيانة – أ. د. اسماعيل صبري مقلد

اما وقد اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم في القدس وفي حضور وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو ان دولا عربية اخري غير دولة الامارات هي الآن في طريقها الي تبادل العلاقات مع اسرائيل ، وهو ما لابد وان يكون مستندا الي اساس قوي وغير مشكوك فيه من الاتصالات والترتيبات والتفاهمات المشتركة حول التوقيت واسلوب التنفيذ..الخ…..
نقول اما وان ذلك قد حدث او هو في طريقه لان يحدث وبهذه الصورة الجماعية الملفتة التي لم يكن من المتصور يوما حدوثها قبل التوصل الي حل جذري نهائي وشامل للقضية الفلسطينية ، فلماذا لا يبادر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الي استباق هذه المجموعة من القادة والزعماء العرب ، وقطع الطريق علي ما يزمعون الاقدام عليه بالاعلان عن خروجه من اتفاق اوسلو الفاشل، وسحب اعترافه باسرائيل ، ووقف كل اشكال التطبيع والاتصال والتنسيق الامني معها ، والاعلان بحزم عن تعهده امام شعبه والعالم بعدم الدخول في اي مفاوضات معها مستقبلا ، وكذلك الاعلان بشكل واضح لا لبس فيه ان عملية البحث عن السلام في اطار قرارات ومخرجات مؤتمر مدريد الدولي للسلام قد فشلت وانتهت الي غير رجعة ، واشهاد العالم كله من خلال ابلاغ الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي بالتحول الجديد في الموقف الفلسطيني بعد ثلاثة عقود كاملة من المفاوضات العبثية التي لم تجلب سلاما او تعيد ارضا او تعترف بحق الفلسطينيين في ان تكون لهم دولة وطنية مستقلة كغيرهم من شعوب العالم او ان تضع قرارا دوليا واحدا موضع التنفيذ لا بالنسبة لوضع القدس النهائي ولا بالنسبة لحق فلسطينيي المنفي او الشتات في العودة الي وطنهم ولا غير ذلك من القضايا العالقة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ؟ لماذا اذن التمسك باوسلو والاصرار علي عدم التخلي عنها ؟ ولماذا لا يحسم ابو مازن موقفه بشكل اكثر جراة وايجابية من هذا الذي نراه منه الآن والذي لن يستطيع به كبح جماح هذا الاندفاع العربي الجماعي المخيف علي طريق تبادل الاعتراف والتطبيع واقامة العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل والمضي من ذلك الي ما قد يكون ابعد منه بكثير ؟ لماذا لا يقدم ابو مازن وهو صاحب القضية الفلسطينية الحقيقي والمدافع الاول عنها بحكم دوره وموقعه القيادي ، المثل للآخرين بالقدوة والفعل الشجاع والقرار الحاسم ، وليس بهذه العاصفة الجامحة من الغضب والرفض والانفعال والتهور اللفظي الذي لا يقدم ولا يؤخر، وكأن هذا هو كل ما يستطيع ان يتصرف به في هذا الموقف الاستثنائي الصعب ، الذي سوف ياخذ ان لم يجد من يوقفه او يتصدي له ، القضية الفلسطينية وراءه الي حيث لن يعود لها وجود مهما قال بعض القادة العرب بغير ذلك لتبرير ما هم مقدمون عليه ؟
من هنا وكما اري ، فانه اذا لم يقدم الرئيس محمود عباس علي اعلان انسحابه الفوري من اتفاق اوسلو الذي كان هو مهندسه الرئيسي والاب الروحي له واشد المدافعين عنه ، متحملا كافة العواقب َوالتبعات التي سوف يفضي اليها هذا الاجراء بالانسحاب من طرف واحد ، فانه لن يصبح من حقه ان يطلب من الآخرين ان يكَونوا ملكيين اكثر من الملك عندما ينكر عليهم حقهم في ان يقرروا لانفسهم وبمحض ارادتهم ما يقتنعون به لانفسهم حسبما تمليه عليهم ظروفهم او تفرضه عليهم مصالح بلادهم ، وهو الحق الذي سبق وان اعطاه لنفسه عندما ذهب الي اوسلو سرا وتفاوض لشهور طويلة مع الاسرائيليين دون ان يدري احد علي ماذا كان يفاوضهم ولا في اي اجواء نفسية تمت هذه العملية ، وليقدم لهم في النهاية تحت الضغط َوباستخدام الخداع من التنازلات فوق ما كانوا يحلمون به ، ولم يبالي القادة الفلسطينيون وقتها برد فعل احد لا داخل المنطقة العربية ولا خارجها فقد تجاهلوا الجميع واسقطوهم من حسابهم . وعندما اشير مرارا الي محمود عباس كمسئول، فقد كان يسبقه في المسئولية التاريخية عن كل ما حدث ، وفي فظاعة الجرم عن عملية اوسلو الرئيس ياسر عرفات نفسه الذي تم هذا كله علي يديه وبمباركته وبكامل علمه.وكان معهم في كافة المراحل والتفاصيل. وكافاوه عليه بمنحه جائزة نوبل للسلام مع شركائه الاسرائيليين في هذه العملية التي دمرت للفلسطينيين قضيتهم واضاعت عليهم حقوقهم وارجعتهم اسوا بكثير مما كانوا عليه في عام 1948 وحولتهم من مناضلين ومقاتلين الي لاهثين وراء السلطة وباحثين عن مغانم الحكم في رام الله وغزة.. وليعيشوا دور الحكام مع انفسهم ومع شعبهم المغلوب علي امره ومع العالم……
ما يجري الآن وراء الكواليس المغلقة في واشنطون وتل ابيب والعديد من العواصم العرببة الخليجية وغير الخليجية خطير ومتسارع وغير مسبوق في جراته ومداه ، وما اعلنه الثنائي نتنياهو وبومبيو اليوم في القدس قد يكون المقدمة لما قد لا يخطر لنا علي بال. ، لكن الامر المؤكد هو ان الشرق الاوسط لن يعود بعدها كما كان قبلها…… …
أ. د. اسماعيل صبري مقلد – أستاذ العلوم السياسية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى