التعاون الأمريکي الجزائري في مکافحة الإرهاب

من اعداد لندة بوعنان* – استاذة جامعية، قسم العلوم السياسية – جامعة محمد بوضياف – المسيلة، الجزائر، مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 8، المجلد 2، ملحق العدد (1) ینایر 2019 (اصدار خاص)، الشتاء 2019، الصفحة 119-147

الملخص

شکل تاريخ 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول کبيرة في نظرة الولايات المتحدة الأمريکية والمجتمع الدولي ککل لظاهرة الإرهاب المهدد لکل الأقطار والأجناس، فأعلنت الولايات المتحدة الأمريکية الحرب على الإرهاب وکان لها ترکيز على القارة الافريقية.

ومن هنا کان التحرک الأممي سنتي 2001 و2004 الذي أثمر انشاء مديرية تنفيذية مکلفة بمکافحة الإرهاب، وظهرت الاستراتيجية الامريکية لمکافحة الإرهاب والتي استدعت التعاون مع أکثر دولة عانت من الإرهاب واظهرت تفاعلا إيجابيا في محاربته وهي الجزائر.

الجزائر التي عانت لوحدها وعانت من حصار دولي سنوات التسعينات الدامية، خلقت اليات لمحاربة الإرهاب من خلال قانون الرحمة 1995، قانون الوئام المدني 1999 وقانون المصالحة الوطنية 2005 کآليات تشريعية سياسية إضافة لآليات أخرى عسکرية وديبلوماسية، ومشارکتها في الاتفاقيات العربية والافريقية لمکافحة الإرهاب 1999.

ولعل مشارکة الجزائر في مبادرة 5 + 5 دفاع على المستوى المتوسطي، والحوار الجزائري الأطلسي نهاية 2001، شکل بداية التقارب الأمريکي الجزائري والتعاون لمکافحة الإرهاب للاستفادة من تجربة الجزائر السابقة والرائدة لمواجهة الظاهرة الإرهابية في المنطقة الافريقية خاصة التي تشهد تهديدات عديدة وتمس أکيد بالمصالح الأمريکية فيها..

المقدمة

تعتبر ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمیة، عرفتها الشعوب فی مختلف مراحلها بصور وأشکال مختلفة، وتختلف أسباب الظاهرة وآلیات التعامل معها من دولة الى أخرى. والشائع عالمیا هو ربط الإرهاب بالإسلام، نظرا لاتخاذ بعض الجماعات الإرهابیة النشطة خاصة فی المنطقة العربیة وأوربا الدین الإسلامی لتبریر أعمالهم.

وعلى المستوى الأکادیمی لاقى موضوع الإرهاب اهتماما کبیرا فی أوساط الباحثین الغرب والعرب، وعلى المستوى السیاسی عانت الدول فی سبیل مواجهة الظاهرة والحد منها.

والجزائر عانت من هذه الظاهرة لسنوات، وهو ما اصطلح علیها بالعشریة السوداء خلال فترة التسعینات، مما جعلها تکتسب خبرة وتجربة ممیزة فی مکافحة الإرهاب، وهو الشیء الذی دفع بالطرف الأمریکی للتعاون معها فی مکافحة الظاهرة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وإعلانها الحرب على الإرهاب.

وعلیه یمکن طرح الإشکالیة التالیة: کیف کان التعاون الأمریکی -الجزائری فی مکافحة الإرهاب؟ ونحاول الإجابة عن هذه الإشکالیة من خلال العناصر التالیة:

أ – تعریف الإرهاب (TERRORISME):

تعود جذور المصطلح الى الثورة الفرنسیة کتعبیر عن المعارضة، وصولا الى نهایة القرن العشرین أین کان تعبیرا عن استهداف المدنیین (اغتیالات، تخریب المنشآت، خطف الطائرات واحتجاز الرهائن).

لغویا فی اللغة العربیة المصطلح مشتق من الفعل “أرهب” والذی یعنی أخاف وأفزع، أما فی اللغة الفرنسیة فإن قاموس “روبیر” یعرفه بأنه: “الاستعمال المنظم لوسائل استثنائیة للعنف من أجل تحقیق هدف سیاسی (أخذ، احتفاظ، ممارسة السلطة) وعلى وجه الخصوص فهو مجموع أعمال العنف من اعتداءات فردیة أو جماعیة أو تدمیرات ینفذها تنظیم سیاسی للتأثیر على السکان وخلق مناخ بانعدام الأمن”(1).

وفی اللغة الإنجلیزیة تعنی کلمة إرهاب الاسم (Terror) وتعنی الخوف والفزع، وفعلها هو (Terrorism) ویدل على الجرائم المقرونة بالعنف أو التهدید به أو تلک الجرائم الموجهة ضد الدولة لخلق جو من عدم الاستقرار وعدم الأمن(2).

هناک صعوبة فی تعریف الإرهاب ووصفها بین الطابع القانونی (الاجرامی) والطابع السیاسی، فالولایات المتحدة الأمریکیة تستبعد إرهاب الدولة وتقتصر الإرهاب على الإرهاب الذی یقوم به الأفراد والمنظمات فقط، أیضا فالحرکات التحریریة الوطنیة أعمالها هی أعمال إرهابیة. أما عن الدول العربیة فهی ترى ضرورة التفرقة بین إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة، حیث تقدمت بمشروع لتعریف الإرهاب مع دول عدم الانحیاز، یعتبر أن أعمال العنف والقمع التی تمارسها الأنظمة الاستعماریة ضد الشعوب التی تمارس حق تقریر مصیرها وتکافح للتحریر هی من قبیل أعمال الإرهاب الدولی، إضافة الى قیام الدولة بمساعدة تنظیمات مسلحة داخل دولة أخرى ذات سیادة(3).

إن اختلاف وجهات النظر وتنوع صور وأشکال الاعمال الإرهابیة کان من بین العوائق للتوصل لتعریف محدد للإرهاب، وهو ما نتج عنه دعوات لعقد مؤتمر دولی لتحدید وضبط مفهوم الإرهاب، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

من بین التعریفات نجد تعریف الأستاذ “نبیل أحمد حلمی”، الذی یرى أن الإرهاب هو: “استخدام غیر مشروع للعنف أو بالتهدید به بواسطة فرد أو مجموعة أو دولة ضد فرد أو جماعة أو دولة ینتج عنه رعبا یعرض للخطر أرواحا بشریة أو یهدد حریات أساسیة ویکون الغرض منه الضغط على الجماعة أو الدولة لکی تغیر سلوکها تجاه موضوع ما”(4).

أیضا تعریف الدکتور عبد العزیز سرحان: “الارهاب هو کل اعتداء على الأرواح والممتلکات العامة أو الخاصة والأعمال المخالفة لأحکام القانون الدولی بمصادره المختلفة بما فی ذلک المبادئ الأساسیة لمحکمة العدل الدولیة، کما یشمل أیضا اعمال التفرقة العنصریة التی تباشرها بعض الدول”.

کما یعرفه الأستاذ بسیونی الشریف: “بأنه استراتیجیة عنف مجرم دولیا تحفزها بواعث عقائدیة، وتتوخى احداث عنف مرعب داخل شریحة خاصة من مجتمع معین، لتحقیق الوصول الى السلطة، أو القیام بدعایة لمطلب أو لمظلمة، بغض النظر عما إذا کان مقترفو العنف یعملون من أجل أنفسهم أو نیابة عن الدول”. (هذا التعریف اعتمد من طرف لجنة الخبراء الإقلیمیین فی اجتماعاتها فی فیینا من 14 الى 18 مارس 1988)(5).

ومن المفکرین الغرب نجد تعریف الفرنسی جورج لوفاسیر: “الإرهاب هو الاستخدام العمدی والمنظم لوسائل من طبعها إثارة الرعب بقصد تحقیق بعض الأهداف”(6).

أما ولتر لاکیر (Walter Laqueur) فیعرفه بأنه: “استخدام أو التهدید بإستخدام العنف، وهو أسلوب من القتال أو استراتیجیة لتحقیق أهداف معینة، لا تتفق مع القواعد الإنسانیة، یهدف الى احداث حالة من الخوف فی الضحیة، وهو عامل أساسی فی الاستراتیجیة الإرهابیة”.

کذلک تعریف میکولاس (Mickoulus): “الإرهاب هو استعمال القلق أو التهدید بإستعماله، من قبل أی فرد أو أیة جماعة”(7).

وهناک أیضا تعاریف لمنظمات دولیة حاولت هی الأخرى أن تقدم تعریفا وفق منظورها للإرهاب، ومنها:

عصبة الأمم فی اتفاقیة تأسیسها سنة 1937 جاء فی مادتها الأولى: “الاعمال الارهابیة هی أفعال إجرامیة موجهة ضد دولة من الدول یراد منها خلق حالة من الرهبة فی أذهان أشخاص معینین، أو مجموعة من الأشخاص، أو الجمهور العام”(8).

أما الاتفاقیة الاوربیة لمنع وقمع الإرهاب سنة 1977، فتضمنت المادة الأولى منها حصرا لأفعال بعینها على أنها اعمال إرهابیة وهی(9):

–      الجرائم المنصوص علیها فی اتفاقیة لاهای 1970، الخاصة بقمع الاستیلاء على الطائرات.

–      الجرائم المنصوص علیها فی اتفاقیة مونتریا 1971، الخاصة بقمع الأعمال غیر المشروعة والموجهة ضد الطیران المدنی.

–      الجرائم الخطیرة، التی تتضمن الاعتداء على الحیاة والسلامة الجسدیة أو الحریة للأشخاص الذین یتمتعون بالحمایة الدولیة، والجرائم التی تتضمن الخطف وأخذ الرهائن واحتجازهم غیر المشروع.

–      جرائم استخدام المفرقعات والقنابل والأسلحة الناریة والمتفجرات والرسائل المفخخة، إذا ترتب عن هذا الاستخدام تعریض الأشخاص للخطر، ومحاولة ارتکاب أی من هذه الجرائم السابقة أو الاشتراک فیها.

هیئة الأمم المتحدة أیضا سنة 1980 قدمت تعریفا للإرهاب صاغته لجنتها الخاصة بمکافحة الإرهاب الدولی: “یعد الإرهاب الدولی عملا من أعمال العنف الخطیرة یصدر عن فرد أو جماعة، بقصد تهدید هؤلاء الأشخاص أو التسبب فی إصابتهم أو موتهم، سواء کان یعمل بمفرده أو بالاشتراک مع أفراد اخرین، ویوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الموقع السکنیة أو الحکومیة أو الدبلوماسیة، أو وسائل النقل والمواصلات بهدف افساد علاقات الود والصداقة بین الدول، أو بین مواطنی الدول المختلفة، أو ابتزاز، أو تنازلات معینة من الدول فی أی صورة کانت، کذلک فإن التآمر على ارتکاب أو محاولة ارتکاب أو الاشتراک فی الارتکاب أو التحریض على ارتکاب الجرائم یشکل جریمة الإرهاب الدولی”(10).

أما الاتفاقیة العربیة لمکافحة الإرهاب سنة 1998، فعرفت الإرهاب بأنه: “کل فعل من أفعال العنف أو التهدید به أیا کانت بواعثه أو أغراضه، یقع تنفیذا لمشروع اجرامی فردی أو جماعی، یهدف الى إبقاء الرعب بین الناس، أو ترویعهم لإیذائهم أو تعریض حیاتهم أو حریتهم أو أمنهم أو إلحاق الضرر بالبیئة أو بأحد المرافق أو الأملاک العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستیلاء علیها أو تعریض أحد الموارد الوطنیة للخطر”(11).

من خلال هذه العینة البسیطة من التعاریف عن الإرهاب، یمکن لنا ملاحظة أنها تتقاطع فی ربطها للإرهاب بالعنف، الأول معرّف بالثانی، أیضا الترکیز فی تعریف الإرهاب على الهدف والذی هو الترهیب والتخویف، وهو ما یعکس المعنى اللغوی للکلمة، إضافة للترکیز على إرهاب الافراد أکثر من ارهاب الدول. وعموما أصبح واضحا لدینا أن الفعل الإرهابی هو اقتران بالفعل الاجرامی والعنفی، وله صور واشکال مختلفة وأهداف أیضا معینة، ومن هنا نوضح فی النقطة التالیة أشکال الإرهاب:

ب – أشکال (مستویات) الإرهاب:

للإرهاب أشکال عدیدة حسب المستوى والمجال المعتمد علیه فی التحلیل وحتى فی مکافحته، هذه النقطة الأخیرة تقسم الإرهاب حسب نطاقه الجغرافی أین للإرهاب الدولی أو العابر للدول اهتمام أکبر من الإرهاب المحلی (الداخلی)، وعلیه فأشکال الإرهاب حسب هذا التصنیف الجیوسیاسی هی:

–      الإرهاب المحلی (الداخلی): وهو النشاط الإرهابی الذی تقوم به الجماعات الإرهابیة فی ذات الدولة، لأهداف محدودة على نطاق هذه الدولة أی لا تتجاوز حدودها، ولیس لها ارتباط خارجی، فالتنفیذ والاعداد یکون داخل الدولة والضحایا أیضا والنتائج وحتى التمویل لا یکون من جهات أجنبیة(12).

–      الإرهاب الدولی: یکون الإرهاب دولیا إذا کان أحد أطرافه دولیا من خلال اختلاف جنسیات الضحایا عن الفاعلین أو الفاعلین فیما بینهم أو مکان التنفیذ… وأیضا الحصول على تمویل خارجی أو الایواء والتواجد على أراضی أجنبیة أو الاعتداء على خدمات دولیة عامة کالطائرات مثلا، أو الاعتداء على أشخاص محمیین بالقانون الدولی کأعضاء الهیئات الدبلوماسیة(13).

کما نشیر لوجود تصنیف آخر حسب الموضوع والغایة الى إرهاب عام وسیاسی واجتماعی، لکن التصنیف الأول هو الأهم حسب موضوع الورقة البحثیة.

ج – صور الإرهاب:

 للعملیات الإرهابیة صور کثیرة اتخذتها للوصول لتحقیق أهدافها، ومن هذه الصور:

–      اختطاف الطائرات وتغییر مسارها بالقوة أو بالتهدید: على مستوى الطیران المدنی المحلی والدولی، إضافة الى تخریب الطائرة أثناء طیرانها أو أثناء وجودها على الأرض أو اختطافها، قصد اللجوء السیاسی أو طلب فدیة أو إطلاق سراح مسجونین سیاسیین(14).

ولا تعد أعمالا إرهابیة أفعال السرقة أو القتل أو تهدید النظام على ظهر الطائرة أو تهدید سلامتها أو سلامة الأشخاص والأموال بها طالما أنها لم تصل لدرجة الاستیلاء على الطائرة، وهذه الأفعال یعاقب مرتکبوها بموجب قانون العقوبات الداخلی لدولة الطائرة، ولا تعتبر من أعمال الإرهاب الدولی. أما النوع الأول المذکور سالفا الخاص بخطف الطائرات وتغییر مسارها بالقوة فهو من الأعمال الإرهابیة الدولیة، وتخضع لقواعد القانون الدولی والمواثیق والاتفاقیات الدولیة(15).

–      حجز الرهائن: صورة غالبا ما ترتبط بعملیات اختطاف الطائرات وتغییر مسارها بالقوة، وهی من أخطر صور الأعمال الإرهابیة. وهناک أیضا بعض عملیات السطو المسلح التی یتم فیها احتجاز الرهائن کوسیلة لتسهیل هروب المجرمین من مسرح الجریمة، هذا فی حال کان الغرض اجرامیا، اما إذا کان الغرض سیاسیا فغالبا یکون الضحایا من الشخصیات ذات المناصب السیاسیة الهامة فی حکومات أو بنوک أو مؤسسات دولیة(16).

وهو أسلوب قوی للمساومة بشکل أفضل، إذ یتم اجبار المجتمع (المحلی أو الدولی) على الخضوع لرغبات المنفذین بالمال أو الاعتراف بقضیة معینة. أیضا فالجماعات الإرهابیة تختار ضحایاها من السیاسیین ورجال الأعمال بعنایة ودقة، وأحیانا تتعاون الجماعات الإرهابیة فیما بینها حتى تستغل نقاط ضعف أجهزة الأمن. وفی مثل هذه العملیات یتوجه اهتمام الدولة أو المجتمع الدولی للاهتمام بالحیاة الإنسانیة للرهائن وارضاء المحتجزین، ولذلک فهذا النوع من العملیات هو الأفضل لدى الإرهابیین لتحقیق أهدافهم(17).

–      العملیات التخریبیة: من الأسالیب الشائعة للإرهاب التی تستهدف المنشآت العامة والمؤسسات ذات الأهمیة السیاسیة والاقتصادیة کالسفارات، شرکات الطیران وأماکن التجمعات کالمناطق السیاحیة والفنادق. وقد یستهدف التخریب الاتلاف والاضرار بممتلکات الدولة ووسائل النقل المختلفة أو الممتلکات الخاصة. مثل هذه العملیات یذهب ضحیتها کثیر من الأبریاء، وهی تهدف لزعزعة کیان الدولة السیاسی، واثارة الرعب والفزع بین مواطنیها من أجل التأثیر علیها لتغییر إتجاه الدولة أو قراراتها بشأن مسألة معینة(18).

مثال ذلک تفجیرات 11 سبتمبر 2001 بالولایات المتحدة الأمریکیة، وعدید التفجیرات التی استهدفت مناطق مختلفة بالجزائر فی العشریة السوداء.

–      الاغتیال: من أعنف صور الإرهاب وأشدها وحشیة، ویتمثل فی إغتیال وقتل شخصیات مهمة لها تأثیر على الرأی العام داخل الدولة (وحتى على الرأی العام العالمی)، وتحدد الشخصیة حسب الهدف من العملیة الإرهابیة، ویکون الاغتیال والقتل لإحداث حالة من الفزع والرعب(19).

ومن بین أشهر الاغتیالات السیاسیة فی العالم، اغتیال الرئیس الأمریکی “جون کیندی” فی نوفمبر 1963، والرئیس الجزائری “محمد بوضیاف” فی جوان 1992.

د – أسباب ودوافع الإرهاب:

لمکافحة الإرهاب وجب دراسة أسبابه ودوافعه، وهو ما قامت به هیئة الأمم المتحدة فی دراسة ((دراسة الأسباب الکامنة وراء أشکال الإرهاب وأعمال العنف التی تنشأ من البؤس وخیبة الأمل والشعور بالظلم والیأس، والتی تحمل بعض الناس على التضحیة بأرواح بشریة بما فیها أرواحهم، محاولین بذلک احداث تغییرات جذریة))

کما أن دوافع العمیات الإرهابیة لا تعرف کلها بسبب وفاة مرتکبیها فی بعض الأحیان، وعدم التوصل للأسباب والدوافع من طرف سلطات التحقیق أحیان أخرى. ولکن یمکن أن ندرج دوافع وأسباب الإرهاب فیما یلی:

1 – الدوافع السیاسیة: معظم العملیات الإرهابیة ورائها دوافع سیاسیة، کالحصول على تقریر المصیر لشعب، أو توجیه الرأی العام العالمی لمشکلة سیاسیة أو اجتماعیة، أو الضغط على سیاسة تتبعها دولة ما(20). کما أن الدولة قد تمارس أعمالا إرهابیة ضد شعب معین بدافع السیطرة علیه، أو اجبار سکانه على التخلی عن أراضیهم والفرار منها الى مناطق أخرى داخل أو خارج الدولة.

العملیات الإرهابیة ذات الطابع السیاسی تهدف فی النهایة للوصول الى قرار سیاسی (ارغام دولة أو جماعة سیاسیة على اتخاذ قرار معین أو الامتناع عن قرار فی غیر مصلحة الجماعة الإرهابیة).

2 – الدوافع الاقتصادیة والاجتماعیة: الإرهاب ولید ظروف اقتصادیة واجتماعیة هی السبب فی الإحساس باللامساواة أمام المجتمع وفقدان العدالة، فیکون التجاء الإرهابیین للعنف والسلاح لإفراغ ما ینتابهم من نقص، کما أن الفوارق الاقتصادیة قد تکون أیضا عاملا مساعدا للإرهاب خاصة فی ظل اتساع الهوة الاقتصادیة (ثراء فاحش وفقر مدقع). وتتنوع الأسباب الاقتصادیة کالخوصصة والاستغلال الأجنبی للثروات الطبیعیة لدولة ما وعرقلة التنمیة للدول(21). أیضا الأسباب الاجتماعیة تتعدد کالبطالة وغیاب القدرة والمثل العلیا وتدنی ظروف المعیشة، مما یدفع بعض الأفراد للعزلة والاغتراب بسبب احساسهم بالضعف والنقص، ویدفعهم للقیام بأعمال إرهابیة.

3 – الدوافع الإعلامیة: بهدف طرح القضیة أمام الرأی العام العالمی والمنظمات الدولیة، فی حال رأت الجماعات الإرهابیة تجاهلا من الرأی العام لقضیتهم، فقیامهم بالعملیات من أجل جلب الانتباه لهم، الى ظلمهم، أو کسب تأیید دول وجماعات أخرى لقضایاهم(22).

وبسبب الأهمیة الإعلامیة للعملیات الإرهابیة فقد أشار البعض من المهتمین الى أن الإرهاب تعتمد عنصرین هامین لتحقیق أهدافه: إثارة الرعب والفزع، ونشر القضیة(23).

وحتى وسائل الاعلام تجد فی الإرهاب مادة إعلامیة لا یمکن تجاهلها، وهی مادة لإثارة وجذب انتباه الجماهیر خاصة عبر شاشات التلفزیون.

4 – الدوافع الشخصیة: قد یکون للعملیات الإرهابیة دوافع شخصیة، کالدافع المادی (الحصول على فدیة) أو الهروب من بلد معین، ولهذه العملیات صور کثیرة وأکثرها انتشارا هی اختطاف طائرة والهروب بها لأسباب متنوعة سیاسیة أو غیرها. وقد یکون الدافع الشخصی إصابة الإرهابی باضطراب عقلی أو عاطفی. وهذا النوع ینطبق علیه ما یسمى بالإرهاب المحلی الخاضع للقانون الداخلی للعقوبات، ویبتعد عن الإرهاب الدولی(24).

  • §       تجربة الجزائر فی مکافحة الإرهاب:

یرتبط ظهور الإرهاب وانتشاره فی الجزائر بإلغاء نتائج الدور الأول من تشریعیات 1991 والذی فازت به “الجبهة الإسلامیة للإنقاذ” وإیقاف المسار الانتخابی، واستقالة “الشاذلی بن جدید” من منصبه کرئیس للجمهوریة فی 11 جانفی 1992، وتسلیم السلطة للمجلس الأعلى للدولة برئاسة “محمد بوضیاف، على هارون، علی کافی، تیجانی هدام وخالد نزار”.

وازداد الأمر سوء بإعلان “محمد بوضیاف” رئیس الدولة عن حل الجبهة الإسلامیة للإنقاذ الى أن اکتمل حلها قانونیا فی 04 مارس 1992، ومن هنا کان المنعرج لدخول البلاد فی موجات العنف بین الجیش والمجموعات المسلحة وسقط آلاف الضحایا. ومن أهم الجماعات المسلحة التی نشطت فی الجزائر “الجیش الإسلامی للإنقاذ” (AIS) الجناح العسکری للجبهة الإسلامیة للإنقاذ، والذی تأسس فی منتصف 1992 بقیادة “مدانی مزراق”، و”الجماعة الإسلامیة المسلحة” (GIA) التی تأسست أواخر 1993 بقیادة “مصطفى بویعلی”، وهی من أخطر وأعنف التنظیمات المسلحة التی نفذت مختلف العلمیات الإرهابیة فی حقبة التسعینات خاصة فی منطقة الوسط الجزائری.

 وهو ما دعى بالمشرع الجزائری الى تعریف الإرهاب فی المادة الأولى من المرسوم التشریعی الصادر فی سبتمبر 1992 بأنه: “یعتبر عملا تخریبیا أو إرهابیا فی مفهوم هذا المرسوم التشریعی کل مخالفة تستهدف أمن الدولة والسلامة الترابیة، واستقرار المؤسسات وسیرها العادی عن طریق أی عمل غرضه ما یأتی:

–      بث الرعب فی أوساط السکان وخلق جو إنعدام الأمن من خلال الاعتداء على الأشخاص أو تعریض حیاتهم أو حریتهم أو أمنهم للخطر أو المس بممتلکاتهم،

–      عرقلة حرکة المرور أو حریة التنقل فی الطرق والساحات العمومیة.

–      الاعتداء على المحیط وعلى وسائل المواصلات والنقل والملکیات العمومیة والخاصة، والاستحواذ علیها أو احتلالها دون مسوغ قانونی، وتدنیس القبور أو الاعتداء على رموز الجمهوریة، وعرقلة عمل السلطات العمومیة أو حریة ممارسة العبادة والحریات العامة وسیر المؤسسات المساعدة للمرفق العام.

–      عرقلة سیر المؤسسات العمومیة والاعتداء على حیاة أعوانها أو ممتلکاتها، أو عرقلة تطبیق القوانین والتنظیمات”(25).

وقد حاربت الجزائر الإرهاب بعدة طرق أهمها:

1 – المعالجة الداخلیة (التشریعیة والسیاسیة): وهذا من خلال عدة تشریعات هی(26):

–      المرسوم الرئاسی رقم 92 – 44 المؤرخ فی 09 فیفری 1992، المتعلق بإعلان حالة الطوارئ: نتیجة المساس الخطیر والمستمر الذی مس الأمن العام فی نقاط مختلفة من الجزائر، واستهداف أمن المؤسسات والمواطنین بعد الغاء المسار الانتخابی سنة 1991.

–      المرسوم التشریعی 92 -03 المؤرخ فی 30 سبتمبر 1992، والمتعلق بمکافحة التهریب والإرهاب: نتیجة الأزمة الدستوریة عقب الغاء نتائج تشریعیات 1991 واستقالة الرئیس “الشاذلی بن جدید” 1992 وما نتج عنها، أصدر هذا المرسوم الذی وضح الأعمال الإرهابیة التی تمس بأمن الدولة ووحدتها ومؤسساتها ومواطنیها، وموضحا العقوبات الشدیدة التی توقع على المرتکبین، مع الإشارة الى فتح المجال للتراجع والتوبة وفق أحکام المادة 40 و41 من المرسوم.

–      المرسوم التشریعی رقم 93 – 05 المؤرخ فی 19 أفریل 1993 المعدل والمتمم للمرسوم التشریعی رقم 92 – 03 المتعلق بمکافحة التخریب والإرهاب: وهو استکمال لأحکام المرسوم السابق، مس تعدیل مواد مختلفة (کالمواد 4، 11، 12، 15، 17، 24…).

–      الأمر رقم 95 – 12 المؤرخ فی 25 فیفری 1995، المتضمن تدابیر الرحمة: وهو بمثابة قانون توبة للمنفصلین عن التنظیمات الإرهابیة، والذین قاموا بتسلیم أنفسهم للسلطات العمومیة، وتعاون معها فی تفکیک الشبکة الإرهابیة أو القبض على أعضائها مقابل الاعفاء أو تخفیف العقوبة، وهو أمر معمل به فی عدید الدول التی عانت من الإرهاب کالتشریع الفرنسی والإیطالی والاسبانی والمصری.

المشرع الجزائری هنا فتح باب التوبة للمنتمین للتنظیمات الإرهابیة المنصوص علیها فی المادة 87 مکرر 3 من قانون العقوبات، والأشخاص الحائزین على الأسلحة والمتفجرات وفق ما نصت علیه المادة 87 مکرر 7، ومتابعتهم بشروط منصوص علیها فی الأمر 95 – 12(27).

–      القانون رقم 99 – 08 المؤرخ فی 13 جویلیة 1999، المتعلق باستعادة الوئام المدنی: یستفید من هذا القانون المتورطون فی الاعمال التخریبیة والارهابیة والذین سلموا أنفسهم فی أجل 06 أشهر من صدور القانون، من أجل استعادة الأمن للجزائر وبمشارکة المواطنین بالعفو عن التائبین من خلال طرح القانون للاستفتاء الشعبی، أین صوت الجزائریون بنعم للعفو وقانون الوئام المدنی. ونصت المادة الثانیة من القانون على أن الأشخاص المذکورین فی المادة الأولى یستفیدون من التدابیر التالیة: الاعفاء من المتابعات، الوضع رهن الارجاء وتخفیف العقوبات.

–      القانون رقم 05 – 01 المؤرخ فی 06 فیفری 2005، المتعلق بالوقایة من تبییض الأموال وتمویل الإرهاب ومکافحتهما: هذا القانون مس محاور هامة هی: استکمال الأحکام المتعلقة بتبییض الأموال وتمویل الإرهاب الواردة فی قانون العقوبات خاصة تعریف تبییض الأموال، تمویل الإرهاب وخلیة الاستعلام المالی. أیضا الوقایة من هذه الجرائم بالنص على التزام المؤسسات المالیة والبنکیة وربطها بخلیة الاستعلام المالی للتبلیغ عن العملیات المصرفیة المشتبه فیها ذات العلاقة بتبییض الأموال وتمویل الإرهاب، والکشف عن هذه العملیات. إضافة الى التعاون الدولی بین السلطات الجزائریة والأجنبیة فی هذا الموضوع، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل وعدم المساس بالنظام العام. وأیضا الاحکام الجزائیة المحددة للغرامات المالیة المسلطة على مرتکبی الجرائم المنصوص عنها.

–      الأمر رقم 06 – 01 المؤرخ فی 27 فیفری 2006، المتضمن لمیثاق السلم والمصالحة: جاء بمبادرة من رئیس الجمهوریة “عبد العزیز بوتفلیقة” لاستکمال قانون الوئام المدنی وتحقیقا للسلم والمصالحة الوطنیة، تضمن فی 48 مادة الإجراءات الرامیة لاستتباب السلم وتعزیز المصالحة الوطنیة والتکفل بالضحایا وقوات الدفاع والأمن والمجرمین. کما تضمن المیثاق حلات اعفاء من عقاب جرائم الارهاب هی: ابطال المتابعات القضائیة، والعفو لصالح الأفراد المحکوم علیهم والموجودون رهن الحبس.

2 – المعالجة العسکریة: فی بدایة دخول الجزائر فی موجة العنف والإرهاب حقبة التسعینات، تخلى المجتمع الدولی عنها فی محنتها، فاعتمدت على نفسها وجیشها وقدماء الجیش أیضا لمواجهة توسع العملیات الإرهابیة من خلال(28):

–      تأسیس هیکل مرکزی للتنسیق الأمنی سنة 1992 یشمل الجیش الوطنی الشعبی والدرک والأمن الوطنیین.

–      تأسیس “القطاع العملیاتی” بدایة من 1993 على مستوى کل الولایات، لتنسیق الجهود الأمنیة ومراقبة إدارة ومتابعة العملیات.

–      تأسیس الشرطة البلدیة سنة 1993، والتی اعید تسمیتها عام 1996 بالحرس البلدی بغرض المساهمة المحلیة فی حفظ الأمن والسلم العمومی والمساهمة فی عملیات مکافحة الإرهاب على مستوى البلدیة.

–      تأسیس جماعات الدفاع المقاومون، حتى یدافع المواطنون فی المنطق الریفیة عن أنفسهم، حیث شهدت هذه المناطق عملیات تقتیل بشعة واغتصاب وسطو…

–      الاستعانة بقدماء المجاهدین ومتقاعدی الجیش والأمن الوطنی للمساهمة فی مکافحة الإرهاب.

ومع تولی الرئیس “بوتفلیقة” الحکم سنة 1999 عمل على تحدیث الجیش الجزائری ومعداته، وکان هذا تزامنا وبعث المسار الانتخابی فی البلاد منذ 1995 وأیضا نتیجة التطور التکنولوجی الحاصل فی مجال الأسلحة، وتشکیل وحدات خاصة بمکافحة الإرهاب، کما ساعد التعاون الجزائری الأمریکی ومع الحلف الأطلسی فی تحسین استعدادات الجیش الجزائری(29).

أضافة الى وجود معالجات أخرى إعلامیة، والتی تعکس تظافر الجهود الرسمیة ووسائل الاعلام لنشر الوعی حول ظاهرة الإرهاب ومخاطر معاونة الإرهابیین وعدم التبلیغ عنهم…کذلک المعالجة الدینیة، لتوعیة الجزائریین حول حقیقة الدین وتجنب الفهم الخطأ للدین.

لکن ترکیزنا الکبیر کان على المعالجات السیاسیة والتشریعیة لأهمیتها دون الانتقاص من أهمیة بقیة المعالجات وتکاملها معها.

3 – المواجهة الخارجیة (الإقلیمیة والدولیة): نتیجة تعقد نشاط الشبکات الإرهابیة وانتشارها فی المنطقة المغاربیة، الافریقیة وحتى العالم، توجهت الجزائر لعقد شراکات فی شکل اتفاقات مکافحة الإرهاب على المستوى الإقلیمی العربی والافریقی والعالمی.

فکانت البدایة من الاتفاقیة العربیة لمکافحة الإرهاب، المصادق علیها فی الدورة الرابعة عشر لمجلس وزراء الداخلیة العرب فی 22 أفریل 1998، وقد تضمنت الاتفاقیة نبذ العنف بکل صوره وأشکاله، ودعوة الدول التی تأوی إرهابیین للکف عن أی نشاط دعائی یهدد أمن وسلامة الدول العربیة، وأیضا تعزیز التعاون البینی بالتنسیق العربی – العربی أمنیا، عن طریق تعزیز إمکانیات التکوین وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنیة فیما بینها(30).

أما على المستوى الافریقی، فکانت البدایة بتنظیم الجزائر لقمة منظمة الوحدة الافریقیة فی جویلیة 1999، لتأکید الدور الریادی للجزائری وإعادة بعث نشاطها الدبلوماسی وتصحیح صورتها فی الخارج، ودعت لإبرام اتفاقیة ضد الإرهاب، فلاقت الفکرة استحسان الدول الافریقیة وتم المصادقة على الاتفاقیة الافریقیة لمکافحة الإرهاب ودخلت حیز التنفیذ فی 14 جویلیة 1999.

وقد تضمنت الاتفاقیة تبنی تعریف موحد للإرهاب: “ذلک العنف من أشکال الجریمة الدولیة، الذی یتحرک ضمن الحدود الجغرافیة للدول، بسبب اختلاف أنظمة الحکم والإجراءات القانونیة عبر الحدود ووجود التجارة غیر الشرعیة لتمویل نشاطاته”، کما تطرقت الاتفاقیة للتدابیر الواجب اتخاذها فی الجانب القضائی وتبادل المعلومات والخبرات.

ویمکن القول أن أحداث 11 سبتمبر عززت جهود الجزائر ووضعتها فی موقع التجربة الرائدة فی مکافحة الإرهاب، وجعلتها تشیر أیضا الى محاربة الأسباب المؤدیة للإرهاب کالفقر والجهل، فدعت لإعداد خطة تنمویة فی افریقیا، فظهرت مبادرات بالتنسیق بین الجزائر وجنوب افریقیا ونیجیریا کالمبادرة التنمویة “الألفیة الجدیدة لانعاش افریقیا” والتی حددت القطاعات الواجب على الحکومات الافریقیة العمل فیها بالاشتراک وهی قطاع التکنولوجیا الجدیدة والمعلومات والاتصالات وتعزیز الأمن فیما بینها. وعلى المستوى الأمنی تم انشاء “المرکز الافریقی للدراسات والبحث” فی أکتوبر 2004 مقره العاصمة الجزائریة، هدفه عقد ملتقیات وندوات مع دول افریقیة وحتى أخرى کالدول الاوربیة، لتبادل الخبرات والمعلومات حول الظاهرة الإرهابیة(31).

وتوالت الجهود الجزائریة على المستوى العربی والافریقی خاصة منذ 2012، أین شهدت المنطقة العربیة والافریقیة تهدیدات أمنیة داخلیة وخارجیة. لکن لا ننسى أن الجزائر وقعت على العدید من الاتفاقیات ذات الصلة بمکافحة الإرهاب، منها(32):

–      الاتفاقیة الجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتکبة على متن الطائرات (موقعة فی طوکیو، 14 سبتمبر 1963).

–      الاتفاقیة الخاصة بقمع الاستیلاء غیر المشروع على الطائرات (موقعة فی لاهای، 16 دیسمبر 1970).

–      الاتفاقیة الخاصة بقمع الأفعال غیر المشروعة الموجهة ضد سلامة الطیران المدنی (موقعة فی مونتریال، 23 سبتمبر 1971).

–      البروتوکول الخاص بقمع أعمال العنف غیر المشروعة فی المطارات التی تخدم الطیران المدنی الدولی (الموقع فی مونتریال، 24 فیفری 1988).

–      کما صادقت الجزائر بتحفظ على: الاتفاقیة بشأن تمییز المتفجرات البلاستیکیة بغرض کشفها (موقعة فی مونتریال، مارس 1991)، وأیضا الاتفاقیة الدولیة قمع تمویل الإرهاب، المعتمدة من الأمم المتحدة فی 9 دیسمبر 1999، والاتفاقیة الدولیة لقمع الهجمات الإرهابیة بالقنابل (المحررة فی 15 دیسمبر 1997).

  • §       التعاون الأمریکی – الجزائری فی محاربة الإرهاب:

فی هذا العنصر نتناول النقاط التالیة:

1 – أسباب ظهور استراتیجیة شاملة لمکافحة الإرهاب:

کانت احداث الهجوم على برجی التجارة فی 11 سبتمبر 2001 سببا فی اعلان الولایات المتحدة الأمریکیة الحرب الشاملة على الإرهاب، ودعوة العالم للاتحاد لمواجهته، حیث أعلن الرئیس الأمریکی “جورج دبلیو بوش” الحرب الطویلة على الإرهاب (Long Term War) والتی قد تمتد الى 30 سنة أو أکثر، مع الإشارة لأن مصالح أمریکا ضربت قبلا سنة 1998 من خلال تفجیرات “نیروبی فی کینیا ودار السلام فی تنزانیا”. ویرى “تشارلز هیل” أن أحداث 11 سبتمبر کانت ایذاننا بالحرب الثانیة على الإرهاب، اذ کانت الحرب الأولى قبل عشرین سنة فی عهد إدارة الرئیس “ریغان”(33).

ومن جهة أخرى توجه نظر الولایات المتحدة الأمریکیة لإفریقیا بعد تراجع الاهتمام بها نهایة الحرب الباردة، فأحداث 11 سبتمبر جعلت منها منطقة استراتیجیة مهمة فی العالم خاصة منطقة الصحراء والساحل. إذ أن المصالح الامریکیة خاصة والغربیة عموما فی افریقیا جعل أمریکا وحلفائها یطورون علاقاتهم معها، خاصة على المستوى الأمنی ومثال ذلک قمة مجموعة الثمانیة 2002، والاعلان عن خطة العمل الافریقیة المرتکزة على التعاون الأمنی.

استراتیجیة مکافحة الإرهاب ترکز على رد الفعل وتجنب وقوع الاحداث الإرهابیة مستقبلا، وقد أوضح کل من “واین رایس”(Wyn Rees) و”ریتشارد الدریش” (Richard Aldrid) أن استراتیجیة محاربة الإرهاب تقوم على ثلاث أشکال من المرتکزات وهی: الانتقام العسکری، تقویة القوانین والتشریعات المتعلقة بمعاقبة الإرهابیین والمشتبه فیهم، وتخفیض التهدیدات الإرهابیة(34).

تتعدد الأسباب التی کانت وراء ظهور استراتیجیة شاملة لمکافحة الإرهاب وأهمها:

أ – أسباب أمنیة:

ارتبطت استراتیجیة الحرب الشاملة على الإرهاب مع بدایة انتشاره فی افریقیا، وتحرک تنظیم القاعدة نحو القارة، خاصة منطقة القرن الافریقی (الصومال) والتی یعتبرها بعض المحللین والمسؤولین الأمریکیین دولة فاشلة، بسبب عدم وجود إدارات عاملة فیها والحرب الأهلیة وتواجد تنظیم القاعدة على أراضیها، مما یشکل تهدیدا للمصالح الأمریکیة والأوربیة فی المنطقة.

فالإرهاب بدأ فی الانتشار نحو الصحراء والساحل الافریقیین، وبدأت إدارة “جورج دبلیو بوش” سنة 2003 الحدیث عن الحرب الشاملة على الإرهاب فی المنطقة، خاصة وتزامن الفترة وحادثة اختطاف سیاح أوربیین فی الصحراء الجزائریة من قبل طرف الجماعة السلفیة للدعوة والقتال(35).

ب – أسباب اقتصادیة:

تعکس التحرک الأمریکی والغربی لحمایة مصالحهم فی المنطقة الافریقیة فی ظل تنافس دولی هناک خاصة مع الطرف الصینی. فبعض المحللین لا یرون فی اهتمام الولایات المتحدة الأمریکیة بالمنطقة ارتباطا بالأسباب الأمنیة فقط ومحاربة الإرهاب، بل هناک أسباب أخرى اقتصادیة خاصة فی المجال الطاقوی، إذ یحدد “دانیال فولمان” المتخصص فی دراسات الأمن فی افریقیا، المصالح الامریکیة فی القارة فی ثلاث نقاط هی: فتح جبهة جدیدة فی الحرب الشاملة على الإرهاب، تأمین مصالحها الطاقویة والمنافسة مع الصین حول ثروات القارة. وأیضا تقریر دیک تشینی 2001 أشار الى زیادة الاهتمام بالتنمیة والبترول فی افریقیا، حیث بدى واضحا الترکیز الأمریکی على القارة والمغرب العربی خاصة الصحراء المغاربیة(36).

هذا بصورة عامة عن أسباب اعلان الطرف الأمریکی لاستراتیجیة شاملة لمحاربة الإرهاب، أما عن أسباب التعاون بینه وبین الطرف الجزائری فیمکن لنا تناولها فی العنصر الموالی.

2 – أسباب التعاون الأمریکی – الجزائری فی مکافحة الإرهاب:

یعتبر التعاون الأمنی الأمریکی – الجزائری خطوة استراتیجیة مهمة للطرفین، فلکل طرف دوافع وأسباب اقتصادیة وأمنیة واستراتیجیة، خاصة حمایة مصالحهم الاقتصادیة فی المنطقة الافریقیة، ومن الأسباب التی دعت لهذا التعاون ندرج أهمها فیما یلی:

أ – الأسباب الاقتصادیة:

ترتکز الأسباب الاقتصادیة للتعاون على نقطة الاعتماد المتبادل، فلبلدین تجمعهما مصالح اقتصادیة حیویة یعملان على تحقیقها وحمایتها. فعن العلاقات الاقتصادیة بین الطرفین یمکن القول أنها مرت بمراحل مختلفة، أولها بعد الاستقلال تحدیدا سنة 1969 این اتجهت الولایات المتحدة الأمریکیة فی عهد الرئیس “نیکسون” للاستفادة من الغاز الجزائری الذی کان یمثل حوالی 10 % من الاحتیاطی العالمی، وهو غیر مستغل وغیر ملوث وخفیف. فی وقت کانت الجزائر تحاول تطویر قدراتها الطاقویة، کان الطرف الأمریکی یدرس تزاید احتیاجاته للغاز، فأصبحت الجزائر محط اهتمام أمریکی وعالمی بصورة عامة.

وتترجم التقارب الاقتصادی بین الطرفین من خلال توقیع شرکة “الباسو ناتیرال غاز” الامریکیة وشرکة “سوناطراک” الجزائریة اتفاقا سنة 1969، بموجبة تسترد الشرکة الامریکیة 10 ملایین متر مکعب من الغاز الجزائری الممیع کل سنة مدة 15 سنة، وتتکفل الشرکة الجزائریة بالعملیات الداخلیة بینما تقوم الشرکة الأمریکیة بتشیید مصنع تمییع أرزیو وخط أنبوب نفط إضافة الى تمویل الحصول على ناقلات نفط، بمبلغ وصل الى 900 ملیون دولار أمریکی. ورغم سلسلة التأمیمات التی شهدتها الجزائر من 1967 الى 1969، وفی وقت لم تکن العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین على درجة من الرفعة، وافقت الحکومة الجزائریة على الاتفاق وکان ذلک بدایة لتحسین العلاقات بینهما، وسمیت هذه المرحلة بدبلوماسیة الغاز. لکنها سرعان ما ساءت بسبب الأزمة الأردنیة 1970 – 1971 أین ساندت الجزائر المقاومة الفلسطینیة، وساندت الولایات المتحدة الأمریکیة الأردن(37).

أما فترة التسعینات فعرفت توترا فی العلاقات بین البلدین بسبب “الجبهة الإسلامیة للإنقاذ”، والدعم الأمریکی للمغرب بخصوص مسألة الصحراء الغربیة. وکانت سنة 1994 سنة الاکتشافات البترولیة فی الجزائر (أکثر من 15 اکتشاف) کان للشرکة الامریکیة ” انادارکو” دور هام فیها.

وکانت الولایات المتحدة الأمریکیة أول من استثمر فی الجزائر فی قطاع المحروقات سنة 2005 بعد فتح المجال أمام المستثمر الأجنبی فی الجزائر، رغم المشاکل البیروقراطیة التی یعانی منها المستثمرون فی الجزائر، وأیضا لا ننسى القول أیضا أن الطرف الأمریکی کان حذرا فی استثماراته فی الجزائر بسبب الوضع الأمنی آنذاک.

هاتین المحطتین الهامتین فی العلاقات الاقتصادیة الأمریکیة الجزائریة نقلتها من توتر الا اعتماد متبادل الى تعاون، ووصلت بهما الى حد التغاضی عن الخلافات السیاسیة والأیدیولوجیة. حیث أن بعض المحللین یعتبرون أن الجزائر هی أهم حلیف للإدارة جورج بوش الابن فیما تعلق بالحرب على الإرهاب، لأسباب اقتصادیة حیث یتعاون الطرفان لتأمین الغاز والبترول الجزائری لأمریکا وحلفائها الأوربیین، وتحدیث الجیش الجزائری بالأسلحة الامریکیة المتطورة وتعویض خسائرها فی حربها مع الإرهاب عقد التسعینات.

ب – الأسباب والاهداف الأمنیة والاستراتیجیة:

وهی متنوعة منها المعلنة وغیر المعلنة، ومن أهمها:

–      استهداف الإرهاب للمصالح الامریکیة فی القارة الافریقیة: بدأ التخوف الأمریکی على مصالحها فی القارة الافریقیة مع الهجمات الإرهابیة على سفاراتها بدار السلام ونیروبی سنة 1998، وأیضا استهدفها تنظیم القاعدة فی بلاد المغرب فی أواخر 2006 بهجوم إرهابی على مجمع هالیبرتون الأمریکی، کما أن المنطقة المغاربیة والساحلیة کانت هدفا للکثیر من العملیات الإرهابیة مثل: تعرض قاعدة عسکریة موریتانیة على الحدود الجزائریة المالیة لهجوم إرهابی فی 2005أ وأیضا واختطاف أربعة رهائن فرنسیین فی 6 سبتمبر 2010 فی أرلی والمطالبة بفدیة لتحریرهم فی وقت کانت المجموعة الفرنسیة “اریفا” تنقب عن الیورانیوم على الحدود المالیة الجزائریة النیجیریة، وأیضا محاولة اغتیال بعض القادة الموریتانیین، وقتل سیاح فرنسیین فی موریتانیا.

هذه المنطقة ذات الأهمیة الاستراتیجیة للولایات المتحدة الامریکیة کانت أیضا منطقة مثلى لانطلاق فی تنفیذ عدید العملیات الإرهابیة.

–      استهداف الإرهاب للجزائر: استهدف الإرهاب الجزائر محلیا وحتى إقلیمیا، حیث کان للجماعة السلفیة للدعوة والقتال نشاط کبیر فی الجزائر، ثم انضمت الى تنظیم القاعدة وتواصل نشاطها فی ظل نشاط الأجهزة الأمنیة الجزائریة، وطورت نشاطها من محلی الى إقلیمی. (تناولنا سابقا الإرهاب فی الجزائر والیات محاربته).

–      المناطق غیر المراقبة: وجود هذه المناطق دلیل على ضعف الدولة وقدرتها على التحکم فی الأراضی الخاضعة لسیادتها، وهی فرصة للجماعات الإرهابیة حتى تتخذ منها مراکز تدریب وتخطیط وتمویل وعبور، حیث تشیر دراسات لوجود منطقة واسعة غیر مراقبة فی وسط افریقیا من التشاد نحو الکونغو. إن ضعف أداء الدولة الرقابی یکون فرصة للنشاط غیر القانونی والشرعی، ویساهم فی تدهور الوضع الأمنی. ومنطقة غرب افریقیا أیضا تعانی من استهدافها مباشرة من تنظیم القاعدة وجماعات إرهابیة أخرى، خاصة الحدود المالیة الموریتانیة وشمال مالی والحدود المالیة النیجیریة وشمال تشاد.

–      انتشار الإرهاب فی الساحل: تشیر تقاریر لان تنظیم القاعدة فی بلاد المغرب یحاول التوسع فی الصحراء والساحل الافریقی عن طریق قواعد التدریب المکلفة بتدریب شبکات إرهابیة محلیة، مثل قاعدة التدریب المکتشفة فی لیبیا 2007، واکتشاف محاولة إقامة قاعدة أخرى فی نیجیریا.

تشرح نظریة “البنانا أو الموزة” (Banana Theory) أن الإدارة الامریکیة ترى بانتقال الإرهاب من أفغانستان نحو القرن الافریقی لینتشر عبر منطقة الصحراء والساحل على شکل منحنى الموزة. وتبین النظریة کیفیة ارتباط الجماعات الإرهابیة فی المغرب العربی بالجماعات القادمة من القرن الافریقی، خاصة تنظیم القاعدة والجماعة السلفیة للدعوة والقتال فی الجزائر(38.

کما تشیر دراسات الى ان حوالی 600 إرهابی من تنظیم القاعدة لجؤوا الى الصحراء الافریقیة بعد العملیات الامریکیة الأخیرة فی أفغانستان، وأن مجموعة مهمة من السلفیین الجهادیین من جنسیات مختلفة دخلوا المنطقة وشکلوا فی صحراء تاودینیت فی مالی جماعة “خالد بن الولید”، حیث لاحقهم الجیش التشادی فدخلوا المنطقة(39).

کما أن الهجمات الإرهابیة التابعة لتنظیم القاعدة فی بلاد المغرب الإسلامی ارتفعت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 فی منطقة المغرب والساحل الافریقی (الجزائر، تشاد، لیبیا، مالی، موریتانیا، المغرب، تونس والنیجر).

ج – الموقع الاستراتیجی للجزائر فی المنطقة:

إذ تعد الجزائر الدولة المحوریة للأمن الإقلیمی فی المغرب العربی وافریقیا، وبما أن السیاسة الأمریکیة ترتکز على الدول المحوریة (الأقطاب) فی استراتیجیة مکافحة الإرهاب فی القارة الافریقیة، فإن الترکیز الأمریکی على الجزائر إضافة الى نیجیریا وجنوب افریقیا کان کبیرا فی إطار إدارة الشؤون الافریقیة عبر “وکلاء” أفارقة یتمتعون بالقوة والاستقرار مقارنة بغیرهم.

د – الاستفادة من تجربة الجزائر فی مکافحتها للإرهاب:

بعد أحداث 11 سبتمبر، اعتبرت الولایات المتحدة الأمریکیة التجربة الجزائریة فی مکافحة الإرهاب رائدة ووجب الاستفادة منها، فبدأت التعاون الأمنی مع الجزائر للاستفادة من المعلومات الاستخباراتیة اللازمة لمکافحة الشبکات الإرهابیة فی العالم المتشابهة فی القناعات والتکتیکات والأهداف. فتفکیک تنظیم القاعدة مثلا یتطلب إضعاف الشبکات التابعة لها وضرب أسسها العقائدیة، وهو التنظیم الذی شکل تهدیدا مباشرا للدول المغاربیة والساحلیة والاوربیة. وقد نجحت الجزائر فی احتواء هذا التهدید باستهداف قیادات الجماعات الإرهابیة وضرب ایدیولوجیتها وتدمیر قدراتها القتالیة، وحتى احتواء جماعات محلیة تم تشکیلها للنشاط فی العراق(40).

السلطات الجزائریة إعتمدت فی مکافحتها للإرهاب استخدام القوة الصلبة (المواجهة الأمنیة والعسکریة)، وأیضا القوة الناعمة (المواجهة السیاسیة والإعلامیة والقانونیة)، لکن بعد الهجمات الإرهابیة فی العاصمة الجزائریة سنة 2007، أصبح التنظیم الإرهابی المحلی تابعا لتنظیم القاعدة کجماعة إرهابیة دولیة، وهو ما دفع بالجزائر للعمل جماعیا لمواجهة هذا الخطر المشترک. وقد دعى وزیر الداخلیة وقتها “نور الدین یزید زرهونی” الى اشراک الاعلام فی مکافحة الإرهاب، إذ أن التجربة الجزائریة أثبتت أن المعالجة الأمنیة وحدها غیر کافیة، وأن الجزائر خصصت أکثر من أربعة ملاییر أورو فی حربها ضد الإرهاب والجریمة المنظمة(41).

3 – مسار التعاون الأمریکی الجزائری فی مکافحة الإرهاب:

عرف التعاون بین الطرفین فی جانبه الأمنی لمکافحة الإرهاب مستویات من العمل الثنائی والمتعدد الأطراف، فعلى مستوى التنسیق والتعاون الثنائی ظهر واضحا فی المجالات التالیة(42):

–      الموافقة على مشارکة الولایات المتحدة الامریکیة فی الحرب على الإرهاب، قناعة ضرورة المشارکة الجماعیة العابرة للقومیات لإلحاق الهزیمة بالخطر الغامض.

–      تبادل المعلومات الاستخباراتیة، اذ أسست الجزائر معرفة عمیقة عن الشبکات الإرهابیة فی جمیع أنحاء العالم فی إطار استراتیجیتها الوطنیة لعزل الإرهاب الداخلی عن خطوط دعمه الخارجی.

–      التعاون بین الأمن والاستخبارات ووزارتی الدفاع الأمریکیة والجزائریة.

–      التعاون العسکری فی مجال التدریب فی مختلف المدارس العسکریة والمعاهد والجامعات الأمریکیة.

–      استفادة الجزائر من المساعدات العسکریة الأمریکیة التی ارتفعت قیمتها من 121000 دولار أمریکی سنة 2001 الى 800000 دولار سنة 2008.

أما على مستوى التنسیق والتعاون الامریکی المتعدد الأطراف لمکافحة الإرهاب، فالجزائر تنطوی على اطارین أساسیین هما:

–      فی إطار مبادرة الحوار الأطلسی المتوسطی: وهی مبادرة أسسها الحلف الأطلسی عام 1994، فی إطار مقاربة جدیدة لتعزیز الحوار والتعاون بین الأطراف لمواجهة التهدیدات التی تعرفها منطقة المتوسط من إرهاب دولی وجریمة منظمة وتهریب المخدرات، وقد انضمت الجزائر متأخرة سنة 2000 لهذه المبادرة، بعد تحسن وضعها الأمنی وتحسن علاقاتها مع الولایات المتحدة الأمریکیة وتبادل زیارات لمسؤولین أمریکیین فی الحلف الاطلسی الى الجزائر، وخاصة زیارة رئیس جمهوریة الجزائر الرسمیة لمقر الحلف ببروکسل فی 1999 ثم زیارة ثانیة فی 2001.

وقد شارکت الجزائر فی عملیات “اکتیف اندفور” بعد أحداث 11 سبتمبر فی المتوسط لمراقبة التجارة البحریة وحمایتها من خطر الإرهاب، وفی اجتماع “داکیا فیالا” الأیسلندیة فی مای 2002، وأیضا فی اجتماع لمنظمة التعاون والامن فی أوربا فی لشبونة جوان 2002، إضافة لقیامها بالتنسیق مع الحلف الأطلسی فی إطار الاستراتیجیة المتعلقة بالمفهوم العسکری للدفاع ضد الإرهاب الدولی فی براغ نوفمبر 2002. کما شارکت الجزائر أیضا فی اجتماع اللجنة العسکریة المشترکة فی إطار الشراکة الأطلسیة المتوسطیة، بإسطنبول فی نوفمبر 2004(43).

وشارکت الجزائر فی العدید من تمارین بحریة مشترکة ومناورات وتدریبات مع الحلف فی المیاه الجزائریة والمتوسطیة ورسو سفن الحلف فی موانئ جزائریة منذ 2004، من أجل افشال النشاطات الإرهابیة فی المنطقة بالمراقبة والتفتیش.

–      فی إطار مکافحة الإرهاب عبر الصحراء: والتی أنشأت فی جوان 2005، وتضم الى جانب دول الساحل الافریقی “موریتانیا، مالی، النیجر وتشاد” کل من “الجزائر، الغرب، تونس، السنغال ونیجیریا واثیوبیا وغانا”، حیث هدفت المبادرة الى ترقیة التعاون الأمنی لمواجهة الإرهاب فی المنطقة وأیضا مکافحة الهجرة غیر الشرعیة والجریمة المنظمة والمتاجرة بالبشر… بواسطة فرق امنیة لخبراء أمریکیین، وتوحید جهود المنطقة وتأمین ثرواتها الحیویة من غاز ونفط ومعادن ویورانیوم… ولتجسید هذه المبادرة خصصت الولایات المتحدة الامریکیة 500 ملیون دولار ما بین سنتی 2005 و 2010 إضافة الى ارسال تجهیزات عسکریة وتجنید فرقة خبراء أمریکیین وارسالها الى المنطقة، کما أنشأت قاعدة عسکریة أمریکیة فی افریقیا “الافریکوم” فی فیفری 2007 ومقرها شتوتغارت الألمانیة بسبب رفض الدول المغاربیة ودول الساحل اقامتها على أراضیهم (خاصة الجزائر وجنوب افریقیا ونیجیریا)، هدفها بناء بیئة أمنیة مستقرة باشراک عناصر مدنیة فی قیادة افریقیة، ومرد رفض إقامة القاعدة على أراضی افریقیة هو رفض استخدام القوة لأغراض استراتیجیة أمریکیة (رؤیة جورج بوش الابن لحمایة مصالحها الطاقویة فی غرب افریقیا).

–      التعاون على المستوى القضائی والقانونی: التعامل على هذا المستوى بغیة منع هروب الإرهابیین دون عقاب، فقد وقعت الجزائر والولایات المتحدة الامریکیة على اتفاقیة المساعدة القانونیة فی أفریل 2010، وتضمن التعاون بین الطرفین على المستوى القضائی والقانونی تسلیم الارهابین والمتهمین بالقیام بعملیات إرهابیة مثل تسلیم الطرف الأمریکی للسجناء الجزائریین فی معتقل غوانتنامو، وإیجاد إطار قانونی یمنع تقدیم الفدیة للإرهابیین کون الفدیة تعد مصدر تمویل للإرهابیین وجب حرمانهم منها(44).

خاتمة:

فی ختام هذه الورقة یمکن القول أن تجربة مکافحة الإرهاب فی اطار التعاون الأمریکی الجزائری قد ارتبطت بأحداث 11 سبتمبر التی استهدفت مواقع أمریکیة رسمیة، حیث حولت الولایات المتحدة الأمریکیة جهودها لمحاربة الإرهاب ومکافحته خارج الدیار بحکم ارتباط الشبکات الإرهابیة ببعضها على المستوى العالمی. وقد عکس التعاون بین الطرفین خاصة على المستوى الافریقی والمغاربی الرؤیة الجزائریة التی نادت بها منذ بدایة الإرهاب فیها، ومحاولتها وضع تجربتها الخاصة تحت تصرف کل من یرید الاستفادة، ومن جهة أخرى وجدت الولایات المتحدة الأمریکیة نفسها فی مواجهة مباشرة مع الجماعات الإرهابیة التی استهدفت مصالحها خاصة مصالحها الاقتصادیة فی الساحل الافریقی. وأخذ التعاون الأمریکی الجزائری عدة أبعاد أهمها البعد الأمنی، الاقتصادی والدبلوماسی أیضا.

والأکید أن التعاون بین الطرفین سیتواصل ما دام أن التهدیدات الإرهابیة بالمنطقة المغاربیة وخاصة منطقة الساحل ما تزال تهدد المصالح الامریکیة بالخصوص، وما دام أن الجزائر مازالت طرفا فاعلا فی حل النزاعات الافریقیة الداخلیة فی مالی ولیبیا والتی تعقدت مشاکلها مع الإرهاب والهجرة غیر الشرعیة والجریمة المنظمة.

المراجع

1)   Le petit Robert, Dictionnaire De La Langue Française, 1993, p 228.

2)   یوسف ملا جمعة الیاقوت، الإرهاب، 2010، ص 8.

3)   عبد القادر زهیر النقوزی، المفهوم القانونی لجرائم الإرهاب الداخلی والدولی، بیروت، منشورات الحلبی الحقوقیة، 2008، ص 10.

4)   نبیل أحمد حلمی، الإرهاب الدولی وفقا لقواعد القانون الدولی العام، القاهرة، دار النهضة، 1988، ص 20.

5)   بوازدیة جمال، الاستراتیجیات المغاربیة لمکافحة الإرهاب، أطروحة دکتوراه فی الدراسات الدولیة، جامعة الجزائر 3، 2012 – 2013، ص 40.

6)   بوازدیة جمال، نفس المرجع، ص 41.

7)   باسط سمیرة، الاستراتیجیة الجزائریة لمکافحة الإرهاب (1999 – 2014)، مذکرة ماجستیر فی العلوم السیاسیة، جامعة الجزائر 3، 2014، ص 36.

8)   وئام محمود سلیمان النجار، التوظیف السیاسی للإرهاب فی السیاسة الخارجیة الامریکیة بعد أحداث الحادی عشر من سبتمبر (2001 – 2008)، مذکرة ماجستیر فی العلوم السیاسیة، کلیة الاقتصاد والعلوم الإداریة، جامعة الأزهر، غزة، 2012، ص 26.

9)   باسط سمیرة، مرجع سابق، ص 35.

10) وئام محمود سلیمان النجار، مرجع سابق، ص 26.

11) باسط سمیرة، مرجع سابق، ص 36.

12) غسان صبری کاطع، الجهود العربیة لمکافحة جریمة الإرهاب، الأردن، دار الثقافة، 2011، ص ص 97، 98.

13) نفسه، ص 100.

14) أسامة محمد بدر، مواجهة الإرهاب: دراسة فی التشریع المصری والمقارن، مصر، النسر الذهبی للطباعة، 2000، ص 63.

15) نفسه، ص 64.

16) نبیل أحمد حلمی، مرجع سابق، ص 33.

17) نفسه، نفس الصفحة.

18) نفسه، ص 34.

19) نفسه، نفس الصفحة.

20) أسامة محمد بدر، مرجع سابق، ص 79.

21) احمیدی بوجلیطة بوعلی، سیاسات مکافحة الإرهاب فی الوطن العربی – دراسة مقارنة بین الجزائر ومصر، مذکرة ماجستیر فی العلاقات الدولیة، جامعة الجزائر 3، 2009 – 2010، ص 36.

22) نبیل أحمد حلمی، مرجع سابق، ص 15.

23) أحمد جلال عز الدین، الإرهاب والعنف السیاسی، القاهرة، دار الحریة للصحافة والطباعة والنشر، 1986، ص 151.

24) احمیدی بوجلیطة بوعلی، مرجع سابق، ص ص 37، 38.

25) احمیدی بوجلیطة بوعلی، مرجع سابق، ص ص 13، 14.

26) بوضیاف اسمهان، دور الدول والمنظمات العالمیة والإقلیمیة فی مکافحة الإرهاب الدولی، مذکرة ماجستیر فی القانون الدولی، جامعة الجزائر، 2008 – 2009، ص ص (12 – 24).

27) احمیدی بوجلیطة بوعلی، مرجع سابق، ص ص 162، 163.

28) الأخضر عمر الدهیمی، التجربة الجزائریة فی مکافحة الإرهاب، مرکز الدراسات والبحوث، قسم اللقاءات العلمیة، جامعة نایف العربیة للعلوم الأمنیة، (د. س. ن)، ص ص 223، 224.

29) باسط سمیرة، مرجع سابق، ص ص 118، 119.

30) الاتفاقیة العربیة لمکافحة الإرهاب تدخل حیز التطبیق، مجلة الجیش، العدد 413، جوان 1999، ص 10.

31) باسط سمیرة، مرجع سابق، ص ص 124، 125.

32) بوضیاف اسمهان، مرجع سابق، ص ص (24 – 26).

33) مریم براهیمی، التعاون الأمنی الأمریکی الجزائری فی الحرب على الإرهاب وتأثیره على المنطقة المغاربیة، مذکرة ماجستیر فی العلوم السیاسیة، جامعة بسکرة، 2011 – 2012، ص 61.

34) مریم براهیمی، مرجع سابق، ص 63.

35) نفسه، ص 64.

36) نفسه، ص 68.

37) مریم براهیمی، مرجع سابق، ص ص 137، 138.

38) مریم براهیمی، مرجع سابق، ص 150.

39) Abdennour Benantar, Les Etats Unis et le Maghreb : Regain ([1] d’Intérêt ? Algérie : CREAD, 2007, p 167.

40) محند برقوق، التعاون الأمنی الجزائری الأمریکی والحرب على الإرهاب، بیروت، مرکز کارنیجی للشرق الأوسط، 2009، ص 15.

41) مریم براهیمی، مرجع سابق، ص 157.

42) محند برقوق، مرجع سابق، ص 17.

43) حسین سنطوح، الحوار الأطلسی الجزائری: من أین والى أین؟ مجلة دراسات استراتیجیة، العدد الثانی، الجزائر، دار الخلدونیة للنشر والتوزیع، 2006، ص45.

مریم براهیمی، مرجع سابق، ص ص (176 – 179).

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

I hold a Bachelor's degree in Political Science and International Relations in addition to a Master's degree in International Security Studies. Alongside this, I have a passion for web development. During my studies, I acquired a strong understanding of fundamental political concepts and theories in international relations, security studies, and strategic studies.

Articles: 14918

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *