دراسات عسكرية

الحلف الاطلسي – ( الناتو ) 2020

سعيد الوجاني – كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
الحوار المتمدن-العدد: 6603 – 2020 / 6 / 27

يتكون الحلف الأطلسي ( الناتو ) من كل الدول الغربية ، وبما فيهم إسرائيل ، وتركيا الدولة المسلمة الوحيدة في الحلف ..حين كان الناتو يواجه أي استفزاز او تهديد ، من قبل دولة من خارج الاتحاد ، فان القيادة السياسية التي تتحكم في القيادة العسكرية ، كانت تتحرك دفعة واحدة ، من خلال القرار الواحد للوصول الى الهدف الواحد .

لكن قرارات الحلف كانت دائما اكثر صرامة وعدوانية ، إزاء الدول العربية ، وإزاء الدول الإسلامية . فعند التهديد بمواجهة دولة من هذه الدول ، كالحالة السورية ، والعراقية عند غزو الكويت ، والافغانية ، والإيرانية ، وفي البوسنة والهرسك ، فالحلف كان يتصرف كرجل واحد ، لانّ العدو واحدا ، وهو طبعا دليل على ان الصراع الذي يخوضه الحلف ضد هذه الدول ، يكون في اصله صراعا حضاريا ، او بالوضاح يكون صراعا مسيحيا كاثوليكيا ، بروتستانيا ، يهوديا ، ضد القومية العربية التي حطّمها بغياب عبدالناصر ، وعندما قضى على آخر ما تبقى من نفحات القومية العربية ، في العراق ، وسورية ، وضد الإسلام كعقيدة لا أيديولوجية ، تتعارض مطلقا مع القيم الغربية … فما يسمى بحوار الأديان الذي يتزعمه الفاتيكان ، مع مختلف المذاهب الإسلامية ، من سنية ، وشيعية ، هو صراع من تحْت الطاولة ، ولا علاقة له إطلاقا بالحوار بين الديانات ، لان الفاتيكان من خلال هذه اللقاءات التي تبرمجها وكلات المخابرات الغربية ، لاستكشاف الاخر ، ولحشر بعض القيم والمفاهيم ، ضمن منظومته التقليدية المرفوضة في الغرب ، او محاولة رسم خريطة طريق ، لتنظيم مواد اللقاءات القادمة ، للتحكم وضبط العالم الإسلامي من خلال ضبط مؤسساته كالأزهر مثلا ، او الحنفيات ، خير دليل على حقيقة الصراع الذي يقوده الغرب في مواجهة الآخر المعارض ..

وبالنظر الى الحلف كقرارات سابقة ، سنجد ان الدول الانگلوسكاكسون الولايات المتحدة الامريكية ، بريطانيا ، استراليا ، نيوزيلندة ، كندا ، تكون اكثر اندفاعا في قراراتها ، وفي اشكال مواجهاتها ، خاصة حين تكون المواجهة تخص دولة عربية قومية ، او دولة اسلامية …. لكن هذا الاندفاع الاعمى للدول الاگلوساكسون ، يقابله ضبط وتريث في مساندة قرارات الحلف ، من قبل دول جنوب الحلف ، خاصة إيطاليا ، واسبانيا ، وفرنسا … فإذا كان الحلف الأطلسي ( الناتو ) ، قد وقف وقفة واحدة عند غزو العراق للكويت ، فان هذا الموقف الموحّد ، سيتصدع في حرب غزو العراق ، لان فرنسا ، وايطاليا ، واسبانيا ، واليونان ، وتركيا رفضوا الغزو ، ووقفوا ضده الذي انخرطت فيه بشكل اعمى امريكا ، وبريطانيا ، واستراليا ..

نلاحظ حصول نفس التناقض في قرارات الحلف عند ضرب صربيا ، حيث لم تشترك في الضربة إيطاليا ، واليونان ، وتركيا ، وألمانيا ، وهولند ، واسبانيا ، في حين شاركت في الهجوم على صربيا الولايات المتحدة الامريكية ، وبريطانيا ، ونيوزيلندا ، وأستراليا ، وكندا ، وفرنسا ..

الحلف الأطلسي كدرع عسكري للغرب ، لم يكن يتأثر بتغيير شكل الأحزاب والمنظمات السياسية التي تحكم في الغرب ، فالحلف ظل هوَ هوَ مخلصا لعقيدته العسكرية الغربية ، سواء كانت بعض البلاد الغربية تحكمها أحزاب يمينية محافظة ، او أحزاب يمينية محافظة بالتحالف ما أحزاب يمينية متطرفة (النمسا ) ، او أحزاب اشتراكية ، او أحزاب اشتراكية متحالفة مع أحزاب شيوعية ( اسبانيا / فرنسا / اليونان ، او أحزاب الخضر … فقرار الحلف يتم اتخاذه على ضور القرار السياسي للقيادة السياسية الحاكمة ، ولم يسبق للحلف ان انحاز كليا في قراراته لدولة معينة ، بل كان ينفذ قرارات القيادة السياسية التي تتحكم في القرارات العسكرية .. وهو ما جعل الحلف الأطلسي يكون اكثر انضباطا ودينامية ، بالمقارنة مع حلف وارسو الذي كان يخضع لدولة واحدة .. ان دول حلف وارسو في حقيقته ، لم يكن غير طابور يخضع ويتحكم فيه الجيش الأحمر ، وهذا ما جعل العديد من دول الحلف ، وجيوش هذه الدول داخل الحلف ، تعرف بعض التمرد كلما سنحت الظروف بذلك ، كربيع براگ بالمجر ، وبولونيا La Pologne ، وفرار افراد جيش المانيا الشرقية من الحائط الذي بناه السوفيات … وانعزال جيش يوغوسلافيا ، ورومانيا ….

ان هذا الانضباط والتراتبية التي تضبط مهام الحلف الاطلس ( الناتو ) ، ستعرف مؤخرا خروجا عن القاعدة العامة التي ضبطت سلوك الحلف ، كدرع عسكري يخضع للقرارات السياسية للدول الأعضاء في الحلف ، وذلك حين تشكت فرنسا من تحرش فرقطات عسكرية تركية ، بفرقطاتها العاملة بمياه البحر الأبيض المتوسط …

ولعمري ان ( الحادث ) الذي اثار استفسارات ، هو اول حادث يحصل بين دولتين عضوتين بحلف ( الناتو ) . والسؤال هنا انْ كان ما حصل صحيحا .. هل تتصرف الدولتين العضوين بالحلف الأطلسي ، وهما فرنسا وتركيا ، باسم الحلف المُغيّب بعد غزوة الوحش كورونا ، ام انهما رغم عضويتهما في الحلف ، فانّ تصرف جيوشهما بالبحر الأبيض المتوسط ، يجري تحت أوامر قيادة دولهما ، وليس بأوامر قيادة الحلف الأطلسي التي من المفروض ان تكون القرارات في هكذا أحوال ، قرارات موحدة نابعة من قرارات القيادة السياسية لكل دول الحلف مجتمعة ..

ومما زاد حب السؤال ، هو صمت القيادة العسكرية للحلف ، وقبلها صمت القيادة السياسية ، عن التشكي الفرنسي من تحرش فرقطات عسكرية تركية ، بالفرقطات العسكرية الفرنسة .

واذا كانت القاعدة العامة وسط الحلف ، هو الإسراع بالاستجابة لتشكي احد اطرافه ، كلما كان الطرف المشتكي به دولة من خارج الحلف ، فان صمت قيادة الحلف العسكري ، وصمت القيادة السياسية للدول التي تُكوّن الحلف ، اثار الاستغراب ، واثار الدهشة ، لانّ ما حصل هو حالة شاذة غير مألوفة في تاريخ مواقف الحلف ..

فالدولة التي رفعت التشكي ، هي دولة مسيحية كاثوليكية عضو بارز في الحلف ، والدولة التي تم رفع التشكي ضدها هي دولة مسلمة عضو كذلك بالحلف ، ومع ذلك ظل الحلف كما ظلت القيادة السياسية للحلف يلتزمان الصمت ..

فماذا يعني الصمت ؟

هل عدم اكتراث الحلف بالتشكي الفرنسي ؟

هل تفضيل الحلف الحليف التركي الذي يخدم اجندات الحلف احسن من الحليف الفرنسي ؟

هل التزام موقف الحياد من نزاع ظاهره التشكي من مناوشة او من استفزاز ، لكنه صراع يدور بارض عربية ، ولا يدور بارض فرنسية ، ولا تركية ، وان الدور التركي في النزاع الليبي اجدر واهم ، في مواجهة الخصم الكبير ، والعدو الحقيقي للحلف الذي هو روسيا فوق الأراضي الليبية ؟

ومما يدلل على الموقف الشاد للقيادة العسكرية للحل الأطلسي ، وقبلها موقف القيادة السياسية ، انّ التبرير التركي الذي قدمته وزارة الدفاع التركية الى قيادة الحلف ، لدحض وتكذيب التشكي الفرنسي ، مردود عليه ، وغير مقنع البتة ، بل انّ التبرير هذا ، هو حجة ودليل على ان التشكي الفرنسي من تحرش الفرقطات التركية بالفرقطة الفرنسية هو مؤكد وصحيح ..

ان مِمّا جاء في التبرير التركي لدفع الاتهام عنه ، قوله ، انّ الفرقاطات التركية التي لم تتحرش البتة بالفرقاطة الفرنسية ، قد زودتها بالبنزين في قعر البحر .. وهنا اصل المشكل .

هل يمكن تصور خروج فرقاطة من بين فرقطات الحربية ، للقيام بدوريات عسكرية بدون ملئ براميلها بالبنزين ، ومن دون التزود به ؟

وهل يعقل ان تخرج فرقطات عسكرية الى مياه البحر للقيام بدوريات عسكرية ، دون ان تكون هناك فرقاطة مرافقة ، تلعب دور خزّان / صهريج الوقود للفرقطات المفترض انهم يحتاجون الى البنزين في عرض البحر ؟

فرغم هشاشة التبرير التركي الذي هو حجة عليه ، فقيادة الحلف لزمت الصمت ، ولم تحرك ساكنا في موضوع التشكي الفرنسي الذي يثبت صحته التبرير التركي المردود عليه ..

ان ما يجري اليوم من هكذا اعمال وتصرفات لم تكن متوقعة من قبْل ، من قِبلِ القيادة العسكرية للحلف ، ولا من قِبل القيادة السياسية ، هو احدى نتائج الخطيرة التي تسبب فيها الوحش كورونا ، خاصة داخل العالم الغربي ، والاتحاد الأوربي ..

لقد ابان الوحش كورونا عن حقيقة الاتحاد الأوربي ، انه كان مجرد اتحادا هجينا ، ضعيفا اكثر من عش العنكبوت ، فما يوحّده ، هو افتراس ثروات الدول الضعيفة ، وامتصاص خيراتها ، وما كان ولا يزال يُفقّره ، هو قسوة تضارب مصالحه مع بعضها البعض …

لقد اظهر الوحش كورونا ان الاتحاد الأوربي كان شكليا ، وقد ظهر هذا حين طفت على سطح الاحداث ، الممارسات اللاّأخلاقية لكل دول الاتحاد ، وبما فيها الولايات المتحدة الامريكية ، حين تجاهلوا وتنكروا لإيطاليا ، ولإسبانيا ، وفرنسا ، وتركوهم يواجهون مصائب كورونا لوحدهم ، بل ستبلغ الخساسة قمتها ، حين بدأت دول كالولايات المتحدة الامريكية ، تسرق صفقات الكمامات ، وأجهزة التنفس لدول اوربية ، ودون حشمة ولا حياء ، وتعرت حقيقة الغرب العنصري اللاّحضاري ، حين فضحته احتجاجات الشعوب الغربية التي ثارت ضد العنصرية ، وضد العبودية والاستغلال ، وبدأت الأصوات تنادي بالديمقراطية الحقيقية ، التي هي ديمقراطية الشعوب التي شرَعت في تحطيم تماثيل رموز العنصرية ، والعبودية في التأريخ الأوربي والامريكي …

ان هذا التناقض الصارخ المطبوع بالأنانية ، والذاتية ، وبحب الأنا ، بين كل الأنظمة السياسية التي تحكم في العالم الغربي ، أكيد انه سيكون له تبعات على كل التنظيمات الموازية كمنظمة الحلف الأطلسي ( الناتو ) .. وصمت القيادة العسكرية ( للناتو ) ، وصمت القيادة السياسية للأنظمة التي تكوّن دول الحلف الأطلسي ، على التشكي الفرنسي من مناوشات ، واستفزاز ، وتحرش الفرقاطات التركية بالفرقطات الفرنسية ، هو اكبر دليل على الازمة الروحية ، والسياسية ، والأيديولوجية التي تضرب عمق القيادة السياسية للدول التي تشكل أعضاء بالحلف الأطلسي ..

فشكرا الوحش كورونا الذي انجز في ثلاثة اشهر ، ما عجزت الإنسانية عن إنجازه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .. حقيقةً كورونا وحش // Le monstre Corona virus .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى