دراسات استراتيجيةدراسات افريقيةدراسات سياسية

الدور التركي في الصومال منذ عام 2002م

بقلم آية حسين محمود، المركز العربي للبحوث و الدراسات

مرت الصومال بالعديد من الأزمات علي مر أكثر من أربعة عقود إلي أن أصبحت دولة هشة (دولة فاشلة)، والأزمة التي تمر بها الصومال في الوقت الحالي هي أزمة متعددة الجوانب فهي تشمل القطاع السياسي والإقتصادي والإجتماعي والمالي والأمني و العسكري، وهي ناتجة عن العديد من العوامل أبرزها التقسيم الذي قام به المستعمر في أرض الصومال، وأزمة القيادة والصراع علي السلطة والثروة.

كان وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا محطة فارقة في العلاقات التركية الصومالية، حيث قامت تركيا بتغيير العديد من إستراتيجياتها للتعامل الخارجي، حيث بدأ الإهتمام أكثر بالأجندة الأفريقية لا سيما بعد عدم تمكنها من الإنضمام إلي الإتحاد الأوروبي، فكانت أفريقيا بالنسبه لها منطقة نفوذ جديدة تسعي تركيا من خلالها إلي إبراز تأثيرها كمؤثر دولي قادر علي تحقيق التغيير.

وبسبب ما شهدته الصومال من عدد كبير من الأزمات، زاد تدخل الدول فيها كذريعة للتغلب علي تلك الأزمات، حيث تشهد الصومال تدخل العديد من القوي الإقليمية الأفريقية و غير الأفريقية فيها، ومن أبرز القوي الإقليمية غير الأفريقية هي تركيا. حيث قامت تركيا بالتركيز علي الصومال عن تنشيط علاقتها معها بتقديم المساعدات الإنسانية و الإقتصادية والإجتماعية والعسكرية، إلي أن أصبحت تركيا لاعب ومؤثر رئيسي في الصومال.

وأزمة الصومال التي مرت بها عام 2011م، كانت أحد أسباب زيادة التقارب التركي الصومالي، حيث أثبتت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصومال في تلك القترة إهتمام تركيا بالصومال، وزادت المساعدات التركية أكثر بعد تلك الأزمة.

كما أدى إفتتاح أكبر سفارة تركية بمقديشيو في الصومال عام 2015م إلي تعزيز العلاقات التركية الصومالية، كما قامت تركيا بفتح أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج بالصومال عام 2017م معلنةً رغبتها في تدريب الجيش الصومالي ومساعدته في مكافحة الإرهاب وخاصةً جماعة الشباب المجاهدين. كل الجهود التركية في الصومال توضح مدي عمق العلاقات بين الدولتين.

أولاً- موضوع الدراسة

تتضمن الدراسة تحليل السياسات المتبعة من قبل تركيا تجاه الصومال والتي تقع في إطار إستراتيجية القوة الناعمة، وتوضيح مدي تأثير تلك السياسات علي الصومال من الناحية التنموية والعسكرية والسياسية والإقتصادية، كما تتناول الدراسة معرفة الأسباب والدوافع وراء الإهتمام التركي بالصومال، وأهداف تركيا من بناء القاعدة العسكرية الأكبر لها خارج الأراضي التركية بالصومال.

كما ستقوم الدراسة بسرد لأهم المحطات التاريخية والفارقة في العلاقات التركية الصومالية، كما ستتناول الدراسة المحددات الداخلية والخارجة للدور التركي في الصومال، بالإضافة إلي إستعراض الدراسة لأبعاد الدور التركي المختلفة في الصومال كالبعد الإقتصادي والعسكري والأمني والسياسي والدبلوماسي، وتوضيح طبيعة المساعدات المختلفة التي تقدمها تركيا للصومال، كما ستحدد الدراسة الفرص والتحديات التي تواجه تركيا في الصومال، علاوةً علي ذلك توضيح نطاق القوة والضعف في العلاقات بين الدولتين ، بالإضافة إلي إرفاق رؤية مستقبلية للعلاقات التركية الصومالية.

ثانياً- أهمية الدراسة

الأهمية العلمية

أ‌-         مع تنامي الدور التركي في أفريقيا تكمن الأهمية في الإلمام بأهداف تركيا التي تسعي في تحقيقها في أفريقيا ككل من خلال القوة الناعمة التي تستخدمها في أفريقيا بشكل عام، وفي الصومال بشكل خاص.

ب‌-   تتمثل الأهمية العلمية أيضاً في ندرة وجود دراسات باللغة العربية تشمل السياسات المختلفة لتركيا تجاه الصومال، والمصالح التي ترغب تركيا بتحقيقها في الصومال من خلال إنشائها للقاعدة العسكرية.

الأهمية العملية

أ‌-         تتضمن تحليل السياسات المختلفة المتبعة من قبل تركيا تجاه الصومال، والدوافع التي تسعي تركيا لتحقيقها من خلال علاقاتها مع الصومال.

ب‌-   بالإضافة إلي تناول محددات الدور التركي في الصومال و الأبعاد المتباينة لهذا الدور، ونقاط القوة والضعف في العلاقات التركية مع الصومال لتقييم الدور التركي في الصومال و بناء رؤية مستقبلة واضحة لمستقبل العلاقات التركية مع الصومال.

ثالثاً- إشكالية الدراسة

التساؤل الرئيسي للدراسة:

 تركيا من أكثر الدول الإقليمية غير الأفريقية التي ترغب في بسط نفوذها في القارة الأفريقية، لاسيما بعد تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم منذ عام 2002م إلي الوقت الحالي، حيث زاد إهتمامها أكثر بالأجندة الأفريقية وخاصةً بعد عدم قدرتها للإنضمام للإتحاد الأوروبي إلي الآن، ولذلك زاد إهتمامها بأفريقيا بشكل عام، وبالصومال بشكل خاص، لذلك تسعي الدراسة إلي معرفة طبيعة الدور الذي تقوم به تركيا في الصومال؟

التساؤلات الفرعية:

1-      كيف تطور مسار الدور التركي في الصومال؟

2-      إلي أي مدي تباينت محددات الدور التركي في الصومال؟

3-      ماهي أبعاد الدور التركي في الصومال؟

4-      ما هي أسباب ونتائج إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال؟

رابعاً: فروض الدراسة

1-       هناك علاقة تفسيرية طردية بين المساعدات التي تقدمها تركيا للصومال وتحقيق المصالح التركية.

2-       يوجد علاقة تتابعية طردية بين رغبة تركيا في الإنضمام للإتحاد الأوروبي و زيادة توغلها في أفريقيا.

3-      هناك علاقة تفسيرية عكسية بين إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال وزيادة تنافس القوي الإقليمية في الصومال.

خامساً- حدود الدراسة

الإطار الزماني: تم إختيار عام 2002م كبداية للدراسة بسبب تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا -حتي الوقت الحالي- وما تلي ذلك من الإهتمام التركي بالأجندة الأفريقية، وإتخاذ الصومال كمدخل لتعزيز العلاقات التركية الأفريقة، لاسيما بعد إفتتاح أكبر قاعدة عسكرية تركية في الصومال.

الإطار المكاني: تعد الصومال -وهي من دول القرن الأفريقي التي تقع شرق أفريقيا- من أكثر الدول الأفريقية التي يبرز بها دور تركيا كلاعب أساسي و مؤثر في التنمية وتوطيد الأمن، ودور تركيا المتزايد في الصومال أدي إلي جذب إهتمام القوي الدولية الأخري التي تريد إثبات مدي تأثيرها في الصومال مما أدي إلي التنافس التركي مع العديد من القوي الإقليمية الأفريقية وغير الأفريقية الأخري في الصومال.

سادساً- الدراسات السابقة

سيتم تقسيم الدراسات السابقة إلي ثلاثة محاور يتضمن المحور الأول الدراسات السابقة المتعلقة بمسار تطور  الدور التركي في الصومال، بينما يتناول المحور الثاني الدراسات السابقة الخاصة بأبعاد الدور التركي في الصومال، في حين أن المحور الثالث يركز علي أسباب ودوافع إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال.

المحور الأول: مسار التطور التارخي للدور التركي في الصومال

1-, Gizem Sucuoglu and Jason Stearns, Turkey in Somalia: Shifting Paradigm of Aid, (Canada: South African Institute of International Affairs (SAIA) Research report 24, November 2016).

يتناول هذا التقرير العلاقات التركية الصومالية، أهداف تركيا التي ترغب في تحقيقها من خلال الصومال، وشكل التحالف التركي الصومالي، بالإضافة إلي توضيح آثار المساعدات التركية المختلفة للصومال.

وخلص التقرير إلي أن العلاقات التركية الصومالية كان لها تأثير إيجابي علي كلا الدولتين فمن ناحية الصومال جذب إهتمام تركيا بها العديد من الدول الأخري للتنافس في تقديم المساعدات للصومال، ومن الناحية الأخري عززت تركيا صورتها وقوتها الناعمة ورؤيتها في حين قدمت نفسها كممثل “مختلف” قادر على إحداث التغيير.

2- Mehmet Ozkan,”Turkey’s African Experience: From Venture to Normalisation”, Paper produced in the framework of a project entitled “The EU, the US and the International Strategic Dimension of Sub-Saharan Africa: Peace, Security and Development in the Horn of Africa (Foundation for European Progressive Studies (FEPS):Istituto Affari Internazionali (IAI), August 2016).

وتوضح هذه الورقة البحثية دور تركيا في أفريقيا كلاعب أساسي في القارة، كما تعرض أهمية دور تركيا في توطيد السلام في دول أفريقيا جنوب الصحراء وخاصةً الصومال، حيث توضح دور تركيا في الأزمة التي مرت بها الصومال في عام 2011م، وكيف ساعدت تركيا الصومال من تجاوز تلك الأزمة، بالإضافة إلي توضيحها لدور تركيا في التنمية الأفريقية، علاوة علي ذلك توضيحها للأوليات التركية في أفريقيا والتحديات التي تواجها.

وخلصت الورقة إلي أن الطبيعة المستمرة لعلاقات تركيا مع الغرب ستحدد بشكل مباشر فرص التعاون المحتمل في إفريقيا، وإن نجاح دور تركيا في الصومال سيترتب عليه المزيد من التدخل التركي في القارة الأفريقية.

3- Mahad Wasuge, Assistance of Turkey in Somalia, (Mogadishu: the Heritage Institute for Policy Studies, 2016).

يتناول هذا التقرير العلاقات التركية الصومالية وخاصةً بعد الأزمة الصومالية عام2011م، وتوضح طبيعة المساعدات التركية للصومال، كما تقارن الدراسة المساعدات التركية للصومال مع المساعدات المقدمة للصومال من الدول الأخري.

وأشار التقرير في نتائجه علي أن  نموذج تركيا يضع في أولوياته “العمل مع الصوماليين” وليس “العمل على الصوماليين”، كما تنظر تركيا للصوماليين علي أساس أنهم شركاء لذلك هناك ثقة متبادلة بين الأتراك والصوماليين علي عكس الدول المانحة الأخري.

المحور الثاني: الدراسات السابقة المتعلقة بأبعاد الدور التركي في الصومال

1-Abdinor Hassan Dahir, Aid in Foreign Policy: the Turkey-Somalia Relations Case, (Master Thesis, Sakarya University: Social Science Institute, 7/2/2018).

تتناول هذه الرسالة إطار نظري خاص بتعريف المساعدات الإنسانية و السياسة الخارجية، كما تتضمن سرد لتاريخ العلاقات التركية الصومالية، وطبيعة المساعدات التركية للصومال، كما تسرد العلاقات التركية الأفريقية.

ومن النتائج التي خلصت إليها الدراسة أن  سياسة مشاركة تركيا في الصومال تعكس سياسة شاملة واستراتيجية متكاملة تهدف إلى إعادة دمج الصومال في المجال الدولي، بالإضافة إلي  توضيح دور الصومال في تشكيل العلاقات التركية مع بقية دول أفريقيا.

2-Teri Murphy and Auveen Woods,Turkey’s international development framework case study: Somalia, (Ankara: Sabanci University: Istanbul Policy Center, February 2014).

يقدم هذا تقرير نظرة عامة على تطور تركيا والنهج الإنساني الذي تتبعه في أراضي الصومال على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث تقدم تركيا تقليدياً المساعدة في عمليات حفظ السلام والمبادرات العسكرية ولا سيما من خلال الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، يحلل هذا التقرير جهود تركيا التنموية في الصومال ويبحث في استراتيجيتها البديلة للعمل مع الصومال التي تمثل دولة راكدة متأثرة بالنزاع.

وتوصل هذا التقرير إلي أن النهج الإنمائي لتركيا تجاه الصومال يعكس خصائصه الناعمة في السلطة ومكانته كمانح ناشط، ويؤكد التقرير أنه على النقيض من العديد من المانحين التقليديين  لا ترتبط تركيا بشروط لتقديم مساعدتها للصومال.

3-Kathryn Achilles and others, Turkish aid agencies in Somalia:Risks and opportunities for building peace, (Ankara: Sabanci University: Saferworld and Istanbul Policy Center, March 2015).

يعرض التقرير طبيعة المساعدات التركية للصومال وتاريخ تلك المساعدات، كما يوضح تزايد النفوذ التركي في الصومال، بالإضافة إلي عرضه للعلاقات التركية الصومالية، كما يعرض الفرص والتهديدات التي تواجه الحكومة التركية لتوطيد دورها في الصومال.

خلص التقرير إلي توضيح أهمية دور الحكومة التركية والمنظمات التركية الغير حكومية في تنمية الصومال من خلال المساعدات الإنسانية.

4- Ahmet Yukleyen, and Mohammed Zulkarnain, “Turkey’s Foreign Policy in Somalia”, Journal of Caspian Affairs (Turkey: Journal of Caspian Affairs, Vol. I, No. 2, Summer 2015).

تحلل المقالة كيفية تطبيق تركيا للمبدأ الإنساني الذي يقود احكام مساعداتها التنموية والطريقة التي تنفذ بها هذه الأنشطة، كما يستعراض الإستجابات المحلية للتدخل التركي في الصومال من أجل تقييم كيفية تحسين السياسة الخارجية التركية ليس فقط في الصومال ولكن أيضًا في إفريقيا على نطاق أوسع.

كما خلص إلي أن الدبلوماسية التركية الإنسانية مكنت من خلال توفير المعونة الإنمائية العديد من المنظمات الحكومية منها وغير الحكومية ، من الحصول على رؤية على الأرض في الصومال، وهذا إن دل فهو يدل علي فتح واضح في الخارجية التركية المغلقة سابقاً و يسمح لإتباع سياسة أكثر تمثيلاً.

المحور الثالث: الدراسات السابقة المتعلقة بالقاعدة العسكرية التركية في الصومال

1- Pinar Akpinar, From Benign Donor to Self-assured Security Provider: Turkey’s Policy in Somalia, (Ankara: Sabanci University, Istanbul Policy Center, December 2017).

يتضمن التقرير العديد من المحاور منها القاعدة العسكرية التركية في الصومال وآثارها السلبية والإيجابية علي كلاً من تركيا و الصومال، كما يوضح الخلفية التاريخية للعلاقات التركية الصومالية، وطبيعة المساعدات العسكرية التركية للصومال.

وأنتهي المقال إلي أن لتركيا دور مؤثر وفعال في الصومال بسبب المساعدات المختلفة التي تقدمها بالإضافة إلي القاعدة العسكرية التي أنشأتها.

2- Michael Asiedu, “Turkey-Africa Relations: Spotlight on Somalia”, Global Political Trends Centre (Istanbul Kultur University: Global Political Trends Centre, No.14, November 2014)

توضح المقالة أسباب وأهداف إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال، والنتائج المترتبة من إنشاء تلك القاعدة علي كلاً من تركيا والصومال، وآثار إنشاء القاعدة علي التنافس الإقليمي في الصومال.

ومن النتائج التي توصل إليها المقال هو أن إنشاء القاعدة العسكرية أمر استراتيجي وله العديد من الأبعاد منها: أن إنشاء القاعدة يمنح الحكومة الصومالية دفعة في جهودها لإضفاء الطابع المؤسسي وإعادة هيكلة الشرطة والخدمات العسكرية  بشكل أساسي، بالإضافة إلي توفير القاعدة العسكرية تدريب لقوات الشرطة والقوات العسكرية الصومالية.

تعد تلك الدراسات السابقة مصدراً للإستفادة في العديد من النواحي، أولاً: من ناحية المسار التاريخي لتطور العلاقات الصومالية التركية بالإضافة إلي التركيز علي أهم المحطات الفارقة والتي أثرت بشكل كبير في علاقاتهما الثنائية، ثانياًالجانب الإحصائي المتعلق بالمساعدات التركية للصومال  وأيضاً معرفة طبيعة تلك المساعدات، ثالثاً: الجزء الخاص بأسباب إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال ودوافع تركيا من إنشاء القاعدة، رابعاً: معرفة الفرص والتحديات التي تواجه كلاً من تركيا والصومال جراء التعاون بينهما، خامساً: المعوقات التي تواجه تركيا في دعمها للصومال، علاوةً علي ذلك إستعراض أهم أبعاد الدور التركي في الصومال، ومن خلال الدراسات السابقة ستتمكن الدراسة من بناء رؤية مستقبلية لطبيعة وشكل العلاقة بين تركي والصومال.

المبحث الأول- محددات الدور التركي تجاه الصومال

إن إهتمام الدولة التركية بالصومال وبإفريقيا عموماً كان منبعه العلاقات التاريخية مع القارة السمراء بالإضافة إلي الثقافة الإسلامية المشتركية بينها وبين عدد كبير من دول القارة، علاوةً علي ذلك المكانة الإستراتيجية والجيوسياسية التي تتمتع بها القارة والثورات الكامنة في أعماقها ، كما رأت تركيا في القارة سوق كبيرة تستطيع من خلالها نشر منتجاتها مما يعود عليها بمنافع إقتصادية. وتحاول تركيا من خلال تغلغلها في القارة الإفريقية إثبات دورها علي المستوي الإقليمي والدولي وتثبت أهميتها كشريك إستراتيجي وخاصةً بعدما تم رفض كافة طلباتها ومحاولاتها في الإلتحاق بالإتحاد الأوروبي،  كما أن التدخل التركي في الصومال له عدد كبير من الأسباب والمحددات.

المطلب الأول – المحددات الداخلية للدور التركي في الصومال

أولاً: المحددات تاريخية

تعود العلاقات التركية الصومالية إلى القرن السادس عشر ، عندما قدم العثمانيون مساعدة الصوماليين ضد القوات الإستكشافية الإثيوبية والبرتغالية. وأدى ذلك إلى إنشاء مناطق محلية تحت سيطرة سلطنة محلية مرتبطة اسمياً بـالإمبراطورية العثمانية في القرن السابع عشر. وهكذا ، ظهرت السلطنة المحلية كممثل للإمبراطورية العثمانية في الصومال. ومع ذلك  بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في القرن 19 و بعد ظهور القومية في البلقان تغيرت العلاقة. و شهد الجزء الأخير من القرن العشرين جهودًا لإحياء الروابط بين البلدين ، والتي تميزت بافتتاح السفارة الصومالية في أنقرة في عام 1979(1).

كما أن خلال الحرب الأهلية في الصومال  لعبت المنظمات التركية مثل مؤسسة الإغاثة الإنسانية (IHH) أدوارًا كبيرة في إيصال المساعدات الإنسانية. ويعود الاهتمام التركي بإفريقيا إلى نهاية التسعينيات؛ حيث إنها أرادت أن تعيد أمجاد إمبراطوريتها العثمانية، والبحث عن دور إقليمي فعّال في القارة السمراء, ففي عام 1998م أصدرت تركيا وثيقة عن توجهها الجديد تجاه إفريقيا, أطلقت عليها اسم السياسة الإفريقية، وتسعى هذه السياسة إلى تدعيم الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التركية مع الدول الإفريقية(2).

ثانياً: المحددات الثقافية

تعطي أنقرة أولوية قصوى لتحقيق مصالحة تاريخية مع محيطها العربي والإسلامي والإفريقي، وإقامة شراكة استراتيجية مع دول تلك الدوائر الثلاث ، وإذا كانت الدولة التركية العلمانية في عهد كمال أتاتورك قد وظفت من قبل البعد العلماني في التوجه نحو أوروبا للانضواء تحت لواء الاتحاد الأوروبي، لكنها لم تنجح في ذلك، فإن سياسة تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية تجاه محيطها الاستراتيجي وظفت البعد الديني ليدعم سياسة الانفتاح نحو إفريقيا؛ بوصفه وسيلة لتحقيق المصالح القومية التركية مغلفة بسياج جذاب، حيث أدرك صانع القرار التركي جيداً أنّ البعد الديني سوف يزيد من قوة أنقرة التنافسية في القارة السمراء، ويميّزها عن فاعلين آخرين لهم نفوذ كبير داخل القارة الإفريقية، مثل الصين والهند.

يعد العام 2006م نقطة تحوّل جوهرية في توظيف تركيا للبعد الحضاري الديني، في إطار قوتها الناعمة تجاه إفريقيا، حيث استضافت مؤتمر: (رجال الدين الأفارقة) في إسطنبول، والذي ضمّ ممثلين عن إحدى وعشرين دولة إفريقية، وقد حمل هذا المؤتمر بين طياته تطورين لافتين في السياسة الخارجية التركية(3):

1-   تغير رؤية الدولة التركية في التعامل مع الجماعات والمؤتمرات ذات التوجّه الديني، إذ أصبحت تراها وسيلةً ناجحةً لتحقيق المصالح القومية التركية بأدوات القوة الناعمة.

2-   إدراك صانع القرار التركي أن استكمال سياسة الانفتاح الناجحة على إفريقيا ودعمها؛ يتطلبان توظيفاً استراتيجيّاً للبعد الديني في علاقاتها مع دول القارة.

ثالثاً: المحددات الإقتصادية

تسعى تركيا في السنوات الـخمسة عشر الأخيرة إلى تحقيق التكافؤ مع القوى الأوروبية الكبرى، خاصة (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، حيث أن ضمن شروط الانضمام للاتحاد وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الاتحاد، كما أن للاتحاد الأوروبي مميزات عديدة أهمها أنه سوق موحد ذو عملة واحدة هي اليورو، الذي تبنّت استخدامه 19 دولة من أصل الـدول الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة.

وعند انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي فذلك يعني الاستقرار السياسي والديمقراطي والاقتصادي، كما أن السوق المشتركة ستتوسع بين تركيا والدول الأوروبية، ما سيخلق الكثير من النشاط في حجم التبادلات الاقتصادية والتجارية.

ولأن المساعي التركية للدخول إلي الإتحاد الأوروبي بائت بالفشل، وجهت تركيا إهتمامها بدول القارة الإفريقية وخاصةً الصومال. حيث دشنت تركيا انفتاحها الاقتصاديّ على إفريقيا منذ العام 1998م، وتسارعت وتيرة ذلك الانفتاح مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002م، فأطلقت تركيا خطة إفريقيا عام 2005م، لتكون منطلقاً استراتيجيّاً للتوجه التركي الاقتصادي نحو القارة.

وفي 2008م احتضنت إسطنبول قمة (تركية – إفريقية)، بمشاركة 49 دولة إفريقية، توجت بتعزيز تلك العلاقات بتسمية تركيا: شريكاً استراتيجيّاً للقارة من قِبل الاتحاد الإفريقي، وأسفرت القمم (التركية – الإفريقية) عن وثيقتين مهمتين مثلتا الإطار الأبرز للشراكة الاقتصادية بين الجانبَيْن، وهما: «إعلان إسطنبول للتعاون التركي الإفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك»، و «إطار التعاون للشراكة التركية الإفريقية»، وقد مُنحت تركيا صفة «مراقب» داخل الاتحاد الإفريقي، كما أصبحت تركيا عضواً في بنك التنمية الإفريقي منذ العام 2008م(4).

المطلب الثاني-  المحددات الخارجية للدور التركي في الصومال

أولاً: السياسة الخارجية التركية الجديدة

تشتمل السياسة الخارجية التركية الجديدة علي عدد من القواعد الأساسية منها(5):

1-  سياسة تصفير المشكلات:

بحيث تستطيع تركيا أن تتمدد في جوارها القريب أو البعيد، والذي يجب ألا يكون معادياً أو به مشكلات تعوق انتقال الأموال والبضائع، ومن ثم تستطيع عقد اتفاقيات شراكة أمنية واقتصادية وفي مجالات الطاقة مع تلك الدول التي تُعد الفناء الخلفي لتركيا جنوباً؛ بدءاً من العراق وسوريا, ومروراً بالشرق الأوسط, وانتهاء بإفريقيا.

2-    سياسة البيوت الخشبية:

وتعني أنه إذا شبّ حريق في أي بلد مجاور فبالضرورة سوف يمتد إلى تركيا والبلدان المجاورة بسبب طبيعة تلك الدول المتلاصقة, والتي تتشابك مصالحها بعضها ببعض عن طريق الروابط التجارية والثقافية والتاريخية، ومن هنا تبرز مشكلات مثل تقسيم المياه بين دول حوض النيل, وكذلك القرصنة في القرن الإفريقي, بوصفها تهديدات محتملة للنفوذ التركي الناشئ في القارة السمراء، حتى لو كانت تهديدات بعيدة الأمد.

3-    العمق الاستراتيجي:

لابد أن تتمتع تركيا بعمق استراتيجي لكي تتمدد تمددها الطبيعي في جوارها, وذلك بالتخلص من كل المشكلات. إعادة أمجادها التاريخية(العمق الاستراتيجي): يرى المنظرين للسياسة الخارجية التركية أن تركيا يجب أن تتمع بعمق استراتيجي لكي تتمدد تمددها الطبيعي في جوارها, وذلك بالتخلص من كل المشكلات، لذلك تسعي تركيا جاهدة إلى التمدد في الدول النامية ذات الطبيعة الاستراتيجية، فقد دخلت في سباق التنافس الاقتصادي في الدول الإفريقية الذي كان منحصرا بين قطبي الصين وأمريكا.

بدأت سياسة تركيا الخارجية النشطة تجاه إفريقيا في عام 1998 حيث كانت سنة “الانفتاح على خطة إفريقيا”. وهكذا ، استمرت المرحلة الأولى بين عامي 1998 و 2005. على وجه الخصوص ، تم إعلان عام 2005 دولياً “عام إفريقيا”. لقد كانت هذه سنة حرجة ويجب دراستها عن كثب على أنها فترة من تطوير البنية التحتية والاستعداد الدبلوماسي لسياسة تركيا الأفريقية.

ينبغي النظر إلى المرحلة الثانية من 2005-2011 على أنها فترة لتعزيز العلاقات وتعزيز الوجود الدبلوماسي لتركيا من خلال فتح السفارات. كما أشارت هذه الفترة إلى اهتمام تركيا المتزايد بأفريقيا كمكان لتنمية تركيا علاقة طويلة الأمد مع العديد من البلدان الأفريقية. لهذا الهدف عززت تركيا مشاركتها في المنظمات الدولية المتعلقة بأفريقيا. وأصبحت مراقب في الاتحاد الأفريقي كما أصبحت عضوا في بنك التنمية الأفريقي. بدأت الفترة الثالثة من العلاقات التركية – الأفريقية في أغسطس 2011 بمشاركة تركيا للتخفيف من أزمة الجوع في الصومال والقيام بدور قيادي في هذه القضية.

ثانياً: الأهمية الجيوسياسية لأفريقيا

تمتلك القارة الإفريقية العديد من الخصائص الجيوسياسية، كونها ترتبط بكثير من المراكز البحرية والبرية المهمة في العلاقات الدولية، وتزخر سواحلها الغربية – القريبة من القارة الأمريكية – بكثير من حقول النفط، ما جعلها محطّ أنظار الولايات المتحدة، فضلاً عن الموارد الطبيعية المتنوعة والمتعددة التي تزخر بها القارة، إضافة إلى عدد سكانها الكبير وحاجياتهم الغذائية والخدمية التي تجعل منها سوقاً واعدةً للدول التي تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في القارة. كما تبرز أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لتركيا بانفرادها عن باقي الدول المحورية بقربها من إفريقيا من خلال البحر المتوسط(6).

ثالثاً: أهمية الصومال الإستراتيجية

تحمل الصومال مكانة إستراتيجية عالمية حيث تربط بين القارات وتطل علي ممرات مائية ذات أهمية تجارية وعسكرية هامة، ولديها أكبر منفذ بحري في أفريقيا وتتحكم في الدخول للبحر الأحمر لإنها تطل علي “مضيق باب المندب” و “خليج عدن” وتتحكم في طرق التجارة العالمية بين شرق أسيا والصين والهند لاوروبا وممرا مهما للطاقة في العالم ، وأيضا تمتلك الصومال الكثير من الموارد والثروات في ظاهر الأرض وباطنها، ومرور الصومال بظروف غير مستقرة سياسياً جعلها مطمعاً أمام الدول الكبري التي تستغل هذا الوضع سواءً في معونات أو مساعدات لكي تسيطر هذه القوي علي هذا الإقليم الهام(7).

حظيت الصومال بأولوية خاصة في إطار الاستراتيجية التركية تجاه دول القارة الإفريقية، ويعود ذلك إلى عدد من العوامل لعل أهمها: (8)

1-   رغبة تركيا في تسويق الصورة القومية لها كدولة قائدة للعالم الإسلامي انطلاقًا من الصومال، من خلال المساهمة في تسوية الصراع السياسي فيها، وإقرار الأمن، وتوفير مواد الإغاثة الإنسانية. وقد أصبحت الفرصة مواتية بانشغال الدول العربية بترتيب أوضاعها الداخلية إثر ثورات الربيع العربي.

2-   المقدرات القومية للصومال، ممثلة في موقعها الاستراتيجي بإقليم القرن الإفريقي. فهي تشرف على خليج عدن، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يعد واحدًا من أهم طرق التجارة العالمية. كما تؤكد التقارير وجود مخزون واعد من النفط والغاز الطبيعي في الصومال.

3-  الروابط الدينية والتاريخية بين تركيا والصومال، منذ دخول العثمانيين مقديشيو في القرن السادس عشر، في عهد السلطان سليمان القانوني لإنقاذها من حملات البرتغاليين.

4-  علاقة الجوار بين الصومال وإثيوبيا التي تراها تركيا حليفًا قويًّا يمكنها من خلاله التمركز بالقرن الإفريقي، واستثمار ذلك في الضغط على دول أخرى، خاصة مصر، عبر ورقة المياه.

رابعاً: التنافس الإقليمي

تحرص القيادة التركية على ألا يفوتها التنافس الدولي الإقليمي على التغلغل والنفوذ في القارة الإفريقية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى على صعيد العلاقات الدولية، في خضم سعيٍ قوى آسيوية ولاتينية صاعدة مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، إضافة إلى الدول الأوروبية (المستعمر السابق لدول القارة)، والولايات المتحدة الأمريكية (ذات النفوذ التقليدي في إفريقيا)، للاستفادة من الخيرات الوفيرة في القارة، هذا إلى جانب كل من إيران وإسرائيل على الصعيد الشرق أوسطي.

ويبدو أن القيادة التركية قد حزمت أمرها للمنافسة على الصعيد الإستراتيجي في القارة الإفريقية، فجاء قرار تدشين القاعدة العسكرية التركية في الصومال؛ في سياق حروب القواعد العسكرية في القرن الإفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى، حيث تمتلك: (الولايات المتحدة، وفرنسا، واليابان، والصين) قواعد عسكرية في منطقة القرن الإفريقي، وتحديداً في جيبوتي.

وفي هذا السياق؛ تسعى تركيا لتسويق تمدّدها في القارة السمراء بعيداً عن منطلقات القوى الدولية الأخرى، والتي انتقدها أردوغان، من طرف خفي، خلال زيارته إلى شرق إفريقيا في يونيو 2016م، بقوله: “إنّ تركيا تولي اهتماماً كبيراً بالقارة الإفريقية، وسياستها تجاهها لا تشبه أي سياسات أخرى، وهي على ثقةٍ أنّ النصف الثاني من القرن الحالي سيكون عصر إفريقيا الحقيقي”، محفّزاً زعماء القارة للانفتاح على تركيا بقوله: إنه”على إفريقيا أن تختار شركاءها بعناية، في مسيرة كفاحها لإثبات نفسها”.

1-  التنافس مع إيران

تأتي أهمية إفريقيا بالنسبة لإيران من كونها(9):

أ‌- بوابة للخروج نحو العالم عبر المياه الدولية.

ب‌- نطاقاً جغرافياً يمكن أن تلتف به حول دول الجوار في الاتجاهين الغربي والجنوب الغربي.

ت‌- كما أنها توفّر محطات تجارية وغير تجارية على المحيطين الهندي والأطلنطي

فنظراً لاشتراك إيران مع القارة في الإطلالة على المحيط الهندي؛ يعد شرق القارة مهماً بالنسبة لإيران من الناحية الجيوسيساسة، وبخاصة القرن الإفريقي الذي يتحكم في منافذ بحرية مهمة (البحر الأحمر، خليج عدن، المحيط الهندي)، وتبعاً لذلك يتحكم في طرق التجارة الدولية، ونقل البترول من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، والتي يتحكم بعضها في منابعه، وأدى اكتشاف البترول في المنطقة إلى زيادة الاهتمام الدولي بها.

ارتبطت إيران بتحالفات إستراتيجية مع خصوم واشنطن في كلاً من أمريكا اللاتينية وإفريقيا، هذا البعد الصراعي ذو الطابع الثوري لإيران جعل علاقاتها مع الدول الإفريقية مرتبطة أساساً بالعمل الثوري، حيث كانت تنظر لإفريقيا بوصفها قارة المستضعفين، وتمثّل ثلث مقاعد الأمم المتحدة، وتشكّل نصف مجموعة عدم الانحياز، وهو ما يعني أنها حليف محتمل لها، كما أنها في الوقت نفسه تمثّل ساحة مناسبة لتبنّي أفكار الثورة الإيرانية.

ومع مطلع الألفية الجديدة واحتدام التنافس على الأسواق بين القوى الصاعدة، أخذت العلاقات الإيرانية الإفريقية نفَساً جديداً حيث تمّ تنظيم (المؤتمر السنوي الأول للعلاقات الثقافية والحضارية الإيرانية الإفريقية) بين 30/4 و 2/5/2001م، وفي مارس 2003م عقدت إيران (منتدى التعاون الإيراني الإفريقي) بمشاركة 18 دولة إفريقية، وممثلين عن الاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وشكّلت دول القرن الإفريقي ثلث الدول المشاركة، وعقبه أنشأت (المجلس التنفيذي الإيراني الإفريقي) بوصفه آلية لتنفيذ المشاريع المشتركة بين الطرفين، و(صندوق تنمية إيران – إفريقيا)، و (بنك إيران – إفريقيا).

تكشف الحقائق السياسية معبّراً عنها في النشاط الدبلوماسي والأرقام الاقتصادية عن حضور قوي لتركيا وإيران في القارة الإفريقية، وإدراك صانعي القرار في البلدين لأهميتها من مختلف النواحي، ونجاحاتهما وإخفاقاتهما تتفاوت من مجال لآخر، ولأسباب متعددة، وأهم ما يمكن استنتاجه من المقارنة بينهما ما يأتي:(10)

توجهات السياستين التركية والإيرانية عالمية وليست إقليمية، ولكن توجهات إيران تدخلية بعكس تركيا، فتركيا لا تحاول تغيير السلطة السياسة في الدول، فالخلفية الأيديولوجية الإيرانية الثورية (تصدير الثورة)، والتي لم تختلف كثيراً بتعاقب الإصلاحيين والمحافظين، تجعل سياسة إيران ذات طابع شبه (عسكري / استخباراتي)، وتصدّر الحرس الثوري لتلك النشاطات، كونه يسيطر على نسبة كبيرة من الاقتصاد الإيراني، وعلاقاته بالحركات السياسية العسكرية في إفريقيا، يضع إيران دائماً في موقع تشكيك، وقد تجلّى ذلك في نشاط (حزب الله) في القارة وسط الجالية اللبنانية، وعلاقاته بتنظيمات مسلحة أخرى، ودعم إيران للحركات المتمردة، مثل متمردي السنغال، وحركة إبراهيم الزقاق في نيجيريا، أدى لقطع هذه الدول علاقاتها بإيران، يختلف الأمر بالنسبة لتركيا، حيث استطاعت بناء علاقات مع كلّ الأنظمة عبر القنوات الرسمية، وباعتمادها سياسة تصفير المشكلات مع الجيران؛ فإنها من باب أولى لن تتسبب فيها مع الدول الإفريقية التي لا تشكل جلّها أي تهديد على أمنها القومي.

في حين تجد تركيا إلى جانبها دول عربية تشكّل مجتمعة بوابة إفريقيا، تعمل معها وتساهم في توسيع مصالحها في القارة، نظراً لعدم وجود كثير من القضايا الخلافية بينهما، حتى عندما تأزّمت العلاقات التركية المصرية، بعد الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، كانت مواقف أنقرة ردّ فعل على تغيّرات داخلية، والأمر مرهون بالتحولات الجارية في مصر، وتبقى المحصلة الأخيرة في إمكانية عودة العلاقات، على عكس إيران التي لها مشكلات مع دول مثل مصر والمغرب، فبرغم التحول الذي جرى في مصر عقب ثورة 25 يناير فإنّ العلاقات معها كانت محلّ جدل داخلي وخارجي، وتنظر دول الخليج إلى التحركات الإيرانية بعين الشك والريبة، وتجدها تهديداً لأمنها القومي؛ على غرار تحركاتها في القرن الإفريقي، ودعم الحوثيين في اليمن.

اعتماد إيران على البعد الطائفي بنشر التشيع، وما يسبّبه من ردود فعل رسمية وغير رسمية، والشروخ التي يحدثها بين المكونات المجتمعية، إضافة إلى البعد الثوري، وقد انعكس ذلك سلباً على علاقاتها بإفريقيا على المستويين المتوسط والبعيد.

وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ العلاقات الدينية بين تركيا والأفارقة تتم بين المؤسسات الرسمية الحكومية وغير الحكومية، ونظراً لغالبية المعتقد السنّي في إفريقيا فإنّ العلاقات مع تركيا محل ترحيب، ولا توجد مخاوف مجتمعية منها، حتى إن كانت تركيا أيضاً تعمل في المجال الديني، لكن هناك فرق كبير بين العمل ضمن مجال طبيعي، وبين محاولة التغيير واستحداث تكوينات دينية جديدة، كمحاولات إيران لنشر التشيع، وردود الفعل الناجمة عن الشروخ التي يحدثها.

وبينما تركز إيران في خطاب معاداة الغرب، والتحالف مع إفريقيا من أجل تكوين حلف لمواجهتها، فإنّ تركيا تقدّم نفسها بوصفها بديلاً يحترم حقوق الإنسان، صادقاً في مساعدته للدول الإفريقية، بينما اقتصرت أهداف إيران على البحث عن تأييد لبرنامجها النووي في المحافل الدولية، والبحث عن اليورانيوم، وجعل القارة ساحة خلفية لصراعها مع الغرب.

تبعاً لذلك؛ تُعد تركيا أكثر اندماجاً في السياسات الدولية إذ تشارك في مهمات الأمم المتحدة الإنسانية، وتبذل جهوداً لحل الأزمات، ويلاحظ إنسجام العنصر التركي اجتماعياً وقدرته على التكيف خصوصاً أن معظم الأتراك يجيدون اللغة العربية الأمر الذي يسهل سرعة اندماجهم في المجتمعات الإفريقية العربية والمتحدثة بالعربية.

في المقابل لا تتوقف إيران عند ضعف أدائها في هذا المجال، حيث لم تكن هناك أي مبادرة إيرانية منفردة أو ضمن إطار دولي لحلّ أزمة من أزمات القارة الكثيرة، بل أكثر من ذلك تحاول دعم أطراف على حساب أخرى، كما أنها ببحثها عن اليورانيوم في القارة تقحم الدول الإفريقية في مشكلات إضافية، والأخيرة لديها علاقات مع أمريكا لا يمكن أن تفرّط فيها من أجل إيران.

أما تركيا؛ فكان إيصالها لمجلس الأمن نتيجة كسب الأصوات الإفريقية، وبينما أصبحت شريكاً استراتيجياً في الاتحاد الإفريقي ما زالت إيران في درجة المراقب.

الإقتصاد التركي أكثر تنوعاً وتطوراً من الاقتصاد الإيراني، ويحقّق أرقاماً كبيرة جداً، خصوصاً في مجال المقاولات والنسيج، بالرغم من أن تركيا تستورد الغاز الطبيعي والبترول من الدول الإفريقية، على عكس صادرات إيران لإفريقيا التي تركز في النفط خصوصاً، ومشاريعها الأخرى ما زالت محدودة، غير أنها مرتبطة بمحاولة استغلال اليورانيوم، أو المشاريع القريبة من المجال النووي على غرار توفير الطاقة الكهربائية، وحتى الصادرات النفطية للقارة تأثرت بالعقوبات الدولية، حيث أوقفت جنوب إفريقيا وارداتها من النفط الإيراني في أغسطس 2012م استجابةً للعقوبات(11).

2-  التنافس مع الإمارات (12)

يشهد الصومال الآن ما يمكن وصفه بـ”حرب القواعد العسكرية”؛ حيث إن أبو ظبي تحاول قصارى جهدها إنشاء قاعدة عسكرية لها في مدينة بربرة بأرض الصومال، بينما أنشئت تركيا القاعدة في مقديشو، وذلك ضمن إطار تسابق القوى الإقليمية في الاستئثار بالصومال. فبعد فترة قليلة من بروز الدور التركي في الصومال، برز إلى العلن نشاط إماراتي لا يقل أهمية عن الدور التركي، بل إنه سيأتي وكأنه منافس لتركيا. وتنشط الإمارات خصوصًا في أرض الصومال؛ حيث قامت بتأجير أرض لإقامة قاعدة عسكرية إماراتية في بربرة، مع أن ما تم كان من وراء ظهر مقديشو، وبتجاهل تام لحكومة قائمة لحساب طرف انفصالي غير معترف به دوليًّا.

غير أن ما يميز الدور التركي عن غيره هو التوازن الكبير بين الجانب الإنساني التنموي والاقتصادي من جهة، والمجال الأمني السياسي من جهة أخرى؛ الأمر الذي يخلِّف إنطباعًا حسنًا لدى رجل الشارع الصومالي بخلاف الدور الإماراتي.

بينما يعتمد النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي على إستراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال، وذلك بغية تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والسياسية والاقتصادية.

ومن ثم يمكننا إدراك أن المحددات الخارجية وخاصةً السياسة الخارجية الجديدة المتبعة من قبل تركيا و التنافس الإقليمي والأهمية الإستراتيجية للصومال مثلوا المحرك الأساسي للدور الجديد والفعال الذي تلعبه تركيا في الصومال.

المبحث  الثاني – أبعاد الدور التركي في الصومال

منذ البداية  شملت المشاركة التركية في الصومال العديد من الجهات الفاعلة ، كجزء من “النموذج التركي” الذي يجمع بين الدعم السياسي والتنموي والإنساني والاقتصادي. تعالج هذه الجهات الفاعلة الأزمة الصومالية من مختلف الزوايا ، بطريقة لا مركزية نسبياً ، في إطار واسع تم وضعه خلال زيارة أردوغان في عام 2011. حيث كانت مشاركة تركيا في الصومال قبل عام 2011 من خلال قنوات متعددة الأطراف، وركزت في البداية على جهود الإغاثة من المجاعة من خلال تقديم مساعدات الطوارئ في عام 2011. ومع ذلك تطورت بسرعة إلى ممارسة ثنائية في معظمها وتوسعت لتشمل العديد من مجالات التنمية وبناء الدولة ، مع التركيز بشكل خاص على الصحة والتعليم والبنية التحتية وبناء القدرات. وحذت المنظمات غير الحكومية حذوها من خلال توسيع مشاريعها لتقديم الخدمات وإجراء مشاريع التنمية لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، كما يشير تحليل البيانات الرسمية الصادرة عن مختلف الوزارات والوكالات التركية إلى خمسة أهداف مميزة للمشاركة التركية في الصومال وهي (13) :

1- تلبية الإحتياجات الطارئة

2- تقديم المساعدة الإنمائية

3-  تعزيز المؤسسات وبناء القدرات

4- دعم العمليات السياسية

5-  تحسين التجارة الثنائية.

المطلب الأول – البعد الإنساني والتنموي

خلال المجاعة  قدمت تركيا ودول إسلامية أخرى دعماً غير مسبوق حيث توجه رئيس الوزراء أردوغان  برفقة أسرته وأكثر من 200 عضو من النخبة السياسية والتجارية والثقافية ، إلى مقديشو في أغسطس 2011 و كان أول زعيم غير أفريقي يزور الصومال منذ 20 عامًا. و في 22 سبتمبر 2011  خصص أردوغان نصف خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة للصومال ، وتحدث بحماس عن المعاناة التي يعيشها شعبها وكيف تعتزم تركيا القيام بدور قيادي في حل الأزمة . وبعد مرور عام في اجتماعات مغلقة مع قادة المجتمع المدني الصوماليين وشيوخها التقليديين ، استمر التزام تركيا المتحمس بالصومال(14).

بدأت مشاركة تركيا الكاملة مع الصومال في عام 2010 عندما استضافت مؤتمر اسطنبول الأول حول الصومال في الفترة من 21 إلى 23 مايو في إطار اتفاق جيبوتي لوضع خريطة طريق لبناء السلام والتنمية في الصومال. وتم توقيع اتفاقيات ثنائية بين تركيا والصومال في مجالات التعاون العسكري والتعليم  والتعاون التقني والعلمي. وبعد مرور عام على مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعني بأقل البلدان نمواً  الذي انعقد في الفترة من 9 إلى 13 مايو 2011  و التي تعد الصومال عضواً فيها تعهدت تركيا من خلاله مساعدة أقل البلدان نمواً في مختلف النواحي(15).

تقدم تركيا المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) Official Development Assistance  منذ منتصف الثمانينات. و كان نطاق مساعداتها في البداية ضئيلًا ، لكنه زاد بشكل كبير خلال العقد الماضي. حيث  في عام 2013  بلغت المساعدات 3.3 مليار دولار أمريكي  أي ما يقرب من 50 ضعف حجم مخصصات تركيا للمساعدة الإنمائية الرسمية لعام 2003 (67 مليون دولار أمريكي) . وتم تسجيل زيادات حادة بشكل خاص بين عامي 2011 و 2013 ، عندما تضاعف حجم المساعدات التركية بأكثر من الضعف بسبب الكميات الهائلة من المساعدات للاجئين السوريين وزيادة الدعم المقدم لبلدان شمال أفريقيا في أعقاب الربيع العربي عند مقارنتها بـ 28 دولة مانحة من لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي(16).

وفقًا للتقديرات التي جمعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  أصبحت تركيا الآن المزود الأكبر للمساعدات بين الاقتصاديات الناشئة متجاوزةً الصين حتى لأول مرة في عام 2013 من بين جميع المانحين من غير الدول الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية(17).

عندما بدأت المنظمات غير الحكومية والمسؤولون الأتراك العمل في الصومال تم تأطير الجهود في البداية كمساعدة إنسانية طارئة استجابة محددة للمجاعة في عام 2011. و كرس مساعدو المساعدات الإنسانية والعاملون في المجال الإنساني لتخفيف المعاناة الإنسانية من خلال خدمات الإغاثة المادية قصيرة الأجل. كان التنسيق بين القطاعين العام والخاص في أعلى مستوى له في صيف عام 2011. وقد ساهمت حملة واسعة النطاق في تركيا ، بقيادة منظمات غير حكومية مثل كيم يوك مو (KYM) ومؤسسة الإغاثة الإنسانية (IHH) ، مساهمة كبيرة في إيجاد موارد كبيرة و دعم جهود الإغاثة(18).

ومع ذلك تحولت هذه الأنشطة بسرعة إلى برامج أوسع لمعالجة العجز الهيكلي الأساسي في البلد الذي يدوم الصراع. وتعكس تركيا التزامها ونهجها تجاه الصومال ، وعينت تركيا كاني تورون ناشطة إنسانية وجنرال سابقًا منسق منظمة أطباء العالم (YDD) للإشراف على جهودها. يمكن تقسيم برنامج المساعدات الصومالية التركية إلى خمس ركائز: المساعدات الإنسانية ، التنمية الاقتصادية ، البنية التحتية ، المساعدة السياسية وإصلاح قطاع الأمن. والهدف من هذه الاستراتيجية الشاملة هو حماية جميع الصوماليين داخل دولة عاملة ؛ تحتاج مقديشو بشكل خاص إلى بناء القدرات من أجل تحقيق هذه الغاية(19).

في الوقت الحالي لا يوجد نظام دولة أو بنية تحتية يمكن من خلالها قبول المساعدة المدنية التركية أو تنظيمها أو نشرها. في الوقت نفسه ، تظل ثقة الجمهور منخفضة. هناك حاجة ماسة لتعزيز الشعور بالوحدة الوطنية في الصومال وتشجيع رؤية جماعية لدولة فاعلة. تشمل إصلاحات التنمية في تركيا إيجاد طرق لمعالجة الرأي العام من خلال تدابير بناء المجتمع المدني المختلفة. وصفت أهداف السياسة الخارجية لتركيا بأنها “جهود دبلوماسية التنمية العالمية” أو “جهود التعاون الإنمائي” ، وأصبحت برامج بناء القدرات المدنية – مثل تعزيز البنية التحتية وتشجيع مشاركة المجتمع المدني – أساس جهود التنمية التركية في الصومال .يعكس بناء القدرات المدنية استخدام تركيا المتزايد لموارد القوة الناعمة لديها على الآليات العسكرية التقليدية(20).

وتشمل برامج المساعدة الفنية الرئيسية إصلاح البنية التحتية مثل بناء الطرق والمدارس والعيادات الصحية وتدابير بناء القدرات المدنية من خلال تدريب أعمال البلدية 67 وتدريب الأئمة 68 ، وزيادة القدرة المدنية للبنك المركزي الصومالي .

تمثل (TIKA) “الشركة الأم” التي تنسق المساعدة الحكومية وغير الحكومية التركية في الصومال بالإضافة إلي السفارة التركية أيضًا. ومع ذلك أوضح ممثل إحدى المنظمات التركية غير الحكومية الناشطة في الصومال أنه لا يوجد الكثير من التنسيق لمنع تداخل أو إزدواجية الجهود على أرض الواقع أو لتحقيق توازن في المسؤوليات بين مختلف المؤسسات. وأشار إلى أن هذه المشكلة ليست فريدة من نوعها للصومال ولكن يعكس نقصا أكبر في المساعدات التركية بشكل عام. وأشار ممثل آخر للمنظمات غير الحكومية إلى أن(TIKA) توفر المساعدة الأمنية والتنسيق العام لكن لا توجد آلية للتعاون الهيكلي. بينما تعقد السفارة التركية في مقديشو اجتماعات تنسيقية متفرقة، فإن الهدف هو تعزيز تبادل المعلومات بدلاً من تنسيق عمليات المساعدات أو توجيه إنفاق المنظمات غير الحكومية للأموال العامة(21).

يتم تنفيذ المشروعات في الغالب بالشراكة مع السلطات الصومالية الوطنية أو المحلية حيث شغل العديد من الصوماليين أدوارًا حاسمة في اتخاذ القرارات في مشاريع البنية التحتية والنقل الكبرى التي تنفذها أو تمولها تركيا . وهذا يشير إلى استعداد الجانب التركي لمشاركة القرارات والموارد. في حين تشير التقارير التركية إلى أن تقييمات الاحتياجات يتم إجراؤها بشكل مشترك ، فإن الاختلافات في القدرات والخبرة تخلق اختلالًا بين الأطراف . كما قال رجل أعمال صومالي  “الجانب الصومالي في كثير من الأحيان لا يملك القدرة على فحص المدى الطويل لتأثير الاتفاقيات خاصة تلك المتعلقة بالتجارة”. يؤدي هذا أحيانًا إلى الشكوك فيما يتعلق بنوايا الممثلين الأتراك ؛ كما تم انتقاد العقود الخاصة بكل من ميناء مقديشو والمطار الأصلي بسبب احتوائها على “بنود مقلقة” وعدم مناقشتها بشكل تنافسي(22).

صاغت تركيا بنجاح صورة حميدة في البلاد على مدى السنوات السبع الماضية من خلال الاستفادة من أصول القوة الناعمة. مزامنةً مع سياسة الدبلوماسية الإنسانية  فقد حشدت الجهات الفاعلة الرسمية والمدنية للمساهمة في إعادة إعمار الصومال من خلال المساعدة الإنسانية ، والمساعدة الإنمائية ، والتجارة ، والوساطة. و قامت تركيا أيضًا ببناء مجمع كبير للمستشفيات ، وهو مطار مقديشو ، والعديد من المراكز المهنية ، ودار للأيتام ، ومجمع مدرسي ، إلى جانب مرافق أخرى . بالإضافة إلى استضافة مقدشيو أكبر قاعدة عسكرية لتركيا كما تستضيف أيضًا أكبر مجمع للسفارات في تركيا. تتماشى هذه الجهود مع سياسة تركيا الأوسع الخاصة بأفريقيا والتي تم إعادة النظر فيها في عام 2003 وتلاها إعلان عام 2005 “عام أفريقيا”. وبالتالي  زاد عدد البعثات التركية في القارة من 12 في عام 2009 إلى 39 في عام 2017. على هذا النحو ، فإن الركائز الرئيسية لسياسة تركيا الرسمية تجاه الصومال مثل الترويج للصومال على الصعيد الدولي وتقديم مساعدات إنسانية مكثفة وشاملة بالإضافة إلي إعادة بناء البنية التحتية من خلال مشاريع التنمية المساعدة في استعادة الأمن في البلاد من خلال دعم قوات الأمن الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ودعم عملية الإجماع السياسي وبناء الدولة في البلاد تعكس سياستها الإفريقية الأوسع. وفي هذا الصدد ، على الرغم من أن إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال قد يبدو وكأنه تحول في سياسة تركيا ، إلا أنه في الواقع انعكاس لسياستها  طويلة الأجل  والتي تعتمد بشكل كبير على الاستقرار في البلاد. علاوة على ذلك تعتبر  وسيلة لسد الفجوة التي ستنشأ من انسحاب 22000 من قوات الاتحاد الأفريقي من الصومال في نهاية عام 2018 . (23)

ويشمل النهج الاستخدام الموازي لكل من الجمعيات الإنسانية والمعونات الإنمائية ، كما يتضمن  التعاون مع عدد من مبادرات المنظمات غير الحكومية الخاصة مثل التدريب الزراعي والصرف الصحي للمياه. تعد (YDD) (منظمة أطباء بلا حدود) التركية شريكًا مهمًا لإطار التنمية في البلاد وتعكس هذا الانصهار لجهود المساعدة.  حيث بدأت (YDD) مساعدتها الأولية للصومال من خلال تقديم الإغاثة الإنسانية في عام 2010. وفي الوقت الراهن يمتلكون مشاريع طويلة الأجل تجمع بين المساعدة الفنية وبناء القدرات المدنية. على سبيل المثال  ساعدوا في بناء مستشفى سيفا في مقديشو لتنشيط نظام الرعاية الصحية الذي دمرته الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية. ويعملون حاليًا على تعزيز قدرات العاملين الطبيين الصوماليين من خلال تدريبهم في مستشفى جامعة بيزيميم في تركيا. ويستمر هؤلاء العمال في تلقي الدعم من خلال دورات منتظمة من خلال زيارة أطباء (YDD) في سيفا. (YDD) هي الآن في طور الانتقال من المستشفى إلى رعاية وزارة الصحة الصومالية . كما أنشأت (YDD) مراكز التغذية الطبية في عدة مناطق عبر الصومال. بالتعاون مع اليونيسف و يقدم خبراء التغذية الغذاء العلاجي والصيغة الطبية للأمهات وأطفالهن(24).

وتفضل تركيا النهج الثنائي المباشر فيما يتعلق برؤيتها التنفيذية للعمل الإنساني والمساعدات التنموية، وترى تركيا في نهجها هذا جزءاً من قيمتها المضافة بوصفها فاعلاً دولياً بارزاً على صعيد الشراكة الإنسانية والإنمائية، وتضطلع بهذا الدور على الصعيد الدولي هيئة إدارة الكوارث والطوارئ، والهلال الأحمر التركي، والوزارات المختلفة، ووكالة التعاون والتنسيق التركية، وتندرج كلاً من وكالة التعاون والتنسيق التركية وهيئة إدارة الكوارث والطوارئ تحت إشراف مكتب رئيس الوزراء مباشرة، مما يتيح لهما موارد وفيرة وخبراء على أعلى مستوى في كافة الوزارات، وهو ما يؤدي إلى تسريع الاستجابة التركية في وقت الأزمات وتحسينها(25).

ومن ثم فإنه بالمقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا فإن الفرق بين العمليات الإنسانية التركية والبلدان الأخرى هو أن تركيا تنطلق في جهودها الإنسانية من بعد قيمي وديني، ومن ثم فإنها لا تتوقع الحصول على مقابل، ويمكنها أن تعمل بسرعة من خلال هيكلها الديناميكي المرن، ولا يوجد لدى هيئة إدارة الكوارث والطوارئ ميزانية ثابتة، وفي أوقات الطوارئ يمكن زيادة الميزانية وفقاً للحاجة، كما أن المزج بين الثقافة الإسلامية والنهج الإداري الحديث  في مجال العمل الإنساني والتنموي يجعل المساعدات التركية مبتكرة إلى الحد الذي تحظى معه بشعبية كبيرة بين المستفيدين في إفريقيا، الأمر الذي كان له تأثير محفز على تحسين صورة تركيا في إفريقيا وتصويرها على أنها دولة خيّرة ومسالمة تتدخل لاعتبارات قيمية وتتوسط بين الأطراف المتنازعة دون انحياز لتحقيق مصالح الآخرين وليس لتحقيق مصالحها الخاصة(26).

وقد تبوأت تركيا مكانة مرموقة في مجال المساعدات الإنسانية الدولية خلال السنوات القليلة الماضية، ففي عام 2012م أصبحت تركيا رابع أكبر جهة حكوميةٍ مانحة للمساعدات الإنسانية في العالم، وأكبر مقدّم مساعدة إنمائية غير غربيّ خارج إطار لجنة المساعدة الإنمائية (DAC) التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD)  .(27)

وعلى الصعيد الإفريقي فإن وراء الخطاب السياسي النبيل حول المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية والمبادرات الإنمائية للقارة توجه لسياسة تركيا نحو إفريقيا مدفوعة باستراتيجية طويلة الأمد في السياسة الدولية، لكي تتبوأ مكانة مركزية على صعيد العلاقات الدولية.

المطلب الثاني – البعد الإستراتيجي

يعكس الإطار العام للمشاركة التركية في الصومال على نطاق واسع التحليل المشترك المتفق عليه خلال زيارة أردوغان 2011 حيث يؤكد مسؤولو وزارة الخارجية التركية أن البعثات الدبلوماسية في الصومال مسؤولة عن مراقبة التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية على الأرض وتعديل تقييمات الإحتياجات العامة ومجالات التعاون وفقًا لذلك، ولكن إلى أي مدى تعتمد المؤسسات والوكالات العامة الأخرى على هذه النصيحة. بدلاً من أن يكون لها أساس من خلال التحليل الاستراتيجي والسياسي المشترك للمؤسسات ، فإن الرؤية المستقبلية وتوجيه المساعدة التركية ما زالت تتحدد خلال الزيارات رفيعة المستوى بين الحكومات. على الرغم من وجود منصات مختلفة للتنسيق وتبادل المعلومات بين الممثلين الأتراك ، فإن هذه الجهود لا تزال مخصصة ولم تسفر عن تخطيط منظم(28).

لا يبدو أن التحليل والتقييم المشترك بين الجهات الفاعلة الدبلوماسية والإنسانية والإنمائية التركية من كل من الحكومة وقطاع المجتمع المدني هو القاعدة حيث تؤكد التقييمات عمومًا على إجراء مشاورات مباشرة وتنسيق مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الصومالية من أجل تحديد وتخطيط المشروعات ، لكن عدم وجود إنفتاح أثناء هذه المشاورات قد تعرض لإنتقادات من بعض الصوماليين الذين يجادلون بأن الطلبات المقدمة من المسؤولين الصوماليين لا تعكس دائمًا احتياجات المجتمعات واهتماماتها أو تؤدي إلى تخطيط وتسليم شامل ومتوازن(29).

تقوم الوكالات الحكومية التركية والمنظمات غير الحكومية عمومًا بتقييم الطلبات والمقترحات المقدمة من الحكومة الصومالية للتحقق من أنها قائمة على الإحتياجات ويمكن تحقيقها. تحدد وكالات مثل TIKA والهلال الأحمر مشاريعها بطرق مختلفة  من ضمنها التشاور المباشر مع الحكومة الصومالية ، وإجراء مهام تحديد النطاق وتقييم المدخلات من المنتديات متعددة الأطراف مثل مؤتمرات إسطنبول في الصومال. و تستخدم بعض المنظمات غير الحكومية ممثلين على أرض الواقع لتحديد الاحتياجات ، بينما تعمل منظمات أخرى بناءً على طلبات من شركائها الصوماليين أو صلاتهم السياسية التي تدعم تركيا. وتتمتع الطبيعة المخصصة لهذا النهج أيضًا بمزايا عديدة فقد أشار العديد من مسؤولي الحكومة الصومالية إلى أن عدم وجود تقييمات مفصلة ومنظمة يسهل التسليم الفوري للمساعدات والخدمات ، ويسمح بمزيد من الاستجابة للطلبات الصومالية(30).

اعترف العديد من ممثلي الحكومة التركية والمجتمع المدني بالحاجة إلى تحليل سياسي واستراتيجي أفضل للظروف على الأرض. باستثناء توفير المساعدات الإنسانية الطارئة  اتبعت المشاركة خاصة في الأيام الأولى  نموذجًا معروفًا يستخدم في العديد من البلدان الأخرى في إفريقيا – يتميز على نطاق واسع بانفتاح البعثات الدبلوماسية والوفود المتكررة رفيعة المستوى وإنشاء مكتب TIKA  وإطلاق طرق جديدة للخطوط الجوية التركية وتقديم المنح الدراسية ودخول شركات البناء – بدلاً من تكييفها مع الديناميات السياسية والأمنية في الصومال. على الرغم من أن افتتاح بعثات دبلوماسية في مقديشو وهرجيسا ساعد في زيادة التفاهم السياسي والوعي الاستراتيجي  خاصة في الأيام الأولى من المشاركة في عام 2011.(31)

يمكننا إستنتاج أن ذلك التمثيل الدبلوماسي لتركيا في الصومال وفي القارة الإفريقية يعبر عن إستراتيجة تركية جادة لتوطيد مكانتها كقوي إقليمية فعالة في المنطقة.

المطلب الثالث – البعد الأمني والسياسي

في المجال السياسي نجحت تركيا في أن تجعل إسطنبول عاصمة المؤتمرات الصومالية حيث استقبلت عددًا من مؤتمرات المانحين ولقاءات المصالحة الصومالية وكان أبرز ما تمخض عن أحدها خطوة اعتُبرت بـالمهمة وهي قضية أرض الصومال حيث اتفقت إدارة صومالي لاند مع الحكومة الصومالية على إدارة مشتركة للمجال الجوي الصومالي لأول مرة منذ اندلاع الأزمة بين الطرفين(32).

تركزت مشاركة أنقرة في استعادة السلام والأمن في الصومال بشكل خاص على ثلاثة مناهج(33)  كانت الإنسانية هي الموضوع الرئيسي وواحد من أكثر الخطابات الرسمية وضوحا منذ بدء العلاقات الثنائية، لا تتعلق الإنسانية بالمساعدات الطارئة فحسب بل تتعلق بالمساعدات الإنمائية.

الجانب الثاني من سياسة تركيا تجاه الصومال يتعلق بتنفيذ سياساتها الإنمائية فقد كان هناك تقارب في الأنشطة بين أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني مثل منظمة الإغاثة الإنسانية IHH وغيرها من المنظمات على أرض الواقع . وقد عزز هذا التحالف غير الرسمي – الذي يفتقر في أغلب الأحيان إلى التنسيق التام – رؤية تركيا الشاملة في الصومال. حيث أن كل ما تم القيام به في الصومال  بصرف النظر عما إذا كان قد تم القيام به من قبل مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني  فإن كل الفضل قد ذهب إلى تركيا مما جعل الأمر يبدو كما لو أن أنقرة كانت البادئ من كل شيء.

الجانب الثالث لمشاركة أنقرة هو نهجها الإقليمي فلقد أدركت تركيا أن مشكلة الصومال بكل تعقيداتها تتجاوز الدولة القومية وتتضمن أبعادا إقليمية وعالمية، وقد نشأ هذا النهج في الغالب عن فهم جيوسياسي مفاده أنه من دون حل التوازن الإقليمي  فإن أي سلام في الصومال سيكون من المرجح أن يكون لفترة مؤقتة. أظهر وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داود أوغلو في مؤتمر السفراء السنوي الخامس في أنقرة في 2 يناير 2013  اعتراف تركيا بالقضية المطروحة عندما أعلن عن استراتيجية تركيا المتكاملة لمعالجة القضايا في شرق إفريقيا ككل. كما ناقش التزام أنقرة الدبلوماسي بتخفيف التوترات بين إثيوبيا وإريتريا والسودان وجنوب السودان والصومال. عندما فتحت تركيا سفارة في إريتريا في عام 2013  أصبحت الدولة الوحيدة التي لديها سفارات في جميع دول منطقة القرن.

والذي حفز صانع القرار التركي نحو الانتقال بالشراكة الاستراتيجية مع القارة الإفريقية من الاشتباك الناعم Soft Engagement” ” إلى الاشتباك الخشن” Hard Engagement”، من خلال تدشين القاعدة العسكرية التركية في الصومال على خليج عدن الاستراتيجي (مدخل باب المندب والبحر الأحمر)؛ لتكون أول قاعدة عسكرية تركية في القارة السمراء(34).

ويمكن القول بأن الإهتمام الأمني التركي بالقارة الإفريقية ينبع من عدة اعتبارات مهمة بعضها يرتبط بتأمين العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التركية الضخمة في القارة، في حين يتعلق بعضها الآخر بالإستراتيجية الدبلوماسية التركية المرتبطة بالحصول على دعم دول القارة في المحافل الدولية، إضافة إلى بعدٍ استخباري لوجيستي داخلي يتعلق بتجفيف منابع جماعة فتح الله غولن المناوئة لأردوغان والتي لها امتداد كبير في القارة الإفريقية وأخيراً مكافحة الجماعات المتشددة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في عدد من أقاليم القارة، وخصوصاً بعد تعرض السفارة التركية في الصومال لهجوم إرهابي تبنته حركة الشباب الصومالية في العام 2013م؛ حيث أدركت القيادة السياسية التركية أنها قطعت مرحلة جيدة من النمو الاقتصادي واستقرار المناخ السياسي والقوة العسكرية داخليا، وأنها باتت بحاجة إلى آليات جديدة تتعلق بالشق المعلوماتي الأمني والإستخباري في محيطها الخارجي ذو البعد الاستراتيجي، وخصوصاً في قارة إفريقيا(35).

المطلب الرابع – البعد العسكري

افتتحت تركيا أول قاعدة عسكرية لها في إفريقيا، وتقع على بعد كيلومترين جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، وتبلغ مساحتها نحو 400 هكتار، وتضم ثلاثة مرافق مختلفة للتدريب، إضافة إلى مخازن للأسلحة والذخيرة، وتبلغ تكلفتها المالية 50 مليون دولار تقريبًا.

أنشئت هذه القاعدة العسكرية التركية في مقديشو بموجب اتفاقية عسكرية تم إبرامها بين البلدين في ديسمبر 2012، تعهدت تركيا من خلالها بالمشاركة في إعادة تأهيل الجيش الصومالي. ولا شك في أن القاعدة العسكرية التركية التي تم افتتاحها في مقديشو في الأول من أكتوبر الأول 2017 بحضور قائد أركان الجيش التركي في ذلك الوقت خلوصي أكار ورئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري ومسؤولين آخرين من الجانبين، وبذلك ستمنح تركيا امتيازات كبيرة على خليج عدن الإستراتيجي كما ستكون محطة لتوسيع النفوذ التركي في القارة الإفريقية، وذلك بعد أن وضعت تركيا قدمًا لها على الخليج العربي من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في قطر(36).

القاعدة التركية في الصومال تأتي في إطار سياسة فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية والبحث عن أسواق جديدة لبيع الأسلحة التي تنتجها أنقرة، يشرف الجيش التركي على تدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي في هذه القاعدة، وستفتح القاعدة أبوابًا واسعة لبيع وتصدير السلاح التركي وفق بعض التقارير؛ حيث تسعى أنقرة منذ سنوات إلى تطوير صناعاتها الدفاعية بشكل كبير ورفع نسب تصديرها للخارج(37).

أولاً:الأبعاد الاستراتيجية للقاعدة التركية

رسمياً لم تزد تركيا على التذكير بأن الهدف من تأسيس هذه القاعدة ما هو إلا تدريب وتأهيل الجيش الصومالي والتعاون العسكري مع مقديشو، غير أن المراقبين يعتقدون أن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى نوع من التمدد الاستراتيجي في هذه المنطقة المهمة جغرافياً وهو ما سيمكن أنقرة من تعزيز وتقوية أوراقها في بعض الملفات الإقليمية. ويمكننا أن نقسم هذا التصور إلى ثلاثة أقسام:

1-     مواجهة تنامي نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل: إيران، وإسرائيل، والصين، ومحاولة تطويق ومحاصرة تحركات بعض القوى الأخرى، مثل: الإمارات، ومصر، في إطار التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في المنطقة، إضافة إلى السعي نحو تقديم نفسها كبديل إقليمي جاهز لتحقيق وحماية مصالح وأهداف القوى الغربية والولايات المتحدة في المنطقة، في إطار استراتيجيتها الرامية إلى بناء قوة ونفوذ، يخلق منها قوة عظمى سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا(38).

2- تعزيز الحضور التركي في منطقة القرن الإفريقي نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لاسيما في الصومال، لكونه يقع في قلب مسرح الأحداث الإقليمية، بما يجعله بمنزلة العمق الاستراتيجي للأمن القومي العربي، ولقربه الجغرافي من منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط كما أن الصومال يطل على البحر الأحمر، ومضيق باب المندب فمن خلال ذلك تثبت تركيا وجودها ونفوذها في هذه الممرات المائية (39).

3- حماية المصالح الإقتصادية التركية في القارة الإفريقية والبحث عن المزيد من الاستثمارات في منطقة شرق إفريقيا، والقرن الإفريقي؛ حيث يمنح الوجود في هذه المنطقة تركيا العديد من المميزات على جميع المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية. ففي الوقت الذي يبلغ فيه حجم الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا نحو ستة مليارات دولار، تستحوذ منطقة شرق إفريقيا على نصفها تقريبًا، ويبلغ نصيب الصومال منها نحو مئة مليون دولار(40).

ثانياً: تداعيات القاعدة التركية في الصومال

1- تزايد معدل العمليات الإرهابية من قبل حركة الشباب المجاهدين؛ حيث يرى قادتها أن القاعدة العسكرية التركية في البلاد احتلال تركي للأراضي الصومالية، ومن ثم تجب مقاومته، وهو أمر من شأنه أن يسهم في عدم الاستقرار في البلاد.

2- إن القاعدة العسكرية التركية ستكون مصدر قلق لإثيوبيا التي تعتبر الجارة المؤثرة في الصومال وأهم قوة إقليمية مؤثرة في القرن الإفريقي ولها وزنها ودورها في المنطقة عمومًا وفي الصومال خصوصًا، وترى إثيوبيا في الوجود التركي المتزايد في الصومال وتدريب الجيش الصومالي خطوة إلى الأمام في إعداد كيان صومالي وجيش وطني قادر على حماية البلد(41).

3- هناك عدة دول ستنزعج من هذه الخطوة وخاصة الدول الإقليمية المهتمة بالملف الصومالي، مثل: الإمارات ومصر وإيران والسعودية بسبب تكريس تركيا تواجدها العسكري في أحد أهم الأماكن الإستراتيجية في العالم.

خاتمـــــــة

للدور التركي في الصومال عدد كبير من المحددات، فتدخل تركيا في القرن الإفريقي عامةً والصومال علي وجه الخصوص نابع من الثقافة الإسلامية المشتركة و الأهمية الإستراتيجية للصومال علاوةً علي ذلك كانت الإستراتيجية التركية الجديدة المتزامنة مع تولي حزب العدالة والتنمية دوراً كبيراً في التوجه نحو إفريقيا وخاصةً إستراتيجية القوة الناعمة.

إن استراتيجية القوة الناعمة جعلت توفير المساعدة الإنمائية أحد المحركات الرئيسية لأدوات السياسة الخارجية فلقد بذلت أنقرة جهودًا مكثفة نحو المساعدة الإنمائية  باستخدامها كأداة لتشكيل علاقاتها مع البلدان في إفريقيا.

وكان لتركيا أبعاد متباينة تسعي لتحقيقها من خلال مشاركتها في الصومال، تمثلت أهم تلك الأبعاد في البعد التنموي والإنساني الذي تبلور في المساعدات التي قدمتها المنظمات التركية الحكومية وغير الحكومية للمساعدة في إعادة بناء الصومال، بالإضافة إلي البعد العسكري الذي أرادت من خلاله أنقرة أن تجعل لها مستقر في الصومال بإنشاء القاعدة العسكرية في عام 2017 ، وبذلك اصبحت من أهم القوي الإقليمية في المنطقة، كما رغبت الدولة التركية في توطيد الأمن و السلام في المنطقة عن طريق الوساطة والمصالحة بين القوي المتنازعة وخاصةً بين الحكومة الصومالية وحكومة صوماليلاند (أرض الصومال).

تم التوصل من خلال الدراسة إلي عدد من النتائج وهي:

  • إثبات الدراسة لصحة الفرض المتعلق بوجود علاقة تفسيرية طردية بين المساعدات التي تقدمها تركيا للصومال وتحقيق المصالح التركية، حيث أن المساعدات كانت بمثابة القوة الناعمة التي إستعملتها تركيا لتوطد لنفسها مكانة ليس فقط في الصومال بل في معظم الدول الإفريقي، ومن ثم تعمل علي فتح أسواقها لبيع منتجاتها من السلع وكذلك الأسلحة في القارة الإفريقية.
  • عدم وجود علاقة تتابعية طردية بين رغبة تركيا في الإنضمام للإتحاد الأوروبي و زيادة توغلها في أفريقيا، فبسبب رفض الإتحاد الأوروبي كافة محاولات أنقرة للدخول إليه، قامت تركيا بتغيير إستراتيجيتها والتوجه نحو التوغل في إفريقيا.
  • برهنت الدراسة خطأ الفرض المنضوي علي وجود علاقة تفسيرية عكسية بين إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال وزيادة تنافس القوي الإقليمية في الصومال، فبإنشاء تركيا لأكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال زاد التنافس الإقليمي خاصةً مع الإمارات التي سارعت بأخذ خطوات جادة لإنشاء قاعدتها العسكرية (قاعدة بربرة) في أرض الصومال.
  • لعب التنافس الإقليمي دوراً مركزياً لتوجيه إهتمام تركيا نحو الصومال حيث رغبت تركيا في أن تثبت نفسها علي الساحة الدولية بأنها مانح نشط وقوة لا يستهان بها.
  • أصبحت تركيا من خلال مشاركتها في الصومال  أكثر وضوحًا على الساحة العالمية  وقد عززت مكانتها الدولية وحصلت على مدخل إلى إفريقيا لقد وجدت تركيا أيضًا مساحة لشركاتها وللمجتمع المدني لتوسيع عملياتها وقدمت نفسها كمانح نشط.
  • أهم السمات المميزة لإطار التنمية المتبع من قبل تركيا هو التركيز على تعزيز التكامل الاقتصادي داخل منطقتها من أجل تعزيز الاعتماد المتبادل، ويثبت ذلك التركيز على نهج تركيا التشاركي والشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. رؤية مستقبلية.

توصلت الدراسة إلي عدد من السيناريوهات يتضمن السيناريو الأول الرؤية التفاؤلية بشأن مستقبل الدور التركي في الصومال، حيث بإنشاء تلك القاعدة العسكرية سيكون لتركيا الدور الفعال في الصومال مما سيضيق الخناق على اللاعبين الإقليميين في الساحة، وخاصةً بعد أن نالت تركيا ثقة الصوماليين بسبب مواقفها الإنسانية والإغاثية تجاه الصومال أثناء أزمة الجفاف وما تلاها من مساعدات في كافة المجالات إلي الوقت الحالي، كما ستتمكن تركيا من إرساء الأمن والسلام في الصومال.

بينما يركز السيناريو الواقعي علي أن الدور التركي بعد بناء القاعدة العسكرية سيزداد ولكن ليس بالدرجة التي ستمكنه من توطيد السلام في الصومال، بسسبب المناوشات القائمة بين العناصر التركية وعناصر حركة الشباب المجاهدين، كما أن القوي الإقليمية خاصةً الإمارات وإيران لن يسمحا بتركز تركيا في الصومال دون تدخل منهم، مما سيعمل علي زيادة التنافس الإقليمي.

بينما يرجح السيناريو الأخير أن دور تركيا سيتم تقويضه من قبل القوي الدولية التي لن تسمح لتركيا بأن تصبح قوي كبري في الصومال لأن ذلك سيمكنها من التأثير الفعال علي كافة دول القرن الإفريقي، كما أن الإمارات لن تهدأ حتي تنشأ قاعدتها العسكرية في أرض الصومال مما سيؤدي إلي إندلاع وتفاقم النزاعات بين تلك الدولتين.

قائمة المراجع

1) Gizem Sucuoglu and Jason Stearns, Turkey in Somalia: Shifting Paradigm of Aid, (Canada: South African Institute of International Affairs (SAIA) Research report 24, November 2016)p.p 16-21.

2)Mehmet Ozkan,”Turkey’s African Experience: From Venture to Normalisation”, Paper produced in the framework of a project entitled “The EU, the US and the International Strategic Dimension of Sub-Saharan Africa: Peace, Security and Development in the Horn of Africa (Foundation for European Progressive Studies (FEPS):Istituto Affari Internazionali (IAI), August 2016) p.p 4-8.

3) مصطفى شفيق علام، “التغلغل الناعم: إفريقيا في الاستراتيجية التركية.. المحدّدات والسياقات والتحديات”، قراءات إفريقية ( لندن: المنتدي الإسلامي، يونيو 2017، أخر دخول 20/3/2019، متاح علي  http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%84%D8%BA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%85-) .

4) المرجع نفسه.

5) محمد سليمان الزواوي، “أبعاد الدور التركي في إفريقيا وآفاقه”، قراءات أفريقية (الرياض: المنتدي الإسلامي، العدد9، 2011).

6)أمنية محمد سيد عبدالله، ” التوجه التركي تجاه الصومال”، المركز الديموقراطي العربي( القاهرة: المركز الديموقراطي العربي، يونيو 2018، اخر دخول 27/3/2019، متاح علي https://democraticac.de/?p=54643 ).

7) المرجع نفسه.

8) أيمن شبانة، ” أبعاد الدور: دوافع تأسيس تركيا قاعدة عسكرية في الصومال”، مركزالمستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ( أبوظبي: مركز المستقبل، أبريل 2017، أخر دخول 1/4/2019، متاح علي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/2653/).

9) بوزيدي يحيي، ” السياسة الإيرانية والسياسة التركية تجاه إفريقيا دراسة مقارنة”، قراءات إفريقية ( لندن: المنتدي الإسلامي، مايو 2016، اخر دخول 2/4/2016، متاح علي http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9 ).

10) المرجع السابق.

11) أحمد داوود أوغلو، العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل (مترجمان) ( بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، ط2، 2011م) ص ص (232 – 234).

12) مصطفى شفيق علام، مرجع سبق ذكره.

13) أمنية محمد سيد عبدالله ، مرجع سابق.

14)  Mahad Wasuge, Assistance of Turkey in Somalia, (Mogadishu: the Heritage Institute for Policy Studies, 2016) P.P 11-17.

15)  idem

16)  Gizem Sucuoglu and Jason Stearns, op.cit, p.p 16-21 .

17)   Idem.

18)  Mahad Wasuge, op.cit, p.p 11-17.

19)   Idem.

20) Abdinor Hassan Dahir, Aid in Foreign Policy: the Turkey-Somalia Relations Case, (Master Thesis, Sakarya University: Social Science Institute, 7/2/2018) p.p 31-40.

21)  Idem.

22) مصطفي شفيق علام، مرجع سبق ذكره.

23)  Abdinor Hassan Dahir, op.cit, p.p31-40 .

24)  Idem.

25)   Gizem Sucuoglu and Jason Stearns, op.cit, p.p 16-21.

26)  Kathryn Achilles and others, Turkish aid agencies in Somalia:Risks and opportunities for building peace, (Ankara: Sabanci University: Saferworld and Istanbul Policy Center, March 2015) p.p10-29.

27)   Idem.

28)    Pinar Akpinar, From Benign Donor to Self-assured Security Provider: Turkey’s Policy in Somalia, (Ankara: Sabanci University, Istanbul Policy Center, December 2017) p.p 2-8.

29) Abdinor Hassan Dahir, op.cit, p.p31-40.

30) Idem.

31)  Gizem Sucuoglu and Jason Stearns, op.cit, p.p 42-45.

32)  كمال الدين شيخ محمد عرب، ” أبعاد القاعدة العسكرية التركية في الصومال”، مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية ( بغداد: مركز الروابط للدراسات، اكتوبر 2017، اخر دخول 9/4/2019، متاح علي http://rawabetcenter.com/archives/53080 ).

33)  المرجع نفسه.

34)  مصطفي علام شفيق، مرجع سبق ذكره.

35)  المرجع نفسه.

36) كمال الدين شيخ محمد عرب، مرجع سبق ذكره.

37) المرجع نفسه.

38) أمنية محمد سيد عبدالله ، مرجع سبق ذكره.

39) المرجع نفسه.

40) محمد سليمان الزواوي، مرجع سبق ذكره.

41) جوزيف رامز أمير، ” االعلاقات التركية مع منطقة القرن الإفريقي”، آفاق إفريقية ( القاهرة: الهيئة العامة للإستعلامات، عدد47، 2018، أخر دخول 5/4/2019، متاح علي https://www.elbalad.news/3422581 ).

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى