القاموس السياسيدراسات سياسية

الرأي العام – Public Opinion

ترجع نشأة مفهوم الرأي العام إلى الثورة الفرنسية حين استخدم السياسيون الفرنسيون هذا المفهوم للتعبير عن اتجاهات وآراء ومصالح كبار التجار وأصحاب الصناعات خلال مرحلة ما بعد الثورة، وقد تبلور هذا المفهوم بشكل أكبر بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.

وعلى الرغم من شعبية مفهوم الرأي العام، فإنَّه كغيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية لم يتم الاتفاق على تعريف واحد جامع له، خاصة مع تداخله مع المفاهيم أُخرى مثل العادات والتقاليد والاعتقاد والقناعة والاتجاه والحكم والسلوك.

ويمكن تعريف الرأي العام بأنَّه اتجاهات الناس ومواقفهم إزاء موضوع معين عندما يكون هؤلاء الناس أعضاء في جماعة معينة.

كما يمكن تعريف الرأي العام بأنَّه ليس رأي الشعب بأكمله بل يمكن اعتباره رأي فئة متفوقة على سائر فئات الشعب.

“بينما يقول جيمس برايس – James Bryce بأنَّ الرأي العام هو اصطلاح يستخدم للتعبير عن مجموع الآراء التي  يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم العامة و الخاصة.“

وقد أكدَّت هذه التعاريف الأخيرة “أنَّ الرأي العام هو رأي الأغلبية، و معنى ذلك أنَّ هناك إمكانية لوجود آراء أخرى تختلف عنه، و لكنها لا تقلل من أهميته أو إمكانية وصفه بأنَّه عام“، و كما عرَّف بأنَّه: “تعبير إداري عن وجهات نظر الجماهير، نتيجة التقاء كلمتها وتكامل مفاهيمها بشأن مسألة تثير اهتمامها و تمس مصالحها“. وقد أشار إلى أنَّ الرأي العام ليس مجموعاً حسابياً للآراء الفردية، وإنما هو محصلة تفاعل اكتملت حلقاته، ومرحلة بين أعضاء الجماعة وارتضته كأحد البدائل المتاحة، لكنه أكثرها ملاءمة وأهمية من وجهة نظر الجماعة ككل.

و نقرأ في مؤلفات شكسبير – William Shakespeare على لسان هنرى الرابع – Henry IV هذه العبارة التى تدل على إدراك  لقيمة الرأى العام “opinion, that did Help me to the crown”

من أهم خصائص الرأي العام الثبات و التقلب و التبرير، و الإبدال والتعويض، والإسقاط والتماثل أو التطابق و التبسيط. ويظل الرأي العام كامناً حتى تظهر مسألة أو قضية عامة يكون لها رد فعل في النفوس فيحدث التصادم وخيبة الأمل، حينها يظهر في محاولة للتقليل من ذلك، وفي حال صعب التغلب على الظروف التي سببت خيبة الأمل والتصادم يلجأ الرأي العام لعمليات التبرير أو الإبدال أو التعويض. ومن خصائص الرأي العام أنَّه قد يكون مبنياً على الترشيد والتعقيل والتبرير، وهو بمعناه الواسع تعليل السلوك بأسباب منطقية يقبلها العقل مع أنَّ أسبابه الحقيقية انفصالية؛ فالتبرير عند الفرد هو تمسكه بسببٍ عارضٍ لينسب إليه فشله، وكذلك الرأي العام عندما يحس بالتوتر والقلق فإنَّه يلجأ للتبرير، وقد يستغل الإعلامي تلك الخاصية ليقدم للرأي العام التبريرات التي تساعده على التخلص من ذلك التوتر.

“فالرأي العام الفعلي يدل على أنَّ الاتجاهات قد أثيرت وأنَّ لها بعض التأثير على السلوك الداخلي أو الخارجي، أما الرأي العام الكامن فيدل على أن هناك اتجاهات لم تتبلور بعد، حيال قضية معينة.“  

ونرى أنَّ الرأي العام هو رأي جماعة ما أو طبقة أو مجموعة من الناس تستطيع أن تروج له وتنشره وتسوقه مما يسمح له أن يكون رأي عام غالب في المجتمع  ويعبر عن مصالحهم.

تكوين الرأي العام و العوامل المؤثرة فيه:

يتأثر الرأي العام بالعديد من العوامل يمكن تلخيصها فى التالي : 

– العوامل الفسيولوجية والوظيفية: من المعروف أنَّ هناك سمات جسيمة تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره، فالمريض تكون أفكاره مريضة، وقد تكون نظرته للحياة متشائمة.

– العوامل النفسية: هناك عوامل نفسية تؤثر في تصرفات الفرد وفي سلوكه، بالتأكيد تؤثر العوامل النفسية في كل تصرفات الأنسان كما تؤثر فى رؤيته للأشياء والحكم عليها. و تلعب الأهواء دوراً بالغ الأهمية في بلورة الرأي العام.  

– الثقافة: و هي تمثل مجموع العادات و التقاليد و القيم و أساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها، فأفكار الشخص الذي نشأ في بيئة مترفة غير أفكار شخص نشأ في بيئة فقيرة أو مهمشة، والعادات المكتسبة أثناء عملية التنشئة الاجتماعية المختلفة لها تأثير على ما يصدره الفرد من أحكام، ومما لاشك فيه أن الدين والتعليم والعادات المكتسبة تؤثر في نفسية الفرد، وما يصدر عنه من أفكار وآراء.

– النظام السياسي: تسمح الديمقراطية بذيوع وانتشار الرأي العام، ولا تعمل الهيئات والمؤسسات العامة في الخفاء، كما تعمل الديمقراطية على قيام حرية الفكر والاجتماع والتعبير عن الرأي بين أفراد المجتمع، وذلك على عكس ما هو موجود في ظل الدكتاتورية، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الحريات العامة، وهي حرية الرأي، وحرية الصحافة والكتابة، وحرية الاجتماع، وحرية العمل وغيرها تعد من مكونات الرأي العام.

– الأحداث والمشكلات: تعتبر الحوادث المشكلات والأزمات، التي يتعرض لها مجتمع معين، من العوامل المهمة التي تعمل على تكوين اتجاهات جديدة للرأي العام، فمهما قيل عن عبقرية وزير الدعاية النازية جوبلز – Joseph Goebbels، فالحقيقة أنه لا هتلر، ولا جوبلز، ولا غيرهما من الدعاة والعباقرة كانوا يستطيعون تحويل ألمانيا إلى النازية دون الاعتماد على الأزمة الاقتصادية، والشعور بالقلق وعدم الأمن بين صفوف الشعب الألماني، فالتغيير الثوري ليس حركة فجائية تحدث في فراغ، و لكنه تعبير عن ظروف موضوعية وأحداث سياسية واقتصادية واقعية، وقد يكون الرأي العام مؤقتاً، كالذي يحدث نتيجة مشكلة بين أصحاب العمل والعمال، عند مناقشة الأجور مثلاً، ففي هذه الحالة يتغير الرأي العام بزوال المشكلة.

– الإعلام و الدعاية: أن الرأى العام يتأثر  بوسائل الاعلام و الدعاية و لذلك يجب أن نفرق بين الإعلام و الدعاية”  فالإعلام هو العمليات التي يترتب عليها نشر معلومات و أخبار معينة تقوم على أساس الصدق و الصراحة، و احترام عقول الجماهير و تكوين الرأي العام عن طريق تنويره”، “أما الدعاية فهي العمليات التي تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في شخصيات الأفراد من خلال دوافعهم و انفعالاتهم ومفاجأتهم بالأخبار، و التهويل فيها، و تقديم الوعود الكاذبة”.  

– الشائعات: يمكن النظر إلى الشائعات باعتبارها ظاهرة اجتماعية موجودة منذ قديم الأزل، وقد استخدمت على مر العصور كأداة من أدوات التأثير وتشكيل الوجدان بشأن قضية أو أمر ما، سواء في أوقات السلم أم في أوقات الحرب، وسواء بين الدول وبعضها البعض أو حتى داخل الدولة الواحدة، لخدمة مصالح صانعيها ومروجيها، الأمر الذي جعل من تلك الظاهرة إحدى أهم أدوات الحرب النفسية الناجعة، سواء وظفت بشكل إيجابي أو سلبي، ترغيبي أو ترهيبي، والتي ثؤثر بشكل أو بآخر على تماسك واستقرار المجتمعات والشعوب.

ووفقًا لجوردن أولبورت – Gordon Allport وليو بوستمان – Leo Postman، تعرف الشائعة بأنها ”كل قضية أو عبارة نوعية مطروحة للتصديق، وهي تتداول من فرد إلى آخر بالكلمة الشفهية فى العادة، دون أن تستند إلى دلائل مؤكدة على صدقها، وتحتوي كل شائعة على شيئ من الحقيقة”، وخلال حقبة الحرب العالمية الثانية لاحظ الباحثان أهمية الشائعات في التأثير على أفكار الشعوب واتجاهاتهم وسلوكهم بشأن الحرب، فجاء كتابهما سيكولوجية الشائعة، لاستقصاء تأثير الشائعة كسلاح ذي تأثير فعال إبان حقبة الحرب.

والشائعة تتكون من خبر مصنوع ينقله مصدر معين عن طريق عدة وسائل، قد تكون الهاتف، أو وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، لاسيما أدوات التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتوتير، والتي تتسم بالسرعة والإتاحة للعامة، من أجل تحقيق هدف معين لمتلق معين، وووفقاً لبرينسكي – Marc Prensky تنتشر الشائعات ويتم تداولها بكثرة في ظل المجتمعات التسلطية التي لا تتيح حرية تدفق المعلومات بشكل كامل، كما تكثر أيضاً في ظل الأزمات والثورات التي تتسم بعدم الاستقرار، ومن ثم يكون لدى الشعب القابلية لتصديق تلك الشائعات والتأثر بها.

تتسم الشائعة بصفه التناقض، فقد تبدأ علي شكل حملات هامسة، أو تهب كريح عاصفة عاتية، وقد تكون مسالمة لا تحمل أكثر من تمنيات طيبة للمستقبل أو مدمرة تحمل بين طياتها كل المعاني الجهد والكراهية والتخريب. وهي من جهة أخرى أشبه بموج البحر الذي يعلو فجأة على سطحه ثم يغطس ثانية إلى القاع ليعاود الظهور إذا ما تهيأت الظروف المناسبة، وعلى كل حال فهي وباء اجتماعي يصيب الإنسان ولا يستطيع أن يبتعد عنه أو يتخلص منه بسهولة.(

ولما كانت تتضمن عادة موضوعاً معيناً فإن الاهتمام بها يكون مؤقتا. فهي تروج في الظروف الملائمة للموضوع، ثم تنتهي بموتها ودفنها على أنَّه من ناحية أخرى قد تعاود الظهور مرة أخرى إذا ما وجدت الأرض الخصبة المناسبة.

ويرى الباحثون أنَّ الشائعة تعتبر أداة تستخدم من أجل هدف ما، قد يكون الهدف الاضرار أو قياس مدى أمكانية قبول شئيا ما،  ومن أجل نجاح الشائعة يجب أن تساعدها الظروف المحيطة على ذلك حيث يجب أن تمتلك قابلية التصديق.

– العامل الديني: يعد العامل الديني من أكثر العوامل المؤثرة في الرأي العام إثارة للجدل في المرحلة الحالية، خاصة مع ما كشفت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية من صعود تيار الإسلام السياسي، و هذه النتائج تطرح عدة أسئلة بقدرة الجماعات الدينية على توجية الرأي العام والتأثير فيه ويمكن القول: إنَّ درجة تأثير العامل الديني في الرأي العام وتوجهاته بصفة عامة، تختلف من مجتمع لآخر ومن شخص لآخر تبعا لمجموعة من العوامل، أهمها مستوى الالتزام الديني ومستوى الوعي بطبيعة الدين ومدى ارتباطه بمظاهر الحياة، و كذلك أسلوب عرض الخطاب الديني ومدى رصانته و إقناعه، فضلاً عن طبيعة المرحلة التى يمر بها المجتمع في مسار تطوره.

المصادر والمراجع:

رانيا مكرم، “التيار الرئيسي الرأي العام في مراحل ما بعد الثورات بين النظرية و التطبيق”, ملحق مجلة السياسة الدولية،العدد 187، يناير 2012.

صبحي عسلية، ” الموسوعة السياسية للشباب”، ط(القاهرة، نهضة مصر،2007)

محمد بهجت كشك، “العلاقات العامة والخدمة الاجتماعية”، ط(القاهرة – الإسكندرية،المكتب الجامعي الحديث، 1998)

صالح خليل أبو أصبع، “العلاقات العامة و الاتصال الإنساني”، ط1(الأردن، دار الشروق للنشر والتوزيع،1998)

محمد نصر مهنا، “الوجيز في مناهج البحوث السياسية والإعلامية”، ط2 (القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع،1999)

هاني رضا، رامز عمار، “الرأي العام والإعلام والدعاية”، ط(بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،  1998)

ﻤﺤﻤﺩ ﺴﻴﺩ ﻋﺘﺭﺍﻥ، “ﺩﻭﺭ ﺍﻻﺘﺼﺎل ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ”، ﺭﺴﺎﻟﺔ ﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ، (القاهرة، ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ، ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻹﻋﻼﻡ، 1991)

علي بن فاير الجحني، “ماهية الشائعة: التطور التاريخي”، في: ساعد العربي الحارثي وآخرون(محرر)، أساليب مكافحة الشائعات، الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 2001

Adam J. Berinsky, “Rumors, Truths, and Reality: A Study of Political Misinformation”, draft version of work in progress, 2011 Midwest Political Science Association meeting and the 2011 meeting of the Chicago Area Behavior Workshop, 22 May, 2012,

الإعداد العلمي: محمد تهامي – Mohamed Tohamy – الموسوعة السياسية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى