الحوكمة وملائمة سياسات الثورة الشعبية النيجيرية خلال أربعين عاماً: 1976 -2016

الحوكمة وملائمة سياسات الثورة الشعبية النيجيرية خلال أربعين عاماً: 1976 -2016
ترجمة د / محمد بغدادي

قائمة المحتويات

 

 

الموضوع الصفحة
    ملخص 1
    أولاً: مقدمة 2
    ثانياً: الثورة الشعبية النيجيرية 4
ثالثاً: ملامح الاصلاح والتغيير في نيجيريا 5
رابعاً: العوامل التي خرجت عن مسار الثورة( رؤى متناقضة للحكم المحلي والحكم العسكري) 7
خامساً: العجز الاقتصادي وغياب الاستراتيجية 9
سادساً: عجز المساءلة : صعوداً وهبوطاً وجانبياً 10
سابعاً: النتائج 15

 

ملخــــص

    لا شك أن الحوكمة كإحدى أدوات الاصلاح الإداري لها الدور المحوري في تغيير الخريطة في معظم دول العالم ومنها بعض الدول الأفريقية ؛ في محاولة لمشاركة المواطنين والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية في إدارة البلاد، وتعزيز قيم المساءلة والرقابة والمتابعة، حتى تتم التنمية في كافة المجالات المختلفة وتتقدم الدول بفضل هذه العملية، نتيجة لمشاركة الجهات المختلفة في الحكم .

    تقيم هذه المقالة برنامج الحوكمة في إحدى أكبر الدول الأفريقية الفيدرالية الأكبر حجماً والأكثر سكاناً، فهي تلقي الضوء على  برنامج بناء مستوى ثالث من الحكم في نيجيريا بعد مرور أكثر من 40 عاما على الثورة النيجيرية ؛ من أجل تحسين التطلعات الديمقراطية والإنمائية في أكبر ديمقراطية في أفريقيا، وهي واحدة من دولتين فقط في الاتحاد الفيدرالي في القارة اللذين اهتما بالحوكمة حيث يعتمد التقييم في هذه المقالة على المصادر الثانوية من دراسات وأبحاث، ومصادر أولية من مقابلات شخصية مع كبار المسئولين في نيجيريا.

    وتتلخص المادة إلى أنه وعلى الرغم من أن الإصلاح استمر على مر السنين من حيث ضخ القدرات الهيكلية والمالية والبشرية، وإعادة توزيع الموارد إلا أنه لم يكن بإستطاعتة أن يغير الشكل العام للدولة النيجيرية نحو الحوكمة بطريقة أكثر جديه.فضلاً عن وجود مجموعة كبيرة من التغييرات التي أدت لإضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات الحكومية النيجيرية، مع العلم أن البرنامج كان ناجحاً فقط في السنوات الأربع الأولى حيث أن  الجيش هو الذي يسيطر على  السلطة وهو أيضاً المتحكم في مقاليد الأمور.

     كما تقترح هذه الدراسة مجموعة تدابير لجعل هذه الدولة ومؤسساتها تتكيف مع الحكم المدني من خلال تعزيز ترتيبات المساءلة على جميع مستويات الحكم، وبناء مؤسسات تتمتع بالقدرة على المرونة، والكفاءة، والانفتاح، والشمولية والمشاركة. ويعد هذا أمر حيوي للبلدان كي تشدد على أهمية النمو المستدام، لإنهاء الفقر المدقع والمرض والجوع، ومن ثم مشاكل القارة السوداء، ومن ثم تعزيز الرخاء المشترك، فالبلدان التي لديها مؤسسات قوية تزدهر بخلق بيئة أكثر تعاوناً مع القطاع الخاص والقطاع غير الحكومي ؛ من أجل الحد من الفقر، ومن ثم تقديم خدمات قيَمة، وتكتسب ثقة مواطنيها وهي علاقة ثقة توجد متى كان الناس يستطيعون المشاركة في صنع قرارات الحكومة ويعرفون ان أصواتهم تجد آذاناً صاغية.

    ويعد نظام الحوكمة نظاماً غير نمطي، وطريقاً جديداً للإدارة الجديدة؛ لتمويل البنية التحتية في المدن والمناطق الريفية البعيدة عن عمليات التنمية. ومن شأن ذلك أن يمكن مؤسسات الحكم المحلي من العمل فعليا بوصفها هياكل أساسية لبناء الديمقراطية والتنمية واستدامتها من دون تكملة استراتيجية الحكومة الحالية التي تقودها الصادرات. كما حدد نظام الحوكمة مسؤوليات الإدارة العليا في الجهة الحكومية في بعض الدول الأفريقية ومنها نيجيريا، بدءاً من الوزير ونائبه ووصولاً للوكلاء التنفيذييين، وسبل المتابعة الفعالة للإدارات التنفيذية من خلال أنظمة الرقابة الداخلية التي توفر المعلومات لكافة المستويات الإدارية بالشكل الذي يضمن الأداء الأمثل، وإضفاء المصداقية والثقة في التقارير المالية والإدارية.

     كما تهتم الحوكمة بتفعيل وتشجيع وتطوير كفاءات ومهارات المواطنين في جميع ميادين الحياة؛ من أجل بناء الوطن وتعزيز سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، فهو الحكم الذي يقيم مصالحة بين الحكومة المركزية والمواطنين والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وتواصل وتكامل بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات، وتستفيد من شرائع الأديان والبشر؛ من أجل بناء دولة حضارية عادلة آمنة، تساهم في إقامة تعايش بشري عادل وآمن.

نقاط للممارسين في مجال الحوكمة

     الحكومة النيجيرية الحالية تتبع استراتيجية اقتصادية رائعة تقودها الصادرات وتتألف من ثلاثة عناصر رئيسية استخدمتها عدة بلدان صناعية أخرى بنجاح. ولا يوجد سوى العنصران الأولان وهما: الاستقرار الاقتصادي الكلي، والحرية الاقتصادية للمزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة. وينبغي أن تستكمل هذه التدابير لتعزيز الهياكل الأساسية الريفية التي يمكن من خلالها إقامة نظام سياسي وإداري قوي يدعمه نظام حكومي محلي قوي على النحو الشعبي، كما هو مبين في هذا البحث.

     وبعد أن استقلت نيجيريا عن بريطانيا العظمى عام 1960، لم تحظَ نيجيريا سوى ببضعة سنوات من الحكم الديمقراطي قبل أن تذهب لعقود من الديكتاتورية العسكرية. كما تعتبر جمهورية نيجيريا الاتحادية اليوم ديمقراطية نظراً لإنها أقامت انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأعوام، 1999، و2003 و2007 و2011 و2015. حيث فاز أوباسانجو، وهو حاكم عسكري أيضاً، في رئاسة الدولة وخلفه عمر يارادوا في انتخابات العام 2007. وفاز حزب أوباسانجو الذي يقوم على خليط إثني في الانتخابات البرلمانية بدوراتها الثلاث. عندما مات يارادوا في مايو 2011 أصبح نائب الرئيس جوناثان رئيساً مؤقتاً وبعدها فاز في الانتخابات عام 2011. ثم في عام 2015 فاز محمد بخاري بالانتخابات الرئاسية.غير أنّ هذه الانتخابات اتسمت بالغش والانتهاكات الأخرى، وتواجه البلاد رغم تجربتها المتميزة للحوكمة بمجموعة من المشاكل منها: الفقر والاضطراب والفساد والصراعات الدينية.

الكلمات الدالة في هذه الدراسة :  الإدارة والديمقراطية، البلدان النامية، الحكم الرشيد، العلاقات الحكومية الدولية، الحكومة متعددة المستويات، صنع السياسات، تقديم الخدمات.

أولاً: مقدمة

     قبل أربعون عاماً، شرعت نيجيريا، كأكبر دولة فيدرالية في أفريقيا، في إعادة تنظيم وإعادة هيكلة كبرى مؤسساتها الأساسية للحكم، وهي نظام الحكم المحلي، المشار إليه في هذا البحث كثورة شعبية ، حيث عملت على تغيير خريطة نيجيريا بالكامل. فلقد تم تطبيق هذا البرنامج في نيجيريا وهي من أوائل الدول الأفريقية التي هدفت إلى وضع حد للفقر والمرض والجهل الذي يعتبره زعماء القارة آفات متكررة في معظم دول القارة السوداء.

     لقد خرجت “الثورة” بعد عشر سنوات من الحكم العسكري (1966-76)، بخلاف حرب أهلية حدثت من عام  1966 إلى عام 1970 قتل فيها ما يقدر بنحو مليون شخص (أويديران، 1979). وأدى ذلك إلى إنشاء النوع الثالث من الحكومة دون الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. وقد قامت الحكومة الفيدرالية بزيادة القدرات البشرية والمالية وغيرها من الموارد، والموارد المؤسسية في هذه الهياكل الجديدة؛ لضمان قدرتها على بناء واستدامة جميع البنى الأساسية اللازمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية الهادفة في كل مدينة أو قرية من مدن وقرى الدولة النيجيرية ، وتعتبر نيجيريا من أكبر البلدان الأفريقية في الكثافة السكانية البالغ عددها 184 مليون نسمة.

   كما أن الإصلاح أدى أيضا إلى إعادة تنظيم كبرى الهياكل السياسية وتغيير الإدارة العامة النيجيرية، وأعقبت نيجيريا بلدان أفريقية أخرى في السنوات اللاحقة ليحذوا حذوها. وتم تقييم هذا البرنامج الجريء وآثاره للإصلاح المؤسسي، واعتمدت هذه الدراسة على المصادر الثانوية والأولية. وتشمل المصادر الثانوية الكتب والمقالات والوثائق، في حين تشمل المصادر الأولية مقابلات مع بعض الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في عملية الإصلاح كصانعي السياسات أو مراجعين وباحثين ومدربين.

    كما  ارتفع دور القطاع العام في الاقتصاد النيجيري من 62 في المائة إلى 86 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1970 و 1981. ويرجع ذلك أساسا إلى تزايد دور النفط في الاقتصاد، وهو المسؤول عن 85-90 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة.

    وقد اعتبر الاستثمار غير المتوازن لمعظم الموارد المادية في المراكز الحضرية الرئيسية الثلاثة بنيجيريا في مدن لاغوس وبورت هاركورت وكانو بمثابة بداية عدم الاستقرار، مما دفع الأكاديميين للبحث والتقصي على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية والسياسية؛ مما أدى إلى تأجيج الهجرة الهائلة من الريف إلى الحضر وسوء تمويل الهياكل الأساسية الريفية وارتفاع المد والجزر والاضطرابات التي أدت في نهاية المطاف إلى الحرب الأهلية والانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة، وتسييس وتدهور الجيش العسكري.

      فلقد سجل الإصلاح نجاحات مبكرة ولسوء الحظ، وبمجرد أن تركت الحكومات العسكرية التي أدخلت الإصلاحات السلطة، لم يتمكن خلفاؤها المدنيون من الحفاظ على هذا النجاح المبدئي المبني على إدارة شئون الدولة والحكم وإشراك المواطنين مع زيادة الرقابة والمتابعة والمساءلة، وعلى الرغم من بقاء الهياكل الأساسية للمؤسسات، وتوفير الموارد المادية كما هي، وحماية أحكام الإصلاح التي تمت من قبل الدساتير الجديدة التي اعتمدت في عامي 1979 و 1999 (باركان وآخرون، 2001)، إلا أننا شاهدنا الحوكمة تتجلى معانيها في فترة من الفترات ، ثم ما لبثت أن تراجعت.

       ومن وجهة نظر الحوكمة ، نستنتج أن الظروف اليوم مهيئة تماماً في نيجيريا ؛ لإعادة النظر في هذه الثورة الشعبية وإنعاشها من جديد في محاولة لاستقطاب المواطنين في المساعدة لإدارة البلاد. ومع ذلك، يجب علينا أن نفهم ما هي الثورة، ولماذا فشلت بعد النجاحات الأولية واحتمالات إعادة إنعاش هذه الرؤية مرة أخرى، كما نتطرق إلى أهمية الإدارة الفعالة لتنظيم العلاقات فيما بين الحكومة المركزية وبين حكومة الولايات ، وسيتم التطرق لقضايا الحوكمة الأوسع نطاقا وكيفية تطبيقها في نيجيريا، وأبرز عناصرها في تعزيز المساءلة على جميع المستويات، كعناصر هامة من أجل التنمية الديمقراطية. كما يسلط القسم الأول من الدراسة  الضوء على العناصر الرئيسية للإصلاح وإنجازاته وأسباب فشله. أما القسم الثاني فيحلل العوامل المسؤولة عن إخراج الإصلاح عن مساره، في حين يناقش القسم النهائي السياق الذي يجعل من الضروري إعادة النظر في الإصلاح وإعادة وضعه في استراتيجية بحيث يصبح نقطة انطلاق لإعادة الهيكلة الإدارية المحلية التي تحقق الديمقراطية والتنمية طموحات البلاد. وهناك أيضا دروس حاسمة محتملة للبلدان الأخرى في القارة وخارجها من أجل معرفة فوائد الحوكمة.

ثانياً: الثورة الشعبية النيجيرية

    الثورة هي تغييراً جوهرياً في السلطة السياسية و الهياكل التنظيمية التي تحدث في فترة قصيرة نسبياً من الزمن. وهو ينطوي على تحول كامل لتغيير النظام القائم في نيجيريا. ففي أغسطس عام 1976، أطلقت الحكومة العسكرية الاتحادية آنذاك بقيادة الجنرال أوباسانجو والجنرال شيهو موسى ياردودا برنامجاً طموحاً لإصلاح شامل لحكم البلاد مع إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني والمواطنين ، وكجزء من المخطط لعودة البلاد إلى الحكم المدني بعد عقد من الزمان بعد سيطرة العسكريين ، حيث تم إنشاء فئة ثالثة من الحكومة تحتوي على 301 مجلس حكم محلي في كل الولايات كدعوة لمزيد من اللا مركزية – تحت حكم الاتحادات والولايات. قبل ذلك، أدارت كل من المناطق الأربع الكبرى في نيجيريا حكوماتها المحلية التي كانت في الأصل نموذجاً لمبادئ الحكم الاستعماري غير المباشر في جوهرها، كما أنها كانت مرادفه للإدارة المحلية في ذلك الوقت.وقد عمل النظام بشكل جيد في الأجزاء الشمالية من البلاد ولكن ليس جيدا في الأجزاء الجنوبية.

     وفي عام 1976، عملت الحكومة على افتراض أنه بفضل الموارد الضخمة الناجمة عن بيع النفط والغاز، يمكن تحويل هذه المؤسسات المحلية إلى أجهزة ليس فقط من أجل إعادة إطلاق الممارسة الديمقراطية من جديد بل أيضا لإنشاء البنية التحتية الأساسية اللازمة في جميع أنحاء البلاد من أجل التنمية والقضاء على الفقر والأمراض التي استوطنت الدولة النيجيرية (نيجيريا، 1976)، وقد سعى مهندسوا هذا الابتكار إلى ضمان تحقيق أهدافهم السامية، وقد جمعوا مجموعة صغيرة من الخبراء تضم علماء وإداريين وسياسيين عملوا كمفكرين للإصلاح في تلك المرحلة؛ لضمان تحقيق أهدافه، وحددوا ثلاثة مراكز إقليمية للإدارة والخبرة في ثلاث جامعات اتحادية في نيجيريا من شأنها أن توفر التدريب الذي تشتد الحاجة إليه للتعريف بمفهوم الحوكمة وعناصرة وكيفية تطبيقة ومبادئة وكيفية تحقيقة للتنمية، وهذه هي كلية الإدارة جامعة إيف ( إيل-إيف) للولايات الجنوبية الغربية، ومركز دراسات التنمية بجامعة نيجيريا، ومركز نسوكا للولايات الجنوبية الشرقية بمعهد الإدارة، وجامعة أحمدو بيلو، بالولايات الشمالية. وكفلت أيضا أن تكون جميع هذه التغييرات مكرسة في دستور عام 1979. وكان للإصلاح الذي يتأثرعملياً بجميع جوانب نظام الإدارة العامة النيجيرية عناصر رئيسية منها: تم إدخال نظام موحد في جميع أنحاء البلاد ليحل محل النظام القائم. وتأكيداً لمبدأ الاهتمام بالإصلاح والحوكمة ، فلقد استجاب أوباسانجو لدعوة رؤساء الدول والحكومات الافريقية المنضمة إلى لجنة تنفيذ مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا، للإعداد لاجتماع ”كناناسكس” بكندا في الفترة من 26 الى 28 يونيو / حزيران 2002 والذي ركز على موضوع الشراكة ما بين مجموعة الدول الصناعية الثمان الكبرى وأفريقيا

    حيث ضمت لجنة تنفيذ مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا 15 بلداً برئاسة السيد أوباسانجو، رئيس جمهورية نيجيريا. وتمثل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا ، التزاماً من جانب القادة الأفارقة إزاء الشعب الافريقي والمجتمع الدولي لضمان تحقيق التنمية المستدامة للقارة. وتجدر الإشارة الى أن منظمة الأغذية والزراعة ساندت هذه المبادرة من خلال تعاونها مع اللجنة القيادية لهذه المبادرة ووزراء الزراعة لترجمة توجهات رؤساء الدول الافريقية وسياساتهم الإستراتيجية في القطاع الزراعي، إلى برامج فعلية تفضي بعدئذ إلى مشروعات قابلة للتمويل مصرفياً على المستويين القطري والإقليمي.

ثالثاً: ملامح الاصلاح والتغيير في نيجيريا

     مع بداية عام  1976 تم إصلاح نظام الحكم المحلي والذي يتكون من : حكومة محلية موحدة للبلاد بأكملها؛ فضلاً عن ثلاثة مراكز تدريب تم تحديدها في ثلاث جامعات فيدرالية كبرى من الجيل الأول في نيجيريا، ففي عام 1983 أنشأ الرئيس المدني شاغاري لجنة من الخبراء لاستعراض كيفية ضمان استمرارية نظام الحكم المحلي الجديد. وتتألف اللجنة أساسا من التكنوقراط وقامت بعمل توصيات لم تنفذ قبل انقلاب عام 1985. وفي نفس العام تم إلغاء وزارة الحكم المحلي مع نقلها إلى إدارة جديدة في الحكومة الجديدة. وهناك وظائف أخرى تم نقلها إلى وزارات أخرى لتتسع لتشمل مواطنين للمتابعة والمساءلة. وفي عام 1988 تولت مديرية الحكم المحلي مهام لجنة الخدمة المدنية المحلية لاختيار وتعيين الموظفيين العموميين، حيث تقوم لجان الحكم المحلي بتعيين وفصل موظفيها. وتم إنشاء مكتب مراجع الحسابات المحلي داخل كل ولاية وبلدة في سابقة فريدة لمزيداً من الديمقراطية ومشاركة المجتمع المدني وأيضا مشاركة المواطنين.

    وخلال عام 1989 تم نقل الاختصاص التشريعي الاتحادي المركزي إلى الحكومات المحلية. ويعين رئيس الحكومة المحلية مستشارين إشرافيين لمساعدته. وفي عام 1990 تمكن رؤساء الحكومات المحلية من تعيين أمناء لجان الحكم المحلي. وفي عام 1991 تم وضع الحكم الذاتي للحكومة المحلية فيما يتعلق بالمسائل التشغيلية والمالية والإدارية: مثل الميزانيات التي يجب أن توافق عليها لجان الحكم المحلي وليس حكومات الولايات. وأيضاً تم نقل التعليم الابتدائي والرعاية الصحية الأولية إلى مؤسسات الحكم المحلي بإدارة مستقلة تابعة فقط للحكم المحلي وليس لحكومة الولايات.

    كما تم اعتماد نظام رئاسي قوي في جميع الحكومات المحلية كممثل للحكومة المركزية. وارتفعت حصة الحكومة المحلية في تقاسم الإيرادات الوطنية إلى 20 في المائة بدلاً من 10 في المائة. وفي عام 1999 خرج الدستور الجديد إلى الوجود، ومن ثم تم إنشاء هيكل جديد وتشكيل وتمويل وظائف الحكومة المحلية من قبل قانون حكومة الولاية. وفي عام 2004 تم وضع القيمة المضافة كمساهمات الضرائب إلى الحكومات المحلية بدلاً من حكومة الولايات. وخلال عام  2005 تم إدراج الحكومة المحلية للتفويض في عمل هيئة مكافحة الفساد المركزية. قرار المحكمة العليا لعام 2006 يقضي برصد الإيرادات المخصصة للحكم المحلي لعام 2005. ومن جهتها قضت المحكمة العليا خلال عام 2014 ونصت على أنه لا يمكن لأي حاكم ولاية إزالة مسؤول حكومي محلي منتخب ديمقراطيا من قبل الشعب.

       وما إلى ذلك، على أساس منطقي لضمان أن تعمل بنزاهة بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، ولكن أيضاً بشكل منفصل عنها. وثانياً، تميزت هيئات الحكم المحلي عن الإدارات الأخرى لحكومات الولايات وكانت الأخيرة حرة في إنشاء إداراتها المحلية كما يحلو لها. وثالثاً، تم توضيح مسؤوليات ووظائف أنظمة الحكم المحلي بشكل واضح.     وبالمقارنة مع حكومات الولايات. وكان هذا مهماً لأن البحوث التي سبقت الإصلاح أظهرت أن حكومات الولايات في جميع أنحاء الولايات أو الحكومات الإقليمية قد جعلت النظم الموروثة للحكومة المحلية من الفترة الاستعمارية – التي عملت بشكل جيد في بعض أنحاء البلاد – زائدة عن الحاجة من خلال المركزية المفرطة، وضبط هذه المؤسسات الأساسية وتعليقها في الماضي.

    رابعا، تم تحديد ثلاثة مصادر مالية رئيسية لهذا المستوى من الحكومة. أولاً تم تحديد مصادر الإيرادات والضرائب على الممتلكات، وأسعار السوق، إلخ. وثانیاً: تم منح النظام الجديد نسبة 10٪ من مصادر إیرادات حکومة الولایات، و 3٪ في المائة من عائدات الحکومة الفیدرالیة. وللمرة الأولى، شاركت مؤسسات الحكم المحلي في الإيرادات المشتركة على المستوى الاتحادي. ومع مرور الوقت، زادت هذه الأموال، وخاصة من الحكومة الاتحادية التي ارتفعت من 3 في المائة إلى 20 في المائة من أموال الاتحاد الفيدرالي المشتركة بين المستويات الثلاثة للحكومة وشملت أيضا 30 في المائة من ضريبة القيمة المضافة عندما تم إدخالها في التسعينيات.

      وكان النص النهائي للإصلاح الجديد الذي نص به الدستور الاتحادي هو تمكين الهيئات المحلية من اجتذاب والاحتفاظ بالمحترفين المهنيين من الموظفين الذين نقل بعضهم من الولايات إلى هيئات الحكم المحلي نتيجة لنقل المهام التي كان من المقرر أن تعالجها لجان الدراسات. وقد ساعدت مراكز التميز الثلاث المذكورة أعلاه في تصميم وتنفيذ التدريب القصير والمتوسط ​​لجميع الفئات للتدريب على الحوكمة، كما أجرت هذه المؤسسات بحوثاً منتظمة حول أداء النظام الجديد، وتمت استشارتها بانتظام من قبل الحكومة الفيدرالية؛ لتوفير مدخلات في عملية صنع القرار ، مما يجعلها نوعا جديداً في الدراسات الحكومية المحلية.

     وأضيف في أواخر الثمانينيات مركزاً رابعاً للتدريب على إدارة شئون الدولة والمجتمع أو الحكم الموسع، وهو المعهد الإداري لنيجيريا ويسمى (أسكون)، لرفع مستوى التدريب في هذا المركز الوطني الرائد للتدريب وتنمية القوى العاملة. وقد تم تحويل موارد كبيرة من الحكومة الاتحادية إلى الحكومات المحلية ومنها أمانات جديدة ومدارس وعيادات صحية وإنعاش دعم الإرشاد الزراعي وخدمات المياه والصرف الصحي في العديد من المجتمعات الحضرية والريفية في جميع أنحاء نيجيريا، ولا سيما في السنوات الأربع الأولى، وقد استفادت بعض الدول بشكل خاص من هذه التطورات. واحد منهم كان في لاغوس، ولكن آخرين شملت بينو، وهضبة كادونا وكذلك أويو و كروس ريفر الولايات (آدموليكون، 1984؛ أولوو و وونش، 2004). لذلك جذبت عملية التنمية ليس فقط المهنيين ولكن أيضا السياسيين.

     فعلى سبيل المثال، كان كلاً من شيهو شاغاري، وعمارو يارداوا، وجودلاك جوناثان، ثلاثة من الرؤساء المدنيين في نيجيريا، قد خدموا في وقت أو آخر على مستوى الحكومة المحلية. وكان هذا في الواقع أحد الأهداف البارزة لأي نظام من من خلال التدريب على الحكم الديمقراطي والتجنيد لأولئك الذين سيخدمون في وقت لاحق على المستويات الوطنية. وكانت هذه إنجازات تحسد عليها هذه الدولة الأفريقية.

      ولسوء الحظ، كانت هذه النتائج الإيجابية قصيرة الأجل، لإنه وبمجرد وصول المدنيين إلى السلطة، لم تهتم الحكومة المركزية بعملية الحوكمة وبزيادة مشاركة المواطنين وتفعيل عملية المساءلة ومشاركة المجتمع المدني، ولم تتمكن الحكومة المحلية بعد ذلك من تفعيل إدارة الحكم الموسع، ولم تستطع أن تستقل عن الحكومة الاتحادية، بل إن البعض قد طعن في صلاحيات الحكومة الاتحادية في الدستور وفيما كان لها حق التدخل في شئون الولايات في بعض الحالات، لذلك فازت الولايات بسبب أحكام الخلط في الدستور بإستقلالية تامة عن الحكومة الاتحادية في نهاية النظام العسكري ثم عادت من جديد لنظام الحكم المركزي.

     واضطلعت بلدان أفريقية أخرى فيما بعد بإصلاحات مماثلة مثل نيجيريا لها فوائد سياسية واقتصادية  واجتماعية دائمة. وشمل ذلك أوغندا وكينيا، ناهيك عن جمهورية جنوب أفريقيا وإثيوبيا التي اعتمدت أيضا المبادئ الاتحادية التي وفرت السياق لإصلاحات نيجيريا (أورتوي وهلمسينغ، 2014؛ كاميرون، 2010؛ تشوري وموكوم، 2013؛ ديكوفيك وونشش ، 2014؛ البنك الدولي، 2014). وقد أحرزت بلدان أخرى في المنطقة مثل بنين وموزامبيق بعض التقدم الدائم مع برامج الحوكمة الخاصة بتنشيطها، وكثير من هذه الدول تعلمت تجربة الحوكمة من نيجيريا.

رابعاً: العوامل التي خرجت عن مسار الثورة: رؤى متناقضة للحكم المحلي والحكم العسكري مقابل المدني

       وعلى الرغم من أن القضايا الأساسية المتعلقة بالثورة الشعبية النيجيرية قد أدرجها الجيش في الدساتير النيجيرية في عامي 1979 و 1999، فإن السياسيين على المستوى الاتحادي ومستوى الولايات لديهم رؤية مختلفة تماما للحكومة المحلية. فبالنسبة لهم، كانت الحكومة المحلية جزءا من جهاز حكومة الولاية (كما هو الحال في معظم دول العالم الغربي ومنها بريطانيا). ولم تكن أحكام الدستور متسقة مع المبادئ الدستورية للحكومة المحلية التي قامت بها عدة بلدان في الجنوب العالمي مثل البرازيل والهند والصين وغيرها لحماية الحكومة من الاستعباد المفرط من قبل الدولة أو الحكومات المركزية .

     فعلى سبيل المثال، لم تدفع معظم لجان الدراسات التي قامت بالبحث مساهماتها المتوقعة بنسبة 10 في المائة من إيراداتها إلى الهيئات المحلية. وفي كثير من الحالات، حولوا مخصصات العائدات الفيدرالية إلى الجهات الحكومية الخاصة بالحكومة المحلية، وفي بعض الحالات الأخرى إلى جيوبهم الشخصية. وعمليا، اتهم جميع حكام الولايات بالفساد الذي ينطوي على اختلاس موارد الحكومة المحلية كما هو مبين في البحوث التي أجريت في عام 2010 (أولو وآخرون، 2010). ونادرا ما تعامل أي منهم على أنه لا يختلف عن إداراتها السابقة.

     ومن المتوقع أن الحكومة العسكرية الفيدرالية التي أعقبت الانقلاب في عهد الرئيس بابانجيدا (1985-93) قد أوقفت الفساد المالي والإداري إلى حد كبير، في محاولة لمزيد من الحكم الذاتي للحكومات المحلية من خلال مجموعة من الإصلاحات. وشملت هذه المبالغ الدفع المباشر لأموال من حساب الاتحاد، وإنشاء إدارة للحكومات المحلية مسؤولة عن تفعيل المساءلة والرقابة من جانب المواطنين للحكومات المحلية المختلفة في المحافظات وإلغاء وزارة الحكم المحلي ولجان الحكومة المحلية التي تسيطر عليها الدولة. وتمكنت الهيئات المحلية من الموافقة على ميزانياتها الخاصة وتعيين موظفيها بالطريقة التي تراها مناسبة ووفقاً للبيئة الداخلية والخارجية الخاصة بها. وبطبيعة الحال، تم تفكيك عدة أحكام من هذا القبيل بمجرد عودة المدنيين إلى السلطة في عام 1999 .

     وهناك العديد من المبررات التي جعلت الحكومات العسكرية تتبنى فكرة الحكم الذاتي المحلي وإعطاء فرصة أكبر للمواطنين من المشاركة والرقابة والمساءلة: فهي تمكنهم أى الجيش من إعطاء فرصة للشعب لكي يحكم ويحاسب ويسائل، دون أي ولاية مركزية.

    ولذلك، فمن المهم ملاحظة أن فكرة النظام الحديث باعتبارها مؤسسات أساسية ثورية للحكم لم يتم بعد تحديدها وقبولها على نطاق واسع عبر الطيف السياسي في بلد لا يحكمه الجيش، وإنما من خلال قيادة سياسية مدنية منذ عام 1999. وحتى الجيش فإن الحكومات لم تفكر بعناية في دراسة الدور المحوري للمحليات وكيفية زيادة عملية الديمقراطية عن طريق المشاركة الفعالة، وبالتالي فالأحكام المتناقضة في الدساتير التي يستغلها السياسيون المدنيون قد عملت على ارباك عملية الحوكمة وعدم انتشار الديمقراطية بطريقة واقعية.

     وعلاوة على ذلك، فبدلاً من أن ينظر إلى المنظمات الدينية على أنها عناصر فعالة و أساسية ومؤيدة لفكرة الحكم الذاتي المستقل للحكومات المحلية، وجد أنها تقوم بتنفيذ نظام التعليم الابتدائي الشامل وساعدت في العمل به داخل كل البلديات ، واعتقاداً منها بأن لديها جميع الموارد المالية والإدارية المطلوبة، منعت هذه المنظمات الطائفية من توفير وصيانة المدارس الابتدائية وحتى الثانوية. وكانت هذه المنظمات هي التي أنشأت هذه المدارس وإدارتها وكانت هذه المنظمات فعالة بشكل خاص في برنامج التعليم الابتدائي في غرب نيجيريا كمنظمات أهلية لها صوتها المسموع، عبر مختلف الأديان. واستمر ذلك الأمر خلال فترة الإدارة المدنية للرئيس أوباسانجو ونائب الرئيس أتيكو أبو بكر لعكس هذه الخطوة.

خامساً: العجز الاقتصادي وغياب الاستراتيجية

     لقد تم تصميم برنامج لجعل مؤسسة لاجس وهي مؤسسة كبيرة في نيجيريا مسئولة عن توجيه الموارد المالية الاتحادية، التي تأتي في معظمها من أرباح النفط، لإعادة بناء البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد داخل نيجيريا شاملة بذلك الحكومات المحلية للإقتراب أكثر من المواطنين للمساعدة في مشاركتهم في الحكم. وكانت هناك مبادرة جديرة بالثناء ولكن للأسف لم تستمر، حيث أصبحت الموارد كثيرة بنيجيريا نتيجة النفط والغاز، لكن لا توجد إدارة واعية تستطيع إدارة الدولة نحو طريق التنمية الإقتصادية، حيث كان هناك جهل تام بأهمية الموارد، حيث أن المكاسب غير المتوقعة من الموارد الطبيعية في ظل غياب نظام حكم فعال لن يؤدي إلى تقدم اقتصادي بل لمزيد من التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار .

     وكان لذلك تأثيرة من الناحية الاقتصادية من خلال تقليل أسعار الصرف وعدم قوة العملة الوطنية، والقدرة التنافسية للصادرات التقليدية أصبحت ضعيفة، ويقوض أيضا حركة التصنيع والاستثمار نتيجة عدم وجود إدارة فعالة تجعل من هذه الموارد قوة تستطيع بها نيجيريا أن تصبح قوة اقتصادية فعاله على مستوى العالم.

      ويترتب على ذلك آثار اقتصادية خطيرة، حيث أنه لا يقوض فقط روح المبادرة والاستثمار بل يعرقل أيضا العقد الاجتماعي الذي تم كتابته بين الحكام والمحكومين، فإذا كانت إيرادات الحكومات تأتي أساسا من الضرائب.  فالقاعدة تقول “لا ضرائب بدون مساءلة” يعني أن أولئك الذين يدفعون الضرائب يطالبون بالمساءلة والرقابة والمشاركة والتمثيل في تحديد الأولويات التي تنفق عليها ضرائبهم. وتؤدي الدخول الكبيرة من الموارد الطبيعية إلى تقويض هذا العقد، لا سيما في أفريقيا، حيث أنها تعود في معظمها إلى الدولة، شأنها في ذلك شأن المساعدات الإنمائية التي تأتي من الخارج.

      ومن الناحية السياسية، وفي غياب مؤسسات شفافة وفعاله للمساءلة، فإن هذه التدفقات الضخمة من الموارد تشجع على الهدر والفساد في سياسة الدولة لصالح فئة بعينها تستحوذ فقط على السلطة والحكم، مما يعطي مساحة كبيرة لمزيد من العنف. وعلاوة على ذلك، فإنها تميل إلى اجتذاب أسوأ السياسيين الذين يجعلون السياسة لعبه في أيدي فئة معينة تستحوذ على كل شيئ، حيث أنهم يحمون أنفسهم من تشريعات الإفلات من العقاب بقوانين تحمي مركزهم السلطوية. وهم يقاومون جهودا كبيرة؛ لتحسين الحكم أو المساءلة والرقابة والمشاركة من جانب المواطنين.

      ولسوء الحظ، فإن هؤلاء السياسيين یتلقون دعماً من بعض الجھات الخارجیة ، فلم يكن النظام الجديد غافلا تماما عن هذه الاعتبارات، وبالتالي لم يخلق آليات الحوافز الفعالة والعقوبات التي من شأنها أن تضمن أن الأموال المرسلة من مجموعة العمل ستصل إلى المجتمعات المحلية أو أن تنفق على الخدمات العامة الحكومية. وعلاوة على ذلك، فإن الحقيقة الاقتصادية الثانية التي تغفل عن ذلك هي أن إنشاء البنية التحتية أمر مهم، ولكن الأكثر من ذلك هو تطوير هذه البنية لتنمية الدولة في المستقبل وإعطاء مزيداً من المشاركة للمواطنين. واستنادا إلى هذا الرأي، تؤدي جميع الحكومات ثلاث وظائف اقتصادية أساسية في أي مجتمع هي التوزيع السليم للموارد وتحقيق الاستقرار والاكتفاء الذاتي. وعادة ما تقوم الحكومات الوطنية بأداء آخرهما على الرغم من أن بعض هذه الوظائف يمكن أن تساعد الحكومة المركزية في التوزيع.

      ولكن الأهم من ذلك فإن المساهمات الاقتصادية التي تأتي من هيئات الحكم المحلي هي ضمان حقيقي لتخصيص الموارد بشكل جيد، وبقدر الإمكان حيث أن آلية السوق ستخصصها للخدمات التي تعتبر عامة وليست خاصة. فإن ما هو مطلوب لتخصيصها من قبل هيئات الحكم المحلي هي السلطات القضائية التي يمكن أن تدعم فئات مختلفة من الخدمات الأساسية التي سيدفعها السكان. ولسوء الطالع، لم يتم تشجيع دفع أي ضرائب أو رسوم على الخدمات التي يتعين تسليمها للمواطنين، والاعتماد بدلاً من ذلك على نقل الموارد من الدولة من خلال الصيغ التي لم تأخذ حتى في الاعتبار مساهمات المواطنين ولكن المساواة والسكان والجغرافيا .

      فجميع العوامل السياسية التي يمكن أن تساعد في خلق واستدامة الخدمات العامة لم يتم استثمارها الاستثمار الأمثل في نيجيريا بطريقة فعالة تضمن مشاركة المواطنين وتفعيل عمليات الرقابة. وقد حدث ذلك بسبب عامل ثالث بالغ الأهمية، فقد ارتبطت حركة انتشار الفساد التي حدثت بنيجيريا بالإطار الاقتصادي للازدهار النفطي الذي لم يكن لديه أي رؤية مستقبلية لاقتصاد ما بعد النفط. فالنفط، بحكم طبيعته، مرتبط بالاقتصاد العالمي وله دوراته الخاصة. وبمجرد أن تراجعت طفرة النفط داخل الدولة النيجيرية ذهب الاقتصاد إلى أزمات دورية ، ومن ثم سارت جميع مستويات الحكومة في نيجيريا بنفس الطريقة بدون تخطيط ومشاركة فعالة.

سادساً: عجز المساءلة: صعوداً وهبوطاً وجانبياً

    إن تحسين نظم إدارة الحكم من خلال محاسبة الموظفين العموميين ومساءلتهم تشكل حجر الزاوية لنظم الحكم الرشيد وتفعيل عملية الحوكمة داخل المجتمعات المختلفة ومن ثم إدارة الحكم الموسع بطريقة أكثر ديناميكية. كما أن فاعلية كلاً من الآليات التقليدية “لجانب العرض” من المساءلة مثل الانتخابات، والآليات التقليدية الأساسية “لجانب الطلب” من المساءلة أثبتت أنها محدودة في نيجيريا. ويمكن أن تسهم آليات المساءلة الاجتماعية في تحسين نظم إدارة الحكم والديمقراطية الحقيقية من خلال تعزيز قدرة المواطن العادي على الوصول إلى المعلومات والتعبير عن احتياجاته والمطالبة بالمساءلة في أثناء وبعد عملية الانتخابات، لتأكيد عملية الشفافية حتى تتضح الأمور. ومن خلال إشراك المواطنين في الرقابة على أداء الحكومة والمطالبة بالشفافية وتعزيزها، والكشف عن إخفاقات ومخالفات الحكومة، فإن آليات المساءلة الاجتماعية تمثل أيضا أدوات قوية ممكنة في مواجهة فساد القطاع العام.

     ولعل البرنامج الذي تم تطبيقه في نيجيريا يفتقر إلى نظام مساءلة قوي من شأنه أن يضمن أداء جميع الوحدات بما يرضي المستفيدين النهائيين أي الشعب وهو المستفيد المباشر والأول من الخدمة العامة المقدمة. فالمساءلة هي مسؤولية أولئك الذين يحكمون فهم(وكلاء) من قبل المحكومين، وهذا الأخير هو في نهاية المطاف الجمهور وصاحب الكلمة العليا في تاريخ الدول.

      فالمساءلة هي وظيفة من مهام المسؤولية، وإعداد التقارير، ومراجعة المكافآت ، وتحدد نظم العقوبات التي أنشئت لضمان أن المستفيدين قادرين على استدعاء من يمكن محاسبته في أي وقت لتفعيل عملية الحوكمة. وهي تعالج مشكلة الرقابة فيما يتعلق بالخدمات التي تعتبر عامة، والتي تعود بالنفع على المجتمع ككل أكثر من الأفراد أنفسهم. وحتى إذا كانت قابلة للتقسيم، فإنها تمنح منافع جماعية وتحتاج إلى نظام مساءلة قوي ، وكانت مساءلة الحكومة المحلية مرتفعة عن مساءلة الحكومة المركزية لإنهم هم الأقرب للشعب من الحكومة نفسها واقعياً. وكانت الانتخابات هي صورة المساءلة الوحيدة أمام المواطنين حيث إنهم يحددوا من يمثلهم أمام الحكومة. لكن الانتخابات كانت تزرع خصوصا على المستوى المحلي من قبل الأحزاب السياسية التي تتخذ من الدولة مقرا لها.

       وفي كثير من الحالات، علقت حكومات الولايات العمل ببعض المجالس المحلية واستبدلت مكانها مجالس اللجان المرشحة الأخرى. فعلى سبيل المثال لم تٌجري عدة ولايات انتخابات محلية على مدى العقد الماضي بأكمله. فعلى سبيل المثال نجد أن ولایة أوسون، حل حاكم الولایة الذي لم یجر انتخابات لمدة 12 عاما محل اللجان المؤقتة مع موظفو الخدمة المدنیة لإدارة أجھزة المجالس المحلیة (أوكوتوني، 2017). وهذه الأجهزة غير التمثيلية لا تختلف عن الحكومات المركزية حيث إنها لم تعطي المواطنين حق المشاركة والمساءلة والرقابة مما أضعف عملية الحوكمة، وسيطرة اللامركزية مرة أخرى في البلاد.

     وقد اعتمد الجيش عندما كان في رأس السلطة على إلزام موظفي النظام الجديد على حضور التقاسم الشهري للأموال الاتحادية التي تحول من العاصمة أو المركز إلى المحليات والبلديات ، كما اعتمد الجيش على طريقة أخرى للرقابة والمتابعة عن طريق الإبلاغ عن التحويلات الاتحادية غير الموثوق فيها والتي تتم في الحكومة المركزية. وتوقف ذلك مباشرة بمجرد وصول المدنيين إلى السلطة، حيث ترأس المجالس المحلية مفوض أو وزير على مستوى الولايات ؛ مما أعاد للبلاد سيطرة نظام المركزية من جديد. وألغي في عام 1994 مركز للعلاقات الحكومية الدولية والذي أنشئ على المستوى الاتحادي في عام 1991 لحماية سلامة كل من مستويات الحكومة الثلاثة في النظام الاتحادي.

   كما يجب أن يشتمل الهيكل التنظيمي الجديد للحكومات المحلية على رؤية المستوى الثالث من الحكومة المخول له أن يقدم الهياكل الأساسية اللازمة للاستقرار والتنمية والديمقراطية الشعبية من خلال المشاركة المجتمعية الفعالة مع تفعيل عناصر الرقابة والمساءلة والشفافية. ومن الواضح أيضاً أنه ينبغي استخدام مبدأ مختلف تماماً لجعل الهيئات المحلية أكثر مرونه واستجابة لطلبات الجماهير. ويجب ألا تكون قابلة للاستمرار فقط من وجهة نظر مجالات الخدمات وتستقل في الحصول على الايرادات الخاصة بها ، ولكن أيضاً كمجتمعات ذات اهتمام برأس مال اجتماعي كبير. ثانیا، سیتعین إعادة تفویض الولایات والھیئات المحلیة بحیث یکون ھناك توازن أفضل بین الحکومة الفيدرالیة وحکومات الولایات من جھة، وبین الولایات نفسها والحکومات المحلیة من جھة أخرى من حیث المسؤولیات والموارد والسلطات والاختصاصات. ويجب أن تبقى نسبة أكبر من المسؤوليات يقوم بها الموظفين في المستويات الدنيا للاضطلاع بمهامهم المختلفة للمشاركة الفعالة في عمليات التنمية.

    وقد تمكنت بعض حكومات الولايات بالفعل من إنشاء علاقات طيبة مع هيئاتها المحلية والحفاظ عليها مع مرور الوقت) وكانت مدينة لاغوس واحدة من أفضل الحالات (، ولكن هذا لا ينبغي أن يترك للصدفة. ومن ثم، فإن الحاجة إلى أحكام أكثر وضوحا لتفعيل الحوكمة هو أمر في غاية الأهمية لإن تفعيل عملية الحوكمة يعتمد كلية على المشاركة في الحكم. ثالثا: العمل على زيادة حوافز الموظفين العموميين ومكافئتهم لإنهاء الفساد واهدار المال العام لتقويض الرشوة والسرقة من أعلى السلم الإداري وحتى أسفل. وينبغي أن تكمل جميع مستويات الحكومة بعضها البعض وأن تشارك في إنتاجها حيثما أمكن الجهات المعنية المختلفة، في حين تقوم بتعبئة مواردها الخاصة من أجل تطوير الخدمات الأساسية المقدمة للجمهور.

    وأحد الطرق للقيام بذلك هو إعادة النظر في مفهوم الحكومة المحلية والعلاقات الحكومية الدولية برمتها في نظام حديث يتكون من ثلاثة مستويات. فعلى سبيل المثال تقدم بلدان مثل البرازيل بعض الأفكار المثيرة للاهتمام. حيث مكنت البرازيل الحكومات البلدية من سن تشريعات بشأن الضرائب على الممتلكات والخدمات لدفع ثمن مجموعة من الخدمات الاجتماعية التي تكون مسؤولة عنها بموجب الدستور البلدي لعام 1988. ويمكنهم أيضا أن يقوموا بالتشريع في المسائل المحلية دون أن تتعدى الحكومة المركزية على كفاءتهم الدستورية أو سلطتهم السياسية والإدارية.

    وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يعملون كمساعدين للحكومات الاتحادية وحكومات الولايات من خلال عقود مع هذه الهيئات العليا التي تتوسطها هيئات حكومية دولية مستقلة. وبهذه الطريقة تلعب البلديات دوراً هاماً وخاصة في الخدمات الاجتماعية والاستثمار العام داخل كل بلدية صغيرة في دولة البرازيل. ويوجد في بلديات أخرى أيضاً مجالس مجتمعية أقل من البلدية، ويجب على جميع مستويات الحكومة أن تحترم القوانين التي تكفل الممارسة الكاملة للعلاقات الجيدة بين الولايات والبلديات لتكون بمثابة وكلاء مستقلين لها مما يعزز عملية الحوكمة والرقابة والمشاركة. وبالنظر للبلديات في البرازيل على سبيل المثال كانت البلديات البرازيلية تقدم ما يقارب من 6.51 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة البرازيل في عام 2004.

   وفي عام 2000، صدر قانون المسؤولية المالية الجديد والذي يحدد الإطار اللازم للتخطيط والميزانية والتنفيذ على جميع المستويات وبخاصة مستوى البلديات الأقرب للمواطنين؛ من أجل ضمان المساءلة في استخدام الموارد وحدود صارمة على الديون التي تفرض على المواطنين إرضاءً للمواطنين. وليس من المستغرب بالتالي أن يخفض البلد بدرجة كبيرة الفقر حينما تضامنت الحكومة المركزية مع حكومات الولايات والبلديات من أجل مشاركة أكبر للمواطنين وتفعيل المساءلة والمراقبة، ومن ثم دور أكبر للمجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وتوجد أحكام أخرى مماثلة في الصين مع أن البلديات هي في الواقع هيئات جمع الضرائب الرئيسية التي تتقاسمها فيما بعد مع الكيانات الحكومية المركزية، كما يعتبر نظام الحوكمة في الصين لاعبا اقتصاديا رئيسيا كما هو الحال في القطاع الاجتماعي البرازيلي. فهناك دور محوري للحوكمة في كلا البلدين .

     رابعا، إن بيئة أسعار النفط الحالية تتيح فرصة لتنويع الاقتصاد وضمان الاستخدام الأمثل للموارد المالية مثل النفط؛ لإعادة بناء البنية الأساسية للمدارس والصحة والطرق والكهرباء بشكل كبير بحيث تؤثر على كل طبقة اجتماعية من ناحية الاقتصاد والمجتمع أي الطبقات الاجتماعية والاقتصادية. وإذا تم اتخاذ إجراء بشأن ذلك، فإن لجان الحكم المحلي ستلعب دوراً رئيسيا في تعزيز قدرات الحوكمة من خلال مشاركة أكثر فاعلية للمواطنين. ويتمثل أحد السبل لتحقيق ذلك في عدم التمييز بين الريف والحضر. كما ينبغي أن تصبح القدرة على توليد عائدات مستقلة لجميع الوحدات والبلديات في الولايات المختلفة معياراً رئيسياً في إنشاء الدول نفسها ولا سيما حكومات البلديات. وکما حدث في الجمھوریة الأولی، ینبغي أن یکون لدى الھیئات المحلیة ثرواتھا التي تحدد قدرتھا علی تحفيز النمو الاقتصادي والتنمیة، وجمع الضرائب علی أساس تدریجي من المواطنين المحليين، وهذا يعني العودة إلى المبدأ الذي يميل لصالح الولايات والهيئات المحلية، كما كان في دستوري 1960 و 1963.

       وبموجب الدساتير السابقة، كانت المناطق الخاصة بالولايات تأخذ ما قيمته 50 في المائة من إيرادات الحكومة الاتحادية. أما في الدستور الحالي فقد تم زيادة النسبة التي يحصل عليها الولايات والمحليات من الايرادات الاتحادية. والأهم من ذلك أن حساب الاتحاد الفيدرالي أصبح يخصص للحكومة الاتحادية 52.68 في المائة، والولايات 24.72 في المائة، و 20.60 في المائة لباقي البلديات.

      وفي الترتيب الفيدرالي الحالي أصبحت الحكومة الفيدرالية تأخذ المزيد من العائدات من حساب التجميع القابل للتوزيع من الدول ال 36 و 774 لباقي الولايات مجتمعة. ويدافع عن تخصيص إيرادات عالية للمستوى الاتحادي على أساس أن الفريق العامل قد كلف بمهام عديدة ومختلفة، بموجب القوائم الحصرية والمتزامنة لدستور عام 1999. غير أن مبدأ التبعية سيعمل على نقل العديد من الوظائف في القائمة المتزامنة إلى الولايات والهيئات الحكومية المحلية مع إعادة توزيع الإيرادات لها مما يقوى المشاركة والمساءلة والرقابة.

      وعلاوة على ذلك، فإن أحد المجالات الهامة التي لا تزال غير خاضعة للضريبة في معظم مدن نيجيريا خارج ولاية لاجوس هي الممتلكات. وبالنظر للأهمية المتزايدة للمدن نجد أن دولة نيجيريا حاليا تحتوي على 53 في المئة من المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 70 في المئة بحلول عام 2030 ، ومن ثم يعطي دلالة قوية على زيادة تنمية المناطق الريفية، وأخيرا، فإن الشروط الواجب توافرها للنمو المستدام في العصر الحديث في نيجيريا هي: استقرار الاقتصاد الكلي بمعنى (انخفاض معدل التضخم، وزيادة قيمة العملة)؛ والحرية الاقتصادية للمزارعين الفلاحين وأصحاب المشاريع الصغيرة؛ وزيادة النفقات العامة الخاصة بالفقراء ، مع الاهتمام بالبنية التحتية الريفية .

     ولم يتم بعد تنفيذ آخر هذه السياسات من قبل الحكومة الحالية داخل دولة نيجيريا من خلال زيادة الإنفاق العام على الفقراء أكثر من المزارعين الريفيين وأيضاً تنفيذ خطط البنية التحتية الريفية لزيادة تنمية المناطق الريفية. في حين أن أول سياستين تحفزان الطلب على الإنتاج المحلي والصادرات، هي التي تكفل الاستجابة المحلية بجانب العرض.

   وقد يفسر غياب مثل هذه السياسة وجود الصعوبات الاقتصادية والمالية الحالية التي يتعرض لها الآن الاقتصاد النيجيري في ظل عدم الاستقرار السياسي. وقد يفسر أيضا انعدام التنمية على الرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي لما يقرب من عقد من الزمان بسبب قلة الانتاج والاستثمار. ولذلك، فإن بعض المراقبين يربطون بين هذين العنصرين التوأمين وقلة عملية التصنيع ، وبين بطالة الشباب وانعدام الأمن (أكاندي، 2014؛ أوتوبو، 2016). وهناك ثلاثة أسباب تجعل الاستثمار العام في البنية التحتية الريفية مشكلة رئيسية في نيجيريا. الأول هو عدم وجود معلومات دقيقة على مستوى المركزي بطبيعة وحجم الانفاق على البنية التحتية. والسبب الثاني هو أن العديد من الموظفين بما في ذلك أولئك الذين يعملون في الحكومة، حتى الآن لم يدركوا أن نيجيريا يجب أن تعتمد على سياسة واعية للتمويل الاقتصادي والعالمي خاصة ما بعد النفط ، وهو ما يعني تنويع الاقتصاد والإيرادات العامة بعيدا عن النفط. والسبب الثالث هو ضعف اللوبي الريفي والتفاوت الكبير بين القلة التي تعيش في البذخ وتستحوذ على السلطة ومقاليد الأمور وباقي الشعب النيجيري الذي يخوض في فقر وجوع. وقد شهدت هذه الأخيرة استنزاف ثرواتها مع مرور الوقت ليس فقط من خلال التدهور الإقتصادي ولكن أيضا من خلال أشكال متنوعة من التمرد بأنواعه المختلفة الدينية والسياسية والعرقية وغيرها.

       إن فرض الضرائب على الممتلكات هو أحد الطرق المؤكدة لتعبئة التمويل اللازم للبنية التحتية في اقتصاد قوي التحضر ، ولكن أولئك الذين لديهم أكبر من يخسرون من الضرائب العقارية هم أيضا من هم في السلطة على جميع مستويات الحكومة المركزية.

     وتتيح تجربة البلدان الأخرى في أفريقيا عند تعاملها مع الحوكمة أن هناك نقاط رئيسية يجب وضعها في الاعتبار وهي: التمييز بين المجتمعات الريفية والحضرية بحيث يمكن لهذه الأخيرة أن تمول هياكلها الأساسية من خلال الضرائب على الممتلكات كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، وقد تم ذلك بنجاح في مدينة لاجوس منذ الاحتلال الاستعماري وحتى الوقت الحاضر. أما المقياس الثاني، الذي تم اقتراحه مسبقاً فهو استخدام عائدات النفط لتمويل البنية التحتية الرئيسية لصالح المجتمعات الريفية. ثالثاً، ساهمت أوجه التقدم الكبير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إدخال تحسينات هائلة على النظام الانتخابي النيجيري؛ مما مهد الطريق أمام انتخابات ناجحة في عام 2015 ومن ثم تفعيل عملية الحوكمة ومشاركة المواطنين في البلديات في إدارة شئون الحكم المحلي.

     ولذلك ينبغي استخدام المعلومات المتاحة من خلال نظم المعلومات لإنشاء قواعد بيانات تمكن من تحسين وتخطيط وإدارة ممتلكات وتمويل شركات الحكم الذاتي. وعلاوة على ذلك، إذا تم تمكين الهيئات المدنية وغير الحكومية، بما في ذلك المنظمات المدنية ومنظمات الأديان والجمعيات الأهلية، من خلال رصد ومتابعة جميع المستويات الحكومية، ولا سيما هيئات الحكم الذاتي من حيث الخدمات التي يتلقاها الجمهور فعلا، فإن المساءلة ستتحسن وتصبح الحوكمة أكثر تأثيراً. وقد نجحت الجمهورية النيجيرية الأولى في إنشاء واستدامة نظام محترم من الهياكل الأساسية التعليمية والصحية والأمنية الأساسية في معظم أنحاء البلاد.  مما يعطي رغبة قوية من خلال إعادة سنه الآن، والاستفادة بقدر الامكان من التكنولوجيات المتطورة. ويمكن أن تبدأ بداية مع عدد قليل من العينات في بعض الحالات المحددة التي يمكن بعد ذلك تكرارها ورفع حجمها عندما تنجح. فالمؤسسات التي تتنافس وتكمل بعضها البعض من خلال التعاون بين الحكومة المركزية والولايات والبلديات؛ سيؤدي ذلك إلى صمود الدولة وقدرتها على حل المشكلات المختلفة عن طريق اشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في عمليات التنمية والجمعيات الأهلية.

سابعاً: النتائــــج

    بقراءة الموقف جيداً داخل نيجيريا نشاهد كيف ساهمت الحوكمة في زيادة النمو الاقتصادي وإن كانت المشكلات التي تواجهها الدولة أكثر بكثير إلا أنها حاولت وتقدمت بشكل يدعو لمزيد من البحث والدراسة والفحص في مجال الحوكمة،  ويمكن لنظام الحوكمة في نيجيريا أن يحسن الساسيات الاقتصادية لنيجيريا إذا كان نقل الإيرادات الوطنية المركزية إلى الكيانات دون الوطنية مرتبطا بدعم السياسات التي تشجع التحول الإقتصادي؛ مما يدفع لمزيد من التقدم والاذدهار، والتي يشكل إنشاء البنية التحتية وقوتها جزءا منها. وتتمثل العناصر الأخرى في الإصلاح الإداري والتنشيط الديمقراطي الذي قد يشمل وحدات متنوعة من الحكم على جميع المستويات سواء الحكومية أو الولايات والبلديات، لاسيما على المستوى المحليات، ويركز على تقديم الخدمات بشكل قوي وفعال وكفء، حيث وفر نظام الحوكمة في نيجيريا إطاراً جديداً للسياسات العامة بدخول المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين كشركاء في عمليات التنمية المختلفة، والرصد والتواصل مع المستويات الدنيا والمستويات العليا للحكومة. ومن خلال النجاح الذي تحقق في هذا البلد الكبير المحتمل أن يلهم بلدان نامية أخرى غارقة في الأزمات والفقر، ولا سيما البلدان ذات الموارد الطبيعية والبشرية الضخمة والتي تعاني البطالة والتمييز العنصري والحروب الأهلية.

    ومن النتائج الأساسية التي توصلنا إليها أن تبني نظام الحوكمة في أفريقيا بصفة عامة وفي نيجيريا بصفة خاصة هو الحل الأنسب لمواجهة الفساد الاداري والمالي وعدم الاستقرار الذي تعاني منه الدول الأفريقية، ومن ثم يجب  الاسراع في التطبيق الفعلي لمبادئ الحوكمة من جديد كما كان في الماضي، وذلك من خلال تفعيل دور الرقابة في المؤسسات الحكومية ، ومنح حق المساءلة وضمان استقلالية ونزاهة القضاء من ناحية أخرى.

   وعند الشروع في تطبيق قواعد الحوكمة في أي دولة ما يتعين أخذ بيئة الدولة  الداخلية والخارجية وطبيعتها وظروف العمل فيها بعين الاعتبار. فهذه القواعد وضعت ليستدل بها القائمون على إدارة هذه الدولة وتوجيههم في الاتجاه السليم، ولا تعني بالضرورة بأن الدولة تلتزم حرفياً بما ورد في هذه القواعد، بل ينصح ويفضل أن يتم تطويعها بما يتلاءم مع الوضع الخاص لكل بلد على حده. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه القواعد الحد الأدنى من الالتزام في الحوكمة ويفضل أن تتخذ الدولة إجراءات وضوابط عملية الحوكمة ليتسنى لها أن تحصل على عملية التنمية.

 

تحميل البحث الاصلي

 

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button