دراسات شرق أوسطية

الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون حكومة الضم والتصعيد العسكري

بقلم العميد: أحمد عيسى

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

تقترب إسرائيل من التوجه لجولة جديدة من الإنتخابات البرلمانية العامة، لتكن الجولة الإنتخابية الرابعة التي تجري في البلاد في أقل من سنتين، إذ توشك حكومة الوحدة بين حزبي الليكود بزعامة نتنياهو وأزرق أبيض بزعامة بني جانتس على نهاية عهدها بعد مرور ستة أشهر على تكوينها نتيجة لفشل الحزبين في إقرار موازنة الدولة.

وإذا لم يتفق الحزبان على صيغة للموازنة العامة يقرها الكنيست حتى يوم غد الموافق 22/12/2020، ستحل الكنيست نفسها تلقائيا وتتوجه الدولة لجولة جديدة من الإنتخابات في شهر مارس القادم.

وتجدر الإشارة هنا أن هذه الجولة من الإنتخابات إذا ما جرت ستكون مختلفة عما سبقها من جولات، لا سيما وأنها ستجري في ظل تغيرات في البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية (الدولية والإقليمية والمحلية)، الأمر الذي سيكون له يقيناً تداعياته على نتائج الإنتخابات وطبيعة الحكومة القادمة وسلوكها خاصة فيما يخص سياستها الخارجية، إذ ستفقد أحزاب اليسار ويسار الوسط قدرتها على التأثير في تحديد السياسة الخارجية، مقابل زيادة قدرة قوى اليمين ويمين الوسط خاصة تلك التي تقف على يمين نتنياهو داخل البرلمان من حيث أرض إسرائيل الكاملة والمواجهة العسكرية مع حركة حماس وحزب الله وإيران.

فعلى الصعيد الدولي ستجري الإنتخابات في ظل تداعيات فقدان رئيس الوزراء نتنياهو الحليف والشريك الأقوى له في البيت الأبيض الذي تبنى رؤيته كاملة لحسم الصراع في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، وحلول المرشح الديمقراطي بايدن مكانه محمولا على خطاب يتناقض البتة مع رؤية سلفه ترامب من حيث مكانة ودور الولايات المتحدة في النظام العالمي، وإنعكاسات هذا الدور على سياستها الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالقانون الدولي وقيم الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان، الأمر الذي سيعيد الالتزام الأمريكي بالشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، والتأكيد على عدم شرعية الإستيطان في مناطق الدولة الفلسطينية الموعودة، مما سيجعل خطة الرئيس ترامب المعروفة بصفقة القرن في مهب الريح.

أما على الصعيد الإقليمي فستجري الإنتخابات في ظل ثلاثة متغيرات سيكون لها أثاررها على السياسة الخارجية الإسرائيلية، يتعلق الأول بإنفتاح إسرائيل على النظام العربي الرسمي من خلال ما بات يعرف بإتفاق أبراهام الذي أسفر عن تطبيع إسرائيل علاقاتها الرسمية مع أربع دول عربية حتى الآن (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، ويدور الثاني حول عودة أمريكا للإتفاق النووي مع إيران الذي توصلت اليه مجموعة 5+1 مع طهران العام 2015 وإنسحبت منه إدارة ترامب العام 2018، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل تهديداً لها، ويتعلق الثالث بإعلان إدارة الرئيس بايدن العودة للمبادئ والأسس التي قامت عليها عملية تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي كان الرئيس ترامب قد ألغاها ووضع بدلاً منها اسس ومبادئ جديدة متناقضة معها.

وعلى الصعيد المحلي ستجري الإنتخابات في ظل بداية حملة التطعيم ضد فايرس كورونا، الأمر الذي سيسمح للدولة البدء في تخفيف القيود التي أوجدتها الجائحة على حركة الناس والبضائع ومباشرة تنفيذ خطط وبرامج التعافي الإقتصادي، وذلك في ظل توقعات عالمية أن لا تزيد نسبة الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام الجاري عن 4-5% وذلك بعد إحتساب مساهمة الصين في هذا النمو، حيث ساهم الإقتصاد الصيني لوحده بثلث معدل النمو هذا، وفي ظل أن لا يصل معدل دخل الفرد GDP على المستوى العالمي حتى العام 2020 إلى ما كان عليه قبل إنتشار الوباء، لا سيما في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية مما سيكون له أثاراً سياسية واقتصادية سلبية على إسرائيل لإعتمادها سياسياً واقتصادياً على هذه الدول خاصة وأن عدد العاطلين عن العمل في السوق الإسرائيلي بسبب الكورونا قد تجاوز مليون شخص أي ما نسبته 23%، فيما بلغت نسبة 3,9% قبل الجائحة.

وعلى الرغم من ذلك لا زالت الساحة الحزبية الإسرائيلية تشهد مزيداً من الإنقسامات والتغيرات التي كان أبرزها إعلان جدعون ساعر المنافس الأبرز لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو داخل حزب الليكود يوم الثلاثاء الموافق 8/3/2020، إستقالته من الكنيست وانفصاله عن الحزب وتشكيل حزب جديد أطلق عليه رسمياً إسم (أمل جديد.. وحدة إسرائيل).

وكان ساعر الذي يعتبر أحد أُمراء الليكود قد أعلن فور إنشقاقه عن الليكود وتشكيله الحزب الجديد، أن الإنتماء للحزب ليس سجناً في إشارة منه لقوة إنتمائه تاريخياً لليكود، إذا ما جرت المقارنة بين البقاء في الحزب ومصلحة الدولة، حيث يرى ساعر أن الليكود في ظل قيادة نتنياهو ليس كما كان في ظل قيادة مناحيم بيغن وإسحاق شامير، حيث أصبح الليكود في عهد نتنياهو مسخراً لخدمة شخص فقط وليس لخدمة الدولة، وعلى ضوء ذلك أعلن ساعر أنه لن يعمل في حكومة يرأسها نتنياهو، بل على العكس من ذلك سيسعى لتغيير سلطته.

في الواقع يحسب ساعر على التيار الديني في إسرائيل ولكن بدون إرتداء (الكباه) غطاء الرأس الصغير، كما يعتبر من صقور اليمين الأكثر يمينية من نتنياهو، ويوصف من قبل الشخصيات الإعلامية في إسرائيل بالأجرأ والأكثر شجاعة من قيادات الصف الأول في الحزب الذين إصطفوا إلى جانب نتنياهو على حساب الدولة ومؤسساتها خاصة القانونية منها، ولذلك فهو لا يخفي معارضته لبقاء نتنياهو زعيماً لحزب الليكود ورئيساً للوزراء لأسباب أخلاقية، لا سيما بعد توجيه ثلاثة لوائح إتهام له بالفساد من قبل النيابة العامة، ولأسباب أخرى سياسية تجد تعبيراتها في فشله في تأمين غالبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة بعد ثلاث جولات إنتخابية عامة في أقل من سنة.

والأهم أن ساعر لا يخفي إيمانه بأرض إسرائيل الكاملة، وكان قد عارض اتفاق الخليل العام 1996، واتفاق واي ريفر العام 1998، الذين وافق عليهما نتنياهو في حينه، كما عارض خطة شارون لإنسحاب إسرائيل أحادي الجانب من غزة العام 2005، كما أنه لا يخفي معارضته الأيدلوجية لتجميد الإستيطان في الضفة الغربية، كما رفض خطاب نتانياهو في جامعة بار إيلان العام 2009 الذي أعلن فيه لأول مرة قبوله لفكرة حل الدولتين، وعارض كذلك مقايضة تنفيذ ضم مناطق من الضفة الغربية بالتطبيع مع الإمارات.

وقد أعلن بعد تسجيله الحزب رسميا أن من بين الأهداف المعلنة للحزب ترسيخ هوية إسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودي، والحفاظ على الديمقراطية، وتعزيز نظام التعليم، وتقوية المحيط الإجتماعي والجغرافي للدولة، والحفاظ على نظام السوق الحر، وضمان توفير فرص عادلة للجميع، والإلتزام بالضمانات المتبادلة والإصلاح في جميع السلطات، والحكم بالقانون والنظام، وتشجيع الإستيطان والزراعة في الجليل والنقب والمستوطنات في الضفة الغربية والجولان ووادي الأردن.

وعلى الرغم من عدم فوزه في الإنتخابات الداخلية لتحديد رئيس الحزب التي جرت بتاريخ 27/12/2019، حيث فاز نتنياهو عليه بواقع 72,5% مقابل 27,5%، إلا أنه بمجرد إنشقاقه عن الليكود وإعلانه عن تشكيل وتسجيل الحزب الجديد قد كشف عن مدى إنزياح المجتمع اليهودي في إسرائيل نحو اليمين مقارنة بما كان عليه في مارس/أذار الماضي، فضلاً عن إحداثه خلخلة ملموسة في الخارطة الحزبية الإسرائيلية.

وفي هذا الشأن تُظهر إستطلاعات الرأي التي نُفذت خلال الأيام العشرة الأخيرة في إسرائيل أن قوى اليمين في إسرائيل التي تتكون من أحزاب (الليكود، ويمينة، وإسرائيل بيتنا، وشاس، ويهودوت هتوراة) ستحتل في الإنتخابات القادمة ما نسبته 69% من مقاعد البرلمان (الكنيست)، فيما بلغت في الإنتخابات الماضية 54%.

وتُظهر نتائج الإستطلاعات كذلك أن حزب ساعر الجديد سيحتل المرتبة الثانية من حيث عدد مقاعده في البرلمان بعد حزب الليكود، إذ سيكسب مقاعده على حساب أحزاب اليمين ممثلة بالليكود ويمينة وإسرائيل بيتنا وأحزاب يسار الوسط ممثلاً بحزبي يش عتيد (هناك مستقبل) وأزرق أبيض، الأمر الذي سيشعل المنافسة بين أحزاب اليمين ويجعل من التشدد كالضم والمواجهة العسكرية سواء ضد حركة حماس في غزة أو ضد حزب الله وإيران وسوريا في الشمال هي الموضوعات الحاسمة في كسب الإنتخابات.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى